شرح أبيات سيبويه - ج ١

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي

شرح أبيات سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي


المحقق: الدكتور محمّد علي سلطاني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٠
الجزء ١ الجزء ٢

[النصب على المعنى دون البدل مما قبله]

٩٦ ـ قال سيبويه (١ / ١٤٥) في المنصوبات ، قال الدّبيريّ (١) :

يا ريّها يوم تلاقي أسلما

يوم تلاقي الشّيظم المقوّما

عبل المشاش وتراه أهضما

عبد كرام لم يكن مكرّما

تحسب في الأذنين منه صمما

قد سالم الحيات منه القدما

(الأفعوان والشّجاع الشّجعما)

وذات قرنين زحوفا عرزما (٢)

الشاهد (٣) فيه أنه نصب (الأفعوان) وما بعده بإضمار فعل ، ولم يجعله بدلا من الحيّات.

__________________

(١) معروف الدبيري ، ذكره المرزباني في معجم الشعراء ص ٤٨١ وقال : أنشد له الجاحظ في كتاب الحيوان. انظر الأخير ص ١٩٩

(٢) أورد سيبويه الأبيات (٦ ، ٧ ، ٨) ونسبها إلى عبد بني عبس.

والأبيات في : مجموع أشعار العرب ق ٥١ / ١٨ ، ١٩ ، ٢٠ ج ٢ / ٨٩ في القسم المنسوب إلى العجاج. وهي تقابل الأبيات الثلاثة الأخيرة في النص. ووردت الأبيات كلها عند الكوفي ١٠٦ / أمنسوبة إلى الدبيري ثم ذكرها اللسان (ضمز) ٧ / ٢٣٣ و (ضرغم) ١٥ / ٢٤٩ والعيني ، والسيوطي في شرح شواهد المغني ، وقد تحيروا جميعا في أمر نسبتها بين الشعراء : مساور بن هند العبسي وأبي حيان الفقعسي والعجاج والتدمري والدبيري وعبد بني عبس. والله أعلم بالصواب.

وروي البيتان ٦ و ٧ بلا نسبة في : المخصص ١٦ / ١٠٦ واللسان (شرع) ١٠ / ٤٠ و (شحم) ١٥ / ٢١١

(٣) ورد الشاهد في : معاني القرآن ٣ / ١١ والمقتضب ٣ / ٢٨٣ والنحاس ٤٤ / ب وشرح الكتاب للسيرافي ٦ / ٣٣ والأعلم ١ / ١٤٥ وشرح الأبيات المشكلة ٧٦ ، ٢٤٤ والكوفي ٣٢ / أ، ١٠٦ / أوالمغني ش ٩٦٩ ج ٢ / ٦٩٩ والعيني ٤ / ٨٠ وشرح السيوطي ش ٨٧٧ ص ٩٧٣

٢٠١

قوله ياريها : يريد ياريّ الإبل ، وهذا يقولونه إذا وثقوا بالري ، كأنه إذا عرفوا أن الساقي جلد يقوى على الاستقاء لها وإروائها قالوا : ياريّها ، فنادوه كأنه حاضر ، وهو على طريق التعجب من كثرة استقائه وصبره حتى تروى الإبل.

و (أسلم) اسم الرجل الذي يرعاها ويستقي لها ، والشيظم : الطويل ، والمقوّم : الذي ليس فيه انحناء ، عبل المشاش : غليظ العظام ، والأهضم : الضامر البطن ، وهو عبد قوم كرام ولم يكن مكرما ، لأنه يرعى ويقوم بمصلحة الإبل.

تحسب في الأذنين منه صمما : يعني أنه إذا كلمته لم يجب في أول ما يكلّم ؛ لأنه مقبل على شأنه في مصلحة الإبل ، مشغول القلب به ، فهو لا يسمع حتى يكرّر عليه القول. وأراد أنّ وطأه شديد ، إذا وطىء على أفعى أو حية قتلها ، فهي إذا أحسّت بوطئه تنحّت عن طريقه.

والشجاع : ضرب من الحيات ، والشجاع الشجعم ، وذات قرنين : الأفعى القرناء ، و [هو](١) ضرب من الأفعى يكون له قرن من جلده ، زعموا. وليس كالقرون التي تكون لذوات الظلف ، والزّحوف من الأفاعي : التي إذا مشت كأنها ترجف (٢) ، والعرزم الكبيرة.

[النصب على الدعاء باضمار فعل]

٩٧ ـ قال سيبويه (١ / ١٥٩) : «ويدلّك على أنه يريد بها الداهية» ـ يريد أنه يدلك أن قول القائل (فاهالفيك) أن الضمير المؤنث يريد به الداهية ، ـ يريد أنه يدلك أن قول القائل (فاهالفيك) أن الضمير المؤنث يريد به الداهية ،

__________________

والأشموني ٢ / ٣٩٩ وقال الأشموني : «نصب (الأفعوان) وهو بدل من (الحيات) وهو مرفوع لفظا ، لأن كل شيئين تسالما فهما فاعلان مفعولان». أي نصب على المعنى ، ويصح النصب بإضمار فعل (أعني) وهو أجود في المعنى مع القصد في التأويل.

(١) زيادة يقتضيها السياق ليست في المطبوع.

(٢) في المطبوع : تزحف.

٢٠٢

كأنه قال فالداهية لفيك ـ قول عامر (١) بن جوين الطائيّ :

(وداهية من دواهي المنو ...

ن يحسبها الناس لا فالها) /

دفعت سنا برقها إذ بدت

وكنت على الجهد حمّالها (٢)

يريد : وربّ داهية عظيمة من دواهي المنون والتلف ، يحسبها الناس لا فالها. يريد أن الناس لا يتوجهون لمعرفتها والعلم بدفعها ، ولا يصح لهم كيف يصنعون فيها ، فهي بمنزلة الحي الذي لا ينطق ، فلا يعرف ما يريد ، فلا يتوجّه لدفعه والتلطّف في صرفه.

