شرح أبيات سيبويه - ج ١

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي

شرح أبيات سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي


المحقق: الدكتور محمّد علي سلطاني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٠
الجزء ١ الجزء ٢

المعنى : أنت امرؤ مخالف لنا في المكان الذي تسكنه من الأرض ، أنت من أهل نجد ونحن من أهل تهامة ، والموضعان مختلفان ، فنحن لا نتفق ، ويبعد ما بيننا كبعد بلادي من بلادك (١). وقوله : وأهلنا تهام ، أفرد (تهام) ولم يقل تهامون لأنه

__________________

(*) قال الغندجاني بعد أن أورد هذا القدر من شرح ابن السيرافي :

«قال س : هذا موضع المثل :

أريد هنات من هنين فتلتوي

عليّ ، وأنّى من هنين هنات

ليس معنى البيت وغرض الشاعر ما ذهب إليه ابن السيرافي ، وبين الصواب وبين ما قاله ما بين جابلّق وجابرسان.

ومعنى البيت ـ وهو لجميل ـ أن أهلي يرتابون بك إذا وجدوك عندهم ، لأنك غريب بعيد الدار منهم ، فينكرون كونك بين ظهرانيهم ، فيجب أن تتجنب وتعرض. تحذّره بني عمها ، يحكي ذلك عن بثينة. والأبيات تبين لك هذا المعنى إن شاء الله وهي من كلمة له :

١) وآخر عهد لي بها يوم ودّعت

ولاح لنا خدّ نقيّ ومحجر

٢)عشيّة قالت لا تضيعنّ سرّنا

إذا غبت عنا وارعه حين تحضر

٣) ولا تعلمنّ الحيّ إن جئت زائرا

فإنك تبغيناه لا حين تدبر

٤) وطرفك إمّا جئتنا فاحفظنّه

وزيغ الهوى باد لمن كان ينظر

٥) وأعرض إذا لاقيت عينا تخافها

وأظهر ببعض إنّ ذلك أستر

٦) فإنك إن عرّضت بي في مقالة

يزد في الذي قد قلت واش مكثّر

٧) وينشر قولا في الصديق وغيره

يعزّ علينا نشره حين ينشر

٨) وما زلت في إعمال طرفك نحونا

بعينيك حتى كاد سرّك يظهر

٤٠١

اكتفى بالواحد من الجمع. والمعنى : كيف نتفق ونقيم في مكان وأنا أحب المقام عند أهلي ولا أكره أرضهم ، وأنت تحب أهلك والمقام فيهم ..

[إبدال الفعل من الفعل]

٢٠١ ـ قال سيبويه (١ / ٧٨) قال الراجز :

إنّ عليّ الله أن تبايعا

(تؤخذ كرها أو تجيء طائعا) (١)

__________________

٩) لأهلي ، حتى لامني كلّ ناصح

شقيق له قربى لديّ وأيصر

١٠) وقطّعني فيك الصديق ملامة

وإني لأعصي نهيهم حين أزجر

١١) وما قلت هذا فاعلمنّ لصرمنا

لحبل ، ولا هذا بساعة أقصر

١٢) ولكنّني ـ أهلي فداؤك ـ أتّقي

عليك عيون الكاشحين وأحذر

١٣) وأخشى بني عمّي عليك وربما

يخاف ، وينقى عرضه المتفكّر

١٤) وأنت امرؤ من أهل نجد وأهلنا

تهام ، فما النجديّ والمتغوّر

١٥) غريب إذا ما جئت طالب حاجة

وحوليّ أعداء وأنت مشهّر

١٦) فقلت لها : أوصيت بابثن كافيا

وكلّ امرىء لم يرعه الله معور»

 (فرحة الأديب ٤٨ / أوما بعدها)

(١) ورد البيتان عند النحويين ـ للاستشهاد على إبدال الفعل من الفعل ـ في : المقتضب ٢ / ٦٣ والأعلم ١ / ٧٨ وشرح الأبيات المشكلة ١٩٤ والكوفي ١٧٧ / ب وابن عقيل ش ٨٢ ج ٢ / ١٩٩ والعيني ٤ / ١٩٩ والأشموني ٢ / ٤٤٠ والخزانة ٢ / ٣٧٣

٤٠٢

الشاهد فيه على إبداله (تؤخذ) من (تبايع) ، وعطف (تجيء) على (تؤخذ) كأنه قال : إن عليّ الله أن تؤخذ كرها بالبياع ، أو تجيء إليه طائعا.

حلف الشاعر بالله على المخاطب ، أنه لا بد من أن يبايع طوعا أو كرها ، وتقدير الكلام : إن عليّ والله أن تبايع.

و (أن تبايع) اسم إنّ و (عليّ) خبر إنّ ، والقسم معترض بين الخبر والاسم. ومثله :

ألا ربّ من قلبي له الله ناصح (١)

 ...

[النصب على الحال أو التمييز مع جواز الظرفية]

٢٠٢ ـ قال سيبويه (١ / ٨٢) قال الراجز (٢) :

إذا أكلت سمكا وفرضا

__________________

(١) هذا صدر بيت لذي الرمة. جاء ذلك في : سيبويه والأعلم ٢ / ١٤٤ والمخصص ١٣ / ١١١ وغير موجود في ديوانه. والبيت بتمامه :

ألا ربّ من قلبي له الله ناصح

ومن قلبه لي في الظباء السّوانح

وورد عند سيبويه بلا نسبة في ١ / ٢٧١ وفي عجزه هنا (ومن هو عندي في الظباء ..).

