كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٣

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٣

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

ويعرف بميدان العيد ، وبنى مصطبة هناك ، وأقام ينزل في كل يوم من الظهر ، ويركب منها عشاء الآخرة ، وهو واقف في الشمس يرمي ويحرّض الناس على الرمي والرهان ، فما بقي أمير ولا مملوك إلا وهذا شغله ، واستمرّ الحال في كل يوم على ذلك حتى صارت تلك الأمكنة لا تسع الناس ، وما بقي لأحد شغل إلّا لعب الرمح ورمي النشاب. وفي شهر رمضان سنة اثنتين وسبعين وستمائة ، تقدّم السلطان الملك الظاهر إلى عساكره بالتأهب للركوب واللعب بالقبق ورمي النشاب ، واتفقت نادرة غريبة ، وهو أنه أمر برش الميدان الأسود تحت القلعة لأجل الملعب ، فشرع الناس في ذلك ، وكان يوما شديد الحرّ ، فأمر السلطان بتبطيل الرش رحمة للناس ، وقال : الناس صيام وهذا يوم شديد الحرّ ، فبطل الرش ، وأرسل الله تعالى مطرا جودا استمرّ ليلتين ويوما حتى كثر الوحل وتلبدت الأرض وسكن العجاج وبرد الجوّ ولطف الهواء ، فوكل السلطان من يحفظه من السوق فيه يوم اللعب ، وهو يوم الخميس السادس والعشرون من شهر رمضان ، وأمر بركوب جماعة لطيفة من كل عشرة اثنان ، وكذلك من كل أمير ، ومن كل مقدّم لئلا تضيق الدنيا بهم. فركبوا في أحسن زيّ ، وأجمل لباس ، وأكمل شكل ، وأبهى منظر ، وركب السلطان ومعه من خواصه ومماليكه ألوف ، ودخلوا في الطعان بالرماح ، فكل من أصاب خلع عليه السلطان ، ثم ساق في مماليكه الخواص خاصة ، ورتبهم أجمل ترتيب ، واندفق بهم اندفاق البحر ، فشاهد الناس أبهة عظيمة ، ثم أقيم القبق ودخل الناس لرمي النشاب ، وجعل لمن أصاب من المفاردة رجال الحلقة والبحرية الصالحية وغيرهم بغلطاقا بسنجاب ، وللأمراء فرسا من خيله الخاص بتشاهيره ومراواته الفضية والذهبية ومزاخمه ، وما زال في هذه الأيام على هذه الصورة يتنوّع في دخوله وخروجه ، تارة بالرماح ، وتارة بالنشاب ، وتارة بالدبابيس ، وتارة بالسيوف مسلولة ، وذلك أنه ساق على عادته في اللعب وسلّ سيفه ، وسلّ مماليكه سيوفهم ، وحمل هو ومماليكه حملة رجل واحد ، فرأى الناس منظرا عجيبا ، وأقام على ذلك كل يوم من بكرة النهار إلى قريب المغرب ، وقد ضربت الخيام للنزول للوضوء والصلاة ، وتنوّع الناس في تبديل العدد والآلات ، وتفاخروا وتكاثروا ، فكانت هذه الأيام من الأيام المشهودة ، ولم يبق أحد من أبناء الملوك ، ولا وزير ، ولا أمير كبير ولا صغير ، ولا مفردي ، ولا مقدّم من مقدّمي الحلقة ، ومقدّمي البحرية الصالحية ، ومقدّمي المماليك الظاهرية البحرية ، ولا صاحب شغل ، ولا حامل عصا في خدمة السلطان على بابه ، ولا حامل طير في ركاب السلطان ، ولا أحد من خواص كتاب السلطان ، إلّا وشرّف بما يليق به على قدر منصبه ، ثم تعدّى إحسان السلطان لقضاة الإسلام والأئمة وشهود خزانة السلطان ، فشرّفهم جميعهم ، ثم الولاة كلهم ، وأصبحوا بكرة يوم الأحد ثامن عشري شهر رمضان لابسين الخلع جميعهم في أحسن صورة وأبهج زي وأبهى شكل وأجمل زينة ، بالكلوتات الزركش بالذهب ، والملابس التي ما سمع بأن أحدا جاد بمثلها ، وهي ألوف ، وخدم الناس جميعهم

٢٠١

وقبلوا الأرض وعليهم الخلع ، وركبوا ولعبوا نهارهم على العادة ، والأموال تفرّق والأسمطة تصف ، والصدقات تنفق ، والرقاب تعتق. وما زال إلى أن أهلّ هلال شوّال ، فقام الناس وطلعوا للهناء ، فجلس لهم ، وعليهم خلعه ، ثم ركب يوم العيد إلى مصلاه في خيمة بشعار السلطنة وأبّهة الملك ، فصلى ثم طلع قلعة الجبل وجلس على الأسمطة ، وكان الاحتفال بها كبيرا ، وأكل الناس ، ثم انتهبه الفقراء ، وقام إلى مقرّ سلطانه بالقبة السعيدة ، وقد غلقت وفرشت بأنواع الستور والكلل والفرش ، وكان قد تقدّم إلى الأمراء بإحضار أولادهم ، فأحضروا ، وخلع عليهم الخلع المفصلة على قدرهم ، فلما كان هذا اليوم أحضروا وختنوا بأجمعهم بين يدي السلطان ، وأخرجوا فحملوا في المحفات إلى بيوتهم ، وعمّ الهناء كل دار ، ثم أحضر الأمير نجم الدين خضر ولد السلطان ، فختن ورمى للناس جملة من الأموال اجتمع منها خزانة ملك كبير ، فرّقت على من باشر الختان من الحكماء والمزينين وغيرهم.

وانقضت هذه الأيام ، وجرى السلطان فيها على عادته كما كان ، من كونه لم يكلّف أحدا من خلق الله تعالى بهدية يهديها ، ولا تحفة يتحفه بها في مثل هذه المسرّة ، كما جرت عادة من تقدّمه من الملوك ، ولم يبق من لا شمله إحسانه غير أرباب الملاهي والأغاني ، فإنه كان في أيامه لم ينفق لهم مبلغ البتة.

وممن لعب بهذا الميدان القبق ، السلطان الملك الأشرف خليل بن قلاوون ، وعمل فيه المهمّ الذي لم يعمل في دولة ملوك الترك بمصر مثله ، وذلك أن خوندار دوتكين ابنة نوكيه ، ويقال نوغية السلحدارية ، اشتملت من السلطان الملك الأشرف على حمل ، فظنّ أنها تلد ابنا ذكرا يرث الملك من بعده ، فأخذ عند ما قاربت الوضع في الاحتفال ، ورسم لوزيره الصاحب شمس الدين محمد بن السلعوس أن يكتب إلى دمشق بعمل مائة شمعدان نحاس مكفت بألقاب السلطان ، ومائة شمعدان أخر ، منها خمسون من ذهب ، وخمسون من فضة ، وخمسين سرجا من سروج الزركش ، ومائة وخمسين سرجا من المخيش ، وألف شمعة وأشياء كثيرة غير ذلك ، فقدّر الله تعالى أنها ولدت بنتا ، فانقبض لذلك وكره إبطال ما قد اشتهر عنه عمله ، فأظهر أنه يريد ختان أخيه محمد ، وابن أخيه مظفر الدين موسى بن الملك الصالح عليّ بن قلاوون ، فرسم لنقيب الجيش والحجاب بإعلام الأمراء والعسكر أن يلبسوا كلهم آلة الحرب من السلاح الكامل ، هم وخيولهم ، ويصيروا بأجمعهم كذلك في الميدان الأسود خارج باب النصر ، فاهتم الأمراء والعسكر اهتماما كبيرا لذلك ، وأخذوا في تحسين العدد وبالغوا في التأنق ، وتنافسوا في إظهار التجمل الزائد ، وخرج في اليوم الرابع من إعلام الأمراء السوقة ، ونصبوا عدّة صواوين فيها سائر البقول والمآكل ، فصار بالميدان سوق عظيم ، ونزل السلطان من قلعة الجبل بعساكره وعليهم لامة الحرب ، وقد خرج سائر من في القاهرة ومصر من الرجال والنساء إلّا من خلفه العذر لرؤية السلطان ، فأقام السلطان يومه ، وحصل في ذلك اليوم للناس بهذا الاجتماع من السرور ما يعزّ وجود مثله ، وأصبح السلطان

