شرح أبيات سيبويه - ج ١

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي

شرح أبيات سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي


المحقق: الدكتور محمّد علي سلطاني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٠
الجزء ١ الجزء ٢

ومعنى قوله أسجح : سهّل علينا حتى نصبر ، فلسنا بجبال ولا حديد فنصبر على ما تفعله بنا. وبلغني عن بعض من تأدب بالنظر في أبيات من الشعر ـ ودخل على بعض السلاطين الذين لا يميزون من دخل إليهم إلا بحسن الزّيّ والهيئة ـ أنه أنكر استشهاد سيبويه بهذا البيت وقال : البيت مجرور ، ومعه أبيات مجرورة (١).

ولم يعلم أن هذا البيت يروى نصبا مع (٢) أبيات منصوبة ، ويروى جرا مع أبيات مجرورة. فمن رواه بالنصب روى معه :

__________________

الإعراب ١ / ١٤٧ و ٢٩٤ وتفسير عيون سيبويه ١٢ / ب والأعلم ١ / ٣٤ وشرح الأبيات المشكلة ٩٠ والإنصاف ١٨٧ والكوفي ١٧ / أو ١٤٨ / أوالمغني ش ٧٤٠ ج ٢ / ٤٧٧ وشرح السيوطي ش ٧١٩ ص ٨٧٠ والخزانة ١ / ٣٤٣ و ٢ / ١٤٣

وذكر النحاس أن تأويله : فلسنا بالجبال ولا بالحديد ، فلما فقد الباء نصب. وأشار ابن جني إلى أن هذه الباء زائدة مؤكدة. ويرى الكوفي أن العطف على اللفظ أولى إن أمكن.

(١) رد الأعلم في ١ / ٣٤ هذا الإنكار عن سيبويه بقوله : «وسيبويه غير متّهم فيما نقله رواية عن العرب ، ويجوز أن يكون البيت من قصيدة منصوبة غير هذه المعروفة ، أو يكون الذي أنشده رده إلى لغته فقبله منه سيبويه منصوبة ، فيكون الاحتجاج بلغة المنشد لا بقول الشاعر».

وقد أكد ابن السيرافي وجود روايتي الجر والنصب كما ترى في النص ، وجاء عند الكوفي ١٤٨ / أما يشبه كلام ابن السيرافي دون زيادة. أما البغدادي فقد فصّل وأورد من القصيدة أبياتا أخر يجوز في بعضها جر القافية ونصبها ويتعذر غير الجر في بعضها الآخر. وختم عرضه بإيراد أبيات منصوبة في هجاء بني حرب على البحر والقافية لعبد الله بن الزّبير الأسديّ مشيرا إلى أنه ربما تداخل شيء منها في قول عقيبة. انظر الخزانة ١ / ٣٤٣ وما بعدها.

وقد أشار ابن عبد ربه إلى هذه الأبيات وأكد أن الشاعر قالها بالخفض ، وأورد منها أربعة أبيات. انظر ذلك في العقد الفريد ٦ / ٢٣٠ (باب ما غلط فيه على الشعراء).

(٢) في المطبوع : ومعه.

٣٠١

أقيموها بني حرب إليكم

ولا ترموا بها الغرض البعيدا

ومن رواه بالجر روى معه :

أكلتم أرضنا فجردتموها

فهل من قائم أو من حصيد

وقد وقع في كتاب سيبويه مثل هذا ، وذلك أن بعض الأبيات يروى على وجه من الإعراب مع غيره ، ويروى على وجه آخر.

فمن ذلك ما أنشده سيبويه (١ / ٤٢١) وهو لرجل (١) من بني دارم :

ليبك أبا بدر حمار وثلّة

وسالية راثت عليها وطابها

(كأنّك لم تذبح لأهلك نعجة

فيصبح ملقى بالفناء إهابها) (٢)

فهذا مرفوع على ما أنشده سيبويه. وقالت امرأة من بني حنيفة :

كأنّك لم تذبح لأهلك نعجة

وتلق على باب الخباء إهابها /

ولم تجب البيد التّنائف تقتنص

بهاجرة حسلانها وضبابها

فإن متّ أردى الموت أبناء عامر

وخصّ بني كعب وعمرو كلابها (٣)

__________________

(١) اسمه سويد بن الطويلة كما سيذكر ابن السيرافي بعد. شاعر جاهلي ، عاش في زمن عمرو بن هند. انظر سرح العيون ٤٣٣

(٢) ورد ثانيهما ـ بلا نسبة ـ عند سيبويه ، وذكرهما الكوفي لسويد في ٢٤٤ / ب. ولفظ (ثلة) هنا بفتح الثاء وتعني جماعة الضأن ، وهو مراد الشاعر. أما إذا أردنا بها جماعة الناس فهي بضم الثاء. انظر الصحاح (ثلل) ٤ / ١٦٤٧

ـ الشاهد فيه نصب جواب الجحود بالفاء. وقد ورد الشاهد في : المقتضب ٢ / ١٨ والنحاس ٩٠ / أوالأعلم ١ / ٤٢١ والكوفي ١٤٨ / ب و ٢٤٤ / ب.

(٣) رواها الكوفي في شرحه ٢٤٥ / أونسبها إلى امرأة عجوز.

٣٠٢

وأنشد سيبويه (١ / ٣٩٥) بيت قيس بن ذريح :

تبكّي على لبنى وأنت فقدتها (١)

 ...

والبيت الآخر : وقال عروة (٢) بن الورد في قصيدة له منصوبة :

 ...

وأنت عليها بالملا كنت أقدرا (٣)

فلا ينبغي أن يذهب إنسان له علم وتحصيل ، إلى أن سيبويه غلط في الإنشاد ، وإن وقع شيء مما استشهد به ـ في الدواوين ـ على خلاف ما ذكر ، فإنما ذلك سمع إنشاده ممن يستشهد بقوله على وجه ، فأنشد ما سمع ، لأن الذي رواه قوله حجة ، فصار بمنزلة شعر يروى على وجهين.