وقوله (لا فالها) في موضع المفعول الثاني ل (يحسبها (٣)) و (من دواهي المنون) نعت ل (داهية). ولقائل أن يقول : إن الضمير المتصل ب (يحسبها) هو المفعول الأول ؛ وقوله : (من دواهي المنون) في موضع الثاني و (لا فالها) وصف ل (داهية). والقول الأول أعجب إليّ. و (فا) منصوب ب (لا) كما ينتصب النكرة في النفي و (لها) خبر (لا).

واضطر (٤) إلى أن استعمل (فا) في غير الإضافة ، وهو بمنزلة قول العجاج :

__________________

(١) شاعر جاهلي قديم ، فارس فاتك معمر ، نزل به امرؤ القيس إثر نجاته من غزوة المنذر لكندة ، فكاد عامر أن يغدر به. قتله بعض بني كلب. انظر : أسماء المغتالين ـ نوادر المخطوطات ٦ / ٢٠٩ والمعمرون للسجستاني ٥٣ والخزانة ١ / ٢٤ ورغبة الآمل ٦ / ٢٣٥

(٢) أورد سيبويه أولهما بلا نسبة ، وفي عجز الأول (يرهبها الناس) والبيتان لعامر ابن جوين الطائي في : شرح الكوفي ١٠٦ / ب وروي الأول بلا نسبة في : المخصص ١٢ / ١٨٥ واللسان (فوه) ١٧ / ٤٢٤ وجاء في المطبوع في عجز الأول (يرهبها الناس) تأثرا برواية سيبويه.

(٣) في الأصل والمطبوع ل (حسبت)

(٤) ورد الشاهد في : النحاس ٤٩ / ب والأعلم ١ / ١٥٩ والكوفي ١٠٦ / ب. وقال النحاس : يخبرك أنه جعل فما للداهية.

٢٠٣

خالط من سلمى خياشيم وفا (١)

ويجوز أن يكون الخبر محذوفا ، ويكون (فا) مضافا إلى ضمير الداهية ، وتكون اللام مقحمة ، ويكون مثل قولهم : لا أبا لك. والخبر محذوف تقديره (لا فالها) أو (فيما يعلمه الناس) أو ما أشبه ذلك.

والسّنا : ضوء البرق. يريد أنه دفع شرها والتهاب نارها حين أقبلت ، وكان هو حمّال ثقلها.

[النصب على المصدر باضمار فعل]

٩٨ ـ قال سيبويه (١ / ١٧١) في المنصوبات ، قال المغيرة (٢) بن حبناء :

بلونا فضل مالك يابن ليلى

فلم تك عند عثرتنا أخانا

كأنّ رحالنا في الدّار حلّت

إلى عفر اللهازم من عمانا

(فكيف جمعت مسألة وحرصا

وعند الفقر زحّارا أنانا) (٣)

__________________

(١) البيت في : أراجيز العرب ص ٥٠ من أرجوزة للعجاج. والشاهد اضطرار الشاعر إلى استعمال (فا) بغير إضافة.

وروي البيت للعجاج في : المخصص ١ / ١٣٦ واللسان (نهى) ٢٠ / ٢٢٠ و (ذو وذوات) ٢٠ / ٣٤٤ ـ وقد ورد الشاهد في : المقتضب ١ / ٢٤٠ والكوفي ١٠٦ / ب وأوضح المسالك ش ٦ ج ١ / ٢٨ وأشار المبرد إلى أن بعضهم لحّن العجاج في هذا وقال : ليس عندي بلاحن لاضطراره إلى ذلك. أما عند ابن هشام فالإضافة منوية. أي «خياشيمها وفاها». وهو أجود إذ يقيم المعنى بلا تكلف.

(٢) المغيرة بن عمرو التميمي ، وحبناء أمه ، يكنى أبا عيسى وكان أبرص. شاعر إسلامي محسن ، انقطع إلى آل المهلب يمدحهم. استشهد بخراسان ٩١ ه‍. ترجمته في : الشعر والشعراء ١ / ٤٠٦ والأغاني ١٣ / ٨٤ والمؤتلف (تر ٣٠٦) ص ١٠٥ ومعجم الشعراء ٣٦٩ والخزانة ٣ / ٦٠١ ورغبة الآمل ٣ / ١٢

(٣) أورد سيبويه البيت الثالث بلا نسبة. والأبيات للمغيرة بن حبناء في : شرح

٢٠٤

الشاهد (١) فيه أنه نصب (زحّارا أنانا) بإضمار فعل.

يخاطب المغيرة بذلك أخاه صخرا ؛ وأتاه يسأله شيئا فلم يعطه. يقول : بلوناك وعندك فضل مال حين احتجنا إلى من يرفدنا ويقوم بشأننا ، فلم ننتفع به ، ولم تعطنا منه شيئا ، كأن رحالنا ـ لمّا وافينا إليك وحططناها عن إبلنا ـ حطّت عند رجل من أهل عمان ، بعيد النسب منا لا يعرفنا.

والعفر : جمع أعفر وهو الأبيض ، واللهازم : جمع لهزمة (٢) ، يريد أنه شيخ من أهل عمان ، يريد من الأزد. فكيف جمعت هذه الأخلاق المذمومة ، تحرص وتسأل وأنت غنيّ ، وإن افتقرت شكوت وتوجعت ولم تصبر؟!