٢٠٢

وقد استعدّ العسكر بأجمعه لرمي القبق ، ورسم للحجاب بأن لا يمنعوا أحدا من الجند ، ولا من المماليك ، ولا من غيرهم من الرمي ، ورسم للأمير بيسري والأمير بدر الدين بكتاش الفخريّ أمير سلاح ، أن يتقدّما الناس في الرمي ، فاستقبل الأمير بيسري القبق وتحته سرج قد صنع قربوسه الذي من خلفه وطيئا ، فصار مستلقيا على قفاه ، وهو يرمي ويصيب يمنة ويسرة ، والناس بأسرهم قد اجتمعوا للنظر حتى ضاق بهم الفضاء ، فلما فرغ دخل أمير سلاح من بعده ، وتلاه الأمراء على قدر منازلهم واحدا واحدا ، فرموا. ثم دخل بعد الأمراء مقدّموا الحلقة ، ثم الأجناد والسلطان يعجب برميهم ، وتزايد سروره حتى فرغ الرمي ، فعاد إلى مخيّمه ودار السقاة على الأمراء بأواني الذهب والفضة والبلور يسقون السكّر المذاب ، وشرب الأجناد من أحواض قد ملئت من ذلك ، وكانت عدّتها مائة حوض ، فشربوا ولهوا واستمرّوا على ذلك يومين ، وفي اليوم الثالث ركب السلطان واستدعى الأمير بيسري وأمره بالرمي ، فسأل السلطان أن يعفيه من الرمي ، ويمنّ عليه بالتفرّج في رمي النشاب من الأمراء وغيرهم ، فأعفاه ووقف مع السلطان في منزلته ، وتقدّم طفج ، وعين الغزال ، وأمير عمر ، وكيلكدي ، وقشتمر العجمي ، وبرلغي ، وأعناق الحسامي ، وبكتوت ، ونحو الخمسين من أمراء السلطان الشبان الذين أنشأهم من خاصكيته ، وعليهم تتريات حرير أطلس بطرازات زركش وكلوتات زركش وحوائص ذهب ، وكانوا من الجمال البارع بحيث يذهب حسنهم الناظر ، ويدهش جمالهم الخاطر ، فتعاظمت مسرّة السلطان برؤيتهم ، وكثر إعجابه ، وداخله العجب واستخفه الطرب ، وارتجب الدنيا بكثرة من حضر هناك من أرباب الملاهي والأغاني وأصحاب الملعوب.

فلما انقضى اللعب ، عاد السلطان إلى دهليزه في زينته ، ومرح في مشيته تيها وصلفا ، فما هو إلّا أنّ عبر الدهليز والناس من الطرب والسرور في أحسن شيء يقع في العالم ، وإذا بالجوّ قد أظلم ، وثار ريح عاصف أسود إلى أن طبق الأرض والسماء ، وقلع سائر تلك الخيم ، وألقى الدهليز السلطانيّ ، وتزايد حتى أن الرجل لا يرى من بجانبه ، فاختلط الناس وماجوا ولم يعرف الأمير من الحقير ، وأقبلت السوقة والعامّة تنهب ، وركب السلطان يريد النجاة بنفسه إلى القلعة ، وتلاحق العسكر به واختلفوا في الطرق لشدّة الهول ، فلم يعبر إلى القلعة حتى أشرف على التلف ، وحصل في هذا اليوم من نهب الأموال وانتهاك الحرم والنساء ما لا يمكن وصفه ، وما ظنّ كل أحد إلّا أنّ الساعة قد قامت ، فتنغص سرور الناس وذهب ما كان هناك ، وما استقرّ السلطان بالقلعة حتى سكن الريح وظهرت الشمس وكأن ما كان لم يكن ، فأصبح السلطان وطلب أرباب الملاهي بأجمعهم ، وحضر الأمراء الختان أخيه وابن أخيه ، وعمل مهمّ عظيم في القاعة التي أنشأها بالقلعة ، وعرفت بالأشرفية ، وقد ذكر خبر هذا المهمّ عند ذكر القلعة من هذا الكتاب.

وما برح هذا الميدان فضاء من قلعة الجبل إلى قبة النصر ليس فيه بنيان ، وللملوك فيه

٢٠٣

من الأعمال ما تقدّم ذكره إلى أن كانت سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون ، فترك النزول إليه وبنى مسطبة برسم طعم طيور الصيد بالقرب من بركة الحبش ، وصار ينزل هنالك ، ثم ترك تلك المسطبة في سنة عشرين وسبعمائة ، وعاد إلى ميدان القبق هذا وركب إليه على عادة من تقدّمه من الملوك ، إلى أن بنيت فيه الترب شيئا بعد شيء حتى انسدّت طريقه ، واتصلت المباني من ميدان القبق إلى تربة الروضة خارج باب البرقية ، وبطل السباق منه ، ورمي القبق فيه ، من آخر أيام الملك الناصر محمد بن قلاون ، كما ذكر عند ذكر المقابر من هذا الكتاب ، وأنا أدركت عواميد من رخام قائمة بهذا الفضاء تعرف بين الناس بعواميد السباق ، بين كل عمودين مسافة بعيدة ، وما برحت قائمة هنالك إلى ما بعد سنة ثمانين وسبعمائة ، فهدمت عند ما عمّر الأمير يونس الدوادار الظاهريّ تربته تجاه قبة النصر ، ثم عمّر أيضا الأمير قجماس ابن عمّ الملك الظاهر برقوق تربة هنالك ، وتتابع الناس في البنيان إلى أن صار كما هو الآن والله أعلم.

ذكر برّ الخليج الغربي

قد تقدّم أنّ هذا الخليج حفر قبل الإسلام بدهر ، وأن عمرو بن العاص رضي‌الله‌عنه جدّد حفره في عام الرمادة ، بإشارة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، حتى صبّ ماء النيل في بحر القلزم (١) ، وجرت فيه السفن بالغلال وغيرها حتى عبرت منه إلى البحر الملح ، وأنه ما برح على ذلك إلى سنة خمسين ومائة ، فطمّ ولم يبق منه إلا ما هو موجود الآن ، إلّا أنّ فم هذا الخليج الذي يصبّ فيه الماء من بحر النيل ، لم يكن عند حفره هذا الفم الموجود الآن ، ولست أدري أين كان فمه عند ابتداء حفره في الجاهلية ، فإن مصر فتحت وماء النيل عند الموضع الذي فيه الآن جامع عمرو بن العاص بمصر ، وجميع ما بين الجامع وساحل النيل الآن انحسر عنه الماء بعد الفتح ، وآخر ما كان ساحل مصر من عند سوق المعاريج الذي هو الآن بمصر إلى تجاه الكبش من غربيه ، وجميع ما هو الآن موجود من الأرض التي فيما بين خط السبع سقايات إلى سوق المعاريج انحسر عنه الماء شيئا بعد شيء ، وغرس بساتين ، فعمل عبد العزيز بن مروان أمير مصر قنطرة على فم هذا الخليج في سنة تسع وستين من الهجرة بأوّله ، عند ساحل الحمراء ، ليتوصل من فوق هذه القنطرة إلى جنان الزهريّ الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى. وموضع هذه القنطرة بداخل حكر أقبغا المجاور لخط السبع سقايات ، وما برحت هذه القنطرة عندها السدّ الذي يفتح عند الوفاء إلى ما بعد الخمسمائة من الهجرة ، فانحسر ماء النيل عن الأرض ، وغرست بساتين ، فعمل الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب بن شادي هذه القنطرة التي تعرف اليوم بقنطرة السدّ ، خارج مصر ، ليتوصل من فوقها إلى بستان

__________________

(١) بحر القلزم : البحر الأحمر.

٢٠٤

الخشاب ، وزيد في طول الخليج ما بين قنطرة السباع الآن وبين قنطرة السدّ المذكورة ، وصار ما في شرقيه مما انحصر عنه الماء بستانا عرف ببستان الحارة ، وما في غربيه يعرف ببستان المحليّ ، وكان بطرف خط السبع سقايات كنيسة الحمراء ، وعدّة كنائس أخر ، بعضها الآن بحكر أقبغا ، تعرف بزاوية الشيخ يوسف العجميّ ، لسكناه بها عند ما هدمت بعد سنة عشرين وسبعمائة ، وما برحت هذه البساتين موجودة إلى أن استولى عليها الأمير أقبغا عبد الواحد استدار الملك الناصر محمد بن قلاون ، وقلع أخشابها وأذن للناس في عمارتها ، فحكرها الناس وبنوا فيها الآدر وغيرها ، فعرفت بحكر أقبغا.

وبأوّل هذا الخليج الآن من غربيه منشأة المهرانيّ ، وقد تقدّم خبرها في هذا الكتاب عند ذكر مدينة مصر ، ويجاور منشأة المهرانيّ بستان الخشاب ، وبعضه الآن يعرف بالمريس ، وبعضه عمله الملك الناصر محمد بن قلاون ميدانا يشرف على النيل من غربيه ، ويعرف ساحل النيل هناك بموردة الجبس ، كما ذكر عند ذكر الميادين من هذا الكتاب ، ويجاور بستان الخشاب جنان الزهريّ ، وهذه المواضع التي ذكرت كلها مما انحسر عنه النيل ، ما خلا جنان الزهريّ ، فإنها من قبل ذلك ، وستقف على خبرها وخبر ما يجاورها من الأحكار إن شاء الله تعالى.

ذكر الأحكار التي في غربيّ الخليج

قال ابن سيده : الاحتكار ، جمع الطعام ونحوه مما يؤكل واحتباسه انتظار وقت الغلاء به. والحكرة والحكر جميعا : ما احتكر وحكره يحكره حكرا ظلمه وتنقضه وأساء معاشرته. انتهى.

فالتحكير على هذا : المنع. فقول أهل مصر : حكر فلان أرض فلان ، يعنون منع غيره من البناء عليها.

