شرح أبيات سيبويه - ج ١

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي

شرح أبيات سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد يوسف بن أبي سعيد السيرافي


المحقق: الدكتور محمّد علي سلطاني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٠
الجزء ١ الجزء ٢

اليمامة ، والمعنى أهل اليمامة. فأنّث الفعل وجعله في اللفظ لليمامة ؛ فترك اللفظ على ما يكون عليه في سعة الكلام» (١).

يريد سيبويه أن العرب قالت : (اجتمعت) فأنثوا لأن الفاعل مؤنث وهو اليمامة ، فأنثوا على اللفظ ، ومعنى الإخبار هو عن أهل اليمامة.

وقال بعضهم ـ بعد استمرار لفظهم على تأنيث الفعل في (اجتمعت اليمامة) ـ : اجتمعت أهل اليمامة ، فترك علامة التأنيث ، وقد جعل الفعل للأهل ، وكان ينبغي أن يذكّر لأن الفاعل هو الأهل ، والأهل مذكّر ، وهو في المعنى فاعل ، فلم يذهبوا بالتأنيث إلى اللفظ ولا إلى المعنى ، لأن الأهل مذكر في اللفظ والمعنى.

ووجه قولهم : اجتمعت أهل اليمامة ؛ أنهم لما أثبتوا التاء في قولهم : اجتمعت اليمامة ، وأكثروا استعمال هذا الكلام ، ثم أدخلوا الأهل ؛ تركوا (٢) التاء في قولهم (اجتمعت) ثابتة على ما كانت عليه.

قال (١ / ٢٦) : «ومثله : يا طلحة أقبل ، لأن أكثر ما يدعو (٣) طلحة بالترخيم ، فترك الحاء على حالها» (٤).

يريد أن العرب لما / أكثرت استعمال طلحة مرخما ، وهو إذا رخّم حذفت التاء وبقيت الحاء مفتوحة ، واحتاجوا إلى إدخال تاء التأنيث (٥) على المرخم ، وجعلوا

__________________

(١) عبارة سيبويه : «وسمعنا من يوثق به من العرب يقول : اجتمعت .. يعني أهل اليمامة ، فأنث الفعل في اللفظ ؛ إذ جعله ..».

(٢) في المطبوع : وتركوا.

(٣) في الأصل والمطبوع : (تدعو) بالتاء. والضمير يعود على : من يوثق بعربيته.

(٤) عبارة سيبويه : «ومثله في هذا : يا طلحة ..».

(٥) قيل هي التاء المحذوفة أعيدت لبيان الحركة. أما إذا وقف على المرخّم بحذف الهاء ، فالغالب أن تلحقه هاء السكت ، وبعض العرب يقف بلا هاء. انظر التفصيل عند الأشموني ٢ / ٤٦٨

١٤١

حركة التاء التي دخلت بعد الحاء كحركة الحاء لأنها وقعت طرفا في مثل الموضع الذي وقعت فيه الحاء ؛ ففتحت كما كانت الحاء مفتوحة. جعلوها ـ بعد دخول التاء على الترخيم لكثرة ما يرخّم هذا الاسم ـ كما جعلوا : (اجتمعت أهل اليمامة) على لفظ التأنيث بعد دخول (الأهل).

ثم قال سيبويه (١ / ٢٦) : «وتقول يا تيم تيم عديّ ، كما تقول يا طلحة أقبل» (١).

يريد أنّ إدخال (تيم) الثاني بين المضاف والمضاف إليه ، وترك الكلام على ما كان عليه ، وفتح (تيم) الثاني كما أنّ الأول مفتوح ـ بمنزلة إدخال تاء التأنيث على (يا طلح) ، وفتحها كما كانت الحاء مفتوحة.

وقال جرير :

(يا تيم تيم عديّ لا أبا لكم

لا يلقينّكم في سوءة عمر) (٢)

يريد تيم بن عبد مناة ، وهم قوم عمر بن لجأ ، وعديّ هم إخوة تيم (٣). يقول لهم : لا يلقينّكم في مكروه عمر لأجل تعرضه لي ، أي امنعوه

__________________

(١) عبارة سيبويه ـ تالية لما سلف ـ : «ويا تيم تيم عديّ أقبل».

(٢) ديوانه ص ٢٨٥ من قصيدة قالها في هجاء عمر بن لجأ التيميّ. وفيه

يا تيم تيم .. لا يوقعنّكم ..

والبيت لجرير ضمن خبر في : الأغاني ٨ / ١٨ و ٨٢ وروي للشاعر في : اللسان (أبي) ١٨ / ١٢

(٣) ذكر البغدادي ١ / ٣٦٠ أنه أضاف تيما إلى عديّ ، احترز به عن تيم مرّة وتيم غالب في قريش ، وتيم قيس وتيم شيبان وتيم ضبّة.

وفي قوله (لا أبا لكم) أورد البغدادي في تفسيرها أكثر من وجه : منها أن العرب كانت تستحسن (لا أبا لك) وتستقبح (لا أم لك) لأن الأم مشفقة حنينة والأب جائر مالك ، وغير ذلك. انظر لها في : الخزانة ١ / ٣٠٩ و ٣٦٠

١٤٢

من هجائي حتى تأمنوا أن ألقيكم في بلية ، ونهاهم أن يلقيهم عمر.

والإلقاء ليس من فعلهم إنما هو من فعل عمر ، لأن معنى هذا وأشباهه معروف ، ويراد به أنكم قادرون على كفّ عمر أن يجلب عليكم ما تكرهون ، فإذا تركتم نهيه عن ذلك فكأنكم قد اخترتم ما فعل ، وكأنكم أنتم الفاعلون بترككم لكفّه فنهاهم أن يفعل عمر ، لأجل هذا المعنى.