ـ وقد ورد الشاهد في : سيبويه ١ / ٢٧١ و ٢ / ١٤٤ وعند الأعلم في الموضع الثاني وشرح الكوفي ١٧٨ / أ.

(٢) نسبهما سيبويه إلى رجل من عمان ، وهو العمانيّ الراجز كما قال الأعلم. واسمه محمد بن ذؤيب الدارمي التميمي من بني فقيم ، ولم يكن من أهل عمان وإنما نبزه دكين الراجز بذلك ؛ لأنه كان أصفر الوجه عظيم الطحال كأهل عمان. كان موجودا زمن عمر بن عبد العزيز. ترجمته في : المعارف ٥٩٨ والموشح ٢٩٧ ورغبة الآمل ٥ / ١٢٤ و ٧ / ٤٧ ، وانظر أخبار دكين في : الأغاني ٩ / ٢٦١ ومعجم الأدباء ١١ / ١٠١

٤٠٣

(ذهبت طولا وذهبت عرضا) (١)

الشاهد (٢) في نصبه (ذهبت طولا) و (ذهبت عرضا) أنه نصبهما على الحال ، كأنه قال : ذهبت في جهة طويلا وذهبت في جهة عريضا. والفرض : ضرب من التمر ، وأراد أن أكله السمك وهذا الضرب من التمر ؛ قد أطاله وأعرضه وأسمنه (٣).

__________________

(١) ورد البيتان غير منسوبين في : زينة الفضلاء ٦٥ والصحاح (فرض) ٣ / ١٠٩٧ والمخصص ١١ / ١٣٤ واللسان (فضض) ٩ / ٧١ وفيها أن الفرض هو أجود تمر عمان.

(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٣٤ / ب وتفسير عيون سيبويه ٢٠ / أوالأعلم ١ / ٨٢ والكوفي ١٥ / ب و ٢٥ / أ.

وذكر الكوفي أن (طولا وعرضا) منصوبة على الحال عند سيبويه بمعنى متطاول ، والمبرد على التمييز ، وغيرهما على الظرف. والظرف أضعفها.

(*) عقب الغندجاني على شرح ابن السيرافي للبيتين بقوله :

«قال س : هذا موضع المثل :

قد أدبر الأمر حتى ظلّ محتبيا

أبو حبيرة يفتي ، وابن شدّاد

الذي يدل على جهل ابن السيرافي بهذا الرجز ـ وإقدامه على ما لم يكن يعرفه وتصديه لطلب التصدر بغير كفاية ـ أنه جاء بهذين البيتين متفرقين لا متواليين ، ثم تفسيره له : أن هذا الضرب من السمك والتمر قد أطاله وأعرضه وأسمنه .. وما أجود ما قال القائل :

من كلّ داء طبيب يستطب به

إلا الحماقة ما يشفي مداويها

نظام الأبيات على ما أملاه علينا أبو الندى ، وزعم أنها من مداعبات الأعراب :

١) لو اصطبحت قارصا ومحضا

٢) ثم أكلت رابيا وفرضا

٤٠٤

[النصب خلاف الظاهر ـ للمعنى]

٢٠٣ ـ قال سيبويه (١ / ٨٧) قال الشاعر (١) :

(بينا نحن نرقبه أتانا

معلّق وفضة وزناد راعي) (٢)

الشاهد (٣) في نصبه (وزناد راع) ونصبه على المعنى ، لأنه إذا قال : أتانا معلق

__________________

٣) والزبد يعلو بعض ذاك بعضا

٤) ثم شربت بعده المرضّا

٥) سمقت طولا وذهبت عرضا

٦) كأنما آكل مالا قرضا

قال أبو الندى : هذا مثل قولهم :

إذا تغدّيت وطابت نفسي

فليس في الحي غلام مثلي

إلا غلام قد تغدّى قبلي

وقوله : سمقت طولا وذهبت عرضا ، يعني من الخيلاء».

(فرحة الأديب ٢١ / ب)

(١) هو عند سيبويه : رجل من قيس عيلان. بل هو نصيب بن رباح ، أبو محجن الشاعر الأموي ، عبد أسود اللون ، كاتب على نفسه واشترى عبد العزيز بن مروان ولاءه ، تقدم في المدح والنسيب (ت ١٠٨ ه‍). ترجمته في : الشعر والشعراء ١ / ٤١٠ والأغاني ١ / ٣٢٤ وثمار القلوب ٢٢٢ والتبريزي ٣ / ١٤١ وشرح شواهد المغني للسيوطي ٣٠١

(٢) شعر نصيب ص ١٠٤ وقد ورد منفردا لا ثاني له ولم يتقدمه ما يشير إلى مناسبته.

وروايته فيه :

فبينا نحن ننظره أتانا

معلّق شكوة وزناد راع

وروي بلا نسبة في : اللسان (بين) ١٦ / ٢١١

(٣) ورد الشاهد في : النحاس ٣٧ / ب وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٧ والأعلم ١ / ٨٧ وشرح أبيات المفصل ٢٦١ / ب والكوفي ٥٤ / ب و ١٥٧ / ب والمغني ش ٦٢١ ج ٢ / ٣٧٧ وشرح السيوطي ش ٦٠٣ ص ٧٩٨

٤٠٥

وفضة فكأنه قال : معلقا وفضة فنصب. ونصب (وزناد راع) على تقدير : ويعلق زناد راع.

