أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي
المحقق: الدكتور محمّد علي سلطاني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٠
مستدير ضخم أملس ، يرتج : يتحرك إذا مسّ ، يتمرمر : أي يترجرج يذهب ويجيء لرطوبته.
ويروى : نصف قناة قويمة. على الابتداء والخبر (نصف) مبتدأ و (قناة) خبره ، وكذلك (ونصف نقا) وصف امرأة ، وجعل نصفها / الأعلى مستويا معتدلا لا يخرج بعضه عن بعض. يريد أن بطنها ضامر فهو بمنزلة القناة وليست بضخمة والنصف الأسفل بمنزلة نقا ، وهو يريد عجزها.
[أعربت الصفة حالا ؛ لتقدمها على صاحبها]
٢٦٦ ـ وقال سيبويه (١ / ٢٧٦) في باب ما ينتصب لأنه قبيح أن يوصف بما بعده ، ويبنى على ما قبله : «وذلك قولك : هذا قائما رجل ، وفيها قائما رجل». يعنى أنّ (قائما) لا يجوز أن يكون وصفا للاسم المتأخر وهو (رجل) ، ولا يجوز أن يكون (قائم) مبتدأ و (هذا) خبره .. لأنه لا يحسن أن تقوم الصفة مقام الموصوف في كل حال.
ولا يجوز أن يكون (رجل) نعتا ل (قائم) ، فلما قبحت هذه الوجوه ـ وقد جاز عندهم أن يكون (قائم) الذي هو وصف النكرة حالا منها ، في الموضع الذي يحسن فيه الوصف ـ فإذا تقدم الوصف وبطل أن يكون نعتا بعد تقدمه ؛ ألزموه الحالة التي كانت ، فيجوز فيه وهو متأخر.
ثم ساق سيبويه كلامه في هذا المعنى حتى انتهى إلى قول ذي الرمة. قال ذو الرمة :
فأصبحن قد نكّبن حزوى وقابلت |
|
من الرّمل ثبجاء الجماهير عاقر |
(وتحت العوالي في القنا مستظلّة |
|
ظباء أعارتها العيون الجاذر) (١) |
الشاهد (٢) نصب (مستظلة) على الحال لمّا تقدم ، ولو تأخر كان نعتا ل (ظباء)
وصف ظعنا سارت ، وحزوى : مكان بعينه ، نكبّن : عدلن عنه ، والجماهير : جمع جمهور ، وهو رمل يشرف ويعظم ، والثّبج : الوسط ، والأثبج : العظيم البطن ، ورملة (٣) ثبجاء الجماهير أي جماهيرها عظام. يريد أن الظعن قابلتهم من الرمل (رملة ثبجاء الجماهير) (٤) ، والعاقر : الرملة التي لا تنبت شيئا ، والعوالي عوالي الهوادج ، في القنا : يريد القنا الذي يعطف على الهوادج ، أو يريد الخشب الذي يجعل كهيئة القبة في الهودج ؛ شبّه خشبه بالقنا ، والجآذر : جمع جؤذر ، وهو ولد البقرة الوحشية ، شبّه النساء بالظباء ، وجعل عيونهن كعيون أولاد البقر الوحشية.
[الفصل بالمجرور بين (كم) الخبرية ومجرورها]
٢٦٧ ـ قال سيبويه (١ / ٢٩٦) في باب كم : قال الفرزدق يمدح خندف وقبائلها :
__________________
(١) ديوان ذي الرمة ق ٣٢ / ٢٥ ـ ٢٦ ص ٢٤٥ وجاء في صدر الأول (حوضى) بدل حزوى. وفي صدر الثاني (والقنا) بدل في القنا وهو بالواو أجود ؛ لأن العالية جزء من القناة ، حتى لو أريد بها الأسنّة فقط لكان من الفضول القول : إنها في القنا ، وهذا مكانها! انظر القاموس (علو) ٤ / ٣٦٥
(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٦٦ / أوتفسير عيون سيبويه ١١ / ب وشرح الأبيات المشكلة ١٣٧ والكوفي ١٥ / أو ١٩٣ / ب.
(٣) في الأصل : وامرأة ثبجاء .. وهو سهو.
(٤) ما بين القوسين ساقط في المطبوع.
(كم فيهم ملك أغرّ وسوقة |
|
حكم بأردية المكارم محتبي) |
وإذا عددت وجدتني لنجيبة |
|
غرّاء قد أدّت لفحل منجب (١) |
الشاهد (٢) أنه فصل بين (كم) وبين (ملك) ب (فيهم).
وفي شعره : كم فيّ من ملك ، يريد : كم في حيّي وقومي. والأغر : المشهور الظاهر الذي لا يخفى أمره على الناس ، والسّوقة : من ليس هو بملك ، والحكم : الذي يقنع بقوله ويرجع إليه ، بأردية المكارم محتبي : أي إذا جلس مع القوم في مجلس واحتبى تكرم وأعطى وجاد ، فصار ـ لأجل فعله للمكارم ـ بمنزلة من احتبى بثياب المكارم. وأردية المكارم : أفعاله الكريمة التي تظهر منه كظهور ردائه عليه. والمعنى واضح.