[إعمال الصفة المشبهة بال]

١٤٦ ـ قال سيبويه (١ / ١٠٣) في باب (٤) حسن الوجه :

__________________

(١) تقدم البيت لقيس في الفقرة (١١٧) بقافية مرفوعة. إذ كان عجزه ـ كما في سيبويه ١ / ٣٩٥ ـ :

وكنت عليها بالملا أنت أقدر

(٢) من بني عبس ، أحد الشجعان الأجواد في الجاهلية ، ذو مروءة وبر بالفقراء ويدعى عروة الصعاليك. ترجمته في : الشعر والشعراء ٢ / ٦٧٥ والأغاني ٣ / ٧٣ وثمار القلوب ١٠٣ والتبريزي ١ / ٢١٩ ورغبة الآمل ٢ / ١٠٤

(٣) ديوان عروة بن الورد ص ٦١ من قصيدة قالها في فراق أم أولاده له وكان سباها ، ثم استزارته أهلها وأبت أن تعود معه. مطلعها :

تحنّ إلى سلمى بحرّ بلادها

وأنت عليها بالملا كنت أقدرا

ورويت أبيات عروة في خبرها في الأغاني ٣ / ٨١

ـ وقد ورد الشاهد في : الأعلم ١ / ٣٩٥ والكوفي ١٥١ / ب.

(٤) تقدم شيء من هذا الباب في الفقرات : (١ ، ٢ ، ١١ ، ٣٠ ، ٥٧ ، ٧٩ ، ١٠٥ ، ١٢٤).

٣٠٣

فداك وخم لا يبالي السّبّا

(الحزن بابا والعقور كلبا) (١)

الشاهد (٢) في نصب (بابا) بالحزن و (كلبا) بالعقور وليس فيهما ألف ولام.

والوخم : الثقيل. يمدح رجلا ، يقول له : فداك من الرجال كل وخم ثقيل ، لا يرتاح لفعل المكارم ، ولا يهشّ للجود ، ولا يبالي أن يسب ويشهر بخله ، ويرى المال أحبّ إليه من نفسه. والحزن : الصعب الشديد. أراد أن بابه حزن صعب ، شديد الدخول فيه. يعني أنه يمتنع من الوصول إليه حتى لا يلتمس معروفه.

وأراد أن الوصول إليه ممتنع ، وليس يعني نفس الباب ، والعقور كلبا : يريد أنّ من أتاه لقي قبل الوصول إليه ما يكره ، من حاجب أو بوّاب أو صاحب ، وجعل له كلبا على طريق الاستعارة كما يكون في البادية. يقول : فداك من الناس رجل هذا وصفه.

[النصب على المصدرية باضمار فعل]

١٤٧ ـ قال سيبويه (١ / ١٦٤) في المنصوبات : قال أمية (٣) بن أبي الصلت :

__________________

(١) البيتان لرؤبة عند سيبويه الذي أورد ثانيهما حيث الشاهد. وهما للشاعر في : مجموع أشعار العرب ق ٣ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ج ٣ / ١٥ آخر الأرجوزة. وجاء في صدر الأول (فداك) بفتح الباء على أنه فعل ماض. ورواية العيني ٣ / ٦١٧ (فذاك) بالذال. وتبدو رواية ابن السيرافي أليق بالمديح.

(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٢٤ / أوالأعلم ١ / ١٠٣ والكوفي ٤ / ب و ١٥١ / ب والعيني ٣ / ٦١٧ والأشموني ٢ / ٣٦١ والخزانة ٣ / ٤٨٠ وقال الأعلم : نصب (بابا وكلبا) على قولك : الحسن وجها. وهما منصوبان على التمييز.

(٣) أمية بن عبد الله الثقفي ، شاعر وابن شاعر ، قرأ الكتب السماوية المتقدمة فرغب عن عبادة الأوثان ولم يدخل في الإسلام. (ت ٥ ه‍). ترجمته في : الشعر والشعراء ١ / ٤٥٩ والمعارف ٦٠ والأغاني ٤ / ١٢٠ وجمهرة الأنساب ٢٦٩ والخزانة ١ / ١١٩

٣٠٤

(سلامك ربّنا في كل فجر

بريئا ما تغنّثك الذّموم)

عبادك يخطأون وأنت ربّ

بكفّيك المنايا والحتوم (١)

الشاهد (٢) فيه أنه نصب (سلامك) بإضمار فعل ، كأنه قال : نسلّمك سلاما ، أي نصفك بالسلامة من كل صفة لا تليق بصفاتك ، ونبرّئك من الأفعال التي يتعلق بها الذم. وتغنثك : تتعلق بك. ويروي :

ما تليق بك الذموم

ومعنى يخطأون : يأثمون ، يقال منه خطىء يخطأ في معنى أخطأ. والحتوم : جمع حتم وهو القضاء بكون الشيء. يريد : إنك إذا قضيت بشيء أن يكون وحتمت أنك تفعله فلا مرد له.

[نصب (مناط الثريا) وشبهها على الظرفية]

١٤٨ ـ قال سيبويه (١ / ٢٠٦) في الظروف : قال عبد الرحمن (٣) ابن حسان

__________________

(١) ديوان أمية ص ٥٤ من قصيدة مطلعها :

جهنم تلك لا تبقي بغيّا

وعدن لا يطالعها رجيم

وجاء في عجز الأول (ما تليق بك الذموم) وفي صدر الثاني (يخطئون). وروي الأول لأمية في : المخصص ١٧ / ١٦٥ واللسان (غوث) ٢ / ٤٧٩ و (حتم) ١٥ / ٢ و (ذمم) ١٥ / ١١٠ و (سلم) ١٥ / ١٨٣ وبلا نسبة في (خطأ) ١ / ٦٠ وجاء في المطبوع في صدر الثاني : يخطئون!