[اسم (كان) ضمير الشأن]

٦٢ ـ قال سيبويه (١ / ٣٦) في : «باب الإضمار في ليس وكان» : «لو قلت : كانت زيدا الحمّى تأخذ ، أو تأخذ الحمّى ، لم يجز وكان قبيحا. ومثل ذلك في الإضمار قول العجير» (١) السّلوليّ :

__________________

وقد ورد الشاهد في : سيبويه أيضا ١ / ٣١٤ والكامل للمبرد ٣ / ٢١٧ والنحاس ٧٤ / ب وتفسير عيون سيبويه ١٣ / ب والأعلم ١ / ٢٦ والكوفي ٥٨ / أوالمغني ش ٧٠٩ ج ٢ / ٤٥٧ وابن عقيل ش ٨٩ ج ٢ / ٢١٥ وشرح السيوطي ش ٦٩٣ ص ٨٥٥ والأشموني ٢ / ٤٥٤ والخزانة ١ / ٣٥٩

وقال ابن عقيل : إنه يجوز في تيم الأولى الضم والنصب ، ويجب النصب في الثانية.

فإن ضم الأول كان الثاني منصوبا على : التوكيد أو إضمار أعني أو على البدلية أو عطف البيان أو على النداء. وإن نصب الأول فمذهب سيبويه أنه مضاف إلى ما بعد الاسم الثاني ، وأنّ الثاني مقحم بين المضاف والمضاف إليه. ومذهب المبرد أنه مضاف إلى محذوف مثل ما أضيف إليه الأول ، وأنّ الأصل : يا تيم عدي تيم عدي : فحذف (عديّ) الأول لدلالة الثاني عليه.

قلت : إن خير هذه الحالات هو ضم (تيم) الأولى على النداء ، ثم خشي التباسها بغيرها فاستدرك قائلا : (أعني تيم عديّ). فالأول منادى والثاني منصوب بفعل محذوف ، انسجاما مع غاية الأداء وصونا للمعنى المنشود.

(١) العجير بن عبد الله ، وقيل : اسمه عمير وعجير لقبه ، يكنى أبا الفرزدق وأبا

١٤٣

(إذا متّ كان الناس صنفان : شامت

وآخر مثن بالذي كنت أصنع)

بلى سوف تبكيني خصوم ومجلس

وشعث أهينوا حضرة الدار جوّع (١)

الشاهد (٢) في البيت الأول ، أنه جعل في (كان) ضمير الأمر والشأن و (الناس) بعد (كان) مرفوع بالابتداء ، و (صنفان) خبره ، والجملة في موضع خبر كان ، و (شامت) بدل من (صنفان) و (آخر) معطوف عليه. كأنه قال : صنفان : صنف شامت وصنف مثن. والمعنى أن له أصدقاء وأعداء ، فأصدقاؤه يثنون عليه بالجميل الذي كان يفعله ، وأعداؤه يشمتون به.

ويروى :

كان النّاس نصفين

على أنه خبر كان ، و (الناس) اسمها ، وليس فيه شاهد على هذا الوجه. ويكون (شامت) مرفوعا لأنه تبعيض ، كأنه قال : بعضهم شامت ، وبعضهم مثن.

__________________

الفيل. شاعر إسلامي من الطبقة الخامسة ، اختار له أبو تمام في حماسته (ت نحو ٩٠ ه‍).

ترجمته في : الأغاني ١٣ / ٥٨ والمؤتلف (تر ٥٥٠) ص ١٦٦ والمرزوقي ق ٧٠٤ ج ٤ / ١٦١٤ وق ٣١١ ج ٢ / ٩١٨ وجمهرة الأنساب ٢٧٢ ومعجم الشعراء ٢٣٢ والخزانة ٢ / ٢٩٨ و ٣٩٩

(١) أورد الأصفهاني جزءا من القصيدة التي منها البيتان ، وقد قالها العجير في ابنة عم له يهواها ، فخطبها فخيّرها أبوها بينه وبين خاطب من بني عامر ، فاختارت العامري ليساره ، وورد في المقطوعة البيت الأول فقط. وروايته :

إذا متّ كان الناس نصفين : شامت

ومثن بما قد كنت أسدي وأصنع

وأرى أن (صنفان) أكرم في الأداء من هذا التنصيف للناس ، إضافة إلى ما ضمه العجز من تراكب وعسر وترادف. ولا شاهد فيه على هذه الرواية.

(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٩ / أو ٢٨ / ب والأعلم ١ / ٣٦ وشرح الأبيات المشكلة ١٩٥ وأسرار العربية ١٣٦ والكوفي ٦٥ / ب والأشموني ١ / ١١٧

١٤٤

ويروى :

ومثن بنيري جلّ ما كنت أصنع

والنّيران : العلمان في الثوب (١) ، وإنما يريد به أنه يثني (٢) بحسن فعله الذي هو في أفعال الناس كالعلم في الثوب. وجلّ الشيء : معظمه ، والشّعث : جمع أشعث وهو الذي لا يغسل رأسه ولا يسرّحه لشقائه والشّدة التي هو فيها.

و (حضرة الدار) ظرف.

[في معاني الفاء]

٦٣ ـ قال سيبويه (١ / ١٩٩) في : «باب ما تنتصب فيه الصفة لأنها حال وقع فيها الاسم» (٣) : «وإذا أردت بالكلام أن تجريه على الاسم كما يجري على النعت ؛ لم يجز أن تدخل الفاء ، لأنك لو قلت : مررت بزيد أخيك فصاحبك والصاحب زيد لم يجز ، وكذلك لو قلت : زيد أخوك فصاحبك ذاهب لم يجز ، ولو قلتها بالواو حسنت ، كما أنشد كثير من العرب لأمية بن أبي عائذ» (٤).

تفسير الفاء التي للعطف :

ـ من شأنها أن يكون المعنى الذي اشترك فيه المعطوف والمعطوف عليه ؛ حاصلا للمعطوف بعد حصوله للمعطوف عليه بلا مهلة فصل ، ويكون حصوله للثاني

__________________

(١) النّير علم الثوب ولحمته أيضا. فإذا نسج على نيرين كان أصفق وأبقى.

والنّير مصدر نرت الثوب أنيره نيرا. انظر (نير) في : الصحاح ٢ / ٨٤٠ والقاموس ٢ / ١٥١

(٢) في المطبوع : ثنى.

