شرح أبيات سيبويه - ج ١

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي

شرح أبيات سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي


المحقق: الدكتور محمّد علي سلطاني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٠
الجزء ١ الجزء ٢

على ضرب (١) من التأويل ، وجعل اللفظ بمنهيّها كاللفظ بالمأمور ، وكأنه حين قال : فليس بآتيك منهيّها قد قال : تأتيك (٢) الأمور ، ولو قال : ليس بآتيتك الأمور لجاز أن يقول : ولا قاصر عنك مأمورها ، ويكون (المأمور) مضافا إلى ضمير الأمور.

وعند سيبويه وغيره أن المضاف إلى الشيء ؛ إذا كان بعضا له جاز أن يجعل الخبر عن بعضه على لفظ الخبر عن جميعه. فمن ذلك قولهم : قد ذهبت بعض أصابعه (٣) ، جعلوا اللفظ على (٤) الخبر عن الأصابع.

ومثل هذا فعل في البيت ، كأنه لما كان المنهيّ بعض الأمور ، جعل الخبر عن الأمور ، وإن كان يريد المنهيّ. ولو قال : ليست بآتيتك الأمور وهو يريد المنهيّ لجاز.

قال سيبويه (١ / ٣٢) قال الجعديّ :

وتنكر يوم الرّوع ألوان خيلنا

من الطّعن حتى تحسب الجون أشقرا /

(فليس بمعروف لنا أن نردّها

صحاحا ولا مستنكرا أن تعقّرا) (٥)

__________________

(١) في المطبوع : وجه!

(٢) سيبويه ١ / ٣٢ بما معناه. وفي المطبوع : بآتيك.

(٣) سيبويه (١ / ٢٥).

(٤) في المطبوع : عن.

(٥) ديوان الجعدي ق ٣ ـ أ/ ٧٥ ـ ٧٦ ص ٥٠ من قصيدة طويلة. ورويا للشاعر في التذكرة السعدية ٢١٢ وفيه (تعفرا) بالفاء. وليس بالجيد.

٢٤١

هذا نظير بيت الأعور الشنّي. والشاهد (١) فيه أنه جعل (مستنكرا) في البيت مثل (قاصر) في بيت الأعور.

يجوز فيه الرفع على ما ذكره في بيت الأعور ، ويكون الكلام جملتين. والنصب يجوز أيضا ، ويكون الكلام جملة واحدة ، ويكون (مستنكرا) معطوفا على موضع الباء ، و (أن تعقّرا) معطوف على (أن نردها).

والجرّ فيه من وجهين : أحدهما العطف على عاملين ، والوجه الآخر : أن الضمير المنصوب ب (نردّ) يعود إلى الخيل وليس يعود إلى الرد ، كما كان الضمير المضاف إليه (الأمور) يعود إلى (الأمور) ولا يعود إلى المنهيّ ، وجعل من طريق التأويل الخبر عن ردّ الخيل كالخبر عن الخيل ، وإذا جعلنا تقدير الكلام كأنه قال : فليس بمعروفة لنا الخيل ؛ حسن معه (ولا مستنكر عقرها) ويكون الضمير يعود إلى الخيل ، فجعل ردّ الخيل كأنه الخيل. وما قدمت في بيت الأعور يوضح هذا التأويل.

وكان أبو العباس المبرد يرد الجر في البيتين ، بيت الأعور وبيت الجعديّ.

[اختلاس الحركة في ضرورة الشعر]

١١٦ ـ قال سيبويه (١ / ١٠) وقال مالك (٢) بن حريم الهمداني :

ولا يسأل الضيف الغريب إذا شتا

بما زخرت قدري به حين ودّعا

__________________

(١) ورد الشاهد في : النحاس ٢٧ / ب والأعلم ١ / ٣٢ وشرح الأبيات المشكلة ١٤٢ والكوفي ١٧ / ب.

(٢) شاعر فارس جاهلي ، من اليمن ، اشتهر بوصف الخيل. انظر معجم الشعراء ٣٥٧ و ٤٩٤ والقاموس (الحزم) ٤ / ٩٥

٢٤٢

(فإن يك غثّا أو سمينا فإنني

سأجعل عينيه لنفسه مقنعا) (١)

الشاهد (٢) فيه أنه حذف الياء التي هي صلة الضمير المجرور الذي أضيفت إليه النفس.

والضيف : الذي ينزل بهم ، والغريب : الذي لا يعرفونه ، ينزل بهم في الشتاء عند عدم الأزواد ، فينحرون له ويطبخون. وزخرت القدر : غلت وارتفع ما فيها من شدة الغلي.

يعني أن الضيف لا يسأل بعد مفارقته لهم : أيّ شيء طبخوا في قدرهم؟ لأنهم لا يسترون عنه شيئا من طعام ، ولا يستأثرون عليه ، فهو يعرف ما أصلحوا كما يعرفونه ، فلا يحتاج إلى المسألة عنه.

والباء في قوله (بما) في صلة (زخرت) و (ما) استفهام. يريد بأي شيء زخرت؟ فإن يك غثا أو سمينا فإنني سأريه إياه ، حتى يشاهده فيقتنع بما رأى عن أن يستخبر.

__________________

(١) مجموع أشعار العرب ق ٤٣ / ١٧ ـ ١٨ ص ٤٠ وفيه في عجز الأول : (بما زجرت) بالجيم ، وهو تصحيف. كما رويا للشاعر في الوحشيات ٢٥٩ وفي العجز نفسه (بما أوغلت قدري إذا هو ودّعا).