(٢) ورد الشاهد في : الأعلم ١ / ١٦٤ والكوفي ٣٢ / أو ١٥١ / ب.

(٣) عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري ، من أسرة شاعرة ، أمه أخت مارية القبطية (ت بالمدينة ١٠٤ ه‍). ترجمته في : سرح العيون ٣٨١ والإصابة (تر ٦٢٠٥) ٣ / ٦٧ ورغبة الآمل ٣ / ١٦٧

٣٠٥

وإنّ بني حرب كما قد علمتم

مناط الثّريّا قد تعلّت نجومها)

وكلّ بني العاصي سعيد ورهطه

منازل مجد هابها من يرومها (١)

مدح عبد الرحمن بهذا الشعر معاوية (٢) ، وذلك أنه لما هاجى عبد الرحمن ابن حسان عبد الرحمن (٣) بن الحكم أخا مروان بن الحكم ، وتسابّا وتشاتما ؛ عمد مروان إلى عبد الرحمن بن حسان فجلده ثمانين جلدة لأجل قذفه لعبد الرحمن بن الحكم ، فكتب ابن حسان إلى النعمان (٤) بن بشير الأنصاريّ وهو بالشام يخبره بما صنع به ، فدخل النعمان على معاوية فذكر له ما صنع بابن حسان ، فقال له معاوية : إنه قذف ، فقال له : إنه قد قال له عبد الرحمن بن الحكم مثل ما قال.

فكتب معاوية إلى مروان : ادفع عبد الرحمن بن الحكم إلى عبد الرحمن / ابن حسان حتى يجلده ثمانين ، وإلا بعثت النعمان بن بشير بعهده إلى المدينة حتى تأخذ له بحقه. فلما أتى الكتاب مروان ، دفع أخاه إلى ابن حسان فجلده ، فمدح عبد الرحمن بن حسان معاوية.

__________________

(١) ورد أولهما عند سيبويه وقد نسبه إلى الأخوص (بالمعجمة) ، وورد البيتان لعبد الرحمن بن حسان في شرح الكوفي ١٥٢ / أ. وروي الأول بلا نسبة في : المخصص ١٣ / ٥٤

(٢) هو الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان (ت ٦٠ ه‍) انظر : الوصايا ١٥٥ وثمار القلوب ٨٨ والكامل لابن الأثير ٣ / ٢٥٩ وما بعدها والإصابة (تر ٨٠٧٠) ٣ / ٤١٢

(٣) هو أخو الخليفة مروان بن الحكم لأمه ، أبو مطرّف. كان يهاجي عبد الرحمن ابن حسان. انظر الأغاني ١٣ / ٢٥٩

(٤) النعمان بن بشير الأنصاري ، أمير من ولاة معاوية ، خطيب وشاعر ، وإليه تنسب معرة النعمان بلد أبي العلاء (ت ٦٥ ه‍). ترجمته في : المعارف ٢٩٤ والأغاني ١٦ / ٢٨ والإصابة (تر ٨٧٣٠) ٣ / ٥٢٩ وحسن الصحابة ١٦٠

٣٠٦

ومعنى تعلّت : ارتفعت ، ومناط (١) الثريا : الموضع الذي فيه الثريا من الفلك ، ويقال : نطت الشيء إذا علّقه ، والمعنى واضح.

[إظهار (ما) ترجيحا لرفع المعطوف]

١٤٩ ـ قال سيبويه (١ / ١٥٢) في باب المفعول معه : قال زياد (٢) الأعجم :

(تكلّفني سويق الكرم جرم

وما جرم وما ذاك السّويق)

فما شربوه وهو لهم حلال

ولا غالوا به في يوم سوق (٣)

__________________

(١) الشاهد في نصب (مناط) على الظرفية. وقد ورد في : النحاس ٥٥ / أوتفسير عيون سيبويه ٩ / ب والأعلم ١ / ٢٠٦ والكوفي ٧٧ / أو ١٥٢ / أ.

وقال القرطبي : والعرب تقول : زيد مني مناط الثريا ومقعد القابلة ونحوه ، ولا تقول زيد الشام ولا زيد البيت.

(٢) زياد بن سليمان الأعجم أبو أمامة ، من شعراء الدولة الأموية ، غلبت العجمة على لسانه بمقامه في اصطخر (ت نحو ١٠٠ ه‍) ترجمته في : الشعر والشعراء ١ / ٤٣٠ والأغاني ١٥ / ٣٨٠ والمؤتلف (تر ٤١٣) ١٣١ وثمار القلوب ٢٣٧ و ٢٥٨ وشرح شواهد المغني للسيوطي ٢٠٦ والخزانة ٤ / ١٩٣ ورغبة الآمل ٣ / ٢٣١

(٣) ورد البيتان للشاعر في شرح الأعلم ١ / ١٥٢ ، وجاءت رواية الثاني خالية من الإقواء وهو قوله :

وما عرفته جرم وهو حل

وما غالى بها إذ قام سوق

كما رويا للشاعر برواية الأعلم في رغبة الآمل ٣ / ٢٣١ وروي الأول بلا نسبة في المخصص ٥ / ٨

والشاهد فيه إظهار (ما) وهي ابتداء بمعنى مع ، وما بعدها لا يكون إلا مرفوعا لأنها ليست بفعل. وقال النحاس : «رفع على معنى وأيّ شيء السويق».

ـ وقد ورد الشاهد في : النحاس ٤٧ / ب والأعلم ١ / ١٥٢ والكوفي ١٥٢ / أ.

