موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد سرور الواعظ الحسيني البهسودي

موسوعة الإمام الخوئي

المؤلف:

السيّد محمّد سرور الواعظ الحسيني البهسودي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قدّس سرّه
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7336-20-9
الصفحات: ٦٣١

بسم الله الرحمن الرحيم

رب زدني علما وألحقني بالصالحين ، واجعلني مقرر صدق أكن من الشاكرين ، فإنك في الدارين رجائي وجل قدسك عن حمدي وثنائي ، وصل اللهم على أشرف أنبيائك المرسلين وأفضل سفرائك المرضيين محمد وآله الأطهار المعصومين.

أما بعد فهذه ثمرات اقتطفتها من شجرة طيبة ، ودرز كلمات تلقيتها من أبحاث قيمة لحضرة سيدنا الأستاذ العلامة صراف نقود العلم بأفكاره الباكرة ، غواص بحار الفضل بأنظاره العالية ، المحدث الخبير ، والفقيه البصير ، والأصولي الشهير ، حجة الاسلام والمسلمين آية الله العظمى في العالمين سيدنا ومولانا حضرة (الحاج السيد أبو القاسم الخوئي) أدام الله ظله العالي ومتع المسلمين بوجوده الشريف.

١
٢

الكلام في الاستصحاب

وتحقيق القول فيه يقتضي التكلم في جهات :

الجهة الاولى : في تعريفه ، وقد ذكر شيخنا الأنصاري قدس‌سره عدّة من التعاريف التي عرّفوه بها ، وقال : إن أسدّها وأخصرها إبقاء ما كان ، وليس المراد من الابقاء هو الابقاء التكويني الخارجي ، بل المراد هو حكم الشارع بالبقاء ، فالمراد من الابقاء هو الابقاء بحكم الشارع (١).

وقال صاحب الكفاية قدس‌سره : إن عباراتهم في تعريفه وإن كانت شتى ، إلاّ أنّها تشير إلى مفهومٍ واحد ، وهو الحكم ببقاء حكم أو موضوعٍ ذي حكم شك في بقائه (٢).

أقول : أمّا ما ذكره صاحب الكفاية قدس‌سره من التعريف ، فهو شرح لما ذكره الشيخ قدس‌سره لا غيره. وأمّا ما ذكره من كون التعاريف مشيرة إلى معنى واحد ، فغير صحيح ، لاختلاف المباني في الاستصحاب ، وكيف يصح

__________________

(١) فرائد الاصول ٢ : ٥٤١.

(٢) كفاية الاصول : ٣٨٤.

٣

تعريف الاستصحاب بأ نّه حكم الشارع بالبقاء في ظرف الشك بناءً على كون الاستصحاب من الأمارات ، فانّ الأمارات ما ينكشف الحكم بها فلا يصح تعريفها بالحكم.

والذي ينبغي أن يقال : إنّ البحث في الاستصحاب راجع إلى أمرين لا إلى أمرٍ واحد :

الأوّل : البحث عنه بناءً على كونه من الأمارات.

والثاني : البحث عنه بناءً على كونه من الاصول.

أمّا على القول بكونه من الأمارات المفيدة للظن النوعي ، فالصحيح في تعريفه ما نقله الشيخ قدس‌سره عن بعضهم من أنّ الاستصحاب كون الحكم متيقناً في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللاحق. فان كون الحكم متيقناً في الآن السابق أمارة على بقائه ومفيدةٌ للظن النوعي ، فيكون الاستصحاب كسائر الأمارات المفيدة للظن النوعي ، ويكون المثبت منه حجة أيضاً على ما هو المعروف بينهم ، وإن كان لنا كلام في حجية الاستصحاب المثبت حتى على القول بكونه من الأمارات ، وسيجيء الكلام فيه (١) إن شاء الله تعالى.

