أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي
المحقق: الدكتور محمّد علي سلطاني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٠
الشاهد (١) فيه أنه أثبت الياء في (يأتيك) وهو مجزوم. وكأنه بمنزلة من اضطر إلى تحريك الياء بالضم في حال الرفع ، فلما جزم حذف الحركة التي كانت على الياء.
والأنباء : جمع نبأ وهو الخبر ، تنمي : تنشر ويحملها / بعض الناس إلى بعض. واللّبون : التي لها لبن ، وبنو زياد : الربيع (٢) بن زياد العبسيّ وإخوته.
وفاعل (يأتيك) يجوز أن يكون مضمرا في (يأتيك). يدل عليه قوله : والأنباء تنمي ، فكأنه قال : ألم يأتك النبأ والأنباء تنمي؟ وقوله (والأنباء تنمي) جملة ، هي اعتراض بين قوله (يأتيك) وبين قوله (بما لاقت) وتقديره : ألم يأتك الخبر بما لاقت لبون بني زياد.
وهذا البيت أول الأبيات ، فليس يقدّر أن الضمير الذي فيه يعود إلى مذكور ، والباء وما بعدها في موضع نصب ب (يأتيك). ويجوز أن يقال :
__________________
(١) ورد الشاهد في : سيبويه أيضا ٢ / ٥٩ ومعاني القرآن ٢ / ١٨٨ و ٢٢٣ والنحاس ٦ / أوالإيضاح العضدي ١٠٤ وسر الصناعة ١ / ٨٨ والأعلم ١ / ١٥ و ٢ / ٥٩ وشرح الأبيات المشكلة ٩٩ وشرح ملحة الإعراب ٦٧ وأسرار العربية ١٠٣ والإنصاف ١٧ والكوفي ١٦١ / أو ٢١١ / ب والمغني ش ١٥٦ ج ١ / ١٠٨ وأوضح المسالك ش ٢٠ ج ١ / ٥٥ وشرح السيوطي ش ١٤٨ ص ٣٢٨ وش ٦١٢ ص ٨٠٨ وشرح الأشموني ١ / ٤٦ و ١٦٨ والخزانة ٣ / ٥٣٤
(٢) سيد وداهية جاهلي وأحد الكملة وهم أربعة إخوة ، أمهم فاطمة بنت الخرشب الأنمارية ، نادم النعمان بن المنذر وله شعر جيد (ت نحو ٣٠ ق ه) ترجمته في : المعارف ٥٨١ والدرة الفاخرة (٦٧٩) ٢ / ٤١٠ وجمهرة الأنساب ٢٥٠ والتبريزي ٣ / ٢٤ وسرح العيون ١٥٧ ـ ١٥٨
(لبون) فاعل يأتيك. كأنه قال : ألم يأتيك لبون بني زياد؟ يريد : ألم يأتيك خبر لبون بني زياد وما صنع بها. فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، ويكون في (لاقت) ضمير يعود إلى (اللبون) ويكون (لبون) في نية التقديم كأنه قال : ألم يأتيك خبر لبون بني زياد بما لاقت.
ويجوز أن يقال : إن الباء في قوله (بما لاقت) زائدة ، وكأنه قال : ألم يأتيك ما لاقت لبون بني زياد؟ ويكون كقوله عز وجل : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (١).
و (محبسها) معطوف على فاعل (يأتيك) واللّبون : أراد بها جماعة الإبل التي لها لبن ، والقرشي : عبد الله (٢) بن جدعان التيمي ، وتشرى : تباع ويؤخذ بثمنها دروع وسيوف.
وسبب هذا الشعر أن الربيع بن زياد طلب من قيس بن زهير درعا ، فبينا هو يخاطبه والدرع مع قيس إذ أخذها الربيع وذهب بها ، فلقي قيس أمّ الربيع وهي فاطمة (٣) بنت الخرشب فأسرها ، وأراد أن يرتهنها حتى يرد عليه درعه الربيع. فقالت له : يا قيس أين عزب عنك حلمك ، أترى بني زياد مصالحيك وقد أخذت أمهم فذهبت بها ، وقد قال الناس ما قالوا؟ ويكفيك من
__________________
(١) سورة النساء ٤ / ٧٦
(٢) تقدمت ترجمته.
(٣) أنمارية غطفانية ، أم سبعة اشتهر منهم ثلاثة وصفوا بالكملة منهم : الربيع الكامل وأبوهم زياد بن سفيان العبسي. وفي أمثالهم «أنجب من فاطمة» ترجمتها في : الدرة الفاخرة ١ / ٢٢٥ وشرح الحماسة للمرزوقي ١ / ٤٧٠ والخزانة ٣ / ٣٦٤ ورغبة الآمل ٣ / ٤٤ وأعلام النساء ٣ / ١١٤٨
شر سماعه .. فخلّى عنها. وأخذ إبل الربيع فحملها إلى مكة وباعها ، واشترى من عبد الله بن جدعان بها سلاحا.
[النصب على المصدر باضمار فعل]
١٦٥ ـ قال سيبويه (١ / ١٣٧) في المنصوبات : قال الشّماخ :
(أواعدتني (١) مالا أحاول نفعه |
|
مواعيد عرقوب أخاه بيترب) (٢) |
الشاهد (٣) في نصب (مواعيد) بإضمار فعل. وقولهم : مواعيد عرقوب ، هو مثل (٤) مقول قبل أن ينظمه الشماخ. وشاهد سيبويه في أنهم نصبوه في
__________________
(١) في الأصل (وأوعدتني) وهو ضد المعنى المراد. قال الجوهري (وعد) ١ / ٥٤٨ العدة والوعد في الخير ، والوعيد والإيعاد في الشر ، قال الشاعر :
وإني وإن أوعدته أو وعدته |
|
لمخلف إيعادي ومنجز موعدي |
ولو صحت رواية (أوعد) لوقع في خطأ ، لأنه يتعدى بالباء (أوعد بكذا).