حكر الزهريّ : هذا الحكر يدخل فيه جميع برّ ابن التبان الآتي ذكره إن شاء الله تعالى ، وشق الثعبان ، وبطن البقرة ، وسويقة القيمريّ ، وسويقة صفية ، وبركة الشقاف ، وبركة السباعين ، وقنطرة الخرق ، وحدرة المرادنيين ، وحكر الحلبيّ ، وحكر البواشقيّ ، وحكر كرجي وما بجانبه إلى قناطر السباع ، وميدان المهاري إلى الميدان الكبير السلطانيّ بموردة الجبس. وكان هذا قديما يعرف بجنان الزهريّ ، ثم عرف ببستان الزهري.

قال أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس في تاريخ الغرباء : عبد الوهاب بن موسى بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ ، يكنى أبا العباس ، وأمّه أم عثمان بنت عثمان بن العباس بن الوليد بن عبد الملك بن مروان ، مدنيّ قدم مصر ، وولي الشرط بفسطاط مصر ، وحدّث يروي عن مالك بن أنس وسفيان بن عيينة ، روى عنه من أهل

٢٠٥

مصر أصبغ بن الفرج ، وسعيد بن أبي مريم ، وعثمان بن صالح ، وسعيد بن عفير ، وغيرهم. وهو صاحب الجنان التي بالقنطرة ، قنطرة عبد العزيز بن مروان ، تعرف بجنان الزهريّ ، وهو حبس على ولده إلى اليوم. وكان كتاب حبس الجنان عند جدّي يونس بن عبد الأعلى وديعة عليه ، مكتوب وديعة لولد ابن العباس الزهريّ لا يدفع لأحد إلّا أن يغري به سلطان ، والكتاب عندي إلى الآن. توفي عبد الوهاب بن موسى بمصر في رمضان سنة عشرة ومائتين.

وقال القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعيّ في كتاب معرفة الخطط والآثار : حبس الزهريّ هو الجنان التي عند القنطرة بالحمراء ، وهو عبد الوهاب بن موسى بن عبد العزيز الزهريّ ، قدم مصر وولي الشرط بها ، والجنان حبس على ولده.

وقال القاضي تاج الدين محمد بن عبد الوهاب بن المتوّج في كتاب إيقاظ المتغفل واتعاظ المتأمّل : حبس الزهريّ فذكره ثم قال : وهذا الحبس أكثر الآن أحكار ، ما بين بركة الشقاف وخليج شق الثعبان وقد استولى وكيل بيت المال على بعضه ، وباع من أرضه وآجرّ منها ، واجتمع هو ومحبسه بين يدي الله عزوجل. انتهى.

ولما طال الأمد صار للزهريّ عدّة بساتين ، منها بستان أبي اليمان ، وبستان السراج ، وبستان الحبانية ، وبستان عزاز ، وبستان تاج الدولة قيماز ، وبستان الفرغانيّ ، وبستان أرض الطيلسان ، وبستان البطرك ، وغيط الكرديّ ، وغيط الصفار ، ثم عرف ببرّ ابن التبان بعد ذلك.

قال القاضي محيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر في كتاب الروضة البهية الزاهرة في خطط المعزية القاهرة : شاطىء الخليج المعروف ببرّ التبان.

ابن التبان المذكور : هو رئيس المراكب في الدولة المصرية ، وكان له قدر وأبهة في الأيام الآمرية وغيرها ، ولما كان في الأيام الآمرية ، تقدّم إلى الناس بالعمارة قبالة الخرق غربيّ الخليج ، فأوّل من ابتدأ وعمر الرئيس ابن التبان ، فإنه أنشأ مسجدا وبستانا ودارا ، فعرفت تلك الخطة به إلى الآن ، ثم بنى سعد الدولة والي القاهرة ، وناهض الدولة عليّ ، وعديّ الدولة أبو البركات محمد بن عثمان ، وجماعة من فراشي الخاص. واتصلت العمارة بالآجرّ والسقوف النقية والأبواب المنظومة من باب البستان ، المعروف بالعدّة على شاطىء الخليج الغربيّ ، إلى البستان المعروف بأبي اليمن. ثم ابتنى جماعة غيرهم ممن يرغب في الأجرة والفرجة على التراع التي تتصرّف من الخليج إلى الزهريّ والبساتين من المنازل والدكاكين شيئا كثيرا ، وهي الناحية المعروفة الآن بشق الثعبان وسويقة القيمريّ ، إلى أن وصل البناء إلى قبالة البستان المعروف بنور الدولة الربعيّ ، وهذا البستان معروف في هذا الوقت بالخطة المذكورة ، وهو متلاشي الحال بسبب ملوحة بئره ، وبستان نور الدولة هو

٢٠٦

الآن الميدان الظاهريّ والمناظر به ، وتفرّقت الشوارع والطرق ، وسكنت الدكاكين والدور ، وكثر المترّددون إليه والمعاش فيه ، إلى أن استناب والي القاهرة بها نائبا عنه ، ثم تلاشت تلك الأحوال وتغيرت إلى أن صارت أطلالا ، وعفت تلك الآثار. ثم بعد ذلك حكر آدر أو بساتين ، وبني على غير تلك الصفة المقدّم ذكرها ، وبني على ما هو عليه ، ثم حكر بستان الزهريّ آدرا ، ولم يبق منه إلّا قطعة كبيرة بستانا ، وهو الآن أحكار تعرف بالزهريّ ، ويعرف البرّ جميعه ببرّ ابن التبان إلى هذا الوقت ، وولايته تعرف بولاية الحكمر ، وبني به حمام الشيخ نجم الدين بن الرفعة ، وحمام تعرف بالقيمري ، وحمام تعرف بحمّام الداية انتهى.

وبستان أبي اليمان يعرف اليوم مكانه بحكر أقبغا ، وفيه جامع الست مسكة ، وسويقة السباعين. وبستان السراج في أرض باب اللوق ، يعرف موضعه الآن بحكر الخليليّ ، ويأتي ذكرهما إن شاء الله تعالى. وقيماز هو تاج الدولة ، صهر الأمير بهرام الأرمنيّ ، وزير الخليفة الحافظ لدين الله ، وقتل عند دخول الصالح طلائع بن رزيك إلى القاهرة في سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، وعزاز هو غلام الوزير شاور بن مجير السعديّ ، وزير الخليفة العاضد لدين الله.

حكر الخليلي : هذا الحكر هو الخط الذي بقرب سويقة السباعين وجامع الست مسكة ، وهو بجوار حكر الزهريّ ، وكان بستانا يعرف ببستان أبي اليمان ، ومنهم من يكتب بستان أبي اليمن بغير ألف بعد الميم ، ثم عرف ببستان ابن جن حلوان ، وهو الجمال محمد بن الزكي يحيى بن عبد المنعم بن منصور التاجر. في ثمرة البساتين عرف بابن جن حلوان ، في سنة إحدى وتسعين وستمائة ، وحدّ هذا البستان القبليّ إلى الخليج ، وكان فيه بابه والهماليا والحدّ البحريّ ينتهي إلى غيظ قيماز ، والشرقيّ إلى الآدر المحتكرة ، والغربيّ ينتهي إلى قطعة تعرف قديما بابن أبي التاج. ثم عرف ببستان ابن السراج ، واستأجره ابن جن حلوان من الشيخ نجم الدين بن الرفعة الفقيه المشهور في سنة ثمان وثمانين وستمائة ، فعرف به. ثم إن هذا البستان حكر بعد ذلك فعرف بحكر الخليليّ وهو ... (١).

حكر قوصون : هذا الحكر مجاور لقناطر السباع ، كان بساتين ، أحدهما يعرف بالمخاريق الكبرى ، والآخر يعرف بالمخاريق الصغرى ، فأمّا المخاريق الكبرى : فإن القاضي الرئيس الأجل المختار العدل الأمين زكيّ الدين أبا العباس أحمد بن مرتضى بن سيد الأهل بن يوسف ، وقف حصة من جميع البستان المذكور الكبير ، المعروف بالمخاريق الكبرى ، الذي بين القاهرة ومصر بعدوة الخليج ، فيما بين البستانين المعروف أحدهما بالمخاريق الصغرى ، ويعرف قديما بالشيخ الأجل ابن أبي أسامة ، ثم عرف بغيره ، والبستان الذي يعرف بدويرة دينار ، يفصل بينهما الطريق بخط بستان الزهريّ ، وبستان أبي اليمن ،

__________________

(١) بياض في الأصل.

٢٠٧

وكنائس النصارى قبالة جماميز السعدية والسبع سقايات ، ولهذا البستان حدود أربعة : القبليّ ينتهي إلى الخليج الفاصل بينه وبين المواضع المعروفة بجماميز السعدية والسبع سقايات ، والحدّ الشرقيّ ينتهي إلى البستان المعروف بالمخاريق الصغرى المقابل للمجنونة ، والبحريّ ينتهي إلى البستان المعروف قديما بابن أبي أسامة ، الفاصل بينه وبين بستان أبي اليمن المجاور للزهريّ ، والحدّ الغربيّ ينتهي إلى الطريق.