كما أنّه على القول باعتباره من باب إفادته الظن الشخصي ، فالصحيح في تعريفه أن يقال :

إنّ الاستصحاب هو الظن ببقاء حكم يقيني الحصول في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللاحق ، فيكون الاستصحاب كبعض الظنون الشخصية المعتبرة شرعاً في بعض المقامات ، كالظن في تشخيص القبلة وكالظن بالركعات في الصلوات الرباعية.

__________________

(١) في ص ١٨٥ و ١٨٦.

٤

وهذا المعنى هو المأخوذ من الكبرى في كلام شارح المختصر على ما نقله الشيخ (١) قدس‌سره من قوله : الحكم الفلاني قد كان متيقناً سابقاً وشك في بقائه ، وكلّما كان كذلك فهو مظنون البقاء.

وأمّا على القول بكونه من الاصول ، فلا بدّ من تعريفه بالحكم كما وقع في كلام الشيخ وصاحب الكفاية ، لكن لا بما ذكراه من أنّه الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم ، فانّ الاستصحاب على هذا التقدير مأخوذ من الأخبار وعمدتها صحاح زرارة ، وليس فيها ما يدلّ على الحكم ببقاء حكم أو موضوعٍ ذي حكم ، بل المستفاد منها حرمة نقض اليقين بالشك من حيث العمل ، والحكم ببقاء اليقين من حيث العمل في ظرف الشك.

فالصحيح في تعريفه على هذا المسلك أن يقال : إنّ الاستصحاب هو حكم الشارع ببقاء اليقين في ظرف الشك من حيث الجري العملي.

الجهة الثانية : في أنّ البحث عن الاستصحاب هل يكون بحثاً عن مسألة اصولية أو فقهية؟

فنقول : أمّا على القول باختصاص حجية الاستصحاب بالشبهات الموضوعية وعدم حجيته في الأحكام الكلّية الإلهية كما هو المختار ، فالبحث عنه يرجع إلى البحث عن قاعدة فقهية مستفادة من الأخبار ، فيكون الاستصحاب من القواعد الفقهية كقاعدة الطهارة وقاعدة التجاوز ، ويعتبر فيه حينئذ اليقين السابق والشك اللاحق من المقلد ، ولا يكفي تحققهما من المجتهد بالنسبة إلى تكليف المقلد ، فلو كان المقلد متيقناً بالطهارة من الحدث وشك في الحدث فرجع إلى المجتهد ، فلا بدّ له من الافتاء بابقاء الطهارة عملاً وإن كان

__________________

(١) فرائد الاصول ٢ : ٥٤٢.

٥

المجتهد متيقناً بكونه محدثاً. نعم ، اليقين والشك من المجتهد إنّما يعتبران في جريان الاستصحاب بالنسبة إلى تكليف نفسه لا بالنسبة إلى المقلّد ، وكذا جميع القواعد الفقهية كقاعدة الفراغ من الصلاة فيما إذا شك في نقصان ركن من أركان صلاته ، فيفتي له المجتهد بالصحة لأجل الفراغ وإن كان هو عالماً بنقصان ركن من أركان صلاته ، ولا يقبل قوله بنقصان الركن إلاّمن باب الشهادة إذا اعتبرنا شهادة العدل الواحد في أمثال هذه المقامات.

وأمّا على القول بحجيته في الأحكام الكلّية أيضاً بأن يقال : الشك المأخوذ في الاستصحاب شامل لما كان منشؤه عدم وصول البيان من قبل الشارع ، أو الامور الخارجية ، ويشمل الصورتين دليل واحد ، كما مرّ (١) نظيره في شمول حديث الرفع للشبهات الحكمية والموضوعية ، لكون المراد منه كل حكم مجهول ، سواء كان منشأ الجهل عدم تمامية البيان من قبل الشارع كاجمال النص ، أو الامور الخارجية ، ولا يلزم استعمال اللفظ في المعنيين.