(٣) عنوان الباب في الكتاب (١ / ١٩٨) «باب ما ينتصب فيه الصفة لأنه حال وقع فيه الألف واللام».

(٤) عبارة سيبويه : «.. كما تجري النعت لم يجز أن تدخل الفاء ، لأنك لو قلت : مررت بزيد أخيك وصاحبك كان حسنا ، ولو قلت : مررت بزيد أخيك فصاحبك ..».

١٤٥

عقيب حصوله للأول. نحو قولك : زيد آتيك فمحدثك ، أي يحصل الحديث / من قبله بعد إتيانه بلا فصل.

ـ ولا يجوز أن يكون الحديث الذي أخبرت به عنه حصل قبل الإتيان ، ولا في الحال التي حصل فيها الإتيان.

ـ وإذا أردت أن تخبر عن شخص من الأشخاص بخبرين هما حاصلان له في حال واحدة ؛ لم يجز أن تعطف أحدهما على الآخر بالفاء ، لأنهما حصلا في زمان واحد ، والفاء توجب أنّ زمان أحدهما بعد زمان الآخر ، فإن أدخلت الفاء فسد معنى الكلام.

وكذلك (١) الصفة إن جئت بالفاء فيها ، أوجبت أن المعنى الذي أوجب الوصف الثاني ؛ حصل له بعد حصول الصفة الأولى.

قال أمية (٢) بن أبي عائذ :

فأوردها مرصدا حافظا

به ابن الدّجى لاطئا كالطّحال

مفيدا معيدا لأكل القني ...

ص ذا فاقة ملحما للعيال

(ويأوي إلى نسوة عطّل

وشعث مراضيع مثل السّعالي) (٣)

__________________

(١) في المطبوع : ولذلك.

(٢) شاعر هذلي مخضرم ، مدح الأمويين وخاصة عبد العزيز بن مروان في مصر (ت نحو ٧٥ ه‍). ترجمته في : الأغاني (الثقافة) ٢٣ / ١٦٣ والخزانة ١ / ٤٢١

(٣) ديوان الهذليين القسم ٢ / ١٨٣ من قصيدة للشاعر. مطلعها :

ألا يا لقوم لطيف الخيال

يؤرّق من نازح ذي دلال

وجاء في صدر الأول (فأسلكها مرصدا) وفي عجزه (لاصقا كالطحال) وفي صدر الثاني (مقيتا) بدل مفيدا. وروي الثالث :

١٤٦

قال سيبويه (١ / ١٩٩) : «لو قلت (فشعث) (١) قبح». وإنما قبح لأن العطل هو أن [لا](٢) يكون على المرأة حلي ؛ حصل لها مع الشّعث في وقت واحد ، فجاز أن يعطف أحدهما على الآخر ، لأن الواو للجمع وليست للتعقيب ، ولو عطفت بالفاء لأوجب أنّ الشّعث حصل لهن بعد العطل ، وهذا يفسد معنى الشعر ، لأنه أراد أن يخبر بالصفات التي حصلت لهؤلاء النسوة في حال واحدة. ولو عطفت بالفاء لم يكن الشّعث مصاحبا للعطل وكانا في الوقت الذي كان فيه.

وابن الدّجى : الصائد الذي يصيد الوحش ، وفي (أوردها) ضمير فاعل يعود إلى العير الوحشي ، والضمير المؤنث المنصوب يعود إلى الأتن ، والمرصد : الذي يرصد فيه الصائد الوحش ، والدجى : جمع دجية وهي (٣) بيت (٤) الصائد والضمير في قوله (به) يعود إلى المرصد ، ولاطئا : لطىء بالأرض كيلا تراه الوحش (٥) ، كالطحال : يريد ، لزوقه بالأرض كلزوق الطحال بالجنب.

وقيل في قوله : ابن الدجى : ابن الظلمة (٦) ، لأنه يكمن للوحش (٧) بالليل ،

__________________

له نسوة عاطلات الصدو ... ر عوج مراضيع ..

وروي الأول للشاعر في : المخصص ١٣ / ٢٠٠ والثالث في ١٦ / ١٣٠ وبلا نسبة في : اللسان (رضع) ٩ / ٤٨٦

(١) في الأصل (شعث) والتصويب من سيبويه ، وفيه : «ولو قلت ..».

(٢) زيادة يقتضيها الكلام ، ليست في المطبوع.

(٣) (وهي) ليس في المطبوع.

(٤) هي حفيرة يستتر بها ليخفى عن الصيد.

(٥) في المطبوع : الوحوش.

(٦) نقل عن السكري مثل هذا التفسير لابن الدجى. انظر ديوان الهذليين ٢ / ١٨٤ (الحاشية).

(٧) في المطبوع : للوحوش.

١٤٧

والقنيص : الصيد ، والمفيد : المكتسب ، والمعيد : الذي قد أعاد أكل الصيد مرة ، والفاقة : الحاجة ، والملحم : الذي يأتي أهله باللحم.

ويأوي هذا الصائد إلى نسوة عطّل من الحلى ، يريد أنهن فقيرات سيئات الأحوال ، وشعث : جمع شعثاء ، وهي التي لا تسرّح رأسها ولا تدهنه ولا تغسله. والمراضيع : جمع مرضع (١) ، والسعالي : الغيلان ، الواحدة سعلاة.

ويروى :

له نسوة عاطلات الصدو ...

ر عوج مراضيع ..

وليس في هذه الرواية شاهد. والعوج : المهازيل.

والقصيدة تروى على الإطلاق وعلى التقييد ، وكلا الأمرين جائز فيها. وهي من المتقارب. إن أطلقت فهي من الضرب الأول ، وإن قيّدت فهي من الضرب الثاني.

