شرح أبيات سيبويه - ج ١

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي

شرح أبيات سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي


المحقق: الدكتور محمّد علي سلطاني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٠
الجزء ١ الجزء ٢

ومن ير جدوى مثل ما قد رأيتها

تشقه وتجهده إليها التّكالف /

(ووجدي بها وجد المضلّ بعيره

بنخلة ، لم تعطف عليه العواطف) (١)

__________________

(*) وردت الأبيات في «فرحة الأديب» إذ قال الغندجانيّ ـ بعد أن ذكر ما أورده ابن السيرافي لمزاحم العقيلي ـ :

«قال س : هذا موضع المثل :

ظلت حفافين على مهشّمه

ذائدها العبد وساقيها الأمه

«من فسر هذا الشعر الغريب ، ولم يستقر أشعار العرب المجاهيل ، ولم يقتلها علما ، كان كمن يعطو في الحمض.

«قدم ابن السيرافي هاهنا ما وجب أن يؤخّر ، وأخّر ما يجب أن يقدّم.

وبين البيتين أبيات لا يكاد ينتظم نظامها إلا بها. ونظام الأبيات :

١) ووجدي بها وجد المضلّ بعيره

ببكة لم تعطف عليه العواطف

٢) رأى من رفيقيه جفاء وفاته

ببرقتها المستعجلات الخوانف

٣) فقالا تعرفها المنازل من منى

وما كلّ من أوفى منى أنا عارف

٤) ولم أنس منها ليلة الجزع إذ مشت

إليّ وأصحابي منيخ وواقف

٥) فمدت بنانا للصّفاح كأنه

بنات النّقا مالت بهنّ الأحاقف

٦) تذكّرني جدوى على النأي والعدى

طوال الليالي والحمام الهواتف

٧) وإلفان ريعا بالفراق فمنهما

مجدّ ومقصور له القيد راسف

٨) ومن ير جدوى مثل ما قدر رأيتها

تشقه وتجهده إليها التكالف

٩) فللباكر الغادي مع القوم سائق

عنيف وللتالي مع القيد واقف

١٠) كصعدة مرّان جرى تحت ظلها

خليج أمرّته البحور الزغارف

قال س : وهي طويلة ، لكن يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق».

٤١

كأنه قال : ووجدي بها وجد مثل وجد المضلّ ، كما تقول : شربك شرب الإبل ، أي مثل شرب الإبل.

وجدوى : اسم امرأة ، والتكاليف : جمع تكلفة وهو ما يتكلفه الإنسان ويفعله على مشقة ، وتشقه : يدعوه حبها إلى أن يشتاق إليها ، وتجهده التكالف : تحمله على جهد ، ونخلة : موضع معروف بنواحي تهامة موضعان : يقال لأحدهما نخلة اليمانية ، والآخر نخلة الشامية (١) ، والمضل : الذي أضلّ بعيره. يقال : أضللت بعيري ، إذا لم تعرف موضعه الذي ذهب (٢) إليه. يقول : لم تعطف عليه العواطف : أي لم يرقّ له أحد ولم يعنه على طلب بعيره ، ولم يحمله بعير من إبله. والعواطف : جمع عاطفة ، ويراد بها في البيت الصداقة والرحم والمودة والصحبة وما أشبه (٣) هذا ، فلذلك جمعه على فواعل ، وفواعل من جمع المؤنث. المعنى أنه وجد بمفارقته لها ، كما وجد الذي ضل بعيره في هذا الموضع.

[في إعمال (ما) وإلغائها]

١٩ ـ قال سيبويه (١ / ٣٦) في باب الإضمار في (ليس وكان) : «ولا يجوز أن تقول : ما زيدا عبد الله ضاربا ، وما زيدا أنا قاتلا ، لأنه لا يستقيم في (ما) كما لم يستقم أن تقدّم في (كان وليس) ما يعمل فيه الآخر ، فإن رفعت

__________________

(١) هما عند الزمخشري واديان لهذيل في طريق مكة على ليلتين. أما عند ياقوت فنخلة الشامية واديان لهذيل ، أما نخلة اليمانية فهو الوادي الذي عسكرت فيه هوازن يوم حنين ، ويجتمع بوادي نخلة الشامية في بطن مرّ. انظر : الجبال والأمكنة ص ٢١١ ومعجم البلدان ٤ / ٧٦٩ ، ٧٧٠

(٢) هذا إن ضلّ البعير طليقا ، أما إذا كان معقولا ولم تهتد لمكانه قلت : ضللت.

أساس البلاغة (ضلل) ٥٥٦

(٣) يرى صاحب اللسان أن المراد بالعواطف هنا : الأقدار. (عطف) ١١ / ١٥٥ قلت : ويصح أن يراد بها : النفوس العاطفة ، أي الحانية.

ـ وقد ورد الشاهد في : النحاس ٥٣ / أوالأعلم ١ / ١٨٤ والكوفي ٢٦ / أوالخزانة ٣ / ٤٣

٤٢

الخبر حسن حمله على اللغة التميمية ، كأنك لم تذكر (ما) وكأنك قلت : زيدا أنا ضارب» (١).

يريد أن لغة أهل الحجاز لا يصلح فيها تقديم خبر (ما) على اسمها ، لأنها عاملة ك (ليس) و (ليس) لا يجوز أن يقدّم مفعول خبرها على اسمها ، و (ما) هي مشبّهة ب (ليس) في عملها ، فإذا كان هذا لا يجوز في (ليس) فهو في (ما) أبعد.

وأما بنو تميم فإنهم لا يعملون (ما) ويجعلون ما بعدها مرفوعا بالابتداء ، ويكون الكلام بمنزلة جملة لم يدخل عليها حرف نفي. وقد يجوز قبل دخول (ما) : زيدا عمرو ضارب ، فكذا يجوز بعد دخولها أن تقول : ما زيدا عمرو ضارب ، فيكون (عمرو) رفعا بالابتداء ، و (ضارب) خبره ، و (زيدا) مفعول ضارب ، وقد تقدم.

وقال مزاحم العقيليّ :

(وقالوا تعرّفها المنازل من منى

وما كلّ من وافى منى أنا عارف) (٢)

__________________

(١) عبارة سيبويه : «.. لأنه لا يستقيم كما لم يستقم .. حسن حمله على اللغة التميمية ، كأنك قلت : أما زيدا فأنا ضارب ، كأنك لم تذكر أمّا ، وكأنك لم تذكر ما ...».