فيكون الاستصحاب حينئذ ذا جهتين ، فمن جهة كونه حجةً في الأحكام الكلّية يكون البحث عنه بحثاً عن مسألة اصولية ، لما ذكرناه في أوّل هذه الدورة (٢) من أنّ الميزان في المسألة الاصولية إمكان وقوع النتيجة في طريق استنباط الأحكام الشرعية بلا احتياج إلى مسألة اخرى ، أي أنّ المسألة الاصولية ما يمكن أن تقع نتيجتها في كبرى القياس الذي ينتج نفس الحكم الشرعي بلا احتياج إلى شيء آخر ، وحينئذ يعتبر فيه اليقين السابق والشك اللاحق من المجتهد كما في سائر القواعد الاصولية ، فبعد تحقق اليقين السابق

__________________

(١) في الجزء الثاني من هذا الكتاب ص ٣٠١ ، ٣٠٤.

(٢) دراسات في علم الاصول ١ : ٢٤ و ٢٥ ، محاضرات في اصول الفقه ١ : ٤.

٦

والشك اللاحق من المجتهد بالنسبة إلى حكم شرعي كلّي كنجاسة الماء المتمم كراً وحرمة وطء الحائض بعد انقطاع الدم قبل الاغتسال ، يستصحب هذا الحكم الكلّي ويفتي بنجاسة الماء وحرمة وطء الحائض ، ويجب على المقلد اتباعه من باب رجوع الجاهل إلى العالم.

ومن جهة كونه حجةً في الأحكام الجزئية والموضوعات الخارجية يكون البحث عنه بحثاً عن مسألة فقهية كما ذكرناه سابقاً ، ولا مانع من اجتماع الجهتين فيه ، فانّه يثبت كونه قاعدةً اصوليةً وقاعدةً فقهيةً بدليل واحد وهو قوله عليه‌السلام : «لا تنقض اليقين بالشك» (١) فانّ إطلاقه شامل لليقين والشك المتعلقين بالأحكام الكلّية ، واليقين والشك المتعلقين بالأحكام الجزئية أو الموضوعات الخارجية كما مرّ نظيره في بحث حجية خبر الواحد (٢) ، بناءً على حجية الخبر في الموضوعات أيضاً ، فانّ إطلاق دليل الحجية يشمل ما لو تعلق الخبر بالأحكام وما لو تعلق بالموضوعات ، فبدليل واحد يثبت كونها قاعدة اصولية وقاعدة فقهية ، ولا مانع منه أصلاً.

الجهة الثالثة : في الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين وقاعدة المقتضي والمانع ، فنقول :

اليقين والشك متضادان ، بل باعتبار خصوصية فيهما متناقضان ، لأنّ اليقين يعتبر فيه عدم احتمال الخلاف ، والشك يعتبر فيه احتمال الخلاف ، وبين هاتين الخصوصيتين تناقض ، وإن كان بين اليقين والشك المتخصصين بهما هو التضاد. وكيف كان لا يمكن اجتماع اليقين والشك لشخص واحد بالنسبة إلى شيء

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٤٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١.

(٢) [أشار إلى ذلك في المجلّد الثاني من هذا الكتاب ص ٢٠٠].

٧

واحد ، فإذا اجتمع اليقين والشك لشخص.

فامّا أن يكون متعلق اليقين والشك متباينين بلا ارتباط لأحدهما بالآخر ، كما إذا تعلق اليقين بعدالة زيد والشك باجتهاده أو باجتهاد شخص آخر ، وهذا لا يتعلق بالبحث عنه غرض في المقام.

وإمّا أن يكون بينهما نوع ارتباط بأن يكون متعلق اليقين جزء علّة لمتعلق الشك فيكون متعلق اليقين هو المقتضي ـ بالكسر ـ ومتعلق الشك هو المقتضى ـ بالفتح ـ فبعد اليقين بتحقق المقتضي ـ بالكسر ـ يشك في تحقق المقتضى ـ بالفتح ـ لاحتمال وجود المانع. وهذا هو مورد قاعدة المقتضي والمانع ، وسيأتي الكلام فيها (١) بعد الفراغ عن الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