(٢) ورد الشاهد في : الكامل للمبرد ٢ / ٣٧ والمقتضب ١ / ٣٨ و ٢٦٦ والنحاس ٣ / ب والأعلم ١ / ١٠ والإنصاف ٢ / ٢٦٩ والكوفي ١٩ / أ. وقال النحاس : أراد : لنفسهي ، فلما لم يقم البيت حذف الياء التي بعد الهاء». أي أجرى الوصل مجرى الوقف.

٢٤٣

[خبر كان جملة اسمية]

١١٧ ـ قال سيبويه (١ / ٣٩٥) قال قيس (١) بن ذريح :

(تبكّي على لبنى وأنت تركتها

وكنت عليها بالملا أنت أقدر)

فإن تكن الدنيا بلبنى تقلّبت

فللدهر والدنيا بطون وأظهر (٢)

الشاهد (٣) فيه أنه جعل (أنت) مرفوعا بالابتداء و (أقدر) خبره ، والجملة خبر كان.

والملا : اسم موضع ، والملا (٤) الفضاء المتسع من الأرض. وقوله : فللدهر والدنيا بطون وأظهر ، يريد أن الدنيا لا يطّلع الإنسان فيها إلا على ظواهر

__________________

(١) شاعر متيم من كنانة في العصر الأموي ، سكن المدينة (ت ٦٨ ه‍). ترجمته في : الشعر والشعراء ٢ / ٦٢٨ والأغاني ٩ / ١٨٠ والمؤتلف (تر ٣٧٠) ص ١٢٠ والموشح ٢٠٦ وشرح شواهد المغني للسيوطي ٥٣٩

(٢) رواهما للشاعر صاحب الأغاني ٩ / ٢٠٥ في مقطوعة قدم لها بذكر قصتها. وجاء في أولهما : (أتبكي على لبنى .. وأنت عليها ..) وفي الثاني : (.. تقلبت عليّ فللدنيا بطون ..) وهذه الرواية أفضل من تكرار (الدهر والدنيا) بدون محصول. وروي الأول للشاعر في : اللسان (منى) ٢٠ / ١٦١

(٣) ورد الشاهد في : النحاس ٨٧ / أوالأعلم ١ / ٣٩٥

وقال سيبويه ١ / ٣٩٥ «وقد جعل ناس كثير من العرب (هو وأخواتها) في هذا الباب اسما مبتدأ وما بعده مبنى عليه ، فمن ذلك أنه بلغنا أن رؤبة كان يقول : أظن زيدا هو خير منك».

(٤) والملا موضع ، وبه فسر ثعلب قول الشاعر. قاله اللسان (منى) ٢٠ / ١٦١ ولم أجد (الملا) موضعا في البكري والزمخشري.

٢٤٤

الأمور ، ولا يعرف ما في عواقبها (١) وما ستر عنه من أحوالها ، وجعل غوامض الأمور وعواقبها وما تؤول إليه بمنزلة البطون ، وجعل ما انكشف من أحوالها حتى عرف بمنزلة الظهور.

[أحوال النصب في الأمكنة المختصة]

١١٨ ـ قال سيبويه (١ / ٨٢) قال عامر بن الطفيل :

__________________

(*) قال الغندجاني حين بلغ ابن السيرافي هذه العبارة في شرحه :

«قال س : هذا موضع المثل :

ومارست الأمور بغير حزم

فما تدري أغثّ أم سمين

لم يعرف ابن السيرافي ثالث البيتين ، وهو جواب قوله : (فإن تكن). والصواب في قوله (فللدهر) : وللدهر والدنيا ، بالواو ، فظن أن ذلك جواب ، وإنما هو موضع تمام المصراع اعتراض بين إن وجوابها. والأبيات :

١) تبكي على لبنى وأنت تركتها

وكنت عليها بالملا أنت أقدر

ومعنى قوله : (وأنت عليها أقدر) أنه قد خدع عنها حتى طلّقها ، فندم على طلاقها :

٢) فإن تكن الدنيا بلبنى تقلّبت

وللدّهر والدّنيا بطون وأظهر

ومعنى قوله : بطون وأظهر : شدة ورخاء.

٣) فقد كان فيها للأمانة موضع

وللكفّ مرتاد وللعين منظر

٤) وللحائم العطشان ريّ يقوته

وللمرح الذّيال خمر ومسكر

٥) كأني في أرجوحة بين أحبل

إذا ذكرة منها على الأرض تخطر»

(فرحة الأديب ١١ / ب)

٢٤٥

قالوا لها إنّا طردنا خيله

قلح الكلاب وكنت غير مطرّد

(فلأبغينّكم قنا وعوارضا

ولأقبلنّ الخيل لابة ضرغد) (١) /

الشاهد (٢) فيه أنه نصب (قنا وعوارضا) وهما مكانان بأعيانهما ، وجعلهما مفعولين على السعة. وقوله : قالوا لها : يعني لامرأة كان يهواها من بني فزارة يقال لها أسماء ، يعني أن بني فزارة ذكروا لها أنهم هزموه وطردوه ،

__________________

(١) ديوانه ص ٥٥ وفيه : (الملا وعوارضا ولأوردنّ ..) ورويا له في المفضليات ق ١٠٧ / ٢ ـ ٣ ص ٣٦٣ وفيه : (فلأنعينكم الملا وعوارضا ولأهبطنّ ..) وفي شرح الاختيارات ق ١٠٧ / ٢ ـ ٣ ج ٣ / ١٤٩٦ وفيه : ويروى فلأنعينكم ، أي لأذكرنّ معايبكم وقبيح أفعالكم.