٣٠٧

وسبب هذا الشعر ، أن قوما من أهل الشام من جرم لقوا زيادا الأعجم وهم لا يعرفونه ، فاقتحمته أعينهم واحتقروه ، واستدلّوه على موضع تباع فيه الخمر ، فاشتروها ، وسخّروه في حملها ، فقال هذا الشعر.

وأراد بسويق الكرم : الخمر ، ثم قال : وما جرم وما ذاك السويق ، يريد أنهم لم يكونوا يشربون الخمر فيما سلف ، لبخلهم ، وأنهم كانوا لا يرتاحون إلى شربها وما شربوها في الجاهلية وهي لهم حلال ، ولا غالوا بثمنها ، لقلة رغبتهم في الدعوات وفي إنفاق المال.

[حذف المضاف ـ للايجاز]

١٥٠ ـ قال سيبويه (١ / ١٠٩) في باب من المجاز : قال شقيق بن جزء بن رباح الباهلي (١) :

وعاد عليه أنّ الخيل كانت

طرائق بين منقية ورار

(كأنّ عذيرهم بجنوب سلّى

نعام قاق في بلد قفار) (٢)

الشاهد (٣) فيه على حذف المضاف في قوله : كأنّ عذيرهم عذير نعام.

__________________

(١) تقدمت ترجمته في الفقرة (٩٤) واسم أبيه فيها (رياح) باثنتين وهو (رباح) بواحدة عند ابن بري في اللسان (كسق) ١٢ / ٢٠١ ولم تذكر مصادر ترجمته لدي اسم أبيه.

(٢) أورد سيبويه ثانيهما ونسبه إلى النابغة الجعدي وتبعه الأعلم ، واستند جامع شعر النابغة إليهما فقط ، فأثبت البيت مفردا في ديوانه ص ٢٤٢. والبيتان لشقيق بن جزء في : فرحة الأديب ٢٣ / أمن قصيدة ، وسيلي نصه. وروي الثاني للجعدي أو لشقيق بن جزء في : اللسان (كسق) ١٢ / ٢٠١ وبلا نسبة في (سلسل) ١٣ / ٣٦٥

(٣) ورد الشاهد في : الكامل للمبرد ٣ / ٣٢٢ والنحاس ٢٥ / أوالأعلم ١ / ١٠٩ والإنصاف ٤٥ والكوفي ٦٥ / أ.

٣٠٨

والعذير : الحال ، يريد كأنّ حالهم في هربهم منا وفرارهم ، حال نعام يبادر في العدو وهو فزع مذعور. وقوله : كانت طرائق : أي ضروبا ، لم تكن كلها قوية تصبر على العدو. والمنقية : التي فيها نقي وهو المخ ، والرّار : المخ الرقيق ، ومخ المهزول يرقّ. وأراد : بين منقية وذات رار فحذف.

وسلّى : موضع بعينه. ويروى :

كأنّهم برمل الخلّ قصرا

ولا شاهد فيه على هذه الرواية. والخلّ : موضع ، وقصرا : عشيا ، وقاق : صوّت وصاح. وذكر عن بعض شيوخنا أنه قال : العذير في هذا البيت : الصوت ، وقد ردّ عليه ، وعاد عليه : يريد : عاد عليه بالنفع والسلامة ، كون بعض هذه الخيل مهزولا ولا يمكن الطلب عليه ، ولو كانت سمانا للحقناه. وكانت بنو ضبّة غزت باهلة وعليهم حكيم بن قبيصة بن ضرار الضبي ، فهزمتهم باهلة ، وجرحوا حكيما ، وقتلوا عبيدة الضبي (١).

__________________

(*) عقّب الغندجاني على ما ذكره ابن السيرافي حول مناسبة البيتين بقوله :

«قال س : هذا موضع المثل :

فآب الكرام بالسبايا غنيمة

وآب بنو نهد بأيرين في سفط

جاء ابن السيرافي بغلطين فاحشين في تفسير هذا الشعر ، لأنه ذكر أن بني ضبة أغارت على بني باهلة فهزمتهم باهلة. وهذا بجهله بسلّى أنها في بلاد باهلة أو ببلاد ضبة ، وجاء بالأبيات أيضا متفرقة لا متوالية ، وفيها أيضا تقديم وتأخير.

والصواب ما أملاه علينا أبو الندى رحمه الله قال : أغار شقيق بن جزء الباهلي على بني ضبة بسلّى وساجر ، وهما روضتان لعكل ، إياهما عنى سويد ابن كراع بقوله :

٣٠٩

__________________

أشتّ فؤادي من هواه بساجر

وآخر كوفيّ هوى متباعد

وضبة وعكل وعدي وتيم حلفاء متجاورون. وفيهم يقول لقيط بن زرارة :

ألا من رأى العبدين أو ذكرا له

عدي وتيم تبتغي من تحالف

فحالف فلا والله تهبط تلعة

من الأرض إلا أنت للذلّ عارف

وضبة عبد ثالث لا أخا له

كما زيّف النّمّيّ بالكفّ صارف

رجع إلى الحديث. فهزمهم ، وأفلت عوف بن ضرار في ذلك اليوم ، وحكيم ابن قبيصة بن ضرار بعد أن جرح ، وقتلوا عبيدة بن قضيب الضبي.