[إعمال اسم الفاعل على نية التنوين]

٩٩ ـ قال سيبويه (١ / ٩٥) قال شريح (٣) بن عمران من بني قريظة ، ويقال : إن الشعر لمالك (٤) بن العجلان الخزرجيّ :

بين بني جحجبى وبين بني

زيد وأنّى لجاري التّلف

(الحافظو عورة العشيرة لا

يأتيهم من ورائهم وكف) (٥)

__________________

الكوفي ١١٥ / ب والأول والثالث للشاعر في : اللسان (زحر) ٥ / ٤٠٨ وفي عجز الأول (عند عسرتنا) والثالث للشاعر في (أنن) ١٦ / ١٦٨ وفيه (أراك جمعت مسألة وحرصا) وعجزه بلا نسبة في : المخصص ٢ / ١٤١

(١) ورد الشاهد في : النحاس ٥١ / أوالأعلم ١ / ١٧١ والكوفي ١١٥ / ب. وقال الأعلم : نصب (أنانا) على المصدر المؤكد. والمعنى تزحر أنينا. وهو حسن في أداء معنى واف بعبارة أوجز.

(٢) وهي الناتىء تحت الأذن.

(٣) لم تذكره المصادر لدي.

(٤) شاعر فارس مقدام ، أعزّ أهل يثرب في الجاهلية. انظر الأغاني ٣ / ١٨ وما بعدها.

(٥) أورد سيبويه ثانيهما ونسبه فقط إلى رجل من الأنصار. والشعر لمالك بن العجلان

٢٠٥

الشاهد (١) فيه على (٢) أنه حذف النون من (الحافظون) ونصب (عورة العشيرة) ولم يحذفها للإضافة.

وجحجبى : بطن من الأنصار ، وبنو زيد : بطن منهم أيضا. يريد أن هؤلاء يمنعون من ضيم من يجاورهم ويكون في ذمتهم (٣). (فأنّى لمن يجاورني التلف) : أي كيف يتلف أو كيف يضيع له مال. لأن من يكون / هؤلاء أنصاره لا يقدم أحد على إتلافه أو إتلاف شيء من ماله.

و (الحافظو) مرفوع لأنه مدح ، وهو مرفوع على خبر مبتدأ محذوف ،

__________________

في : جمهرة أشعار العرب ١٢٢ من قصيدته المسماة المذهّبة ، ولم يرد فيها البيت الثاني ، بل ورد في مذهبة أخرى لعمرو بن امرىء القيس ، وقد تداخلت بعض أبيات القصيدتين للشبه بينهما في الوزن والقافية والجو العام وكثير من المعاني الجزئية ، وقد أورد البغدادي قدرا صالحا من هاتين القصيدتين في الخزانة ٢ / ١٨٩ وما بعدها. فارجع إليهما ثمة.

(١) ورد الشاهد في : النحاس ٢٢ / ب والإيضاح العضدي ١٤٩ والأعلم ١ / ٩٥ وشرح الأبيات المشكلة ٢١٢ والكوفي ٩ / أو ١١٨ / أو ١٥٢ / ب والأشموني ٢ / ٣٠٩ والخزانة ٢ / ١٨٨ و ٣٣٧ و ٤٨٣ و ٣ / ٤٠٠ و ٤٧٣

وقال النحاس : نصب على معنى : والحافظون عورة ، بنيّة التنوين. وقال ابن خلف في الخزانة ٢ / ١٨٨ : «فكأنه قال : الذين حفظوا عورة ، لأنها في معنى الموصولة» وجعل الأعلم حذف النون استخفافا ، لطول الاسم. وقال ابن السراج في الخزانة : «ولو جر لكان الجيد الصواب».

وعندي أن النصب ـ في هذه الحالة ـ أقرب إلى أداء المراد من المعنى ، لما فيه من إشعار بقيامهم بالأمر وفعلهم له.

(٢) (على) ساقطة في المطبوع.

(٣) في الأصل والمطبوع : (في ذمته) وهو سهو.

٢٠٦

كأنه قال : هم الحافظو عورة (١). وعورة العشيرة : الموضع الذي تخاف العشيرة

__________________

(*) عقب الغندجاني على ما ذكره ابن السيرافي من نسبة هذين البيتين ، وما قاله في إعراب (الحافظو) فقال

«قال س هذا موضع المثل :

إنّ بني الأحمر من فزاره

لا يرهبون أبّة وغاره

لو كان ابن السيرافي يرهب عارا ، ويتّب من مخزاة ، لما رضي لنفسه أن يفسر الشعر بيقال وأظن ويروى وأشباه ذلك.

البيت الثاني لعمرو بن امرىء القيس في كلمة له ينهى مالك بن العجلان عن الحرب. والبيت الأول من قصيدة أخرى ، ولا تعلّق له بالبيت الثاني ، فجاء بهما وبقائلهما خبط العشواء. وأبيات عمرو بن امرىء القيس :

١) يا مال والسّيّد المعمّم قد

يبطره بعض رأيه السّرف

٢) لا يرفع العبد فوق سنّته

والحقّ يوفى به ويعترف

٣) إنّ بجيرا عبد لغيركم

يا مال ، والحقّ عنده فقفوا

٤) فسوف يأتي الوفاء معترفا

بالحقّ فيه لكم فلا تكفوا

٥)نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض والرأي مختلف

٦)نحن المكيثون حين نحمد بال ...

مكث ونحن المصالت الأنف

٧) الحافظو عورة العشيرة لا

يأتيهم من ورائهم وكف

٨) والله لا تزدهي عشيرتنا

أسد عرين مقيلها الغرف

٩) إذا مشينا في الفارسيّ كما

تمشي جمال مصاعب عطف

١٠)نمشي إلى الموت من حفائظنا

مشيا ذريعا وحكمنا نصف

١١) إنّ سميرا أبت عشيرته

أن يغرموا فوق حق ما نطفوا

٢٠٧

أن تؤتى منه. وأراد أنهم لا يفعلون فعلا تعاب به عشيرتهم. والوكف : الأمر الذي يكسب مأثما أو عيبا أو عارا.