وجعل هذا البستان على القربات بعد عمارته ، وشرط أن الناظر يشتري في كل فصل من فصول الشتاء ما يراه من قماش الكتان الخام أو القطن ، ويصنع ذلك جبابا وبغالطيق محشوّة قطنا ، ويفرّقها على الأيتام الذكور والإناث الفقراء غير البالغين بالشارع الأعظم ، خارج باب زويلة ، لكل واحد جبة أو بغلطاق ، فإن تعذر ذلك كان على الأيتام المتصفين بالصفة المذكورة بالقاهرة ومصر وقرافتيهما ، فإن تعذر ذلك كان للفقراء والمساكين أينما وجدوا. وتاريخ كتاب هذا الوقف في ذي الحجة سنة ستين وستمائة ، وأما المخاريق الصغرى فإنه بعدوة الخليج قبالة المجنونة بالقرب من بستان أبي اليمن ، ثم عرف أخيرا ببستان بهادر رأس نوبة ، ومساحته خمسة عشر فدّانا ، فاشتراه الأمير قوصون وقلع غروسه ، وأذن للناس في البناء عليه ، فحكروه وبنوا فيه الآدر وغيرها ، وعرف بحكر قوصون.

حكر الحلبيّ : هذا الحكر الآن يعرف بحكر بيبرس الحاجب ، وهو مجاور للزهري ، ولبركة الشقاف من غربيها ، وأصله من جملة أراضي الزهري ، اقتطع منه وباعه القاضي مجد الدين ابن الخشاب وكيل بيت المال لابنتي السلطان الملك الأشرف خليل بن قلاون ، في سنة أربع وتسعين وستمائة ، وكان يعرف حين هذا البيع ببستان الجمال بن جن حلوان ، وبغيط الكرديّ ، وببستان الطيلسان ، وببستان الفرغانيّ ، وحدّ هذه القطعة القبليّ إلى بركة الطوّابين ، وإلى الهدير الصغير. والحدّ البحريّ ينتهي إلى بستان الفرغانيّ وإلى بستان البواشقيّ. والحدّ الشرقيّ إلى بركة الشقاف وإلى الطريق الموصلة إلى الهدير الصغير. والحدّ الغربيّ إلى بستان الفرغانيّ. ثم انتقل هذا البستان إلى الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب في أيام الملك الناصر محمد بن قلاون وحكره فعرف به.

حكر البواشقيّ : عرف بالأمير أزدمر البواشقيّ مملوك الرشيديّ الكبير ، أحد المماليك البحرية الصالحية ، وممن قام على الملك المعز أيبك عند ما قتل الأمير فارس الدين أقطاي في ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وستمائة ، وخرج إلى بلاد الروم ، ثم عرف الآن بحكر كرجي ، وهو بجوار حكر الحلبيّ المعروف بحكر بيبرس.

حكر أقبغا : هذا الحكر بجوار السبع سقايات ، بعضه بجانب الخليج الغربيّ ، وبعضه بجانب الخليج الشرقيّ ، كان بستانا يعرف قديما بجنان الحارة ، ويسلك إليه من خط قناطر السباع على يمنة السالك طالبا السبع سقايات ، بالقرب من كنيسة الحمراء ، وكان بعضه

٢٠٨

بستانا يعرف ببستان المحلي ، وهو الذي في غربيّ الخليج ، وكان بستان جنان الحارة بجوار بركة قارون ، وينتهي إلى حوض الدمياطيّ الموجود الآن على يمنة من سلك من خط السبع سقايات إلى قنطرة السدّ ، فاستولى عليه الأمير أقبغا عبد الواحد استادار الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وأذن للناس في تحكيره ، فحكر وبني فيه عدّة مساكن. وإلى يومنا هذا يجبى حكره ويصرف في مصارف المدرسة الأقبغاوية المجاورة للجامع الأزهر بالقاهرة ، وأوّل من عمر في حكر أقبغا هذا أستادار الأمير جنكل بن البابا ، فتبعه الناس. وفي موضع هذا الحكر كانت كنيسة الحمراء التي هدمها العامّة في أيام الملك الناصر ، محمد بن قلاون كما ذكر عند ذكر الكنائس من هذا الكتاب.

وهي اليوم زاوية تعرف بزاوية الشيخ يوسف العجمي ، وقد ذكرت في الزوايا أيضا ، وهذا الحكر لما بنى الناس فيه عرف بالآدر لكثرة من سكن فيه من التتر والوافدية من أصحاب الأمير جنكل بن البابا ، وعمر تجاه هذا الحكر الأمير جنكل حمامين هما هنالك إلى اليوم ، وانتشأ بعمارة هذا الحكر بظاهره سوق وجامع ، وعمر ما على البركة أيضا ، واتصلت العمارة منه في الجانبين إلى مدينة مصر ، واتصلت به عمائر أيضا ظاهر القاهرة بعد ما كان موضع هذا الحكر مخوفا ، يقطع فيه الزعار الطريق على المارّة من القاهرة إلى مصر ، وكان والي مصر يحتاج إلى أن يركز جماعة من أعوانه بهذا المكان لحفظ من يمرّ من المفسدين ، فصار لما حكر كأنه مدينة كبيرة ، وهو إلى الآن عامر وأكثر من يسكنه الأمراء والأجناد ، وهذا الحكر كان يعرف قديما بالحمراء الدنيا ، وقد ذكر خبر الحمراوات الثلاث عند ذكر خطط مدينة فسطاط مصر من هذا الكتاب ، وفي هذا الحكر أيضا كانت قنطرة عبد العزيز بن مروان التي بناها على الخليج ليتوصل منها إلى جنان الزهريّ ، وبعض هذا الحكر مما انحسر عنه النيل ، وهي القطعة التي تلي قنطرة السدّ.

حكر الست حدق : هذا الحكر يعرف اليوم بالمريس ، وكان بساتين ، من بعضها بستان الخشاب ، فعرف بالست حدق من أجل أنها أنشأت هناك جامعا كان موضعه منظرة السكرة ، فبنى الناس حوله ، وأكثر من كان يسكن هناك السودان ، وبه يتخذ المزور مأوى أهل الفواحش والقاذورات ، وصار به عدّة مساكن وسوق كبير ، يحتاج محتسب القاهرة أن يقيم به نائبا عنه للكشف عما يباع فيه من المعايش ، وقد أدركنا المريس على غاية من العمارة ، إلّا أنه قد اختلّ منذ حدثت الحوادث من سنة ست وثمانمائة ، وبه إلى الآن بقية من فساد كبير.

حكر الست مسكة : هذا الحكر بسويقة السباعين بقرب جوار حكر الست ، حدق ، عرف بالست مسكة لأنها أنشأت به جامعا ، وهذا الحكر كان من جملة الزهريّ ، ثم أفرد وصار بستانا تنقل إلى جماعة كثيرية ، فلما عمرت الست مسكة في هذا الحكر الجامع بنى

٢٠٩

الناس حوله حتى صار متصلا بالعمارة من سائر جهاته ، وسكنه الأمراء والأعيان وأنشأوا به الحمّامات والأسواق وغير ذلك.

وكانت حدق ومسكة من جواري السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون ، نشأتا في داره وصارتا قهرمانتين لبيت السلطان يقتدى برأيهما في عمل الأعراس السلطانية والمهمات الجليلة التي تعمل في الأعياد والمواسم ، وترتيب شؤون الحريم السلطانيّ ، وتربية أولاد السلطان ، وطال عمرهما وصار لهما من الأموال الكثيرة ، والسعادات العظيمة ما يجلّ وصفه ، وصنعا برّا ومعروفا كبيرا ، واشتهرتا وبعد صيتهما وانتشر ذكر هما.

حكر طقزدمر : هذا الحكر كان بستانا مساحته نحو الثلاثين فدّانا ، فاشتراه الأمير طقزدمر الحمويّ نائب السلطنة بديار مصر ودمشق ، وقلع أخشابه وأذن للناس في البناء عليه ، فحركوه وأنشأوا به الدور الجليلة ، واتصلت عمارة الناس فيه بسائر العمائر من جهاته ، وأنشأ الأمير طقزدمر فيه أيضا على الخليج قنطرة ليمرّ عليها من خط المسجد المعلق إلى هذا الحكر ، وصار هذا الحكر مسكن الأمراء والأجناد ، وبه السوق والحمّامات والمساجد وغيرها ، وهو مما عمر في أيام الملك الناصر محمد بن قلاون ، ومات طقز دمر في ليلة الخميس مستهلّ جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وسبعمائة.