وقال شقيق بن جزء في إفلات عوف بن ضرار :

وأفلتنا لدى الأسلات عوف

لدى الورهاء تطعن في اللّجام

وكان هو الشفاء فأحرزته

صنيع المتن رابية الحزام

كأنّ حمامة ورقاء يرمى

بها الرّجوان من ورق الحمام

أهان لها الطعام فلم تضعه

غداة الروع إذ أزمت أزام

وقال شقيق في يوم سلّى :

١) لقد قرّت لهم عيني بسلّى

وروضة ساجر ذات العرار

٢) جزيت الملحبين بما أزلّت

من البومى رماح بني ضرار

٣)نكسّر في متونهم العوالي

وتمضي السمهرية في انئطار

٤) وأفلت من أسنّتنا حكيم

جريضا مثل إفلات الحمار

٥) وعاد عليه أن الخيل كانت

طرائق بين منقية ورار

٦) كأنّ عذيرهم بجنوب سلّى

نعام قاق في بلد قفار

٧) ولما أن رأيت أبا حدير

صريع القوم حقّ به حذاري

٨) ولم أك نافسا شيئا عليه

ولم يك نافعي إلا اتّياري

٣١٠

[رفع بعض المصادر ـ في الدعاء]

١٥١ ـ قال سيبويه (١ / ١٥٨) في المنصوبات : قال حسان :

(هاجيتم حسان عند ذكائه

غيّ لمن ولد الحماس طويل)

إنّ الهجاء إليكم لتعلّة

فتحشّشوا إن الذّليل ذليل (١)

الشاهد (٢) فيه أنه رفع (غيّ) وهو من باب المصادر التي يدعا بها ، وهو مبتدأ وخبره (لمن).

والذّكاء : الكبر ، يقال منه ذكّى الرجل : إذا أسن. والحماس : أبو بطن من بني الحارث بن كعب. وقوله : إن الهجاء إليكم لتعلة ، يريد أن الهجاء / قد وجد سببا إليكم وإلى نيل أعراضكم ، فتحششوا : تهيأوا لسماعه ، واصبروا على ما يرد عليكم منه.

__________________

٩) تركت الطير عاكفة عليه

كما عكف النساء على دوار

١٠) ولو لا الليل عاد لهم بنحس

بأشأم طائر راق وجار

١١) فإمّا تقتلنّ أبا حدير

فإني قد شفى نفسي انتصاري

١٢) تركن عبيدة الضّبّيّ يكبو

على الكفين مرتمل الإزار»

 (فرحة الأديب ١٧ / أوما بعدها)

(١) أورد سيبويه أولهما بلا نسبة ، والبيتان لحسان بن ثابت في ديوانه ق ١٠٠ / ٣ ـ ٤ ص ٢١٧ وجاء في مناسبتها أن الأنصار ضجوا من هجاء النجاشي لهم وهو يتبادل الهجاء مع عبد الرحمن بن حسان ، فلجأوا إلى حسان يستنصرونه فقال هذه القصيدة. وجاء في صدر الأول : (هيّجتم) وفي صدر الثاني (لبعلّة). وروي أولهما للشاعر في : المخصص ١٢ / ١٨٥

(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٤٩ / أوالأعلم ١ / ١٥٨

٣١١

[النصب على المصدر باضمار فعل ـ بدلالة ما قبله]

١٥٢ ـ قال سيبويه (١ / ١٧٩) في المنصوبات : قال حريث (١) بن غيلان :

إذا رأتني سقطت أبصارها

(دأب بكار شايحت بكارها)

من مقرم وانتثرت أبعارها (٢)

الشاهد (٣) فيه أنه نصب (دأب بكار) بإضمار فعل دل عليه (سقطت) كأنه قال : دأبت.

والدأب في هذا الموضع : العادة ، وعادة البكار أن تسقط أبصارها من هيبة الفحل العظيم. وفي (رأتني) ضمير يعود إلى (الشعراء) يقول : إذا رأتني الشعراء سقطت أبصارها ، يعني أنهم يغضون أبصارهم هيبة له وإجلالا وخوفا. والبكار : جمع بكر وهو بمنزلة الشاب من الناس ، وشايحت : حاذرت وخشيت من فحل مقرم ، وهو الفحل العظيم الشديد الذي قد ودع للفحلة. و (من مقرم) في صلة (شايحت). يريد أن البكار حاذرت من هذا المقرم وانتثر بعرها.

[حذف النون استخفافا ـ والإضافة إلى ما بعده]

١٥٣ ـ قال سيبويه (٤) (١ / ٨٤) قال أبو ثروان (٥) ، ويروى للمعلوط (٦) ابن بدل :

__________________

(١) لم تذكره المصادر لدي.

(٢) أورد سيبويه الأول والثاني ولم ينسبهما إلى أحد.

(٣) ورد الشاهد في : المقتضب ٣ / ٢٠٤ والنحاس ٥٢ / ب وتفسير عيون سيبويه ٢٦ / أوالأعلم ١ / ١٧٩ والكوفي ٣٢ / ب.

وأجاز الكوفي نصب (دأب) على الحال. وفيه تقليص للمعنى وقصره على موقف واحد.

(٤) تقدم الكلام في شيء من هذه المسألة في الفقرة (٩٩) حول حذف النون استخفافا. ـ

٣١٢

إنّ الغزال الذي يرجون غرّته

جمع يضيق به العتكان أو أطد

(مستحقبو حلق الماذيّ يحفزها

بالمشرفيّ ، وغاب فوقه حصد) (١)

العتكان : تثنية اسم (٢) موضع ، وأطد معطوف عليه ، والماذي : الدروع (٣)

__________________

هو أبو ثروان العكلي ، أعرابي بدوي فصيح ، تعلم في البادية ، له من الكتب : خلق الفرس ، ومعاني الشعر. انظر معجم البلدان (تر ٣٤) ٧ / ١٤٨

المعلوط بن بدل القريعي. وفي الخزانة (ابن بدر) وهو تصحيف. شاعر إسلامي. انظر التبريزي ٣ / ١٧٧ والخزانة ١ / ٥٣٧ والسمط ١ / ٤٣٤

(١) أورد سيبويه ثانيهما ـ حيث الشاهد ـ ونسبه إلى الزبرقان بن بدر. وجاء في صدر البيت (مستحقبي) بالياء. وروي البيتان في : فرحة الأديب ٦٣ / ب في أبيات نسبها إلى الزبرقان. وفيها (مستحقبو) بالواو. وسيلي نصه.