(٢) عند سيبويه عجز البيت فقط ، بلا نسبة. وهو للشماخ في : ملحق ديوانه ص ٤٣٠ أول ثلاثة أبيات سيذكرها الغندجاني في تعقيبه بعد قليل. وفي رواية الديوان (بيثرب) بالمثلثة. وهو الصواب في بيت الشماخ ، بيد أن لجبيهاء الأشجعي بيتا شبيها به قافيته (بيترب) وسيرد تفصيل ذلك.
(٣) ورد الشاهد في شرح الكوفي ٢٧ / ب و ١٦١ / ب.
(٤) ورد المثل في : الدرة الفاخرة ١ / ١٧٧ وقد ضمّنه في شعره شاعر آخر هو جبيهاء الأشجعي فتداخل البيتان ، وبيت جبيهاء هو :
وعدت وكان الخلف منك سجيّة |
|
مواعيد عرقوب أخاه بيترب |
وجبيهاء : شاعر إسلامي مقلّ ، اسمه يزيد بن عبيد ، نشأ وتوفي في العصر الأموي.
انظر : ألقاب الشعراء ـ نوادر المخطوطات ٧ / ٣١٠
وروي بيت جبيهاء (بيترب) بالتاء المثناة في : الصحاح (ترب) ١ / ٩١ و (عرقب) ١ / ١٨٠ واللسان (ترب) ١ / ٢٢٤ و (عزب) ٢ / ٨٥ والقاموس (عرقوب) ١ / ١٠٣.
المّثّل ، ثم ضم الشماخ إليه بقية البيت. و (مواعيد) في بيت الشماخ منصوب (بأوعدتني) يريد : أوعدتني مواعيد مثل مواعيد عرقوب أخاه.
وعرقوب هذا هو عرقوب (١) بن صخر من العماليق ، وعد رجلا من العرب نخلة يطعمه طلعها ، فلما أطلعت أتاه يلتمس ما وعده فقال له : اتركها حتى تصير بلحا فتركها. فلما أبلحت أتاه ، فقال : اتركها حتى تصير بسرا. فلما أبسرت أتاه ، فقال : اتركها حتى ترطب. فلما أرطبت أتاه ، فقال : اتركها حتى تصير تمرا. فلما أتمرت عمد إليها عرقوب فجذّها بالليل. فجاء الرجل ورآها لا شيء فيها ، فضربت العرب بعرقوب المثل.
و (يترب) (٢) موضع على مثال (يرمع) وهو غير يثرب (٣).
__________________
(١) وجاء في الدرة الفاخرة ١ / ١٧٨ لبعض أصحاب المعاني أن (مواعيد عرقوب) : أي مواعيد فيها خلف لا أنهم يريدون رجلا بعينه. وفي القاموس (العرقوب) ١ / ١٠٣ أن العراقيب هي خياشيم الجبال ومن أقوالهم : جاءنا بأمر فيه عرقوب أي فيه التواء.
(٢) قرية بين اليمامة والوشم. البكري ٨٥٠
(*) عقب الغندجاني ـ على رواية ابن السيرافي (يترب) وما ذكره في تفسيرها ـ بقوله :
«قال س : هذا موضع المثل : يحيي البيض ويقتل الفراخ.
كثيرا ما يلهج ابن السيرافي بالتصحيف الفاحش ويدع الصريح الصرنقح جانبا. (يترب) هاهنا في وزن (يرمع) كما ذكره ابن السيرافي ـ تصحيف فاحش ، والصواب في هذا البيت (يثرب) وهي مدينة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تسمى في الجاهلية يثرب ، ثم جرت قصة عرقوب.
فأما (يترب وبلاد) فهما بلدان قريبان من حجر اليمامة ، تجود سهمانهما. والبيت من أبيات الشماخ. وهي :
[إضمار (كان) مع اسمها بعد (إن)]
١٦٦ ـ قال سيبويه (١ / ١٣٢) في المنصوبات : قالت ليلى (١) الأخيلية : /
إن الخليع ورهطه من عامر |
|
كالقلب ألبس جؤجؤا وحزيما |
(لا تقربنّ الدهر آل مطرّف |
|
إن ظالما فيهم وإن مظلوما) (٢) |
الشاهد (٣) فيه أنه أضمر فعل الشرط بعد (إن) ، ونصب به (ظالما) ، كأنه قال : إن كنت ظالما وإن كنت مظلوما
__________________
أواعدتني مالا أحاول نفعه |
|
مواعيد عرقوب أخاه بيثرب |
وواعدتني عاديّة بين جولها |
|
وبين رجاها نصف شأو مغرّب |
تميل كما مالت على أخواتها |
|
خرود عذارى في خباء مطنّب» |
(فرحة الأديب ١٩ / أ)
(١) ليلى بنت عبد الله العامرية ، والأخيل جدها الأعلى ، شاعرة محببة ذكية ، تهاجت مع النابغة الجعدي ، وأخبارها مشهورة مع توبة (ت ٨٠ ه) ترجمتها في : الشعر والشعراء ١ / ٤٤٨ والأغاني ١١ / ٢٠٤ والعيني ٢ / ٤٧ وشرح شواهد المغني للسيوطي ٦٤٥ ورغبة الآمل ٥ / ٢١٩ وأعلام النساء ٣ / ١٣٨٥ وانظر خبر موتها في الأغاني ١١ / ٢٤٤
(٢) ديوانها ق ٣٦ / ٤ ، ٧ ص ١٠٨ من قصيدة قالتها تمدح آل مطرف العامريين.