وقدم الأعلم للبيت الثاني في شرحه ١ / ٨٢ بقوله : «وأنشد سيبويه لطفيل الغنوي والصحيح أنه لعامر بن الطفيل». وقد نسبه سيبويه إلى عامر في نسخة الكتاب لدينا!

وروي البيت الثاني لعامر في : اللسان (ضرغد) ٤ / ٢٥٢ و (عرض) ٨ / ٤٧ و (قبل) ١٤ / ٥٧ وهو بلا نسبة في : المخصص ١٥ / ١٦٣ و ١٧ / ٤٧ وجاء في صدر البيت في المخصص ١٧ / ٤٧ (قبا) بالباء ، مستشهدا له ببيت الشاعر وقال : هو في طريق مكة وليس قباء المدينة.

ويبدو أن صواب الرواية (قنا وعوارضا) فقد أخذت بذلك أكثر المصادر ، وهما موضعان في البكري ٧٤٥ ، كما جاء في البكري ٧٤٣ أن قلح الكلاب موضع واستشهد له ببيت عامر المذكور ، وأشار إلى تفسيره بمعنى الذم.

(٢) ورد الشاهد في : سيبويه أيضا ١ / ١٠٩ والنحاس ٢٥ / أو ٣٥ / أوالإيضاح العضدي ١٨٢ والأعلم ١ / ٨٢ وأسرار العربية ١٨٠ والكوفي ٧٧ / أوالخزانة ١ / ٤٧٠ وقال ابن الأنباري : «الأصل أن تستعمل بحرف الجر ، إلا أنهم حذفوا الحرف في هذه المواضع ، ومن حقها أن تحفظ ولا يقاس عليها». فهي منصوبة على الظرفية شذوذا ، وهو أفضل لإثارته معنى الظرفية في الكلمة.

٢٤٦

وكانت بين بني فزارة وبني عامر وقعة كانت على بني عامر ، وقتل فيها جماعة منهم (١).

__________________

(*) عقب الغندجاني على هذا الشرح بقوله :

«قال س : هذا موضع المثل :

لا تدرك الخيل وأنت تذأل

إلا بمرّ مثل مرّ الأجدل

لا يعرف معنى هذا الشعر إلا بمعرفة ما يتعلق به من الأيام. ثم إذا لم يعرف : ضرغد وقنا وعوارض حقيقة أنها في أي موضع من المواضع من بلاد الله ؛ لم يعرف المخاطب [المراد] بقوله.

وإنما قال هذا عامر يوم الرّقم ، يوم هزمتهم بنو مرة ففر عامر ، واختنق أخوه الحكم بن الطفيل. وفي ذلك اليوم قتل عقبة بن أنيس بن خليس الأشجعي مائة وخمسين رجلا من بني عامر ، أدخلهم شعب الرقم فذبحهم. فسمي عقبة ذلك اليوم مذبّحا. وقنا وعوارض : جبلان من بلاد بني فزارة ، وفيها يقول الشماخ بن ضرار :

١) كأنها وقد بدا عوارض

٢) وأدبيّ في السّراب غامض

٣) والليل بين قنوين رابض

٤) بجيزة الوادي قطا نواهض

والمخاطب بشعر عامر بنو مرة وفزارة ، وأسماء هي أسماء السّكينية من بني فزارة ، كان يهواها عامر ويشبب بها في شعره ، وكان قد فجر بها.

وفيها يقول :

أنازلة أسماء أم غير نازله

أبيني لنا يا أسم ما أنت فاعله

٢٤٧

وقوله (قلح) أراد به عندي السبّ لهم ، وهو منصوب بإضمار فعل. والقلح : الصّفرة التي تركب الأسنان ، وكنت غير مطرّد : أي لم تكن عادتي أن أطرّد ، فلأبغينكم : يريد لأغزونكم في هذين المكانين ، ولأقبلنّ خيلي لا بة ضرغد. وضرغد : مكان معروف ، ولابته : الحرّة التي فيه.

ويروى : فلأبغينكم الملا وعوارضا. وزعموا أن الملا فلاة في بلاد كلب.

[الاكتفاء بخبر أحد الفعلين الناقصين]

١١٩ ـ قال سيبويه (١ / ٣٨) قال ابن أحمر :

(رماني بأمر كنت منه ووالدي

بريئا ومن أجل الطّويّ رماني)

الشاهد (١) فيه أنه جعل (بريئا) الخبر عن أحدهما ، واكتفى به عن خبر الآخر ، ولم يقل بريئين.

ووجدت الشعر في الكتاب منسوبا إلى ابن أحمر ، والذي روت الرواة أنه : تنازع ناس من بني باهلة من بني فرّاص ، وناس من بني قرّة بن هبيرة بن سلمة بن قشير ، حتى صاروا إلى السلطان. فقال بعض القشيريين للسلطان :

__________________

وفيها يقول خراشة العبسي في يوم الرّقم :

فمن مبلغ عني خليليّ عامرا

أسلّيت عن أسماء أم أنت ذاكر

فإنّ وراء الجزع غزلان أيكة

مضمّخة آذانها والغفائر

وضرغد من مياه بني مرة».

