أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي
المحقق: الدكتور محمّد علي سلطاني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٠
اهجعي : نامي ، وقوله : ألم يكن يبيضّ : يعني رأسه ، يريد أنه لو لم يصلع لبقي شعره أبيض. وهذا البيت معلق بأول القصيدة ، لأنه قال :
قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي |
|
عليّ ذنبا كلّه لم أصنع |
من أن رأت رأسي كرأس الأصلع (١) |
ومضى في شعره حتى انتهى إلى ذكر هذا البيت. وأراد أن أم الخيار غضبت عليه لأجل صلعه فقال لها : لو لم أصلع لشاب رأسي. والشيب عند النساء قريب من الصلع في الكراهية.
[في كسر تاء (تفعال) ـ ورفع اسم (لا) لتكرارها]
٢٢٨ ـ قال سيبويه (١ / ٣٥٤) : «فمما لم يتغير عن حاله قبل أن يدخل عليه (لا) قول الله تعالى : (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢) وقال الراعي» :
(أمّلت خيرك هل تأتي مواعده |
|
فاليوم قصّر عن تلقائك الأمل) |
(وما صرمتك حتى قلت معلنة |
|
لا ناقة لي في هذا ولا جمل) (٣) |
__________________
بإبدال الياء ألفا ، ولا شاهد فيه على رواية ابن السيرافي وقد ورد الشاهد في : النحاس ٧٥ / أوالأعلم ١ / ٣١٨ وحصر السيرافي الوجوه الجائزة في أربعة هي :
ـ الفتح مع حذف الياء (يابنة عمّ) وموضعها الخفض.
ـ الكسر مع حذف الياء (يابنة عمّ).
ـ إثبات الياء (يابنة عمي).
ـ قلب الياء ألفا (يابنة عما). انظر هامش الكتاب ١ / ٣١٨
(١) تقدم الشاهد ـ وهو رفع (كله) ـ والحديث عن الأبيات في الفقرة (٤).
(٢) سورة يونس ١٠ / ٦٢
(٣) ديوان الراعي ص ١١٢ حيث ورد البيتان في مقطوعة من أربعة أبيات. وروي البيتان للشاعر في : اللسان (لقا) ٢٠ / ١٢١ والأول في : المخصص ١٤ / ١٩٠
ويروى : أقصر. يخاطب امرأة ، يقول : أمّلت أن أصل إلى ما كنت تعدينني به ، فلما كثر إخلافك لي أقصر أملي ، / أي كف عن أن يتعلق بشيء من جهتك ، وتلقائك (١) بمعنى لقائك. وقد أنشد سيبويه هذا البيت في المصادر (٢ / ٢٤٥).
وقوله : وما صرمتك حتى قلت معلنة ، يريد أنها أعلنت وأظهرت ما في نفسها له من الزهد فيه ، وقوله : لا ناقة (٢) لي في هذا ولا جمل : يريد أنها قالت : لا أتعلق من هذا الأمر الذي تلتمسه مني بشيء. ويقول الذي يتبرأ من الشيء : لا ناقة لي في هذا ولا جمل ، أي لا ألتبس منه بشيء قليل ولا كثير ، وهو مثل (٣).
[وقوع (أيّما) مبتدأ]
٢٢٩ ـ قال سيبويه (١ / ٣٠٢) : «وسألته ـ يعني الخليل (٤) ـ عن قول الراعي :
(فأومأت إيماء خفيّا لحبتر |
|
ولله عينا حبتر أيّما فتى) |
__________________
(١) هو الشاهد. وقد ورد في : سيبويه ٢ / ٢٤٥ والنحاس ١٠٥ / أوالأعلم ٢ / ٢٤٥ والكوفي ١٨١ / أوأشار الأعلم إلى أن المطرد فتح تاء (التّفعال) إلا التّلقاء والتّبيان ، وزاد المخصص ١٤ / ١٩٠ عددها إلى ستة عشر لفظا لا يكاد يوجد غيرها. منها التبيان والتلقاء ..
(٢) الشاهد فيه رفع ما بعد (لا) بالابتداء والخبر ، لتكرارها. ولو نصب على إعمالها لجاز.
وقد ورد الشاهد في : الأعلم ١ / ٣٥٤ وشرح ملحة الإعراب ٤٥ والكوفي ١٨١ / أوأوضح المسالك ش ١٦٠ ج ١ / ٢٨٢ والأشموني ١ / ١٥٢
(٣) ذكره الميداني في : مجمع الأمثال ٢ / ٢٢٠ ، وأورد لظهوره خبرين ، فإما أن يكون المثل للحارث بن عباد البكري أو للصّدوف بنت الحليس العذرية.
(٤) عبارة تفسيرية من ابن السيرافي.
فقلت له : ألصق بأيبس ساقها |
|
فإن تجبر العرقوب لا يرقأ النّسا (١) |
فقال : (أيما) تكون صفة للنكرة ، وحالا للمعرفة ، وتكون استفهاما مبنيا عليها ومبنية على غيرها».
الشاهد (٢) في البيت أنه جعل (أيّما) مبتدأ وخبرها محذوف ، وتقديرها : أيّما فتى هو. وكان الراعي قد نزل به رجل من بني أبي بكر بن كلاب ، وكانت إبل الراعي عازبة عنه ، فأومأ إلى حبتر أن ينحر ناقة الكلابيّ حتى يقريه منها ، ويوسع على من يلتمس منه لحما ، ففعل حبتر ما أمره به ، فلما أصبح الراعي ووافت إبله ؛ أعطى الكلابي ناقتين كل واحدة منهما خير من ناقته.
وقوله : (ولله عينا حبتر) تعجب من فهم حبتر ما أراده وأومأ إليه ، وإنما مدح عينيه لأنه رأى بهما إشارة الراعي وفهمها عنه ، والأيبس : عظم الساق.