وجاء في صدر الثاني (لا تغزونّ) وتلك أدل من هذه على المدح ، وفي عجزه (لا ظالما أبدا). ورويا لليلى أو لحميد بن ثور في أمالي القالي ١ / ٢٤٥
(٣) ورد الشاهد في : النحاس ٤١ / ب والأعلم ١ / ١٣٢ وشرح الأبيات المشكلة ٢٠٣
تمدح بذلك همّام بن مطرّف ، وهو من ولد الخليع (١). والجؤجؤ : الصدر ، وأرادت به وسطه. والحزيم : الصدر ، وأرادت به ما حول الجؤجؤ. تعني أنّ الخليع وولده من بني عامر بمنزلة القلب في البدن لا يوصل إليه ، وحوله
__________________
والكوفي ١٩ / ب و ٣٣ / ب و ١٦١ / ب. وقال النحاس في معناه : «أي لا تقربنهم فإنهم لا يزال فيهم من يكون ظالما ومظلوما».
قلت : وليس كذلك ، فهي تمدح قومها من بني عامر. وما جاء عند ابن السيرافي وأخذ به الأعلم حسن.
(*) عقب الغندجاني على شرح ابن السيرافي بقوله :
«قال س : هذا موضع المثل :
إن المحامين عن المجد قلل
معرفة مثل هذا الشعر وما فيه من النسب عزيز. ليس البيت لليلى الأخيلية ، بل هو لحميد بن ثور الهلالي في كلمته التي أولها :
لما تخايلت الحمول حسبتها |
|
دوما بأيلة ناعما مكموما |
وهي أبيات.
ولم يذكر ابن السيرافي الخليع في أنه من أي الناس. وهو من بني عقيل. والخلعاء : عمرو وعامر وعويمر من بني ربيعة بن عقيل ، وإياهم عنى الخطيم اللص بقوله :
فلو كنت من رهط الأصمّ بن مالك |
|
أو الخلعاء أو زهير بني عبس |
إذا لرمت قيس ورائي بالحصا |
|
وما أسلم الجاني لما جرّ بالأمس» |
(فرحة الأديب ١٩ / أ)
ما يحفظه. وأرادت أن آل مطرّف لا يقدر عليهم من أراد ظلمهم ، ولا ينتصف منهم من ظلموه لعزتهم وقوتهم.
[نصب المصدر على الظرفية]
١٦٧ ـ قال سيبويه (١ / ١٢٠) في المنصوبات : قال حميد (١) بن ثور :
(وما هي إلا في إزار وعلقة |
|
مغار ابن همّام على حيّ خثعما) (٢) |
الشاهد (٣) فيه أنه نصب (مغار ابن همام) على الظرف.
والإزار : المئزر ، والعلقة (٤) الشوذر. يريد أنها كانت في وقت إغارة ابن همّام على خثعم. وابن همّام : هو عمرو (٥) بن همّام بن مطرّف ، من
__________________
(١) حميد بن ثور الهلالي ، أبو المثنى ، شاعر مخضرم ، جعله ابن سلام في طبقة الإسلاميين الرابعة (ت نحو ٣٠ ه) ترجمته في : الشعر والشعراء ١ / ٣٩٠ والأغاني ٤ / ٣٥٦ وشرح شواهد المغني للسيوطي ٢٠١ وحسن الصحابة ٩٢ ورغبة الآمل ٢ / ٤٢
(٢) البيت عند سيبويه لحميد بن ثور ، وليس في ديوانه ، وقد أشار إلى هذا عبد السلام هارون في خاتمة الديوان ، وجاء في : فرحة الأديب ١٩ / ب أن البيت للطمّاح بن عامر ابن الأعلم بن خويلد العقيلي ، وسيلي نصه. وروي البيت بلا نسبة في : المخصص ٤ / ٣٥ واللسان (لحس) ٨ / ٨٩ و (علق) ١٢ / ١٣٤ ، ١٤١
(٣) ورد الشاهد في : الكامل للمبرد ١ / ٢٠١ والمقتضب ٢ / ١٢١ والنحاس ٣٩ / ب والأعلم ١ / ١٢٠ والكوفي ٦ / ب و ١٦١ / ب.
(٤) العلقة أو الشوذر : ثوب إلى الفخذين بلا كمين تلبسه الجارية. يكنّي بذلك عن صغر سنها. انظر المخصص ٤ / ٣٥ واللسان (علق) ١٢ / ١٣٤ ، ١٤١
(٥) وقيل : اسمه المقدّم بن عمرو بن همام بن مطرف ، أغار على ناس من خثعم فأخذ منهم إبلا ورقيقا .. انظر الخبر مفصلا في الأغاني ٨ / ١٧٥ وما بعدها.
الخلعاء ، كانت خثعم قتلت أباه همّام بن مطرّف ، فأتى نجدة (١) بن عامر الحروريّ ، فأظهر له أنه على رأيه ، وسأله أن يبعث معه ناسا من أصحابه ، فأرسل معه نجدة خيلا. فأغار على خثعم ، فأصاب فيهم ، وأدرك بثأر أبيه ، وصار رأسا في الخوارج. فلما قضى حاجته رجع إلى قومه فنزل فيهم ، ثم وضع السيف في النجدية (٢).