ونرقبه : ننتظره ، والوفضة : هي جعبة السهام ، وأراد بها في البيت شيئا يصنع مثل الخريطة والجعبة ، يكون مع الفقراء والرعاة يجعلون فيه أزوادهم. وزعموا أن أهل الصفّة ـ رحمهم الله ـ كانت معهم وفاض ، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تجعل الصدقة في / الأوفاض ، قيل : إنه أراد أهل الصفّة. وزناد راعي ، الزناد : الخشبة التي تقدح بها النار.

[إعمال اسم الفاعل المنوّن]

٢٠٤ ـ قال سيبويه (١ / ٨٣) قال امرؤ القيس :

(إني بحبلك واصل حبلي

وبريش نبلك رائش نبلي)

ما لم أجدك على هدى أثر

يقرو مقصّك قائف قبلي (١)

الشاهد (٢) فيه على تنوين (واصل) وإعماله عمل الفعل ونصب (حبلي) به ، وكذلك (رائش) منون وقد نصب (نبلي).

يقول لهذه المرأة التي ذكرها في أول القصيدة : إني متقرب إليك ، ومجتهد في أن تعلمي أني أهواك بكل وجه من وجوه التقرب ، ومتابع لك على ما تريدين. فإذا مددت سببا إلى أمر تهوينه مددت أنا إليه سببا لمعونتك حتى تبلغي ما تحبين.

__________________

وجاء في اللسان (بين) ١٦ / ٢١١ قوله : إنما أراد : بين نحن نرقبه فأشبع الفتحة فحدثت بعدها ألف.

(١) أورد سيبويه أولهما بلا نسبة ، والشعر لامرىء القيس ، في ديوانه ق ٥٠ / ٢٠ ـ ٢١ ص ٢٣٩ وروي الأول للشاعر في : اللسان (حبل) ١٣ / ١٤٣

(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٣٦ / أوالأعلم ١ / ٨٣ والكوفي ١٧٨ / أ.

٤٠٦

وبريش نبلك رائش نبلي ، يقول : أحتذي في أفعالي على المثال الذي تجري عليه ، ما لم أجدك إذا اتّبعتك على أمر تمضين فيه هادية ، وقد اتّبعك إنسان قبلي ممن يهواك. يعني أنها إن خالّت غيره هجرها وقطعها ولم يلتفت إليها. ويقرو : يتبع ، والمقصّ : موضع إتّباع أثر الماشي والراكب. يقال : قصصت أثره قصا إذا اتّبعته ، والقائف ، المتتبع. يقال : قاف يقوف إذا تتبع.

[إلغاء فعل الظن لتوسطه]

٢٠٥ ـ قال سيبويه (١ / ٦١) قال جرير :

 أبالأراجيز يابن اللّؤم توعدني

وفي الأراجيز ـ خلت ـ اللؤم والخور) (١)

الشاهد (٢) في البيت أنه ألغى (خلت) ولم يعملها لأنها توسطت الجملة ، ورفع (اللؤم)

__________________

(١) نسب كذلك إلى جرير في : اللسان (خيل) ١٣ / ٢٤٠ ، ولا وجود للبيت في ديوان جرير. ونسبه سيبويه إلى اللعين المنقري وكذا أبو تمام في : الوحشيات ق ٨٤ ص ٦٣ وتبعه في هذا الغندجاني والأعلم والفارفي وتردد الكوفي بين اللعين وبين أمية (ولم يزد) والبيت للّعين المنقري يهجو العجاج كما سيفصل الغندجاني بعد. وعجزه في الوحشيات (إن الأراجيز رأس اللؤم والفشل).

واللعين المنقري لقب الشاعر ، واسمه منازل بين زمعة أبو أكيدر ، من شعراء العصر الأموي ، تعرض لهجاء الفرزدق وجرير غير مرة فأهملاه فسقط. ترجمته في : كنى الشعراء ـ نوادر المخطوطات ٧ / ٢٩٠ والقاموس (لعن) ٤ / ٢٦٧ ، ورغبة الآمل ٥ / ٢٤٧

(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٣٢ / أوالإيضاح العضدي ١٣٥ والأعلم ١ / ٦١ وشرح الأبيات المشكلة ١٤٤ والكوفي ٥٣ / أوأوضح المسالك ش ١٨٥ ج ١ / ٣١٤

٤٠٧

بالابتداء وعطف عليه (الخور) و (في الأراجيز) خبر المبتدأ و (خلت) ملغاة من طريق اللفظ وليست بملغاة من طريق المعنى.

أراد بهذا الكلام عمر بن لجأ. يقول : أتهددني بأن تهجوني بالأراجيز ، وفي الأراجيز خلت لؤم الشعراء وخورهم (١) ، وعندهم أن الشعر الفحل هو القصيد ، وفحول الشعراء هم أصحاب القصيد ، والخور : الضعف.

__________________

(*) قال الغندجاني بعد ذكر هذا القدر من شرح ابن السيرافي للبيت :

«قال س : هذا موضع المثل :

لا درّ درّ ابني فريعة بعدها

في بدء وافدة ولا تعقيب

لم يوفق ابن السيرافي للصواب في هذا البيت ، بل أخطأ فيه من جهتين : الأولى أنه نسب البيت إلى جرير ، وإنما هو للّعين المنقري.

والثانية أنه غيّر القافية من الفشل إلى الخور.

وأخطأ من جهة ثالثة أيضا ، وهو أنه جعل هذا البيت هجاء لعمر بن لجأ التيمي ، وهو هجاء لرؤبة بن العجاج.