وقوله : فإن تجبر العرقوب ، يقول : لو جبر العرقوب ولم تقطعه الضربة لم يرقأ النسا ، ولم يكن قطع الدم منه. ويريد ألصق حد السيف بعظم الساق ، أي اضربه. وقوله : فإن تجبر العرقوب ـ وهو لم يأمر بقطع العرقوب ، إنما أمره بقطع الساق ـ معناه أن الأمر بقطع العرقوب ، والعرقوب أسفل وظيف البعير ، وهو بمنزلة الأمر بقطع الساق ، وكل واحد منهما مثل الآخر في هذا المعنى.
__________________
(١) ديوان الراعي ص ١٧٧ من قصيدة قالها في مناسبة مماثلة لما ورد في النص : وروي الأول للشاعر في : اللسان (ثوب) ١ / ٢٣٩ و (حبقر) ٥ / ٢٣٣ و (أيا) ١٨ / ٦٢ والثاني في (يوس) ٨ / ١٤٩ و (لصق) ١٢ / ٢٠٥
(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٧١ / أـ ب والأعلم ١ / ٣٠٢ والكوفي ١٨١ / ب وابن عقيل ش ٩ ج ٢ / ٢٤ والعيني ٣ / ٤٢٣ والأشموني ٧٨ والخزانة ٤ / ٩٨
[زيادة الهاء فيما حذفت تاؤه بالترخيم]
٢٣٠ ـ قال سيبويه (١ / ٣٣١) : «وأعلم أن الشعراء إذا اضطرّوا حذفوا هذه الهاء في الوقف ، وذلك لأنهم يجعلون المدة التي تلحق القوافي بدلا منها».
حكى سيبويه (١ / ٣٣٠) قبل قوله : «وأعلم أن الشعراء إذا اضطروا حذفوا هذه الهاء» : أن قوما من العرب إذا رخموا ما فيه تاء التأنيث وحذفوها ثم وقفوا ؛ أتوا بهاء السكت ، فبينوا بها حركة الحرف الذي قبل هاء التأنيث ، فقالوا في ترخيم طلحة وسلمة إذا وقفوا : يا طلحه يا سلمه ، وهذا مذهب لهؤلاء القوم. فربما احتاج شاعر من أهل هذه اللغة إلى حذف الهاء في القافية ، فيجعل حرف المد الذي يقع في آخر البيت عوضا من ذكر هاء السكت ، لأنه يبين حركة الحرف الذي قبل الهاء كما بيّنت الهاء. قال القطامي :
(قفي قبل التفرّق يا ضباعا |
|
ولايك موقف منك الوداعا) (١) |
ضباعة (٢) بنت زفر بن الحارث الكلابي. أراد : قفي حتى أودعك وأسلم عليك قبل أن نتفرق ، وقوله : ولايك موقف منك الوداعا : هو دعاء بأن لا يكون الوداع له منها في موقف من المواقف ، كأنه قال : قفي ودّعينا إن عزمت على فرقتنا ، ولا كان منك الوداع لنا في موقف.
__________________
(١) ديوان القطامي ق ٢ / ١ ص ٣١ والبيت مطلع قصيدة قالها يمدح زفر بن الحارث الكلابي. وروي البيت للشاعر في : اللسان (ضبع) ١٠ / ٨٦ و (ودع) ١٠ / ٢٦٥ والقاموس (الضبع) ٣ / ٥٤
(٢) جاء في القاموس (الضبع) ٣ / ٥٤ أن ضباعة بنت زفر بن الحارث هي التي أشارت على أبيها بتخلية القطامي والمنّ عليه وكان أسيرا له ، فخلاه وأعطاه مائة ناقة. فقال القطامي هذه القصيدة يمدحه ويذكر ضباعة.
وقد اضطر في البيت إلى جعل النكرة اسم كان ، والمعرفة خبرها (١).
ـ وقال سيبويه (١ / ٣١٥) قال النابغة :
(كليني لهمّ يا أميمة ناصب |
|
وليل أقاسيه بطيء الكواكب) (٢) |
الشاهد (٣) في البيت على إدخال (تاء) بعد حذف التاء التي كانت في (أميمة) للترخيم. ويقولون : هي مقحمة أي مدخلة. يريد أنهم لما رخموا حذفوا الهاء فصار (يا أميم) فبقيت الميم مفتوحة ، ثم أدخلوا التاء عليها وهم ينوون الترخيم ، ولم تكن للتاء حركة تخصها فجعلوا حركتها مثل حركة الحرف الذي قبلها ، أتبعوا الحركة الحركة فصار (يا أميمة ناصب).
ومعنى كليني : وكلّيني بالهم والحزن ، وإنما همي من أجل محبتك ، فلو بذلت بعض ما طلبته منك لتجلّى همي. فكأنها لما منعته ما يلتمسه ، قد وكّلته بالهم (٤)
__________________
(١) ورد الشاهد ـ وفيه موضعان للاستشهاد : ألف الإطلاق عوضا عن الهاء ، ومجيء اسم كان نكرة وخبرها معرفة في ضرورة الشعر ـ في : النحاس ٧٧ / أوالإيضاح العضدي ٩٩ والأعلم ١ / ٣٣١ وشرح الأبيات المشكلة ١٣ و ٢٣٩ وشرح ملحة الإعراب ٦٩ والكوفي ٦٧ / أو ١٨١ / ب والمغني ش ٧٠٣ ج ٢ / ٤٥٣ والعيني ٤ / ٢٩٥ وشرح السيوطي ش ٦٨٨ ص ٨٤٩ والأشموني ٢ / ٤٦٨ والخزانة ١ / ٣٩١
(٢) ديوان النابغة ق ٤ / ١ ص ٥٤ ، مطلع قصيدة قالها يمدح عمرو بن الحارث الأصغر.