اللوق : يقال لاق الشيء يلوقه لوقا ولوّقه ، ليّنه. وفي الحديث الشريف لا آكل إلّا ما لوّق لي ، ولواق أرض معروفة. قاله ابن سيده : فكأن هذه الأرض لما انحسر عنها ماء النيل كانت أرضا لينة ، وإلى الآن في أراضي مصر ما إذا نزل عنها ماء النيل لا تحتاج إلى الحرث للينها ، بل تلاق لوقا ، فصواب هذا المكان أن يقال فيه أراضي اللوق بفتح اللام ، إلّا أن الناس إنما عهدناهم يقولون قديما باب اللوق وأراضي باب اللوق بضم اللام ، ويجوز أن يكون من اللق بضم اللام وتشديد القاف. قال ابن سيده : واللق كل أرض ضيقة مستطيلة ، واللق الأرض المرتفعة ، ومنه كتاب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج لا تدع خقا ولا لقا إلا زرعته ، حكاه الهوريّ ، في الغريبين. انتهى. والخقّ بضم الخاء المعجمة وتشديد القاف ، الغدير إذا جفّ. وقيل الخق ما اطمأنّ من الأرض ، واللق ما ارتفع منها ، وأراضي اللوق هذه كانت بساتين ومزروعات ، ولم يكن بها في القديم بناء البتة ، ثم لما انحسر الماء عن منشأة الفاضل عمر فيها كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب ، ويطلق اللوق في زمننا على المكان الذي يعرف اليوم بباب اللوق ، المجاور لجامع الطباخ المطلّ على بركة الشقاف ، وما يسامته إلى الخليج الذي يعرف اليوم بخليج فم الخور ، وينتهي اللوق من الجانب الغربيّ إلى منشأة المهرانيّ ، ومن الجانب الشرقيّ إلى الدكة بجوار المقس ، وكان القاضي الفاضل قد اشترى قطعة كبيرة من أراضي اللوق هذه من بيت المال وغيره بجمل كبيرة من المال ، ووقفها على العين الزرقاء بالمدينة النبوية ، على ساكنها أفضل الصلاة

٢١٠

والتسليم ، وعرفت هذه الأرض ببستان ابن قريش ، وبعضها دخل في الميدان الظاهريّ ، وعوّض عنها أراض بأكثر من قيمتها ، وكان متحصل هذا الوقف يحمل في كل سنة إلى المدينة لتنظيف العين وتنظيف مجاريها ، وأما الجانب الغربيّ من خليج فم الخور المعروف اليوم بحكر ابن الأثير ، وبسويقة الموفق ، وموردة الملح ، وساحل بولاق ، كله فإنه محدث ، عمّر بعد سنة سبعمائة كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى قريبا.

فإنّ النيل كان يمرّ من ساحر الحمراء بغربيّ الزهري على الأراضي التي لما انحسر عنها عرفت بأراضي اللوق ، إلى أن ينتهي إلى ساحل المقس ، وكانت طاقات المناظر التي بالدكة تشرف على النيل الأعظم ، ولا يحول بنيها وبين رؤية برّ الجيزة شيء ، ويمرّ النيل من الكدة إلى المقس ، ويمتدّ إلى زريبة جامع المقس الذي هو الآن على الخليج الناصريّ. فلما انحسر ماء النيل عن أراضي اللوق ، اتصلت بالمقس وصارت عدّة أماكن تعرف بظاهر اللوق ، وهي بستان ابن ثعلب ، ومنشأة ابن ثعلب ، وباب اللوق ، وحكر قردمية ، وحكر كريم الدين ، ورحبة التبن ، وبستان السعيديّ ، وبركة قرموط ، وخور الصعبيّ ، وصار بين اللوق وبين منشأة المهرانيّ التي هي بأوّل برّ الخليج الغربيّ منشأة الفاضل ، والمنشأة المستجدّة ، وحكر الخليليّ ، وحكر الساباط ، ويعرف بحكر بستان القاصد ، وحكر كريم الدين الصغير ، وحكر المطوع ، وحكر العين الزرقاء. وفي غربيّ هذه المواضع على شاطىء النيل زريبة قوصون ، وموردة البلاط ، وموردة الجبس ، وخط الجامع الطيبرسيّ ، وزريبة السلطان ، وربع بكتمر.

وأوّل ما بنيت الدور للسكن في اللوق أيام الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداريّ ، وذلك أنه جهز كشافه من خواصه مع الأمير جمال الدين الرومي السلاح دار ، والأمير علاء الدين أق سنقر الناصريّ ، ليعرف أخبار هولاكو ، ومعهم عدّة من العربان ، فوجدوا طائفة من التتر مستأمنين وقد عزموا على قصد السلطان بمصر ، وذلك أن الملك بركة خان ملك التتر كان قد بعثهم نجدة لهولاكو ، فلما وقع بينهما ، كتب إليهم بركة يأمرهم بمفارقة هولاكو والمصير إليه ، فإن تعذر عليهم ذلك صاروا إلى عسكر مصر ، فإنه كان قد ركن إلى الملك الظاهر ، وتردّدت القصّاد بينهم بعد واقعة بغداد ورحيل هولاكو عن حلب ، فاختلف هولاكو مع ابن عمه بركة خان وتواقعا ، فقتل ولد هولاكو في المصاف ، وانهزم عسكره وفرّ إلى قلعة في بحيرة أذربيجان ، فلما وردت الأخبار بذلك إلى مصر ، كتب السلطان إلى نوّاب الشام بإكرامهم وتجهيز الإقامات لهم ، وبعث إليهم بالخلع والإنعامات ، فوصلوا إلى ظاهر القاهرة وهم نيف على مائتي فارس بنسائهم وأولادهم في يوم الخميس رابع عشرى ذي الحجة سنة ستين وستمائة ، فخرج السلطان يوم السبت سادس عشرية إلى لقائهم بنفسه ومعه العساكر ، فلم يبق أحد حتى خرج لمشاهدتهم ، فاجتمع عالم عظيم تبهر رؤيتهم العقول ، وكان يوما مشهودا. فأنزلهم السلطان في دور كان قد أمر بعمارتها من

٢١١

أجلهم في أراضي اللوق ، وعمل لهم دعوة عظيمة هناك ، وحمل إليهم الخلع والخيول والأموال ، وركب السلطان إلى الميدان وأركبهم معه للعب الأكرة ، وأعطى كبراءهم أمريات ، فمنهم من عمله أمير مائة ، ومنهم دون ذلك ، ونزل بقيتهم من جملة البحرية ، وصار كل منهم من سعة الحال كالأمير ، في خدمته الأجناد والغلمان ، وأفرد لهم عدّة جهات برسم مرتبهم ، وكثرت نعمهم ، وتظاهروا بدين الإسلام ، فلما بلغ التتار ما فعله السلطان مع هؤلاء ، وفد عليه منهم جماعة بعد جماعة ، وهو يقابلهم بمزيد الأحسان ، فتكاثروا بديار مصر ، وتزايدت العمائر في اللوق وما حوله ، وصار هناك عدّة أحكار عامرة آهلة إلى أن خربت شيئا بعد شيء ، وصارت كيمانا ، وفيها ما هو عامر إلى يومنا هذا ، ولما قدمت رسل القان بركة في سنة إحدى وستين وسبعمائة ، أنزلهم السلطان الملك الظاهر باللوق ، وعمل لهم فيه مهما ، وصار يركب في كل سبت وثلاثاء للعب الأكرة باللوق في الميدان. وفي سادس ذي الحجة من سنة إحدى وستين قدم من المغل والبهادرية زيادة على ألف وثلثمائة فارس ، فأنزلوا في مساكن عمرت لهم باللوق بأهاليهم وأولادهم ، وفي شهر رجب سنة إحدى وستين وسبعمائة قدمت رسل الملك بركة ، ورسل الأشكري ، فعملت لهم دعوة عظيمة باللوق.

فأما بستان ابن ثعلب فإنه كان بستانا عظيم القدر ، مساحته خمسة وسبعون فدانا ، فيه سائر الفواكه بأسرها ، وجميع ما يزدرع من الأشجار والنخل والكروم ، والنرجس والهليون والورد ، والنسرين والياسمين والخوخ ، والكمثرى والنارنج والليمون التفاحيّ ، والليمون الراكب ، والمختن والجميز والقراصيا ، والرمان والزيتون والتوت الشاميّ والمصريّ ، والمرسين والتامر حنا وألبان تعرف اليوم ببركة قرموط ، والأرض التي تعرف اليوم بالخور ، قبالة الأرض المعروفة بالبيضاء بجوار بستان السراج ، وبستان الزهريّ ، وبستان البورجي ، فيما بين هذه البساتين وبين خليج الدكة والمقس ، وكان على بستان ابن ثعلب سور مبنيّ ، وله باب جليل. وحدّه القبليّ إلى منشأة ابن ثعلب ، وحدّه البحريّ إلى الأرض المجاورة للميدان السلطانيّ الصالحيّ ، وإلى أرض الجزائر ، وفي هذا الحدّ أرض الخور ، وهي من حقوقه. وحدّه الشرقيّ إلى بستان الدكة ، وبستان الأمير قراقوش ، وحدّه الغربيّ إلى الطريق المسلوك فيها إلى موردة السقائين قبالة بستان السراج ، وموردة السقائين هذه موضع قنطرة الخرق الآن.

وابن ثعلب هذا هو الشريف الأمير الكبير فخر الدين إسماعيل بن ثعلب الجعفريّ الزينبيّ ، أحد أمراء مصر في أيام الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب وغيره ، وصاحب المدرسة الشريفية بجوار درب كركامة ، على رأس حارة الجودرية من القاهرة ، وانتقل من بعده إلى ابنه الأمير حصن الدين ثعلب ، فاشتراه منه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب بن شادي بثلاثة آلاف دينار

٢١٢

مصرية ، في شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وستمائة ، وكان باب هذا البستان في الموضع الذي يقال له اليوم باب اللوق ، وكان هذا البستان ينتهي إلى خليج الخور ، وآخره من المشرق ينتهي إلى الدكة بجوار المقس ، ثم انقسم بعد ذلك قطعا وحكرت أكثر أرضه ، وبنى الناس عليها الدور وغيرها ، وبقيت منه إلى الآن قطعة عرفت ببستان الأمير أرغون ، النائب بديار مصر أيام الملك الناصر ، ثم عرف بعد ذلك ببستان ابن غراب ، وهو الآن على شاطيء الخليج الناصريّ ، على يمنة من سلك من قنطرة قدادار بشاطئ الخليج من جانبه الشرقي ، إلى بركة قرموط ، وبقيت من بستان ابن ثعلب قطعة تعرف ببستان بنت الأمير بيبرس إلى الآن ، وهو وقف ، ومن جملة بستان ابن ثعلب أيضا الموضع الذي يعرف ببركة قرموط ، والموضع المعروف بفم الخور.

