كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٣

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٣

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

محمد بن قلاوون إلى أن ملك ما تملك منها بالشراء قاضي القضاة عماد الدين أحمد بن عيسى الكركي وسكنها ، إلى أن سافر ، فصارت من بعده لورثته فباعوها للشيخ زين الدين أبي بكر القمنيّ ، وهي بيده الآن.

دار أقوش : الرومي بحارة برجوان ، هذه الدار من أجلّ دور القاهرة ، وبابها من نحاس بديع الصنعة ، يشبه باب المارستان المنصوري ، وكان تجاهها اصطبل كبير يعلوه ربع فيه عدّة مساكن ، عرفت بالأمير جمال الدين أقوش الرومي السلاح دار الناصري ، وتوفي سنة سبع وسبعمائة ، وهي مما وقفه على تربته بالقرافة ، وقد خرب اصطبلها وعلوه وبيع نقض ذلك وتداعت الدار أيضا للسقوط ، فبيعت انقاضا وصارت من جملة الأملاك.

دار بنت السعيدي : هذه الدار بحارة برجوان ، عرفت بقاعة حنيفة بنت السعيدي إلى أن اشتراها شهاب الدين أحمد بن طوغان دوادار الأمير سودون الشيخوني نائب السلطان ، في سنة تسع وتسعين وسبعمائة ، فأخذ عدّة مساكن مما حولها ، وهدمها وصيرها ساحة بها ، فصارت من أعظم الدور اتساعا وزخرفة ، وفيها آبار سبعة معينة ، وفسقية ينقل إليها الماء بساقية على فوهة بئر ، وما زال صاحبها شهاب الدين فيها إلى أن سافر إلى الاسكندرية في محرّم سنة ثمان وثمانمائة ، فمات رحمه‌الله ، وانتقلت من بعده لغير واحد بالبيع.

دار الحاجب : هذه الدار فيما بين الخرشتف (١) وحارة برجوان ، كان مكانها من جملة الميدان ، وكان يسلك من حارة برجوان في طريق شارعه إلى باب الكافوريّ ، فلما عمر الأمير بكتمر هذه الدار جعل اصطبلها حيث كانت الطريق ، وركّب بابا بخوجة مما يلي حارة برجوان ، واشترط عليه الناس أن لا يمنع المارّة من سلوك هذا المكان ، فوفى بما اشترط ، وما برح الناس يمرّون من هذا الطريق في وسط الاصطبل على باب داره ، سالكين من حارة برجوان إلى الكافوري والخرشتف ، ومنها إلى حارة برجوان ، وأنا سلكت من هذه الطريق غير مرّة ، وكان يقال لها خوخة الحاجب ، ثم لما طال الأمد وذهبت المشيخة نسيت هذه الطريق وقفل الباب ، وانقطع سلوك الناس منه ، وصارت تلك الطريق من جملة حقوق الدار ، وما برحت هذه الدار ينصب على بابها الطوارق (٢) دائما ، كما كانت عادة دور الأمراء في الزمن القديم ، فلما تغيرت الرسوم وبطل ذلك قلعت الطوارق من جانبي الباب. وأعلى اسكفته ، وباب هذه الدار تجاه باب الكافوريّ ، وعرفت بالأمير سيف الدين بكتمر الحاجب ، صاحب الدار ، خارج باب النصر والمدرسة بجواره ، ثم حل وقفها سنة ثمان وعشرين وثمانمائة ، وبيعت كما بيع غيرها من الأوقاف. وهناك ترى ترجمته.

__________________

(١) في النجوم الزاهرة ٤ / ٥١ : الخرنشف : وقد كانت قديما ميدانا للخلفاء. والخرنشف ما يتحجّر ويوقد به على مياه الحمامات من الأزبال.

(٢) الطورق : لغة : المتكهنات. ربما قصد بها هنا التعاويذ. مختار الصحاح.

١٠١

دار تنكز : هذه الدار بخط الكافوري ، كانت للأمير ايبك البغدادي ، وهي من أجلّ دور القاهرة وأعظمها ، انشأها الأمير تنكز نائب الشام ، وأظنه أوقفها في جملة ما أوقف ، وكان بها ولده ، وسكنها قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة ، فأنفق في زخرفها على ما أشيع سبعة عشر ألف درهم ، عنها يومئذ ما ينيف عن سبعمائة دينار مصرية ، ولم تزل هذه الدار وقفا إلى أن بيعت على أنها ملك في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة بدون ألف دينار ، لزين الدين عبد الباسط بن خليل ، فجدّد بناءها وبنى تجاهها جامعة.

تنكز الأشرفي : سيف الدين أبو سعيد خليل ، جلبه إلى مصر وهو صغير الخواجا علاء الدين السوسيّ ، فنشأ بها عند الملك الأشرف خليل بن قلاوون ، فلما ملك السلطان الناصر محمد بن قلاوون أمّره أمرة عشرة ، قبل توجهه إلى الكرك ، وسافر معه إلى الكرك ، وترسل عنه منها إلى الأفرم ، فاتهمه أنّ معه كتبا إلى الأمراء بالشام ، وعرض عليه العقوبة فارجف منه وعاد إلى الناصر. فقال له : إن عدت إلى الملك فانت نائب دمشق ، فلما عاد إلى الملك جهزه إلى دمشق فوصلها في العشرين من ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة ، فباشر النيابة وتمكن فيها وسار بالعساكر إلى ملطية (١) وافتتحها في محرّم سنة خمس عشرة ، وعظم شأنه وأمّن الرعايا حتى لم يكن أحد من الأمراء يظلم ذميّا ، فضلا عن مسلم ، خوفا من بطشه ، وشدّة عقوبته ، وكان السلطان لا يفعل شيئا بمصر إلّا ويشاوره فيه وهو بالشام ، وقدم غير مرّة على السلطان فاكرمه وأجله بحيث أنه انعم عليه في قدومه إلى مصر سنة ثلاث وثلاثين بما مبلغه ألف ألف درهم وخمسون ألف درهم ، عنها خمسون ألف دينار ونيف ، سوى الخيل ، وزادت أملاكه وسعادته وأنشأ جامعا بدمشق بديع الوصف بهج الزي ، وعدّة مواضع ، وكان الناس في أيامه قد أمنوا كل سوء ، إلّا أنه كان يتخيل خيالا فيحتدّ خلقه ويشتدّ غضبه ، فهلك بذلك كثير من الناس ، ولا يقدر أحد أن يوضح له الصواب لشدّة هيبته ، وكان إذا أغضب لا يرضى البتة بوجه ، وإذا بطش كان بطشه الجبارين ، ويكون الذنب صغيرا فلا يزال يكبره ، حتى يخرج في عقوبة فاعله عن الحدّ ، ولم يزل إلى أن أشيع بدمشق أنه يريد العبور إلى بلاد الططر ، فبلغ ذلك السلطان فتنكر له وجهز إليه من قبض عليه في ثالث عشرى ذي الحجة سنة أربعين ، وأحيط بماله وقدم الأمير بشتاك إلى دمشق لقبضه ، وخرج إلى مصر ومعه من مال تنكز وهو من الذهب العين ثلاثمائة ألف وستة وثلاثون ألف دينار ، ومن الدراهم الفضة ألف ألف وخمسمائة ألف درهم ، ومن الجوهر واللؤلؤ والزركش والقماش ثمانمائة حمل ، ثم استخرج بعد ذلك من بقايا أمواله أربعون ألف دينار وألف ألف ومائة ألف درهم ، فلما وصل تنكز إلى قلعة الجبل جهز إلى الاسكندرية واعتقل فيها نحو الشهر ، وقتل في محتبسه ودفن بها في يوم الثلاثاء حادي عشرى المحرّم ، سنة إحدى

__________________

(١) ملطية : بلدة من بلاد الروم تتاخم الشام.

١٠٢

وأربعين وسبعمائة ، ومن الغريب أنه أمسك يوم الثلاثاء ، ودخل مصر يوم الثلاثاء ودخل الاسكندرية يوم الثلاثاء وقتل يوم الثلاثاء ، ثم نقل إلى دمشق فدفن بتربته جوار جامعه ، ليلة الخامس من رجب سنة أربع وأربعين وسبعمائة ، بعد ثلاث سنين ونصف بشفاعة ابنته.

دار أمير مسعود : هذه الدار بآخر خط الكافوريّ ، عرفت بالأمير بدر الدين مسعود بن خطير الرومي ، أحد الأمراء بمصر ، أخرجه الملك الناصر محمد بن قلاوون في ذي الحجة سنة أربعين وسبعمائة إلى نيابة غزة ، ثم نقل منها إلى إمرة دمشق وولي نيابة طرابلس ، ثم أعيد إلى دمشق وأصله من أتباع الأمير تنكز ، فشكره عند الملك الناصر وقدّمه حتى صار أميرا حاجبا فلما قتل تنكز أخرجه لنيابة غزة ، وتنقل في نيابة طرابلس ثلاث مرات إلى أن استعفى من النيابة ، فأنعم عليه بإمرة في دمشق ، وعلى ولديه بامرة طبلخاناه (١) ، وما زال مقيما بها حتى مات في سابع شوال سنة أربع وخمسين وسبعمائة بدمشق ، ومولده بها ليلة السبت سابع جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وستمائة.

دار نائب الكرك : هذه الدار فيما بين خط الخرشتف وخط باب سر المارستان المنصوري ، وهي من جملة أرض الميدان ، عرفت بالأمير أقوش الأشرفيّ المعروف بنائب الكرك صاحب الجامع.