وروي البيت للنابغة في : اللسان (نصب) ٢ / ٢٥٥ وبلا نسبة في (ولول) ١٤ / ٢٦٣ و (وجه) ١٧ / ٤٥٧
(٣) ورد الشاهد في : سيبويه أيضا ١ / ٣٤٦ و ٢ / ٩٠ والنحاس ٧٤ / ب والأعلم ١ / ٣١٥ و ٣٤٦ وشرح الأبيات المشكلة ٤٩ والكوفي ١٨٢ / أوالأشموني ٢ / ٤٦٩ و ٣ / ٧٤٥ والخزانة ١ / ٣٧٠ و ٢ / ٣١٦
(٤) التوى لديه المعنى إذ جعل همّ الشاعر بسبب أميمة ، ولو أعاد هذا الهم إلى وعيد النعمان ـ كما هو معروف ـ لاستقام له.
والناصب : الذي قد نصب له بالمكروه ، وقالوا : نصب لي الهمّ : إذا أتاني. وقوله : بطيء الكواكب أي بطيء سير الكواكب. يقول : كأنه من طوله لا تغيب كواكبه.
[النصب على الشتم بإضمار فعل]
٢٣١ ـ قال سيبويه (١ / ٢٥٢) في باب ما جرى من الشتم مجرى التعظيم : «أتاني زيد العاشق الخبيث». ثم مضى في كلامه : وقال النابغة الذبياني :
لعمري وما عمري عليّ بهيّن |
|
لقد نطقت بطلا عليّ الأقارع |
(أقارع عوف لا أحاول غيرها |
|
وجوه قرود تبتغي من تجادع) (١) |
الشاهد (٢) على أنه نصب (وجوه قرود) على الشتم بإضمار فعل ، كأنه قال : أشتم وجوه قرود أو أذكر أو ما أشبه ذلك.
وأراد بالأقارع بني قريع بن عوف بن كعب بن زيد مناة بن تميم الذين كانوا سعوا به إلى النعمان ، وقوله : وما عمري علي بهين يقول : ما قسمي بعمري هين عليّ فيتّهم متهم بأني أحلف به كاذبا. والبطل : الباطل ، ولا أحاول : لا أريد غيرها ، والمجادعة : المشاتمة / والمسافهة. يقول : هم سفهاء يطلبون من يشاتمهم.
[عطف البيان]
٢٣٢ ـ قال سيبويه (١ / ٢٦٠) في باب ما يرتفع فيه الخبر لأنه مبني على
__________________
(١) ديوان النابغة ق ٣ / ٢٠ ـ ٢١ ص ٤٩ من قصيدة قالها يعتذر إلى النعمان بن المنذر وجاء في عجز الثاني (وجوه كلاب) بالرفع. ولا شاهد فيه على هذا. وروي البيت الثاني للنابغة في : اللسان (جدع) ٩ / ٣٩١
(٢) ورد الشاهد في : الكامل للمبرد ٣ / ٤٠ والنحاس ٦١ / ب والأعلم ١ / ٢٥٢ وشرح الأبيات المشكلة ص ١٩٧ والكوفي ١٠٥ / أوشرح السيوطي ش ٦٢٢ ص ٨١٦ والخزانة ١ / ٤٢٦
مبتدأ : «فأما الرفع فقولك : هذا الرجل منطلق ، و (الرجل) صفة ل (هذا) وهما اسم واحد كأنك قلت : هذا منطلق. قال النابغة :
(توهمت آيات لها فعرفتها |
|
لستّة أعوام وذا العام سابع) (١) |
الضمير في (لها) يعود إلى ديار ومنازل ومواضع كان ارتبع فيها النابغة ، ومواضع صاف فيها. والآيات : العلامات التي عرف بها أنها الديار التي كان حلّها. وتوهمت : عرفتها بالتوهم ، يريد أنه توهم في أول ما رآها أنها الديار التي كان حلها ، ثم استدل عليها بأنها هي بأشياء عرفها فيها.
وقوله : لستة أعوام يعني أنه عرفها وقد مضى له من وقت فراقها ست سنين ، والعام الذي هو فيه سابع.
والشاهد (٢) أنه جعل (ذا) مبتدأ و (العام) وصف له و (سابع) خبره.
[الرفع على الخبرية مع جواز نصبه على الحال]
٢٣٣ ـ قال سيبويه (١ / ٢٦١) في باب ما ينتصب لأنه خبر لمعروف يرتفع على الابتداء. وقال : «وإن شئت ألغيت (فيها) فقلت : فيها عبد الله قائم. قال النابغة» :
وعيد أبي قابوس في غير كنهه |
|
أتاني ودوني راكس فالضّواجع |
(فبتّ كأني ساورتني ضئيلة |
|
من الرّقش في أنيابها السمّ ناقع) (٣) |
__________________
(١) ديوان النابغة ق ٣ / ٣ ص ٤٣ من اعتذاريته السابقة. وروي البيت للنابغة في اللسان (عشر) ٦ / ٢٤٥
(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٦٤ / أوالأعلم ١ / ٢٦٠ والكوفي ٤٩ / ب و ١٨٢ / أ.
(٣) ديوان النابغة ق ٣ / ١٠ ـ ١١ ص ٤٥ من اعتذاريته المشار إليها قبل. وورد البيت
قوله : في غير كنهه : في غير موضع استحقاق لوعيده ، وقيل : في غير كنهه : أي في غير قدره. يريد أنه وعيد على شيء لم أكن فعلته فأستحق هذا القدر من العقاب وقد يجوز أن يريد بقوله : في غير كنهه : أي في غير حقيقته ، يعني أنه لم يقع الوعيد منه على أمر قد وقع ، ولم يكن الذي بلغه حقا ، فوقع وعيده في غير موضع وعيد مستحق.
