العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٢

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٢

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: محمّد عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-2553-2

الصفحات: ٤٤٥

وكان ابن عمه عنان بن مغامس بن رميثة ، لما ولى إمرة مكة فى ولايته الأولى ، لاءم محمد بن عجلان هذا ، وأقبل كل منهما على الآخر كثيرا. واستخلف عنان محمدا هذا بجدة ، وترك معه فيها من لاءمه من عبيد أحمد بن عجلان ، وبعض موالى أبيه مغامس ، يكون عينا على محمد ، فأنهى هذا المولى إلى عنان ، عن محمد تقصيرا ، فكتب عنان إليه يزجره ويغلظ له ، فاستشاط محمد غضبا ، واستدعى كبيشا ومن معه من آل عجلان وغيرهم ، فقدموا عليه جدة ، واستولوا على ما فيها من أموال الكارم ، وغلال المصريين بالنهب ، وما قدر عنان على إزالتهم من جده ، ولا استنقاذ ذلك منهم.

وكان ذلك من أعظم أسباب عزله.

وكان عجلان يرغب فى أن يكون ابنه محمد هذا ، ضدا لولده أحمد بن عجلان ، بأن يفعل فى البلاد فعلا يظهر به محمد ، ويغضب لفعله أحمد ، فيلين بذلك جانب أحمد لأبيه ـ لأنه كان قوى عليه ـ وينال بذلك مقاصد من ولده أحمد ، وينال بذلك محمد أمرا فى البلاد ، فلم ينهض محمد بمراد أبيه مع تيسر سبب ذلك ، وصورة الحال فى ذلك : أن عجلان كتب ورقة إلى ابنه محمد ، يأمره بأن يشغب هو وأصهاره الأشراف على أحمد بن عجلان ، وأن يأخذ من خيل أبيه ما شاء ، ويذهب إلى نخلة ، ويأخذ منها أدرعا هناك مودعة له ، ويأخذ ممن هى مودعة عنده ما يحتاج إليه من المصروف ، ووصلت ورقته إلى ابنه محمد ، وهو فى لهو مع بعض أصدقاء أخيه أحمد ، فأوقفهم على ورقة أبيه ، فاستغلوه وبعثوا بها إلى أخيه أحمد ، وأشغلوه باللهو إلى أن بلغ أخاه الخبر ، وقصد أحمد أباه فى جمع كثير ، معاتبا له على ما فعل ، وكان قد بلغه ما كان من ابنه محمد ، فشق عليه كثير ، واعتذر لأحمد ، وأعرض عن محمد لقلة حزمه.

وكان محمد قصد قافلة متوجهة من مكة إلى المدينة (٢) فيها قاضى مكة أبو الفضل النويرى ، فنهب محمد جمال القافلة ببدر ، وتوصل من فيها إلى المدينة ، وبلغ الخبر أباه عجلان ، فجد فى السير حتى أتاهم بالمدينة ، فاستعطفهم وأرضاهم برد الجمال ، أو بمال ـ الشك منى ـ والله أعلم.

وكان محمد ـ بعد ذلك ملائما لأخيه أحمد ، وأخوه مكرم له ، ثم نفر منه محمد ، فتوجه من مكة بعد الحج ، فى سنة ست وثمانين وسبعمائة ، قاصدا مصر ، طالبا لخبر. فلما كان بينبع أشار عليه أمير الحاج المصرى ، أبو بكر بن سنقر الجمالى ، بأن يرجع إلى

__________________

(٢) على هامش من نسخة ابن فهد : «فى سنة ثلاث وسبعين».

٢٦١

مكة ، ويرجع معه بعنان بن مغامس ، وحسن بن ثقبة ، وكانا قاصدين مصر لشكوى أحمد ، لكونه لم يجبهما إلى ما رسم لهما به عليه السلطان بمصر ، وكان أمير الحاج قد أشار على المذكورين بالرجوع إلى مكة ، وضمن لهما عن أحمد ، الموافقة على قصدهما إذا رجعا إليه ، وضمن لمحمد عن أحمد ، إسعافه لما يرومه من أحمد ، وأطمعه بالمزية فى الإحسان من أحمد ، إذا وصل إليه بالمذكورين.

فرجع الثلاثة إلى أحمد ، ولم يتوثق محمد لنفسه ولا لمن معه من أحمد ، اغترارا من بنفسه ، لظنه أن أحمد لا يسوءه فى نفسه ولا من معه ، فلم يصب ظنه ؛ لأن أحمد قبض عليه وعلى المذكورين لما اجتمعوا به ، وضمّ إليهم أحمد بن ثقبة ، وابنه عليا ، وقيد الخمسة.

ومن الناس من يقول : إن أحمد ندب محمدا لإحضار عنان وحسن ، فلما حضرا إليه قبض عليهما ، فأنكر ذلك محمد على أحمد ، فضمه إليهما ، وسجن الخمسة بالعلقمية عند المروة ، فلما مات أحمد ، كحلوا ـ غير عنان ـ فإنه كان نجا من السجن قبل موت أحمد بيسير ، وكان من أمرهم وأمر محمد ، ثم سعى محمد ، فى اعتقال عنان بمصر. فأجيب سؤاله.

وكان محمد قدمها فى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ، بعد ثورة منطاش (٣) على الناصرى (٤) ، ومصير الأمر إليه بعد قبضه على الناصرى وسجنه. وهو الذى أجاب محمدا لسجن عنان.

وكان محمد هذا فى سنة ثمانمائة ، دخل إلى اليمن ، فأكرمه صاحب اليمن الأشرف وجهز معه محملا إلى مكة فى سنة ثمانمائة ، بعد انقطاع محمله نحو عشرين سنة ، وتوجه به محمد بعد الحج ؛ ليأتى به ثانية إلى مكة ، فاقتضى رأى صاحب اليمن عدم إرساله ، فتوجه محمد إلى مكة وأقام بها ، حتى مات فى الثانى عشر من ربيع الأول سنة اثنتين وثمانمائة ، ودفن بالمعلاة.

٣٠٢ ـ محمد بن عرفة بن محمد الأصبهانى المكى ، المؤذن على قبة بئر زمزم ، عرف بعبود(١):

سمع على أبى المظفر بن علوان : أربعى المحمدين للجيانى ، وما علمته حدث. وأجاز

__________________

(٣) أحد مماليك السلطان الأشرف شعبان بن حسين انظر ترجمته فى : (الدرر الكامنة ٤ / ٣٦٥).

(٤) هو الأمير يلبغا ، سيف الدين الناصرى. انظر ترجمته فى : (الدرر الكامنة ٤ / ٤٤٠).

٣٠٢ ـ (١) على هامش نسخة ابن فهد «سمع من نصر بن على المصرى فى سنة خمس عشرة وستمائة السنن الصغرى للنسائى ، وسمعها معه ولده عرفة».

٢٦٢

للقطب القسطلانى ، وابنه أبى المعالى ، فى استدعاء مؤرخ بشهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وستمائة ، وتاريخ خطه يوم السبت سلخ الحجة ، سنة سبع وثلاثين وستمائة. ولم أدر متى مات ، غير أنه يستفاد حياته فى هذا التاريخ.

ومولده ـ على ما وجدت بخطه ـ ليلة خامس رمضان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.