[الرفع إغناء للمعنى ـ دون البدل مما قبله]
٢٦٨ ـ قال سيبويه (١ / ٢٢٥) : «وقد يكون : مررت بعبد الله أخوك ، كأنه قيل له : من هو؟ أو قيل : من عبد الله؟ فقال : أخوك». وأنشد :
(ورثت أبي أخلاقه عاجل القرى |
|
وعبط المهاري كومها وشنونها) (٣) |
استشهد به في رفع (كومها وشنونها) (٤) ولم يجعلهما بدلا من (المهاري) ، والقصيدة مرفوعة ، وقد وضع البيت في الكتاب وضعا ليس بصحيح ، ولعل الذين
__________________
(١) ديوان الفرزدق ١ / ٣٧ وجاء في صدر الأول (كم فيّ من ملك) يقصد قومه ، و (فيهم) أرجح.
(٢) ورد الشاهد في : الأعلم ١ / ٢٩٦ والكوفي ١٩٤ / أ.
(٣) نسبه ابن السيرافي إلى الفرزدق ، وليس في ديوانه على روي النون.
(٤) وقد ورد الشاهد في : النحاس ٤٦ / أوالأعلم ١ / ٢٢٥ والكوفي ١٩٤ / أ.
نقلوه غيّروا إنشاده ، فمن تغييره : إنشادهم (كومها وشنونها) والقصيدة بائية وليست بنونية (١). وهي (٢) للفرزدق.
قال :
رأيت بني مروان إذ شقّت العصا |
|
وهرّ من الحرب العوان كليبها |
شفوا ثائر المظلوم واستمسكت بهم |
|
أكفّ رجال ردّ قسرا شعوبها |
ورثت إلى أخلاقه عاجل القرى |
|
وضرب عراقيب المتالي شبوبها (٣) |
الممدوح : هشام بن عبد الملك ، وقوله : ورثت هو خطاب لهشام. وإنشاده في الكتاب بضم التاء على أنه للمتكلم. يريد : ورثت إلى أخلاق أبيك عاجل القرى ونحر الإبل المهاري ، والعبط : نحر ما لم يهرم منها ، نحو الحقاق (٤) والثّنى (٥) والرّبع (٦).
والمتالي : الإبل التي تتلوها أولادها ، والشّبوب (٧) السيف ، ويكون (شبوبها)
__________________
(١) البيت على روي الباء في مطبوعة الكتاب لدينا .. وبالنون في نسخة ابن السيرافي ، كما يقول.
(٢) في الأصل : وهو.
(٣) ديوان الفرزدق ١ / ٦٦ من قصيدة قالها يمدح هشام بن عبد الملك.
(٤) الحقاق ج حق وحقّة : ما كان من الإبل ابن ثلاث سنين ودخل في الرابعة ، سمي بذلك لاستحقاقه أن يحمل عليه وينتفع به. انظر الصحاح (حقق) ٤ / ١٤٦٠
(٥) الثّنى ج ثني ، وهي الناقة تلد مرة ثانية. انظر القاموس (ثني) ٤ / ٣٠٩
(٦) الرّبع : الفصيل ينتج في الربيع ، وهو أول النتاج. انظر الصحاح (ربع) ٣ / ١٢١٢ ـ وكلها تعني خيار الإبل.
(*) عقب الغندجاني على شرح ابن السيرافي لفظ (شبوبها) بقوله :
«قال س : هذا موضع المثل :
مرفوعا بالمصدر الذي هو (ضرب) ، ولا يكون في البيت شاهد على رفع الشيء الذي يجوز أن يكون بدلا مما قبله ، والكوم : العظام الأسنمة ، والشّنون : التي فيها شيء من سمن.
[(مرو) ترخيم مروان]
٢٦٩ ـ قال سيبويه (١ / ٣٣٧) في الترخيم. قال الفرزدق :
(يا مرو إنّ مطيّتي محبوسة |
|
ترجو الحباء وربّها لم ييأس) |
وأثبتني بصحيفة مختومة |
|
يخشى عليّ بها حباء النّقرس / (١) |
كان مروان بن الحكم لما جاءه الفرزدق ـ وهو عامل المدينة ـ تقدم إليه أن لا يهجو أحدا ، فخالفه ، فكتب له كتابا إلى بعض عماله ، وتقدم إليه بأنه إذا ورد عليه الفرزدق ضربه وحبسه ، وختم مروان الصحيفة. فلما أخذها الفرزدق
__________________
تبجّحى بجاحه |
|
فليس منك راحه |
قلما يجيء ابن السيرافي بشيء فيه خير ، متى سمي السيف شبوبا ، وإنما هو تصحيف. والصواب (سبوبها) بالسين غير المعجمة ، يعني أنه يعرقب الإبل ، والسبّ : القطع. ومنه قول ذي الخرق :
فما كان ذنب بني مالك |
|
بأن سبّ منهم غلام فسبّ |
بأبيض ذي شطب باتر |
|
يترّ العظام ويبري العصب |
ويعني بسبوبها نفس الممدوح».
(فرحة الأديب ٢٣ / ب)
(١) ديوانه ٢ / ٤٨٢ ـ ٤٨٣ وجاء صدر الأول : (مروان إن مطيتي معكوسة ..) ولا شاهد فيه على هذه الرواية.