(فرحة الأديب ١٢ / أوما بعدها)

(١) تقدمت مسألة الاكتفاء بخبر أحدهما في الفقرات (١٧ و ٨٥ و ٨٨ و ٩٠ و ١١٠).

٢٤٨

إن الأزرق (١) بن طرفة ـ وهو من بني باهلة ـ لص بن لص ، ليغروه به. فقال قصيدة ، فيها :

رماني بأمر كنت منه ووالدي

بريئا ومن أجل الطّويّ رماني

دعاني لصا من لصوص وما دعا

بها والدي فيما مضى رجلان (٢)

وزعم قوم من مفسّري الشعر أنه ينبغي أن ينشد : ومن جول (٣) الطويّ رماني. ومعناه أنه رماني بأمر عاد عليه قبيحه ، كما أن الذي يرمي من البئر يعود ما رمى به عليه. والخبر يدل على صحة قوله : ومن أجل الطويّ ، لأن الخصومة كانت في بئر.

[النصب على نزع الخافض]

١٢٠ ـ قال سيبويه (١ / ١٦) في باب المنصوبات (٤) ، قال خفاف

__________________

(١) الأزرق بن طرفة بن العمرّد الفرّاصي الباهلي ، هو ابن عم ابن أحمر ، تنسب إليه الأبيات المذكورة كما في اللسان (جول) ١٣ / ١٤٠ ويغلب أن يكون مخضرما ، فابن أحمر توفي سنة ٦٥ ه‍.

(٢) ديوان ابن أحمر ق ٦٩ / ١ ـ ٢ ص ١٨٧ وجاء فيه تردده في نسبتهما إلى ابن أحمر أو إلى ابن عمه الأزرق بن طرفة بن العمرّد الفراحي. والصواب الفرّاصي. وهما لابن أحمر عند أغلب المتقدمين ، كسيبويه ١ / ٣٨ وابن السيرافي وتفسير عيون سيبويه ١٣ / أوالأعلم.

(٣) الجول بضم الجيم ، جدار البئر من أسفلها إلى أعلاها. الصحاح (جول) ٤ / ١٦٦٣ واللسان ١٣ / ١٤٠

ـ وقد ورد الشاهد في : النحاس ١٢ / ب وتفسير عيون سيبويه ١٣ / أوالأعلم ١ / ٣٨ و: من غرائب آي التنزيل للرازي حواشي ما من به الرحمن ١١٣

(٤) عنوانه لديه : «باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين ، فإن شئت اقتصرت

٢٤٩

ابن (١) ندبة ، ويقال : عباس (٢) بن مرداس :

فقال لي قول ذي رأي ومقدرة

مجرّب عاقل نزه عن الرّيب

(أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

فقد جعلتك ذا مال وذا نشب) (٣)(٤)

__________________

على المفعول الأول ، وإن شئت تعدى إلى الثاني كما تعدى إلى الأول».

(١) خفاف بن عمير السّلمي ، وندبة أمه وعنها ورث حلكة لونه ، أبو خراشة الوارد في الشعر وابن عم الخنساء الشاعرة. شاعر فارس صحابي (ت نحو ٢٠ ه‍). ترجمته في : المعارف ٣٢٥ والمؤتلف (تر ٣١٤) ص ١٠٨ وشرح الحماسة للمرزوقي ق ٢٠٥ ج ٢ / ٦٢٦ وتحفة الأبيه فيمن نسب إلى غير أبيه ـ نوادر المخطوطات ١ / ١٠٤ والإصابة (تر ٢٢٧٣) ١ / ٤٤٨ وشرح شواهد المغني للسيوطي ٣٢٥ والخزانة ٢ / ٨١ و ٤٧٢

(٢) العباس بن مرداس السلمي ، أبو الهيثم. أشجع الشعراء ، أمه الخنساء الشاعرة (ت نحو ١٨ ه‍). ترجمته في : الشعر والشعراء ٢ / ٧٤٦ والأغاني ١٤ / ٣٠٢ والدرة الفاخرة ١ / ٣٣٤ ومعجم الشعراء ٢٦٢ والإصابة (تر ٤٥١١) ٢ / ٢٦٣ والعيني ٤ / ٦٩ وشرح شواهد المغني للسيوطي ١١٧ والخزانة ١ / ٧٣ وحسن الصحابة ١٠٧

(٣) أورد سيبويه ثانيهما حيث الشاهد ، ونسبه إلى عمرو بن معد يكرب الزبيدي. وهما في ديوان العباس بن مرداس ق ٢ / ٨ ـ ٩ ص ٣١ وروي البيت لعمرو في : المخصص ١٤ / ٧١

(*) عقب الغندجاني على ما قاله ابن السيرافي من نسبة هذين البيتين فقال :

«قال س : هذا موضع المثل : كميت وورد إن ذاك من الغلط. ليس البيت لواحد من الرجلين ، وإنما هو لأعشى بني طرود ، وهم من بني فهم بن عمرو ، وعدادهم من بني سليم في قصيدة مليحة. أولها :

يا دار أسماء بين السهل والرّحب

٢٥٠

الشاهد (١) فيه على حذف حرف الجر ، وتعدية الفعل إلى (الخير) بنفسه ، وأصله أمرتك بالخير.