وإمّا أن يكون متعلق اليقين والشك متحداً ذاتاً ومتغايراً زماناً ، فتارة يكون متعلق اليقين مقدّماً ومتعلق الشك مؤخراً ، بأن يكون الشيء متيقناً في زمان سابق مشكوكاً في زمان لاحق. وبعبارة اخرى يكون متيقن الحدوث ومشكوك البقاء ، ويسمّى الشك حينئذ بالشك الطارئ ، وهذا هو مورد للاستصحاب ، ولا فرق فيه بين أن يكون اليقين في حدوثه مقدماً على الشك من حيث الزمان أو مؤخراً عنه أو يكونا متقارنين في الزمان. واخرى يكون متعلق الشك مقدّماً على متعلق اليقين بأن يكون الشيء مشكوكاً في زمان سابق متيقناً في زمان لاحق ، وهذا مورد الاستصحاب القهقري ، ولايشمله دليل حجية الاستصحاب ، لأن قوله عليه‌السلام : «لأ نّك كنت على يقين من طهارتك فشككت» (٢) صريح في تقدم متعلق اليقين على متعلق الشك ، فلايدل على حجية الاستصحاب

__________________

(١) في ص ٢٨٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٧٧ / أبواب النجاسات ب ٤١ ح ١.

٨

فيما إذا تقدم المشكوك على المتيقن ، فهذا الاستصحاب لا يكون حجةً إلاّفي موضع واحد ، وهو ما إذا كان معنى اللفظ متيقناً في العرف فعلاً وشك في أنّه هل كان في اللغة أو عرف الأئمة عليهم‌السلام كذلك أم لا ، فيحكم بكون اللفظ حقيقةً في اللغة وعرف الأئمة عليهم‌السلام أيضاً بأصالة عدم النقل. وحجية هذا الاستصحاب في خصوص هذا المورد ثابتة ببناء العقلاء ، ولولا حجيته لانسدّ علينا باب الاستنباط ، لاحتمال كون ألفاظ الأخبار في عرفهم عليهم‌السلام ظاهرةً في غير ما هي ظاهرة فيه في عرفنا الحاضر ، وكذا ألفاظ التسجيلات المذكورة في كتب القدماء.

وإمّا أن يكون متعلق اليقين والشك متحداً ذاتاً ومقارناً زماناً ، وهذا لا يتصور إلاّمع اختلاف اليقين والشك من حيث الزمان ، فتارةً يكون الشك مقدّماً على اليقين كما إذا شككنا يوم الخميس في عدالة زيد يوم الأربعاء ثمّ علمنا يوم الجمعة عدالته يوم الأربعاء ، وهذا مما لا إشكال فيه ، فانّه يجب عليه العمل بوظيفة الشاك ما دام شاكاً ، والعمل بوظيفة المتيقن بعد تبدّل شكه باليقين ، واخرى يكون اليقين مقدّماً على الشك ، ويسمّى بالشك الساري ، لسريانه إلى نفس متعلق اليقين كما إذا علمنا يوم الخميس بعدالة زيد يوم الأربعاء وشككنا يوم الجمعة في عدالته يوم الأربعاء لاحتمال أن يكون علمنا السابق جهلاً مركباً ، وهذا مورد قاعدة اليقين ، وسيجيء الكلام فيها (١) من حيث شمول أدلة الاستصحاب لها وعدمه ، ومن حيث دلالة دليل آخر عليها وعدمها ، بعد الفراغ من بحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

الجهة الرابعة : في تقسيم الاستصحاب على أنحاء :

__________________

(١) في ص ٢٨٧

٩

فتارةً يقسّم باعتبار المستصحب ، فانّه قد يكون حكماً شرعياً ، وقد يكون غيره ، والحكم الشرعي قد يكون تكليفياً وقد يكون وضعياً ، وكذا قد يكون كلّياً وقد يكون جزئياً.

واخرى باعتبار منشأ اليقين ، فانّه قد يكون العقل وقد يكون غيره من الكتاب والسنّة أو السماع والرؤية كما إذا كان المستصحب من الامور الخارجية.