(*) ورد البيت في أبيات لمزاحم العقيلي في (فرحة الأديب ٢ / ب) وقد تقدم. كما أورده الغندجاني ثانية في هذا الموضع يردّ على ابن السيرافي ، فقال بعد أن أورد البيت :

«قال : تعرّفها مثل اعرفها ، وما كلّ من وافى منى أنا عارف : موضعه الذي هو نازل فيه.

قال س : غلط ابن السيرافي في قوله (وقالوا) وإنما هو (وقالا) وقبل البيت :

ووجدي بها وجد المضلّ بعيره

بمكة لم تعطف عليه العواطف

رأى من رفيقيه جفاء وفاته

بفرقتها المستعجلات الخوانف

فقالا : تعرّفها المنازل من منى

وما كلّ من وافى منى أنا عارف ـ

 ـ «وتعرفها : معناه انشدها ، وتفسير ابن السيرافي البيت يتوّه الإنسان ، فيتوهم أن قوله (أنا عارف) يعبر به مزاحم عن نفسه ، وإنما ذكر ذلك حكاية عمن أضل بعيره ، وقد مر ذكره في البيت الأول من هذه الأبيات الثلاثة ، فاعرفه إن شاء الله».

(فرحة الأديب ٥٧ / ب)

وروي البيت في أبيات لمزاحم في : شرح شواهد المغني للسيوطي ٩٧٠ وبلا نسبة في : اللسان (عرف) ١١ / ١٤٢ و (علم) ١٥ / ٣١٣

٤٣

وهذا الإنشاد على مذهب بني تميم ، جعل (أنا) مبتدأ و (عارف) خبره و (كلّ) منصوب ب (عارف).

وأما أهل الحجار فإنهم يعملون (ما) في (كلّ) ويرفعون (كلّ) بها ، ويجعلون قوله : (أنا عارف) جملة في موضع الخبر. ويعود إلى اسم (ما) الضمير المحذوف ، يريد : أنا عارفه.

وتعرّفها بمنزلة اعرفها ، والمنازل : منصوب على الظرف. يريد : اعرفها مكانها في المنازل من منى ، وما كلّ من وافى منى أنا عارف : موضعه الذي ينزل فيه. وتعرّفت بمعنى عرفت. ومثله بيت طريف (١) العنبري :

فتعرّفوني إنّني أنا ذاكم (٢)

__________________

(١) طريف بن تميم العنبري التميمي أبو عمرو ، شاعر مقل ، لم يكن يتبرقع في عكاظ كما كانت تفعل الفرسان مخافة الثؤرة. قتله حمصيصة الشيباني في يوم مبايض.

انظر : أسماء المغتالين في نوادر المخطوطات ٦ / ٢١٨ وما بعدها والبيان والتبيين ٣ / ١٠١ وحاشيتها ومجمع الأمثال (يوم مبايض) ٢ / ٤٤٢ والكامل لابن الأثير ١ / ٣٦٧

(٢) سيرد البيت عند ابن السيرافي بعد فنتحدث عنه في حينه. وتتمته :

(شاك سلاحي في الحوادث معلم)

ـ وقد ورد الشاهد في : سيبويه ثانية ١ / ٧٣ والنحاس ١٤ / ب و ٢٩ / أوالأعلم ١ / ٣٦ والكوفي ٥٠ / أوالمغني ش ٩٥٩ ج ٢ / ٦٩٤ وأوضح المسالك ش ١٠٥ ج ١ / ٢٠١ والسيوطي ش ٨٦٩ ص ٩٧٠ والخزانة ٣ / ٤٣ ، ورواية سيبويه بنصب (كلّ) فلم يعمل (ما) على اللغة التميمية.

وأشار إلى أنها رويت بالرفع بإعمال (ما) على اللغة الحجازية. انظر الكتاب ١ / ٣٦

٤٤

[المفعول لأجله]

٢٠ ـ قال سيبويه (١ / ١٨٤) : «هذا باب ما ينتصب من المصادر لأنه عذر لوقوع الأمر ، فانتصب لأنه موقوع له ، ولأنه تفسير لما قبل لم كان (١)» وهذا هو المفعول له (٢).

ثم مثّل فقال : «وذلك قولك : فعلت ذاك حذار الشر ، وفعلت ذاك مخافة فلان وادّخار فلان». قال حاتم (٣) الطائي :

(وأغفر عوراء الكريم ادّخاره

وأعرض عن شتم اللّئيم تكرّما (٤))

العوراء : الكلمة القبيحة. يقول : إذا بلغتني كلمة قبيحة قالها فيّ رجل كريم ؛ غفرت (٥) له ما فعل ولم أكافئه عليها ، واحتملت لأجل حسبه وكرمه وأبقيت على صداقته ، وادّخرته ليوم أحتاج إليه فيه ، لأن الكريم إذا فرط منه قبيح ندم على ما فعل ، ومنعه كرمه أن يعود إلى مثله. وأعرض عن شتم اللئيم : لا أكافئه على ما صنع لأنه ليس بكفء لي فأقتله. ويقرب منه قول الآخر (٦) :

__________________

(١) عبارة سيبويه : «.. ولأنه تفسير لما قبله ..».

(٢) تقدم هذا في الفقرة (١٢).

(٣) حاتم بن عبد الله بن سعد ، أبو عدي ، فارس جواد جاهلي من أهل نجد.

وفي أمثالهم (أجود من حاتم). ترجمته في : الشعر والشعراء ١ / ٢٤١ والدرة الفاخرة ١ / ١٢٦ و ٢ / ٣٥٨ ومجمع الأمثال ١ / ١٨٢ و ٢ / ١٢٨ وشرح شواهد المغني ٢٠٨ والخزانة ١ / ٤٩٤ و ٢ / ١٦٤

(٤) ديوانه ص ٢٢ وفيه (اصطناعه) بدل (ادّخاره) و (أصفح) بدل (أعرض). كما ورد في حماسة البحتري الباب ١٠٨ ص ١٧١ وفي ديوان مختارات شعراء العرب ص ١٥ وروايته متفقة مع النص.

(٥) غفر بمعنى غطّى. ويقولون : اصبغ ثوبك فإنه أغفر للوسخ. الصحاح (غفر) ٢ / ٧٧٠

(٦) قائله عبد الرحمن بن حسان يهجو مسكينا الدارمي. كذا في : فرحة الأديب ٣٩ / ب واللسان (سبب) ١ / ٤٣٩ انظر حواشي الفقرة (٤١٧).

٤٥

لا تسبّنّني فلست بسبّي

إنّ سبّي من الرجال الكريم (١)

ونحو منه / :

فإنّ حراما أن أسبّ مقاعسا

بآبائي الشّمّ الكرام الخضارم (٢)

والشاهد (٣) في البيت : أنه نصب (ادّخاره) و (تكرّما) على أنه مفعول لهما.