أقوش الأشرفي : جمال الدين ، ولّاه الملك الناصر محمد بن قلاون نيابة دمشق بعد مجيئه من الكرك ، وعزله تنكز بعد قليل ، واعتقله إلى شهر رجب سنة خمس عشرة وسبعمائة ، ثم أفرج عنه وجعله رأس الميمنة ، وصار يقوم له إذا قدم مميزا له عن غيره من الأمراء ، وكان لا يلبس مصقولا ، ويمشي من داره هذه إلى الحمّام وهو حامل المئزر والطاسة وحده ، فيدخل الحمام ويخرج عريانا ، فاتفق مرة أنّ رجلا رآه فعرفه ، وأخذ الحجر وحك رجله وغسله وهو لا يكلمه كلمة واحدة ، فلما خرج وصار إلى داره ، طلب الرجل وضربه وقال له : أنا مالي مملوك ، ما عندي غلام ، مالي طاسة حتى تتجرأ عليّ أنت ، وكان يتوجه إلى معبد له في الجبل الأحمر وينفرد فيه وحده اليومين والثلاثة ، ويدخل منه إلى القاهرة وهو ماش وذيله على كتفه حتى يصل إلى داره ، وباشر نظر المارستان المنصوري مباشرة جيدة ، ثم أخرجه السلطان إلى نيابة طرابلس في أوّل سنة أربع وثلاثين وسبعمائة فأقام بها ، ثم طلب الإقالة فأعفى وقبض عليه واعتقل بقلعة دمشق ، ثم نقل منها إلى صفد فحبس بها في برج ، ثم أخرج منها إلى الإسكندرية فمات بها معتقلا في سنة ست وثلاثين وسبعمائة.

وكان عسوفا جبارا في بطشه ، مات عدّة من الناس تحت الضرب قدّامه ، وكان كريما

__________________

(١) الطبلخاناه : كلمة فارسية ، معناها فرقة الموسيقى السلطانية أو بيت الطبل ويشتمل على الطبول والأبواق والصنوج النجوم الزاهرة ج ٧ ص ١٩٩.

١٠٣

سمحا إلى الغاية ، وعرف بنائب الكرك لأنه أقام في نيابتها من سنة تسعين وستمائة إلى سنة تسع وسبعمائة.

دار ابن صغير : هذه الدار من جملة الميدان ، وهي اليوم من خط باب سرّ المارستان المنصوري ، أنشأها علاء الدين علي بن نجم الدين عبد الواحد بن شرف الدين محمد بن صغير ، رئيس الأطباء ، ومات بحلب عند ما توجه إليها في خدمة الملك الظاهر برقوق في يوم الجمعة تاسع عشر ذي الحجة سنة ست وتسعين وسبعمائة. ودفن بها ، ثم نقلته ابنته إلى القاهرة ودفنته بظاهرها.

دار بيبرس الحاجب : هذه الدار بخط حارة العدوية ، وهي الآن من خط باب سر المارستان ، عرفت بالأمير بيبرس الحاجب صاحب غيط الحاجب ، فيما بين جسر بركة الرطلي والجرف.

بيبرس الحاجب : الأمير ركن الدين ، ترقى في الخدم إلى أن صار أميراخور ، فلما حضر الملك الناصر من الكرك عزله بالأمير ايدغمش ، وعمله حاجبا ، وناب في الغيبة عن الأمير تنكز بدمشق لما حج ، ثم تجرّد إلى اليمن وعاد ، فتنكر عليه السلطان وحبسه في ذي القعدة سنة خمس وعشرين وسبعمائة ، وأفرج عنه في رجب سنة خمس وثلاثين ، وجهزه من الإسكندرية إلى حلب فصار بها أميرا من أمرائها ، ثم تنقل منها إلى أمرة بدمشق بعد عزل تنكز ، فلم يزل بها إلى أن توجه الفخريّ وطشتمر إلى مصر ، فأقرّه على نيابة الغيبة بدمشق ، وكان قد أسنّ ومات في شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ، وأدركنا له حفيدا يعرف بعلاء الدين أمير عليّ بن شهاب الدين أحمد بن بيبرس الحاجب ، قرأ القراءات السبع على والده ، وكان حسن الأداء للقراءة ، مشهورا بالعلاج ، يعالج بمائة وعشرة أرطال ، مات وهو ساح في سابع ربيع الآخر سنة إحدى وثمانمائة.

دار عباس : هذه الدار كانت في درب شمس الدولة ، عرفت بالوزير عباس بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس ، أصله من المغرب وترقى في الخدم حتى ولي الغربية ، ولقب بالأمير ركن الإسلام ، وكانت أمّه تحت الأمير المظفر عليّ بن السلار والي البحيراء والإسكندرية ، فلما رحل عليّ بن السلار إلى القاهرة وأزال الوزير نجم الدين سليمان بن مصال من الوزارة واستقرّ مكانه في وزارة الخليفة الظافر بأمر الله ، وتلقب بالعادل ، قدّمه لمحاربة ابن مصال فلم ينل غرضا ، فخرج إليه عباس حتى ظفر به ، وولى ناصر الدين نصير بن عباس ولاية مصر بشفاعة جدّته أمّ عباس ، فاختص به الخليفة الظافر واشتغل به عمن سواه ، وكان جريا مقداما ، فخرج إليه أبو عباس بالعسكر لحفظ عسقلان من الفرنج ومعه من الأمراء ملهم والضرغام وأسامة بن منقذ ، وكان أسامة خصيصا بعباس ، فلما نزلوا

١٠٤

بلبيس (١) تذاكر عباس وأسامة مصر وطيبها وما هم خارجون إليه من مقاساة السفر ولقاء العدوّ ، فتأوّه عباس أسفا على مفارقة لذّاته بمصر ، وأخذ يثرب على العادل بن السلار ، فقال له أسامة : لو أردت كنت أنت سلطان مصر. فقال : كيف لي بذلك؟ قال : هذا ولدك ناصر الدين بينه وبين الخليفة مودّة عظيمة ، فخاطبه على لسانه أن تكون سلطان مصر موضع زوج أمّك ، فإنه يحبك ويكرهه ، فإذا أجابك فاقتله وصر في منزلته ، فأعجب عباس ذلك وجهز ابنه لتقرير ما أشار به أسامة ، فسار إلى القاهرة ودخلها على حين غفلة من العادل ، واجتمع بالخليفة وفاوضه فيما تقرّر ، فأجابه إليه ونزل إلى دار جدّته ، وكان من قتله للعادل عليّ بن سلار ما كان ، فماج الناس وسرح الطائر من القصر إلى عباس وهو على بلبيس في الانتظار ، فقام من فوره ودخل القاهرة سحر يوم الأحد ثاني عشر المحرّم سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ، فوجد عدّة من الأتراك قد نفروا وخرجوا يدا واحدة إلى الشام ، فصار إلى القصر وخلع عليه خلع الوزارة ، فباشر الأمور وضبط الأحوال وأكرم الأمراء وأحسن إلى الأجناد ، وازدادت مخالطة ولده للخليفة فخاف أن يقتله كما قتل ابن السلار ، فما زال به حتى قتل الخليفة الظافر ، كما تقدّم ذكره ، وصار إلى القصر على العادة ، فلما جلس في مقطع الوزارة سأل الاجتماع على الخليفة ، فدخل الزمام إلى دور الحرم فلم يجد الخليفة ، فلما عاد إليه أحضر أخوي الظافر واتهمهما بقتله وقتلهما قدّامه ، واستدعى بولد الظافر عيسى ولقبه بالفائز بنصر الله ، وكثرت النياحة على الظافر ، وبحث أهل القصر على كيفية قتله ، فكتبوا إلى طلائع بن رزبك وهو والي الأشمونين يستدعونه ، فحشد وسار ، فاضطرب عباس وكثرت مناكدة أهل القاهرة له ، حتى أنّه مرّ يوما فرمي من طاقة تشرف على شارع بقدر مملوء طعاما حارّا ، فعوّل على الفرار وخرج ومعه ابنه وأسامة بن منقذ وجميع ما لهم من أتباع ومال وسلاح ، ودخل طلائع إلى القاهرة واستقرّ في وزارة الخليفة الفائز ، فسير أهل القصر إلى الفرنج البريد بطلب عباس ، فخرجوا إليه وكانت بينهم وبينه وقعة فرّ فيها أسامة في جماعة إلى الشام ، فظفر به الفرنج وقتلوه وأخذوا ابنه في قفص من حديد ، وجهزوه إلى القاهرة ، وذلك في شهر ربيع الأوّل سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، فلما وصل ابنه إلى القصر قتل وصلب على باب زويلة ، وأحرق بعد ذلك ، ثم عرفت هذه الدار بعد ذلك بدار تقيّ الدين صاحب حماه ، ثم خربت وحكر مكانها ، فصار يعرف بحكر صاحب حماه ، وبني فيه عدّة دور وموضعها الآن بداخل درب شمس الدولة بالقرب من حمّام عباس التي تعرف اليوم بحمام الكويك.

دار ابن فضل الله : هذه الدار فيما بين حارة زويلة والبندقانيين ، كان موضعها من جملة اصطبل الجميزة ، عرفت بابن فضل الله : وبنو فضل الله جماعة أوّلهم بمصر :

__________________

(١) بلبيس : بينها وبين فسطاط مصر عشرة فراسخ على طريق الشام.