وراكس (١) والضواجع : مواضع ، فبت لما بلغني الوعيد كأنني قد دبّت عليّ حيّة فنهشتني فامتنع مني النوم ، وبتّ بقلق وألم من شدة الخوف الذي نزل بي. والمساورة : المواثبة ، والضئيلة : الحية الدقيقة ، والحية إذا أسنّت ضوءلت وخبثت. والرقش : جمع رقشاء وهي المنقّطة ، فيها سواد وبياض ، والناقع : الثابت في أنيابها.
[اسم (إن) نكرة وخبرها معرفة]
٢٣٤ ـ قال سيبويه (١ / ٢٨٤) في باب ما يحسن عليه السكوت من هذه الأحرف (٢) الخمسة : «وتقول : إنّ بعيدا منك زيد ، والوجه إذا أردت هذا أن تقول : إنّ زيدا قريب منك أو بعيد ، لأنه اجتمع معرفة ونكرة. وقال امروء القيس».
__________________
الأول للنابغة في : اللسان (رمس) ٧ / ٤٠٥ والثاني في (طور) ٦ / ١٧٩ و (نذر) ٧ / ٥٥ و (نقع) ١٠ / ٢٣٨
ـ الشاهد في البيت أنه رفع (ناقع) خبرا عن السم ولو نصب على الحال ـ واعتمد في الخبر على الجار والمجرور ـ لجاز.
وقد ورد الشاهد في : الكامل للمبرد ٣ / ١٣٠ والنحاس ٦٤ / ب والأعلم ١ / ٢٦٠ والكوفي ١٨٢ / أو ٢٠٢ / أوالمغني ش ٨٢٢ ج ٢ / ٥٧١ والعيني ٤ / ٧٣ وشرح السيوطي ش ٧٨١ ص ٩٠٢ والأشموني ٢ / ٣٩٤
(١) انظر الجبال والأمكنة للزمخشري ١٤٨ والبكري ٤٠٨
(٢) يريد : إنّ وأخواتها.
(وإن شفاء عبرة مهراقة |
|
فهل عند رسم دارس من معوّل) (١) |
قال سيبويه (١ / ٢٨٤) : «فهذا أحسن لأنهما نكرة».
ذكر في الفصل الذي قبل البيت أن النكرة اسم إنّ والمعرفة الخبر ، وذلك قولك : إنّ بعيدا منك زيد ، واستضعفه لأن الأصل في هذا الباب وفيما أشبهه أن تجعل المعرفة اسم إنّ والخبر النكرة ، وأنشد بيت امرىء القيس ، وذكر (شفاء) فيه غير مضاف إلى المتكلم وهو نكرة ، وأخبر عنه بنكرة (٢) وهو قوله : عبرة مهراقة. وقال : هذا أحسن. يريد أن الذي في البيت أحسن من المسألة المذكورة قبل البيت ، لأن الاسمين اللذين بعد (إنّ) في البيت نكرتان ، والنكرتان متشابهتان في جعل أحدهما الاسم والآخر الخبر ، وكذلك المعرفتان متساويتان في جعل أحدهما الاسم والآخر الخبر.
والمسألة المتقدمة جعل فيها (بعيدا منك) الاسم وهو نكرة ، وجعل (زيدا) الخبر وهو معرفة وهذا مستقبح.
العبرة : الدمعة ، والمهراقة : المصبوبة. يريد أن شفاءه أن يبكي على الذين خلت منهم منازلهم ، ومعوّل : محمل. تقول : عوّل على فلان ، احمل عليه واعتمد على ما يفعله. وقوله : فهل عند رسم دارس ، من بعد أن قدّم قبل هذا البيت : (فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها) معناه عند بعض الرواة ،
__________________
(١) ديوان امرىء القيس ق ١ / ٦ ص ٩ وفيه : (وإنّ شفائي عبرة إن سفحتها) بدل (شفاء) وهو أجود ، ولا شاهد فيه.
وروي البيت للشاعر في : اللسان (عول) ١٣ / ٥١٣ وبلا نسبة في (هلل) ١٤ / ٢٣٤
(٢) ورد الشاهد في : الأعلم ١ / ٢٨٤ وسر الصناعة ١ / ٢٥٨ والكوفي ١٤١ / أوالمغني ش ٥٨٠ ج ٢ / ٣٥١ وشرح السيوطي ش ٥٦٠ ص ٧٧٢ وش ٧٢٣ ص ٨٧٢ والأشموني ٢ / ٤٣٤ والخزانة ٤ / ٦١
أنه أراد بدارس : ذهب بعضه وبقي بعضه. وقال بعضهم : أكذب نفسه في قوله : لم يعف رسمها.
[الجر بإضمار (ربّ)]
٢٣٥ ـ قال سيبويه (١ / ٢٩٤) في باب (كم) : «وليس كل جارّ يضمر ، لأن المجرور داخل في الجار فصارا عندهم بمنزلة حرف واحد ، فمن ثم قبح ، ولكنهم قد يضمرونه ويحذفونه فيما كثر من كلامهم ، لأنهم إلى تخفيف ما أكثروا استعماله أحوج»
وقال امرؤ القيس :
(ومثلك بكرا قد طرقت وثيّبا |
|
فألهيتها عن ذي تمائم مغيل) (١) |
الشاهد (٢) أنه جر (مثلك) بإضمار رب.