والأبيات للّعين المنقري يهجو رؤبة ، وهي :

إني أنا ابن جلا إن كنت تعرفني

يا روب ، والحيّة الصمّاء في الجبل

أبالأراجيز ـ يابن الوقب ـ توعدني

وفي الأراجيز بيت اللؤم والفشل

ما في الدوابر في رجليّ من عقل

عند الرّهان ، ولا أكوى من العفل

وكانت أم مالك بنت سعد ، وكانت ضرائرها تسميها عفيل ، ورؤبة من بني مالك بن سعد ، وبنو مالك بن سعد هؤلاء يسمّون بني العفيل».

(فرحة الأديب ٢٢ / أوما بعدها)

٤٠٨

[في إعمال صيغة المبالغة (فعل)]

٢٠٦ ـ قال سيبويه (١ / ٥٨) قال الشاعر (١) :

(حذر أمورا لا تضير وآمن

ما ليس منجيه من الأقدار) (٢)

الشاهد (٣) فيه أنه أعمل (حذر) وهو على (فعل) عمل الفعل.

لا تضير : لا تؤذي ولا تخاف لها عاقبة ، وآمن من الأقدار ما ليس ينجيه ، يقول : الإنسان لقلة علمه وضعفه في نفسه يحذر ما لا يضيره ، ويأمن ما لا ينجو منه.

و (حذر) مرفوع على كلام متقدم و (آمن) معطوف عليه و (ما) بمعنى

__________________

(١) لم يذكره سيبويه ونقل الأعلم ١ / ٥٨ نسبة البيت إلى أبي الحسن الأخفش ، أما القرطبي في : تفسير عيون سيبويه ١٦ / ب فلم ير في عبارة اللاحقي بأسا ، لأنه إنما قال : «فوضعت له هذا البيت بمعنى رويته له ، لأنه لا يعقل أن ينسب اللاحقي إلى نفسه ما لا يحل من جهة ، وأنه لا يجوز على سيبويه في دينه وعلمه وعقله من جهة أخرى».

أما الكوفي ٤٢ / ب والبغدادي ٣ / ٤٥٦ فقد فسرا عبارة اللاحقي بأنه صنع البيت.

قلت : وعندي أن ما جاء به القرطبي مقبول ، وأن اللاحقي ربما قصد بوضع البيت لسيبويه ؛ وضعه في كتابه. هذا إذا أضفنا إلى ذلك ما قاله الأعلم من أن لإعمال (فعل) شواهد أخر لا خلاف حولها كقول زيد الخيل الطائي :

أتاني أنهم مزقون عرضي

جحاش الكرملين لها فديد

(٢) روي البيت بلا نسبة في : (حذر) الصحاح ٢ / ٦٢٦ واللسان ٥ / ٢٤٨

(٣) ورد الشاهد في : المقتضب ٢ / ١١٦ والنحاس ٣١ / أوتفسير عيون سيبويه ١٦ / ب والأعلم ١ / ٥٨ والكوفي ٨ / أو ٤٢ / ب و ١٢٢ / أوابن عقيل ش ٣٨ ج ٢ / ٦٤ والأشموني ٢ / ٣٤٢ والخزانة ٣ / ٤٥٦

٤٠٩

الذي. وقد زعم قوم أن أبا يحيى (١) اللاحقيّ حكى أن سيبويه سأله عن شاهد في إعمال (فعل) فعمل له البيت.

وإذا حكى أبو يحيى مثل هذا عن نفسه ، ورضي أن يخبر أنه قليل الأمانة ، وأنه أؤتمن على الرواية الصحيحة فخان ، لم يكن مثله يقبل قوله ويعترض به على ما قد أثبته سيبويه. وهذا الرجل أحب أن يتجمل بأن سيبويه سأله عن شيء ، فخبر عن نفسه بأنه فعل ما يبطل الجمال ، ويثبت عليه عار الأبد. ومن كانت هذه صورته ؛ بعد في النفوس أن يسأله سيبويه عن شيء.

[النصب على المعنى بإضمار فعل]

٢٠٧ ـ قال سيبويه (١ / ٤٩) قال الشاعر (٢) :

(يذهبن في نجد وغورا غائرا) (٣)

الشاهد (٤) في نصب (غورا غائرا) بإضمار فعل ، كأنه قال : يذهبن في نجد ويسلكن غورا غائرا. والغور : تهامة وما يليها ، ونجد : هو من نحو فيد إلى الكوفة وإلى البصرة وما يلي ذلك. يعني بذلك قصائد قد صارت في الغور وتهامة ، أو أفعالا يفتخر بها ، أو حروبا قد غار ذكرها وأنجد.

__________________

(١) اسمه أبان بن عبد الحميد بن لاحق الرقاشي من شعراء البصرة في العصر العباسي ، اتصل بالبرامكة ونظم لهم كليلة ودمنة ، وهجاه أبو نواس. (ت ٢٠٠ ه‍) ترجمته في : الخزانة ٣ / ٤٥٨

(٢) هو العجاج عند سيبويه وتبعه في ذلك الأعلم.

(٣) ورد البيت في : مجموع أشعار العرب ق ١١٤ / ٣ ج ٣ / ١٩٠ تحت عنوان زيادات ، دون أن ينسبها إلى أحد. وفيه (يسلكن) بدل يذهبن.

(٤) ورد الشاهد في : الأعلم ١ / ٤٩ والكوفي ٤٣ / أ.