وقال الحارث (٤) بن هشام المخزوميّ يعتذر من فراره يوم بدر :

وعلمت أني إن أقاتل واحدا

أقتل ولم يضرر عدوّي مشهدي

(فصدفت عنهم والأحبّة فيهم

طمعا لهم بعقاب يوم مفسد) (٥)

__________________

(١) ورد البيت منسوبا إلى عبد الرحمن بن حسان في اللسان (سبب) ١ / ٤٣٩ وبلا نسبة في : الصحاح (سبب) ١ / ١٤٥ والمخصص ١٢ / ١٧٥ والسبّ الكثير السّباب ، وسبّك أيضا من سابّك. والرواية في المطبوع : لا تسبّني.

(٢) البيت للفرزدق في ديوانه ٢ / ٨٤٤ وهما فيه بيتان فقط. وجاء في صدره (سببت) بدل (أسب). ويبدو الصواب في رواية ابن السيرافي ، فالشاعر يتأبى عن جعل نفسه ندّا لهذا الخصم ، وفي البيت التالي دليل على هذا المراد. فانظرهما معا في الفقرة (٩٠).

(٣) ورد الشاهد في : سيبويه ثانية ١ / ٤٦٤ ومعاني القرآن ٢ / ٥ والكامل للمبرد ١ / ٢٩١ والمقتضب ٢ / ٣٤٨ والنحاس ٥٣ / أوالأعلم ١ / ١٨٤ وشرح الأبيات المشكلة ١٩٣ وأسرار العربية ١٨٧ والكوفي ٢٥ / ب و ٣٨ / أو ٢٧١ / أوشرح ملحة الإعراب ٣٦ وابن عقيل ش ١٦٥ ج ١ / ٤٠٣ والخزانة ١ / ٤٩١

وجعل المبرد في الكامل هذا الشاهد من باب المفعول المطلق وأنه أضافه إليه. أي أدّخره ادّخارا كما تقول ادّخارا له. قلت : وفيه بعد لاحتياجه إلى التأويل.

(٤) هو أخو أبي جهل ، أسلم يوم الفتح ، صحابي جاهد في الشام ، يضرب به المثل في السؤدد في الجاهلية والإسلام ت ١٨ ه‍. ترجمته في : المرزوقي ١ / ١٨٨ وثمار القلوب ٢٩٨ والتبريزي ١ / ٩٧ والإصابة (تر ١٥٠٤) ١ / ٢٩٣

(٥) روي البيتان في : حماسة البحتري الباب ١٧ ص ٤٠ والمرزوقي ٣٧ / ٢ ـ ٣ ج ١ / ١٨٩ والتبريزي ١ / ٩٨ والإصابة ١ / ٢٩٣ وفي معظمها (فصددت) بدل (فصدفت).

٤٦

الشاهد (١) في البيت أنه نصب (طمعا) لأنه مفعول له ، يريد أنه صدف عنهم لطمعه في أن يمكنه أن يقاتلهم بجيش يجمعه في يوم آخر.

يقول : علمت أني إن قاتلت بعدما قتل أصحابي وأسروا وبقيت وحدي ؛ قتلت قبل أن أقتل من أعدائي أحدا ، فأنصرف حتى أنظر متى يمكنني غزوهم والأخذ بالثأر منهم.

وهذا ؛ قاله الحارث بن هشام وهو مشرك ، وكان مع قريش يوم بدر ، ثم أسلم وحسن إسلامه وقتل شهيدا.

وقال العجاج (٢) :

أمسى بذات الحاذ والجدور

من الدّبيل ناشطا للدّور

يركب كلّ عاقر جمهور

(مخافة وزعل المحبور)

والهول من تهوّل الهبور (٣)

__________________

وهذان البيتان من قصيدة للحارث يردّ بها على قصيدة قالها حسان بن ثابت معرّضا بفرار الحارث يوم بدر كان منها قوله :

إن كنت كاذبة الذي حدّثتني

فنجوت منجى الحارث بن هشام

ترك الأحبة أن يقاتل دونهم

ونجا برأس طمرّة ولجام

انظر : ديوان حسان ق ٣ / ١١ ـ ١٢ ج ١ / ٢٩

(١) ورد الشاهد في : الفاضل ٥٣ والنحاس ٥٣ / ب والأعلم ١ / ١٨٥

(٢) هو عبد الله بن رؤبة التميمي والعجاج لقبه ، أبو الثعثاء الراجز المشهور ووالد رؤبة الراجز (ت نحو ٩٠ ه‍) ترجمته في : الشعر والشعراء ٢ / ٥٩١ والموشح ٢١٥ والعيني ١ / ٢٦ وشرح شواهد المغني للسيوطي ٤٩ و ٩٥٦

(٣) رويت الأبيات في : ديوان العجاج ق ١٩ / ٨٤ ـ ٨٥ ـ ٨٦ ـ ٨٧ ـ ٨٨ ص ٢٢٩

٤٧

في (أمسى) ضمير يعود إلى ثور وحش ذكره ، والحاذ : ضرب من النبت ، والجدر (١) : ضرب منه أيضا وجمعه جدور ، وذات الحاذ والجدور : أرض تنبت الحاذ والجدور ، والدّبيل : ناحية معروفة ، وذات الحاذ : من جملة الموضع الذي يقال له الدّبيل (٢) ، والناشط : الخارج من أرض إلى أرض ، والدور أيضا : موضع (٣) معروف.

يقول : أمسى خارجا من الدبيل إلى الدور ، والعاقر : الرملة التي لا تنبت شيئا ، والجمهور : العظيمة المرتفعة. يقول : يركب هذا الثور كل رملة عاقر عظيمة ، لمخافته من الرماة ، ولزعله. والزعل : النشاط ، والمحبور : الفرح. يريد أن نشاطه كنشاط الفرح المسرور.

والهبور : جمع هبر ، وهو مطمأنّ في الرمل (٤) يهول النازل فيه ، والتّهوّل : أن يعظم الشيء في عينك حتى يهولك أمره. يريد أنه يركب كل شيء يهول

__________________

وفي مجموع أشعار العرب ق ١٥ / ٨٤ ـ ٨٥ ـ ٨٦ ـ ٨٧ ـ ٨٨ ص ٢٨ وكذلك في : أراجيز العرب ص ٩٠ من أرجوزة له مطلعها :

جاريّ لا تستنكري عذيري

وروي البيت للعجاج في : اللسان (جدر) ٥ / ١٩١ ، وجاء في رواية الديوان (ظل) بدل (أمسى) في البيت الأول ، وهو الأرجح : لإشارة الراجز إلى الآل في البيت (٤٧) ونشدانه الظل في البيت (٩٠).