وثالثةً باعتبار منشأ الشك فانّه قد يكون الشك ناشئاً من احتمال انقضاء استعداده ذاتاً ، ويسمّى بالشك في المقتضي ، وقد يكون ناشئاً من احتمال طروء المانع مع اليقين بوجود المقتضي ، ويسمّى بالشك في الرافع ، وغير ذلك من التقسيمات التي تعرَّض لها الشيخ قدس‌سره (١).

وقد وقع الخلاف بينهم في حجية الاستصحاب مطلقاً ، وعدمها مطلقاً ، والتفصيل بين الحكم الشرعي وغيره تارةً ، وبين ما كان سبب اليقين بالحكم الشرعي الدليل العقلي وغيره اخرى ، وبين الشك في المقتضي والشك في الرافع ثالثة.

واختار الشيخ قدس‌سره (٢) التفصيل باعتبارين : الأوّل التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع. والثاني : التفصيل بين ما كان سبب اليقين بالحكم الشرعي الدليل العقلي وغيره ، فأنكر حجية الاستصحاب في الأوّل في التفصيلين ، وإن كان إرجاع التفصيل الثاني إلى الأوّل ممكناً ، وحيث إنّ استقصاء هذه التفاصيل تطويل بلا طائل ، فالعمدة هو النظر إلى الأدلة التي أقاموها على

__________________

(١) فرائد الاصول ٢ : ٥٤٩.

(٢) فرائد الاصول ٢ : ٥٥٤ و ٥٦١.

١٠

حجية الاستصحاب ، فإن تمّت فننظر إلى مقدار دلالتها من حيث الشمول لجميع التقادير المتقدمة أو بعضها.

فنقول : قد استدلّ على حجية الاستصحاب بامور :

الأوّل : دعوى السيرة القطعية من العقلاء على العمل على طبق الحالة السابقة ، بل عمل الانسان على طبق الحالة السابقة ليس من حيث كونه إنساناً بل من حيث كونه حيواناً ، لاستقرار سيرة سائر الحيوانات على ذلك ، فانّ الحيوان يمشي إلى المرتع السابق ويرجع إلى دار صاحبه عملاً بالحالة السابقة.

والكلام في هذا الدليل يقع في مقامين : الأوّل : في ثبوت هذه السيرة. والثاني : في حجيتها.

أمّا الأوّل : فالتحقيق عدم ثبوت هذه السيرة من العقلاء ، فانّ عملهم على طبق الحالة السابقة على أنحاء مختلفة :

فتارةً يكون عملهم لاطمئنانهم بالبقاء كما يرسل تاجر أموالاً إلى تاجر آخر في بلدة اخرى لاطمئنانه بحياته ، لا للاعتماد على مجرد الحالة السابقة ، ولذا لو زال اطمئنانه بحياته كما لو سمع أنّه مات جماعةٌ من التجار في تلك البلدة لم يرسل إليه الأموال قطعاً.

واخرى يكون عملهم رجاءً واحتياطاً ، كمن يرسل الدرهم والدينار إلى ابنه الذي في بلد آخر ليصرفهما في حوائجه ، ثمّ لو شك في حياته فيرسل إليه أيضاً للرجاء والاحتياط حذراً من وقوعه في المضيقة على تقدير حياته.

وثالثة يكون عملهم لغفلتهم عن البقاء وعدمه ، فليس لهم التفات حتى يحصل لهم الشك فيعملون اعتماداً على الحالة السابقة ، كمن يجيء إلى داره بلا التفات إلى بقاء الدار وعدمه ، ومن هذا الباب جري الحيوانات على الحالة

١١

السابقة ، فانّه بلا شعور والتفات إلى البقاء وعدمه ، فلم يثبت استقرار سيرة العقلاء على العمل اعتماداً على الحالة السابقة.