٣٠٣ ـ محمد بن عطيفة بن أبى نمى محمد بن أبى سعد حسن بن على بن قتادة ابن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم الحسنى المكى :

أمير مكة ، وليها بعد أن عزل ابنا عمه : عجلان ، وثقبة ، ابنا رميثة بن أبى نمى ، شريكا لابن عمه سند بن رميثة. ويقال : إن ولاية مكة عرضت عليه بمفرده ، فأبى إلا أن يليها شريكا لبعض أولاد رميثة ، فولى معه سند بن رميثة.

وبلغنى أنه لما وصل الخبر بولايتهما إلى مكة ، أشار عجلان إلى ثقبة ، بأن يعطى كل منهما أربعمائة بعير ، لبنى حسن ، ليساعدوهما على بقاء ولايتهما.

ومنع ابن عطيفة ومن معه ، فلم يوافق على ذلك ثقبة ، واحتج بعجزه عن الإبل المطلوبة منه ، ولما بينه وبين سند من كثرة الألفة ، ومعاضدة سند له.

وكان صاحب مصر ، الملك الناصر حسن ، لما ولى مكة سندا ، وابن عطيفة ، جهز من مصر مع ابن عطيفة عسكرا فيه أربعة من الأمراء ، وهم : جركتمر الماردينى حاجب الحجاب بالقاهرة ، وهو مقدم العسكر ، وقطلوبغا المنصورى ، وعلم دار ، وابن أصلم (١).

وذكر ابن محفوظ : أن هذا العسكر ، كان نحوا من مائتى مملوك ، ومعهم تسعون فرسا ، وأنهم وصلوا إلى مكة فى الثامن من جمادى الآخرة ، سنة تسعين وسبعمائة. انتهى.

وذكر لى بعض الناس ، أن هذا العسكر وصل إلى مكة فى رجب من السنة المذكورة ، والله أعلم بالصواب فى ذلك.

ولما وصل هذا العسكر إلى مكة ، وصل إليهم سند بن رميثة ، فأعطوه تقليده وخلع عليه ، وعلى ابن عطيفة ، ودعى لهما على زمزم ، وانصلح بالعسكر حال مكة ، وارتفع منها الجور وانتشر العدل بها ، وأسقط المكس من المأكولات ، وجلبت الأقوات ،

__________________

٣٠٣ ـ (١) هو الأمير محمد بن أصلم الناصرى.

٢٦٣

فرخصت فيها الأسعار إلى الغاية ، وانقمع أهل الفساد ، بحيث لم يتجاسر أحد منهم على حمل السلاح بمكة ؛ لأن مقدّم العسكر أمر بذلك.

واستمر هذا الحال بمكة ـ على ما ذكرناه ـ إلى انقضاء الحج من سنة إحدى وستين وسبعمائة ، ثم تغير ذلك لفتنة عظيمة وقعت بين بنى حسن من أهل مكة ، والعسكر الذى بها ، وهذا العسكر غير العسكر الذى قدم إلى مكة مع ابن عطيفة ، ومقدم هذا العسكر أميران ، أمير يقال له : قندس ، قدم من القاهرة فى جماعة ، وأمير يقال له ناصر الدين بن قراسنقر المنصورى ، قدم من الشام فى جماعة ، ليقيموا بمكة ، عوض العسكر الذى قدم مع ابن عطيفة ، وكان قدوم العسكر الذى مع قندس ، وابن قراسنقر إلى مكة فى الموسم من سنة إحدى وستين وسبعمائة.

وسبب الفتنة بين هذا العسكر ، وأهل مكة ، أن بعض العسكر رام النزول بدار المضيف عند الصفا ، فمنعه من ذلك بعض الأشراف ، من ذوى علىّ ، فتضاربوا ، وبلغ ذلك بنى حسن والترك ، فثارت الفتنة بينهم.

وقيل إن سبب الفتنة : أن بعض الترك نزل بدار المضيف ، فطالبه بعض الأشراف بالكراء ، فضرب بعض الترك الشريف ، فقتل الشريف التركى ، فثار جماعة من الترك على الشريف ، فصاح الشريف ، فاجتمع إليه بعض الشرفاء واقتتلوا ، وبلغ ذلك الترك وبنى حسن ، فقصد الأشراف أجيادا.

ووجدوا فى ذهابهم إلى أجياد (٢)، خيلا على باب الصفا (٣) ، للأمير ابن قراسنقر ، ليسقى عليها بعد طوافه ، فإنه كان ذلك اليوم ، ذهب للعمرة من التنعيم ، فركبها الأشراف ، وبلغ ابن قراسنقر الخبر ، وهو يطوف ، فقطع طوافه ، وتقدم للمدرسة المجاهدية ليحفظها ، فإنه كان نازلا بها ، وتحصن هو وبعض الترك فى المسجد الحرام ، وأغلقوا أبوابه ، وهدموا الظلة التى على رأس أجياد الصغير ، ليروا من يقصدهم من بنى حسن ، ويمنعوه من الوصول إليهم بالنشاب وغيره ، وعملوا فى الطريق عند المجاهدية أخشابا كثيرة ، لتحول بينهم وبين من يقصدهم من الفرسان ، من أجياد الكبير ، هذا ما كان من خبر الترك.

__________________

(٢) أجياد بفتح أوله ، وإسكان ثانيه ، وبالياء أخت الواو ، والدال المهملة ، كأنه جمع جيد : موضع من بطحاء مكة ، من منازل قريش البطاح. انظر : معجم البلدان ، ومعجم ما استعجم (أجياد).

(٣) باب الصفا : وهو باب الأندلس ، وهو موجود بتاهرت وهى مدينة مشهورة من مدن الغرب الأوسط على طريق المسيلة من تلمسان. انظر : الروض المعطار ١٢٦.

٢٦٤

وأما ما كان من خبر بنى حسن ، فإنهم لما توجهوا لأجياد ، استولوا على اصطبل ابن قراسنقر ، وقصدوا الأمير قندس ، وكان نازلا ببيت الزباع بأجياد ، فقاتلوه من خارجه حتى غلبوه ، ودخلوا عليه الدار ، فقتلوا جماعة من أصحابه ، وهرب هو من جانب منها ، فاستجار ببعض الشرائف ، فأجارته.

ونهب منزله بنو حسن ، وقصد طائفة منهم الترك الذين بالمسجد ، فقتلوا من سراة بنى حسن : مغامس بن رميثة ، أخا سند ، وغيره.

وكان من أمر الترك بعد ذلك ، أنهم خرجوا من مكة ، بعد أن استجاروا ببعض بنى حسن على أنفسهم وأهلهم وأموالهم ، ولم يخرجوا من مكة إلا بما خف من أموالهم ، وخرج بعدهم من مكة ابن عطيفة ، قاصدا مصر خائفا يترقب ، بسبب ما كان بين ذوى عطيفة والقواد العمرة من القتل ، وكان تخلى فى وقت الفتنة عن نصرة الترك ، بإشارة بعض بنى حسن عليه بذلك ، وقوى عزمه على ذلك ، قتل الترك لمغامس بن رميثة.

ووجدت بخط بعض أصحابنا فيما نقله من خط ابن محفوظ : أن ابن عطيفة أراد أن يتعصب للترك ، فتهدده لذلك بعض بنى حسن بالقتل ، وأنه وسندا ، قعدا فى البلاد بعد سفر الترك ، وفى كون ابن عطيفة أقام بمكة بعد سفر الترك منها نظر ، لأن المعروف عند الناس أنه سافر بعد الفتنة إلى مصر ، اللهم إلا أن يكون مراد ابن محفوظ ، أنه أقام بمكة أياما يسيرة بعد سفر الترك ، ثم سافر من مكة ، فلا منافاة حينئذ. والله أعلم.