وقد ورد الشاهد في : النحاس ٧٨ / ب والأعلم ١ / ٣٣٧ والكوفي ١٩٤ / ب وأوضح المسالك ش ٤٥٣ ج ٣ / ١٠٣ والأشموني ٢ / ٤٧٢
خشي أن يكون فيها ما يكره ، فلم يمض إلى الذي كتب له إليه ، وقال مروان للفرزدق :
قل للفرزدق والسفاهة كاسمها |
|
إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس (١) |
يقول : إن كنت لم تحمل صحيفتي إلى الموضع الذي كتبت لك إليه ، وسلمت مما فيها ، فلا تجاورني بالحجاز ، واذهب إلى نجد. ويقال لمن أتى نجدا : قد جلس. فقال له الفرزدق :
يا مرو إنّ مطيّتي محبوسة |
|
... |
يقول : أنا أرجو بعد أن كتبت الكتاب ، أن تعطف عليّ وتحبوني. وقوله : ترجو الحباء يريد : يرجو صاحبها حباءك ، لم ييأس منه.
[نصب على المدح ، ولم يبدل مما قبله]
٢٧٠ ـ قال سيبويه (١ / ٢٨٨) وقال الفرزدق :
ولو لا بنو هند لنالت عقوبتي |
|
قدامة أولى ذا الفم المتثلّم |
ولكنّني استبقيت أعراض مازن |
|
وأيامها من مستنير ومظلم |
(أناسا بثغر لا تزال رماحهم |
|
شوارع من غير العشيرة في الدّم) (٢) |
__________________
(١) روي البيت لمروان بن الحكم في ديوان الفرزدق ٢ / ٤٨٢ وأورد خبره ، وهو شبيه بما ذكره ابن السيرافي. كما ورد البيت مع الخبر في معجم الشعراء ٣٩٦ وشرح التبريزي ٤ / ٦١ واللسان (جلس) ٧ / ٣٤٠
(٢) ديوانه ٢ / ٨٢١ من قصيدة مطلعها :
لقد كدت لو لا الحلم تدرك حفظتي |
|
على الوقبى يوما مقالة ديسم |
وجاء في عجز الثاني (لأيامها) بدل وأيامها. وفي صدر الثالث (أناس) بالرفع. ولا شاهد فيه على هذه الرواية ، والنصب أجود في ربط البيت بما سبقه.
كان رجل من بني مازن يسمى ديسمأ ، نهى عن سقي إبل الفرزدق ، أولى : وعيد وتهدد ، ذا الفم : أراد يا ذا الفم ، المتثلم : المتكسر الأسنان ، ولكنني استبقيت أعراض مازن : يريد أبقيت عليها لم أهجها ، لأنها أعراض قوم كرام ، ولهم أيام وآثار بيّنة ، والمستنير : المضيء.
وقوله : أناسا بثغر : يريد أن دار بني مازن تلي دار بكر بن وائل ، فهم في ثغر بني تميم ، يمنعون عنهم بكر بن وائل ، والرماح الشوارع : التي ترد إلى الدماء ، يعني تدخل في الأبدان ، والشوارع : الدواب الداخلة في الماء ، يريد : هم يطعنون أعداء عشيرتهم ولا يقاتلون بني تميم وأهلهم.
والشاهد (١) فيه نصب (أناسا) بإضمار فعل. وقد روي (أناس) بالرفع على تقدير : هم أناس.
[النصب على التمييز]
٢٧١ ـ قال سيبويه (١ / ٢٩٩) قال عباس بن مرداس :
ومارس زيد ثم أقصد مهره |
|
وحقّ له في مثلها أن يمارسا |
(ومرّة يحميهم إذا ما تبدّدوا |
|
ويطعنهم شزرا ، فأبرحت فارسا) (٢) |
في الكتاب : ومرّة يحميهم. وفي شعره : وقرة ، وهو قرّة بن مالك بن قنفذ ، بطن من بني سليم.
وقال عباس هذا الشعر يذكر وقعة كانت بينهم وبين بني زبيد. يحميهم : يريد
__________________
(١) ورد الشاهد في : النحاس ٦٧ / ب والأعلم ١ / ٢٨٨ والكوفي ١٩٤ / ب.
(٢) ديوان عباس بن مرداس ق ٢٠ / ٢٠ ـ ٢١ ص ٧١ من قصيدته المعدودة في المنصفات. وجاء في صدر الأول (ثم أقصر مهره) وفي صدر الثاني (وقرة يحميهم) وكذا في الأصمعيات ق ٧٠ / ٢٠ ـ ٢١ ص ٢٠٦
أنه يحمي من تبدد من قومه ويطعن أعداءه شزرا. وأبرحت : أتيت بالبرح وهو العجب ، يعني أنه أتى بالعجب في قتاله ، قاتل قتالا عجب الناس منه.
والشاهد (١) فيه أنه نصب (فارسا) على التمييز.
[النصب بإضمار فعل دون العطف أو الاستئناف ـ للمعنى]
٢٧٢ ـ قال سيبويه (١ / ٢٥٠) قال الأخطل :
لقد حملت قيس بن عيلان حربنا |
|
على مستقلّ للنوائب والحرب |
(أخاها إذا كانت غضابا سمالها |
|
على كلّ حال من ذلول ومن صعب) (٢) |
يريد أن قيس بن عيلان حاربت من يخف عليه أمر الحرب ، ولا يثقل عليه ما ينزل به من نائبة أو عظيمة.
__________________
(١) ورد الشاهد في : المقتضب ٢ / ١٥١ والنحاس ٧٠ / ب والأعلم ١ / ٢٩٩ والكوفي ١٩٥ / أ.