٤١٠

[الجر ب (حتى) على الغاية]

٢٠٨ ـ قال سيبويه (١ / ٥٠) قال الشاعر (١) :

(ألقى الصحيفة كي يخفّف رحله

والزاد حتى نعله ألقاها) (٢)

الشاهد (٣) فيه على جر (نعله) على الغاية ، كأنه قال : ألقى الصحيفة والزاد

__________________

(١) هو عند سيبويه : ابن مروان النحوي. وكذا في معجم الأدباء ١٩ / ١٤٦ والاسم عنده مروان النحوي. أما العيني ٤ / ١٣٤ والبغدادي ١ / ٤٤٦ فالشاعر عندهما أبو مروان النحوي قاله في قصة المتلمس ، مؤكدين هذا بالقول : حكى ذلك الأخفش عن عيسى بن عمر فيما ذكره أبو علي الفارسي.

كما نسب إلى المتلمس ، أشار إلى ذلك العيني ، ونسبه إليه السيوطي في شرح شواهد المغني ش ١٧٨ ص ٣٧٠ مع أنه ذكره لأبي مروان النحوي في بغية الوعاة ٢ / ٢٨٤ ، وأشار البغدادي إلى هذه النسبة في الخزانة ١ / ٤٤٧ وروي البيت بلا نسبة في : المخصص ١٤ / ٦١

(٢) البيت للمتلمس في ديوانه (الصيرفي) ق ٤٣ / ١ ـ ٢ ص ٣٢٧ وهما بيتان تقدمهما قوله «وأخذ نحو الشام وقال ..».

وأبو مروان النحوي ورد اسمه مروان بن سعيد ، ينتهي نسبه إلى المهلب بن أبي صفرة. أحد أصحاب الخليل المتقدمين المبرزين في النحو. ترجمته في : أخبار النحويين البصريين ٢٧ ومعجم الأدباء ١٩ / ١٤٦ وبغية الوعاة ٢ / ٢٨٤ والخزانة ١ / ٤٤٧

(٣) ورد الشاهد في : تفسير عيون سيبويه ١٤ / أوالأعلم ١ / ٥٠ وأسرار العربية ٢٦٩ والكوفي ٥٧ / أوالمغني ش ١٩٠ / ج ١ / ١٢٤ وأوضح المسالك ش ٤١٦ ج ٣ / ٤٥ والعيني ٤ / ١٣٤ وشرح السيوطي ش ١٧٨ ص ٣٧٠ والأشموني ٢ / ٢٨٩ و ٤١٩ والخزانة ١ / ٤٤٥ و ٤ / ١٤٠

وفيما ذكره ابن السيرافي من جواز الأوجه الثلاثة في (نعله) ـ فالجر بحتى ، والنصب على العطف ، والرفع على الابتداء ، و (ألقاها) الخبر. قلت : أرى أن الحالة الأخيرة أجودها للمعنى. فالأمر غريب ويحسن لإبرازه جعله في جملة تلفت إليها الاهتمام متجددا.

٤١١

وما معه من المتاع وغيره حتى انتهى الإلقاء إلى نعله. ويكون قوله (ألقاها) تكريرا للفعل على طريق التوكيد. ويجوز نصب (نعله) على أنّ (حتى) بمنزلة الواو ، كأنه قال : ألقى الصحيفة حتى نعله ، يريد ونعله ، كما تقول : أكلت السمكة حتى رأسها بنصب (رأسها) وتقديره : أكلت السمكة ورأسها ، ويكون (ألقاها) مكررا توكيدا.

ويجوز أن ينصب بإضمار فعل يفسره (ألقاها) كأنه قال : والزاد حتى ألقى نعله ألقاها ، كما يقال في الواو وغيرها من حروف العطف. كأنك قلت : وألقى نعله ألقاها.

ويجوز رفع (نعله) بالابتداء ، ويكون (ألقاها) في موضع الخبر ، وتكون الجملة معطوفة على الجملة المتقدمة.

والصحيفة : الكتاب. يريد أنه ألقى ما على رحله وكلّ شيء حتى ألقى زاده ونعله. ويجوز أن يكون فعل ذلك لأنه خشي عطب راحلته فخفف عنها.

[إعمال صيغة المبالغة (فعول)]

٢٠٩ ـ قال سيبويه (١ / ٥٧) قال الشاعر (١) :

(بكيت أخا الّلأواء يحمد يومه

كريم رؤوس الدار عين ضروب)

الشاهد (٢) في أنه نصب (رؤوس الدارعين) ب (ضروب).

__________________

(١) لم يذكره سيبويه. وفي شرح المفصل لابن يعيش ٦ / ٧١ أنه لأبي طالب. وليس البيت في ديوانه الصغير لدينا.

(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٣٠ / ب والأعلم ١ / ٥٧ وشرح أبيات المفصل ٢٨٢ / أ.

وفي الأخير (يبيت) بدل بكيت. وقال في إعرابه : (كريم) اسم يبيت و (أخا) خبره. قلت : وفيه ضعف ؛ إذ جعل المعرفة هو الخبر فلم يستقم للمعنى ما يبرزه.

٤١٢

واللأواء : الشدة ، وقوله : بكيت أخا اللأواء يريد أنك بكيت رجلا ، وهو يعني بكيت عليه وعلى فقده ، كان يعطي في أوقات الشدة وعدم الأزواد وامتناع الناس من الجود. وأخو اللأواء كقولك : أخو الشدة والجهد. يراد به الذي يجود ويعطي في الشدة وجهد الناس. وقوله : يحمد يومه ، أي كلّ يوم له فيه فعل محمود. /

[الرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف]

٢١٠ ـ قال سيبويه (١ / ٧٠) قال الشاعر :

(وقائلة : خولان فانكح فتاتهم

وأكرومة الحيّين خلو كما هيا) (١)

الشاهد (٢) فيه أنه رفع (خولان) وتقدير الكلام : هذه خولان فانكح فتاتهم. وقد ذكر سيبويه (٣) السبب الذي من أجله لم يجز أن يكون قوله (فانكح فتاتهم) في موضع خبر (خولان).