[النصب على الظرفية]

٦٤ ـ قال سيبويه (١ / ٢٠٢) في الظروف (٢) : «هما خطّان جنابتي أنفها ، يعني الخطين اللذين اكتنفا جانبي أنف الظبية». قال الأعشى :

__________________

(١) تجمع على مراضع ومراضيع. المخصص ١٦ / ١٣٠

ـ وقد ورد الشاهد في : سيبويه أيضا ١ / ٢٥٠ وفيه (وشعثا) ومعاني القرآن ٣ / ٢١٦ والنحاس ٦١ / أوالأعلم ١ / ١٩٩ و ٢٥٠ والكوفي ١٧ / أو ٥٩ / أـ ب و ٧٦ / ب وأوضح المسالك ش ٣٩٧ ج ٣ / ١٣ والأشموني ٢ / ٤٠٠ والخزانة ١ / ٤١٧ و ٢ / ٣٠١

قال النحاس : «من نصب (شعثا) فعلى الذم ، كأنه قال : أذكرهنّ شعثا ، ويجوز جره على الصفة». ويغنى المعنى في حالة النصب ، لما في ذلك من إثارة القارىء وتنبيه حواسه ؛ إذ يطلع عليه النصب وهو يتوقع المرور بمعطوف قد لا يشعره بجديد.

(٢) عنوان الباب في كتابه (١ / ٢٠١) «باب ما ينتصب من الأماكن والوقت».

١٤٨

(نحن الفوارس يوم الحنو ضاحية

جنبي فطيمة لا ميل ولا عزل) (١)

الشاهد (٢) على أنه جعل (جنبي فطيمة) ظرفا.

وفطيمة هذه هي فطيمة بنت شراحيل بن عوسجة من بني قيس بن ثعلبة قوم الأعشى ، وكان لها ابنان من رجل من قومها يقال له أصرم ، فأراد أصرم أن ينزع ابنيها ويرهنهما من يزيد (٣) بن مسهر الشّيباني. فاستغاثت بقومها ، فاجتمعوا وهزموا بني شيبان ، ففخر بذلك الأعشى (٤).

__________________

(١) ديوانه ق ٦ / ٦٥ ص ٦٣ من قصيدة قالها ليزيد بن مسهر أبي ثابت الشيباني ، أحد زعماء بكر يوم ذي قار. وفي صدره : (يوم العين) بدل يوم الحنو.

(٢) ورد الشاهد في : النحاس ٥٥ / أوالأعلم ١ / ٢٠٢ والكوفي ٧٦ / أ.

(٣) فارس جاهلي من سادات بني شيبان. ترجمته في : جمهرة الأنساب ٣٢٥ ورغبة الآمل ٦ / ٢١

(*) قال الغندجاني بعد أن أورد هذا القدر من شرح ابن السيرافي للبيت : «قال س : هذا موضع المثل :

قلت لما فصلا من قنّة

كذب العير وإن كان برح

يعني الفرس والبعير. هذا محال ، لأن فطيمة هي بنت حبيب بن ثعلبة ابن سعد بن قيس بن ثعلبة. والحنو هاهنا مكان بعينه ، وهو حنو قراقر الذي ذكره الأعشى بقوله :

فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي

وراكبها يوم اللقاء ، وقلّت

هم ضربوا بالحنو حنو قراقر

مقدمة الهامرز حتى تولّت

وقراقر من مياه بكر بن وائل».

(فرحة الأديب ٦ / أ)

وينقض قول الغندجاني ما ذكره شارح الديوان ص ٦٣ بأن الصواب (يوم العين) لأن

١٤٩

والحنو : منعطف الوادي ونواحيه ، وضاحية : بارزة ، والميل : جمع أميل وهو الذي لا سيف (١) معه ، مثل أحمر وحمر ، واضطر إلى تحريك الزاي فحرّكها ، كما / قال طرفة :

جرّدوا منها ورادا وشقر (٢)

و (ميل) خبر ابتداء محذوف كأنه قال : لا نحن ميل ولا نحن عزل. و (ضاحية) منصوب على الحال ، والعامل فيه (الفوارس). والفوارس : في معنى المقاتلة. كأنه قال : نحن الجماعة التي قاتلت يوم الحنو بارزة ، أي نحن الذين جاهروا بالقتال. ويجوز أن يكون (ضاحية) وصفا لبقعة ، فيكون ظرفا. كأنه قال : نحن المقاتلة في بقعة بارزة. والوجه الأول أحب إلي.

__________________

(يوم الحنو) هو يوم ذي قار. وفيه أبلى قوم يزيد بن مسهر الشيباني مهجوّ الأعشى في هذه القصيدة .. أما فطيمة : فهي امرأة عند : النحاس وابن السيرافي والغندجاني والكوفي وكذلك لدى شارح الديوان. وهي اسم موضع عند الأعلم وكذا قال الزمخشري في : الجبال والأمكنة ١٧٨ وهي عند البكري ٧١٣ موضع في ديار بكر ، واحتج لقوله ببيت الأعشى المذكور.

أما فطيمة شارح الديوان فهي امرأة من بني سعد بن قيس ، كانت عند رجل من بني سيار وله امرأة غيرها من قومه فتعايرتا ، فعمدت السيّارية فحلقت ذوائب فطيمة فاهتاج الحيّان واقتتلوا ، هزمت بنو سعد بن قيس ـ قوم الأعشى ـ بني سيار.

(١) لا خطأ في الشرح ، ولكن الأفضل منه أن نأخذ فيها بمعنى الجبان الذي لا يثبت على سرج فرسه ؛ فلا يتكرر المعنى. القاموس (مال) ٤ / ٥٣

(٢) هذا عجز بيت لطرفة في ديوانه ص ٨٠ وفي مختارات شعراء العرب ص ٤٢ من قصيدة قالها يصف تنقله ولهوه. وصدر البيت :

أيها الفتيان في مجلسنا

والوراد : ج ورد والأنثى وردة ، وهي صفة الخيل بين الكميت والأشقر. وشقر ج أشقر. الصحاح (ورد) ١ / ٥٤٦

١٥٠

[نصب (ويل) باضمار فعل]

٦٥ ـ قال سيبويه (١ / ١٦٧) في : «باب من النكرة تجري مجرى ما فيه الألف واللام (١)» : «واعلم أن بعض العرب يقول : ويلا لك وويلة وعولة ، تجريه مجرى خيبة» (٢).