وطرقتها : أتيتها ليلا ، و (بكرا) منصوب على الحال من (مثلك) و (ثيّبا) معطوف عليه. ويقال ؛ لهي الرجل عن الشيء : إذا انصرف قلبه عنه ، وألهيته أنا ، والتمائم : العوذ ، الواحدة تميمة ، وتقديره : ألهيتها عن
__________________
(١) ديوان امرىء القيس ق ١ / ١٥ ص ١٢ وفيه (فمثلك) بالنصب على قوله (طرقت) وروي البيت للشاعر في : المخصص ١٦ / ١٣٠ واللسان (رضع) ٩ / ٤٨٥ و (غيل) ١٤ / ٢٤ وصدره بلا نسبة في : القاموس (الألف اللينة) ٤ / ٤٠٩
(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٦٩ / أوالأعلم ١ / ٢٩٤ وشرح ملحة الإعراب ص ٥ و ٢٣ والكوفي ١٨٢ / ب والمغني ش ٢١٣ ج ١ / ١٣٦ وش ٢٦٨ ج ١ / ١٦١ وأوضح المسالك ش ٣١٣ ج ٢ / ١٦٢ وابن عقيل ش ٢١٨ ج ١ / ٥٠٤ وشرح السيوطي ش ٢٠١ ص ٤٠٢ وش ٢٥٤ ص ٤٦٣ والأشموني ٢ / ٢٩٩ وذكر الأعلم أنه يروى (.. ومرضعا) وورد كذلك في : المخصص واللسان.
صبيّ ذي تمائم. والمغيل : الذي تؤتى أمه وهي ترضعه. يقال فيه : مغيل ومغال ، والأم مغيل / ومغيل.
وإنما وصف الصبيّ بأنه مغيل لأنه هو فيما زعم قد أتى أمه ، والمعنى أنه يصف نفسه ، بأنه محبب إلى النساء ، وأن المرأة التي لها صبي صغير ؛ يشغلها الاستمتاع به عنه.
[الترخيم في غير النداء ـ ضرورة]
٢٣٦ ـ قال سيبويه (١ / ٣٣٦) : «واعلم أن كل شيء جاز في الاسم الذي آخره هاء بعد أن حذفت الهاء منه في شعر أو كلام ، يجوز فيما لا هاء فيه بعد أن يحذف منه. فمن ذلك قول امرىء القيس :
(لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره |
|
طريف بن مال ليلة الجوع والخصر) (١) |
الشاهد (٢) فيه على ترخيم (مالك) في غير النداء (٣). ويروي : (طريف بن ملّ) وعلى هذه الرواية لا شاهد فيه.
__________________
(١) ديوان امرىء القيس ق ٢٥ / ١ ص ١٤٢ وهما بيتان فحسب ، قدم لهما شارح الديوان بقوله : «وقال أيضا في طريف بن مالك» وورد البيت في جمهرة الأنساب ١٥٧ وفيه (نعشو ..) بالنون ، وهو أجود.
(٢) ورد الشاهد في : الأعلم ١ / ٣٣٦ وشرح ملحة الإعراب ٥٢ و ٦٨ والكوفي ١٨٣ / أوابن عقيل ٢ / ٢٣٨ والعيني ٤ / ٢٨٠ والأشموني ٢ / ٤٧٧
وقال الأعلم : الشاهد فيه ترخيم (مالك) في غير النداء ، ضرورة ، وجعله بمنزلة اسم لم يحذف منه شيء ، فلذلك جره بالإضافة ، وهذا حكم ما رخم في غير النداء ضرورة عند أكثر النحويين ، ومذهب سيبويه إجراؤه على الوجهين.
(*) عقب الغندجاني على عبارة (الشاهد) لابن السيرافي بقوله :
«قال س : هذا موضع المثل :
ذروا الغزو إلا أن تبيعوا وتمعسوا
وقوله تعشو : تنظر نظرا ضعيفا ، يريد أنه ينظر إلى ناره من بعد ، والخصر : البرد. يقول : نعم الفتى هو لمن نزل به في الشتاء عند عدم اللبن وقلة الزاد وشدة البرد. يعني أنه يطعم ويشبع ويدفىء الأضياف. مدح امرؤ القيس بذلك طريفا ، وهو من طيىء وكان نزل به امرؤ القيس فأكرمه وأحسن إليه.
[الصفة المشبهة مذكر وفاعلها مؤنث مجازي]
٢٣٧ ـ قال سيبويه (١ / ٢٣٩) قال مضرّس بن ربعيّ الأسدي :
وما وجدت وجدي بها أمّ واحد |
|
رجا الغنم في أسلاف خيل تطارده |
(فلاقى ابن أنثى يبتغي مثل ما ابتغى |
|
من القوم ، مسقيّ السّمام حدائده) |
__________________
لم يكن ابن السيرافي من رجال الأنساب ، فغلط في قول طريف بن مالك غلطا لا يلتقي طرفاه. كيف يكون (مال) ترخيم (مالك) كما زعم ، وإنما اسم الرجل (ملّ) وهو : طريف بن ملّ بن عميرة بن تيم بن عوف بن مالك بن ثعلبة من طيىء».
(فرحة الأديب ٢٣ / ب)
أقول : إن هذه الحيرة البادية حول ممدوح امرىء القيس بدت أكثر وضوحا في «جمهرة الأنساب» فقد أورد نسب طريف بن مالك بن جدعان الطائي في موضعين ، وكان يشير في كل مرة إلى أنه ممدوح امرىء القيس ، وذكر البيت (لنعم الفتى ..) وعقّب بالإشارة نفسها عند إيراده نسب طريف بن مل بن عميرة بن تميم بن عوف بن مالك بن ثعلبة بن ملقط الطائي. انظر جمهرة الأنساب ص ١٣٨ و ١٥٧ ثم ص ٤٠٠ وحاشيتها.
هذا مع أن ابن السيرافي ، ذكر الرواية الأخرى للبيت وفيه (طريف بن ملّ) ، كما أنه لم يفصّل في نسب طريف عندما عرض له في الشرح ، مما يشير إلى اطّلاعه على حيرة الرواة بين الطريفين الطائيين.
فآب به أصحابه يحملونه |
|
على نحره دامي النّجيع وجاسده (١) |
يقول : ما وجدت وجدا مثل وجدي بهذه المرأة ؛ امرأة لها ابن واحد ، خرج للغزو رجاء أن يغنم غنيمة ، فلاقى جيشا فيه ابن امرأة مثل أمه ، خرج يبتغي الغنم كما خرج هو ، فتلاقيا فقتله الذي لقيه ، فرده أصحابه إلى أمه ، وعلى نحره دم جاسد وهو الجامد ، والنجيع : الدم الطري ، والدامي : السائل.