__________________

(١) لم ينسب هذا البيت أحد ، وذكره النحويون للاستشهاد ، وروي كذلك في اللسان (خلا) ١٨ / ٢٦٢ ، وخولان قبيلة من اليمن ينتهي نسبها إلى سبأ. جمهرة أنساب العرب ٤١٨ ، ٤٨٥

(٢) ورد الشاهد في : سيبويه أيضا ١ / ٧٢ والنحاس ٣٣ / ب والإيضاح العضدي ٥٣ والأعلم ١ / ٧٠ والكوفي ١٧٨ / أوالمغني ش ٢٧٤ ج ١ / ١٦٥ وأوضح المسالك ش ٢٣٣ ج ٢ / ٦ والعيني ٢ / ٥٢٩ وشرح السيوطي ش ٢٦١ ص ٤٦٨ و ٨٧٣ والخزانة ١ / ٢١٨ و ٣ / ٣٩٥ و ٤ / ٤٢١ و ٥٥٢ والموضع الأول هو المستوفى.

(٣) لم يجزها سيبويه لوجود الفاء وهي عنده غير زائدة : ولو كانت للجزاء لجاز كقولنا : الذي يأتيني فله درهم ، ولا يجوز : زيد فله درهم لأنه لا يدل على الجزاء. ويرى الأخفش جواز

٤١٣

وخولان : قبيلة من قبائل اليمن ومساكنهم بالشام وما والاه ، وأكرومة الحيين : يريد الفتاة التي هي كريمة الحيين ـ يريد حيين من خولان ـ خلو لم تتزوج بعد ، وهي كما هي ، كما عهدتها أيّما فتزوجها.

قال سيبويه (١) (١ / ٧٠) قال عدي بن زيد :

(أرواح مودّع أم بكور

أنت ، فانظر لأيّ ذاك تصير) (٢)

الشاهد (٣) فيه أنه أتى ب (أنت) وهو مرفوع بالابتداء ، وجعل خبره شيئا

__________________

ذلك لأن الفاء عنده زائدة على الخبر ، وكذلك الأعلم يرى الإخبار بما بعدها لتعلقه بأول الكلام قلت : ولكن تصور المعنى على هذا مفسد له ، هذا مع اضطراب العبارة وتعذر التقدير. وقصد القائل أن يقول باستواء : هذه خولان ، فأنكح فتاتها ، ولا سبب للتكلف. أما الفاء فهي عند سيبويه : إما لعطف الإنشاء على الخبر ، أو لربط جواب شرط محذوف ، أي إذا كان كذلك فانكح.

(١) عنوانه لديه في (١ / ٦٩): «هذا باب الأمر والنهي». وهو من باب الشاهد السابق.

(٢) ديوان عدي ق ١٦ / ١ ص ٨٤ مطلع قصيدة قالها وهو سجين ، فيها وعظ للنعمان يلفه الاستعطاف والخضوع. وروي العجز فيه : (لك فاعلم لأي حال تصير) ولا شاهد فيه على هذا. وروي البيت للشاعر في : اللسان (من) ١٧ / ٣٠٩

(٣) ورد الشاهد في : النحاس ٣٣ / ب وتفسير عيون سيبويه ١٨ / أوالأعلم ١ / ٧٠ والكوفي ٧١ / ب والمغني ش ٢٧٥ ج ١ / ١٦٦ وشرح السيوطي ش ٢٦٢ ص ٤٦٩ وذكر سيبويه في إعراب (أنت) ثلاثة أوجه :

الأول أن ترفع (أنت) بفعل مضمر يفسره المظهر. والثاني أن تجعل (أنت) مبتدأ وتضمر خبرا كأنه قال : أنت الهالك : والثالث أن تجعل (أنت) خبرا وتنوي مبتدأ أي :

٤١٤

محذوفا تقديره : أنت الهالك ولا يجوز أن يجعل (فانظر) خبرا ل (أنت). وقد ذكر سيبويه السبب الذي منع من ذلك. ويروى :

أرواح مودّع أم بكور

لك فاعمد لأيّ حال تصير

وقوله : أرواح مودع ؛ الفعل للرواح ، يقول : أرواح يودعك ، أي يكون آخر الأوقات التي تنتهي حياتك إليها. فالرواح ترد عليه لأنك تفارق أوقات الدنيا بعده ؛ أم بكور يودعك.

يقول : أنت هالك لا شك فيه ولا مرية ، ولا بد من أن تنتهي حياتك إلى أمد وتنقطع ، فيجوز أن يكون انقطاع الأمد في وقت البكور أو في وقت الرواح وما بينهما ، فقرب من أحدهما فهو في حكمه.

يعظ عدي بن زيد بهذا النعمان بن المنذر ويقول : إن الموت لا بد من نزوله ، فاعمل لآخرتك فإنك منته إلى أن تفارق الدنيا وتحصل على عملك.

وفي إعراب هذا البيت وجوه تذكر إن شاء الله.

__________________

مثل هذا أنت. وقد استبعده سيبويه لانك تشير للمخاطب إلى غيره. وقد أخذ ابن السيرافي بالوجه الثاني ، وهو حسن للمعنى.

أما القرطبي فقد جعل (أنت) خبرا للرواح ، وقد تكون على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه كأنه قال : أذو رواح أنت أم ذو بكور.