وأما منشأة ابن ثعلب : فإنها بالقرب من باب اللوق ، وحكرت في أيام الشريف فخر الدين بن ثعلب المذكور ، فعرفت به ، وهي تعرف اليوم بمنشأة الجوّانية ، لأنّ جوّانية الفم. كانوا يسكنون فيها ، فعرفت بهم ، وأدركتها في غاية العمارة بالناس والمساكن والحوانيت وغيرها ، وقد اختلت بعد سنة ست وثمانمائة ، وأكثرها الآن زرائب للبقر.

وأما باب اللوق : فإنه كان هناك إلى ما بعد سنة أربعين وسبعمائة بمدّة ، باب كبير عليه طوارق حربية مدهونة ، على ما كانت العادة في أبواب القاهرة وأبواب القلعة وأبواب بيوت الأمراء ، وكان يقال له باب اللوق ، فلما أنشأ القاضي صلاح الدين بن المغربيّ قيساريته التي بباب اللوق ، وجعلها البيع غزل الكتان ، هدم هذا الباب وجعله في الركن من جدار القيسارية القبليّ ، مما يلي الغربيّ ، وهذا هو باب الميدان الذي أنشأه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل لما اشترى بستان ابن ثعلب ، وقد ذكر خبر هذا الميدان عند ذكر الميادين من هذا الكتاب.

وأما حكر قردمية : فإنه على يمنة من سلك من باب اللوق المذكور إلى قنطرة قدادار ، وكان من جملة بستان ابن ثعلبة ، فحكر وصار أخيرا بيد ورثة الأمير قوصون ، وكان حكرا عامرا إلى ما بعد سنة تسع وأربعين وسبعمائة ، فخرب عند وقوع الوباء الكبير بمصر ، وحفرت أراضيه وأخذ طينها ، فصارت بركة ماء عليها كيمان ، خلف الدور التي على الشارع المسلوك فيه إلى قنطرة قدادار.

وأما حكر كريم الدين : فإنه على يسرة من سلك من باب اللوق إلى رحبة التبن ، وإلى الدكة ، وكان يعرف قبل كريم الدين بحكر الصهيونيّ ، وهذا الحكر الآن آيل إلى الدثور.

وأما رحبة التبن : فإنها في بحري منشأة الجوانية ، شارعة في الطريق العظمى التي يسلك فيها إلى قنطرة الدكة من رحبة باب اللوق ، عرفت بذلك لأنه كانت أحمال التبن تقف بها لتباع هناك ، فإن القاهرة كانت توقر من مرور أحمال التبن والحطب ونحو هما بها ، ثم

٢١٣

اختطت من جملة ما اختط في غربيّ الخليج ، وصار بها عدّة مساكن وسوق كبير ، وقد أدركته غاصا بالعمارة ، وإنما اختلّ هذا الخط من سنة ست وثمانمائة.

وأما بستان السعيديّ : فإنه يشرف على الخليج الناصريّ في هذا الوقت ، وأدركنا ما حوله عامرا ، وقد خربت الدور التي كانت هناك من جهة الطريق الشارع من باب اللوق إلى الدكة ، وبها بقية آئلة إلى الدثور.

وأما بركة قرموط : فإنها من حقوق بستان ابن ثعلب ، ولما حفر الملك الناصر محمد بن قلاون الخليج الناصريّ ، رمى فيها ما خرج عند حفره من الطين ، وأدركناها من أعمر بقعة في أرض مصر ، وهي الآن خراب ، كما ذكر عند ذكر البرك من هذا الكتاب.

وأما الخور : فإن الخور في اللغة مصبّ الماء ، وهو هنا اسم للأرض التي ما بين الخليج الناصريّ والخليج الذي يعرف بفم الخور ، وجميع هذه الأرض من جملة بستان ابن ثعلبة ، وكان يعرف بالخور الصعبيّ ، لأنه كانت به مناظر تعرف بمناظر الصعبيّ ، تشرف على النيل ، وكان على شاطىء الخليج الكبير في هذا الجانب الغربيّ الذي نحن في ذكره ، بجوار بستان الخشاب الذي كان يتوصل إليه من قنطرة السدّ ، وبعضه الآن الميدان السلطانيّ ، بستان يعرف بالجزيرة ، يعني بستان الجزيرة المعروف بالصعبيّ ، وكان من البساتين الجليلة.

وهذا الصعبيّ : هو الشيخ كريم الدولة ، عبد الواحد بن محمد بن عليّ الصعبيّ ، مات في شهر رمضان سنة ثلاث وستمائة بمصر ، وكان له أخ يعرف بعبد العظيم بن محمد الصعبيّ.

ولما انحسر ماء النيل عن الرملة التي قيل لها منية بولاق ، تجاه المقس ، وعمرت هناك الدور ، اتصلت من قبليها بالخور ، وأنشئ بشاطئ النيل الذي بالخور دور تجلّ عن الوصف ، وانتظمت صفا واحدا من بولاق إلى منشأة المهرانيّ وموردة الحلفاء ، ومن موردة الحلفاء على ساحل مصر الجديد إلى دير الطين غربيّ بركة الحبش ، لو أحصي ما أنفق على بناء هذه الدور لقام بخراج مصر أيام كانت عامرة ، وقد خرب معظمها من سنة ست وثمانمائة ، وقد تقدّم ذكر منشأة الفاضل.

وأما حكر الساباط ، وحكر كريم الدين الصغير ، وحكر المطوع ، وحكر المطوع ، وحكر العين الزرقاء ، فإنها بالقرب من الميدان الكبير السلطانيّ ، وقد خربت بعد ما كانت عامرة بالدور والمنتزهات.

بستان العدّة : هذا المكان من جملة الأحكار التي في غربيّ الخليج ، وهو بجوار قنطرة الخرق ، وبجوار حكر النوبيّ ، قريب من باب اللوق تجاه الدور المطلة على الخليج

٢١٤

من شرقيه ، المقابلة ، لباب سعادة وحارة الوزيرية. كان بستانا جليلا ، وقفه الأمير فارس المسلمين بدر بن رزيك ، أخو الصالح طلائع بن رزيك ، صاحب جامع الصالح ، خارج باب زويلة ، ثم أنه خرب فحكر وبني عليه عدّة مساكن ، وحكره يتعاطاه ورثة فارس المسلمين.

حكر جوهر النوبي : هذا الحكر تجاه الحارة الوزيرية من برّ الخليج الغربيّ ، في شرقيّ بستان العدّة ، ويسلك منه إلى قنطرة أمير حسين من طريق تجاه باب جامع أمير حسين ، الذي تعلوه المئذنة ، وما زال بستانا إلى نحو سنة ستين وستمائة ، فحكر وبني فيه الدور في أيام الظاهر بيبرس ، وعرف بجوهر النوبيّ أحد الأمراء في الأيام الكاملية ، وقد تقدّم بديار مصر تقدّما زائدا. وكان خصيا ، وهو ممن ثار على الملك العادل أبي بكر بن الكامل وخلعه ، فلما كان ملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل بعد أخيه العادل ، قبض على جوهر في سنة ثمان وثلاثين وستمائة.

حكر خزائن السلاح : هذا الحكر كان يعرف قديما بحكر الأوسية ، وهو فيما بين الدكة وقنطرة الموسكي ، وقفه السلطان الملك العادل أبو بكر بن أيوب على مصالح خزائن السلاح ، وهو وعدّة أماكن بمدينة مصر مع مدينة قليوب وأراضيها ، في جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وستمائة ، وظهر كتاب الوقف المذكور من الخزائن السلطانية في جمادى الأولى سنة خمس عشرة وسبعمائة ، في أيام الملك الناصر محمد بن قلاون ، وقد خرب أكثر هذا الحكر وصار كيمانا.

حكر تكان : هذا الحكر بجوار سويقة العجميّ الفاصلة بينه وبين حكر خزائن السلاح ، وكان يعرف قديما بحكر كوبيج. وحدّه القبليّ ينتهي إلى حكر ابن الأسد جفريل ، والحدّ البحري ينتهي إلى حكر العلائيّ ، والحدّ الشرقيّ ينتهي إلى حكر البغدادية ، والحدّ الغربيّ ينتهي إلى حكر خزائن السلاح وسويقة العجميّ.