__________________
(١) هو رأس فرقة الخوارج (النجدية) المنسوبة إليه بعد أن انشق عن نافع بن الأزرق ، غلب على البحرين خمس سنوات ، وتسمّى فيها بأمير المؤمنين (قتل سنة ٦٩ ه) ترجمته في : أسماء المغتالين ـ نوادر المخطوطات ٦ / ١٧٩ وثمار القلوب ٩٠ ، ٤٨٥ ورغبة الآمل ١ / ١٨٨
(*) عقب الغندجاني ـ على ما أورده ابن السيرافي من شرح هذا البيت ونسبته ـ بقوله :
«قال س : هذا موضع المثل :
قد غرّني برداك من حذافري |
|
يا ليت من حذافري على حري |
غرّ ابن السيرافي قصيدة حميد الميمية التي أولها :
سل الرّبع أنّى يمّمت أمّ سالم |
|
وهل عادة للرّبع أن يتكلما |
فتوهم أن هذا البيت منها ، والكمر أشباه الكمر. والبيت للطمّاح ابن عامر بن الأعلم بن خويلد العقيلي ، وهو شاعر مجيد ، وله مقطعات حسان ، وهو القائل في كلمة له يفتخر فيها :
وسارا من الملحين ملحي صعايد |
|
وتثليث سيرا يمتطي فقر البزل |
فما قصّرا في السير حتى تناولا |
|
بني أسد في دارهم وبني عجل |
يقودون جردا من بنات مخالس |
|
وأعوج تقفى بالأجلّة والرسل |
وقد ردّ على سيبويه جعله (مغار ابن همام) ظرفا من الزمان ، وقيل : إنه لو كان ظرفا ما اتصل به (على حي خثعم) لأن أسماء [الزمان](١) والمكان المشتقة من الفعل ؛ لا تتعدى إلى المفعول المنصوب ، وإلى المفعول الذي يتعدى بحرف جر.
وحجة سيبويه أن المصادر التي جعلها ظروفا مضاف إليها اسم الزمان ، ثم يحذف اسم الزمان ، فتنوب المصادر عنه. ويروى :
ما هي إلا ذات إتب مفرّج (٢)
__________________
قال الطمّاح العقيلي :
١) عرفت لسلمى رسم دار تخالها |
|
ملاعب جنّ أو كتابا منمنما |
٢) وعهدي بسلمى والشباب كأنه |
|
عسيب نمى في ريّة فتقوّما |
٣) وما هي إلا ذات وثر وشوذر |
|
مغار ابن همّام على حيّ خثعما |
٤) جويرية ما أخلفت من لفافة |
|
ولا الثّدي منها ما عدا أن تحلّما |
٥) تعلقتها وسط الجواري غريرة |
|
وما حلّيت إلا الجمان المنظّما |
٦) إلى أن دعت بالدّرع قبل لداتها |
|
وعادت ترى منهن أبهى وأفخما |
٧) وغصّ سواراها فما يألوانها |
|
إذا بلغا الكفّين أن يتقوّما |
٨) وعادت كهيل من نقا متلبّد |
|
وأفعمت الحجلين حتى تفصّما». |
(فرحة الأديب ١٩ / ب وما بعدها)
(١) ليست في الأصل أو المطبوع ـ سهوا ـ و (المكان) جاء مسبوقا بواو العطف.
(٢) الإتب : ثوب يشق فتلبسه المرأة من غير جيب ولا كمين. انظر : الصحاح (أتب) ١ / ٨٦ والقاموس (الإتب) ١ / ٣٥
[إضافة اسم الفاعل إلى معموله ـ بنيّة التنوين]
١٦٨ ـ قال سيبويه (١ / ٨٥) في باب اسم الفاعل : قال بشر بن أبي خازم :
كأني بين خافيتي عقاب |
|
أكفيّها إذا ابتلّ العذار |
(تراها من يبيس الماء شهبا |
|
مخالط درّة منها غرار) (١) |
شبه فرسه بالعقاب في السرعة ، والخوافي من ريش جناح الطائر : ما دون الفلية : يقول : كأني بين خوافي جناحي عقاب. يريد كأنه راكب على ظهر العقاب ، وإذا كان على ظهرها فهو بين خوافيها (من جناحيها) (٢). إذا ابتلّ العذار : يريد عذار اللجام من عرق الفرس ، وأكفّيها (٣) أضعها مرة نحو اليمين ومرة نحو الشمال وإنما يعني الحبل ، من / يبيس الماء : ويبيس الماء هو
__________________
(١) أورد سيبويه البيت الثاني ونسبه إلى السليك بن السلكة. وهو لبشر في ديوانه ق ١٥ / ٤٧ ـ ٤٨ ص ٧٥ ، وورد ثانيهما للشاعر في : شرح الاختيارات ق ٩٨ / ٤٦ ج ٣ / ١٤٣٦ واللسان (يوس) ٨ / ١٤٩ وروي في أبيات للشاعر في : رغبة الآمل ٤ / ١٨١
(٢) ما بين القوسين ساقط في المطبوع.
(٣) على التخفيف ، والأصل الهمز من : كفأه أو أكفأه بمعنى قلبه وصرفه. انظر : القاموس (كافأه) ١ / ٢٦
والشاهد فيه حذف التنوين من (مخالط) وإضافته على الاستخفاف ، والنية التنوين ونصب (درّة).