ـ والشاهد حذف نون (مستحقبو) استخفافا وجر ما بعده. وقد ورد الشاهد في : النحاس ٣٦ / ب والأعلم ١ / ٨٤ والكوفي ١٥٢ / ب.

(٢) العتك موضع. البكري ٦٤٤

(*) عقب الغندجاني ـ على ما أورده ابن السيرافي من رواية البيتين والقدر المبين من الشرح ـ بقوله :

«قال س : هذا موضع المثل :

ليس المرء في شيء ولا اليربوع في شيء.

لا أبو ثروان من هذا الشعر في شيء ولا المعلوط ، إنما هو للزبرقان بن بدر. ولم يذكر ابن السيرافي أيضا في تفسيره ما يدل على شيء فيه فائدة. وذلك أنه لم يعرف قصته ، ومثل هذا الشعر إذا لم تعرف قصته لم يعرف معناه البتة.

وكان من قصة هذا الشعر أن النبي ـ عليه وآله الصلاة والسلام ـ بعث الزبرقان ابن بدر على صدقات عوف بن كعب ، وعبشمس بن سعد ، ولمرىء القيس بن

٣١٣

السهلة اللينة ، ومستحقبو : أي جعلوا الدروع حقائب لهم شدوها وراء ظهورهم ، يحفزه : يدفعه. يريد أن دروعهم إذا لبسوها وتقلدوا عليها بالسيوف ؛ فالسيوف تدفع الدروع وتحفزها.

وفي (تحفزه) ضمير فاعل يعود إلى الجمع ، والمشرفي : يريد جماعة السيوف

__________________

زيد مناة. فقبض النبي صلى الله عليه وآله ، وقد اجتمعت في يده إبل كثيرة من الصدقة ، فارتدت قبائل وسعاة من سعاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذهبوا بما كان في أيديهم.

وكان ممن ارتد قيس بن عاصم المنقري ، فقسم صدقة النبي صلّى الله عليه وسلم على قومه ، فلما رأت ذلك بنو عوف وناس من أصحاب الزبرقان قالوا : اصنع بنا كما صنع قيس .. فجعل يمنّيهم ، وأرادت الأبناء أبناء سعد أن يطلبوها ، فواعدهم : أن تلقوني غدا ، ثم ضمها فساق بها إلى أبي بكر هو وبنوه. وقال : يا بنيّ ؛ هذه نجاة الآخرة ومجد الدنيا. فطردها هو وبنوه ، ستة : حزن وتغلب وعياش والحرّ وزياد وبجالة بنو الزبرقان. وعياش لا عقب له.

فقال في الأبناء حين تختّله عنها في كلمة له :

١) يا عجبا عقد الأبناء تختلني

والله أعلم ماذا تختل العقد

العقد : عوف وعوافة ومالك وجشم بنو سعد ، وهم الأبناء تحالفوا.

٢) ساروا إلينا بنصف الليل فاحتملوا

ولا رهينة إلا سيّد صمد

٣) فقد رأيت حلولا غير نازحة

منكم قريبا مغبّا دونها الأسد

٤) سيروا رويدا وإنا لن نفوتكم

وإنّ ما بيننا سهل لكم جدد

٥) إنّ الغزال الذي ترجون غرته

جمع يضيق به العتكان أو أطد

٦) مستحقبو حلق الماذيّ يحفزه

ضرب طلخف وطعن بينه حصد

العتكان وأطد أودية لبني بهدلة».

(فرحة الأديب ٤٦ / ب وما بعدها)

٣١٤

المنسوبة إلى المشارف وهي قرى تعمل فيها السيوف ، والغاب : الأجم ، وأراد بالغاب في البيت : الرماح المجتمعة كأنها أجمة ، والحصد : الملتف ، وفوقه : يريد فوق الماذيّ.

ويروى في شعره :

 ... يحفزه

ضرب دراك وغاب فوقه حصد

[في نصب المصادر المثناة]

١٥٤ ـ قال سيبويه (١ / ١٧٥) في المنصوبات : قال العجاج :

(ضربا هذاذيك وطعنا وخضا)

يمضي إلى عاصي العروق النّحضا

حتى تشظّوا خرزا منفضّا (١)

ضربا : منصوب بإضمار (نضربهم) ضربا. هذاذيك : أي نهذّ اللحم هذّا بعد هذّ (٢) أي نقطعه.

__________________

(١) أورد سيبويه البيت الأول بلا نسبة. والأبيات للعجاج في ديوانه ق ٦ / ٢٦ ـ ٢٧ ، ٣٢ ص ٩٢ بترتيب مغاير إذ تأخر أولها ، وجاء ثالثها : (حتى اشفترّوا خرزا مرفضّا).

كما رويت للعجاج في : مجموع أشعار العرب ق ١٩ / ٢٤ ـ ٢٥ ، ٤٠ ج ٢ / ٣٦ وثالثها فيه كما في الديوان. وأوردها الغندجاني للشاعر في فرحة الأديب ٦٤ / أوسيلي نصه. وروي أولها بلا نسبة في المخصص ٦ / ٨٨ و ١٣ / ٢٣٣

(*) عقب الغندجاني بعد أن أعاد بعض ما أورده ابن السيرافي من إعراب وشرح بقوله :

«في كلام يشبه هذا لا يشفي جوى ، وذلك أنه لم يذكر الممدوح بهذا الشعر ، فيتوهم المتوهم أنه أبيات فخر ، وإنما هو أبيات مديح ، مدح بها الحجاج ابن يوسف وهو :

٣١٥

والطعن الوخض (١) الذي يخالط الجوف ، وعاصي العروق : الذي يضرب ، يقال للعروق الضوارب : عواص ومستضغبة (٢) والنحض : اللحم ، يريد أنه يجاوز اللحم إلى العروق المستبطنة حتى يفتحها ويقطعها. وتشظّوا : تفرقوا ، و (خرزا) منصوب على الحال ، أي : تشظوا مثل خرز قد انقطع من سلكه فتبدد. والمنفضّ : المنقطع.