[نصب الاسم بعد (إن) على المصدر بإضمار فعل]

١٠٠ ـ قال سيبويه (١ / ١٣٤) في المنصوبات. «وأما قول الشاعر (١) :

لقد كذبتك نفسك فاكذبنها

فإن جزعا وإن إجمال صبر

قال سيبويه : «فهذا محمول على (إمّا) وليس على الجزاء كقولك : إن حقا وإن كذبا»

يريد سيبويه أنّ (إن) في هذا البيت يراد بها (إمّا) التي تذكر مع حروف العطف ، وتكون لأحد الشيئين ، فاضطر الشاعر فحذف (ما) فبقي (إن) وأصلها عنده أنها مركبة من : إن وما ، فلما اضطر حذف أحد الشيئين وهو (ما) فبقيت (إن)

وإنشاد الكتاب كما ذكرت لك على أنّ الخطاب لمذكّر. والشعر لدريد (٢) :

__________________

١٢) أو يصدروا الخيل وهي حافلة

تحت صواها جماجم جفف

١٣) أو تجرعوا الغيظ ما بدا لكم

فمارسوا الحرب حيث تنصرف

١٤) إني لأنمي إذا نميت إلى

عز رفيع وقومنا شرف

١٥) بيض خفاف كأنّ أعينهم

يكحلها في الملاحم السّدف».

(فرحة الأديب ٤٣ / ب وما بعدها)

(١) هو دريد بن الصمّة كما سيذكر ذلك ابن السيرافي.

(٢) دريد بن الصمّة من بكر بن هوازن ، الشاعر الفارس المشهور ، عمر طويلا وقتل على الشرك يوم حنين ٨ ه‍. ترجمته في : أسماء المغتالين ـ نوادر المخطوطات ٦ / ٢٢٣ والمعمرون ٢٧ والأغاني ١٠ / ٣ والمؤتلف (تر ٣٣٩) ص ١١٤ وشرح شواهد المغني للسيوطي ٩٣٩ والخزانة ٤ / ٤٤٦ ورغبة الآمل ٣ / ١٥٥

٢٠٨

أسرّك أن يكون الدّهر وجها

عليك بسيبه يغدو ويسري

وأن لا ترزئي أهلا ومالا

يضرّك هلكه ويطول عمري

(فقد كذبتك نفسك فاصدقيها

فإن جزعا وإن إجمال صبر) (١)

ويروي : فاكذبيها. يخاطب امرأته يقول لها : إن كنت تظنين أو تحدثك نفسك بأن الدهر يقبل عليك بخيره أبدا ، فاصدقيها. وهو معنى قوله : وجها عليك (٢).

__________________

(١) أورد سيبويه البيت الثالث بلا نسبة. والأبيات لدريد بن الصمة في : فرحة الأديب ٦٠ / أوسيلي نصه.

(*) قال الغندجاني بعد أن بلغ ابن السيرافي هذا الموضع من شرحه :

«قال س : هذا موضع المثل :

حفظت شيئا وغابت عنك أشياء

لم يكن غرض دريد في ضربه هذا المثل ، وخطابه به امرأته إلا معنى جعل هذا الاستطراد ، وهو أنه يرثي بهذا الشعر معاوية بن عمرو بن الحارث بن الشريد أخا الخنساء ، قتلته بنو مرّة. والأبيات :

١) ألا بكرت تلوم بغير قدر

وقد أحفيتني ودخلت ستري

٢) فإلا تتركي عذلي سفاها

تلمك عليّ نفسك أيّ عصر

٣) أسرّك أن يكون الدهر سدّى

عليّ بشرّه يغدو ويسري

٤) وألّا ترزئي نفسا ومالا

يضرّك هلكه في طول عمري

٥) فقد كذبتك نفسك فاكذبيها

فإن جزع وإن إجمال صبر

٦) فإنّ الرّزء يوم وقفت أدعو

فلم يسمع معاوية بن عمرو

٧) رأيت مكانه فعرضت زورا

وأيّ مقيل زور يابن بكر

٨)على إرم وأحجار وصير

وأغصان من السّلمات سمر

٢٠٩

والسيب : العطاء ، يغدو ويسري : يأتيك بالنهار والليل ، وأنك لا تصابين في أهل ولا مال يضرّك ويؤذيك فقده ، ويطول عمري معك ، ونعيش أبدا ، فقد كذبتك نفسك في هذا الذي حد ثتك به ومنّتك دوامه من السلامة والغنى ، فاصدقيها أنت عن الأمر وعرّفيها كيف تجري حال الناس جميعا ، وأنه لا بد من الموت والمصائب حتى تترك هذا التمني.

ووجه الرواية : فاكذبيها ، أي حدّثيها من الأمور بما تهواه ، وصدّقيها فيما تتمناه ، وإن كان ما تحدّثينها به كذبا ، حتى يصلح أمر دنياك ، واعتقدي فيه صحة ما قلت لك ، وأنه لا بد من الذهاب والفناء.

و (جزعا) منصوب على إضمار فعل (١) ، كأنه قال : فإما تجزعين جزعا ،

__________________

٩) وبنيان القبور أتى عليها

طوال الدّهر من سنة وشهر

١٠) ولو أسمعته لأتى حثيثا

سريع السّعي أو لأتاك يجري

١١) بشكّة حازم لا عيب فيه

إذا لبس الكماة جلود نمر

١٢) فإما تمس في جدث مقيما

بمسهكة من الأرواح قفر

١٣) فعزّ عليّ هلكك يابن عمرو

ومالي عنك من عزم وصبر».