ـ وقد ورد الشاهد في : النحاس ٣٦ / ب والأعلم ١ / ٨٥ وقال النحاس : وهو في معنى (يخالط)
العرق الذي قد جف ، وإذا جف العرق عليها ابيضّ ، والدرّة : ما يدر من عرقها ، والغرار : انقطاع خروج العرق ونقصانه.
يعني أنها لا تعرق عرقا كثيرا فتضعف ، ولا ينقطع العرق منها فلا يخرج ، وانقطاعه مذموم ، وكذلك كثرته مذمومة.
[في عمل (زعم)]
١٦٩ ـ قال سيبويه (١ / ٦١) في باب ظننت : قال أبو ذؤيب :
(فإن تزعميني كنت أجهل فيكم |
|
فإني شريت الحلم بعدك بالجهل) |
وقال صحابي : قد غبنت فخلتني |
|
غبنت ، فما أدري أشكلهم شكلي (١) |
الشاهد فيه أنه جعل (تزعم) بمنزلة (تظن) وعدّاه إلى ضمير المتكلم ، وجعل الجملة التي بعده في موضع المفعول الثاني ، ويعود إلى المفعول الأول وهو ضمير المتكلم ـ من الجملة التي في موضع المفعول الثاني ـ التاء التي هي الاسم في (كنت).
وشريت : في هذا الموضع بمعنى اشتريت. ويروى (فإني اشتريت).
يقول لها : إن كنت تزعميني أني كنت جاهلا باتّباعك ومحبتك ؛ فقد اشتريت الحلم بصبري عنك ، وبعت الجهل. وجعل استبداله الصبر والحلم بدل الهوى والغزل ؛ بمنزلة استبدال الشيء المشترى بدل الثمن المدفوع عوضا منه.
وقال صحابي قد غبنت في تركك اتّباعها ، واستبدالك به الصبر عنها.
وزعم أن الذي عنده خلاف الذي عندهم وقوله : أشكلهم شكلي أي أطريقتهم
__________________
(١) تقدمت المسألة والشاهد في الفقرة (٣٣).
طريقتي؟ يريد أنهم كانوا معه في حال طلبه للّعب والجهل ، ثم تركهم هو وقال : ما أدري ، أشكلهم شكلي الآن في تركهم الغزل واللعب ؛ أم هم مقيمون على ما كانوا عليه؟ ..
[إضمار (كان) مع اسمها]
١٧٠ ـ قال سيبويه (١ / ١٣١) في المنصوبات : قال النعمان بن المنذر :
فما انتفاؤك منه بعد ما جزعت |
|
هوج المطيّ به أبراق شمليلا |
(قد قيل ذلك إن حقا وإن كذبا |
|
فما اعتذارك من شيء إذا قيلا) (١) |
الشاهد (٢) فيه أنه (٣) نصب (حقا وكذبا) بفعل محذوف بعد (إن) وحذف الفعل بعدها وهو فعل الشرط.
وهوج المطي : اللاتي فيها شبه الهوج من سرعتها ونشاطها إذا سارت ، وأبراق (٤) جمع برق ، وبرق : جمع برقة ، والبرقة : المكان الذي فيه رمل وحصى. وجزعت : قطعت ، وشمليل (٥) مكان.
__________________
(١) روى البيتين للنعمان كل من : السيوطي والبغدادي ضمن عدد من الأبيات. وجاء في عجز الأول عند كليهما (أكناف شمليلا) وفي صدر الثاني عند السيوطي (قد قيل ما قيل).
انظر شرح شواهد المغني للسيوطي ١٨٨ والخزانة ٢ / ٧٨
(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٤١ / ب والأعلم ١ / ١٣١ وشرح الأبيات المشكلة ٢٠٣ والكوفي ٣٣ / أو ١٦٤ / ب والمغني ش ٨٥ ج ١ / ٦١ وابن عقيل ش ٧٢ ج ١ / ٢٠٦ وشرح السيوطي ش ٨١ ص ١٨٨ والأشموني ١ / ١١٨ والخزانة ٢ / ٧٨
(٣) (أنه) ساقط في المطبوع.
(٤) عدّد في القاموس ما ينيف على المائة من برق ديار العرب ، أنظر (البرق) ٣ / ٢١٢
(٥) جاء في البكري ٨١٤ أنه بلد.
وسبب هذا الشعر أن الربيع بن زياد العبسي كان نديم النعمان بن المنذر ، فوفدت بنو عامر إلى النعمان وأقاموا عنده لبعض حوائجهم ، فكان الربيع يقع فيهم ويحقرهم عند الملك ، وكان لبيد يومئذ غلاما قد أخذوه معهم.
فأخذت بنو عامر لبيدا معهم في بعض الأيام ودخلوا على النعمان. وشرح حديثهم (١) فيه طول. فرجز لبيد بالربيع بن زياد ، وقال يخاطب الملك :
مهلا أبيت اللعن لا تأكل معه |
|
إنّ استه من برص ملمّعه |
وإنه يولج فيها إصبعه |
|
يدخلها حتى يواري أشجعه |
كأنما يطلب شيئا ضيّعه (٢) |
فترك النعمان مؤاكلته وقال له : عد إلى قومك ، ولك عندي ما تريد من الحوائج. فمضى الربيع إلى قبته ، وتجرد ، وأحضر من شاهد بدنه وأنه ليس فيه سوء. فأخبروا النعمان بذلك فقال له : قد قيل ذلك. أي إنك أبرص إن كان الذي قيل حقا وإن كان كذبا ؛ فما اعتذارك منه وأنت لا يمكنك أن تمنع الناس من الحديث ، ولا تضبطه بعد انتشاره. فلا وجه لتعنّيك بالاعتذار وهو لا ينفعك.