ذكر سيبويه أن بعضهم ينصب (ويلا) لك ، وقد قدّم في الباب أنّ هذا الباب ؛ الرفع فيه وجه الكلام ، ونصبه بإضمار فعل ، كأنه : ألزمك الله ويلك ، أو أوقع الله الويل ، وما أشبه ذلك.

وأنشد لجرير :

(كسا اللؤم تيما خضرة في جلودها

فويلا لتيم من سرابيلها الخضر) (٣)

يهجو جرير بذلك عمر بن لجأ التّيميّ وقومه ، والخضرة (٤) : يريد بها سواد الجلد الذي يضرب إلى الخضرة ، والسرابيل : القمص. جعل جلودهم مثل القمص عليهم. وأراد أن ألوانهم متغيرة للؤمهم وضعتهم ، (ولعله أراد أنهم لا يغتسلون ولا ينظفون أبدانهم ، فقد تقادم عليها الوسخ وتضاعف فاسودّت) (٥).

__________________

(١) عنوان الباب لديه (١ / ١٦٦): «.. ما فيه الألف واللام من المصادر والأسماء».

(٢) عبارة سيبويه : «.. ويلا له .. يجريها مجرى خيبة».

(٣) ديوان جرير ص ٢١٢ من قصيدة قالها يهجو التيم. والرواية فيه :

كسا الله تيما خضرة في وجوهها

فيا خزي تيم ...

ولا شاهد فيه على هذا. وروي البيت لجرير في : اللسان (ويل) ١٤ / ٢٦٥

(٤) الأخضر : الأخضر والأسود. الأضداد لابن الدهان ص ١٠

(٥) لا مكان لهذا المعنى السطحي الأخير ، وتكفي عبارة الشاعر (كسا اللؤم)! وجاء في شرح الأعلم قوله : وجعل لها سرابيل سودا من اللؤم بادية عليهم ، على طريق المثل. وقالوا في الكريم : فلان طاهر الثوب أبيض السربال.

١٥١

[النصب على المصدر في التوبيخ باضمار فعل]

٦٦ ـ قال سيبويه (١ / ١٦٩) في : «باب ما ينتصب من المصادر ، كان فيه ألف ولام أو لم يكونا فيه ، على إضمار الفعل المتروك إظهاره» (١) : «وأما ما ينتصب في الاستفهام من هذا الباب فقولك : أقياما يا فلان والناس قعود! أجلوسا والناس يفرون! فلا يريد أن يخبر أنه يجلس ، ولا أنه قد جلس ، ولكنه يخبر أنه في تلك الحال جلوس» (٢). على طريق التوبيخ.

قال العجاج :

(أطربا وأنت قنّسريّ)

والدهر بالإنسان دوّاريّ (٣)

__________________

هذا وإن عبارة ابن السيرافي الأخيرة هذه ـ وقد جعلتها بين قوسين ـ ليست في المطبوع.

ـ وقد ورد الشاهد في : المقتضب ٣ / ٢٢٠ والأعلم ١ / ١٦٧ والكوفي ٢٩ / أو ٨١ / أوقال الأعلم : «ويلا بالنصب والأكثر رفعه بالابتداء وإن كان نكرة لأنه في معنى المنصوب.

وهو مصدر لا فعل له من لفظه لاعتلال فائه وعينه وما يلزم من النقل في تصريف فعله لو استعمل» ا ه. فإذا أضيف فليس إلا النصب. وما يرضي المعنى هو النصب على المصدر بفعل مضمر ، لما يبديه من مراد الدعاء بالعذاب وشبهه.

(١) عنوان الباب عند سيبويه (١ / ١٦٨) بتغيير لفظي طفيف ، وبعده : «.. لأنه يصير في الإخبار والاستفهام بدلا من اللفظ بالفعل ، كما كان (الحذر) بدلا من (احذر) في الأمر».

(٢) عبارة سيبويه : «.. في هذا الباب .. وأجلوسا .. لا يريد أن يخبر .. قد جلس وانقضى جلوسه .. في جلوس وفي قيام».

(٣) البيتان في مجموع أشعار العرب ق ٤٠ / ٣ ـ ٤ ج ٢ / ٦٦ من أرجوزة طويلة للعجاج. وجاء في الأول (قنسريّ). وفي أراجيز العرب ١٧٤ وفيه (قنسريّ) وروي البيتان للعجاج في : اللسان (قسطر) ٦ / ٤٠٣ و (قنسر) ٦ / ٤٣٠ والأول للشاعر في :

١٥٢

(أراد : أتطرب طربا (١). على طريق التوبيخ) (٢).

والقنّسريّ : الكبير المسن ، ودوّاريّ : أراد بها دوّار ، وأدخل عليه ياء النسب. والدوّار : الذي يدور بالناس ينقلهم من حال إلى حال.

[نصب المصادر في الدعاء وسمع رفعها]

٦٧ ـ وقال سيبويه (١ / ١٥٧) في : «باب ما ينتصب من المصادر على إضمار الفعل غير المستعمل إظهاره» (٣) : «وقد رفعت الشعراء بعض هذا فجعلوه مبتدأ ، وجعلوا ما بعده مبنيا عليه».

يريد أن بعض المصادر التي تنتصب في الدعاء على إضمار الفعل المتروك إظهاره ، قد سمع فيها الرفع من العرب. قال أبو زبيد الطائيّ :

(أقام وأقوى ذات يوم وخيبة

لأول من يلقى وشرّ ميسّر) (٤)

__________________

المخصص ١ / ٤٥ والثاني في : اللسان (دور) ٥ / ٣٨٢ و (قفر) ٦ / ٤٢٢

وفي المخصص ١ / ٤٥ عن الخليل. يقال : القنسر والقنّسر والقنّسريّ الكبير المسن.