(فرحة الأديب ٤٤ / أو ما بعدها)

ثم أوردها البغدادي نقلا عن نص الغندجاني ، وقام بشرح غوامضها في الخزانة ٤ / ٤٤٤

(١) ورد الشاهد في : سيبويه أيضا ١ / ٤٧١ و ٢ / ٦٧ والمقتضب ٣ / ٢٨ والنحاس ٤٢ / أو ١٠٣ / أوتفسير عيون سيبويه ٢٣ / ب والأعلم ١ / ١٣٤ والكوفي ١٩ / ب و ٣٦ / ب و ١١٨ / أوالخزانة ٤ / ٤٤٢

وقد جعلها النحاس من باب (حذف كان مع اسمها) بقوله : «يريد فإما أن يكون الأمر جزعا أو يكون إجمال صبر. وهذا على غير الجزاء». أما الأعلم فيرى أنه

٢١٠

وإما تجملين صبرا. ويجوز الرفع على أنه خبر ابتداء محذوف ، كأنه قال : فإما أمرها جزع ، وإما أمرها إجمال صبر.

[العطف بالرفع بالواو بمعنى (مع)]

١٠١ ـ قال سيبويه (١ / ١٥١) في باب من أبواب (مع) : «كيف أنت وقصعة من ثريد ، وما شأنك وشأن زيد». يريد أنه يقدّم اسم يعطف عليه ما بعد الواو ، كما تقول : أقائم زيد وعمرو ، يعنى أن الاسم الذي بعد (كيف) مبتدأ ، والذي بعد الواو معطوف عليه و (كيف) خبر عنهما.

قال المخبّل (١) السّعديّ :

(يا زبرقان أخا بني خلف

ما أنت ـ ويب أبيك ـ والفخر) (٢)

يهجو الزبرقان (٣) بن بدر وهو ابن عم المخبّل ، وكلاهما من بني سعد. وويب

__________________

لم يجز أن يكون (إن) هنا شرطا لوقوع الفاء قبلها. لمنعها أن يكون جواب الشرط فيما قبله.

وواضح أن المعنى قويا مؤديا إلى جانب النصب على المصدر. أي إما جزعا وإمّا إجمالا .. وما تأوله النحاس يحيل التركيب إخباريا ضعيف الروح والتأثير.

(١) اسمه ربيعة بن مالك التميميّ يكنى أبا يزيد ، شاعر مخضرم معمّر ، توفي في خلافة عمر أو عثمان رضي الله عنهما. ترجمته في : الشعر والشعراء ١ / ٤٢٠ والأغاني ١٣ / ١٨٩ والمؤتلف (تر ٦٠٤) ١٧٧ وشرح الاختيارات ١ / ٥٣٣ والخزانة ٢ / ٥٣٥

(٢) انظر لتخريج البيت ونسبته ما ورد في الحاشية (١) الفقرة (١٧٧).

(٣) اسمه حصن بن بدر ، ولقب بالزبرقان لحسنه ، سيد في الجاهلية وصحابي مكرم في الإسلام (ت نحو ٤٥ ه‍) ترجمته في : ألقاب الشعراء ـ نوادر المخطوطات ٧ / ٣٠٤ والمؤتلف (تر ٣٩٧) ١٢٨ وجمهرة الأنساب ٢١٨ والإصابة (تر ٢٧٨٢) ١ / ٥٢٤ والخزانة ١ / ٥٣١.

٢١١

بمعنى ويل ، وقيل إنهم قالوا ذاك لقبح استعمال الويل عندهم فغيروه.

الشاهد (١) فيه أنه عطف (الفخر) على (أنت).

[ذكر المفرد وإرادة الجمع]

١٠٢ ـ قال سيبويه (١ / ١٠٧) / قال المسيّب (٢) بن زيد مناة أحد بني عبيد ، حين غزا حنظلة بن الأعرف الضّبابيّ ، فأخذ غلاما من غنيّ ، ثم [أخذه](٣) أحد بني عبيد ، فباعه ، فخفي شأنه زمانا ، ثم ظهرت عليه غنيّ فأخذوه في بيت ختن له من بني جعفر ، فقتلوه ، فبلغهم أنّ الأعرف يتبعهم يوعدهم. فقال المسيّب :

مالك يا أعرف تبتغينا

وقد تقبّضت على أخينا

إن نك عقّبنا فقد بدينا

أو يك مقتولا فقد سبينا

أو تك مجدوعا فقد شرينا

أو تك مفجوعا فقد دهينا

 (في حلقكم عظم وقد شجينا) (٤)

__________________

(١) ورد الشاهد في : النحاس ٤٧ / ب والأعلم ١ / ١٥١ والكوفي ٣٨ / ب و ٥١ / ب والخزانة ٢ / ٥٣٥

(٢) لم تذكره المصادر لديّ.

(٣) زيادة يقتضيها الخبر ليست في المطبوع.

(٤) ورد عند سيبويه البيتان الرابع والسابع ولم ينسبهما ، والأبيات للمسيب في شرح الكوفي ١١٩ / ب والرابع والسابع للشاعر في : اللسان (شجا) ١٩ / ١٥٠ وهما بلا نسبة في : المخصص ١ / ٣١ و ١٠ / ٣٠ ، والسابع بلا نسبة في اللسان : (نهر) ٧ / ٩٦ و (سمع) ١٠ / ٢٨ و (أمم) ١٤ / ٢٩١ و (عظم) ١٥ / ٣٠٤

٢١٢

الشاهد (١) قوله : (في حلقكم) فوحّد وهو يريد (في حلوقكم) فذكر الواحد في موضع الجمع.