١٠٥

شرف الدين : عبد الوهاب بن الصاحب جمال الدين أبي المآثر فضل الله ابن الأمير عز الدين الحلي بن دعجان العمريّ ، ولي كتابة السرّ للملك الناصر محمد بن قلاون ، ثم صرفه عنها وولاه كتابة السرّ بدمشق ، فلم يزل بها حتى مات في ثالث شهر رمضان سنة سبع عشرة وسبعمائة ، وقد عمر وبلغ أربعا وتسعين سنة ، وخلّف أموالا جمة ، ورثاه الشهاب محمود ، وقد ولي بعده وأرثاه علاء الدين عليّ بن غانم ، والجمال ابن نباتة ، وكان فاضلا بارعا أديبا عاقلا وقورا ناهضا ثقة أمينا مشكورا ، مليح الخط جيد الإنشاء ، حدّث عن الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام وغيره.

ومنهم محيي الدين : يحيى بن الصاحب جمال الدين أبي المآثر فضل الله بن مجلي بن دعجان بن خلف بن نصر بن منصور بن عبد الله بن عليّ بن محمد بن أبي بكر عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب القرشيّ العدويّ المريّ ، ولي كتابة السرّ بالديار المصرية عن الملك الناصر ، نقل إليها من كتابة سرّ دمشق لما مرض علاء الدين باستدعائه إلى مصر ، وأقيم بدله في كتابة سرّ دمشق شرف الدين أبو بكر بن الشهاب محمود ، وكان استقراره في محرّم سنة ثلاثين وسبعمائة ، فباشرها إلى ثاني عشر شعبان سنة اثنتين وثلاثين ، ونقل منها إلى كتابة السرّ بدمشق ، وطلب شرف الدين بن الشهاب محمود فاستقرّ في كتابة السرّ بمصر إلى شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين ، وطلب محيي الدين من دمشق هو وابنه شهاب الدين أحمد ، فوصلا إلى القاهرة غرّة جمادى الأولى ، وخلع عليهما ورسم لهما بكتابة السرّ ، ونقل ابن الشهاب محمود إلى كتابة السرّ بدمشق ، فلم يزل محيي الدين يباشر كتابة السرّ هو وابنه إلى أن كان من تنكز السلطان لولده شهاب الدين ما كان ، وذلك أنه كان استعفى من الوظيفة لثقل سمعه وكبر سنه ، فأذن له أن يقيم ابنه القاضي شهاب الدين يباشر عنه ، فصار الاسم لمحيي الدين والمباشر ابنه شهاب الدين إلى أن حضر الأمير تنكز نائب الشام إلى القلعة وسأل السلطان في علم الدين محمد بن قطب الدين أحمد بن مفضل المعروف بابن القطب أن يوليه كتابة السرّ بدمشق ، وكان السلطان لا يمنع تنكز شيئا يسأله ، فخلع عليه وأقرّه في ذلك عوضا عن جمال الدين عبد الله بن الأثير ، فأخذ شهاب الدين ينقصه عند السلطان بأنه نصرانيّ الأصل ، وليس من أهل صناعة الإنشاء ، ونحو ذلك ، والسلطان مغض عنه غير ملتفت إلى ما يرمى به رعاية لتنكز ، فلما كتب توقيع ابن القطب أراد تكثير الألقاب والزيادة له في المعلوم ، فامتنع شهاب الدين من كتابة ذلك ، وكان حادّ المزاج قويّ النفس شرس الأخلاق ، ففاجأ السلطان بغلظة ومخاشنة في القول ، وكان من كلامه كيف تعمل قبطيا أسلميا كاتب السرّ وتزيد في معلومه ، وبالغ في الجراءة حتى قال ما يفلح من يخدمك ، وخدمتك عليّ حرام ، ونهض قائما لشدّة حنقه ، وكان هذا منه بحضرة الأمراء فغضبوا لذلك وهموا بضرب عنقه ، فأغضى السلطان عنه وبلغ محيي الدين ما كان من ابنه فبادر إلى السلطان وقبل الأرض واعترف بخطإ ابنه واعتذر عن تأخره بثقل سمعه ،

١٠٦

فرسم له أن يكون ابنه علاء الدين عليّ يدخل ويقرأ البريد ، فاعتذر بأنه صغير لا يقوم بالوظيفة. فقال السلطان أنا أربيه مثل ما أعرف ، فصار يخلف أباه كما كان شهاب الدين ، وانقطع شهاب الدين في منزله مدّة سنين إلى أن مات أبوه محيي الدين في يوم الأربعاء تاسع شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة بالقاهرة ، عن ثلاث وتسعين سنة ، وهو متمتع بحواسه ، فدفن ظاهر القاهرة ثم نقل إلى تربتهم من سفح قاسيون بدمشق ، وكان صدرا معظما رزينا كامل السؤدد حركا كاتبا بارعا دبر الأقاليم بكفايته وحسن سياسته ، ووفور عقله وأمانته وشدّة تحرّزه ، وله النظم والنثر البديع الرايق فمن شعره :

تضاحكني ليلى فأحسب ثغرها

سنا البرق لكن أين منه سنا البرق

وأخفت نجوم الصبح حين تبسمت

فقمت بفرعيها أشدّ على الشرق

وقلت سواء جنح ليل وشعرها

ولم أدر أنّ الصبح من جهة الفرق

علاء الدين : علي بن يحيى بن فضل الله العمريّ ، استقل بوظيفة كتابة السرّ قبل موت أبيه محيي الدين ، وخلع عليه يوم الاثنين رابع شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة ، وله من العمر أربع وعشرون سنة ، فخرج وفي خدمته الحاجب والدوادار ، وتقدّم أمر السلطان للموقعين بامتثال ما يأمرهم به عن السلطان ، فشق ذلك على أخيه شهاب الدين وحسده ، وربما قيل أنه سمّه ، فكان يعتريه دم منه إلى أن مات ، ثم إنه كتب قصة يسأل فيها السفر إلى الشام ، وشكا كثرة الكلفة ، وكان قبل ذلك جرى ذكره في مجلس السلطان فذمّه وتهدّده ، فعند ما قرئت عليه قصته تحرّك ما كان ساكنا من غضبه ، ورسم بإيقاع الحوطة عليه ، فحمل من داره إلى قاعة الصاحب من قلعة الجبل في رابع عشري شعبان سنة تسع وثلاثين ، وخرج إليه الأمير طاجار الدوادار ، وأمر به فعرّي من ثيابه ليضرب بالمقارع ، فرفق به ولم يضر به واستكتبه خطه بحمل عشرة آلاف ، فأحيط بداره وأخرج سائر ما وجد له وبيع عليه ، وأرسل مملوكه إلى بلاد الشام فباع كل ما له فيها ، واقترض خمسين ألف درهم حتى حمل من ذلك كله مائة وأربعين ألف درهم ، عنها سبعة آلاف دينار ، فسكن أمره وخف الطلب عنه وأقام إلى ثالث عشر ربيع الآخر سنة أربعين مدّة سبعة أشهر وثمانية عشر يوما ، ففرج الله عنه بأمر عجيب ، وهو أنّه لما كان يباشر عن أبيه وقع شخص من الكتاب بشيء زور ، فرسم السلطان بقطع يده ، فلم يزل شهاب الدين يتلطف في أمره حتى عفا السلطان عنه من قطع يده ، وأمر به فسجن طول هذه السنين إلى أن قدّر الله سبحانه أنه رفع قصة يسأل فيها العفو عنه ، فلما قرئت على السلطان لم يعرفه ، فسأل عن خبره وشأنه ، فقيل له لا يعرف خبر هذا إلا شهاب الدين بن فضل الله ، فبعث إليه بقاعة الصاحب يستخبره عنه ، فطالعه بقصته ، وما كان منه ، فألان الله له قلب السلطان ورسم بالإفراج عن الرجل وعن شهاب الدين وعن مملوكه ، ففرّج الله عن الثلاثة ، ونزل شهاب الدين إلى داره وأقام إلى أن قبض السلطان على الأمير تنكز نائب الشام ، فاستدعى شهاب الدين إلى حضرته وحلفه وولاه كتابة

١٠٧

السرّ بدمشق عوضا عن شرف الدين خالد بن عماد الدين إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن محمد بن خالد بن نصر المخزوميّ ، المعروف بابن القيسرانيّ ، فباشرها حتى مات بدمشق ، وانفرد أخوه علاء الدين بكتابة السرّ إلى أن مات ليلة الجمعة التاسع والعشرين من شهر رمضان سنة تسع وستين وسبعمائة بمنزله من القاهرة ، عن سبع وخمسين سنة ، وترك ستة بنين وأربع بنات.