يريد أن بعض الدم يسيل ، وبعضه ثخين جامد ، والسّمام : جمع سمّ ، والحدائد : جمع حديدة ، وأراد بالحدائد السلاح.
والشاهد (٢) في البيت الثاني ، أنه ذكّر (مسقيّا) والفعل للحدائد ولم يقل مسقيّة.
وأسلاف الخيل : متقدماتها جمع سلف. والمعنى أنه عظم وجده بفراق هذه المرأة ، وجعله كفقد هذه المرأة ابنها ـ وهي ليس لها ولد غيره ـ ومفارقتها له حين قتل.
[إيثار النصب بإضمار فعل ـ إغناء للمعنى]
٢٣٨ ـ قال سيبويه (١ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩) : «ومما ينتصب على أنه عظّم الأمر قول عمرو بن شأس» :
ولم أر ليلى بعد يوم تعرّضت |
|
له بين أبواب الطّراف من الأدم |
__________________
(١) أورد سيبويه البيت الثاني ونسبه إلى : رجل من بني أسد ، واسمه عند الأعلم : أشعث بن معروف الأسدي. وهو مضرس بن ربعي في شرح الكوفي ١٨٣ / أوقد أورد له هذه الأبيات. وروي البيت الثاني بلا نسبة في : المخصص ١٦ / ٨٢
(٢) ورد الشاهد في : الأعلم ١ / ٢٣٩ والكوفي ١٨٣ / أ.
كلابيّة وبرية حبتريّة |
|
نأتك وخانت بالمواعيد والذّمم |
(أناسا عدى علّقت فيهم وليتني |
|
طلبت الهوى في رأس ذي زلق أشمّ) (١) |
وجدت هذا الشعر في الكتاب منسوبا إلى عمرو بن شأس ولم أجده في شعره ، ولعمرو بن شأس فيها :
أرادت عرارا بالهوان ومن يرد |
|
عرارا لعمري بالهوان فقد ظلم (٢) |
والشعر لمضرّس بن ربعي الأسدي ، والطراف : البيت من الأدم. ويروى : (دون أبواب الطراف) وفي الكتاب : (حبترية) بباء وتاء معجمة بنقطتين ، وفي شعره (حنثرية) بنون وثاء منقوطة بثلاث نقط ، ونأتك بمعنى نأت عنك (٣).
__________________
(١) ذكر سيبويه الأبيات الثلاثة ونسبها إلى عمرو بن شأس الأسدي. وجاء في عجز الأول (لنا) بدل له وهو أجود ، لأن الشاعر يتحدث عن نفسه ، بدليل البيت الثالث وفيه (علقت وطلبت ..).
(٢) روي البيت لعمرو بن شأس في : الشعر والشعراء ١ / ٤٢٥ والكامل للمبرد ١ / ٢٧٣ ، وانظر في الكامل خبر عرار نفسه مع عبد الملك بن مروان.
(*) عقب الغندجاني بعد أن أورد هذا القدر من شرح ابن السيرافي للأبيات بقوله :
«قال س : هذا موضع المثل :
حقّرته حتى إذا ظهري عرق |
|
خلّيت عنه وهو ناج منطلق |
حام ابن السيرافي على الصواب ولم يرد ، وذاك أنه ذكر أن في الكتاب (حبترية) بباء وتاء معجمة بنقطتين ، ثم قال : وفي شعره (حنثرية) بنون وثاء منقوطة بثلاث نقط ، ثم سكت ولم يرجح الصواب على الخطأ ؛ حتى لا يدري المستفيد أيّا يأخذ وأيّا يدع. وهذه رقاعة تامة.
والصواب في بيت الكتاب (حنثرية) بالنون والثاء المعجمة ثلاثا من فوق ، وهو حنثر بن وهب بن وبر بن الأضبط بن كلاب. وفي تميم أيضا ـ وليس هذا
يقال : نأيتك ونأيت عنك ، ويروى : (خانت بالعهود وبالذمم).
وقوله : (علّقت الهوى) أي ليتني هويت شيئا سواها في رأس جبل عال يزلق عنه الذي يصعد إليه ، فإن الذي ألقى منها أشد من ارتقاء هذا الجبل. وأراد : في رأس جبل ذي زلق ، أي يزلق عنه. والأشم : العالي المرتفع.
والشاهد (١) فيه أنه نصب (أناسا) بإضمار فعل. وفي شعره : (كلابية وبرية حنثرية) بالرفع ، والرفع والنصب جائزان فيه ، وهذه الأبيات الثلاثة ليست متوالية في شعره. وأول القصيدة :
١ ـ ولم أر ليلى بعد يوم تعرضت |
|
له دون أبواب الطّراف من الأدم |
٢ ـ تعرّض حوراء المدامع ترتعي |
|
تلاعا وغلّانا سوائل من زمم |
__________________
موضعه ـ حنثر بن غوي بن سلامة بن غوي بن جروة بن أسيد. وفي أسد أيضا : حنثر بن كاهل بن أسد.
فأما (حبتر) بالباء والتاء المعجمة بثنتين من فوق فهو (حبتر) بن عدي ابن سلول من خزاعة.
ومثل قول مضرس في الترتيب ، قول سنجاع بن ركاض السلمي ، أنشدناه أبو الندى :
أبى القلب إلا حبّها عامرية |
|
نأت دارها عني ولست أنالها |
ضبابية حصنية أرطويّة |
|
كثيرا بأكناف الأراك احتلالها |
وما هي إلا أن توائم غارة |
|
ترى الخيل فيها مستقرا رعالها». |
(فرحة الأديب ٢٣ / أ)
قلت : وفي اختلافهما حول رواية الكتاب هذه وغيرها ما يؤكد حاجة هذا السفر إلى معاودة النظر لمطابقة الأصل. ورواية ابن السيرافي (حبترية) تتفق مع رواية نسخ الكتاب لدينا هذه الأيام (بولاق ١ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩ وباريس ٢٤٨ ـ ٢٤٩).