(٢) البيتان عند سيبويه وقد نسبهما إلى ذي الرمة. وهما للأخطل في ديوانه ص ١٧ ورواية أولهما فيه :
ترى الحلق الماذيّ تجري فضوله |
|
على مستخفّ بالنوائب ... |
وجاء صدر الثاني :
(أخوها إذا شالت عضوضا سمالها ..)
أما صدر الأول كما رواه ابن السيرافي عن الكتاب ؛ فقد ورد في ديوان الشاعر ص ١٢٩ في قصيدة أخرى. وهو قوله :
لقد حملت قيس بن عيلان حربنا |
|
على يابس السّيساء محدودب الظهر |
وروي البيتان للأخطل في : اللسان (وجب) ٢ / ٢٩٥ وأولهما له في : الأغاني ٨ / ٣٠٣ واللسان (سيس) ٧ / ٤١٤
يريد أنها حملت حربها على بني تغلب.
يقول : حاربت بني تغلب وهم يستقلون ما ينزل عليهم ، وسمالها : ارتفع ، والذلول : الجمل المنقاد ، والصعب : الذي لا ينقاد ، وجعل الأمر الذي ينال بسهولة بمنزلة الذلول ، والأمر الذي يصعب بمنزلة الجمل الصعب الذي يؤذي ركوبه.
وقد أنشدت هذا الشعر على ما وجدته في الكتاب ، وفي شعره ترتيب يخالف هذا. قال :
١) إليك أمير المؤمنين رحلتها |
|
على الطائر الميمون والمنزل الرحب |
٢) الى مؤمن تجلو صفيحة وجهه |
|
بلابل تغشى من هموم ومن كرب |
٣) مناخ ذوي الحاجات يستمطرونه |
|
عطاء جزيلا من أسارى ومن نهب |
٤) ترى الحلق الماذيّ تجري فضوله |
|
على مستقلّ بالنوائب والحرب |
٥) أخوها إذا كانت عضالا سمالها |
|
على كل حال من ذلول ومن صعب / |
٦) إمام يقود الخيل حتى تقلقلت |
|
قلائد في أعناق معملة حدب (١) |
فهذا الترتيب يبعد منه إنشاد الكتاب. يريد بالمستقل الممدوح ، والمستقل بالشيء : الذي ينهض به.
__________________
(١) ديوان الأخطل ص ١٧ وجاء في عجز الثالث (عطاء كريم من أسارى ..) وفي عجز الرابع (على مستخف بالنوائب ..) وفي صدر الخامس : (أخوها إذا شالت عضوضا سمالها) وفي السادس : (إمام سما بالخيل .. معلمة حدب).
ـ والشاهد في البيت الخامس نصب (أخاها) على إرادة : أعني أخاها. أما الرواية الثانية للبيت عند ابن السيرافي ، وكذلك رواية الديوان له ؛ فلا شاهد فيهما.
ـ وقد ورد الشاهد في : النحاس ٦٠ / ب والأعلم ١ / ٢٥٠ والكوفي ٤١ / أو ١٩٥ / أ.
يريد أنه ينهض بالقيام بما ينوء به وبمحاربة من حاربه. أخوها : يريد أخو النوائب والحرب ، والعضال : التي لا يهتدى لدفعها والتخلص منها ، والمعملة : التي تعمل في السير ، يسار بها سيرا متتابعا ، حدب : التي قد هزلت وتقوست أصلابها.
[الرفع على الحكاية]
٢٧٣ ـ قال سيبويه (١ / ٢٥٩) في باب ما يجوز فيه الرفع مما ينتصب في المعرفة : وأما قول الأخطل :
(ولقد أبيت من الفتاة بمنزل |
|
فأبيت لا حرج ولا محروم) (١) |
ويروى : ولقد أكون ..
وقوله : لقد أكون يريد : ولقد كنت ، وجعل المستقبل في موضع الماضي.
وكذا : ولقد أبيت يريد : ولقد بتّ. والذي يريد : أن يخبر عن حاله فيما مضى.
ومثله لجرير :
... |
|
ولقد يكون على الشباب نضيرا (٢) |
يعني : ولقد كان.
والفتاة : الجارية الحديثة السن ، يريد أنه كان في شبابه تحبه الفتيات ويبيت
__________________
(١) ديوان الأخطل ص ٨٤ من قصيدة قالها في هجاء رجل يسمى جميعا. والرواية فيه : (ولقد أكون ..).
وروي البيت للأخطل في : شرح المرزوقي ٢ / ٤٨٨ واللسان (ضمر) ٦ / ١٦٤
(٢) هو عجز بيت لجرير في ديوانه ٢٨٩ ، من قصيدة قالها يهجو الأخطل. وصدره :
قالت جعادة ما لجسمك شاحبا
عندهن ، بمنزل يعني بمنزلة جميلة ، والحرج : المضيّق عليه. يقول : إن موضعه لم يكن ضيّقا به ، ولا هو محروم من جهتها ما يريده.
ومذهب سيبويه أنّ رفع (لا حرج ولا محروم) بمنزلة :
... |
|
فأنا ابن قيس لا براح (١) |
ويجعل (لا) بمنزلة (ليس) ، ويرفعه بها ويحذف الخبر. وقد شرح الأقوال التي فيه ، وحكى ذكر ما يطعن به عليها (٢).