يقول : مالك تبتغينا تطلب أن توقع بنا مكروها ، وقد تقبّضت على أخينا : يريد أنه قبض على الغلام الذي أسره ، فبقي في يديه حتى استخرجوه. وإن نك عقّبنا : يعني فعلنا بك فعلا بعد فعلك بنا ؛ فقد بدئنا. يقول بدئنا بمكروه فعقّبنا كفاء به.

أويك مقتولا : يريد إن يك هذا الرجل الذي هو ختنك قد قتلناه ، فقد سبي منا غلام. أوتك مجدوعا : بمنزلة من قطع أنفه ، لأجل أنّ ختنك قتل ؛ فقد شرينا من شرى يشري إذا باع. يريد أنه بيع منهم الغلام المأخوذ.

أوتك مفجوعا بقتل ختنك ؛ فقد دهينا بأسر الغلام الذي أخذ منا. وقوله : في حلقكم عظم : هو على طريق المثل ، يعني أنهم بمنزلة من قد غص (٢) بشيء في حلقه لأجل قتل ختنهم ، ونحن قد شجينا بشيء في حلوقنا من أجل الغلام الذي قد سبي منا.

[إعمال اسم الفاعل بال مجموعا وفيه النون]

١٠٣ ـ قال سيبويه (١ / ٩٤) في باب اسم الفاعل قال ابن (٣) مقبل :

__________________

(١) ورد الشاهد في : المقتضب ٢ / ١٧٢ والنحاس ٢٥ / أوالأعلم ١ / ١٠٧ وشرح الأبيات المشكلة ٢٧٥ والكوفي ١١٩ / ب.

(٢) في المطبوع : قضّ!

(٣) اسمه تميم بن أبيّ بن مقبل العجلاني. أبو كعب ، شاعر مخضرم (ت نحو ٣٧ ه‍). ترجمته في : الشعر والشعراء ١ / ٤٥٥ والمعارف ٥٨٧ والإصابة (تر ٨٦٢) ١ / ١٨٩ والخزانة ١ / ١١٣

٢١٣

عاد الأذلّة في دار وكان بها

هرت الشّقاشق ظلّامون للجزر

(يا عين بكّي حنيفا رأس حيّهم

الكاسرين القنا في عورة الدّبر) (١)

الشاهد (٢) فيه أنه نصب (القنا) ب (الكاسرين).

والأذلة : جمع ذليل ، والهرت : قيل هو جمع هريت ، والهريت : الواسع الشدق ، وقيل : هو جمع أهرت وهو في معنى هريت (٣). والشقاشق : جمع شقشقة ، والشقشقة التي يخرجها الفحل من فمه إذا هدر. شبّه الرجال الخطباء إذا تكلموا بالفحول من الإبل إذا هدرت ، والشقاشق إنما تكون لفحولة الإبل ، وجعلها للرجال على طريق التشبيه.

ظلامون للجزر : ينحرونها من غير علة بها ، وينحرونها من أجل أضيافهم. وحنيف (٤) حي من بني العجلان ، ورأس الحي : ساداتهم ، وأراد أن حنيفا رأس بني

__________________

(١) ديوان ابن مقبل ص ٨١ من قصيدة قالها وقد لحظ من بعضهن نفورا من شيخوخته ، مطلعها :

يا حرّ أمسيت شيخا قد وهى بصري

والستاث ما دون يوم الوعد من عمري

وروي الأول للشاعر في : اللسان (دور) ٥ / ٣٨٦ و (ظلم) ١٥ / ٢٦٩ وعجز الثاني في (دبر) ٥ / ٣٥٣

(٢) ورد الشاهد في : الأعلم ١ / ٩٤ والكوفي ١١٩ / ب.

وقال الأعلم : الشاهد فيه إثبات النون مع الألف واللام في (الكاسرين) وإن لم يثبت معها التنوين ، ونصب ما بعدها. وقال الكوفي : يجوز في (الكاسرين) الجر على الوصف ، والنصب على المدح.

(٣) أهرت وهريت كلاهما صواب. انظر الصحاح (هرت) ١ / ٢٧٠

(*) قال الغندجاني معقبا على تفسير ابن السيرافي لهذه اللفظة :

٢١٤

العجلان. والعورة : الموضع الذي يمكّن العدو أن يأتي منه ، لأنه لم يحفظ حفظا (١) ، أو لا يتمكّن من حفظه ، ويجوز أن يكون من فيه ليست له قوة على دفع من يقصده ، والدّبر : مؤخر / الصفّ ، وقيل الدبر : مآخير المنهزمين. المعنى (٢) أنهم يطعنون بالقنا في عورة دبر أعدائهم (٣).

[إعمال صيغة مفعال في حالة الجمع]

١٠٤ ـ قال سيبويه (١ / ٥٩) في باب اسم الفاعل. قال ابن مقبل :

يأوي إلى مجلس باد مكارههم

لا مطمعي ظالم فيهم ولا ظلم

(شمّ مهاوين أبدان الجزور مخا ...

ميص العشيّات لا ميل ولا قزم) (٤)

__________________

«قال س : هذه الفائدة من ابن السيرافي تزيد المتأدب جهلا بهذا النسب.

إنما يقال : فلان من بني فلان إذا كان بينه وبين الجد الأكبر آباء وأجداد ، فأما إذا كان لصلبه ؛ فإنه يقال هو ابنه.

وحنيف هو ابن العجلان ، واسم العجلان عبد الله بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة».

(فرحة الأديب ٤٤ / ب)

(١) في المطبوع : حفاظا.

(٢) في المطبوع : يعني.

(٣) ويصح أن يكون المعنى : إنهم إذا شهدوا حربا وانكسر جيشهم ؛ كروا في أدبار المنهزمين وقاتلوا دونهم ، وكسروا رماحهم في حفظ عورتهم وحمايتهم من عدوهم ـ كما ذكر الأعلم.