__________________
(١) انظر الخبر مفصلا في شرح ديوان لبيد ص ٣٤٣
(٢) ديوان لبيد ص ٣٤٣ وفيه الأبيات الخمسة خاتمة أرجوزة في عشرين بيتا ، وجاء في الثالث (وإنه يدخل) ورويت الأبيات للبيد في : العيني ٢ / ٦٨ والبغدادي ٢ / ٧٩ وجاء في قافية الخامس عند العيني (أودعه) وهي مرجوحة بحيوية دلالة الأخرى.
والملمّع : الذي يكون في جسده بقع تخالف سائر لونه ، والأشاجع : جمع أشجع وهي العصبات على ظهر الكف تتصل بظهور الأصابع. انظر المخصص ٢ / ٦ واللسان (لمع) ١٠ / ٢٠١.
[حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه]
١٧١ ـ قال سيبويه (١ / ١١٠) قال النابغة الجعدي :
(وكيف تصاحب من أصبحت |
|
خلالته كأبي مرحب) |
وبعض الأخلّاء عند البلا ... |
|
ء والرّزء أروغ من ثعلب (١) |
أبو مرحب : الذي يقول لك أهلا ومرحبا إذا لقيك ، ليس عنده غير ذلك ، وإذا أردت منه شيئا تلتمسه ؛ لم تجده.
[العطف على المحل]
١٧٢ ـ قال سيبويه (١ / ٣٥) في المنصوبات : قال كعب (٢) بن جعيل :
(ألا حيّ ندماني عمير بن عامر |
|
إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا) |
صحا القلب عن حيّين شتّت نواهما |
|
بخيبر في البلقاء فيمن تمعددا (٣) |
__________________
(١) ديوان الجعدي ٢ / ٤٣ ـ ٤٤ ص ٢٦ من قصيدة طويلة وترتيبهما فيه معكوس ، وجاء في صدر الأول (وكيف تواصل). ورويا للشاعر في : اللسان (خلل) ١٣ / ٢٣٠ و (ردب) ١ / ٤٠٠ وأولهما بلا نسبة في : (شرب) ١ / ٤٧٤ و (برر) ٥ / ١١٦
والشاهد فيه حذف المضاف. يريد كخلالة أبي مرحب. وقد تقدم في الفقرة (٣٩).
(٢) شاعر تغلبي مخضرم ، اتصل بمعاوية وشهد معه صفين ، هاجاه الأخطل (ت ٥٥ ه).
ترجمته في : الشعر والشعراء ٢ / ٦٤٩ والمؤتلف (تر ٢١٨) ٨٤ وثمار القلوب ٥٩٥ ومعجم الشعراء ٣٤٤ والموشح ٨١ والخزانة ١ / ٤٥٨ ـ ٤٥٩
(٣) روي البيتان لكعب عند الكوفي ١٦٥ / أ.
الشاهد (١) فيه أنه نصب (أو غدا) وعطفه على موضع (من اليوم) كأنه قال : تلاقينا اليوم أو غدا.
وشتّت نواهما : يريد أنهم فارقوا قومهم وبعدوا عنهم ، وصار بعضهم بالبلقاء من أرض الشام وبعضهم بموضع آخر. وتمعدد الرجل : إذا ذهب في الأرض وأبعد. كما قال معن (٢) بن أوس :
... |
|
وإن كان من ذي ودّنا قد تمعددا (٣) |
[النصب بإضمار فعل يقصده المعنى]
١٧٣ ـ قال سيبويه : (١ / ٨٦) في المنصوبات ، قال كعب بن جعيل :
أعنيّ أمير المؤمنين بنائل |
|
أعنك وأشهد من لقائك مشهدا |
أعنّي بخوّار العنان تخاله |
|
إذا راح يردي بالمدجّج أحردا |
__________________
(١) ورد الشاهد في : النحاس ٢٠ / أوالأعلم ١ / ٣٥ وشرح الأبيات المشكلة ٩١ والإنصاف ١٨٧ و ٢٠٨ والكوفي ١٦ / ب و ١٦٥ / أ.
(٢) شاعر مزني مخضرم. له مدائح في الصحابة ، رحل إلى الشام والبصرة (ت بالمدينة ٦٤ ه) ترجمته في : الأغاني ١٢ / ٥٤ وجمهرة الأنساب ٢٠٢ ومعجم الشعراء ٣٩٩ وشرح شواهد المغني للسيوطي ٨٠٨ والخزانة ٣ / ٢٥٨
(٣) ورد البيت لمعن في : الصحاح (عدد) ١ / ٥٠٣ والكوفي ١٦٥ / أواللسان (عرد) ٤ / ٢٧٨ و (معد) ٤ / ٤١٣ وبدون نسبة في المخصص ١٢ / ٥٤ والبيت بتمامه :
قفا إنها أمست قفارا ومن بها |
|
وإن كان من ذي ودّنا قد تمعددا |
وقيل في معنى تمعدد : تشبّه بعيش معدّ وكانوا أهل قشف وغلظ. ومنه قول عمر ابن الخطاب : «اخشوشنوا وتمعددوا» (انظر الصحاح) ولا خلاف بين معاني الكلمة.
(وأبيض مصقول السّطام مهنّدا |
|
وذا حلق من نسج داود مسردا) (١) |
كذا إنشاد البيت الأخير في كتاب سيبويه. والشاهد (٢) فيه أنه نصب (أبيض) بإضمار فعل كأنه قال : وأعطني أبيض ..