[النصب على التمييز بتعجب مضمر]
٢٧٤ ـ قال سيبويه (١ / ٣٢٩) قال الأخطل :
وقد أراها وشعب الحيّ مجتمع |
|
وأنت صبّ بمن علّقت معتمد |
(أيّام جمل خليلا لو يخاف لها |
|
صرما ، لخولط منه العقل والجسد) (٣) |
__________________
(١) هو عجز بيت لسعد بن مالك بن ضبيعة ، في حماسة البحتري ق ١٦٠ ص ٣٧ وصدره فيه :
من فرّ عن نيرانها
وسيأتي الحديث عن هذا الشاهد بالتفصيل بعد.
(٢) الشاهد فيه رفع (حرج ومحروم) وكان الوجه نصبهما على الحال ، أو خبر لا.
والرفع عند الخليل على الحكاية. والمعنى : فأبيت بمنزلة الذي يقال له لا حرج ولا محروم ، ونفى أن يصح رفعه على إضمار مبتدأ محذوف ـ وإن صح الإضمار في غير هذا الموضع ـ لأنه يلزمه عليه أن يقول : كنت لا خارج ولا ذاهب. وهذا قبيح جدا ، فجعله على الحكاية.
وقد ورد الشاهد في : سيبويه أيضا ١ / ٣٩٨ ومعاني القرآن ٣ / ١٢٦ والنحاس ٦٣ / ب و ٨٧ / ب والأعلم ١ / ٢٥٩ والإنصاف ٢ / ٣٧٩ والكوفي ٧٥ / أو ١٩٥ / ب والخزانة ٢ / ٥٥٣
(٣) لم ينسبهما سيبويه ، وليسا في ديوان الأخطل ، والشعر له عند : القرطبي والأعلم وحاشية شرح الأبيات المشكلة للأفغاني ، والكوفي.
الشاهد (١) فيه أنه نصب (خليلا) بفعل مضمر ، وذلك الفعل هو فعل التعجب ، كأنه قال : أيام جمل أكرم بها خليلا ، والظرف معلق بالبيت.
وشعب الحي : اجتماعه ، والشعب : الاجتماع ، وهو أيضا الافتراق وهو من الأضداد ، يريد أنه (٢) رآها [قبل أن](٣) يتفرق قومها وقومه ، والمعتمد : الذي عمده الحزن : أثر فيه ، فهو عميد ومعمود ، لو يخاف لها صرما لفسد عقله وجسمه.
وفي شعره : أيام جمل خليل .. (جمل) مبتدأ و (خليل) خبره ، وأضاف (الأيام) إلى جملة الكلام.
[في الإضافة غير المحضة (اللفظية)]
٢٧٥ ـ قال سيبويه (١ / ٢٢٧) في باب ما جرى عليه صفة ما كان من سببه. قال الأخطل :
تفادى من الحادي الكميش وقوّمت |
|
سو الفها الرّكبان والحلق الصّفر |
(حمين العراقيب العصا فتركنه |
|
به نفس عال مخالطه بهر) (٤) |
__________________
(١) الشاهد فيه نصب (خليلا) على التمييز ، كأنه قال : أكرم به خليلا.
وقد ورد الشاهد في : تفسير عيون سيبويه ٣٦ / أوالأعلم ١ / ٣٢٩ وشرح الأبيات المشكلة ٢٤٠ والكوفي ١٩٦ / أ.
(٢) في الأصل والمطبوع (أنها).
(٣) زيادة يتطلبها أداء المعنى ، ليست في المطبوع.
(٤) ديوان الأخطل ١٩٨ وجاء في صدر الأول (إذا اتّزر الحادي الكميش ..) وروي الثاني بلا نسبة في : اللسان (حما) ١٨ / ٢١٦
الشاهد (١) فيه أنه أضاف (مخالطه) وأجراه نعتا للأول ، وليس بفعل للموصوف إنما هو فعل سببه ، ولم ينصبه على الحال ، لأن المخالطة فاعلها البهر و (مخالطه) مرفوع صفة ل (نفس).
والكميش : السريع الجادّ في العمل ، وفي (تفادى) ضمير يعود إلى الإبل التي ذكرها. ومعنى تفادى : يفتدي بعضها ببعض من أن يضربها السائق ، والسوالف : جوانب الأعناق ، والركبان : راكبوها ، قوّمت الركبان رؤوسها ومنعتها من أن تميلها يمنة ويسرة ، والحلق : يريد بها الحلق التي في آنفها وهي البرى.
و (الصفر) بدل من (الحلق) إن أراد بالصفر النحاس ، يعني الحلق المعمولة من صفر. ويجوز أن يريد أنّ ألوانها صفر فذكر لونها ، وقوله : حمين العراقيب العصا ، يعني أنهن سرن سيرا شديدا ففتن السائق فحمين عراقيبهن أن يلحقها فيضربها ، وعدا خلفها حتى يلحقها فأخذه البهر ، وهو شدة النفس من التعب.
[(ابن مخاض) نكرة ..]