ولما وصل ابن عطيفة مصر ، لم يكن له بها وجه ؛ لأن العسكر لم يحمده. وكذا أهل مكة ، لتقصيره فى نصره كل من الفريقين ، ولم يزل بمصر مقيما ، حتى مات فى أثناء سنة ثلاث وستين وسبعمائة أو بعدها بقليل.

وكانت مدة ولايته سنة ونصفا ، تزيد أياما أو تنقص أياما ، للاختلاف فى تاريخ قدومه إلى مكة ، مع العسكر الذى جهز معه إلى مكة ، حين ولايته لها.

ولشيخنا ـ بالإجازة ـ الأديب يحيى بن يوسف المكى ، المعروف بالنشو ، مدايح فى ابن عطيفة هذا ، منها ما أنشدناه ـ إجازة ـ من قصيدة له يمدحه بها سنة تسع وثلاثين وسبعمائة أولها (٣) :

تذيب فؤادى بالغرام وتجحد

وترضى بإتلافى وما لى منجد

أمالك نفسى وهى نفس أبية

وما عنده من رحمة لى توجد

أتنقض عهدى والعهود وفية

ألست على العهد الذى أنت تعهد

٢٦٥

وتنكر ما بينى وبينك فى الهوى

ولى فيك أشجان تقيم وتقعد

فحبك لى دين ووجهك قبلة

وحالك ركن للمقبل أسود

ومنها فى المدح :

إمام له فضل عظيم على الورى

كريم الأيادى بالسماحة أوحد

يجود بما تحوى يداه تكرما

ويعلم أن المال ليس يخلد

فتى لم ير الراؤون مثل صفاته

إذا قيل هذا حاتم فهو أجود

أجلّ الورى قدرا وجاها ورفعة

وأكرم من يرجى عطاه ويقصد

وله فيه من أخرى ، وأنشدناه إجازة :

أترضى بإتلاف المحب ظلامة

فتأخذه بالعنف والرفق أليق

أعندك علم أنه بك هائم

وأكباده من لوعة الهجر تحرق

فأحواله تنبى بما فى ضميره

إذا لم يكن للقول منه مصدق

ومنها فى المدح :

بلوت بنى الدنيا جميعا بأسرهم

وجربتهم إن التجارب تصدق

فلم أر فى ذا العصر مثل محمد

إمام به الدنيا تضىء وتشرق

جوادا إذا جار الزمان على الورى

يجود بما تحوى يداه وينفق

لقد جلّ عن قدر الملوك الذى مضوا

إلى الغاية القصوى من الفضل يسبق

يجود على العافى ويبدى اعتذاره

فأوراقه بالجود والبذل تورق

لقد أعجز المداح فى بعض وصفه

عليهم بأنواع المكارم يغدق

ومنها :

على أنه والله واحد عصره

وهل مثله من بغداد ذا العصر يخلق

ومن لامنى فى مدحه فهو جاهل

فجيدى بالإحسان منه مطوق

وإن كان مدح الغير عندى سنة

فمدحى له فرض علىّ محقق

٣٠٤ ـ محمد بن عقبة بن إدريس بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم الحسنى ، المكى :

كان من جملة من أصيب فى الفتنة التى كانت بعرفة ، بين الحجاج المصريين وأهل مكة ، وسبب ذلك ـ على ما بلغنى ـ أن رميثة بن أبى نمى صاحب مكة ، شكا إلى أمير الحاج المصرى ، ما يلقاه من بنى حسن ، فاقتضى رأى الأمير الركوب عليهم ، فركب

٢٦٦

والتقى مع بنى حسن ، فقتل من الترك قريب من ستة عشر نفرا ، وقتل من أتباع الأشراف غير واحد ، وظفر الأشراف على الترك ، ولم يتعرضوا للحجاج بنهب على ما قيل ، ونفر الناس من عرفة خائفين ، وأخذ بعضهم طريق المظلمة ، وربما عرفت هذه الحادثة بسنة المظلمة ، ولم يحضر بنو حسن بمنى على العادة تخوفا من الحجاج ، ورحل الحجاج جميعهم فى النفر الأول ، ونزلوا الزاهر ، ولم يصبحوا فيه ، وكانت الوقعة بعرفة فى يومها ، من سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة.

وتوفى محمد بن عقبة ، من جرح أصابه فى هذه الفتنة ، فى يوم الثلاثاء ، حادى عشر ذى الحجة من السنة المذكورة.

٣٠٥ ـ محمد بن علوان بن هبة الله التكريتى الحوطى ـ بفتح الحاء وسكون الواو بعدها طاء مهملة مكسورة ـ أبو عبد الله الصوفى الشافعى :

إمام مقام إبراهيم الخليل عليه‌السلام بالحرم الشريف.

سمع ببغداد من النقيب أبى جعفر الفارسى ، وأبى المظفر بن الشبلى ، وأبى الوقت السجزى ، وأبى الفتوح الطائى وغيرهم ، وخرج منها ـ وهو شاب ـ إلى مكة ، فأقام بها مجاورا أكثر من خمسين سنة ، وحدث بها.

سمع منه بها ابن أبى الصيف ، وأمّ بمقام إبراهيم ، بعد محمد بن أبى بكر الطوسى مديدة ، إلى أن توفى فى شعبان سنة ثلاث وستمائة. ودفن بالمعلاة.

كتبت هذه الترجمة مختصرة من تاريخ ابن الدبيثى باختصار.

وذكر صاحب هذه الترجمة ، المنذرى فى التكملة ، وقال : لنا منه إجازة كتب بها إلينا من مكة.

وذكر أنه توفى فى شعبان ، سنة أربع وستمائة ، قال : ويقال : كانت وفاته فى شعبان من سنة ثلاث. انتهى.

وما ذكره المنذرى من وفاته فى سنة أربع ، رأيته مكتوبا فى حجر قبره بالمعلاة. وفيه : أنه توفى يوم الأحد ثالث عشر شعبان ، سنة أربع وستمائة. انتهى.

وما ذكرناه فى ضبط الحوطى ، ذكره المنذرى فى التكملة.

* * *

__________________

٣٠٥ ـ انظر ترجمته فى : (المختصر المحتاج إليه ٢٠١).

٢٦٧

من اسمه محمد بن على

٣٠٦ ـ محمد بن على بن أحمد بن إسماعيل المدلجى ، أبو الطيب بن الشيخ نور الدين الفوى ، يلقب ولى الدين :

عنى به أبوه ، فأسمعه الكثير بالحجاز وبالشام ، على غير واحد من أصحاب ابن البخارى ، وابن شيبان وطبقتهم ، منهم : ست العرب بنت محمد بن البخارى ، وزغلش ، ومحمود بن خليفة. وهو فى غالب ذلك حاضر ، وما علمته حدث. وحفظ كتبا علمية ، وله اشتغال ونباهة قليلة ، مع لعب ودخول فيما لا يعنيه من متعلقات ولاة الأمر.

وأفضى به الحال فى ذلك ، إلى أن قتل فى أوائل سنة خمس وتسعين وسبعمائة ، بظاهر المدينة النبوية ، وهو متوجه منها إلى الديار المصرية.

وبلغنى أنه عذب عذابا عظيما ، قطع لسانه ، ثم قطعت آرابه ، ثم أزهقت روحه ، وعسى الله أن يكفر بذلك عنه.