وتكان هو الأمير سيف الدين تكان ، ويقال تكام بالميم عوضا عن النون ، وهذا الحكر استقرّ أخيرا في أوقاف خوندارد وتكين ابنه نوكيه السلاح دار ، زوجة الملك الأشرف خليل بن قلاون ، على تربتها التي أنشأتها خارج باب القرافة ، التي تعرف اليوم بتربة الست ، وقد خرب هذا الحكر وبيعت أنقاضه في أعوام بضع وتسعين وسبعمائة ، وجعل بعضه بستانا في سنة ست وتسعين وسبعمائة.

حكر ابن الأسد جفريل : هذا الحكر في قبليّ حكر تكان ، كان بستانا فحكر وعرف بالأمير شمس الدين موسى بن الأمير أسد الدين جفريل ، أحد أمراء الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب بمصر.

حكر البغدادية : هذا الحكر بجوار خليج الذكر ، كان من أعظم البساتين في الدولة

٢١٥

الفاطمية ، فأزال الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف بن أيوب أشجاره ونخله ، وجعله ميدانا. ثم حكر وصارت فيه عدّة مساكن ، وهو الآن خراب يباب ، لا يأويه إلّا البوم والرخم.

حكر خطلبا : هذا الحكر حدّه القبليّ إلى الخليج ، وحدّه البحريّ إلى الكوم الفاصل بينه وبين حكر الأوسية ، المعروف بالجاوليّ ، وحدّه الشرقيّ إلى بستان الجليس الذي عرف بابن منقذ ، والحدّ الغربيّ إلى زقاق هناك. وكان هذا الحكر بستانا اشتراه جمال الدين الطواشيّ (١) ، من جمال الدين عمر بن ناصح الدين داود بن إسماعيل الملكيّ الكامليّ ، في سنة ست عشرة وستمائة. ثم ابتاعه منه الطواشيّ محي الدين صندل الكامليّ في سنة عشرين وستمائة ، وباعه الأمير الفارس صارم الدين خطلبا الكامليّ في سنة إحدى وعشرين وستمائة فعرف به.

وهو خطلبا بن موسى الأمير صارم الدين الفارسيّ التبتي الموصليّ الكامليّ ، استقرّ في ولاية القاهرة سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة في أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ، ثم أضيفت له ولاية الفيوم في سنة سبع وسبعين وخمسمائة ، ثم صرف عنها وسار متسلمة إلى اليمن ليتسلمها ، فتسلمها في جمادى الأولى ، وسار هو في سادس شوال منها واليا على مدينة زبيد باليمن ، ومعه خمسمائة رجل ، ورفيقه الأمير باخل ، فبلغت النفقة عليه عشرين ألف دينار ، وكتب للطواشية بنفقة عشرة دنانير لكل منهم على اليمن ، فأقام باليمن مدّة ، ثم قدم إلى القاهرة وصار من أصحاب الأمير فخر الدين جهاركس ، وتأخر إلى أيام الملك الكامل ، وصار من أمرائه بالقاهرة إلى أن مات في ثالث شعبان سنة خمس وثلاثين وستمائة.

حكر ابن منقذ : هذا الحكر خارج باب القنطرة بعدوة خليج الذكر ، وكان بستانا يعرف ببستان الشريف الجليس ، ويعرف أيضا بالبطائحيّ ، ثم عرف بالأمير سيف الدولة مبارك بن كامل بن منقذ ، نائب الملك المعز سيف الإسلام ظهير الدين طفتكين بن نجم الدين أيوب بن شادي على مملكة اليمن ، وانتقل بعد ابن منقذ إلى الشيخ عبد المحسن بن عبد العزيز بن عليّ المخزوميّ ، المعروف بابن الصيرفيّ ، فوقفه على جهات تؤول أخيرا إلى الفقراء والمساكين المقيمين بمشهد السيدة نفيسة ، والفقراء والمساكين المعتقلين في حبوس القاهرة ، في سنة ثلاث وأربعين وستمائة ، ثم أزيلت أنشاب هذا البستان وحكرت أرضه وبنيت الدور والمساكن عليها ، وهو الآن خراب.

حكر فارس المسلمين بدر بن رزيك : هذا الحكر تجاه منظرة اللؤلؤة ، كان من جملة

__________________

(١) الطواشي : وهم من خواص الخليفة ومنهم أرباب الوظائف الخاصة بالخليفة. صبح الأعشى ج ٣ / ٥٥١.

٢١٦

البركة المعروفة ببطن البقرة ، ثم حكر وبني فيه وأكثره الآن خراب.

حكر شمس الخواص مسرور : هذا الحكر فيما بين خليج الذكر وحكر ابن منقذ ، كان بستانا لشمس الخواص مسرور الطواشي ، أحد الخدّام الصالحية ، مات في نصف شوال سنة سبع وأربعين وستمائة بالقاهرة ، ثم حكر وبني فيه الدور ، وموضعه الآن كيمان.

حكر العلائي : هذا الحكر يجاور حكر تكان من بحريه ، وكان بستانا جليل القدر ، ثم حكر وصار بعضه وقف تذكاريي خاتون ابنة الملك الظاهر بيبرس ، وقفته في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة على نفسها ، ثم من بعدها على الرباط الذي أنشأته داخل الدرب الأصفر تجاه خانقاه بيبرس ، وهو الرباط المعروف برواق البغدادية ، وعلى المسجد الذي بحكر سيف الإسلام خارج باب زويلة ، وعلى تربتها التي بجوار جامع ابن عبد الظاهر بالقرافة ، وصار بعض هذا الحكر في وقف الأمير سيف الدين بهادر العلائيّ متولى البهنساء ، وكان وقفه في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، فعرف بالحكر العلائي المذكور ، وأدركت هذا الحكر وهو من أعمر الأحكار ، وفيه درب الأمير عز الدين أيدمر الزرّاق ، أمير جاندار ووالي القاهرة ، وداره العظيمة ومساكنه الكثيرة ، فلما حدثت المحن منذ سنة ست وثمانمائة خرب هذا الحكر وأخذت أنقاضه ، وبقيت دار الزرّاق إلى سنة سبع عشرة وثمانمائة ، فشرع في الهدم فيها لأجل أنقاضها الجليلة.

حكر الحريري : هذا الحكر بجوار حكر العلائيّ المذكور من حدّه البحريّ ، وهو من جملة الأرض المعروفة بالأرض البيضاء ، وكان بستانا ، ثم حكر وصار في وقف خزائن السلاح ، وأدركناه عامرا وفيه سوق يعرف بالسويقة البيضاء ، كانت بها عدّة حوانيت ، وقد خرب هذا الحكر ، وهذا الحريريّ هو الصاحب محيي الدين.

حكر المساح : عرف بالأمير شمس الدين سنقر المساح ، أحد أمراء الظاهر بيبرس ، قبض عليه في عدّة من الأمراء في ذي الحجة سنة تسع وستين وستمائة.

الدكة : هذا المكان كان بستانا من أعظم بساتين القاهرة ، فيما بين أراضي اللوق والمقس ، وبه منظرة للخلفاء الفاطميين تشرف طاقاتها على بحر النيل العظيم ، ولا يحول بينها وبني برّ الجيزة شيء ، فلما زالت الدولة الفاطمية تلاشى أمر هذا البستان وخرب ، فحكر موضعه وبنى الناس فيه ، فصار خطة كبيرة كأنه بلد جليل ، وصار به سوق عظيم ، وسكنه الكتاب وغيرهم من الناس ، وأدركته عامرا ، ثم إنه خرب منذ سنة ست وثمانمائة ، وبه الآن بقية عما قليل تدثر كما دثر ما هنالك وصار كيمانا.

٢١٧

ذكر المقس وفيه الكلام على المكس وكيف كان أصله في أوّل الإسلام

اعلم أن المقس قديم ، وكان في الجاهلية قرية تعرف بأمّ دنين ، وهي الآن محلة بظاهر القاهرة في برّ الخليج الغربيّ ، وكان عند وضع القاهرة هو ساحل النيل ، وبه أنشأ الإمام المعز لدين الله أبو معدّ الصناعة التي ذكرت عند ذكر الصناعات من هذا الكتاب ، وبه أيضا أنشأ الإمام الحاكم بأمر الله أبو عليّ منصور جامع المقس الذي تسميه عامّة أهل مصر في زمننا بجامع المقسيّ ، وهو الآن يطلّ على الخليج الناصريّ. قال أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم في كتاب فتوح مصر ، وقد ذكر مسير عمرو بن العاص رضي‌الله‌عنه إلى فتح مصر : فتقدّم عمرو بن العاص رضي‌الله‌عنه لا يدافع إلّا بالأمر الخفيف ، حتى أتى بلبيس ، فقاتلوه بها نحوا من شهر ، حتى فتح الله سبحانه وتعالى عليه ، ثم مضى لا يدافع إلا بالأمر الخفيف حتى أتى أمّ دنين ، فقاتلوه بها قتالا شديدا ، وأبطأ عليه الفتح ، فكتب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يستمدّه ، فأمدّه بأربعة آلاف ، تمام ثمانية آلاف ، فقاتلهم ، وذكر تمام الخبر. وقال القاضي أبو عبد الله القضاعيّ : المقس كانت ضيعة تعرف بأمّ دنين ، وإنما سمّيت المقس لأنّ العاشر كان يقعد بها ، وصاحب المكس ، فقيل المكس ، فقلب فقيل المقس. قال المؤلف رحمه‌الله : الماكس هو العشار ، وأصل المكس في اللغة الجباية. قال ابن سيدة في كتاب المحكم : المكس الجباية ، مكسه يمكسه مكسا ، والمكس دراهم كانت تؤخذ من بائع السلع في الأسواق في الجاهلية ، ويقال للعشار صاحب مكس ، والمكس انتقاص الثمن في البياعة. قال الشاعر :