__________________

ولم يذكر ابن السيرافي من الذي قال له : أمرتك الخير ، وإنما يحكي الشاعر هذا عن أبيه ويفتخر به ، وسيأتي ذكره في الشعر.

قال أعشى بني طرود :

١) يا دار أسماء بين السفح والرّحب

أقوت وعفّى عليها ذاهب الحقب

٢) فما تبيّن منها غير منتضد

وراسيات ثلاث حول منتصب

٣) وعرصة الدار تستنّ الرياح بها

تحنّ فيها حنين الولّه السّلب

٤) دار لأسماء إذ قلبي بها كلف

وإذ أقرّب منها غير مقترب

٥) إن الحبيب الذي أمسيت أهجره

من غير مقلية مني ولا غضب

٦) أصدّ عنه ارتقابا أن ألمّ به

ومن يخف قالة الواشين يرتقب

٧) إني حويت على الأقوام مكرمة

قدما ، وحذّرني ما يتّقون أبي

٨) وقال لي قول ذي علم وتجربة

بسالفات أمور الدهر والحقب

٩) أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

فقد تركتك ذا مال وذا نشب»

(فرحة الأديب ١٢ / ب وما بعدها)

ورويت لأعشى طرود في : المؤتلف ص ١٧ وجاء في الخزانة ١ / ١٦٦ أنه شاعر إسلامي واسمه إياس بن موسى وينتهي نسبه إلى قيس عيلان.

(١) ورد الشاهد في : الكامل للمبرد ١ / ٣٣ والمقتضب ٢ / ٣٦ و ٨٦ و ٣٢١ والنحاس ١٠ / أوالأعلم ١ / ١٧ والكوفي ١٣٥ / ب والمغني ش ٥٣١ ج ١ / ٣١٥ وشرح السيوطي ش ٥١٢ ص ٧٢٧ والخزانة ١ / ١٦٤

وقد أشار البغدادي إلى أن الفعل (أمر) يتعدى بنفسه ، والكاف مفعوله. ف (الخير) منصوب بنزع الباء بدليل : (ما أمرت به).

٢٥١

والنّزه مخفف ، وأصله النّزه. وهو كقولك في : كتف : كتف. وفي رجل : رجل (١). والريب : الأفعال التي يرتاب بها ، أي تستقبح. وقوله : ذا مال أي ذا إبل وماشية. والنشب : العين والورق والمتاع.

[تمام كان]

١٢١ ـ قال سيبويه (١ / ٢١) في باب كان (٢). قال مقّاس (٣) العائذيّ :

(فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي

إذا كان يوم ذو كواكب أشهب)

أشاصت بنا كلب شصوصا وواجهت

على رافدينا بالجزيرة تغلب (٤)

__________________

(١) في الأصل (جذر) وهو سهو. وانظر القاموس (رجل) ٣ / ٣٨١

(٢) عنوانه لديه : «باب الفعل الذي يتعدى اسم الفاعل إلى اسم المفعول ، واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد».

(٣) شاعر مخضرم ، اسمه مسهر بن النعمان العائذي من عائذة قريش. يكنى أبا جلدة ، لقب مقاسا ببيت قاله. وأشار أبو سعيد السيرافي في شرح الكتاب إلى أن بعضهم يزعم أنه مقاعس العائذي وهو خطأ. ترجمته في : المؤتلف (تر ٢٠٢) ص ٧٩ وجمهرة الأنساب ١٧٤ ومعجم الشعراء ٤٠٤

(٤) روي البيتان من قصيدة لمقّاس العائذي في : فرحة الأديب ٤٥ / ب وسيلي نص ذلك. وجاء في صدر الثاني (أشصّت بنا) وروي أولهما للشاعر في : اللسان (كون) ١٧ / ٢٤٨ والثاني في (شوص) ٨ / ٣١٧ والأول بلا نسبة في (شهب) ١ / ٤٩١

وفي اللسان : أشاص به إذا رفع أمره إلى السلطان ، وفي القاموس (شص) ٢ / ٣٠٦ شص وأشص بمعنى منع.

٢٥٢

(كان) (١) في هذا البيت بمعنى حدث ووقع ، وهي تامة لا تحتاج إلى خبر.

وأراد بقوله : ذو كواكب ، أي قد أظلم فبدت / كواكبه ، وإنما أظلم لأن شمسه كسفت وارتفع الغبار في الحرب ، فكسفت الشمس فبدت الكواكب. وجعله أشهب لأجل لون الغبار.

وكانت كلب شكت إلى يزيد بن معاوية أن رجلا من بني شيبان ـ وكان نازلا على بعض المياه ـ إذا مر به قوم مسافرون منعهم من الماء. فكتب فيه إلى ابن زياد ، وجرت بين بعض بني شيبان وبعض حروب جرها هذا الأمر (٢).

__________________

(١) ورد الشاهد في : النحاس ٩ / ب وتفسير عيون سيبويه ١٠ / ب والأعلم ١ / ٢١ وشرح الأبيات المشكلة ٢٣٥ وأسرار العربية ١٣٥ والكوفي ١٣٦ / ب. وكلهم ذهب إلى تمام (كان) بمعنى حدث أو شبهه.

(*) عقب الغندجاني على ما ذكره ابن السيرافي من شرح هذين البيتين فقال :

«قال س : هذا موضع المثل :

بذات غسل لا بذات غسل

وثرمداء شعب من عقلي

عزب عقل ابن السيرافي هاهنا ، وجاء بهوس من الكلام لا يشبه بعضه بعضا ولا يلائمه ، وذلك لجهله بأحوال العرب الجاهلية والإسلامية وما بين ذلك.