ثم ذكر وجها أفضل جعل فيه (رواح) مبتدأ خبره محذوف. كأنه قال :

أرواح مودع أم بكور آخر عهدي بالدنيا ، فانظر أنت فانظر لأي ذاك تصير.

وأجاز الأعلم أن تكون (انظر) هي الخبر ، والجملة كما هي (أنت فانظر) والفاء زائدة مؤكدة. ويبقى التقدير (أنت الهالك) أجودها للمعنى.

٤١٥

[حذف الياء بغير تنوين ـ ضرورة]

٢١١ ـ قال سيبويه (١ / ٩) في ضرورة الشعر ، قال الشاعر (١) :

(كنواح ريش حمامة نجديّة

ومسحت باللّثتين عصف الإثمد) (٢)

الشاهد (٣) فيه على حذف الياء من (نواحي) وهو جمع ناحية مثل شارية وشوار وجارية وجوار ، وحذف الياء في الإضافة ، وحذفها في غير الإضافة أسهل.

والحمامة : يعني به قمرية أو ما أشبهها من الحمام ذوات الأطواق. ونواحي ريشها : أطرافه وجوانبه. وعندي أنه ذكر حمامة نجدية ، ونسبها إلى نجد وهو يعني الفاختة (٤) لأن الفاختة لا تسكن الغور وتهامة وما والاها ، وإنما تسكن في نواحي نجد.

والعصف : ورق الزرع ، والإثمد : هذا الكحل المعروف ، والكحل حجارة تؤخذ من معدن من المعادن وليس بشيء ينبت فيكون له ورق ، ولم يكن الإثمد من الأشياء التي تكون في بلاد العرب فهم لا يقفون على حقيقته. ومثل ذلك قول

__________________

(١) هو خفاف بن ندبة عند سيبويه والنحاس والأعلم وابن الأنباري والسيوطي واللسان (جرز) ٧ / ١٨٠ و (يدي) ٢٠ / ٣٠٣ وقد تردد ابن السيرافي بين زهير وبين خفاف ، ونفى أن يكون لابن المقفع. أما الكوفي فقد جعله لخفاف أو لابن المقفع.

(٢) لم أجد البيت في شعر زهير ، والراجح أنه لخفاف كما أثبت العلماء في المصادر السابق ذكرها.

(٣) ورد الشاهد في : النحاس ٢ / ب والأعلم ١ / ٩ والإنصاف ٢ / ٢٨٣ والكوفي ١٧٨ / أوالمغني ش ١٥٢ ج ١ / ١٠٥ وشرح السيوطي ش ١٤٦ ص ٣٢٤

(٤) من ذوات الأطواق. الصحاح (فخت) ١ / ٢٥٩

٤١٦

أبي (١) نخيلة :

برّيّة لم تأكل المرقّقا

ولم تذق من البقول الفستقا (٢)(٣)

__________________

(١) اسمه حزن بن زائدة الحمّاني التميمي. شاعر راجز. عاصر الدولتين ، فمدح الأمويين ثم هجاهم ليمدح الهاشميين (قتل نحو ١٤٥ ه‍). ترجمته في : كنى الشعراء نوادر المخطوطات ٧ / ٢٨٣ والشعر والشعراء ٢ / ٦٠٢ (وفيه اسمه يعمر) والمؤتلف (تر ٦٧١) ١٩٣ وثمار القلوب ٣٦٠ والموشح ٢١٩ والخزانة ١ / ٧٩

(٢) روي البيتان لأبي نخيلة في : فرحة الأديب ٤٨ / ب واللسان (سلف) ١١ / ٥٨ و (فلق) ١٢ / ١٨٤ و (بقل) ١٣ / ٦٥ وشرح السيوطي ٧٣٥ وجاء في اللسان (فلق) : (دستيّة لم تأكل ..).

ورويا في : مجموع أشعار العرب ق ٧٣ / ١ ـ ٢ ج ٣ / ١٨٠ في قسم المنسوب إلى رؤبة أو العجاج وبلا نسبة في : المخصص ١١ / ١٣٩

وقد ورد الشاهد وهو استعمال (من) بمعنى (بدل) في : المغني ش ٥٣٦ ج ١ / ٣٢٠ وابن عقيل ش ٢٠٦ ج ١ / ٤٩٢ وشرح السيوطي ش ٥١٨ ص ٧٣٥

(*) عقب الغندجاني على رواية ابن السيرافي للبيتين بقوله :

«قال س : صحّف ابن السيرافي في البيت الذي استشهد به ، فجعل (النقول) وهي بالنون (البقول) بالباء ، لأجل ما يقول هو وغيره : إن أبا نخيلة توهم أن الفستق من البقول. ولم يكن أبو نخيلة ممن لا يعرف الفستق ، فقد عرفه غيره ممن هو أقدم منه وهو أبو القمقام بن مصعب الأسدي.

وإنما معنى قول أبي نخيلة ؛ أن هذه المرأة بدوية لا تأكل الرّقاق ، ولا تتنقّل

٤١٧

وقوله : ومسحت بالّلثتين عصف الإثمد ، أراد : مسحت اللثتين بعصف الإثمد فقلب ، لأن الكلام لا يدخله لبس ، وكانت النساء تتزين بأن تسوّد اللحم الذي في أصول الأسنان واللّثات بالنّوءور (١) وهو دخان الشحم أو بالإثمد ، وكانوا يستحسنون ذلك.

شبه سواد لثة هذه المرأة بسواد أطراف ريش الحمامة. وهم لا يقصدون بذلك أن يكون سواد اللثات حالكا ، إنما يريدون أن يضرب إلى السواد.