وكان سكن مكة ـ فى صباه ـ سنين كثيرة مع أبيه. ودخل مصر والشام غير مرة ، وحصل له بها شهرة.

٣٠٧ ـ محمد بن على بن جعفر البغدادى ، أبو عبد الله ، ويقال : أبو بكر ـ وهو أصح ـ الكتانى :

ذكره أبو عبد الرحمن السلمى فى طبقات الصوفية ، وقال : صحب الجنيد ، وأبا سعيد الخراز ، وأبا الحسن النورى.

أقام بمكة ، وجاور بها إلى أن مات ، وكان أحد الأئمة. وحكى عن أبى محمد المرتعش أنه كان يقول : الكتانى سراج الحرم.

مات سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة. كذلك ذكره أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن جعفر الرازى.

وذكره الخطيب فى تاريخ بغداد ، فقال : أحد مشايخ الصوفية ، سكن مكة. وكان فاضلا نبيلا ، حسن الإشارة.

__________________

٣٠٧ ـ انظر ترجمته فى : (طبقات الصوفية ٣٧٣ ـ ٣٧٧ ، حلية الأولياء ١٠ / ٣٥٧ ـ ٣٥٨ ، تاريخ بغداد ٣ / ٧٤ ـ ٧٦ ، الرسالة القشيرية ٢٦ ـ ٢٧ ، الأنساب ٤٧٥ ، صفة الصفوة ٢ / ٢٥٧ ، العبر ٢ / ١٩٤ ـ ١٩٥ ، الوافى بالوفيات ٤ / ١١١ ـ ١١٢ ، طبقات الأولياء ١٤٤ ـ ١٤٨ ، النجوم الزاهرة ٣ / ٢٤٨ ، شذرات الذهب ٢ / ٢٩٦ ، سير أعلام النبلاء ١٤ / ٥٢٢).

٢٦٨

وذكر أن أبا عبد الرحمن السلمى قال : وسمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول : وكان يقال : إن الكتانى ختم فى الطواف اثنى عشر ألف ختمة.

وذكر أيضا : أن أبا عبد الرحمن السلمى قال : سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت محمد بن على الكتانى يقول : من طلب الراحة بالراحة ، عدم الراحة.

٣٠٨ ـ محمد بن على بن الحسين بن الحسن بن القاسم بن محمد بن القاسم بن الحسين بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب الحسنى ، أبو الحسن بن أبى إسماعيل الهمدانى الصوفى :

ذكر القطب الحلبى : أنه سمع بنيسابور من الأصم ، وأبى على الحافظ ، وبغيرها من خيثمة بن سليمان ، وجعفر بن محمد الخلدى ، وجماعة ، بهمذان ، وبغداد ، وهيت (١) ، والرقة ، ومعرة النعمان (٢) ، ودمشق ، ومصر ، وبمكة من ابن الأعرابى ، وجاور بها مدة ، وحج مرات.

وروى عنه : أبو عبد الله الحاكم ، وأبو عبد الرحمن السلمى ، وأثنى عليه كثيرا فى تاريخ الصوفية.

وذكر الخطيب : أنه ولد بهمذان ، ونشأ ببغداد ، وسافر إلى الشام.

وصحب الصوفية. وصار كبيرا شهيرا. وحج مرات على الوحدة ، وجاور بمكة ، ودرس فقه الشافعى ، على أبى على بن أبى هريرة ببغداد ، وكان فى آخر عمره يجازف فى الرواية ، على ما حكى عنه.

وحكى الخطيب عن شيخه أبى حازم العبدرى ، أنه توفى فى المحرم سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة ، وهو ابن ثلاث وثمانين سنة ، ببلخ.

__________________

٣٠٨ ـ انظر ترجمته فى : (تاريخ بغداد ٣ / ٩٠ ، الرسالة القشيرية ١٩٦ ، طبقات الأولياء لابن الملقن ٦٢).

(١) هيت : مدينة بين الرحبة وبغداد ، وهى على شاطئ الفرات ، والهيت الهوة ، وسميت لأنها فى هوة ، وهى الأرض المنخفضة ، وقيل سميت باسم بانيها هيت بن البلندى ملك من ولد مدين ابن إبراهيم عليه‌السلام. وهى فى غربى الفرات ، وعليها حصن ، وهى من أعمر البلاد. وبأرض هيت عيون تسيل بالقار. انظر معجم البلدان ٥ / ٤٢١ ، والروض المعطار ٥٩٧.

(٢) معرة النعمان : بالشام مدينة قديمة فيها خراب ، بينها وبين حلب خمسة أيام. انظر : الروض المعطار ٥٥٥ ، نزهة المشتاق ١٩٧ ، اليعقوبى ٣٢٤ ، الكرخى ٤٦ ، ابن حوقل ١٦٤ ، معجم البلدان (معرة النعمان) صبح الأعشى ٤ / ١٢٤ ، فتوح البلدان ١٥٦ ، رحلة ابن جبير ٢٥٤.

٢٦٩

وقيل : توفى فى سنة أربع وتسعين. قاله أبو سعد الإدريسى.

كتبت هذه الترجمة مختصرة ، من تاريخ مصر للقطب الحلبى.

٣٠٩ ـ محمد بن على بن الحسين بن على بن عبد الملك بن أبى النضر الطبرى المكى ، المعروف بابن النجار ، يكنى أبا عبد الله :

سمع من المفتى شرف الدين أبى المظفر محمد بن علوان بن مهاجر الموصلى : الأربعين من رواية المحمدين ، المخرجة من صحيح البخارى ، تخريج الحافظ أبى بكر محمد بن ياسر الجيانى ، مع الزيادة بها عنه ، فى يوم الثلاثاء سادس صفر سنة ثلاث وستمائة بالحرم الشريف ، بقراءة سليمان بن خليل العسقلانى.

وصاهر محمد بن على الطبرى هذا ، سليمان بن خليل على ابنته ، وولد له منها أولاده الأربعة ، الآتى ذكرهم ، وحدث بالأربعين المذكورة ، بقراءة جماعة من الأئمة غير مرة.

منهم : المحدث أبو الفتح الأبيوردى ، وفقهاء مكة : ابن خشيش ، والمحب الطبرى ، والرضى بن خليل العسقلانى ، وترجمه : بالشيخ الصالح الورع الزاهد ، وآخر من سمعها منه وفاة ، ولده يحيى.

وتوفى يوم الثلاثاء ثانى رجب ، سنة ستين وستمائة بمكة ، وصلى عليه ولده الفقيه عبد الرحمن ، ودفن بالمعلاة.

وجدت وفاته بمكة ، هكذا ، بخط جدى أبى عبد الله الفاسى ، ونقلها من خط شيخه القطب القسطلانى.

ووجدت أيضا بخط الشريف أبى القاسم الحسينى فى وفياته هكذا ، إلا أنه لم يقل يوم الثلاثاء.

٣١٠ ـ محمد بن على بن الحسين بن على بن الحسين ، قاضى الحرمين ، تاج الخطباء ، ركن الدين أبو المظفر الشيبانى الطبرى المكى :

حدث عن أبى الحسين بن محمد الطريثيثى الصاهلى ، والمفتى أبى الطاهر يحيى بن محمد بن أحمد المحاملى ، وشيخ الحرمين ، أبو الوفا محمد بن عبد الله الطوسى ، المعروف بالمقدسى وغيرهم.

__________________

٣١٠ ـ انظر ترجمته فى : (التحفة اللطيفة ٢ / ٥٤٣).