(١) هو نبات الرمل. انظر (جدر) في : الصحاح ٢ / ٦٠٩ واللسان ٥ / ١٩١

(٢) قال الخليل : هو موضع بالبادية مما يلي اليمامة. انظر : البكري ٣٣٩

(٣) الجبال والأمكنة ص ٩٠

(٤) في الصحاح (هبر) ٢ / ٨٥٠ هي الصحون بين الروابي. وجاء في حاشية القاموس (هبر) ٢ / ١٥٧ (هي الصخور ..) نقلا عن الصحاح. وهو تصحيف ، والمطمأن من الأرض بالصحن أشبه.

٤٨

ركوبه من أجل خوفه من الرماة ، فإذا ركبه وهو آمن منهم ، هان (١) عليه ما يلقى من الشدة.

والشاهد فيه أنه نصب (مخافة) لأنه مفعول له. و (زعل المحبور) عطف على (مخافة) ، و (الهول) عطف على (كلّ). كأنه قال : يركب كل عاقر ويركب الهول (٢)

[اسم (كان) نكرة وخبرها معرفة ـ في الضرورة]

٢١ ـ قال سيبويه (١ / ٢٢) في باب كان (٣) : «وقد يجوز في ضعف من الكلام ، حملهم على ذلك أنه فعل بمنزلة ضرب ، وأنه قد يعلم إذا ذكرت [زيدا] وجعلته (٤) خبرا أنه صاحب الصفة ، على ضعف من الكلام» (٥). يريد أنه يجوز أن تجعل الاسم نكرة والخبر معرفة في الشعر.

قال حسان بن ثابت (٦) :

__________________

(١) في المطبوع : أمن منه فهان ..

(٢) أرى أن (زعل والهول) معطوفان على (مخافة) ، هذا إذا أخذنا (الهول) بمعنى الخوف ، أما إذا عددنا (الهول) مفعولا به فهو وحده عطف على (كل) التي هي مفعول به لا غير ، والمعنى على الوجهين حسن بدون تفضيل.

ـ وقد ورد الشاهد في : سيبويه ١ / ١٨٥ والنحاس ٥٣ / ب والإيضاح العضدي ١٩٧ وأسرار العربية ١٨٧ والأعلم ١ / ١٨٥ والكوفي ٢٥ / ب والخزانة ١ / ٤٨٨

(٣) وعنوانه لديه في (١ / ٢١): «هذا باب الفعل الذي يتعدى اسم الفاعل إلى اسم المفعول ، واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد».

(٤) في الأصل : «.. إذا ذكرت وجعلت خبرا ..».

(٥) النص عند سيبويه : «وقد يجوز في الشعر وفي ضعف من الكلام .. إذا ذكرت زيدا وجعلته خبرا ..».

(٦) شاعر النبي (ص) ، مخضرم من سكان المدينة (ت ٥٤ ه‍) ترجمته في : الشعر والشعراء ١ / ٣٠٥ والأغاني ٤ / ١٣٤ والمؤتلف (تر ٢٣٩) ص ٨٩ والإصابة (تر ١٧٠٣) ١ / ٣٢٥ وشرح شواهد المغني للسيوطي ص ٣٣٣ و ٣٧٩ و ٨٥٢ والخزانة ١ / ١١١ وحسن الصحابة ١٧

٤٩

(كأنّ سلافة من بيت رأس

يكون مزاجها عسل وماء)

على أنيابها أو طعم غضّ

من التّفاح هصّره اجتناء (١)

السلافة (٢) : أول ما يسيل من ماء العنب وهو أرقّ ما فيه ، وبيت رأس (٣) : موضع بالأردن. ويروى :

كأنّ خبيئة (٤) وهي الخمر المصونة المضنون بها. وقوله : (يكون مزاجها عسل وماء) جملة في موضع الوصف ل (سلافة) وخبر كأنّ : في البيت الثاني ، وهو قوله : على أنيابها ، وهصّره : أماله ، والاجتناء : أخذ الثمر من الشجر.

شبّه طعم ريقها بطعم الخمر قد مزجت بعسل وماء ، أو بطعم تفاح غض قد اجتني.

و (طعم) منصوب معطوف على اسم كأنّ.

والشاهد (٥) في البيت أنه جعل (مزاجها) وهو معرفة خبر يكون. وقد حكي عن أبي عثمان أنه كان ينشد :

__________________

(١) ديوانه ق ١ / ٦ ـ ٧ ص ١٧ من قصيدة قالها يهجو أبا سفيان قبل فتح مكة.

وفيه : كأنّ خبيئة من بيت رأس ...

(٢) الصحاح (سلف) ٤ / ١٣٧٧ وفي القاموس هي مطلق الخمر (سلف) ٣ / ١٥٤

(٣) بيت رأس موضع بالشام فيه كروم كثيرة ، ويقال هو ببيت المقدس. انظر : الزمخشري ٣٤ وياقوت ١ / ٧٧٦ والبكري ١ / ١٨٩ وفسر بعض العلماء المعاصرين (رأس) في البيت بمعنى رئيس الخمارين. ولم تدع إليه ضرورة.

(٤) وهي رواية الديوان ، كما جاءت : (سبيئة) في الكتاب و (مدامة) عند النحاس و (جنيّة) عند ابن منظور (جنى) ١٨ / ١٦٩ ، وجاء في رغبة الآمل (٢ / ٩١) : يقال سبأتها إذا اشتريتها لتشربها ، فإذا اشتريتها لتحملها من بلد إلى بلد قلت : سبيتها بغير همز. والسابىء الخمّار.

(٥) ورد الشاهد في : الكامل للمبرد ١ / ١٢٦ والنحاس ٨ / ب والأعلم ١ / ٢٣ وشرح الأبيات المشكلة ١٢ والكوفي ٦٨ / أوالمغني ش ٧٠٤ ج ٢ / ٤٥٣ وشرح السيوطي ش ٦٨٩ ص ٨٤٩

٥٠

يكون مزاجها عسلا وماء

يرفع (مزاجها) بيكون ، وينصب (عسلا) لأنه خبر يكون ، ويرفع (ماء) بإضمار فعل كأنه قال : ومازجها ماء. وله نظائر.