(١) ورد الشاهد في : سيبويه أيضا ١ / ٤٨٥ والمقتضب ٣ / ٢٢٨ و ٢٨٩ والنحاس ٥٠ / ب والإيضاح العضدي ٢٩٢ والأعلم ١ / ١٧٠ والكوفي ٢٨ / ب و ٨٣ / ب والمغني ش ١٢ ج ١ / ١٨ وش ٩٣٤ ج ٢ / ٦٨١ وشرح السيوطي ش ١٠ ص ٤٨ و ٧٢٢ والأشموني ٣ / ٧٤٧ والخزانة ٤ / ٥١١

وألمع سيبويه إلى أنّ (هل) ليست بمنزلة ألف الاستفهام : ملخصه أن (هل) لا تدل على وقوع الأمر. مثل : هل تضرب زيدا؟ أما الهمزة فالضرب معها واقع حين تقول : أتضرب زيدا! مثل : أطربا ؛ فقد علمت أنه قد طرب وأنت توبخه.

(٢) ما بين القوسين ساقط في المطبوع.

(٣) عنوان الباب في الكتاب (١ / ١٥٦): «باب ما ينصب ..».

(٤) روي البيت لأبي زبيد في وصف الأسد في : المخصص ١٢ / ١٨٤ وبلا نسبة في اللسان (يسر) ٧ / ١٦٠

١٥٣

الشاهد (١) فيه على أنه رفع (خيبة) وهو مصدر يدعا به ، والمصادر التي يدعا بها تنصب ، ورفعه بالابتداء ، و (لأول من يلقى) خبره.

وصف أسدا أقام في مكان ، وأقوى : لم يجد شيئا يأكله ، والمقوي : الذي لا زاد له. وأراد أن الأسد جائع فهو يثب على أول من يلقاه ، والميسّر : المعجّل (٢) الذي لا يحتبس. ويروى : (أغار وأقوى) يريد أنه أغار على قوم حمل عليهم. ويروى : (وغيّ ميسّر).

[الظرف ـ جواز رفعه]

٦٨ ـ قال سيبويه في الظروف (٣) : «وقد يكون في (دونها) الرفع» (٤). يريد أنه يجوز فيه التمكن.

ووقع بعد هذا في الكتاب بيتان ، وقيل إنهما ليسا / من الكتاب. أحدهما بيت ذي الرّمة :

أفي مرية عيناك إذ أنت واقف

بحزوى من الأظعان أم تستبينها

(فقال أراها يحسر الآل مرة

فتبدو ، وأخرى يكتسي الآل دونها) (٥)

__________________

(١) ورد الشاهد في : النحاس ٤٩ / أوالأعلم ١ / ١٥٧ والكوفي ٢٨ / ب و ٨٤ / أ.

قال النحاس : «ولو جاء بها على الأصل لقال : خيبة وشرا كما تقول : تعسا».

قلت : ولكنها بالرفع أدلّ على حتمية وقوع الأمر ، وهي بالنصب تشعر بالدعاء.

(٢) (المعجّل) ساقط في المطبوع.

(٣) عنوان الباب لديه في (١ / ٤٣): «باب ما يجري مما يكون ظرفا هذا المجرى».

قصد ب (هذا المجرى) جواز رفعها.

(٤) لم أجد هذه العبارة في كتاب سيبويه ، وكذلك لا وجود لبيتي ذي الرمة فيه.

(٥) ديوان ذي الرمة ق ٨٣ / ٤ ـ ٥ ج ٣ ص ١٧٨٦

١٥٤

يخاطب نفسه ويقول : أتشكّ عينك في أنها ليست ترى الأظعان التي تسير؟ أم تستبينها : أم تبيّنها ، وحزوى (١) : موضع معروف ، والأظعان : الهوادج فيها النساء ، و (من الأظعان) متصل بقوله (أفي مرية) والآل : ما يكون في أول النهار قبيل السراب ، ويحسر : يذهب ، ويكتسي الآل : أي يتغطى بالآل ، يريد أن الآل يستره ، و (دونها) : هو المكان الذي بينه وبين الأظعان ، وفي (تبدو) ضمير من الأظعان. يعني أنّ الآل إذا ذهب رأى الأظعان ؛ وإذا حجز الآل بينه وبينها استترت عنه (٢). وقوله (وأخرى) : في موضع نصب على الظرف وهو ظرف من الزمان. والمعنى : ومرة أخرى يكتسي الآل دونها (٣) ، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه (٤).

[في إعراب (عمرك الله) وأشباهه]

٦٩ ـ قال سيبويه (١ / ١٦٢ ـ ١٦٣) في : «باب من المصادر ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره ، ولكنها مصادر وضعت موضعا واحدا لا تتصرف في الكلام .. (فقعدك) تجري هذا المجرى». يريد أن (قعدك) بمنزلة (عمرك) «وإن لم يكن له فعل» يعني وإن لم يكن (لقعدك) فعل.

يريد أن بعض المصادر قد يترك استعمال الفعل فيه ، ويكون بمنزلة ما استعمل فعله. فقعدك الله بمنزلة وصفك الله بالثبات وأنه لا يزول. يريد سألتك بوصفك الله بالثبات ، ثم حذفت الفعل والتاء. ولا يستعمل الفعل فيه ولا حرف ، وهو مصدر لا يتصرف ، أي لا يستعمل في غير هذا الموضع من الكلام ، ولا يستعمل إلا مضافا.

__________________

(١) موضع في ديار تميم. البكري ٢٧٩

(٢) في الأصل والمطبوع : عنها.

(٣) لم يورد هذا الشاهد سوى الكوفي ٨٤ / أ

(٤) في الأصل والمطبوع : فحذف الصفة وأقام الموصوف مقامها.