٢٧٠

روى عنه : أبو حفص الميانشى ، فى مجالسه المكية ، عن شيوخه هؤلاء.

وروى عنه أيضا ، عن جده الحسين بن على ، عن عبد الغافر الفارسى ، حديثا من صحيح مسلم ، وهذا يدل على أنه حفيد الحسين بن على الطبرى ، فقيه مكة ، الآتى ذكره ، فإنه يروى صحيح مسلم عن عبد الغافر الفارسى ، والله أعلم.

ووجدت بخط بعض المحدثين من أصحابنا زيادة فى نسبه ، وأنه أجاز للحافظ ابن بشكوال ، ونص ما رأيته : محمد بن على بن الحسين بن على بن الحسين بن محمد بن شيبة بن إياد بن عمر بن العلاء الشيبانى ، قاضى الحرمين المعظمين ، أبو المظفر.

قال ابن بشكوال : كتب إلينا بإجازة ما رواه بخطه من مكة ـ حرسها الله تعالى ـ انتهى.

توفى أبو المظفر هذا ، يوم الجمعة سابع عشر ربيع الأول سنة خمس وأربعين وخمسمائة بمكة.

نقلت وفاته من حجر قبره بالمعلاة ، بالمقبرة المعروفة بيت ابن فهد والشيبانيين.

٣١١ ـ محمد بن على بن حسين ، المصرى الأصل ، المكى المولد والدار ؛ المعروف بابن جوشن:

كان من جملة تجار مكة ، وخلف عقارا طائلا [.............................](١).

توفى [..........](١) من سنة ست وثمانمائة [.........](١) من وادى الهدة(٢)المعروفة بهدة بنى جابر مقتولا.

٣١٢ ـ محمد بن على بن خليل ، المقرئ الفاضل شمس الدين ، المعروف بالشيرجى المقرئ نزيل مكة :

عنى بالقراءات السبع ، وكانت له بها خبرة ، وعلى ذهنه حكايات وأخبار حسنة.

__________________

٣١١ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٨ / ١٨١).

(١) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

(٢) الهدّة : بالفتح ثم التشديد ، وهو الخسفة فى الأرض ، والهدّ الهدم : وهو موضع بين مكة والطائف ، والنسبة إليها هدوى ، وهو موضع القرود ، وقد خفّف بعضهم داله.

والهدة : بتخفيف الدال ، من الهدى أو الهدى بزيادة هاء : بأعلى مرّ الظهران. انظر : معجم البلدان (الهدة).

٢٧١

وكان حسن الصوت بالقراءة ، وحين كان يصلى التراويح بالمسجد الحرام. كان الجمع يكثر لسماع قراءته ، ودام على ذلك سنين ، ثم ترك ، قبيل موته لضعفه.

وكان من القراء الملازمين للقراءة عند قبر الليث بن سعد ، فقيه مصر بالقرافة ، وعادتهم يقرءون عند قبره ختمة ، يبتدئونها فى كل يوم جمعة ، بعد صلاة الجمعة ، ويختمونها فى آخر ليلة السبت. وقد تردد إلى مكة غير مرة ، آخرها فى سنة أربع وثمانمائة ، فى رسالة لصاحب مكة ، وحبب الله له سكناها ، فانقطع بمكة حتى مات ، وسكن بدار خديجة أم المؤمنين بنت خويلد رضى الله عنها ، بزقاق الحجر بمكة ، ويعرف بمولد السيدة فاطمة ، حتى مات بها.

وكان ابتداء سكناه بها فى آخر سنة خمس وثمانمائة ، بعد موت عمر النجار المؤذن ، وكان أمرها إليه قبله.

وكان يجتمع إليه بها فى كل ليلة سبت ، جماعة من المداح ويقرءون شيئا من القرآن العظيم ، ويذكرون الله تعالى ويمدحون ، وكان ملازما للتلاوة.

وبلغنى أنه كان يقرأ فى كل يوم وليلة ختمة ، وفى مرض موته ثلث ختمة.

وتوفى فى ليلة الخميس ثالث عشرى ربيع الأول ، سنة سبع وعشرين وثمانمائة بمكة. ودفن فى صبيحتها بالمعلاة ، وقد تأهل بمكة ، بابنة الشيخ جمال الدين الأميوطى ، ورزق منها أولادا.

٣١٣ ـ محمد بن على بن زيد الصائغ ، أبو عبد الله المكى ، محدث مكة :

ذكره ابن حبان فى الطبقة الرابعة من الثقات ، فقال : يروى عن أبى نعيم ، وأحمد بن شبيب. روى عنه الحجازيون. انتهى.

وذكر ابن نقطة فى «التقييد» : أنه حدث عن سعيد بن منصور الخراسانى بسننه ، وأن دعلج بن أحمد السجزى ، رواها عنه ، قال : توفى سنة إحدى وتسعين ومائتين فى ربيعها الأول.

وحكى ابن نقطة عن الدارقطنى : أنه قرأ بخط أبى جعفر الطحاوى ، أنه توفى فى النصف الأول من ذى القعدة.

__________________

٣١٣ ـ انظر ترجمته فى : (تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٥٩ ، العبر ٢ / ٩٠ ، شذرات الذهب ٢ / ٢٠٩ ، سير أعلام النبلاء ١٣ / ٤٢٨).

٢٧٢

وجزم الذهبى فى «العبر» ، بوفاته فى ذى القعدة ، وقال : وهو فى عشر المائة.

٣١٤ ـ محمد بن على بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشى المطلبى المكى :

روى عن ابن أبيه : عبد الله بن على بن السائب ، والزهرى.

روى عنه : ابن بنته : محمد بن إبراهيم الشافعى ، والحسن بن محمد بن أعين الحرانى ، والإمام محمد بن إدريس الشافعى ، وهو ابن عم جده ، ويونس بن محمد المؤدب.

قال الشافعى : ثقة.

روى له أبو داود والنسائى. كتبت هذه الترجمة من التهذيب.

٣١٥ ـ محمد بن على بن صخر ، القاضى أبو الحسن الحارثى البصرى :

نزيل مكة الشافعى. حدث عن أبى محمد الحسن بن على ، المعروف بابن غلام الزهرى الحافظ ، وعثمان بن عمر بن السباك ، ويوسف بن يعقوب البخترى وغيرهم ، وانتقى عليه أبو نصر السجزى خمسة مجالس بمصر ، فسمعها منه الحافظ أبو إسحاق الحبال ، وأخوه عبد الرزاق ، بقرافة مصر الكبرى.

وسمع منه بمكة هياج بن عبيد الحطينى.

وأجاز فى سنة خمس وثلاثين ، لأبى صادق مرشد بن القاسم المدينى وحدث عنه بالإجازة كثيرا.

وذكر الذهبى : أنه توفى فى جمادى الآخرة ، سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة بزبيد.

٣١٦ ـ محمد بن على بن عبد الله بن على بن محمد بن عبد السلام بن أبى المعالى الكازرونى، المكى أبو الخير المؤذن بالحرم الشريف :

كذا سماه لى أخوه رئيس المؤذنين بالحرم ، عبد الله. وذكر لى أن أخاه أبا الخير هذا ، ولد سنة أربع وخمسين وسبعمائة.