متى لحق مقّاس العائذي يزيد بن معاوية وهو في الجاهلية الجهلاء ، وقد رثى شريك بن عمرو أبا الحوفزان ؛ ولم يدرك الحوفزان الإسلام. وهو القائل في شريك بن عمرو :

عين بكّي فتى الحروب ابن عمرو

واندبيه فقد رزئت جليلا

يا نديم الملوك يسقى بكأس

الريّ لا مترفا ولا مملولا

٢٥٣

وقوله : أشاصت بنا كلب ، أي رفعت أمرنا إلى السلطان. وقوله : وواجهت على رافدينا ، الرافدون : المعينون والناصرون ، واجهت : أي واجهت من ينصرنا بالعداوة وخذّلت الناس عنا.

[اختلاس الحركة في ضرورة الشعر]

١٢٢ ـ قال سيبويه (١ / ١١) في باب ضرورة (١) الشعر قال تليد (٢) العبشمي

__________________

وإنما أبيات مقاس هي أبيات فخر لبني شيبان افتخر بها ، وهو من عائذة قريش ، إلا أن عداده في بني شيبان. والأبيات :

١) فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي

إذا كان يوم ذو كواكب أشهب

٢) إذا الكشح أمسى مقشعرّا كأنه

متمّ بآلاف من الخيل مقرب

٣) أشصّت بنا كلب شصوصا وأوجهت

على وافدينا بالجزيرة تغلب

٤) أطارت قطاة الهدّ من كل جانب

فكاد المنادي بالأنام يغلّب

٥) ترى الخيل تردي حاظلات كأنما

عليهن آجام السّواد المقصّب

٦) يذاد بها عن نسوة غير فحّش

وأثلاب شيخ كان ما إن يسبّب

٧) ومن لا يجد مستنبيا لجبينه

بناب لنا مستقدم القرن أشيب

٨) ومن لا يقوّم بيته أهل عزّه

يقم بيتنا عزّ عزيز مؤرّب

٩) ومن يك منهم نائيا عن نصابه

فإنّ نصابي فيهم لمركّب

١٠) أصبّ عليهم بالثناء كأنني

إذا جنّ ليل شائق متطرّب

١١) وإنّ حياتي علّقت بحياتهم

وفي هالكيهم طائري يتسقّب».

(فرحة الأديب ٤٥ / ب وما بعدها)

(١) عنوانه لديه في (١ / ٨): «باب ما يحتمل الشعر» وقد تقدم الحديث في حذف صلة الضمير ، وإجراء الوصل مجرى الوقف في الفقرة (١١٦).

(٢) شاعر جاهلي ، ذكره الغندجاني في : فرحة الأديب ١٣ / أوفي شرح الكوفي ١٣٧ / أ.

٢٥٤

شفيت الغليل من سمير وجعون

وأفلتنا ربّ الصّلاصل عامر

(وأيقن أنّ الخيل إن تلتبس به

يكن لفسيل النخل بعده آبر) (١)

الشاهد (٢) في هذا (٣) البيت على (٤) أنه حذف الواو التي هي صلة الضمير في (بعده).

والشعر منسوب في الكتاب إلى حنظلة بن فاتك ، وقد أثبتّ ما عرفته. وسبب هذا الشعر أن طوائف من بني عبد القيس أغارت على الأبناء من سعد فهزمتهم وقتلوا منهم سميرا وجعونة. وقال : (من سمير وجعون) فرخّمه في غير النداء. ورب الصلاصل : يجوز أن يكون يريد به أنه صاحب سلاح ، والصلصلة : صوت الحديد ، وكذا وجدته على هذا اللفظ وعلى هذا الهجاء. والله أعلم بالصواب (٥).

__________________

(١) أورد سيبويه ثانيهما ونسبه إلى حنظلة بن فاتك. والبيتان في أبيات لتليد العبشمي في فرحة الأديب ١٣ / ب وفيما يلي نصه. وجاء في صدر الثاني (إن يعلقوا به) وفي عجزه (لفسيل الجوف).

(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٤ / أوشرح السيرافي (خ) ١ / ٣٠٦ والأعلم ١ / ١١ والإنصاف ٢ / ٢٦٩ والكوفي ١٣٧ / أ.

(٣) (هذا) ساقطة في المطبوع.

(٤) (على) ساقطة في المطبوع.

(*) عقب الغندجاني على هذا القدر من شرح ابن السيرافي للبيتين فقال :

«قال س : هذا موضع المثل :

إذا اعترضت كاعتراض الهرّه

توشك أن تسقط في أفرّه

لو سكت ابن السيرافي عن تفسير مثل هذا الشعر من شعر القبيل الذي يبلّح

٢٥٥

__________________

فيه حذاق العلماء والنسابين ؛ لم يجعل نفسه غرضا لكل رام. وروي عن أبي عثمان المازني قال : حملنا منتخبات المفضل فقرأناها على الأصمعي ، فكل ما كان فيها من أشعار الشعراء المعروفين أجاب فيها ، فلما صرنا إلى أشعار القبائل بلّح فيها أبو سعيد. وهذا باب صعب.