وقيل : قد قال بعضهم :

يكون مزاجها عسل وماء

يجعل في (يكون) ضمير الأمر والشأن ، ويرفع (مزاجها) بالابتداء ، وما بعده خبره ، والجملة في موضع خبر يكون. وهذان الوجهان لا يدفع جوازهما / ولكنّ الرواية على ما أنشد سيبويه ، ولم يقل سيبويه إنه لا يجوز غير ما أنشده ، ولكنه أنشد البيت على الوصف الذي روته الرواة ، وذكر وجه روايتهم (١).

فالذي يحسّن جعل النكرة في هذا البيت اسما ، أنّ العسل والماء وما أشبههما من الأجناس تؤدي نكرته عن معرفته في المعنى ، كما تقول : فلان يأكل خبزا ويشرب ماء ، أو يأكل الخبز ويشرب الماء ، يريد أنه يأكل من هذا الجنس ويشرب منه. فلو قال : يكون مزاجها العسل والماء ، لكان بمنزلة قوله : عسل وماء.

وقد يجوز أن ينشد : يكون مزاجها عسل وماء ، يجعل في (يكون) ضمير السلافة ، و (مزاجها) مبتدأ وما بعده خبره ، والجملة في موضع خبر (يكون).

ويجوز أن يقال : إنّ في (يكون) ضميرا من السلافة ، و (من بيت رأس) خبر يكون ، والجملة وصف للسلافة ، و (مزاجها عسل وماء) جملة (٢) هي وصف ثان (٣).

__________________

(١) في المطبوع : روايته.

(٢) (جملة) ليست في المطبوع.

(٣) تأويل ملتو لم تدفع إليه ضرورة. وقد جاء في (النحاس ٨ / ب) أن «بني

٥١

[تأنيث الفعل]

٢٢ ـ قال سيبويه (١ / ٢٤) : «ومثل قولهم : من كان أخاك ؛ قول العرب : ما جاءت حاجتك؟». يريد أنه مثله ، لأن (من) مبتدأ ، وفي (كان) ضمير ممّن هو اسم كان ، و (أخاك) خبر كان. وكذا : ما جاءت حاجتك : (ما) مبتدأ وفي (جاءت) ضمير يعود إلى (ما) و (حاجتك) خبر (جاءت) ، و (جاءت) في الكلام بمنزلة صارت.

وقال سيبويه (١ / ٢٤) : «ولكنه أدخل التأنيث على (ما) حيث صارت (١) (الحاجة)». يريد أن القياس أن تقول : ما جاء حاجتك ، لأن (ما) اسم مذكّر مبهم ، يقع على كل شيء سوى ما يعقل ، وينبغي أن يكون فعله مستعملا على لفظ التذكير والإفراد لأن (ما) مذكر مفرد ، وإن كان يقع على أشياء مختلفة : من مذكر ومؤنث واثنين وجماعة. وفي (جاء) ضمير يعود إلى (ما) فكان ينبغي أن يقول : ما جاء حاجتك ؛ ولكنهم أنثوا الفعل وإن كان فاعله ضمير مذكر ، لأن الخبر مؤنث ، والخبر اسم هو الاسم ، فلما كان الخبر هو الاسم والخبر مؤنث ؛ أنثوا الفعل لأجل خبره ، لأن الاسم والخبر لشيء واحد ، وألزموا (جاءت) علامة التأنيث لأنه كالمثل ، ثم ساق سيبويه كلامه في هذا المعنى حتى انتهى إلى قوله (١ / ٢٥) :

__________________

دارم وبني نهشل يقولون : كان قائم عبد الله ، فيجعلون النكرة اسما والمعرفة خبرا ل (كان) ، وإنما يفعلون ذلك لأن النكرة أشد تمكنا من المعرفة» قلت : وأراه يبتعد بتصورنا في إدراك المعاني لإخباره عن نكرة ..

وجاء في : شرح الأبيات المشكلة ص ١٢ أن البيت يروى على خمسة أوجه ، وجديدها قوله بأن نجعل (يكون) زائدة ملغاة لا اسم لها ولا خبر. وهو مقبول.

(١) في الكتاب : كانت.

٥٢

«ومثل قولهم : ما جاءت حاجتك ـ إذ صارت تقع على مؤنث ـ قراءة بعض القراء (١) : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ (٢) إِلَّا أَنْ قالُوا».

معنى (٣) قوله : تقع على مؤنث ، أنّ (جاءت) تنصب مؤنثا هو (حاجتك) وأنّث (تكن) لأجل تأنيث خبرها وهو (فتنتهم) ، و (أن قالوا) (٤) بمنزلة القول ، فهو في تقدير : ولم تكن فتنتهم إلا القول.

وقوله (١ / ٢٥) : «تلتقطه (بَعْضُ السَّيَّارَةِ (٥) ليس من باب كان ولكنه شاهد على أنّ الشيء المذكر قد يؤنث إذا كان المذكر بعضا لذلك ، وبعض السيارة سيارة فأنّث لهذا ، كما تقول : تلتقطه السيارة.

قال (١ / ٢٥) : «وربما قالوا في الكلام : ذهبت بعض أصابعه» (٦) فأنث على (الأصابع). وهذا لا يستعمل إلا في شيء يكون المذكر فيه بعض المؤنث. وقال الأعشى (٧) :

لئن كنت في جبّ ثمانين قامة

ورقّيت أسباب السّماء بسلّم

ليستدرجنك القول حتى تهرّه

وتعلم أني لست عنك بمحرم

__________________

(١) قرأه حمزة والكسائي بالياء ، وقرأ الباقون بالتاء. انظر : الكشف عن وجوه القراءات ١ / ٤٢٦

(٢) (فتنتهم) بالضم قراءة ابن كثير وابن عامر وحفص ، وقرأ الباقون بالنصب.

(المصدر السابق) والآية الكريمة في سورة الأنعام ٦ / ٢٣

(٣) في المطبوع : ومعنى.

(٤) في المطبوع : (إن) بكسر الهمزة.

(٥) سورة يوسف ١٢ / ١٠

(٦) عبارة سيبويه : «وربما قالوا في بعض الكلام ..».

(٧) ميمون بن قيس بن جندل. أبو بصير. الشاعر الجاهلي المشهور. (ت ٧ ه‍) ولم يسلم. ترجمته في : الشعر والشعراء ١ / ٢٥٧ والأغاني ٩ / ١٠٨ و ١٢ / ١ ومعجم الشعراء ص ٤٠١ والخزانة ١ / ٨٤

٥٣

(وتشرق بالقول الذي قد أذعته (١)

كما شرقت صدر القناة من الدّم) (٢)

يخاطب الأعشى بهذا الشعر عمير بن عبد الله بن المنذر بن عبدان ، وهو من بني تغلب. يقول له : لا تعتصم من هجائي بشيء. ولا يمكنك دفعه ، وإن جعلت في قرار الأرض ، وأصعد بك إلى السماء ليلحقنّك (٣) من هجائي ما لا تطيقه.