(١) ورد الشاهد في : الكامل للمبرد ١ / ٢٧٣ والنحاس ٦٧ / ب ـ ٦٨ / أوالأعلم ١ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩ والكوفي ١٨٣ / ب.
٣ ـ عشيّة تبليغ المودّة بيننا |
|
بأعيننا من غير عيّ ولا بكم |
٤ ـ عشيّة يجزي طرفنا من كلامنا |
|
ولم يغفل الراعي الشّفيق ولم ينم |
٥ ـ كلابية وبريّة حنثرية |
|
نأتك وخانت بالمواعيد والذّمم |
٦ ـ ومن شرّ من واثقت عهدا وذمّة |
|
ألات الخضاب اللامعات إلى اللّمم |
٧ ـ غدت في أناس مصعدين تيمّموا |
|
مصاب الخريف في بلاد بني جشم / |
٨ ـ إذا ابتسمت ماح النّدى فوق بارد |
|
من الظّلم برّاق العوارض ذي شبم |
٩ ـ أناس عدى علّقت فيهم وليتني |
|
طلبت الهوى في رأس ذي زلق أشمّ (١) |
[ترخيم (لميس) في غير النداء ـ ضرورة]
٢٣٩ ـ قال سيبويه (١ / ٣٣٦) في الترخيم قال أوس بن حجر :
(تنكّرت منا بعد معرفة لمي |
|
وبعد التّصابي والشباب المكرّم) (٢) |
الشاهد (٣) في ترخيم لميس.
تنكرت منا : أي أنكرتنا بعد ما كنت عارفة بنا ، وأراد أنه تغير في عينها غير ما كانت تعرفه ، فأنكرته. والتصابي : الميل إلى الصّبا واللهو. والمعنى واضح.
__________________
(١) أورد الكوفي هذه الأبيات في شرحه ١٨٣ / ب وقال في نسبتها : قال سيبويه هي لعمرو بن شأس وقال أبو سعيد هي لمضرس بن ربعي الأسدي. ولم يرجح. وهي عند الغندجاني لمضرس كما تقدم.
(٢) البيت لأوس في ديوانه ق ٤٨ / ١ ص ١١٧ وهو مطلع القصيدة.
(٣) ورد الشاهد في : الأعلم ١ / ٣٣٦ والكوفي ١٨٤ / ب.
[الوصف بمضاف إضافته لفظية]
٢٤٠ ـ قال سيبويه (١ / ٢١١) قال علقمة بن عبدة :
وقد أغتدي والطير في وكراتها |
|
وماء الندى يجري على كلّ مذنب |
(بمنجرد قيد الأوابد لاحه |
|
طراد الهوادي كلّ شأو مغرّب) (١) |
الشاهد (٢) فيه أنه جعل (قيد الأوابد) صفة ل (منجرد) و (قيد) مضاف إلى (الأوابد) ولم يتعرف بالإضافة لأنه في نية الانفصال.
والوكر : عش الطائر وموضعه الذي يأوي إليه ، والجمع أوكار ، وقد جاء الوكرات في معنى الأوكار وواحدها في التقدير وكرة ، وليس بمعروف. وأراد
__________________
(١) عند سيبويه البيت الثاني فقط حيث الشاهد ، ونسبه إلى امرىء القيس. وقد روي البيتان في كلا ديواني الشاعرين : فهما في ديوان علقمة ق ٢ / ٤ ـ ٥ ص ٢٣ وفي ديوان امرىء القيس ق ٣ / ٢٠ ـ ٢١ ص ٤٦
وجاء في مناسبة القصيدة أن علقمة بن عبدة التميمي أتى امرأ القيس وهو قاعد في الخيمة وخلفه زوجه أم جندب ، فتذاكرا الشعر ، وادّعى كل منهما تقدمه على صاحبه ، وتحاكما إلى أم جندب. فقال امرؤ القيس قصيدته : (خليليّ مرّابي على أم جندب) وقال علقمة : (ذهبت من الهجران في غير مذهب) حتى فرغ منها. ففضلته أم جندب على امرىء القيس .. إلى آخر الخبر. فإن صحت هذه الرواية ، فليس بغريب أن تختلط أبيات القصيدتين وهما تتعاوران المعاني ، وتتوسلان بالبحر والقافية مع العدام التدوين.
وروي أولهما لامرىء القيس في : اللسان (ذنب) ١ / ٣٧٧ وكذا الثاني في : (قيد) ٤ / ٣٧٥ وبلا نسبة في (غرب) ٢ / ١٣٠ وجاء في المطبوع (وكناتها) على خلاف الأصل ؛ بدليل ما جاء في الشرح بعد.
(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٥٥ / ب والأعلم ١ / ٢١١ وقال النحاس : كأنه أراد : قيد الأوابد فحذف التنوين.
بماء الندى الندى الذي يسقط بالليل على الزرع ، والمذنب والجمع مذانب : المواضع التي (١) يجري فيها الماء خلال الزرع. والذي عندي أنه أراد به الأبواب التي تقطع الزرع.
والمنجرد : الفرس القصير الشعرة ، والأوابد : الوحش. يريد أن هذا الفرس إذا جرى في طلب الوحش لحقها فمنعها فارسه من العدو لأنه يطعنها ، فكأن الفرس قيّدها حتى لحقها فارسه ، ولاحه : غيّره ، لاح هذا الفرس مطاردة هوادي الوحش وهي أوائلها. يريد أنه إذا طلب الوحش لحق أولها ، والشأو : الطلق وهو الوجه من الجري ، والمغرّب : ذكر أنه الذي يأتي المغرب ، وقيل هو البعيد.