ويدل على ما ذكرنا : أنّ ارتكاز العقلاء ليس مبنياً على التعبد ، بأن كان رئيسهم قد أمرهم بالعمل على طبق الحالة السابقة ، بل هو مبني على منشأ عقلائي ، كما أنّ جميع ارتكازيات العقلاء ناشئة من المبادئ العقلائية ، ولو كانت هنا جهة عقلائية تقتضي العمل على طبق الحالة السابقة لفهمناها ، فانّا من جملتهم.

وذكر المحقق النائيني قدس‌سره أنّ عملهم على طبق الحالة السابقة إنّما هو بإلهام إلهي حفظاً للنظام (١).

وفيه : أنّ المنكرين لحجية الاستصحاب لم يختل النظام عليهم بعدُ ، ولو كان حفظ النظام يقتضي ذلك لاختل على المنكرين.

وأمّا الكلام في المقام الثاني : وهو حجية السيرة على تقدير ثبوتها ، فالحق هو حجيتها ، لأنّ الشارع مع القدرة على الردع لم يردعهم عن ذلك. وعدم الردع مع القدرة عليه يدل على الرضا.

وأمّا ما ذكره صاحب الكفاية قدس‌سره من أنّه تكفي في الردع الآيات الناهية عن العمل بغير علم (٢) ، فهو ينافي ما تقدّم منه في بحث حجية الخبر الواحد من أنّ الآيات واردة في اصول الدين أوّلاً ، وأنّ الردع بها لا يكون إلاّ على وجه دائر ثانياً (٣) فما ذكره من الجوابين عن الآيات الناهية عن العمل بغير

__________________

(١) أجود التقريرات ٤ : ٣٠ ، فوائد الاصول ٤ : ٣٣٢.

(٢) كفاية الاصول : ٣٨٧.

(٣) كفاية الاصول : ٣٠٣.

١٢

علم في بحث حجية الخبر هو الجواب في المقام أيضاً. مضافاً إلى جواب ثالث ذكرناه في بحث حجية الخبر (١) وهو أنّ الآيات الناهية إرشادية إلى عدم العمل بالظن ، لاحتمال مخالفة الواقع والابتلاء بالعقاب ، كما في حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل ، فلا تشمل الظن الذي يكون حجةً ببناء العقلاء ، للقطع بالأمن من العقاب حينئذ ، والعقل لا يحكم بأزيد مما يحصل معه الأمن من العقاب. وهذا الجواب أيضاً جارٍ في المقام ، نعم ما ذكره في هامش الكفاية من التمسك باستصحاب حجية الخبر لو قيل بسقوط كل من السيرة والآيات عن الاعتبار (٢) لا يجري في المقام ، لأنّ الكلام في حجية الاستصحاب ولا يمكن إثباتها بالاستصحاب ، كما هو ظاهر.

الثاني : أنّ ثبوت شيء في السابق مع الشك في بقائه موجبٌ للظن ببقائه ، وكلّ ما كان كذلك يجب العمل به.

وفيه : منع الصغرى والكبرى ، أمّا الصغرى فلأ نّه لو كان المراد هو الظن الشخصي ، فهو واضح البطلان في جميع الموارد ، ولو كان المراد هو الظن النوعي الناشئ من غلبة الأفراد ، فهو أيضاً كذلك ، إذ لا تتصور جهة جامعة بين جميع الأشياء من حيث البقاء النوعي ، فانّ البقاء النوعي لأفراد الانسان إلى مدّة كالستين سنة مثلاً ، ولا يكون البقاء النوعي لغيره من الحيوانات إلى هذه المدّة ، بل في بعضها الأقل من ذلك وفي بعضها الأكثر منه ، فليس لنا سبيل إلى إحراز غلبة البقاء في جميع الأشياء الثابتة حتى يحصل لنا الظن النوعي بالبقاء في الفرد المشكوك بقاؤه. وأمّا الكبرى فلحرمة العمل بالظن بالأدلة الأربعة على

__________________

(١) في الجزء الثاني من هذا الكتاب ص ٢٣٢.