وقد أجاز لهما ـ باستدعاء شيخنا ابن سكر من دمشق ـ ابن أميلة ، وأحمد بن

__________________

٣١٤ ـ انظر ترجمته فى : (تهذيب الكامل ٢٦ / ١٤٦ ، المعرفة ليعقوب ١ / ٤٦٧ ، ٩٥٣ ، التهذيب ١ / ٨٨ ، الكاشف ترجمة ٥١٤١ ، نهاية السول ٣٤٣ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٣٥٣ ـ ٣٥٤ ، التقريب ٢ / ١٩٢).

٢٧٣

النجم ، وقريبه صلاح الدين بن أبى عمر وآخرون ، وما علمت له سماعا ، وباشر رئاسة الحرم فى غيبة أخيه المذكور.

وتوفى فى شعبان سنة تسع وتسعين وسبعمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة ، سامحه الله تعالى.

٣١٧ ـ محمد بن على بن الخالق اليمانى :

كذا وجدته مذكورا فى جزء بخط الشيخ تقى الدين محمد بن رافع السلامى.

ذكر أن فيها أحاديث مخرجة من أصول سماعات جماعة من أهل مكة.

كتبه عن المسند بدر الدين أبى المحاسن يوسف بن محمد الكردى الدمشقى عنهم ، وترجمة : بالشيخ الإمام شمس الدين ، وأخرج عنه حديث أنس : «لا هجرة بين المسلمين فوق ثلاث» (١) من جزء الأنصارى ، عن أبى اليمن ريحان بن عبد الله الشرقى السكينى سماعا ، فى ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وستمائة ، عن الحافظ بن الأخضر ، عن القاضى أبى بكر الأنصارى بسنده.

وهذا الجزء هو سماع شيخنا جمال الدين الأميوطى الآتى ذكره ، على يوسف المذكور من ابن رافع.

٣١٨ ـ محمد بن على بن أبى طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف ، القرشى الهاشمى ، أبو القاسم المعروف بابن الحنفية :

[وروى عن : عبد الله بن عباس ، وعثمان بن عفان ، وأبيه على بن أبى طالب ، وعمار بن ياسر ، ومعاوية بن أبى سفيان ، وأبى هريرة.

__________________

٣١٧ ـ (١) أخرج حديث أنس البخارى فى صحيحه فى كتاب الأدب حديث رقم (٦٠٦٥) من طريق : أبو اليمان، أخبرنا شعيب ، عن الزهرى ، قال : حدثنى أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام».

وأخرجه مسلم فى صحيحه كتاب البر والصلة حديث رقم (٢٥٥٩) ، والترمذى فى سننه كتاب البر والصلة حديث رقم (١٩٣٥) ، وأبو داود فى سننه كتاب الأدب حديث رقم (٤٩٠) ، أخرجه أحمد فى المسند باقى مسند المكثرين حديث رقم (١١٦٣).

٣١٨ ـ انظر ترجمته فى : (طبقات ابن سعد ٥ / ٦٦ ، نسب قريش ٤١ ، طبقات خليفة ١٩٧١ ، تاريخ البخارى ١ / ١٨٢ ، المعرفة والتاريخ ١ / ٥٤٤ ، الجرح والتعديل ٢٦ ، البدء والتاريخ ٥ / ٧٥ ، الحلية ٣ / ١٧٤ ، طبقات الشيرازى ٦٢ ، تاريخ ابن عساكر ١٥ / ٣٦٤ ، تهذيب الأسماء ١ / ٨٨ ، وفيات الأعيان ٤ / ١٦٩ ، تهذيب الكمال ١٢٤٥ ، تاريخ الإسلام ٣ / ٢٩٤ ، العبر ١ / ٩٣ ، البداية والنهاية ٩ / ٣٨ ، طبقات القراء لابن الجزرى ٣٢٦٢ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٣٥٤ ، خلاصة تذهيب الكمال ٣٥٢ ، شذرات الذهب ١ / ٨٨ ، نزهة الجليس ٢ / ٢٥٤ ، سير أعلام النبلاء ٤ / ١١٠).

٢٧٤

روى عنه : ابناه إبراهيم بن محمد بن الحنفية ، والحسن بن محمد بن الحنفية ، وسالم بن أبى الجعد ، وابنه عبد الله بن محمد بن الحنفية ، وعبد الله بن محمد بن عقيل بن أبى طالب ، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبى ، وعطاء بن أبى رباح ، وابنه عمر بن محمد بن الحنفية.

وقال أحمد بن عبد الله العجلى : تابعى ، ثقة ، كان رجلا صالحا وثلاثة يكنون بأبى القاسم رخص لهم : محمد بن الحنفية ، ومحمد بن أبى بكر ، ومحمد بن طلحة بن عبيد الله.

وقال إبراهيم بن عبد الله بن عبد الله بن الجنيد : لا نعلم أحدا أسند عن على عن النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم أكثر ولا أصح مما أسند محمد بن الحنفية.

وقال الزبير بن بكار : وتسميه الشيعة : المهدى ، أخبرنى عمى مصعب بن عبد الله ، قال كثير : قيل : إنه ولد فى خلافة أبى بكر ، وقيل : فى خلافة عمر ، ومات برضوى (١) سنة ثلاث وسبعين ، ودفن بالبقيع ، وقيل : مات سنة ثمانين ، وقيل : سنة إحدى وثمانين ، وقيل : سنة اثنتين وثمانين ، وقيل : سنة اثنتين وتسعين ، وقيل : سنة ثلاث وتسعين ، وهو ابن خمس وستين ، وقيل غير ذلك فى تاريخ وفاته ومبلغ سنه. روى له جماعة].

٣١٩ ـ محمد بن على بن عثمان الأصبهانى المكى ، يلقب بالجمال ، ويعرف بالعجمى العطار:

سمع بأخرة على الفخر النويرى ، والقاضى عز الدين بن جماعة ، شيئا يسيرا من سنن النسائى ، رواية ابن السنى. كان له دكان بسوق العطارين ، عند باب بنى شيبة ، وفيه خير ومروءة.

توفى فى رجب أو شعبان ، من سنة تسع وتسعين وسبعمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة. وقد بلغ الثمانين. وبلغنى أنه جاوزها ، وكان رجلا جيدا مقبول الشهادة عند الحكام. انتهى.

٣٢٠ ـ محمد بن على بن عطية ، الحارثى ، أبو طالب المكى ، صاحب «قوت القلوب»:

ذكره الخطيب فى تاريخ بغداد ، وقال بعد أن نسبه : صنف كتابا سماه «قوت

__________________

(١) رضوى : بفتح أوله ، وسكون ثانيه ، وهو جبل بالمدينة ، وبالنسبة إليه رضّوىّ ، بالفتح والتحريك. انظر : معجم البلدان ، معجم ما استعجم (رضوى).

٣٢٠ ـ انظر ترجمته فى : (وفيات الأعيان ١ / ٤٩١ ، ميزان الاعتدال ٣ / ١٠٧ ، تاريخ بغداد ٣ / ٨٩ ، لسان الميزان ٥ / ٣٠٠ ، الكتبخانة ٢ / ٩٦ ، الأعلام ٦ / ٢٧٤ ، المنتظم ٧ / ١٨٩ ـ ١٩٠ ، المختصر فى أخبار البشر ٢ / ١٣١ ، العبر ٣ / ٣٣ ـ ٣٤ ، تاريخ الإسلام ٤ / ٦٢ ، الوافى بالوفيات ٤ / ١١٦ ، مرآة الجنان ٢ / ٤٣٠ ، البداية والنهاية ١١ / ٣١٩ ـ ٣٢٠ ، النجوم الزاهرة ٤ / ١٧٥ ، شذرات الذهب ٣ / ١٢٠ ، سير أعلام النبلاء ١٦ / ٥٣٦).