بدر الدين : محمد بن علي بن يحيى بن فضل الله ، ولّاه الملك الأشرف شعبان بن حسين كتابة السرّ ، وأبوه في مرض موته ، يوم الخميس ثامن عشري شهر رمضان ، سنة تسع وستين وسبعمائة ، وله من العمر تسع عشرة سنة ، وجعل أخاه عز الدين حمزة نائبا عنه ، فباشر إلى شوّال سنة أربع وثمانين وسبعمائة ، فصرف بأوحد الدين عبد الواحد بن إسماعيل بن يس ، ولزم داره فلم يره أحد البتة إلى أن مات أوحد الدين ، فنزل إليه الأمير يونس الدوادار واستدعاه ، فركب بثياب جلوسه من غير خف ولا فرجية ولا شاش وصعد إلى القلعة ، فخلع عليه في اليوم الرابع من ذي الحجة سنة ست وثمانين ، فلما ثار الأمير يلبغا الناصري على الملك الظاهر وخلعه من الملك وأقام الملك الصالح حاجي بن الأشرف شعبان بن حسين ولقبه بالملك المنصور ، ثم خرج الملك الظاهر برقوق من محبسه بالكرك وسار إلى محاربة الأمير تمربغا منطاش ومعه المنصور حاجي ، فخرج ابن فضل الله ، فلما انهزم منطاش على شعجب واستولى برقوق على المنصور والخليفة والقضاة والخزائن ، وكان ابن فضل الله وأخوه عز الدين في من فرّ مع منطاش إلى دمشق ، فأقام بها واستولى برقوق على تخت الملك بقلعة الجبل ، فولى علاء الدين عليّ بن عيسى الكركي كتابة السرّ ، وأخذ ابن فضل الله يتحيل في الخروج من دمشق وسيّر إلى السلطان مطالعة فيها من شعره :

يقبل الأرض عبد بعد خدمتكم

قد مسّه ضرر مثله ضرر

حصر وحبس وترسيم أقام به

وفرقة الأهل والأولاد والفكر

لكنه والورى مستبشرون بكم

يرجو بكم فرجا يأتي وينتظر

والشغل يقضي لأن الناس قد ندموا

إذ عاينوا الجور من منطاش ينتشر

جورا كما فرّطوا في حقكم ورأوا

ظلما عظيما به الأكباد تنفطر

والله إن جاءهم من بابكم أحد

قاموا لكم معه بالروح وانتصروا

الله ينصركم طول المدا أبدا

يا من زمانهم من دهرنا غرر

قدم إلى القاهرة ومعه أخوه عز الدين حمزة ، وجمال الدين محمود القيصري ناظر الجيش ، وتاج الدين عبد الرحيم بن أبي شاكر ، وشمس الدين محمد بن الصاحب ، فما زال في داره إلى أن سافر الملك الظاهر إلى بلاد الشام في سنة ثلاث وتسعين ، فتقدّم أمره إليه بالمسير مع العسكر ، فسار بطالا ، وقدّر الله تعالى ضعف علاء الدين الكركي ، فولاه كتابة

١٠٨

السرّ وصرف الكركي في شوّال ، وكانت هذه ولاية ثالثة ، فباشر وتمكن هذه المرّة من سلطان تمكنا زائدا إلى أن سافر السلطان إلى البلاد الشامية في سنة ست وتسعين ، فمات بدمشق يوم الثلاثاء لعشرين من شوّال سنة ست وتسعين وسبعمائة ، ودفن بترتبهم بسفح قاسيون ، ومات أخوه حمزة بدمشق أيضا في أوائل المحرم سنة سبع وتسعين وسبعمائة ودفن بها ، وانقطع بموتهما هذا البيت فلم يبق من بعدهما إلّا كما قال الله سبحانه ، (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا). ومن شعر البدر محمد بن فضل الله ما كتبه عنوانا لكتاب الملك الظاهر برقوق جوابا عن كتاب تمرلنك الوارد إلى مصر في سنة ست وتسعين وسبعمائة وعنوانه :

سلام وإهداء السلام من البعد

دليل على حفظ المودّة والعهد

فافتتح البدر العنوان بقوله :

طويل حياة المرء كاليوم في العدّ

فخبرته أن لا يزيد على العدّ

فلا بدّ من نقص لكل زيادة

لأنّ شديد البطش يقتص للعبد

وكتب فيه من شعره أيضا جوابا عن كثرة تهديد تمرلنك وافتخاره :

السيف والرمح والنشاب قد علمت منا الحروب فسل منها تلبيكا

إذ التقينا تجد هذا مشاهدة

في الحرب فأثبت فأمر الله آتيكا

بخدمة الحرمين الله شرّفنا

فضلا وملّكنا الأمصار تمليكا

وبالجميل وحلو النصر عوّدنا

خذ التواريخ واقرأها فتنبيكا

والأنبياء لنا الركن الشديد وكم

بجاههم من عدوّ راح مفكوكا

ومن يكن ربه الفتاح ناصره

ممن يخاف وهذا القول يكفيكا

وقال :

إذا المرء لم يعرف قبيح خطيئة

ولا الذنب منه مع عظيم بليته

فذلك عين الجهل منه مع الخطا

وسوف يرى عقباه عند منيته

وليس يجازي المرء إلا بفعله

وما يرجع الصياد إلا بنيته

وهذه الدار كانت موجودة قبل بني فضل الله ، وتعرف بدار بيبرس ، فعمر فيها محيي الدين وابنه علاء الدين ، وكانت من أبهج دور القاهرة وأعظمها ، وما زالت بيد أولاد بدر الدين وأخيه عز الدين حمزة إلى أن تغلب الأمير جمال الدين على أموال الخلق ، فأخذ ابن أخيه الأمير شهاب الدين أحمد الحاجب المعروف بسيدي أحمد بن أخت جمال الدين دار بني فضل الله منهم ، كما أخذ خاله دور الناس وأوقافهم وعوض أولاد ابن فضل الله عنها ، وغيّر كثيرا من معالمها ، وشرع في الازدياد من العمارة اقتداء بخاله ، فأخذ دورا كانت بجوار

١٠٩

مستوقد حمام ابن عبود المقابلة لدار ابن فضل الله ، واغتصب لها الرخام والأحجار والأخشاب ، وهدم عدّة دور وكثيرا من الترب بالقرافة ، منها تربة الشيخ عز الدين بن عبد السلام ، وكانت عجيبة البناء ، وأدخل ذلك في عمارته المذكورة ، ووسع فيها من جهة البندقانيين ما كان خرابا منذ الحريق الذي تقدّم ذكره ، وأنشأ من هناك حوض ماء يشرب منه الدواب ، فلما قارب إكمالها قبض الملك الناصر فرج على خاله جمال الدين يوسف استادار وقتله ، وكان أحمد هذا ممن قبض عليه معه ، فوضع الأمير تغري بردي ، وهو يومئذ أجلّ أمراء الناصر ، يده على هذه الدار ، وما رضي بأخذها حتى طلب كتابها فإذا به قد تضمن أنّ أحمد قد وقف هذه الدار ، فلم يزل بقضاة العصر حتى حكموا له بهذه الدار وجعلوها له بطريق من طرقهم ، فأقام فيها حتى أخرجه الناصر لنيابة دمشق في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة ، فنزل بها الأمير دمرداش بإرث ابنة جمال الدين ، وهي امرأة أحمد المذكور ولها منه أولاد ، وأرادت استرجاع الدار كما فعلت في مدرسة أبيها ، وكان لها ولورثة تغري بردي مخاصمات ، واستقرّت لبني تغري بردي.

دار بيبرس : هذه الدار فيما بين دار ابن فضل الله والسبع قاعات في ظهر حارة زويلة ، وقريبة من سويقة المسعودي ، تشبه أن تكون من جملة اصطبل الجميزة ، كانت دار الشريف بن تغلب صاحب المدرسة الشريفية برأس حارة الجودرية ، ثم عرفت بالأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير ، فإنه كان يسكنها وهو أمير قبل أن يلي السلطنة ، وجدّد رخامها من الرخام الذي دل عليه الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح ، بالقصر الذي عرف بقصر أمير سلاح ، من جملة قصر الخلفاء ، كما سيأتي خبر ذلك عند ذكر الخانقاة الركنية بيبرس ، فإن بيبرس هذا هو الذي أنشأها ولم تزل إلى أن هدمها ناصر الدين محمد بن البارزي الحمويّ كاتب السرّ بعد ما اشتراها نقضا ، كما اشترى غيرها من الأوقاف ، وذلك في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة.

السبع قاعات : هذه الدار عرفت بالسبع قاعات ، وهي يتوصل إليها من جوار دار بيبرس المذكورة ومن سويقة الصاحب ، وقد صارت عدّة مساكن جليلة ، ومكانها من جملة اصطبل الجميزة ، أنشأها الوزير الصاحب علم الدين بن زنبور ، ووقفها من جملة ما وقف ، فلما قبض عليه الأمير صرغتمش في حل أوقافه ووعد بالسبع قاعات خوند قطلوبنك ابنة الأمير تنكز الحساميّ نائب الشام أمّ السلطان الملك الصالح صالح بن الناصر محمد بن قلاوون ، ولقّنه الشريفان ، شرف الدين عليّ بن حسين بن محمد نقيب الأشراف ، وأبو العباس الصفراويّ ، أنّ الناصر لما قبض على كريم الدين الكبير ، بعث إلى كريم الدين من شهد عليه أنّ جميع ما صار بيده من الأملاك وقفها وطلقها إنما هو من مال السلطان دون ماله ، وشهد بذلك عند قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة ، فأثبت بهذه الشهادة أن أملاك كريم الدين جارية في الأملاك السلطان ، فأقرّ السلطان ما وقفه كريم الدين منها على