٢٧٦ ـ قال سيبويه (١ / ٢٦٦) قال الفرزدق :
(وجدنا نهشلا فضلت فقيما |
|
كفضل ابن المخاض على الفصيل) |
إذا حلّوا لصاف بنوا عليها |
|
بيوت اللؤم والذل الطويل (٢) |
نهشل وفقيم : ابنا دارم (٣) ، هجاهما الفرزدق وجعلهما في غاية الضعف والحقارة ،
__________________
(١) ورد الشاهد في : النحاس ٥٨ / أوالأعلم ١ / ٢٢٧ والكوفي ١٩٦ / أوالخزانة ٢ / ٢٩٤
(٢) ديوان الفرزدق ٢ / ٦٥٢ من مقطوعة في ثلاثة أبيات قالها يهجو فقيما ونهشلا. وروي الأول لجرير وقيل للفرزدق في : اللسان (مخض) ٩ / ٩٦
(*) قال الغندجاني بعد أن ذكر هذا القدر من شرح ابن السيرافي للبيتين :
وإن كان أحدهما فوق الآخر. والفصيل : الذي له سبعة أشهر ونحوها ، وابن المخاض : الذي تمت له سنة ودخل في الثانية ، وكلاهما ضعيف لا نفع فيه ، وجعل نهشلا أفضل من فقيم بقدر ما بين ابن المخاض والفصيل. ولصاف : موضع معروف وهي مؤنثة مبنية ، ويجوز أن يعرب ، ولا يصرف.
الشاهد (١) فيه على أن ابن المخاض نكرة ، والدليل على أنه نكرة ، أنه أدخل عليه الألف واللام وعرّفه ، ولو كان معرفة كابن عرس وما أشبهه ، لم تدخلا عليه ، كما لا تقول ابن العرس.
[العدول عن النصب على الاختصاص لضعف الشهرة]
٢٧٧ ـ قال سيبويه (١ / ٣٢٧) قال لبيد :
(نحن بنو أم البنين الأربعه) |
|
ونحن خير عامر بن صعصعه |
__________________
«قال س : قول ابن السيرافي إن نهشلا وفقيما ابنا دارم ، يدل على أنه كان سيء التبصر بأنساب العرب ، وإنما فقيم ابن أخي نهشل ، وهو فقيم بن جرير ابن دارم. وترك بين البيتين بيتا لا يصح معنى البيت الأول إلا به ، ونظام الأبيات وهي ثلاثة :
وجدنا نهشلا فضلت فقيما |
|
كفضل ابن المخاض على الفصيل |
كلا البكرين أردى ما يليه |
|
ولكن ريم بينهما قليل |
إذا حلّوا لصاف بنوا عليها |
|
بيوت اللؤم والذل الطويل». |
(فرحة الأديب ٤٩ / أ)
(١) ورد الشاهد في : الأعلم ١ / ٢٦٦ والكوفي ١٩٦ / أ
المطعمون الجفنة المدعدعه |
|
والضاربون الهام تحت الخيضعه (١) |
أم البنين : هي امرأة مالك بن جعفر بن كلاب ، ولدت له خمسة بنين : معاوية بن مالك ويقال له معوّذ الحكماء ، وعامر بن مالك ملاعب الأسنة ، وسلمى ابن مالك نزّال المضيق ، وربيعة بن مالك ربيع المقترين وهو أبو لبيد ، وطفيل ابن / مالك فارس قرزل. فاحتاج لبيد لأجل الشعر فقال : أم البنين الأربعة وهم خمسة (٢).
__________________
(١) تقدم خبر القصيدة وبعض من أبياتها في الفقرة (١٧٠) وهي في ديوان لبيد ق ٥٩ / ٧ ـ ٨ ـ ٩ ـ ١٠ ص ٣٤١ وأم البنين هي امرأة مالك بن جعفر بن كلاب وبنت عمرو بن عامر فارس الضّحياء. وفي أمثالهم : أنجب من أم البنين ، وهم خمسة وليسوا أربعة ، وتعددت الأقوال في تعليل قول لبيد ، مما سيمر بنا بعد. انظر الأغاني ١٥ / ٣٦٤ والدرة الفاخرة ٢ / ٤١١ والخيضعة بيضة الحديد في : زينة الفضلاء ٦١ والمخصص ٦ / ٧٣ ورويت الأبيات للبيد في : اللسان (خضع) ٩ / ٤٢٧
(*) ذكر الغندجاني هذا القدر من شرح ابن السيرافي لأبيات لبيد ، ثم عقب بقوله :
«قال س : هذا موضع المثل : حوّابة بلقاء تروي صادرا الحوابة : الدلو. مثل هذا من النسب يكدّ ابن السيرافي وأمثاله ممن لم يعمل في علم النسب ، ولم يجهد نفسه فيه.
أخطأ ابن السيرافي في قوله : إن سلمي بن مالك هو من ولد أم البنين ، لأن ولد أم البنين خمسة : عبيدة ، وطفيل ، ومعاوية معوّد الحكماء ، وعامر ملاعب الأسنّة ، وربيعة أبو لبيد الشاعر بنو مالك بن جعفر ، وأمهم أم البنين بنت عمرو ابن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
فأما سلمى وعتبة ابنا مالك ، فأمهما هند ، امرأة من بني سليم ، ولم يكن
الشاهد (١) في رفعه (بنو أم البنين) ولم يجعل هذا من الاختصاص في شيء ، لأن هؤلاء لا يعرفون بأنهم بنو أم البنين الأربعة ، كما يعرف بنو منقر وبنو دارم ببني منقر وبني دارم. وإنما تنصب الأسماء في الاختصاص إذا شهرت وعرفت.
ومن زعم أن هؤلاء قد عرفوا بالفضل ، فصار بمنزلة بني منقر ، قلنا له : اعمل على أنّ الأمر على ما ذكرت في أنهم معروفون بالفضل ؛ إلا أنهم لم يشهروا بأن يخبر عنهم أنهم بنو أم البنين ، ولا يجوز أن ينصب في الاختصاص إلا المشهور.