(٢) كفاية الاصول : ٣٠٤.

١٣

ما تقدّم بيانه في بحث الظن (١) ، إلاّما دلّ الدليل على اعتباره بالخصوص ، وليس لنا دليل على حجية الظن في خصوص المقام.

الثالث : دعوى الاجماع على حجية الاستصحاب.

وفيه : أنّ حجية الاستصحاب عند القائلين بها مستندة إلى مبانٍ مختلفة مذكورة في كلامهم ، فليس هناك إجماع تعبدي كاشف عن رضا المعصوم عليه‌السلام ، فلا بدّ من ملاحظة المدرك. مضافاً إلى أنّه لا اتفاق في المسألة فانّها محل للخلاف. ومما ذكرنا ظهر عدم حجية الاجماع المنقول في المقام ، وإن قلنا بحجيته في غير هذا المقام.

الرابع وهو العمدة : هي الأخبار فمنها : صحيحة زرارة قال «قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء ، أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ قال عليه‌السلام : يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن وإذا نامت العين والاذن فقد وجب الوضوء. قلت : فان حرّك في جنبه شيءٌ وهو لا يعلم؟ قال عليه‌السلام : لا ، حتى يستيقن أنّه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بيّن ، وإلاّ فانّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين بالشك أبداً ، ولكنّه ينقضه بيقين آخر» (٢).

ويقع الكلام في سند الرواية أوّلاً ، وفي دلالتها ثانياً.

أمّا الأوّل : فربّما يستشكل فيه من جهة كونها مضمرةً ، فيحتمل كون المسؤول غير المعصوم.

__________________

(١) في الجزء الثاني من هذا الكتاب ص ١٢٨.

(٢) الوسائل ١ : ٢٤٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١ (باختلاف يسير).

١٤

وهو مدفوع أوّلاً : بما ذكره جملةً من الأعلام من عدم كونها مضمرةً ، وأنّ المسؤول هو الباقر عليه‌السلام فالرواية قلت للباقر عليه‌السلام كما ذكره السيد الطباطبائي قدس‌سره في الفوائد (١) ، والفاضل النراقي قدس‌سره على ما ذكره الشيخ قدس‌سره في تنبيهات الاستصحاب (٢) ، وغيرهما من الأفاضل. ومن البعيد أنّ مثل السيد قدس‌سره نقلها مسندةً ولم يعثر على أصل من الاصول ، بل من المحتمل أنّه عثر على أصل نفس زرارة ، كما أنّه قد يوجد بعض الاصول في زماننا هذا أيضاً.

وثانياً : بأنّ الاضمار من مثل زرارة لا يوجب القدح في اعتبارها ، فانّه أجل شأناً من أن يسأل غير المعصوم ثمّ ينقل لغيره بلا نصب قرينة على تعيين المسؤول ، فانّ هذا خيانة يجل مثل زرارة عنها ، فاضماره يدل على كون المسؤول هو المعصوم يقيناً ، غاية الأمر أنّه لايعلم كونه الباقر أم الصادق عليهما‌السلام وهذا شيءٌ لا يضرّ باعتبارها ، ولا إشكال في سندها إلاّمن جهة الاضمار فانّ جميع الرواة إماميّون ثقات.

وأمّا الثاني : فنقول قد ذكر فيها فقرتان :

الفقرة الاولى : هي قول الراوي : الرجل ينام إلخ ... وهذا سؤال عن شبهة حكمية ، وهي أنّ الخفقه والخفقتان توجب الوضوء أم لا ، ووجه الشبهة أمران : الأوّل : هو الاشتباه المفهومي في النوم ، بأن يكون الراوي لا يعلم أنّ النوم هل يشمل الخفقة والخفقتين أم لا ، فيكون من قبيل الدوران بين الأقل والأكثر.

الثاني : احتمال كون الخفقة والخفقتين ناقضاً للوضوء مستقلاً كسائر النواقض من

__________________

(١) الفوائد الاصولية : ١١٠ / الفائدة ٣٣.