١١٠

حاله وسماه الوقف الناصري ، فلما جلس السلطان الملك الصالح بدار العدل ، وحضر قاضي القضاة والأمراء وغيرهم من أهل الدولة على العادة ، تكلم الأمير صرغتمش مع قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن بدر الدين محمد بن جماعة في حل أوقاف ابن زنبور ، فإنها ملك السلطان ومن ماله اشتراها ، وذكر قضية كريم الدين ، فأجابه بأنّ تلك القضية كانت صحتها مشهورة ، وذلك أنّ خزائن السلطان وحواصله وأمواله كلها كانت بيد كريم الدين وفي داره ، يتصرف فيها على ما يختاره ، جعل له السلطان بتوكيله والإذن له في التصرّف ، بخلاف ابن زنبور ، فإنه كان يتصرّف في ماله الذي اكتسبه من المتجر وغيره ، فما وقفه وثبت وقفه وحكم قضاة الإسلام بصحته لا سبيل إلى حله ، وساعده في ذلك القاضي موفق الدين عبد الله الحنبليّ ، وتردّد الكلام بينهما في ذلك ، فاحتج عليهما الأمير صرغتمش بما لقناه الشريفان من مشاطرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، عماله وأخذه من كل عامل نصف ماله ، وأن مال الوزير جميعه من مال السلطان ، فقال له ابن جماعة : يا أمير ، إن كنت تبحث معنا في هذه المسألة بحثنا معك ، وإن كان أحد قد ذكرها لك فليحضر حتى نبحث معه فيها ، فإنّ الذي ذكر لك هذه المسألة إنما قصد أن تصادر الناس وتأخذ أموالهم ، فوافقه رفقته الثلاثة قضاة على قوله ، وأراد ابن جماعة بقوله هذا التعريض بالشريفين وكان اختصاصهما بالأمير صرغتمش ، وقيامهما على ابن زنبور مشهورا ، فشق هذا على الأمير صرغتمش وانفض المجلس وقد اشتدّ حنقه لما ردّ عليه من كلامه وعورض فيه من مراده ، فبعثت خوند أم السلطان إلى ابن جماعة تعرّفه ما وعدت به من مصير السبع قاعات إليها ، وأكدت عليه في أن لا يعارضها في حلّ أوقاف ابن زنبور ، فأجابها بتقبيح هذا ، وخوّفها سوء عاقبته ، فكفت عنه ، ولقوّة غيظ الأمير صرغتمش مرض مرضا شديدا من انفتاح صدره ونفثه الدم ، حتى خيف عليه الموت ، ثم عوفي بعد ذلك بأيام ، وذلك كله في سنة أربع وخمسين وسبعمائة ، واستمرّت السبع قاعات وقفا بيد ذرية ابن زنبور إلى يومنا هذا ، إلّا أنّ الأمير صرغتمش المذكور أخذ رخامها ووجد فيها شيئا كثيرا من صينيّ ونحاس وقماش وغير ذلك قد أخفي في زواياها.

علم الدين : عبد الله بن تاج الدين أحمد بن إبراهيم ، المعروف بابن زنبور ، أوّل ما باشر به استيفاء الوجه القبلي شريكا لوهب بن سنجر ، وطلع صحبته الأمير علم الدين عبد الرزاق كاشف الوجه القبليّ ، ونهض فيه ، فلما كانت مصادرة ابن الجيعان كاتب الإصطبل ، طلب السلطان سائر الكتاب ، وكان منهم ابن زنبور ، فعرضهم ليختار منهم فشكر الفخر ناظر الجيش منه وقال : هو ولد تاج الدين رفيقه وشكره الأكوز ، فلما انفض المجلس طلبه وخلع عليه ، فباشر نظر الإصطبل في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ، ونال فيه سعادة طائلة ، واستمرّ إلى أن مات السلطان الملك الناصر محمد ، وحكم الأمير ايدغمش ، فباشر استيفاء الصحبة ، فلما قبض على حمال الكفاة ناظر الخاص وناظر الجيش وعلى الموفق

١١١

ناظر الدولة وعلى الصفيّ ناظر البيوت ، المعروف بكاتب قوصون ، في سنة خمس وأربعين وسبعمائة ، ومات حمال الكفاة في العقوبة يوم الأحد سادس شهر ربيع الأوّل ، عيّن ابن زنبور لوظيفة نظر الخاص ، ثم قرّر فيها القاضي موفق الدين هبة الله بن إبراهيم ناظر الدولة ، وكان ابن زنبور وهو مستوفي الصحبة ، قد سيّره حمّال الكفاة قبل القبض عليه ، لكشف القلاع الشامية ، ومعه جارا كتمر الحاجب إبعادا له ، وكان الأمير أرغون العلائي يعني به ، فلما قبض على حمّال الكفاة ، تحدّث له العلائي مع السلطان الملك الصالح إسماعيل بن محمد بن قلاوون في نظر الخاص ، فبعث في طلبه ، ثم لم يحضر إلّا بعد شهر ، فتحدّث الوزير نجم الدين محمود بن عليّ المعروف بوزير بغداد مع السلطان في ولاية الموفق نظر الخاص ، فخلع عليه ، وحضر ابن زنبور من الشام فباشر نظر الدولة علم الدين بن سهلوك وابن زنبور على ما هي عادته في استيفاء الصحبة ، ونهض في المباشرة وحصّل الأموال ودخل هو والوزير نجم الدين وشكيا ، توقف الدولة من كثرة الإنعامات والإطلاقات للخدم والجواري ، ومن يلوذ بهم ، فتقرّر الحال مع الأمراء على كتابة أوراق بكلفة الدولة ، فلما قرئت بمحضر من الأمراء بلغت الكلف ثلاثين ألف ألف درهم ، والمتحصل خمسة عشر ألف درهم ، فأبطل ما استجدّ بعد موت الملك الناصر بأسره ، فلم يستمرّ غير شهر واحد حتى عاد الأمر على ما كان عليه ، بحيث بلغ مصروف الحوائج خاناه في كل يوم اثنين وعشرين ألف درهم ، بعد ما كانت في أيام الناصر محمد ثلاثة عشر ألف درهم ، فلما مات الملك الصالح إسماعيل وأقيم في الملك من بعده أخوه الملك الكامل سيف الدين شعبان بن محمد ، صرف الموفق عن نظر الخاص ونقل ابن زنبور من استيفاء الصحبة إليها ، واستقرّ فخر الدين السعيد في استيفاء الصحبة ، وذلك في ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة ، فباشر ذلك إلى أخريات رجب نيفا وثمانين يوما ، فولى الملك الكامل نظر الخاص لفخر الدين ابن السعيد مستوفي الدولة ، وأعاد ابن زنبور من نظر الخاص إلى استيفاء الدولة ، فلما كان في المحرّم سنة سبع وأربعين ، أعيد نجم الدين وزير بغداد إلى الوزارة ، وقرّر ابن زنبور في نظر الدولة ، فاستمرّ إلى أن قتل الكامل شعبان ، وأقيم في الملك من بعده أخوه الملك المظفر حاجي في مستهل جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين ، فطلب ابن زنبور وأعيد إلى نظر الخاص ، وقبض على فخر الدين بن السعيد ، وطولب بالحمل ، وأضيف إليه نظر الجيش ، فباشر ذلك إلى سنة إحدى وخمسين ، فأضيف إليه الوزارة في يوم الخميس سابع عشري ذي القعدة ، وخلع عليه ، وكان له يوم عظيم جدّا ، فلما كان يوم السبت جلس بشباك قاعة الصاحب من القلعة في دست الوزارة ، واستدعى جميع المباشرين وطلب المقدّم ابن يوسف وشدّ وسطه على ما كان عليه ، وطلب المعاملين وسلفهم على اللحم وغيره ، واستكتب المباشرين أنه لم يكن في بيت المال ولا الاهرا من الدراهم والغلال شيء البتة ، ودخل بها وقرأها على السلطان والأمراء ، وشرع في عرض

١١٢

أرباب الوظائف كلهم ، وطلب حساب الأقاليم بأسرها ، وولى صهره فخر الدين ماجد فرويتة نظر البيوت ، وأنفق جامكية شهر وحمل الرواتب إلى الدور السلطانية. والأسمطة من السكر والزيت والقلوبات وغير ذلك ، وأقام بكتمر المومني في وظيفة شدّ الدواوين ، وألزم نفسه في المجلس السلطاني بحضرة الأمراء ، أنه يباشر الوزارة بغير معلوم ، وقرّر ابنه في ديوانه المماليك ، والتزم أنّه لا يتناول معلوما بل يوفر المعلومين للسلطان ، وأبطل رمي الشعير والبرسيم من بلاد مصر ، وكان يحصل برميها ضرر كبير ، فإن ذلك كان يحصل من سائر البلاد فيغرم على كل أردب أكثر من ثمنه ، والتزم بتكفية بيت المال من الشعير والبرسيم بغير ذلك ، فبطل على يديه ، وكتب به مرسوم وكتب نقشا على حجر في جانب باب القلعة من قلعة الجبل ، وأمر بقياس أراضي الجيزة فجاء زيادتها عن الارتفاع الذي مضى ثلثمائة ألف درهم ، وعنها خمسة عشر ألف دينار ، فلم يزل إلى سابع عشري شوّال سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة ، فأحيط به وقبض عليه حسدا له على ما صار إليه ، ولم يجتمع لغيره في الدولة التركية ، وتولى القيام عليه الأمير صرغتمش لأنه علم أنه من جهة الأمير شيخو ويقوم له بجميع ما يختاره ، وأعانه عليه الأمير طاز ، وما زال يدأب في ذلك إلى أن عاد السلطان الملك الصالح من دمشق في يوم الاثنين خامس عشري شوّال سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة إلى قلعة الجبل ، وعمل يوم الخميس سماطا مهما في القلعة ، ولما انفض السماط خلع على سائر أرباب الوظائف من الأمراء ، وعلى الوزير وسائر المباشرين ، فاتفق لما قدّره الله تعالى أنه حضر إلى الأمير صرغتمش وهو يومئذ رأس نوبة عشر تشريف ، غيّر تشريفه ودون رتبته ، فأخذه ودخل إلى الأمير شيخو وألقى البلقجة قدّامه وقال : أنظر فعل الوزير معي وكشف الخلعة ، فقال شيخو هذا غلط ، فقام وقد أخذه من الغضب شبه الجنون وقال : هذا شغل الوزير وأنا ما اصبر على أن أهان لهذا الحدّ ، ولا بدّ لي من القبض عليه ومهما شئت أنت افعل بي وخرج فإذا الوزير داخل لشيخو وعليه خلعة فصاح في مماليكه ، خذوه فكشفوا الخلعة عنه وسحبوه إلى بيت صرغتمش وسرّح مماليكه في القبض على جميع حاشية الوزير ، فقبض على سائر من يلوذ به لأنهم كانوا قد اجتمعوا بالقلعة ، وخالطت العامّة المماليك في القبض على الكتاب وأخذوا منهم في ذلك اليوم شيئا كثيرا ، حتى أن بعض الغلمان صار إليه في ذلك اليوم ستة عشر دواة من دوي الكتاب ، فلم يمكن منها أربابها إلّا بمال يأخذه على كل دواة ، ما بين عشرين إلى خمسين درهما ، وأمّا ما سلبوه من العمائم والثياب والمهاميز الفضة فشيء كثير ، وخرج الأمير قشتمر الحاجب وغيره في جماعة إلى دوره التي بالصوصة من مصر ، فأوقعوا الحوطة على حريمه وأولاده وختموا سائر بيوته وبيوت حواشيه ، وكانوا قد اجتمعوا وتزينوا لقدوم رجالهم من السفر ، وأنزل الوزير في مكان مظلم من بيت صرغتمش ، فلما أصبح طلب ولد الوزير وصار به صرغتمش إلى بيت أبيه وأحضر أمّه ليعاقبه وهي تنظره حتى يدلوه على المال ، ففتحوا له خزانة وجد فيها خمسة