ومع هذا فلو شهروا بأم البنين ، لكانوا يشهرون ببني أم البنين الخمسة ، وإذا غيّره في الشعر عما كان عليه في الكلام ، ذهبت شهرته ، فلو نصب لم يكن بعده ما يكون خبرا.
[(الحكاية) إذا نوديت لا ترخّم]
٢٧٨ ـ قال سيبويه (١ / ٣٤٢) في باب الترخيم ، في باب الأسماء التي كل اسم منها من اسمين : «واعلم أن الحكاية لا ترخّم ، لأنك لا تريد أن ترخّم غير منادى ، وليس مما يغيره النداء ، وذلك نحو : تأبط شرا ، وبرق نحره».
يعني أن الحكاية إذا نوديت لم ترخم ، لأنها إذا نوديت فهي على اللفظ الذي تكون عليه في غير النداء ، ولا يحدث فيها تغيير إذا نوديت ، وإنما يرخّم ما يتغير
__________________
عبيدة بن مالك مثل إخوته في الشهرة والنباهة ، إلا أنه صدق وبرّ ، وإنما ذكر لبيد الأربعة الأعيان».
(فرحة الأديب ٢٣ / ب وما بعدها)
قلت وتعليل الغندجاني هو الراجح المقبول ، إذ لا يصح أن يتحكم بأداء الشاعر لفظ أو ألفاظ بله أن يترتب على ذلك تغيير في الحقائق الثابتة.
(١) ورد الشاهد في : الأعلم ١ / ٣٢٧ والكوفي ١٩٦ / ب والخزانة ٤ / ١٧١
في النداء عما كان عليه ، والذي يتغيّر في النداء هو الشيء الذي تقصد إليه بعينه فتدعوه ، وإذا قصدت واحدا بعينه بنيته فتغير عن حال الإعراب إلى البناء ، فجرّأهم هذا التغير على ترخيمه.
قال سيبويه (١ / ٣٤٢) : ولو رخمت هذا ـ يعني الحكاية ـ لرخمت رجلا يسمى : قول عنترة (١) :
(يا دار عبلة بالجواء تكلّمي) (٢)
ألزم سيبويه من أجاز الترخيم في الحكاية ـ (إذا كانت الحكاية) (٣) بجملة ـ هي كلمتان ، نحو : تأبط شرا ، وبرق نحره ، فيحذف الكلمة الثانية ويدع الأولى ، فيقول : يا تأبط أقبل ويا برق هلمّ ، فإذا سمي بحكاية هي كلمات : (أن يجيز الترخيم) وإن كانت الحكاية نصف بيت أو بيتا تاما ، وهذا لا يركبه أحد (٤) وتمام البيت :
يا دار عبلة بالجواء تكلّمي |
|
وعمي صباحا دار عبلة واسلمي (٥) |
__________________
(١) هو عنترة بن شداد العبسي ، التقى بامرىء القيس ، قتله رجل من طيء. ترجمته في : أسماء المغتالين ـ نوادر المخطوطات ٦ / ٢١٠ والشعر والشعراء ١ / ٢٥٠ والأغاني ٨ / ٢٣٧ والمؤتلف (تر ٤٩١) ١٥١ وثمار القلوب ١٥٩ ومعجم الشعراء ٢٤٦ وسرح العيون ٣٢١ وشرح شواهد المغني للسيوطي ٤٨١ والخزانة ١ / ٦٢ و ٢ / ٢١٧
(٢) ورد الشاهد في : الأعلم ١ / ٣٤٢ والكوفي ١٩٦ / ب.
(٣) ما بين القوسين ساقط في المطبوع.
(٤) أي : لا يرخم من الحكاية ما زاد على كلمتين ، سواء أكان جملة من النثر ، أو نصف بيت ـ أو أكثر ـ من الشعر.
(٥) ديوان عنترة ص ١٥ والبيت هو الثاني من معلقتة : (هل غادر الشعراء من متردم ..) وروي البيت لعنترة في : الأغاني ٩ / ٢٢٠ واللسان (وعم) ١٦ / ١٢٨
الجواء (١) موضع بعينه يقال له الجواء ، وهو الذي عناه عنترة. والجواء أيضا : جمع جوّ وهو البطن من الأرض الواسع ، تكلمي : أخبري عن أهلك والذين كانوا قاطنين بك ، ما فعلوا .. وعمي صباحا : انعمي واسلمي من الآفات في صباحك.
و (صباحا) منصوب على الظرف ، و (عمي) محذوف من (انعمي) على طريق التخفيف لكثرة استعماله ، وقيل : إنه من وعم يعم مثل وعد يعد ، فقوله : عمي مثل عدي ، إلا أنه لا يستعمل منه إلا هذا الفعل الذى هو دعاء وهو على لفظ الأمر.
وقد حكي عن بعض أصحابنا المتقدمين أنه قال : هو من قولهم : عمت السّماء تعمي ، ومعنى عمت : سال مطرها. والقول الأول أعجب إليّ. وقد رأيناهم حذفوا من بعض الأفعال التي يكثر استعمالها ما لا يوجب القياس حذفه ، لكثرة الاستعمال. نحو : لم أبل ، ولم يك ، ولم نرهم استعملوا وعم يعم ، ولا عمى (٢) يعمي في هذا الباب.