٢٧٥

القلوب» على لسان الصوفية ، ذكر فيه أشياء منكرة مستبشعة فى الصفات.

وحدث عن أحمد بن على المصيصى ، وأبى بكر المفيد وغيرهما.

حدثنى عنه : محمد بن المظفر الخياط ، وعلى بن عبد العزيز الأزجى ، قال : وقال لى أبو طاهر محمد بن على ابن العلاف : كان أبو طالب المكى ، من أهل الجبل ، ونشأ بمكة ، ودخل البصرة بعد وفاة أبى الحسن بن سالم فانتمى إلى مقالته ، وقدم بغداد ، واجتمع الناس عليه فى مجلس الوعظ ، فخلط فى كلامه ، وحفظ عنه أنه قال : ليس على المخلوقين أضر من الخالق. فقذعه الناس وهجروه ، وامتنع من الكلام على الناس بعد ذلك.

حدثنى أبو القاسم الأزجى ، وأحمد بن محمد العتيقى قالا : توفى أبو طالب المكى فى جمادى الآخرة سنة ست وثمانين وثلاثمائة.

قال العتيقى : وكان رجلا صالحا مجتهدا فى العبادة ، وله مصنفات فى التوحيد. انتهى.

وقال ابن خلكان فى ترجمته : كان رجلا صالحا مجتهدا ، وكان يستعمل الرياضة كثيرا ، حتى قيل إنه هجر الطعام زمانا ، فاقتصر على أكل الحشائش المباحة ، فاخضر جلده من كثرة تناولها ، ولم يكن من أهل مكة ـ وإنما كان من الجبل ، وسكن مكة ، فنسب إليها

٣٢١ ـ محمد بن على بن عطية المكناسى ، أبو عبد الله :

ذكره القطب الحلبى فى تاريخ مصر ، فبما أخبرنى به عنه ، شيخنا ابن صديق بقراءتى عليه ، وقال : قال لى شيخنا القطب القسطلانى : هذا ابن عطية ، سافر وساح ، وجاور بمكة دفعات ، ودخل الشام والحجاز واليمن ، وكان فيه صدق وإيثار. انتهى.

أخبرنى إبراهيم بن محمد الدمشقى ، فيما قرأت عليه بالحرم الشريف ، أن الحافظ قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور ، أخبره إجازة قال : حدثنى شيخنا الإمام قطب الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن على القسطلانى من لفظه فى صفر سنة خمس وثمانين وستمائة بالمدرسة الكاملية من القاهرة ، قال : أخبرنى الشيخ أبو عبد الله محمد بن على ابن عطية المكناسى بالحرم الشريف ، فى سنة سبع وخمسين وستمائة ، قال : كنت حاضرا عند الشيخ العارف فخر الدين الفارسى بقرافة مصر ، فأنشد فقير بين يديه :

٢٧٦

وما صد عنى أنه لى مبغض

ولا أن قتلى فى الهوى من مراده

ولكن رأى أن الدنو يزيدنى

غراما فأحبيى مهجتى ببعاده

فصاح عليه صيحة منكرة ، وقال : لا. وأنشد الشيخ :

يمثّله فكرى وإن غاب شخصه

فما هو إلا غائب مثل حاضر

وتشغلنى ذكراه عن ذكر غيره

فما لسواه أن يمر بخاطرى

٣٢٢ ـ محمد بن على بن محمد بن أحمد بن عبد الله الطائى الحاتمى الأندلسى المرسى ، أبو بكر ، الملقب محيى الدين ، المعروف بابن العربى الصوفى :

هكذا نسبه الحافظ ابن مسدى فى معجمه. وذكر أنه قرأ القرآن بالروايات ، على نجية بن يحيى ، واختص به.

سمع من : أبى عبد الله محمد بن سعيد بن زرقون ، وأبى بكر بن الجد ، ومن أبى بكر محمد بن خلف بن صاف المقرى ، ومن أبى الوليد جابر بن أبى أيوب الحضرمى ، وغيرهم.

وبسبتة من أبى محمد بن عبيد الله ـ يعنى الحجرى ـ وغيره ، وبإشبيلية من أبى محمد عبد المنعم بن محمد الخزرجى لما قدم عليهم ، والقاضى أبى جعفر بن مضاء ، وبمرسية من القاضى أبى بكر بن أبى حمزة وغيره.

وذكر أنه لقى عبد الحق بن عبد الرحمن الأزدى ببجاية (١). قال : وفى ذلك نظر ، وأن الحافظ السلفى ، أجاز له ، وأحسنها الإجازة العامة.

__________________

٣٢٢ ـ انظر ترجمته فى : (فوات الوفيات ٢ / ٢٤١ ، جذوة الاقتباس ١٧٥ ، مفتاح السعادة ١ / ١٨٧ ، ميزان الاعتدال ٣ / ١٠٨ ، لسان الميزان ٥ / ٣١١ ، جامع كرامات الأولياء ١ / ٨١١ ، نفح الطيب ١ / ٤٠٤ ، شذرات الطيب ١ / ٤٠٤ ، شذرات الذهب ٥ / ١٩٠ ، آداب اللغة ٣ / ١٠٠ ، دائرة المعارف الإسلامية ١ / ٣٢١ ، التكملة لابن الأبار ١ / ٣٥٦ ، الأعلام ٦ / ٢٨١ ـ ٢٨٢ ، تاريخ ابن الدبيثى ٩٢ ، عقود الجمان للموصلى ٧ / ٧٩ ، التكملة لوفيات النقلة للمنذرى ٢٩٧٢ ، تاريخ الإسلام للذهبى ١٩ / ٢٠٤ ـ ٢٠٦ ، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ١١١ ، نثر الجمان للفيومى ٢ / ١٢٤ ـ ١٢٥ ، طبقات الأولياء لابن الملقن ٣٦ ، نزهة الأنام لابن دقماق ٥٠ ـ ٥٣ ، عقد الجمان للعينى ١٨ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ، سير أعلام النبلاء ٢٣ / ٤).

(١) بجاية : بالكسر ، وتخفيف الجيم ، وألف ، وياء ، وهاء ، مدينة على ساحل البحر بين إفريقية ، والمغرب ، كان أول من اختطها الناصر بن علناس بن حماد بن زيرى بن مناد بن بلكين ، فى حدود سنة ٤٥٧. انظر : معجم البلدان (بجاية).

٢٧٧

وذكر أنه سمع من أبى الخير أحمد بن إسماعيل الطالقانى ، ومن أبى المكارم فضل الله ابن محمد النوقانى. انتهى ما ذكره ابن مسدى من شيوخه.

وقد طعن الحافظ الذهبى فى سماع ابن عربى من الطالقانى. وقال : هذا إفك بين ، ما لحقه. وذكر أنه سمع بدمشق من قاضيها الجمال بن الحرستانى.

وذكر غير الذهبى : أن ابن عربى سمع بمكة : جامع الترمذى ، من زاهر بن رستم ، ورأيت ما يدل لسماعه من زاهر ، ورأيت سماعه من يونس الهاشمى لشىء من صحيح البخارى ، فى نسخة بيت الطبرى ، بخط ابن عربى ، وسماعه لذلك بمكة.

وكان جاور بمكة مدة سنين ، وألف فيها كتابه الذى سماه : «بالفتوحات المكية» وله تواليف أخر ، منها : كتاب فصوص الحكم ، وشعر كثير جيد من حيث الفصاحة ، إلا أنه شابه بتصريحه فيه بالوحدة المطلقة ، وصرح بذلك فى كتبه.