والبيت في شعره واقع على غير هذا الإنشاد ، وإنشاده :
وإني لمستكسيك حوكا يمانيا |
|
وذا حلق من نسج داود مؤبدا |
والخوار العنان : الفرس اللين العنان ، الذي لا يتعب يد راكبه ولا يؤذيه. والمدجج : الذي قد لبس السلاح ، والأحرد : الذي يرجم بقوائمه الأرض ، كما يفعل البعير الأحرد إذا ضرب بأخفافه الأرض. يريد أنك تحسبه أحرد. والحرد : داء يكون في القوائم ، إذا أصاب البعير خبط بيديه. وإنما يفعل الفرس هذا من النشاط والمرح.
ويردي بالمدجج : يعدو به ، والأبيض : السيف ، والمصقول السّطام : يريد المصقول الحدين والجانبين ، والمهند : المنسوب إلى الهند ، وذا حلق : يريد به الدرع ، ودرع الحديد مؤنئة ، وإنما ذكّر على تأويل القميص واللباس. وقد قيل : إنه يذكّر (٣) وقد قال الشاعر (٤).
__________________
(١) أورد سيبويه للشاعر البيتين الأول والثالث ، وورد الثلاثة للشاعر في شرح الكوفي ١٦٥ / أأما الرواية الأخرى التي أوردها ابن السيرافي للبيت الثالث ، فيبدو أنها بيت آخر ..
(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٣٧ / ب والأعلم ١ / ٨٦ والكوفي ١٦٥ / أ.
(٣) كذا في اللسان. تذكر وتؤنث. انظر (درع) ٩ / ٤٣٥ أما في : (مختصر المذكر والمؤنث) لابن سلمة ص ٥٨ فهي مؤنثة فحسب ، وجاء في عبارة أبي موسى الحامض في رسالته : ما يذكّر ويؤنث من الإنسان ومن اللباس (فصلة) ص ٢٦٨ قوله «القميص ذكر فإذا أنثوه أرادوا درع الحديد» ونقرأ لابن فارس في : (المذكر والمؤنث)
مقلّصا بالدّرع ذي التغضّن
والحوك : ما نسج باليمن ، يعني به بردا يمانيا.
[مجيء الواو بمعنى (مع)]
١٧٤ ـ قال سيبويه (١ / ١٥٢) في المنصوبات : قال شدّاد بن معاوية العبسي أبو عنترة :
(فمن يك سائلا عني فإني |
|
وجروة لا ترود ولا تعار) |
مقرّبة الشتاء ولا تراها |
|
أمام الحيّ يتبعها المهار |
لها بالصيف آصرة وجلّ |
|
وستّ من كرائمها غزار (١) |
__________________
ص ٥١ قوله : «ودرع الحديد مؤنثة وربما ذكّرت في لغة تميم. ونقل في الحاشية عن المخصص ١٧ / ٢٠ أنها تذكر وتؤنث ، والتأنيث هو الغالب».
هو أبو الأخرر. براءين. كذا قال ابن منظور الذي أورد له البيت المذكور وبعده قوله :
يمشي العرضنى في الحديد المتقن
انظر اللسان (درع) ٩ / ٤٣٥
قلت : وأرجّح أن في الاسم تصحيفا ، والراجز هو : أبو الأخزر الحمّاني. واسمه قتيبة بن عبد العزّى من تميم ويكنى أبا نخيلة ، عاصر جريرا ، وبينه وبين بلال بن جرير مباسطات. ترجمته في : كنى الشعراء ـ نوادر المخطوطات ٧ / ٢٨٣ والمؤتلف (تر ١٢١) ص ٥٢ والخزانة ٢ / ٣١١ ورغبة الآمل ٥ / ٥٤
__________________
(١) الأبيات في مقطوعة لشداد العبسي في : أسماء خيل العرب وأنسابها للغندجاني ٦ / ب أنساب الخيل لابن الكلبي ص ٦٨ وجاء في عجز الأول (لاتباع ولا تعار) وفي عجز الثاني
جروة : اسم فرس شدّاد ، لا ترود : لا تذهب وتجيء ، يريد : إنها لا تخلّى وتترك تذهب ونجيء مع / الخيل ، ولا تعار لمن التمس إعارتها ضنا بها. مقرّبة الشتاء : يعني أنها تشدّ عند بيتنا الشتاء لنتولى نحن وأهلنا القيام عليها وخدمتها ، ولا يترك فحل ينزو عليها فتلد مهارا ، لأنه محتاج إلى ركوبها إذا غزي قومه أو غزا قوما.
أراد أن حاجته إليها دائمة. لها بالصيف آصرة : جمع إصار وهو كساء يجمع فيه ما قطع من العشب والحشيش ، وجلّ تغطّى به ، وست من الإبل أفردت لها لتسقى ألبانها.
[النصب على الحال وهو يحتمل التمييز]
١٧٥ ـ قال سيبويه (١ / ٨١) في المنصوبات : قال عمرو (١) بن عمار النهديّ ، ويروى لامرىء القيس :
وغيث من الوسميّ جنّت تلاعه |
|
وأبرز عن نور كأوشية الرّقم |
عدوت عليه من قرار مسيلة |
|
بأجرد كالتمثال معتدل فعم |
__________________
(وراء الحي) ، وهذه الرواية في كلا الموضعين تبدو أجود من رواية النص لأن حبس الفرس لا يصنع فرسا للنزال والكر.