١١٣

عشر ألف دينار وخمسين ألف درهم فضة ، وأخرج من بئر صندوق فيه ستة آلاف دينار وشيء من المصالح ، وحضرت أحماله من السفر فوجد فيها ستة آلاف دينار ومائة وخمسون ألف درهم فضة ، وغير ذلك من تحف وثياب وأصناف ، وألزم والي مصر بإحضار بناته ، فنودي عليهنّ في مصر والقاهرة ، وهجمت عدّة دور بسببهنّ ونال الناس من نكاية أعدائهم في هذه الكائنة كل غرض ، فإنه كان الرجل يتوجه إلى أحد من جهة صرغتمش ويرمي عدوّه بأنّ عنده بعض حواشي ابن زنبور ، فيؤخذ بمجرّد التهمة ، ولقي الناس من ذلك بلاء عظيما.

ثم حمل إلى داره وعرّي ليضرب ، فدل على مكان استخرج منه نحو من خمسة وستين ألف دينار ، فضرب بعد ذلك ، وعرّيت زوجته وضرب ولده فوجد له شيء كثير إلى الغاية. قال الصفديّ خليل بن أيبك الملقب صلاح الدين في كتاب أعيان العصر : وأمّا ما أخذ منه في المصادرة في حال حياته فنقلت من خط الشيخ بدر الدين الحمصيّ في ورقة بخطه على ما أملاه القاضي شمس الدين محمد البهنسيّ ، أواني ذهب وفضة ستون قنطارا ، جوهر ستون رطلا ، لؤلؤ أردبان ، ذهب مصكوك مائتا ألف وأربعة آلاف دينار ، ضمن صندوق ستة آلاف حياصة ، ضمن صناديق زركش ستة آلاف كلوته ذخائر ، عدّة قماش بدنه ، ألفان وستمائة فرجية بسط ، (١) آلاف صنجة دراهم خمسون ألف درهم ، شاشات ثلثمائة شاش ، دواب عاملة سبعة آلاف حلابة ، ستة آلاف خيل وبغال ألف ، دراهم ثلاثة أرداب ، معاصر سكر خمسة وعشرون معصرة ، إقطاعات سبعمائة ، كل إقطاع خمسة وعشرون ألف درهم ، عبيد مائة ، خدّام ستون ، جواري سبعمائة ، أملاك القيمة عنها ثلاثمائة ألف دينار ، مراكب سبعمائة ، رخام القيمة عنه مائتا ألف درهم ، نحاس قيمته أربعة آلاف دينار ، سروج وبدلات خمسمائة ، مخازن ومتاجر أربعمائة ألف دينار ، نطوع سبعة آلاف ، دواب خمسمائة ، بساتين مائتان ، سواقي ألف وأربعمائة. وكان في وقت القبض عليه أشدّ الناس قياما في إفساد صورته الشريف شرف الدين عليّ بن الحسين نقيب الأشراف ، والشريف أبو العباس الصفراوي ، وبدر الدين ناظر الخاص ، وأمير المؤمنين ، والصوّاف ، واستادار الأمير صرغتمش ، فأوّل ما فتحوه من أبواب المكايد أن حسنوا الصرغتمش أن يأمر بالإشهاد عليه. أن جميع ماله من الأملاك والبساتين والأراضي والوقف والطلق جميعها من مال السلطان دون ماله ، فصير إليه ابن الصدر عمر وشهود الخزانة ، فاشهد عليه بذلك ، ثم كتبوا فتي في رجل يدعي الإسلام ويوجد في بيته كنيسة وصلبان وشخوص من تصاوير النصارى ، ولحم الخنزير ، وزوجته نصرانية ، وقد رضي لها بالكفر ، وكذلك بناته وجواريه ، وأنه لا يصلي ولا يصوم ونحو ذلك ، وبالغوا في تحسين قتله حتى قالوا لصرغتمش : والله لو فتحت جزيرة قبرص ما كتب لك أجر من الله بقدر ما يؤجرك الله على ما فعلته مع هذا ، فأخرج في باشا

__________________

(١) بياض في الأصل.

١١٤

وزنجير وضرب في رحبة قاعة الصاحب من القلعة بالمقارع ، وتوالت عقوبته ، وأسلم لشادّ الدواوين ليعاقبه حتى يموت ، فقام الأمير شيخو في أمره ، فردّه صرغتمش إلى داره وأكرمه وأقام عنده إلى سابع عشري المحرّم سنة أربع وخمسين ، فأخرجه من داره وتسلمه شادّ الدواوين وعاقبه عقوبة الموت في قاعة الصاحب ، فاتفق ركوب الأمير شيخو من داره إلى القلعة وابن زنبور يعاقب ، فغضب من ذلك ووقف ومنع من ضربه ، وبلغ الخبر صرغتمش فصعد إلى القلعة وجرى له مع شيخو عدّة مفاوضات كادت تفضي إلى فتنة ، وآل الأمر فيها إلى تسفير ابن زنبور إلى قوص ، فأخرج من ليلته ، وكانت مدّة شدّته ثلاثة أشهر ، وأقام بمدينة قوص إلى أن عرض له مرض أقام به أحد عشر يوما ومات يوم الأحد سابع عشر ذي القعدة سنة أربع وخمسين وسبعمائة ، وله بالقاهرة السبيل الذي على يسرة من دخل من باب زويلة بجوار خزانة شمائل ، وقد دخل في الجامع المؤيدي.

دار الدوادار : هذه الدار فيما بين حارة زويلة واصطبل الجميزة ، وهي اليوم من جملة خط السبع قاعات عرفت ... (١).

دار فتح الله : هذه الدار اليوم بخط سويقة المسعوديّ ، كان موضعها زقاقا يعرف بزقاق البناده ، وفيه باب قاعة أنشأها سعد الدين إبراهيم بن عبد الوهاب بن النجيب أبي الفضائل الميمونيّ أحد مباشري ديوان الجيش ، وهي قاعة في غاية الملاحة من جودة رخام وكثرة دهان وحسن ترتيب ، ومات الميمونيّ في ثاني ذي الحجة سنة خمس وتسعين وسبعمائة ، فسكنها فتح الله بن معتصم وهو يومئذ رئيس الأطباء ، فلما ولي كتابة السر شره إلى العمارة ، فأخذ ما في الزقاق المذكور من الدور شيئا بعد شيء ، وأخرج منها سكانها وهدمها وابتنى قاعة تجاه قاعة الميمونيّ ، وجعل فيها بئرا وفسقية ماء ، وبنى بها حمّاما ، ثم أنشأ اصطبلا كبيرا لخيوله ، ولم يقنع بذلك حتى حمل القضاة على الحكم له باستبدال دار الميمونيّ ، وكانت وقفا على أولاد الميمونيّ ومن بعدهم على الحرمين ، فعمل له طرف في جواز الاستبدال بها على ما صار القضاة يعتمدونه منذ كانت الحوادث بعد سنة ست وثمانمائة ، فلما تم حكم القضاة له بتملكها غير بابها وزاد في سعتها. وأضاف إليها عدّة مواضع مما بجوارها ، وغرس في جانبها عدّة أشجار وزرع كثيرا من الأزهار التي حملت إليه من بلاد الشام ، وبالغ في تحسين رخام هذه الدار ، وأنشأ دهيشة كيسة إلى الغاية بوسطها فسقية ماء ينخرط إليها الماء من شاذروان عجيب الصنعة بهج الزيّ ، وتشرف هذه الدهيشة على هذه الجنينة التي أبدع فيها كل الأبداع ، وركب علو هذه القاعة الأروقة العظيمة ، وبنى بجوارها عدّة مساكن لمماليكه ، ومسجدا معلقا كان يصلي فيه وراء إمام راتب قرّره له بمعلوم جار ، فجاءت هذه الدار من أجلّ دور القاهرة وأبهجها ، ووقف ذلك كله مع أشياء غيرها على تربته

__________________

(١) بياض في الأصل.