الشاهد (٣) أنه ثنّى (هذاذيك) ونصبهما لأنهما في موضع (٤) الحال.

__________________

١) فوجدوا الحجّاج يأتي الهضّا

٢) لا فانيا ولا حديثا غضّا

٣) ومن صريح الأكرمين محضا

٤) يجزيهم بطعن قرض قرضا

٥) وتارة يسلّفون فرضا

٦) ضربا هذاذيك وطعنا وخضا

١٢) تركن عبيدة الضّبّيّ يكبو

على الكفين مرتمل الإزار»

٧) يمضي إلى عاصي العروق النّحضا

٨) حتى تشظّوا خرزا منفضّا

وهي أبيات. فقوله : (ضربا وطعنا) ، إنما هو بدل من قوله (فرضا) ، وليس ما قاله ابن السيرافي بصحيح».

(فرحة الأديب ٤٧ / أوما بعدها)

(١) هو الطعن باختلاس. انظر المخصص ٦ / ٨٨

(٢) بمعنى مختفية. أو مستضبعة أي داخلة في الضّبعين. والضّبع ما بين الإبط والعضد. انظر : القاموس (الضاغب) ١ / ٩٦ و (الضبع) ٣ / ٥٣ وجاء في شرح الأصمعي للبيت قوله : أي يبلغ الطعن إلى العرق الباطن الذي لا يرى. انظر ديوان العجاج ص ٩٢

(٣) ورد الشاهد في : النحاس ٥١ / ب والأعلم ١ / ١٧٥ والكوفي ١٥٢ / ب وأوضح المسالك ش ٣٢٨ ج ٢ / ١٨٧ والأشموني ٢ / ٣١٣ والخزانة ١ / ٢٧٤

(٤) أي وقع الضرب هذّا بعد هذّ ، ويصح النصب على المصدر ، كما ذكره سيبويه.

٣١٦

[رفع المصدر في غير الدعاء]

١٥٥ ـ قال سيبويه (١ / ١٦٢) في المنصوبات : قال الملبد (١) بن حرملة من بني أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان :

يشكو إليّ جملي طول السّرى

(صبر جميل فكلانا مبتلى) (٢)(٣)

وفي شعره :

يشكو إليّ فرسي وقع القنا

__________________

(١) شاعر فارس من بني شيبان ، ثار على العباسيين وهزم عددا من الحملات التي سيرها المنصور إليه ، واستولى على ناحية الجزيرة. ثم قتل سنة ١٣٨ ه‍. انظر : الكامل لابن الأثير ٤ / ٣٥٧ وتاريخ الطبري ٧ / ٤٩٥

(٢) لم ينسبهما سيبويه ، ووردا للشاعر في شرح الكوفي ١٥٣ / أ. ورويا بلا نسبة في : اللسان (شكا) ١٩ / ١٧١

(*) أما الغندجاني ، فيعقب على نسبتهما بقوله :

«ليس بيت الكتاب للملبد بن حرملة الشيباني ، إنما سئل أبو عبيدة عن قائله فقال : هو لبعض السوّاقين ، فأنشد :

يشكو إليّ جملي طول السّرى

يا جملي ليس إليّ المشتكى

صبر جميل فكلانا مبتلى

الدرهمان كلّفاني ما ترى

قال س : حفظي : صبرا جميلي.

وأما أبيات الملبد ، فليس فيه (صبر جميل) وهي :

يشكو إليّ فرمي وقع القنا

اصبر جميل فكلانا مبتلى».

(فرحة الأديب ٤٧ / ب)

٣١٧

الشاهد (١) فيه على رفع (صبر جميل) أي : صبر جميل أصلح من الشكوى. أو تضمر ما يقارب هذا المعنى.

[في ضرورة الشعر ـ إظهار التضعيف]

١٥٦ ـ وقال سيبويه (١ / ١١) في باب ضرورة الشعر (٢) : قال قعنب (٣) ابن أم صاحب :

(مهلا أعاذل قد جرّبت من خلقي

أني أجود لأقوام وإن ضننوا) (٤) /

الشاهد (٥) في إظهار التضعيف في (ضننوا) أراد ضنّوا فاضطر إلى إظهار التضعيف. و (مهلا) منصوب بإضمار فعل ، كأنه قال : أمهلي يا عاذلة ولا تبادري باللوم ، ومهلا في موضع إمهالا ، يقول : أمهلي. و (أعاذل) نداء.

__________________

(١) ورد الشاهد في : معاني القرآن ٢ / ١٥٣ ، ١٥٦ وعنده (صبرا جميلا) والنحاس ٥٠ / أوالأعلم ١ / ١٦٢ والكوفي ٣٢ / أو ١٥٣ / أوالأشموني ١ / ١٠٦ قلت : والرفع أنسب للمعنى لاشتراكهما في الصبر ، ومال الفراء إلى النصب على الأمر. بينما علل للرفع في قوله تعالى «فصبر جميل» بأن يعقوب عليه السلام كان يعزي نفسه.

(٢) تقدم شيء من هذا الباب في الفقرات : (٢٣ ، ٢٥ ، ٦٠ ، ٩٣ ، ١١٦ ، ١٢٢).