١٥٥

ثم استشهد على استعمال الفعل من (عمرك الله) بقول ابن (١) أحمر :

(عمّرتك الله الجليل فإنني

ألوي عليك لو أنّ لبّك يهتدي)

هل لا مني من صاحب صاحبته

من حاسر أو دارع أو مرتدي (٢)

يخاطب امرأة يقول لها عمّرتك (٣) الله ، أي سألتك بوصفك الله بالبقاء ، هل علمت أن أحدا صاحبني من الناس لا مني على فعل فعلته ، من أحد حاسر : وهو الذي لا درع عليه ، أو دارع : وهو الذي عليه الدرع ، والمرتدي : الذي عليه الرداء. يريد أنّ (٤) كل من صاحبني على اختلاف أحوالهم وهيئاتهم وأخلاقهم

__________________

(١) عمرو بن أحمر بن العمرّد الباهليّ ، شاعر مخضرم معمّر ، أسلم وشارك في الفتوح ، عرف بالفصاحة وكثرة الغريب (ت ٦٥ ه‍). ترجمته في : الشعر والشعراء ١ / ٣٥٦ والأغاني ٨ / ٢٣٤ والمؤتلف (تر ٧٥) ص ٣٧ وجمهرة الأنساب ٢٤٥ ومعجم الشعراء ٢١٤ والإصابة (تر ٦٤٦٨) ٣ / ١١٢ والخزانة ٣ / ٣٨

(٢) ديوان ابن أحمر ق ١٢ / ٣٠ ـ ٣١ ص ٦٠ وروي الأول بلا نسبة في : المخصص ١٧ / ١٦٤ واللسان (عمر) ٦ / ٢٨٠

(٣) عند سيبويه : بمعنى نشدتك الله. وعند الكسائي : سألت الله أن يعمّرك كأنه قال : عمّرت الله إياك. وعند الأعلم : ذكّرتك الله ، فكأنه جعل تذكيره عمارة لقلبه. وأرى أن تفسير الكسائي أقربها قبولا واستكمالا ؛ فالتركيب دعاء بطول العمر. انظر اللسان (عمر) ٦ / ٢٨٠

ـ وقد ورد الشاهد في : المقتضب ٢ / ٣٢٩ والنحاس ٥٠ / أوالأعلم ١ / ١٦٣ والكوفي ٢٩ / أو ٨٤ / ب.

ويذكر الكوفي ٢٩ / أللأخفش رأيا مغايرا بأن تقول : «عمرك الله. برفع لفظ الجلالة فاعل والكاف مفعول بمعنى يذكرك الله بالبقاء». فلم يستغن إذن عن التأويل بالفعل ، والفعل عمّرتك أكثر انسجاما مع الأسلوب العربي في الدعاء.

(٤) (أنّ) ليس في المطبوع.

١٥٦

لم يذمني. وقوله : ألوي عليك : أي أعطف عليك ، لو أنّ لبّك يهتدي : أي (١) لو أن قلبك يقبل النصيحة. و (هل لامني) هو جواب عمّرتك الله.

وقال سيبويه في الباب المتقدم (١ / ١٦٣) : «زعم أبو (٢) الخطاب أن (سبحان الله) كقولك : براءة الله من السوء».

ذكر سيبويه (براءة) مضافة إلى اسم الله ، كما يضاف (سبحان) إذا قلت سبحان الله. و (براءة) منونة غير مضافة ، كما تترك إضافة سبحان (٣) قال الأعشى :

(أقول لمّا جاءني فخره

سبحان من علقمة الفاخر) (٤)

فسبحان في هذا البيت غير مضاف ، إلا أن (براءة) منصرف لأنها نكرة وإن كانت منونة ، و (سبحان) لا ينصرف لأنه معرفة وفي آخره الألف والنون (٥).

__________________

(١) في الأصل والمطبوع (أو).

(٢) هو الأخفش الأكبر ، أحد شيوخ سيبويه ، واسمه عبد الحميد بن عبد المجيد ، مولى قيس بن ثعلبة (ت ١٧٧ ه‍). ترجمته في : أخبار النحويين البصريين ٣٧ وبغية الوعاة ٢ / ٧٤

(٣) في المطبوع : سبحان الله.

(٤) ديوان الأعشى ق ١٨ / ٣٠ ص ١٤٣ من قصيدة قالها يهجو علقمة بن علاثة ويمدح عامر بن الطفيل ، في المنافرة التي جرت بينهما.

وروي البيت للأعشى في : اللسان (سبح) ٣ / ٢٩٩ وبلا نسبة في : المخصص ١٥ / ١٨٧ و ١٧ / ١٦٣

(٥) على هذا الأساس شرحها ابن سيدة في المخصص ، وذكر البغدادي أن الاستراباذي رد هذا القول ورآه من قبيل المضاف ، أي (سبحان الله) حذف المضاف إليه وأبقى المضاف على حاله من التجرد عن التنوين ، وقد ينون في الشعر. كما ذكر رأيا للراغب يقول بأن (سبحان) مضاف إلى علقمة و (من) زائدة. ويضعّف هذا أن العرب لم

١٥٧

الشاهد (١) في البيت على أنه نصب (سبحان) وهو غير مضاف ولم يتصرفه (٢). / وعلقمة هذا الذي ذكره الأعشى ، هو علقمة بن (٣) علاثة ، وكان علقمة قد فاخر عامر بن (٤) الطفيل وهو ابن عمه ، وكان الأعشى مع عامر بن الطفيل.

يقول الأعشى : لما سمعت أن علقمة يفاخر عامرا ، أعظمت هذا. وسبحان تبرّؤا. يريد تبرّأت من قبح ما فعل علقمة تبرّؤا ، يقول : لم أرض به وأنكرته.

__________________

تضف (سبحان) لغير الله أو الرب ، كما أن (من) لا تزاد هنا لأن (سبحان) هنا للتعجب و (من) داخلة على المتعجب منه.

ويبرز قول الاستراباذي منسجما مع الأساليب العربية في الإيجاز المؤدي : سبحان مصدر مضاف يحمل معنى التعجب.

(١) ورد الشاهد في : المقتضب ٣ / ٢١٨ والنحاس ٥٠ / ب والأعلم ١ / ١٦٣ والكوفي ٢٩ / ب و ٣٢ / أو ٨٤ / ب والخزانة ٢ / ٤١ و ٣ / ٢٥١

(٢) في المطبوع (يصرّفه).