١١٥

التي أنشأها خارج باب البرقية ، وعلى عدّة جهات من البر فلما نكب أكره حتى رجع عن وقف هذه الدار على ما عينه في كتاب وقفه ، وجعلها وقفا على أولاد السلطان الملك المؤيد شيخ ، فلما مات المؤيد عاد ذلك إلى وقف فتح الله.

فتح الله بن معتصم بن نفيس الإسرايلي الداوديّ العنانيّ التبريزيّ ، رئيس الأطباء ، وكاتب السرّ ، ولد بتبريز في سنة تسع وخمسين وسبعمائة ، وكان قد قدم جدّه نفيس إلى القاهرة في سنة أربع وخمسين ، فأسلم وعظم بين الناس ، ثم قدم فتح الله مع أبيه فنشأ بالقاهرة في كفالة عمه ، ونظر في الطب وعاشر الفقهاء واتصل بصحبة بعض الأمراء ، فعرف منه أحد مماليكه ، وكان يسمى بشيخ ، فلما تأمّر شيخ فرّبه وأنكحه وفوّض إمر ديوانه ، ثم مات عمه بديع ابن نفيس ، فأقرّه الملك الظاهر برقوق مكانه في رياسة الأطباء فباشرها مباشرة مشكورة ، واختص بالملك الظاهر برقوق اختصاصا كبيرا ، فلما مات بدر الدين محمود الكلسانيّ قلده وظيفة كتابة السرّ ، وخلع عليه في يوم الاثنين حادي عشر جمادى الأولى سنة إحدى وثمانمائة ، ومات الظاهر وقد جعله أحد أوصيائه ، فما زال إلى أوائل ربيع الأوّل سنة ثمان وثمانمائة فقبض عليه واستقرّ بدله في كتابة السر سعد الدين إبراهيم بن غراب ، وضرب حتى حمل مالا ثم أفرج عنه فلزم داره إلى شهر رمضان ، فحمل إلى دار الوزير فخر الدين ماجد بن غراب وألزم بمال آخر ، فحمله وأطلق ، فقام الأمير جمال الدين يوسف الأستادار في أمره ، وما زال بالملك الناصر فرج إلى أن أعاده إلى كتابة السرّ في أوائل ذي الحجة فاستقرّ فيها ، وتمكن من أعدائه وأراه الله مصارعهم ، واتسعت أحواله وانفرد بسلطانه وأنيط به جلّ الأمور ، فأصبح عظيم المصر نافذ الأمر قائما بتدبير الدولة ، لا يجد أحد من عظماء الدولة بدا من حسن سفارته ، وأبدا للناس دينا وخيرا وتواضعا ، وحسن وساطة بين الناس وبين السلطان ، فلما كان من أمر الناصر وهزيمته على اللجون ما كان ، وقع فتح الله مع الخليفة المستعين بالله العباسي ابن محمد المتوكل على الله وعدّة من كتاب الدولة في قبضة الأميرين شيخ ونوروز ، وما زال عند هما حتى قتل الناصر وأقيم من بعده أمير المؤمنين المستعين بالله ، وهو على حاله من نفوذ الكلمة وتدبير الأمور ، فلما استبدّ الأمير شيخ بمملكة الديار المصرية واعتقل الخليفة وتلقب بالملك المؤيد شيخ في شعبان سنة خمس عشرة وثمانمائة ، أقرّ فتح الله على رتبته ، ثم قبض عليه يوم الخميس تاسع شوال ، وعوقب غير مرّة ، وأحيط بجميع أمواله وأسبابه وحواشيه ، وبيع عليه بعض ما وجد له ، وحمل ما تحصل منه فبلغ ما ينيف عن أربعين ألف دينار ، سوى ما أخذ مما لم يبع ، وهو ما يتجاوز ذلك ، وما زال في العقوبة إلى أن خنق في ليلة الأحد خامس عشر شهر ربيع سنة ست عشرة وثمانمائة ، وحمل من الغد إلى تربته فدفن بها ، وكان رحمه‌الله من خير أهل زمانه رياضة وديانة وطيب مقال ، وتأله وتنسك ومحبة لسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحسن قيام مع السلطان في أمر الناس ، وبه كفى الله عن الناس من شرّ الناصر فرج شيئا كثيرا ، وقد ذكرته

١١٦

بأبسط من هذا في كتابي «درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة» ، وفي كتابي «خلاصة التبر في أخبار كتاب السرّ».

دار ابن قرقه : هذه الدار من الدور القديمة ، وهي بخط سويقة المسعوديّ إلى خط بين السورين ، وقد تغيرت معالمها. قال ابن عبد الظاهر : دار ابن قرقة هي الآن سكن الأمير صارم الدين المسعوديّ والي القاهرة ، بأوّل حارة زويلة من جهة باب الخوخة على يسرة السالك إلى داخل الحارة ، وهي معروفة اليوم وإلى جانبها الحمام المعروفة بابن قرقة أيضا ، وهذه الدار والحمام أنشأهما أبو سعيد بن قرقة الحكيم ، وباعهما في حال مصادرته مما خرج عليه ، فابتاعهما منه علم السعداء ، ثم سكنها الكامل بن شاور ، وهما من جهة الخليج. انتهى.

وهذه الدار والحمام قد قدمتا وصار موضع الدار الجامع المعروف بجامع ابن المغربيّ برأس سويقة الصاحب وما يجاوره من دور ابن أبي شاكر ، وآخر ما بقي منها شيء ، هدمه الوزير الصاحب تاج الدين عبد الرحيم بن الوزير الصاحب فخر الدين عبد الله بن تاج الدين موسى بن أبي شاكر ، في رمضان سنة أربع وتسعين وسبعمائة.

وابن قرقة : هذا كان يتولى الاستعمالات بدار الديباج وخزائن السلاح ، وكان ماهرا في علم الطب والهندسة ونحو ذلك من علوم الأوائل ، وقتله الخليفة الحافظ لدين الله من أجل أنه دبر السم لابنه حسن بن الحافظ ، عندما تشاور والجند وطلبوا من الخليفة قتل ابنه حسن كما تقدّم ذكره ، فلما سكنت الدهماء قبض عليه الخليفة واعتقله بخزانة البنود وقتله ، في سنة تسع وعشرين وخمسمائة.

دار خوند : هذه الدار من حقوق حارة زويلة ، عرفت بالست الجليلة خوندار دوتكين ابنة نوغية السلاح دار الططريّ ، تزوّج بها الملك الأشرف خليل بن قلاون ، ومات عنها فتزوّجها من بعده أخوه الملك الناصر محمد بن قلاون ، وولدت منه ولدين وماتا ، ثم طلقها ونزلت من القلعة فسكنت هذه الدار ، وأنشأت لها تربة بالقرافة تعرف الآن بتربة الست ، وجعلت لها عدّة أوقاف ، وكانت من الخير على جانب عظيم ، لها معروف وصدقات وإحسان عميم ، وماتت ولها ما ينيف على الألف ، ما بين جارية وخادم أعتقتهم كلهم ، وخلّفت أموالا تخرج عن الحدّ في الكثرة ، وكانت وفاتها في ليلة السبت ثالث عشري المحرم سنة أربع وعشرين وسبعمائة ، ودفنت بتربتها ، فتقدّم أمر السلطان للأمراء والقضاة لشهود جنازتها وحمل ما تركته من الأموال والجواهر ، وطلب أخوها جمال الدين خضر بن نوغية وصولح على إرثه منها بمائة وعشرين ألف درهم ، عنها يومئذ سبعة آلاف دينار ، ولم تزل هذه الدار إلى أن هدمت ، فأخذها الأمير صلاح الدين محمد استادار السلطان ابن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله في شهر رجب سنة أربع وعشرين وثمانمائة ، وأدخلها

١١٧

في داره التي أنشأها فجاءت من أجلّ دور القاهرة.

دار الذهب : هذه الدار خارج القاهرة ، فيما بين باب الخوخة وباب سعادة ، بناها الأفضل أبو القاسم شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي ، وكان فيما بين باب القنطرة وباب الخوخة منظرة اللؤلؤة التي تقدّم ذكرها ، عند ذكر مناظر الخلفاء ، ويجاورها من حيزباب الخوخة دار الفلك ، وبناها فلك الملك أحد الأستاذين الحاكمية ، ويلاصقها دار الذهب هذه ، ويجاور دار الذهب دار الشابورة ، ودار الذهب عرفت أخيرا بدار الأمير بها در الأعسر شادّ الدواوين ، ثم الآن عرفت بدار الأمير الوزير المشير الأستادار فخر الدين عبد الغني ابن الأمير الوزير استادار تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج الأرمنيّ الأصل ، وعني بها وهدم كثيرا من الدور التي كانت تجاهها على برّ الخليج الشرقيّ ، وأنشأ هناك دارا يتطرّق إليها من هذه الدار بساباط ، وأنشأ بجوارها جامعه الآتي ذكره وحمامه ، ثم هدم كثيرا من الدور التي كانت على الخليج وما وراءها بتلك الأحكار التي في الجانب الغربيّ من الخليج ، وغرس في أراضي تلك الدور الأشجار وجعلها بستانا تجاه داره ، فمات قبل أن تكمل ، وصار أكثر مواضع الدور التي خربها هناك كيمانا.