وهذا البيت منسوب إلى خفاف بن ندبة في الكتاب ، وزعم قوم أنه لابن المقفع ، وليس الأمر كما قالوا ، وجميع ما ينسب إلى ابن المقفع مقطوعتان أو ثلاث ، بعضها في الحماسة. وليس له مقطوعة على هذا الوزن ولا على هذا الروي.

__________________

بالفستق متاع الحضريات إنما تغذّى بألبان اللّقاح المحض والقارص. كما قال بشر :

غذاها قارص يجري عليها

ومحض حيث تبتعث العشار

وأبيات أبي القمقام :

أعدّ نعلين لرجلي هدلق

إنك إلّا تحذه يفرّق

شعب شياه عشن بالتعلّق

وقل له خيرا وإن لم تصدق

وارعد ولا تمطر بشيء وابرق

تسألني عن طيّبات الفستق

وإنما عشت بحبّ العشرق

وبحسو من شعير محرق».

(فرحة الأديب ٤٨ / ب وما بعدها)

(١) انظر القاموس (النور) ٢ / ١٥٠

٤١٨

فأما نسبته إلى خفاف فليس من عمل سيبويه ؛ وقد ذكرنا ذلك ، ولا يمتنع أن يكون لخفاف كما ذكر من نسبه إليه. وإن كان لم يقع في ديوانه. كما ينسب إلى زهير.

[تشديد لام (أفعل) ضرورة]

٢١٢ ـ قال سيبويه (١ / ١١) في ضرورة الشعر : قال رؤبة :

ثمّت جئت حيّة أصمّا

(ضخما بحب الخلق الأضخمّا) (١)

الشاهد (٢) فيه على أنه شدد الميم من (الأضخمّ) (٣) وهو على

__________________

(١) روي البيتان في : مجموع أشعار العرب قسم المنسوب إلى رؤبة أو إلى العجاج ق ٨٨ / ٣ ـ ٤ ج ٣ / ١٨٣ ونسبهما إلى رؤبة كل من : سيبويه والأعلم والفارقي.

وروي الثاني بلا نسبة في : المخصص ٢ / ٧٨ واللسان (بيد) ٤ / ٦٦ و (فوه) ١٧ / ٤٢٣

(٢) ورد الشاهد في : سيبويه أيضا ٢ / ٢٨٣ وسر الصناعة ١ / ١٧٩ والأعلم ١ / ١١ وشرح الأبيات المشكلة ١٥٥ والكوفي ١٧٨ / ب.

(٣) قال السيرافي في حاشية الكتاب : «إنما يفعلون ذلك فيما كان قبل آخره متحرك مثل : خالد وجعفر إذا وقفوا عليه ، ولا يفعلون في زيد وعمرو لئلا يتوالى ثلاثة سواكن ، فإذا وصلوا ردّوا الكلام إلى أصله فقالوا : مررت بجعفر يا فتى. استغنوا عن التشديد بتحريك آخره إذ كانوا إنما شددوه ليدلوا على التحريك في الوصل. فإذا اضطر شاعر إلى تشديده في الوصل شدده ، وأجراه مجراه في الوقف فقال : رأيت جعفرّا ..». وانظر كذلك المخصص ٢ / ٧٨ وذكر الأعلم أن البيت روي (الإضخمّا) بكسر الهمزة و (الضّخمّا) بكسر الضاد ، لأن إفعلّا وفعلّا موجودان في الكلام كثيرا نحو إرزبّ وخدبّ ، وإنما الضرورة في فتح الهمزة لأن (أفعلّا) ليس بموجود.

٤١٩

أفعل مثل الأحسن والأكرم ، ثم وصل الميم بالألف التي للإطلاق. وهذه الميم لا تشدد إلا في الوقف إذا كانت منتهى الكلمة.

والخلق الأضحمّ : الأكبر الأعظم.

[النصب على نزع الخافض]

٢١٣ ـ قال سيبويه (١ / ١٧) قال الشاعر (١) :

(أستغفر الله ذنبا لست محصيه

ربّ العباد إليه الوجه والعمل) (٢)

الشاهد (٣) فيه على حذف حرف الجر من (ذنب) والأصل : أستغفر الله من ذنب ، ولكنه حذف الحرف. وقوله : أستغفر الله ذنبا ، أراد به جميع ذنوبه ، فلفظ بالواحد وهو يريد الجمع ، ويدل عليه قوله : لست محصيه ، أي أنا لا أضبط عدد ذنوبي التي أذنبتها ، وأنا استغفر الله من جميعها ، (ربّ العباد) وصف الله عز وجل.

وقوله : / إليه الوجه والعمل ، أي إليه التوجه في الدعاء والطلب والمسألة والعبادة ، والعمل له ، يريد : هو المستحق للطاعة.

__________________

(١) لم يعرف قائله ، غير أن لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه (الدجيلي ص ٢١٨) بيتا يشبهه. وهو قوله :

نبئت أن زيادا ظلّ يشتمني

والقول يكتب عند الله والعمل

(٢) روي البيت في : المخصص ١٤ / ٧١ واللسان (غفر) ٦ / ٣٣٠ وجاء في عجزه (إليه القول والعمل)

(٣) ورد الشاهد في : معاني القرآن ٢ / ٣١٤ والمقتضب ٢ / ٣٢١ والإيضاح للزجاجي ١٣٩ والنحاس ١١ / أوالأعلم ١ / ١٧ والكوفي ٤٢ / ب و ١٧٨ / ب والأشموني ١ / ٢٠١ والخزانة ١ / ٤٨٦

٤٢٠