(٣) علقمة بن علاثة الكلابي العامري ، سيد في قومه ، هجاه الأعشى لمنافرته عامر ابن الطفيل ، تولّى حوران لعمر بن الخطاب (ت نحو ٢٠ ه‍) ترجمته في : البيان والتبيين ١ / ١٠٩ ، ٢٩١ والمعارف ١ / ٣٣ وثمار القلوب ٣٥٢ ومعجم الشعراء ٣٩٦ وسرح العيون ١٣٥ والإصابة (تر ٥٦٧٧) ٢ / ٤٩٦ والخزانة ١ / ٨٨ ، ٨٩ و ٢ / ٤٣ وانظر ما قاله الأعشى في هجائه في ديوانه ق ١٨ ـ ١٩ ص ١٣٨

(٤) عامر بن الطفيل بن مالك العامري ملاعب الأسنة ، ابن عم لبيد. شاعر سيد في قومه. وفي أمثالهم «أفرس من عامر» أراد الإسلام بشروط ، وتهدد الرسول (ص) (ت ١١ ه‍)

ترجمته في : السيرة ٣ / ١٩٤ وما بعدها والشعر والشعراء ١ / ٣٣٤ والدرة الفاخرة ١ / ٣٣٣ وثمار القلوب ١٠١ وشرح الاختيارات ٣ / ١٤٨٦ والخزانة ١ / ٤٧١ وانظر طرفا من هذه المنافرة بينهما في الخزانة ٣ / ٤٩٢

١٥٨

[استعمال المصدر الميمي مكان المصدر]

٧٠ ـ قال سيبويه (١ / ١١٩) في باب ما يكون من المصادر مفعولا : «وكذلك المعصية بمنزلة العصيان والموجدة بمنزلة الوجدان ، لو كان الوجد يتكلم به» (١).

يريد أن (المفعلة والمفعلة) في هذه المصادر تجري مجرى المصادر التي هي أصل ، وربما ترك المصدر الذي هو الأصل على (فعل) واكفوا ب (المفعلة). فمن ذلك (الموجدة) مصدر وجدت على فلان إذا غضبت عليه. والوجد في الحزن : وجدت به وجدا إذا حزنت على مفارقته.

وقد أتى الوجد في معنى الغضب ، وهو عندي معنى قول الهذليّ (٢).

وتضمر في القلب وجدا وخيفا (٣)

وقال ابن أحمر :

لدن غدوة حتى كررن عشيّة

وقرّبن حتى ما يجدن مقرّبا

(تداركن حيّا من نمير بن عامر

أسارى تسام الذّلّ قتلا ومحربا) (٤)

 __________________

(١) عبارة سيبويه : «وكذلك تجري المعصية مجرى العصيان ، والموجدة بمنزلة المصدر لو كان ..».

(٢) هو صخر الغيّ الهذلي من شعراء الدولة الأموية ، متعصب لبني مروان.

ترجمته في : ألقاب الشعراء ـ نوادر المخطوطات ٧ / ٣٠٠ وأعلام النساء ٣ / ١٣٧١

(٣) عجز بيت للشاعر روي في ديوان الهذليين. القسم الثاني ٧٤ وصدره :

فلا تقعدنّ على زخّة

وفي أمالي القالي ١ / ٢١٠ أنّ خيف جمع خيفة وهي الخوف ، والزّخّة هنا الحقد والغيظ.

وروي البيت للشاعر في : اللسان (زلخ) ٣ / ٤٩ و (خوف) ١٠ / ٤٤٨ وبلا نسبة في : المخصص ١٢ / ١٢٢ ـ وقد ورد الشاهد في : الكوفي ٢٩ / ب ، وقال «وقد حكى سيبويه : ما أنت إلا ضربا تريد تضرب ضربا».

(٤) ديوان ابن أحمر ق ٤ / ٣ ص ٤٠ ورد فيه البيت الثاني فقط ، أما الأول فقد خلت

١٥٩

الشاهد (١) فيه قوله (محربا) وهو مصدر لحربته حربا إذا سلبته ماله. وصف (٢) خيلا مضت للحاق قوم حتى يدركوهم ، كررن : يعني الخيل ؛ واللفظ للخيل والمعنى لفرسانها ، وقرّبن : من التقريب في العدو ، حتى ما يجدن زيادة على القدر الذي يفعلن من العدو ، يعني أنهن قد أخرجن جميع ما عندهن من العدو ، ولم يبق عندهن منه بقية.

وتداركن لمّا غزون حيا من نمير ، وتسام الذل : تحمل على فعل ما تكرهه على طريق القهر والإذلال ، و (قتلا) منصوب بإضمار فعل دل عليه (تسام الذل) كأنه قال بعد قوله : (تسام الذل) : تقتل قتلا وتحرب محربا.

[نصب الاسم بعد الأدوات المختصة بالأفعال]

٧١ ـ قال سيبويه (١ / ٦٧) قال النّمر (٣) بن تولب :

(لا تجزعي إن منفسا أهلكته

وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي) (٤)

__________________

منه كذلك مقالة د. رمضان عبد التواب في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق م ٤٧ ج ٢ / ٤٢٢ التي استدرك فيها على الديوان المذكور ط. المجمع ١٣٩٢ ـ ١٩٧٢

(١) ورد عند سيبويه الثاني فقط وفيه الشاهد ، وقد ورد كذلك في : النحاس ٣٩ / ب والأعلم ١ / ١١٩ والكوفي ١٦٠ / أ.

(٢) في الأصل والمطبوع : ووصف.

(٣) شاعر مخضرم معمّر منسوب إلى عكل ، أحد الأجواد الفرسان ، يكنى أبا ربيعة ، أدرك الإسلام كبيرا (ت نحو ١٤ ه‍). ترجمته في : المعمّرين ٧٩ والشعر والشعراء ١ / ٣٠٩ وجمهرة أشعار العرب ١٠٩ والإصابة (تر ٨٨٠٤) ٣ / ٥٤٢ وشرح شواهد المغني ١٨١ والخزانة ١ / ١٥٦ ورغبة الآمل ٣ / ١٩

(٤) روي البيت للنمر بن تولب في : الكامل للمبرد ٣ / ٣٠٠ واللسان (خلل) ١٣ / ٢٢٤ و (نفس) ٨ / ١٢٤ وورد في أبيات للشاعر في شرح السيوطي ص ٤٧٣ وروي بلا نسبة في : اللسان (عمر) ٦ / ٢٨٢ والمنفس الشيء النفيس.

١٦٠