دار الحاجب : خارج باب النصر تجاه مصلى الأموات ، هذه الدار أنشأها الأمير سيف الدين كهرداش المنصوريّ ، أحد المماليك الزراقين ، وهو الذي فتح جزيرة أرواد في المراكب المتوجهة إلى بلاد الفرنج ، وتولى عمارة مأذنة المدرسة المنصورية لما تهدّمت في الزلزلة ، وتقدم وكثرت أمواله ومات بدمشق في سنة أربع عشرة وسبعمائة ، فاشترى هذه الدار الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب ، ولم تزل بها ذريته من بعد الأمير جمال الدين عبد الله بن بكتمر ، والأمير ناصر الدين محمد بن عبد الله ، وبها الآن ولدا الأمير ناصر الدين ، وهما الأمير عليّ وعبد الرحمن ، وما برح هذا البيت فيه الأمرة والسعادة.

بكتمر الحاجب : الأمير سيف الدين ، كان أميرا خور ، ثم وليّ شدّ الدواوين بدمشق في نيابة الأفرم ، ولم يكن لأحد معه كلام في عزل ولا ولاية ، ثم ولي الحجوبية ، وتوجه إلى صفد كاشفا على الأمير ناهض الدين عمر بن أبي الخير والي الولاة وشادّ الدواوين بها ، ومعه معين الدين بن حشيش ، فحرّر الكشف ورفعه ، حتى قال فيه زين الدين عمر بن حلاوات موقع صفد:

يا قاصدا صفدا فعد عن بلدة

من جور بكتمر الأمير خراب

لا شافع تغني شفاعته ولا

جار له مما جناه جناب

حشر وميزان ونشر صحائف

وجرائد معروضة وحساب

وبها زبانية تحثّ على الورى

وسلاسل ومقامع وعقاب

ما فاتهم من كلّ ما وعدوا به

في الحر إلّا راحم وهاب

١١٨

ولما قدم الملك الناصر محمد بن قلاون من الكرك إلى دمشق ، ولّاه الحجوبية ، ودخل في خدمته إلى مصر وهو حاجب ، ثم أخرجه ثانيا نائبا إلى غزة في سنة عشر وسبعمائة ، فأقام بها قليلا وطلبه وولّاه الوزارة بالديار المصرية عوضا عن الصاحب فخر الدين ابن الخليليّ ، في رمضان سنة عشر ، فباشر الوزارة إلى أن قبض عليه مستهل ربيع الأوّل سنة خمس عشرة ، واعتقل مدّة سنة ونصف وأخذ كير من ماله ، ثم أفرج عنه وأخرج إلى صفد نائبا في سنة ست عشرة ، وأنعم عليه بمائة ألف درهم ، عنها يومئذ خمسة آلاف دينار ، فأقام بها عشرة أشهر وطلب إلى مصر فصار من الأمراء المشهورة ، فإذا تكلم السلطان في المشورة لا يردّ عليه غيره ، لما عنده من المعرفة والخبرة ، وتزوّج بابنة الأمير جمال الدين أقوش المعروف بنائب الكرك ، وأولاده الذين ذكرنا منها ، وسرق له مال كثير من خزانته بهذه الدار ، ادّعى أنه مبلغ مائتي ألف درهم ، وكان في الباطن على ما قيل سبعمائة ألف درهم ، فما جسر يتفوّه خوفا من السلطان ، وكان إذ ذاك والي القاهرة الأمير سيف الدين قدادار ، المنسوب إليه القنطرة على الخليج ، فتقدّم أمر السلطان إليه بتتبع من سرق المال ، فدسّ إليه الأمير بكتمر الساقي ، والوزير مغلطاي الجمالي ، والقاضي فخر الدين ناظر الجيش في السرّ ، أن يتهاون في أمر السرقة نكاية لبكتمر ، وأخذوا يحتجون لكل من اتهم ويقولون للسلطان لعن الله ساعة هذه العملة ، كل يوم يموت من الناس تحت المقارع عدّة ، وإلى متى يقتل المتهم الذي لا ذنب له ، فلما طار الأمر شكا بكتمر إلى السلطان في دار العدل ، فأحضر الوالي وسبّه السلطان ، فقال يا خوند : اللصوص الذين أمسكتهم وعاقبتهم أقرّوا أن سيف الدين بخشي خزنداره ، اتفق معهم على أخذ المال وجماعة من إلزامه الذين في بابه. فقال السلطان للجمالي الوزير : احضر هؤلاء المذكورين وعاقبهم ، فأخذ بخشي وعصره وكان عزيزا عند بكتمر ، قد زوجه بابنته ، وهو يثق بعقله ودينه وأمانته ، فشق ذلك عليه واغتم غما شديدا مات منه ، فجاءة فيما بين الظهر إلى العصر من يومه سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ، وكان خبيرا بالأمور بصيرا بالحوادث طويل الروح في الكلام لا يمل من تطويله ، ولو قعد في الحكم الواحد بين الأمير واليهودي ثلاثة أيام ، ولا يلحقه من ذلك سآمة البتة ، مع معرفة تامّة وخبرة بالسياسة لم ير مثله في حق أصحابه ، لكثرة تذكرهم في غيبتهم ، والفكر في مصالحهم وتفقد أحوالهم ، ومن جفاه منهم عتب عليه ، وكان سمحا بجاهه بخيلا بماله إلى الغاية ، ساقط الهمة في ذلك ، وله متاجر وأملاك وسعادة لا تكاد تنحصر ، ومع ذلك فله قدور يكريها لصلاقي الفول والحمص وغير ذلك من العدد والآلات ، ويماحك على أجرها مماحكة يستحى من ذكرها ، وأنشأ عدّة دور واقتنى كثيرا من البساتين ، وولي من بعده ابنه الأمير جمال الدين عبد الله الإمرة ، وكان حاجبا ، ولأبيه في سيرة البخل والحرص الشديد تابعا ومقلدا ، وتولى أمره الحاج غير مرّة ، وخرج في سنة ست وثمانين وسبعمائة من القاهرة لولاية كشف الجسور بالغربية ، فورد عليه كتاب

١١٩

السلطان الملك الظاهر برقوق بالإنكار ، وفيه تهديد مهول فداخله الخوف ومرض ، فحمل في محفة إلى القاهرة فدخلها يوم الأربعاء النصف من جمادى الأولى من تلك السنة ، فمات من يومه وأخذ أقطاعه الأمير يودي ، وصار ابنه ناصر الدين أحد الأمراء العشراوات ، سالكا طريق أبيه وجدّه في الإمساك إلى أن مات خامس عشري شهر ربيع الآخر سنة اثنين وثمانمائة ، ودفن بتربتهم خارج باب النصر.

دار الجاولي : هذه الدار من جملة الحجر التي تقدّم ذكرها ، وهي تجاه الخان المجاور لوكالة قوصون ، أنشأها الأمير علم الدين سنجر الجاولي وجعلها وقفا على المدرسة المعروفة بالجاولية بخط الكبش جوار الجامع الطولوني ، وعرفت في زماننا بقاعة البغادّة ، لسكنى عبد الصمد الجوهريّ البغداديّ بها هو وأولاده في سنة سبع وأربعين وسبعمائة إلى بعد سنة ست عشرة وثمانمائة ، وهي من الدور الجليلة ، إلّا أنها قد تشعثت لطول الزمن.

دار أمير أحمد : هذه الدار بجوار دار الجاوليّ من غربيها ، عرفت بأمير أحمد قريب الملك الناصر محمد بن قلاون ، وعرفت في زماننا بسكن أبو ذقن ناظر المواريث ، وهي من جملة ما اغتصبه جمال الدين يوسف الأستادار من الدور الوقف ، وجعلها لأخيه شمس الدين محمد البيري قاضي حلب ، وشيخ الخانقاه البيبرسية ، فغير بابها وشرع في عمارتها ، فقبض عليه عند القبض على أخيه وهو بها.

دار اليوسفي : هذه الدار بجوار باب الجوّانية فيما بينها وبين الحوض المعدّ لشرب الدواب ، أنشأها هي والحوض الأمير سيف الدين بهادر اليوسفيّ السلاح دار الناصريّ.

دار ابن البقري : هذه الدار أنشأها الوزير الصاحب سعد الدين سعد الله بن البقريّ بن أخت القاضي شمس الدين شاكر بن غزيل البقريّ ، صاحب المدرسة البقرية اظهر الإسلام وباشر في الخدمة الديوانية إلى أن ولاه الملك الظاهر برقوق وظيفة نظر الديوان المفرد ونظر الخاص ، عوضا عن الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن مكانس ، في ثالث شهر رمضان سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة ، فباشر ذلك إلى تاسع شهر رمضان سنة خمس وثمانين ، فقبض عليه ونزل الأمير يونس الدوادار والأمير قرقماش الخازندار إلى داره هذه وأحاط بها ، وأخذ جميع ما فيها من المال والثياب والأواني والحلي والجواري وغير ذلك ، وحمل إلى القلعة ، فبلغ قيمة ما وجد بداره في هذه النوبة مائتي ألف دينار ، وسلم ابن البقريّ لشادّ الدواوين بقاعة الصاحب من القلعة ، فضرب بالمقارع نيفا وثلاثين شيبا ، وولي موفق الدين أبو الفرج نظر الخاص ، ثم أن الملك الظاهر لما عاد إلى المملكة ، بعد ثورة الأمير بلبغا الناصريّ والأمير تمربغا منطاش عليه ، وخلعه من الملك وسجنه بالكرك ، ثم قيامه بأهل الكرك ودخوله إلى القاهرة وعوده إلى المملكة ، ولي ابن البقريّ الوزارة في يوم الاثنين سابع عشر شهر ربيع الآخر سنة اثنين وتسعين وسبعمائة عوضا عن موفق الدين أبي الفرج ، ثم

١٢٠