والجب : البئر القديمة ، ووصفها بأن طولها ثمانون قامة. وأسباب السماء : المواضع التي يوصل إلى السماء منها (٤) ، أراد ورقيّت إلى أسباب السماء ، فحذف حرف الجر ، وعدّى الفعل إلى الأسباب.

__________________

(١) في المطبوع : بضم التاء.

(٢) ديوانه ق ١٥ / ٣٢ ـ ٣٣ ـ ٣٤ ص ١٢٣ من قصيدة قالها في أبناء عمومته من سعد بن قيس ويخص منهم عمير بن عبد الله الذي أغرى به شاعرا يهاجيه. وجاء في عجز الثاني (لست عنك بملجم).

وروي الأول والثاني للأعشى في : اللسان (سبب) ١ / ٤٤١ والأول في (ثمن) ١٦ / ٢٣٢ و (رقي) ١٩ / ٤٨ وهو بلا نسبة في : المخصص ٩ / ٩ والثالث للأعشى في : المخصص ١٧ / ٧٧ واللسان (صدر) ٦ / ١١٥ و (شرق) ١٢ / ٤٤ وعجزه في (ثقل) ١٣ / ٩١ وهو بلا نسبة في : المخصص ١٧ / ١٢

وقد ورد عند سيبويه (١ / ٢٥) البيت الثالث فقط ، وهو الشاهد في هذا الموضع وسيأتي الكلام فيه بعد.

أما البيت الأول فقد ذكره سيبويه في ١ / ٢٣١ مستشهدا به على أن العدد قد يأتي صفة كقول العرب : أخذوا منهم إبلا مائة ، فجعلوا (مائة) وصفا ، وفي البيت جاءت (ثمانين) صفة للجب ، وذكره النحاس في ٥٨ / أفقال : ولو لا ذلك لقال ثمانون. وكذا الأعلم (١ / ٢٣١) الذي قال بأنه جعل (ثمانين) صفة ل (جب) لأنها تنوب مناب طويل وعميق ونحوه ، فكأنه قال : في جب بعيد القعر.

(٣) في المطبوع : ليلحقك.

(٤) أسباب السماء نواحيها ، ولها معان أخرى. الصحاح (سبب) ١ / ١٤٥ واللسان (سبب) ١ / ٤٤١ وعند الأعلم ١ / ٢٣١ هي الأبواب لأنها تؤدي إلى ما بعدها ، وأصل السبب الحبل لأنه يوصل إلى الماء ونحوه ، وفي المخصص ٩ / ٩ عن صاحب العين : أعاليها.

٥٤

ولم يرد : لئن كنت في جبّ ورقيّت أسباب السماء في حالة واحدة ؛ وإنما يريد : لئن كنت في جبّ في حال ، ولئن رقيّت في حال أخرى / ولم يمكنه أن يقول أو رقيّت لأجل الشعر.

والاستدراج : العمل في إيقاع الإنسان في بليّة ما كان يشعر بها ، وتهرّه : تكرهه ، وأراد القول. والمحرم : الداخل في الشهر الحرام ، وهو الداخل في البلد الحرام ، وهو المحرم بالحج : وهو الذي له حرمة وذمام.

يقول : لست أمتنع من هجائك في حال من الأحوال ، كما يمتنع الذي يدخل في الشهر الحرام أو البلد الحرام ؛ أن يقاتل إنسانا أو يؤذيه (١).

و (تشرق) (٢) منصوب معطوف على (تهره) ومعنى تشرق ينقطع في حلقك (٣) ، يريد أنه ينقطع كلامك حتى لا تقدر على أن تتكلم ؛ بما تسمعه من هجائي لك ، كما شرقت صدر القناة. يريد أن الدم إذا وقع على صدر القناة وكثر عليها ؛ لم يتجاوز الصدر إلى غيره لأنه يجمد عليه. فأراد أنّ كلامه يقف في حلقه كما يقف الدم على صدر القناة فلا يذهب (٤).

والشاهد (٥) أنه أنّث (شرقت) والفعل للصدر ، لأنه مضاف إلى القناة وهو بعضها (٦).

__________________

(١) وهو الذي لا يستبيح الدماء. اللسان (سبب) ١ / ٤٤١

(٢) في المطبوع : يشرق ، بالياء.

(٣) وقال اللسان (شرق) ١٢ / ٤٤ ـ الشرق الاختلاط. وهي أحفل بالمعنى.

(٤) وخير من هذا ما قاله الأعلم ١ / ٢٤ حين جعل شرق القناة «لمواصلة صدر القناة الدم لمواصلة الطعن».

(٥) وقد ورد الشاهد في : معاني القرآن ٢ / ٣٧ و ٢ / ٣٢٨ والكامل للمبرد ٢ / ١٤١ والأعلم ١ / ٢٤ وشرح الأبيات المشكلة ص ٤٠ وعنده : أنث الفعل لأنه جعل (صدر) مقحما فكأنه قال : شرقت القناة من الدم. والكوفي ١٨ / أو ٣٤ / ب و ٨٠ / ب والمغني ش ٧٦٨ ج ٢ / ٥١٣ والأشموني ٢ / ٣١٠ ولم ير الكوفي ١٨ / أفي هذا القول حجة لأن صدر القناة قناة.

(٦) (وهو بعضها) ليست في المطبوع.

٥٥

قال سيبويه (١ / ٢٥) : «ومثله لجرير (١) :

وليتم أمرنا ولكم علينا

فضول في الحديث وفي القديم

(إذا بعض السّنين تعرّقتنا

كفى الأيتام فقد أبي اليتيم (٢))

يمدح هشام (٣) بن عبد الملك. والفضول : جمع فضل. أي لكم علينا إفضال بعد إفضال ، وقوله تعرقتنا : أذهبت أموالنا ، والتعرق : أصله أن يؤخذ ما على العظم من اللحم ، يقال تعرقت اللحم : أخذته عن العظم. وقوله : كفى الأيتام فقد أبي اليتيم ؛ أي كفى الأيتام فقد أبيهم ، لأنه يقوم للأيتام مقام آبائهم في الكفاية لهم ، والحراسة والتيقظ لأحوالهم. وأراد أن يقول : فقد آبائهم فلم يمكنه فقال : أبي اليتيم.