أفي كلّ أسواق العراق أتاوة

وفي كلّ ما باع امرؤ مكس درهم

ألا ينتهي عنا رجال وتتّقى

محارمنا لا يدرأ الدّم بالدّمّ

الأتاوة الخراج ومكس درهم أي نقص درهم في بيع ونحوه. قال : وعشر القوم يعشرهم عشرا وعشورا ، وعشرهم أخذ عشر أموالهم ، وعشر المال نفسه ، وعشره كذلك ، والعشّار قابض العشر. ومنه قول عيسى بن عمرو لابن هبيرة وهو يضرب بين يديه بالسياط : تالله إن كانت إلّا ثيابا في أسفاط قبضها عشّاروك. وقال الجاحظ : ترك الناس مما كان مستعملا في الجاهلية أمورا كثيرة ، فمن ذلك تسميتهم للأتاوة بالخراج ، وتسميتهم لما يأخذه السلطان من الحلوان والمكس بالرشوة ، وقال الخارجيّ : أفي كلّ أسواق العراق أتاوة. البيت وكما قال العبديّ في الجارود :

اكابن المعلي خلتنا أما حسبتنا

صواريّ نعطي الماكسين مكوسا

الصواريّ : الملاحون ، والمكس : ما يأخذ العشار انتهى.

ويقال أن قوم شعيب عليه‌السلام ، كانوا مكاسين ، لا يدعون شيئا إلا مكّسوه. ومنه

٢١٨

قيل للمكس النجس ، لقوله تعالى : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) وذكر أحمد بن يحيى البلاذريّ ، عن سفيان الثوريّ ، عن إبراهيم بن مهاجر ، قال : سمعت زياد بن جرير يقول : أنا أوّل من عشّر في الإسلام. وعن سفيان عن عبد الله بن خالد عن عبد الرحمن بن معقل قال : سألت زياد بن جرير من كنتم تعشرون؟ فقال : ما كنا نعشر مسلما ولا معاهدا ، بل كنا نعشر تجار أهل الحرب كما كانوا يعشرونا إذا أتيناهم. وقال عبد الملك بن حبيب السلميّ في كتاب سيرة الإمام العدل. في مال الله ، عن السائب بن يزيد أنه قال : كنت على سوق المدينة في زمن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، فكنا نأخذ من القبط العشر. وقال ابن شهاب : كان ذلك يؤخذ منهم في الجاهلية ، فألزمهم ذلك عمر بن الخطاب ، وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنهما قال : إن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه كان يأخذ بالمدينة من القبط من الحنطة والزبيب نصف العشر ، يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة من الحنطة والزبيب ، وكان يأخذ من القطنية العشر. وقال مالك رحمه‌الله : والسّنّة أنّ ما أقام الذمّة في بلادهم التي صالحوا عليها فليس عليهم فيها إلّا الجزية ، إلّا أن يتجروا في بلاد المسلمين ويختلفوا فيها ، فيؤخذ منهم العشر فيما يديرون من التجارة ، وإن اختلفوا في العام الواحد مرارا إلى بلاد المسلمين ، فعليهم كلما اختلفوا العشر ، وإذا اتجر الذميّ في بلاده من أعلاها إلى أسفلها ولم يخرج منها إلى غيرها فليس عليه شيء ، مثل أن يتجر الذميّ الشامي في جميع الشام أو الذميّ المصريّ في جميع مصر ، أو الذميّ العراقيّ في جميع العراق ، وليس العمل عندنا على قول عمر بن عبد العزيز لزريق بن حيان : واكتب لهم بما يؤخذ منهم كتابا إلى مثله من الحول ، ومن مرّ بك من أهل الذمّة فخذ مما يديرون من التجارات من كل عشرين دينارا دينارا ، فما نقص فبحساب ذلك حتى تبلغ عشرة دنانير ، فإن نقص منها ثلث دينار ، فدعها ولا تأخذ منها شيئا ، والعمل على أن يأخذ منهم العشر وإن خرجوا في السنة مرارا من كلّ ما أتجروا به قل أو كثر ، وهذا قول ربيعة وابن هرمز.

وقال القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الحضرميّ أحد أصحاب الإمام أبي حنيفة رضي‌الله‌عنه في كتاب الرسالة إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد ، وهو كتاب جليل القدر ، حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر قال : سمعت أبي يذكر قال : سمعت زياد بن جرير قال : أوّل من بعث عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه منا على العشور أنا ، فأمرني أن لا أفتش أحدا ، وما مرّ عليّ من شيء أخذت من حساب أربعين درهما درهما من المسلمين ، وأخذت من أهل الذمّة من عشرين واحدا ، وممن لا ذمّة له العشر ، وأمرني أن أغلّظ على نصارى بني تغلب قال : إنهم قوم من العرب وليسوا من أهل الكتاب ، فلعلهم يسلمون. قال : وكان عمر رضي‌الله‌عنه قد اشترط على نصارى بني تغلب أن لا ينصّروا أولادهم.

وحدّثنا أبو حنيفة عن الهيثم عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه قال : بعثني عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه على العشور ، وكتب لي عهدا أن آخذ من المسلمين

٢١٩

مما اختلفوا به لتجاراتهم ربع العشر ، ومن أهل الذمّة نصف العشر ، ومن أهل الحرب العشر.

وحدّثنا عاصم بن سليمان الأحول عن الحسن قال : كتب أبو موسى الأشعريّ إلى عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنهما ، أنّ تجارا من قبلنا من المسلمين يأتون أهل الحرب فيأخذون منهم العشر ، فكتب إليه عمر رضي‌الله‌عنه فخذ أنت منهم كما يأخذون من تجار المسلمين ، وخذ من أهل الذمّة نصف العشر ، ومن المسلمين من كلّ أربعين درهما درهما ، وليس فيما دون المائتين شيء ، فإذا كانت مائتين ففيها خمسة دراهم ، فما زاد فبحسابه.

وحدّثنا عبد الملك بن جريج عن عمرو بن شعيب قال : إنّ أهل منبج قوما من أهل الشرك وراء البحر ، كتبوا إلى عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، دعنا ندخل أرضك تجارا وتعشرنا ، قال فشاور عمر رضي‌الله‌عنه أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك ، فأشاروا عليه به ، فكانوا أول من عشره من أهل الحرب.

وحدّثنا السدّيّ بن إسماعيل عن عامر الشعبيّ عن زياد بن جرير الأسديّ قال : إن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه بعثه على عشور العراق والشام ، وأمره أن يأخذ من المسلمين ربع العشر ، ومن أهل الذمّة نصف العشر ، ومن أهل الحرب العشر ، فمرّ عليه رجل من بني تغلب من نصارى العرب ومعه فرس فقوّمها بعشرين ألفا ، فقال أمسك الفرس وأعطني ألفا ، أو خذ مني تسعة عشر ألفا وأعطني الفرس. قال : فأعطاه ألفا وأمسك الفرس. قال : ثم مرّ عليه راجعا في سنته فقال : أعطني ألفا أخرى فقال له التغلبيّ : كلّما مررت بك تأخذ مني ألفا؟ قال نعم ، فرجع التغلبيّ إلى عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه فوافاه بمكة وهو في بيت له ، فاستأذن عليه ، فقال : من أنت فقال : أنا رجل من نصارى العرب ، وقصّ عليه قصته. فقال له عمر رضي‌الله‌عنه كفيت ولم يزده على ذلك. قال : فرجع الرجل إلى زياد بن جرير وقد وطن نفسه على أن يعطيه ألفا ، فوجد كتاب عمر رضي‌الله‌عنه قد سبق إليه : من مرّ عليك فأخذت منه صدقة فلا تأخذ منه شيئا إلى مثل ذلك اليوم من قابل إلّا أن تجد فضلا. قال : فقال الرجل قد والله كانت نفسي طيبة أن أعطيك ألفا ، وأني أشهد الله تعالى أني بريء من النصرانية ، وأني على دين الرجل الذي كتب إليك هذا الكتاب.

وحدّثني يحيى بن سعيد عن زريق بن حيان ، وكان على مكس مصر ، فذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه أن أنظر من مرّ عليك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم ، وما ظهر لك من التجارات من كلّ أربعين دينارا دينارا ، فما نقص فبحسابه حتى تبلغ عشرين دينارا ، فإن نقصت فدعها ولا تأخذ منها ، وإذا مرّ عليك أهل الذمة فخذ مما يديرون من تجاراتهم من كل عشرين دينارا دينارا ، فما نقص فبحساب ذلك حتى تبلغ عشرة دنانير ثم دعها لا تأخذ منها شيئا ، واكتب لهم كتابا بما تأخذ منهم إلى مثلها من الحول.

وحدّثني أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال : إذا مرّ أهل الذمّة بالخمر للتجارة

٢٢٠