وكنت قد قلت : إن من لم يتقن علم النسب ومنازل العرب ، وخاض في تفسير مثل هذا الشعر زلت قدمه.

والصواب ما أنشدناه أبو الندى رحمه الله :

شفينا الغليل من سمير وجعون

وأفلتنا ربّ الصّلاصل عامر

بضم الصاد من (الصّلاصل) وذكر أنه ماء لعامر هذا ، في واد يقال له الجوف ، به نخيل كثيرة ومزارع جمة. ولا يكادون يقولون : فلان رب كذا إلا أن يكون عظيما من عظمائهم وسيدا من ساداتهم ، كما قالوا رب مروان ورب معدّ ورب خصاف ، وكما قالوا رب الخورنق والسدير وأشباه ذلك.

قال س : وذكر أن رهطا من عبد القيس وفدوا على عمر بن الخطاب فتحاكموا إليه في هذا الماء ـ أعني الصّلاصل ـ فأنشده بعض القوم قول تليد العبشمي هذا ، فقضى بالماء لولد عامر هذا.

وهي أبيات شريفة أنشدناها أبو الندى. والقصة ما ذكره ابن السيرافي ، إلا أنه لم يذكر أسماءهم وألقابهم ، وأنا ذاكر ذلك بعد إيراد الأبيات. وهي.

١) أتتنا بنو قيس بجمع عرمرم

وشنّ وأبناء العمور الأكابر

٢) فاتوا مناخ الضيف حتى إذا زقا

مع الصبح في الروض المنير العصافر

٢٥٦

وقوله : وأيقن أن الخيل إن تلتبس به ، يريد أن أصحاب الخيل إن أدركوه قتلوه ، وأخذ أهله نخله وأبّروها وأصلحوها وتركوا الطلب بثأره ، فضاع دمه.

[إعمال الثاني في تنازع الفعلين ـ خدمة للمعنى]

١٢٣ ـ قال سيبويه (١ / ٣٩) في باب إعمال [أحد](١) الفعلين : وقال رجل من باهلة :

(ولقد أرى تغنى به سيفانة

تصبي الحليم ومثلها أصباه)

الشاهد (٢) فيه أنه أعمل الفعل الثاني وهو (تغنى) ورفع به (سيفانة).

والسيفانة : الممشوقة الطويلة : يعني أن الحليم تحمله بحسنها وجمالها على أن

__________________

٣) نشأنا إليهم وانتضينا سلاحنا

يمان ومأثور من الهند باتر

٤) ونبل من الوادي بأيدي رماتنا

وجرد كأشطان الجرور عواتر

٥) شفينا الغليل من سمير وجعون

وأفلتنا ربّ الصّلاصل عامر

٦) وأيقن أن الخيل إن يعلقوا به

يكن لفسيل الجوف بعده آبر

٧) ينادي بصحراء الفروق وقد بدت

ذرا ضبع : أن افتح الباب جابر

والأبناء هم العقد : عوف وعوّافة ومالك وجشم بنو سعد ، تحالفوا والعمور من عبد القيس : الدّيل وعجل ومحارب بنو عمرو بن وديعة بن لكيز ابن أفصى بن عبد القيس».

(فرحة الأديب ١٣ / أوما بعدها)

(١) زيادة تستوجبها دقة الأداء ليست في المطبوع. وقد تقدم شيء من هذا الباب في الفقرات : (١٧ ، ٨٥ ، ٨٨ ، ٩٠ ، ١١٠ ، ١١٩).

(٢) ورد الشاهد في : الأعلم ١ / ٣٩ والإنصاف ٥٨ والكوفي ١٣٧ / أ. وذكر سيبويه أن «الفعل الأول معمل في المعنى غير معمل في اللفظ ، والثاني معمل في اللفظ والمعنى».

٢٥٧

يصبو الى اللهو ، ويحب الغزل وملاعبة النساء. ومن كان مثلها من النساء أصبى الحليم.

والبيت في الكتاب منسوب الى رجل من باهلة ، وهو فيما ذكر بعض الرواة لوعلة (١) الجرميّ. قال وعلة :

يا صاحبيّ ترّفقا بمتيّم

وقف المطيّ بمنزل أبكاه

لعب القطار به وكلّ مرنّة

هيف تغربل تربه وحصاه

ولقد أرى تغنى به سيفانة

تصبي الحليم ومثلها أصباه (٢)

والذي في شعره :

كانت تحلّ عراصه ممكورة

ولا شاهد فيه على هذا الوجه. والممكورة : الممتلئة الأعضاء من الشحم واللحم.

[إعمال الصفة المشبهة ـ في حالة الجمع]

١٢٤ ـ قال سيبويه (١ / ١٠٣) في باب الحسن الوجه (٣) : قال الحارث (٤) ابن ظالم المرّي :

__________________

(١) شاعر جاهلي يماني الأصل ، من فرسان قضاعة وحامل لوائها يوم الكلاب الثاني.

ترجمته في : المؤتلف (تر ٦٨٦) ص ١٩٦ والبكري ٤٧٦

(٢) روى الكوفي الأبيات في ١٣٧ / أـ ب وكرر فيها القول بأنها تنسب إلى : رجل من باهلة أو لحنظلة أو لوعلة الجرمي.

(٣) عنوان الباب لديه في (١ / ٩٩) وقد تقدم شيء منه في الفقرات (١ ، ٢ ، ١١ ، ٣٠ ، ١٠٥).