والشاهد (٤) فيه أنه أنّث (تعرقتنا) و (البعض) مذكّر ، لأن البعض مضاف إلى السنين وهي مؤنثة.

__________________

(١) جرير بن عطية بن حذيفة من تميم. أبو حزرة. (ت باليمامة ١١٠ ه‍) ترجمته في : الشعر والشعراء ١ / ٤٦٤ والأغاني ٨ / ٣ والدرة الفاخرة ٤٥٩ والمؤتلف (تر ١٧٦) ص ٧١ والخزانة ١ / ٣٦

(٢) ديوانه ص ٥٠٧ من قصيدة قالها يمدح هشام بن عبد الملك. وروي ثانيهما لجرير في : المخصص ١٧ / ٧٧ وبلا نسبة في : اللسان (صوت) ٢ / ٣٦١ و (عرق) ١٢ / ١١٦

(٣) تولى الخلافة سنة ١٠٥ بعد أخيه يزيد ، وكان عاقلا حسن السياسة ، حريصا على أموال الأمة ، بنى الرصافة وتوفي فيها سنة ١٢٥ ه‍. انظر : الوصايا ١٣٧ والكامل لابن الأثير ٤ / ١٩٢ و ٢٥٥

(٤) ورد الشاهد في : الكامل ٢ / ١٤١ وسر صناعة الإعراب ١ / ١٤ والكوفي ٧٣ / أوالخزانة ٢ / ١٦٧

والأجود عند المبرد أن يكون الخبر في المعنى عن المضاف إليه ، فأقحم المضاف (بعض) توكيدا ، لأنه غير خارج من المعنى. قلت : ولا أراه يتفق مع واقع المعنى ، فالقحط لم يشمل كل السنين بل كان في بعضها ، وتأنيث بعض أفضل لأنه لا يخرج بالمعنى عن وجهه من جهة ، وله نظائر في كلامهم من جهة أخرى ، أما ابن جني : فهذا التأنيث ل (بعض) شاذ عنده ، لخروجه عن أصل إلى فرع ، والتذكير هو الأصل ، ومما يخفف عنده من هذا الشذوذ أن بعض السنين سنة وهي مؤنثة ، وهي من لفظ السنين.

٥٦

وقال جرير :

(لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت

سور المدينة والجبال الخشّع (١))

يريد لما أتى خبر قتل الزبير. وتواضعت : وقعت على الأرض ، والخشّع : التي قد لطئت بالأرض. والشاهد (٢) على أنه أنّث (تواضعت) والسور ذكر وهو الفاعل لأنه مضاف إلى المدينة وهو بعضها.

وجرير يذكر قتل الزبير ، ويردده في هجائه للفرزدق ، لأن ابن جرموز (٣) قتله في أرض بني مجاشع ، فهو ينسبهم إلى أنه غدر به في أرضهم ، وأنهم لم يدفعوا عنه.

ومن الناس من يقول إن السور جمع سورة ، ويجعله مما بينه وبين واحده الهاء ، والسور على هذا التأويل يصلح فيه التذكير والتأنيث ، كما يكون فيما بين جمعه وبين واحده الهاء ، نحو برّة وبرّ ، وتمرة وتمر (٤).

__________________

(١) ديوانه ص ٣٤٥ ، من قصيدة قالها يهجو الفرزدق. وروي البيت لجرير في : المخصص ١٧ / ٧٧ واللسان (أفق) ١١ / ٢٨٥ و (حفث) ٢ / ٤٤٢ و (سور) ٦ / ٥٢

(٢) ورد الشاهد في : معاني القرآن ٢ / ٣٧ والكامل ٢ / ١٤١ والنحاس ١١ / ب والمخصص ١٧ / ٧٧ والأعلم ١ / ٢٥ وشرح ملحة الإعراب ٦٧ وإملاء ما منّ به الرحمن ١٢٢ والخزانة ٢ / ١٦٦

وقد جعل الحريري تأنيث المذكر مما يجوز للشاعر. وابن سيده يرى أن (الجبال الخشّع) مبتدأ وخبره ؛ كأنه قال والجبال خشع ، لأنه إذا رفعها ب (تواضعت) ذهب معنى المدح ، لأن الخشع هي المتضائلة ، والمدح أن يقول : تواضعت الجبال الشوامخ. وفسرها بعضهم على أنها خشعت لموته. فكأنه قال : تواضعت الجبال ، الخشع لموته.

(٣) هو عمرو بن جرموز قاتل الزبير بن العوام غيلة وهو عائد معتزلا القتال في وقعة الجمل. فلما سمع علي رضي الله عنه بالخبر قال : بشّروا قاتل ابن صفية بالنار. رثته زوجته عاتكة بشعر رقيق. انظر : المردفات من قريش ـ نوادر المخطوطات ١ / ٦٤ وأسماء المغتالين ـ نوادر المخطوطات ٦ / ١٥٨ وثمار القلوب ١١٣ و ٣٧٩ والتبريزي ٣ / ٧١ وسرح العيون ١١٠

(٤) قال بهذا أبو عبيدة معمر بن المثنى في المخصص ١٧ / ٧٧ ولم يقبل به أحد فيمن رأيت. وجاء في اللسان (سور) ٦ / ٥٢ بأن السور حائط المدينة مذكر ، وأنث لأنه

٥٧

وقال ذو الرّمّة (١) :

مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت

أعاليها مرّ الرّياح النّواسم) (٢)

يصف نساء ، والنواسم من الرياح : اللواتي نهب هبوبا ليّنا ضعيفا مثل التنفس. وأراد أن النساء يتثنيّن ويملن من جانب إلى جانب كما تميل الرماح إذا أصابتها ريح ليّنة. وقوله : تسفهت أعاليها : أي استخفت الريح أعالي الرماح فحركتها.

والشاهد (٣) في البيت أنه أنّث (تسفهت) وفاعله (مرّ). وإنما أنّثه لأن المرّ مضاف إلى الرياح وهو منها ، كما ذكر في الأبيات المتقدمة.

ويروى : تسفّهت أعاليها مرضى الرياح. ولا شاهد فيه على هذه الرواية.

ويروى : رويدا كما اهتزّت. يريد مشين رويدا وأعالي الرماح : ما قرب من الموضع الذي يركّب فيه السنان.

__________________

بعض المدينة. كأنه استند في هذا إلى ما أورده ابن جني في سر الصناعة ١ / ١٤ برواية الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه سمع أعرابيا يقول : «.. جاءته كتابي ، فقلت : أتقول جاءته كتابي؟ .. فقال نعم : أليس بصحيفة؟!».