(٤) البيتان ليسا في ديوانه ، وكان سيبويه نسب ثانيهما إلى الكميت. وجاء في الخزانة ٣ / ٤٥٠

٢١٥

يريد أنهم يكرههم عدوهم ويخافهم. لا مطمعي ظالم : يريد أنهم لا يطمعون أحدا في ظلمهم ، يريد أن الناس قد عرفوا أنه من ظلمهم انتصفوا منه ، فليس يطمع أحد في ظلمهم. ولا ظلم : لا يظلمون أحدا ، وظلم : جمع ظلوم.

والشمّ : جمع أشمّ وهو الوارد الأرنبة ، مهاوين : جمع مهوان وهو الذي يهين الجزور وينحرها ، وأراد أبدان الجزر (١) فاكتفى بالواحدة ، ويروى : أبداء الجزور ، والبدء (٢) المفصل ، وقيل : كل مفصل بدء وبدى (٣). والمخاميص (٤) الذين ليسوا بعظام البطون ، والخور (٥) الضعاف ، والقزم : الصغار الذين فيهم دمامة ويقال قزم وقزم.

وقد أنشد البيت في الكتاب على أنه مرفوع الرويّ ، وقد ذكرت ما فيه.

__________________

قوله : «وقال ابن المستوفي كابن خلف : رواه سيبويه للكميت بن زيد ، ولم أره في ديوانه ، وأنشده ابن السيرافي لتميم بن أبيّ بن مقبل ولم أره فيما كتبه من شعره. والله أعلم».

(١) في الأصل والمطبوع (الجزور) وهو سهو.

(٢) في الصحاح (بدأ) ١ / ٣٥ والقاموس (بدأ) ١ / ٨ ـ البدء : النصيب من الجزور.

وعند الأعلم : أفضل أعضائها إذا فصلت ، ومنه قيل للسيد بدء لفضله.

(٣) انظر القاموس (بدا) ٤ / ٣٠٢

(٤) ومخاميص العشيات عند الأعلم : هم الذين يؤخرون العشاء تربصا على ضيف يطرق ، فبطونهم خميصة في عشياتهم لتأخيرهم الطعام. وهو أفضل.

(٥) فسر ابن السيرافي (الخور) وهي رواية سيبويه ، وروايته (ميل) جمع أميل وهو الضعيف الذي لا يثبت على السرج.

٢١٦

[في عمل الصفة المشبهة]

١٠٥ ـ قال سيبويه (١ / ١٠٢) في باب حسن الوجه (١) : قال عدي ابن زيد

إنني رمت الخطوب فتى

فوجدت العيش أطوارا

ليس يفني عيشه أحد

لا يلاقي فيه إمعارا

(من وليّ أو أخي ثقة

أو عدو شاحط دارا) (٢)

الشاهد فيه أنه نوّن (شاحط) ونصب (دارا) وأصله (شاحطة داره) ثم نقل على ما يفعل في باب (حسن الوجه).

وقوله : رمت الخطوب : يريد معرفة الخطوب ، وهي الأحوال المختلفة. يقول : وجدت عيش الإنسان في طول عمره يختلف ، فتارة يستغني ، وتارة يفتقر ، وتارة يصحّ ، وتارة يمرض ، وتارة يصيب ، وتارة يخطىء.

ليس يفني عيشه : يريد زمان عيشه. والإمعار : التغيير والافتقار. والشاحط : البعيد. وقوله : من وليّ : زعموا أنه في صلة (فوجدت العيش) يريد : وجدت العيش من ولي. والذي عندي أنه في موضع الوصف ل (أحد) كأنه قال : ليس يفني عيشه أحد من الأولياء ولا الأعداء لا يلاقي ما يكرهه.

[الفصل بين المتضايفين بالجارّ والمجرور]

١٠٦ ـ قال سيبويه (١ / ٩٢) في الفصل بين المضاف والمضاف إليه في

__________________

(١) تقدم ورود الباب في الفقرات : ١ ، ٢ ، ١١ ، ٣٠ ، ٥٧ ، ٧٩ وعنوانه في الكتاب (١ / ٩٩): «باب الصفة المشبهة بالفاعل فيما عملت فيه».

(٢) سبق ورود الشاهد والبيتين (٢ ، ٣) في الفقرة (٥٧).

٢١٧

الشعر : «وقالت درنى بنت عبعبة من بني قيس بن ثعلبة». والذي وجدته : وقالت درنى بنت سيّار بن صبرة بن حطّان بن سيّار بن عمرو بن ربيعة (١) :

وقد زعموا أني جزعت عليهما

وهل جزع أن قلت وا بأباهما /

(هما أخوا ـ في الحرب ـ من لا أخاله

إذا خاف يوما نبوة فدعاهما) (٢)

__________________

(١) القائلة عند سيبويه هي درنى بنت عبعبة من بني قيس بن ثعلبة. وفي الحماسة (٣٨٦) وشرح الأبيات المشكلة ٦٦ عمرة الخثعمية. وفي الإنصاف ٢٢٦ درنى بنت عبعبة الجحدرية أو عمرة الجشمية. أما الكوفي ١٢٤ / أفقد كرر قول ابن السيرافي نفسه. وفي مراثي شواعر العرب ١ / ١٤٢ جمع مختلف الأقوال في صاحبة هذا الرثاء ، فهي في التبريزي ٣ / ٦١ درماء بنت سيّار بن عبعبة الجحدرية ترثي أخويها ، وفي العيني ٣ / ٤٧٢ عمرة الخثعمية ترثي ابنيها ، وقال الزمخشري هي درنى بنت عبعبة ، وفي اللسان (أبي) ١٨ / ١٠ درنى بنت سيار بن ضبرة (بالمعجمة) أو عمرة الخثعمية.