[ترخيم (حمزة) في غير النداء ـ ضرورة]
٢٤١ ـ قال سيبويه (١ / ٣٣٣) في الترخيم : قال رؤبة :
(إما تريني اليوم أمّ حمز) |
|
قاربت بين عنقي وجمزي |
وبعد تقماص الشباب الأبز |
|
فكل بدء صالح ونقز |
لاق حمام الأجل المختزّ (٢) |
العنق والجمز : ضربان من العدو. والتقماص والقموص : الطفر والقفز
__________________
(١) في الأصل : الذي.
(٢) الأبيات في : مجموع أشعار العرب ق ٢٣ / ٣٩ ـ ٤٠ ـ ٤١ ـ ٤٣ ـ ٤٤ ج ٣ / ٦٤ من أرجوزة قالها رؤبة يمدح أبان بن الوليد البجلي. انظر حاشية الفقرة (٢٨) وروي الأول بلا نسبة في : المخصص ١٤ / ١٩٥
والأبز : الوتب وهو مصدر أبز يأبز ، والبدء : الرجل الشريف ، والنّقز : الساقط الرذل من الرجال ، والمختز : الذي يصيب ، وأصله من قولهم : اختزه بالسهم إذا رماه فأصابه به.
والشاهد (١) أنه رخم (حمزة) في غير النداء.
[في تعريف (ابن لبون)]
٢٤٢ ـ قال سيبويه (١ / ٢٦٥) : قال جرير :
(وابن اللّبون إذا مالزّفي قرن |
|
لم يستطع صولة البزل القناعيس) (٢) |
ابن اللبون (٣) من الإبل : الذي قد استوفى سنتين ودخل في الثالثة ، والبزل : جمع بازل ، وهو من الإبل الذي له تسع سنين ، والقناعيس : العظام ، الواحد قنعاس ، والقرن : الحبل ، ولزّ : شد فيه ، والصولة : الحملة عليه ومناله بما يكره.
__________________
(١) ورد الشاهد في : النحاس ٧٧ / ب والأعلم ١ / ٣٣٣ وأسرار العربية ٢٤٠ والإنصاف ١٩٤ والكوفي ١٨٤ / ب.
(٢) ديوان جرير ص ٣٢٣ من قصيدة قالها يهجو التيم. كذا قال السيوطي في شرح شواهد المغني ١٦٧ والمهجو عنده عمر بن لجأ التيمي. أما في الأغاني ٩ / ٣٠٨ فالقصيدة في هجاء عدي بن الرقاع العاملي.
وروي البيت للشاعر في : اللسان (لغز) ٧ / ٢٧٢ و (قعس) ٨ / ٦١ و (لبن) ١٧ / ٢٥٨
(٣) لأن أمه وضعت غيره ـ وهو في عامه الثاني ـ فصار لها لبن ، انظر اللسان (لبن) ١٧ / ٢٥٨
والشاهد فيه أن ابن لبون لا يكون معرفة إلا بالألف واللام ، لأنه اسم جنس نكرة ، ولم يجعل علما بمنزلة ابن آوى. وقد ورد الشاهد في : النحاس ٦٤ / ب والأعلم ١ / ٢٦٥ والكوفي ١٨٥ / أوالمغني ش ٧٣ ج ١ / ٥٢ وشرح السيوطي ش ٦٩ ص ١٦٧
يهجو بذلك عدي (١) بن الرقاع العامليّ يقول له : أنت في الشعراء بمنزلة ابن اللبون في الإبل ، ضعيف لا يغني شيئا ولا ينتفع به. وأنا بمنزلة الفحل البازل ، وابن اللبون لا يستطيع دفع الفحول.
[في الترخيم]
٢٤٣ ـ قال سيبويه (١ / ٣٣١) في باب الترخيم : قال زيادة (٢) بن زيد العذري :
(عوجي علينا واربعي يا فاطما) |
|
مادون أن يرى المطيّ قائما (٣) |
__________________
(١) عدي بن زيد ، يكنى أبا داود ، الشاعر الأموي المشهور ، من أهل دمشق مهاج لجرير (ت نحو ٩٥ ه) ترجمته في : الشعر والشعراء ٢ / ٦١٨ والأغاني ٩ / ٣٠٧ والمؤتلف (تر ٣٤١) ١١٦ وثمار القلوب ٢٩٩ و ٤٠٨ وجمهرة الأنساب ٣٠٠ ومعجم الشعراء ٢٥٣ وشرح شواهد المغني للسيوطي ٤٩٣
(٢) في الأصل : زيد بن زيادة ، وهو سهو ، بدليل وروده على الصحة بعد قليل ، وهو عند الأعلم : زائدة بن زيد. وصوابه : زيادة بن زيد بن مالك. شاعر إسلامي ، استعر الشعر بينه وبين ابن عمه هدبة بن الخشرم لتعريض كل منهما بأخت الآخر ، فقتله هدبة وكان ذلك في خلافة معاوية. ترجمته في : أسماء المغتالين نوادر المخطوطات ٧ / ٢٥٦ والكامل للمبرد ٤ / ٨٤ وشرح الحماسة للمرزوقي ١ / ٢٤٥ وجمهرة الأنساب ٤٤٨ ورغبة الآمل ٨ / ٢٣٩
(٣) أورد سيبويه البيت الأول حيث الشاهد. ونسبه إلى هدبة ، وهما لزيادة بن زيد في أسماء المغتالين ٧ / ٢٥٦ والشعر والشعراء ٢ / ٦٩١
ـ الشاهد فيه ترخيم فاطمة والوقوف عليها بالألف عوضا من الهاء. وقد ورد في : النحاس ٧٧ / أوالأعلم ١ / ٣٣١