(١) غيلان بن عقبة ، أبو الحارث ، ولقّب بذي الرّمّة ببيت قاله. شاعر من الطبقة الثانية ، عرف بإجادة التشبيه (ت ١١٧ ه‍) ترجمته في : الشعر والشعراء ١ / ٥٢٤ وألقاب الشعراء ـ نوادر المخطوطات ٧ / ٣٠١ وشرح السيوطي ٦١٧ والخزانة ١ / ٥١

(٢) ديوانه ق ٧٩ / ١٧ ص ٦١٦ والرواية فيه (رويدا كما اهتزت ..). أي خضنه رويدا. لأن ما قبله :

لتحفن الحصى أنياره ثم خضنه

هوض الهجان الموعثات الجواشم

وروي البيت لذي الرمة في : المخصص ١٧ / ٧٨ وبلا نسبة في : اللسان (صدر) ٦ / ١١٥ و (قبل) ١٤ / ٥٢ و (سله) ١٧ / ٣٩٣

(٣) ورد الشاهد في : سيبويه ثانية ١ / ٣٣ والكامل ٢ / ١٤١ والنحاس ٢٧ / ب والأعلم ١ / ٢٥ والكوفي ١٨ / أوابن عقيل ش ١ ج ٢ / ١١ والأشموني ٢ / ٣١٠

٥٨

[من ضرورات الشعر ـ حذف الياء]

٢٣ ـ وقال سيبويه (١ / ١٠) في باب ضرورة الشعر (١). قال الأعشى :

(وأخو الغوان متى يشأ يصرمنه

ويكنّ أعداء بعيد وداد) (٢)

الشاهد (٣) فيه أنه حذف الياء من (الغواني). ويروى : وأخو النساء. وقوله : متى يشأ يصرمنه : يعني أنهن كثيرات / الصّرم ، مودتهن ضعيفة ، فمتى يشأ إنسان أن يراهن صوارم رآهن على هذا الوصف (٤).

وهذا كقول الناس في الذي يكثر فعل القبيح إذا أخبروا عنه غيره : متى شئت أن يفعل فلان قبيحا فعل ، وهو لا يشاء أن يفعل هذا الإنسان قبيحا ، ولكن قد صار هذا الكلام عبارة عن هذا المعنى. ويكنّ أعداء بعد ودّهنّ ، والوداد : مصدر واددت الرجل موادّة وودادا ، وبعيد : تصغير بعد ، ويروى وداد بفتح أوله.

[إعمال المصدر المحلّى بال]

٢٤ ـ قال سيبويه في باب المصادر (٥) (١ / ٩٩) قال المرّار (٦) :

__________________

(١) عنوانه عند سيبويه (١ / ٨): «باب ما يحتمل الشعر».

(٢) ديوان الأعشى ق ١٦ / ١٣ ص ١٢٩ من قصيدة قالها يفتخر. وفيه (وأخو النساء) ، ولا شاهد فيه على هذه الرواية. وروي البيت بلا نسبة في : اللسان (غنا) ١٩ / ٣٧٥

(٣) حذف الياء ليقوم وزن البيت. وقد ورد الشاهد في : النحاس ٣ / أوالأعلم ١ / ١٠ وشرح الأبيات المشكلة ٤٢ والإنصاف ٢١٢ و ٢٨٣ والكوفي ١٩ / ب.

(٤) وأفضل من هذا ما ذكره شارح الديوان بقوله : قصد إلى أن كثرة التودد إليهن يفسد ودّهن فينقلب عداء بعد وداد.

(٥) عبر عنه سيبويه (١ / ٩٧) بقوله : «هذا باب من المصادر جرى مجرى الفعل المضارع في عمله ومعناه».

(٦) المرّار بن سعيد الفقعسي الأسدي ، أبو حسان. من شعراء الدولة الأموية ، ضئيل الجسم غزير قول الشعر. ترجمته في : الشعر والشعراء ٢ / ٦٩٩ والمؤتلف (تر ٥٩٨) ١٧٦ وشرح المرزوقي ٣ / ١١١٩ ومعجم الشعراء ٤٠٨ والخزانة ٣ / ٢٥٤ ورغبة الآمل ٤ / ١١

٥٩

(لقد علمت أولى المغيرة أنني

لحقت فلم أنكل عن الضّرب مسمعا) (١)

وجدت في هذا الباب البيت منسوبا إلى المرّار ، ورأيته في شعر مالك ابن زغبة الباهلي ، وكانت بنو ضبيعة قد أغارت على باهلة ، فلحقتهم باهلة وهزمتهم.

والمغيرة : الجماعة التي أغارت. أولاها : أولها. يريد أنهم علموا ما صنعت حين لحقتهم وضربت مسمعا بالسيف. ولم أنكل : لم أعجز ولم أخم (٢) عنه.

__________________

(*) روي البيت في أبيات لمالك بن زغبة الباهلي في (فرحة الأديب) وجاء فيه قول الغندجانيّ ـ بعد أن أعاد ما أورده ابن السيرافي عن الشاهد ـ : «قال س : هذا موضع المثل :

وهل يشفينّ النفس من سقم بها

غناء إذا ما فارقت وركوب

«لا يكاد يشفي المستفيد ما ذكره ابن السيرافي ، سيّما والقليل الذي ذكره مختلّ. والبيت لمالك بن زغبة الباهليّ يعني مسمع بن شيبان أحد بني قيس بن ثعلبة ، وكان خرج هو وابن كدراء الذّهلي ، يطلبان بدماء من قتلته باهلة من بكر ابن وائل ، يوم قتل أبو الأعشى بن جندل ، فبلغ ذلك باهلة ، فلقولهم فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزمت بنو قيس ومن كان معها من بني ذهل ، وضرب مسمع ابن شيبان فأفلت جريحا.

«والبيت أول أبيات. نظامها :

١) لقد علمت أولى المغيرة أنني

لحقت فلم أنكل عن الضّرب مسمعا

٢) ولو أنّ سيفي لم يخنّي صبيّه

لغادرت طيرا تعتفيه وأضبعا

٣) وفرّ ابن كدراء السّدوسيّ بعد ما

تناول منه في المكرّة مزعا

٤) أجئتم لكيما تستبيحوا حريمنا

فصادفتم ضربا وطعنا مجدّعا

٥) فأبتم خزايا صاغرين أذلّة

شريجة أرماح لأكنافكم معا»

(فرحة الأديب ٣ / أ)

(١) الوخم : الرجل الثقيل. القاموس وخم) ٤ / ١٨٥ وجاء في المطبوع : أحم ، بالمهملة.

٦٠