(*) ويتقدم الغندجاني للتعقيب على حيرة ابن السيرافي بين الشاعرتين بقوله :

«قال س : هذا موضع المثل : بين المطيع وبين المدبر : العاصي.

«هذا التفسير يحير الإنسان ، فلا يدري ما الصواب من الخطأ ، ولا يدري بأيهما يتعلق : أبدرنى بنت عبعبة أم بدرنى بنت سيّار .. وهذا يدل على أنه لم يكن يتصور الغثّ من السمين منهما ، والصواب درنى بنت سيار على النسب الثاني ، قالت ترثي أخويها.

وهي أبيات رائقة ، دخل نظامها على ما أنشدها ابن السيرافي في خلل. ونظامها وتمامها :

١) أبى الناس إلا أن يقولوا هماهما

ولو أننا اسطعنا لكانوا سواهما

٢) هما أخوا في الحرب من لا أخاله

إذا خاف يوما نبوة فدعاهما

٣) إذا افتقرا لم يلحما خشية الرّدى

ولم يخش رزءا منهما مولياهما

٤) إذا استغنيا حبّ الجميع إليهما

وجاد على الأدنين فضل غناهما

٢١٨

الشاهد (١) فيه أنها فصلت بين (أخوا) وبين (من) بقولها (في الحرب). والأصل : هما في الحرب أخوا من لا أخاله.

ترثي بذلك أخويها ، تعني أنهما يتعطفان في الحرب على من أرهقه الموت ، وغشيه أعداؤه ، ودعا ناصريه فلم يجدهم. تقول : هما يبذلان أنفسهما إذا استغيث بهما في الشدائد. والنّبوة : المحنة والبليّة تنزل بالإنسان. وقولها : وقد زعموا أني جزعت عليهما ، تريد أنهم زعموا أنها جزعت على فقدهما جزعا يقبح مثله ، فردّت عليهم وقالت : إنما قلت : يا بأباهما ، وليس هذا بقبيح.

__________________

٥) هما يلبسان المجد أحسن لبسة

شحيحان ما اسطاعا عليه كلاهما

٦) وقد زعموا أني جزعت عليهما

وهل جزع أن قلت : وا بأباهما

٧) وأهلي فداء العاصمين كليهما

ولا عشت إن كان الفؤاد قلاهما

٨) إذا هبطا الأرض المخوف بها الرّدى

يسكّن من جأشيهما منصلاهما

٩) ولا يلبث العرشان يستلّ منهما

عظام الرواسي أن يميل غماهما

(فرحة الأديب ٨ / ب وما بعدها)

هذه رواية الغندجاني للأبيات ، وقد أوردهما العينى ٣ / ٤٧٢ بترتيب مغاير ، وعددها عنده تسعة أيضا ، إلا أنه تفرد ببيتين لم يروهما الغندجاني ، وزاد عليه الغندجاني مقابل ذلك بالبيتين الأول والسابع.

واليك ما انفردت به رواية العيني على الترتيب عنده :

٤ ـ شهابان منا أوقدا ثم أخمدا

أحبّ سنى للمدلجين سناهما

٨ ـ لقد ساءني أن عنّست زوجتاهما

وأن عرّيت بعد الوجى فرساهما

(١) ورد الشاهد في : النحاس ١٥ / ب والسيرافي (خ) ١ / ٢٨٩ والأعلم ١ / ٩٢ وشرح الأبيات المشكلة ٦٦ والإنصاف ٢٢٦ والكوفي ١٢٤ / أوالعيني ٣ / ٤٧٢

٢١٩

[في البدل]

١٠٧ ـ قال سيبويه (١ / ٨١) في باب من البدل : صرفت وجوهها أوّلها ، ومالي علم بهم أمرهم (١)». يعني أنّ (أولها) مجرور لأنه بدل من الضمير (٢) المضاف إليه (الوجوه) وكذا (أمرهم) هو بدل من الضمير في (بهم).

وقول جرير :

طرقت سواهم قد أضرّ بها السّرى

نزحت بأذرعها تنائف زورا

(مشق الهواجر لحمهنّ مع السّرى

حتى ذهبن كلا كلا وصدورا) (٣)

«فإنما هو على : ذهب قدما وذهب أخرا (٤)».

يريد أن (كلا كلا وصدورا) ليسا ببدل من (لحمهنّ) كالذي ذكر في قوله : صرفت وجوهها أوّلها ـ وجعل (أولها) بدلا من الضمير الذي أضيفت الوجوه إليه ـ وإنما انتصب (كلا كلا وصدورا) على الحال (٥).

__________________

(١) العبارة عند سيبويه بتقديم (بهم) على (علم). ولا تأثير لهذا في الغاية من المثال.

(٢) أخطأ ابن السيرافي هنا ، لأن (أولها) بدل من (وجوه) نفسها وليس من الضمير الذي أضيفت إليه ، لذا فإن (أولها) حركتها النصب كما وردت في الكتاب ، وليس الجر.

(٣) ديوان جرير ص ٢٩٠ من قصيدة قالها يهجو الأخطل. وجاء في صدر الأول (طرقت نواحل). وروي الأول لجرير في : اللسان (ضطر) ٦ / ١٥٩ والثاني بلا نسبة في (كلل) ١٤ / ١١٧

(٤) في الكتاب (١ / ٨١): «فإنما هذا على قوله : ذهب ..».

(٥) سيبويه كعادته شديد الاحتفاء بالمعنى ، فهو لا يهتم كثيرا بظاهر الأداء ليصل إلى التأويل المنسجم مع المعنى المتكامل ، وهذا واضح في أخذه بالنصب على الحال ؛ مع أن النصب على التمييز يصون المعنى ولا يتجاهل أسلوب الأداء.

٢٢٠