[الاسم المكرر خبر ابتداء محذوف ـ للمعنى]
__________________
(١) الجواء : جبل بنجد يلي رحرحان من غربيه ، بينه وبين الرّبذة ثمانية فراسخ. الجبال والأمكنة ٦٠ والبكري ٢٥٥ و ٣٩٦
(٢) جاء في اللسان (وعم) ١٦ / ١٢٨ قول الأزهري : لو كان من عمى يعمي لكان حقه أن يقول : واعمي صباحا .. وعنده أنها من أنعم حذفوا بعض حروفه لكثرته في كلامهم. وهذا كقولهم (لاهمّ) وتمامه اللهم. وفي القاموس (الوعم) ٤ / ١٨٧ قوله : وعم الدار قال لها انعمي ومنه عم صباحا ومساء. قلت : ويغلب على الظن أن الفعل وعم أتى بعد وصولهم إلى اللفظ المختصر : عم وعمي غير ملتفتين إلى الأصل الذي كان عليه ، وله نظائر.
٢٧٩ ـ قال سيبويه (١ / ٣٢٩) في باب الاختصاص ، وقال : ـ يعني الخليل ـ في قول الشاعر :
(يا هند هند بين خلب وكبد) (١)
أنه أراد : أنت هند بين خلب وكبد : «يجعلها نكرة ، وقد يجوز أن تقول بعد ـ مقبلا على من تحدثه ـ : هند هذه بين خلب وكبد».
وجعلها نكرة أحب إليّ ، لأنها إذا كانت نكرة فهي مخاطبة ، كأنه قال : أنت هند من الهنود بين خلب وكبد. وقوله : يا هند ؛ هو نداء لها وخطاب ، وبعد هذا البيت خطاب لها أيضا. وهو إذا جعلها معرفة أخرجها عن أن تكون مخاطبة وحدّث غيرها عنها. وبعد هذا البيت ما يشهد لهذا وهو قوله :
أسقاك غيث (٢) هزم الرعد برد |
|
من الثريا نبته غير جحد |
فكل وهد ومتان يطّرد (٣) |
والخلب : حجاب القلب ، أراد أن ذكرها علق بقلبه فكأنها حاصلة بين كبده وقلبه. والهزم : السحاب الذي لرعده صوت شديد. وأراد : أسقاك سحاب
__________________
(١) ورد الشاهد في : تفسير عيون سيبويه ٣٦ / أوالأعلم ١ / ٣٢٩ والكوفي ١٩٧ / أ.
على جعل (هند) الثانية خبر ابتداء محذوف وهي نكرة موصوفة بما بعدها ، لما في ذلك من توفير حيوية الأداء بالخطاب المباشر.
(٢) في الأصل والمطبوع (عين) وهو تصحيف.
(٣) لم يعرف قائل هذا الشعر ، وقد وردت الأبيات الأربعة في شرح الكوفي ١٩٧ / أوجاء في مجمع الأمثال ١ / ٧٧ (٣٩٠) قولهم : أنت بين كبدي وخلبي ، يضرب للعزيز الذي يشفق عليه. وورد الأول في اللسان (خلب) ١ / ٣٥٢ ومعه الثاني في (برد) ٤ / ٥١ وفيه : أسقاك عني هازم ..
هزم الرعد ، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه. والبرد : الذي فيه برد.
وقوله : من الثريا ، يريد : من المطر الذي يأتي عند سقوط الثريا ، وهو نوء الثريا. والجحد : القصير الذي لا يطول. أراد أن النبت الذي يكون عن هذا المطر غير جحد أي غير قصير. والوهد : منخفض من الأرض وجمعه وهاد ، والمتان : جمع متن وهو ماعلا من الأرض. يعني أن المطر كثر حتى ملأ الوهاد ، والمتان يطّرد الماء عليه. يريد أن الماء غطى الأرض وهادها ومتانها.
[في تكرار (لا)]
٢٨٠ ـ قال سيبويه (١ / ٣٥٨) : «واعلم أنه قبيح أن تقول : مررت برجل لا فارس ، حتى تقول : لا فارس ولا شجاع .. وذلك أنه جواب لمن قال ـ أو لمن تجعله ممن قال ـ أبرجل شجاع مررت أم بفارس؟».
ذكر سيبويه أن النعت والحال والخبر ـ في هذا الباب ـ لا يأتي إلا على التكرير (١) لأنه عندهم جواب كلام فيه تكرير ، وإن تكلموا به ولم يتقدمه كلام يكون هذا الكلام جوابا له ، فهو على تقدير جواب متكلم تكلم به وإن لم يكن ثمّ متكلم. وهو معنى قول سيبويه : وذلك أنه جواب لمن قال وهو المتكلم ـ أو لمن تجعله ممن قال ـ أي تقدره ، كأنه يتكلم بكلام فيه تكرير ، فجعلت هذا جوابه.
ثم قال سيبويه (١ / ٣٥٨) : «وقد يجوز على ضعفه». يريد أنه يجوز أن يأتي بغير تكرير /.
قال الرقاشي (٢) :
__________________
(١) في المطبوع : التنكير.
(٢) اسمه الضحاك بن هنّام الرّقاشي من شعراء القرن الأول. ترجمته في الخزانة ٢ / ٨٩ وورد اسمه مع الشعر في : شرح ما يقع فيه التصحيف للعسكري ص ٤٠٥ وزهر الآداب للحصري ٢ / ٦٥٢