(٣) قعنب بن ضمرة الغطفاني ، من شعراء العصر الأموي (ت نحو ٩٥ ه‍). ترجمته في : ألقاب الشعراء ـ نوادر المخطوطات ٧ / ٣١٠ ومن نسب إلى أمه من الشعراء ـ نوادر المخطوطات ١ / ٩٢ والتبريزي ٤ / ١٢

(٤) ديوان مختارات شعراء العرب ص ٨ من قصيدة للشاعر. وروي البيت لقعنب في اللسان (عبل) ١٣ / ٤٤٦ و (ضنن) ١٧ / ١٣٠ وبلا نسبة في (حمم) ١٥ / ٤٧

(٥) ورد الشاهد في : سيبويه أيضا ٢ / ١٦١ والمقتضب ١ / ٢٥٣ و ٣ / ٣٥٤ والنحاس ٥ / ب والأعلم ١ / ١١ و ٢ / ١٦١ والكوفي ١٥٣ / ب وشرح ملحة الإعراب ٦٧

وأشار سيبويه في ٢ / ١٦١ إلى أن الشعراء إذا اضطروا فكوا الإدغام وأجروه على الأصل ، وهو في الشعر كثير.

٣١٨

أراد ، يا عاذلة قد جربت من خلقي ؛ أني أجود على من يبخل عليّ ، ولا ألتمس منه المكافأة. و (إن ضننوا) شرط محذوف الجواب ، كأنه قال : وإن ضنّوا لم أضنّ.

[النصب باضمار فعل ، أو نصبه بما قبله ـ للمعنى]

١٥٧ ـ قال سيبويه (١ / ١٨٠) في المنصوبات : قال العجاج :

ينضو الهماليج وينضو الزّفّفا

ناج طواه الأين مما وجفا

طيّ الليالي زلفا فزلفا

(سماوة الهلال حتى احقوقفا) (١)

الشاهد (٢) في نصب (سماوة) بإضمار فعل ، كأنه قال : جعل الأين

__________________

(١) أورد سيبويه الأبيات ـ عدا الأول ـ بلا نسبة ، وهي للعجاج في ديوانه ق ٤٤ / ٣٧ ـ ٣٨ ـ ٣٩ ـ ٤٠ ص ٤٩٥ من أرجوزة مطلعها :

يا صاح ما هاج الدموع الذّرّفا

كما وردت للعجاج في : أراجيز العرب ص ٥٢ ـ ٥٣ وفي : مجموع أشعار العرب ق ٣٥ / ٧٧ ـ ٦٧ ـ ٦٨ ـ ٦٩ ج ٢ / ٨٤ وروي الثاني للعجاج في : الصحاح (وجف) ٤ / ١٤٣٧ والأبيات عدا أولها للشاعر في : اللسان (حلف) ١٠ / ٣٩٨ و (زلف) ١١ / ٣٨ و (وحف) ١١ / ٢٦٨ و (سما) ١٩ / ١٢٤ والرابع بلا نسبة في : المخصص ١٠ / ١٣٧

(٢) ورد الشاهد في : الكامل ١ / ١٥٠ و ٣ / ٩٩ والنحاس ٥٢ / ب وتفسير عيون سيبويه ٢٦ / أوالأعلم ١ / ١٨٠ وشرح الأبيات المشكلة ٢٠٨ والكوفي ٣٢ / ب و ١٥٩ / أ. ونصب المبرد (سماوة) بطي الليالي. وهو أقوى للمعنى وأجود في العبارة ، إذ يغني عن تقدير فعل محذوف. أي : طواه الأين كما طوت الليالي سماوة الهلال.

٣١٩

[الجمل](١) مثل سماوة الهلال. وصف جملا. وقوله : ينضو الهماليج ، يريد أنه يسرع حتى يتقدمها ويكون أمامها ، والهماليج : التي تسير هملجة ، وهو سير سريع مع وطاء وترفيه للراكب. والزّفّف : جمع زافّ ، وهو من زفّ يزفّ زفيفا إذا أسرع. والناجي : الذي ينجو أي يسرع ، والأين : الإعياء والتعب ، ووجف : أسرع أيضا ، والوجيف : ضرب من العدو فيه إسراع ، والزّلف : جمع زلفة وهو أن يفعل الفعل شيئا بعد شيء.

يريد أن الليالي طوت القمر ، أي أخذت من استدارته شيئا بعد شيء ؛ تأخذ في كل ليلة جزءا ، وسماوة الهلال : أعلاه ، واحقو قف : اعوجّ. وكان ينبغي أن يقول : طيّ الليالي سماوة القمر ، وعبّر عنه بالحال التي يصير إليها إذا طوي.

ومثله :

والسّبّ تخريق الأديم الألخن (٢)

وإنما يلخن (٣) بالسب.

ومثله :

والشّوق شاج للعيون الحذّل (٤)

__________________

(١) زيادة يقتضيها تمام العبارة لأداء المعنى ، ليست في المطبوع.

(٢) البيت لرؤبة في : مجموع أشعار العرب ق ٥٧ / ٧ ج ٣ / ١٦٠ من أرجوزة طويلة (٣٧٠) بيتا قالها يمدح بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري. وروي البيت للشاعر في : المخصص ١٧ / ٧٨ واللسان (لخن) ١ / ٢٦٧

(٣) اللخن نتن الريح عامة ، وسقاء ألخن : قد تغير طعمه ورائحته. اللسان (لخن) ١٧ / ٢٦٧

(٤) البيت للعجاج في ديوانه ق ١٢ / ٢ ص ١٣٩ من أرجوزة طويلة قالها يمدح يزيد بن معاوية. وكذا في : مجموع أشعار العرب ق ٢٩ / ٢ ج ٢ / ٤٥. وروي البيت للشاعر في المخصص ٦ / ٥٠

٣٢٠