وقد بين الشيخ تقى الدين ابن تيمية الحنبلى ، شيئا من حال الطائفة القائلين بالوحدة. وحال ابن عربى منهم بالخصوص ، وبين بعض ما فى كلامه من الكفر ، ووافق على تكفيره بذلك جماعة من أعيان علماء عصره ، من الشافعية والمالكية والحنابلة ، لما سئلوا عن ذلك.

وقد رأيت أن أذكر شيئا من ذلك ، مع شىء آخر من كلام الناس فى ابن العربى هذا ، لما فى أمره من الالتباس على كثير من الناس ، نعوذ بالله من الضلال ، ونسأله التوفيق لما فيه صلاح الحال.

ونص السؤال الذى أفتى فيه ابن تيمية ، ومن أشرنا إليه من الأئمة : ما يقول السادة أئمة الدين وهداة المسلمين فى كتاب بين أظهر الناس ، زعم مصنفه أنه وضعه وأخرجه للناس ، بإذن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فى منام زعم أنه رآه ، وأكثر كتابه ضد لما أنزل الله من كتبه المنزلة ، وعكس وضد لما قاله أنبياؤه.

فما قال فيه : إن آدم إنما سمى إنسانا ، لأنه من الحق بمنزلة إنسان العين من العين ، الذى يكون به النظر ، وقال فى موضع آخر : إن الحق المنزه ، هو الخلق المشبه. وقال فى قوم نوح : إنهم لو تركوا عبادتهم لود وسواع ويغوث ويعوق ، لجهلوا من الحق أكثر مما تركوا.

ثم قال : إن للحق فى كل معبود ، وجها يعرفه ، ويجهله من يجهله ، فالعالم يعلم من

٢٧٨

عبد ، وفى أى صورة ظهر حين عبد ، وإن التفريق والكثرة ، كالأعضاء فى الصورة المحسوسة.

ثم قال فى قوم هود : إنهم حصلوا فى عين القرب ، فزال البعد ، فزال به حرّ جهنم فى حقهم ، ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق ، فما أعطاهم هذا الذوقى اللذيذ من جهة المنة ، وإنما استحقته حقائقهم من أعمالهم التى كانوا عليها ، وكانوا على صراط مستقيم.

ثم أنكر فيه حكم الوعيد فى حق من حقت عليه كلمة العذاب من سائر العبيد.

فهل يكفر من يصدقه فى ذلك ، أو يرضى به منه ، أو لا؟ وهل يأثم سامعه إذا كان بالغا عاقلا ، ولم ينكره بلسانه أو بقلبه ، أم لا؟.

أفتونا بالوضوح والبيان ، كما أخذ الله على العلماء الميثاق بذلك ، فقد أضر الإهمال بالجهال.

ذكر جواب من ذكرنا من الأئمة عن هذا السؤال :

جواب ابن تيمية :

«الحمد لله رب العالمين. هذه الكلمات المذكورة المنكرة ، كل كلمة منها من الكفر الذى لا نزاع فيه بين أهل الملل ، من المسلمين واليهود والنصارى ، فضلا عن كونه كفرا فى شريعة الإسلام ، فإن قول القائل : إن آدم للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذى يكون به النظر ، يقتضى أن آدم جزء من الحق ـ تعالى وتقدس ـ وبعض ، وأنه أفضل أجزائه وأبعاضه ، وهذا هو حقيقة مذهب هؤلاء القوم ، وهو معروف من أقوالهم ، والكلمة الثانية توافق ذلك ، وهو قوله : إن الحق المنزه هو الخلق المشبه.

وذكر ابن تيمية كلاما لابن العربى ـ ليس فى السؤال ـ فى هذا المعنى.

قال فيه ابن عربى : فهو عين ما ظهر ، وعين ما بطن فى حال ظهوره ، وما ثم من يراه غيره ، وما ثم من يبطن عنه سواه ، فهو ظاهر لنفسه باطن عنه ، وهو المسمى أبو سعيد الخراز وغير ذلك من الأسماء المحدثات.

ثم قال ابن تيمية بعد ذكره كلاما آخر لابن عربى فى المعنى : فإن صاحب هذا الكتاب المذكور ، الذى هو «فصوص الحكم» وأمثاله ، مثل صاحبه الصدر القونوى التلمسانى ، وابن سبعين ، والششترى ، وأتباعهم.

٢٧٩

مذهبهم الذى هم عليه : أن الوجود واحد ، ويسمون أهل وحدة الوجود ، ويدعون التحقيق والعرفان ، وهم يجعلون وجود الخالق ، عين وجود المخلوقات.

فكل ما تتصف به المخلوقات من حسن وقبيح ، ومدح وذم ، إنما المتصف به عندهم عين الخالق.

ثم قال ابن تيمية : ويكفيك بكفرهم ، أن من أخف أقوالهم : إن فرعون مات مؤمنا بريئا من الذنوب ، كما قال ـ يعنى ابن عربى ـ وكان موسى قرة عين لفرعون ، بالإيمان الذى أعطاه الله عند الغرق ، فقبضه طاهرا مطهرا ، ليس فيه شىء من الخبث ، قبل أن كتب عليه شىء من الآثام ، والإسلام يجب ما قبله.

وقد علم بالاضطرار ، من دين أهل الملل : المسلمين واليهود والنصارى ؛ أن فرعون من أكفر الخلق.

واستدل ابن تيمية على ذلك ، بما تقوم به الحجة ، ثم قال : فإذا جاءوا إلى أعظم عدو لله من الإنس والجن ، أو من هو من أعظم أعدائه ، فجعلوه مصيبا محقا فيما كفره به الله ، علم أن ما قالوه أعظم من كفر اليهود والنصارى ، فكيف بسائر مقالاتهم؟.

وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها ، على أن الخالق تعالى بائن من مخلوقاته ، ليس فى ذاته شىء من مخلوقاته ، ولا فى مخلوقاته شىء من ذاته ، والسلف والأئمة كفروا الجهمية لما قالوا : إنه حال فى كل مكان ، فكان مما أنكروه عليهم ، أنه كيف يكون فى البطون والحشوش والأخلية ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا. فكيف من جعله نفس وجود البطون والحشوش والأخلية والنجاسات والأقذار؟.

ثم قال ابن تيمية : وأين المشبهة المجسمة من هؤلاء؟ فإن أولئك غاية كفرهم أن جعلوه مثل المخلوقات ، لكن يقولون : هو قديم ، وهى محدثة ، وهؤلاء جعلوه عين المحدثات ، وجعلوه نفس المصنوعات ، ووصفوه بجميع النقائص والآفات ، التى يوصف بها كل فاجر وكافر ، وكل شيطان وكل سبع ، وكل حية من الحيات. فتعالى الله عن إفكهم وضلالهم ، ثم قال : وهؤلاء يقولون : إن النصارى إنما كفروا لتخصيصهم ، حيث قالوا : إن الله هو المسيح.

فكل ما قالته النصارى فى المسيح ، يقولونه فى الله سبحانه وتعالى ، ومعلوم شتم النصارى لله وكفرهم به ، وكفر النصارى جزء من كفر هؤلاء. ولما قرأوا هذا الكتاب المذكور ، على أفضل متأخريهم ، قال له قائل : إن هذا الكتاب يخالف القرآن ، فقال :

٢٨٠