الشاهد في أنه جعل الواو بمعنى مع. والتقدير : إني وجروة مقرونان ، فاستغنى بذلك عن ذكر خبر (جروة) المعطوفة على اسم إنّ لتضمّن الواو معنى الاقتران والصحبة.
ـ وقد ورد الشاهد في : النحاس ٤٨ / أوالأعلم ١ / ١٥٢ والكوفي ١٦٥ / ب و ١٩٢ / أ.
(١) ترجم المرزباني في معجم الشعراء ٢٢٧ لشاعر اسمه عمرو بن هند الهنديّ ، وأورد له في مدح ابن الزبير قوله :
ألم تر أولاد الزبير تحالفوا |
|
على المجد ما صامت قريش وصلّت. |
(طويل متلّ العنق أشرف كاهلا |
|
أشقّ رحيب الجوف معتدل الجرم) (١) |
الشاهد (٢) فيه أنه نصب (كاهلا) على الحال.
جنت تلاعه : علا نبتها وطال ، وأبرز عن نور : يعني ظهر نوره ألوانا ، فيه أبيض وأحمر وأصفر ، والأوشية : جمع على غير قياس ، كأنه جمع وشاء ، ووشاء : جمع وشي ، إلا أن وشاء لا أعلم أنه سمع ، الرّقم : الدارات ونحوها ، والقرار : الموضع الذي يستقر فيه الماء وتنبت حوله الرياض ، والأجرد (٣) فرس ، كالتمثال : يريد أنه كصورة مصورة في الحسن معتدل الخلق ، فعم : ممتلىء ليس بمتغضن الجلد ، والمتلّ : العنق ، والكاهل : ما بين كتفيه ، والأشق : الطويل ، رحيب الجوف : واسعه ، وهذا محمود في الخيل ، والجرم : الجسد.
[نصب (أي) على الظرفية]
١٧٦ ـ قال سيبويه (١ / ١٢٢) في المنصوبات : قال حريث (٤) بن جبلة العذري :
__________________
(١) لا وجود لهذه الأبيات في شعر امرىء القيس ولا في المنسوب إليه ، وهي لعمرو ابن عمار النهدي في شرح الكوفي ١٦٦ / أوثالثها للشاعر نفسه عند : سيبويه ١ / ٨١ وتفسير عيون سيبويه ٢٠ / أ.
(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٣٤ / ب وتفسير عيون سيبويه ٢٠ / أوالأعلم ١ / ٨١ والكوفي ١٦٦ / أوقال القرطبي : (أشرف كاهلا) بمعنى ذهب صعدا ، فهي تنصب نصبها لأنه أخبر أن الإشراف والذهاب كانا على هذه الحال. ولا يمتنع التمييز عند الكوفي ، وهو مقبول. بيد أن المعنى على الإعراب الأول أوسع وأشمل وإن كان لا يفهم إلا بتفسير وتأويل.
(٣) الفرس الأجرد ما كان رقيق الشعر قصيره. الصحاح (جرد) ١ / ٤٥٢
(*) عقب الغندجاني على نسبة هذا الشعر إلى حريث بقوله :
(حتى كأن لم يكن إلا تذكره |
|
والدهر أيّتما حال دهارير) |
الشاهد (١) فيه أنه نصب (أيتما حال) على الظرف و (دهارير) مبتدأ ، و (أيتما حال) خبره و (يكن) في البيت هي من (كان التامة) كأنه قال : حتى كأنّ الإنسان لم يوجد في الدنيا أو لم يحدث إلا تذكّره. وفي (يكن) ضمير المرء ، وتقدير الكلام : حتى كأن الإنسان لم يوجد إلا ذكره ، يريد أن الإنسان قصير العمر ، وما مضى من عمره إذا مات كأنه لم يوجد.
ويحكى أن عبيد (٢) بن سارية الجرهميّ قدم على معاوية ـ وكان عبيد من المعمّرين ، قيل إنه عمّر ثلاثمائة سنة ، وقيل إنه عمر مائتين وعشرين سنة ـ فسأله معاوية عن أشياء كثيرة حتى قال له : فأخبرني عن أعجب شيء رأيته؟ قال : أعجب
__________________
«قال س : هذا موضع المثل : اختلط الليل بألوان الحصى
خلط ابن السيرافي في هذا الاسم ، إنما هو جبلة بن الحويرث العذري ، وقد أورد ابن السيرافي تمام الأبيات».
(فرحة الأديب ٢٠ / أ)
(١) ورد الشاهد في : النحاس ٣٩ / ب وسر الصناعة ١ / ٢٥٦ والأعلم ١ / ١٢٢ والكوفي ١٦٦ / أو ١٧١ / أوشرح السيوطي ش ١١٨ / ص ٢٤٤
وقال سيبويه : هو بمنزلة قولك والدهر دهارير كلّ حال وكلّ مرة ، فانتصب لأنه ظرف.
قلت : والمعنى : الدهر متقلب متغير. وعلى هذا (فالدهر) مبتدأ و (دهارير) خبره و (أيّة) ظرف متعلق بالخبر ، و (ما) زائدة.
(٢) راوية معمر وأحد حكماء الجاهلية ت نحو ٦٧ ه. وقد ورد الخبر بتمامه مع الشعر في المصادر التالية ـ حيث ترجمة عبيد بن سارية الجرهمي ـ وهي : المعمرون ٥٢ وعيون الأخبار ٢ / ٣٠٥ ومعجم الأدباء ١٢ / ٧٦ وصاحب الأبيات فيها جميعا هو حريث بن جبلة.