(٤) شاعر جاهلي فارس يكنى أبا ليلى ، وفي أمثالهم : أفتك من الحارث بن ظالم.

قتله مالك بن الخمس التغلبي بأبيه وكان الحارث قتله. ترجمته في : أسماء المغتالين ـ نوادر

٢٥٨

(وما قومي بثعلبة بن سعد

ولا بفزارة الشّعر الرّقابا)

وقومي ـ إن سألت ـ فهم قريش

بمكة علّموا مضر الضّرابا (١) /

الشاهد (٢) فيه أنه نصب (الرقابا) ب (الشّعر) وأصله : بفزارة الشّعر رقابهم ، ثم نقل الضمير إلى الأول.

والحارث : هو من بني سعد بن (٣) ذبيان. وقال بعض أصحاب النسب : هو مرة بن لؤيّ بن غالب من قريش ، ولدته أمه عند سعد بن ذبيان فنسب إليه.

وإنما قال الحارث هذا الشعر لأنه قتل خالد (٤) بن جعفر بن كلاب ، وهو

__________________

المخطوطات ٦ / ٢٢٨ والأغاني ١١ / ١١٨ والدرة الفاخرة ١ / ٣٣٧ و ٢ / ٤١٧ ومجمع الأمثال (٢٨٢٠) ٢ / ٨٩ والكامل لابن الأثير ١ / ٣٣٩ ـ ٣٤٣ والخزانة ٣ / ١٨٥ ورغبة الآمل ٥ / ٢٥٩

(١) روي البيتان للشاعر في : المفضليات ق ٨٩ / ٨ ـ ٩ ص ٣١٤ من قصيدة قالها في فتكه بخالد بن جعفر بن كلاب وهو في جوار النعمان بن المنذر. ورويا للشاعر في الأغاني ١١ / ١١٧ والاختيارات ق ٨٩ / ٨ ـ ٩ ج ٣ / ١٣٣٥ وفيها جميعا في صدر الثاني (بنو لؤي) بدل (فهم قريش).

(٢) ورد الشاهد في : معاني القرآن ٢ / ٤٠٨ والنحاس ٢٤ / ب والأعلم ١ / ١٠٣ والإنصاف ٧٦ والكوفي ٤ / ب و ١٣٧ / ب والأشموني ٢ / ٣٦١

وقد أورده سيبويه على الروايتين (الشّعرى رقابا) و (الشّعر الرقابا) والشّعر : جمع أشعر ، وشعرى : مؤنث أشعر على معنى القبيلة. وأجاز معه الإعمال والإضافة وقال : فإذا ثنّيت أو جمعت فأثبتّ النون فليس إلا النصب مثل : هم الطيبون الأخبار. كما أشار ابن الأنباري إلى أنه نصب ب (الشّعر) وهو جمع ، والجمع أضعف في باب العمل لبعده عن شبه الفعل ، والفعل لا يجمع.

(٣) كذا في جمهرة الأنساب ٢٥٣ ـ ٢٥٤

(٤) من بني عامر. فارس شاعر جاهلي ، كان قد قتل أبا الحارث بن ظالم المري

٢٥٩

في جوار النعمان بن المنذر ، وكان خالد والحارث ينادمان النعمان ، فكلم خالد الحارث بكلمة حقدها عليه. ودخل إلى قبة خالد بالليل فقتله وهرب.

ولما فعل هذا أتى غطفان ، فقالت له غطفان : ليس لك نجاة ، جمعت علينا حرب النعمان وحرب بني عامر. فمضى الحارث إلى مكة وأتى عبد الله بن جدعان التيميّ (١) وانتسب إلى قريش ليعصموه ويمنعوا منه ، وذمّ بني فزارة بكثرة شعر رقابهم.

مثل هذا قول هدبة :

فلا تنكحي إن فرّق الدهر بيننا

أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا (٢)

__________________

والحارث طفل ، ثم قتله الحارث.

انظر : أسماء المغتالين ـ نوادر المخطوطات ٦ / ١٣٤ والأغاني ١١ / ٩٤ والدرة الفاخرة ١ / ٣٣٧ وجمهرة الأنساب ٢٨٠ و ٢٨٤ والكامل لابن الأثير ١ / ٣٣٩

(١) في الاصل والمطبوع (التميمي) وهو تحريف. وعبد الله أحد أجواد قريش في الجاهلية. ترجمته في : الأغاني ٨ / ٣٢٧ وجمهرة الأنساب ١٣٦ و ٣٠٠ والخزانة ٣ / ٥٣٧

(٢) روي البيت لهدبة في حماسة البحتري ق ٦٣٧ ص ١٢٦ من الباب ٧٤ مما قاله يخاطب زوجه وهو يساق إلى مقتله. والبيت ملفق من بيتين كما جاء في الحماسة. وهما :

فلا تنكحي إن فرّق الدهر بيننا

(أكيبد مبطان الضّحى غير أروعا)

(كليلا سوى ما نال من أمر ضرسه)

أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا

غير أنه جاء موافقا لرواية ابن السيرافي في المصادر الأخرى لدي. انظر أسماء المغتالين ٧ / ٢٦١ والكامل للمبرد ١ / ٣١٤ والكوفي ١٣٨ / أواللسان (نزع) ١٠ / ٢٣٠ و (غمم) ١٥ / ٣٤٠ ورغبة الآمل ٨ / ٢٤٢

٢٦٠