(٢) [لم نعثر عليه].

١٥

دون أن يكون داخلاً في مفهوم النوم ، وعلى كل حال أجابه الإمام عليه‌السلام بعدم انتقاض الوضوء بالخفقة والخفقتين بقوله عليه‌السلام : يا زرارة إلخ ... وإنّما جمع بين نوم العين والاذن وترك نوم القلب ، للتلازم بين نوم القلب ونوم الاذن على ما ذكره بعضهم ، فذكر نوم الاذن يكفي عن ذكر نوم القلب ، وهذه الفقرة لا دخل لها بالمقام.

الفقرة الثانية : هي قول الراوي : فان حرّك في جنبه شيء إلخ ... وهذا سؤال عن شبهة موضوعية مع العلم بأصل الحكم ، باعتبار أنّه قد تحصل للانسان حالة لا يرى فيها ولا يسمع لاشتغال قلبه بشيء ، ولا سيما قبل عروض النوم ، فيشك في تحقق النوم ، فأجاب الإمام عليه‌السلام بعدم وجوب الوضوء مع الشك في تحقق النوم بقوله عليه‌السلام : «لا ، حتى يستيقن أنّه قد نام» أي لا يجب عليه الوضوء في صورة الشك إلى أن يتيقن.

ولا إشكال في دلالة الرواية على حجية الاستصحاب في موردها ، فانّ البناء على الوضوء مع الشك في الحدث مما لا إشكال فيه ولا خلاف ، إنّما الكلام في التعدي عن المورد والحكم بالتعميم ، وهو مبنيٌ على أحد أمرين : الأوّل ما ذكره الشيخ قدس‌سره (١) ووافقه صاحب الكفاية قدس‌سره (٢) ، وهو أنّ الجواب ـ للشرطية المذكورة بقوله عليه‌السلام وإلاّ ـ محذوف ، أي لا يجب عليه الوضوء ، وقام التعليل وهو قوله عليه‌السلام : «فانّه على يقين من وضوئه» مقام الجواب ، وهو كثيرٌ في الآيات وغيرها ، كقوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(٣). ومن المعلوم أنّه ليس الجواب هو قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ*

__________________

(١) فرائد الاصول ٢ : ٥٦٣.

(٢) كفاية الاصول : ٣٨٩.

(٣) آل عمران ٣ : ٩٧.

١٦

غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) ، لعدم ترتبه على الشرط المذكور ، فانّ الله غني عن العالمين كفروا أم لم يكفروا ، فالجواب محذوف وهو : لن يضر الله ، وقوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ) تعليل قام مقام الجواب ، ونقل الفاء من الجواب وادخل على التعليل لقيامه مقام الجواب ، وكذا في المقام حيث إنّ الجواب يعلم مما ذكر قبل الشرط ، وهو قوله عليه‌السلام «لا ، حتى يستيقن» فحذف واقيم التعليل مقامه.

ولهذا التعليل ـ وهو قوله عليه‌السلام : «فانّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك» في بدو النظر ـ احتمالات ثلاثة :

الأوّل : أن يكون المراد من اليقين والشك في قوله عليه‌السلام «ولا ينقض اليقين بالشك» هو اليقين والشك المذكورين ، أي اليقين المتعلق بالوضوء والشك المتعلق بالنوم المفروضين في كلام زرارة ، فيكون المراد لا ينقض يقينه بالوضوء بالشك في النوم.

وهذا الاحتمال بعيد جداً ، لأنّ مفاد التعليل حينئذ يكون عين الحكم المعلل به ، فيلزم التكرار المستهجن ، إذ يصير مفاد مجموع الكلام من الحكم المعلل والتعليل أنّه لا يجب الوضوء على من تيقن بالوضوء وشك في النوم ، لأنّه على يقين من وضوئه ولا ينقض يقينه بالوضوء بالشك في النوم ، ومعنى عدم نقض هذا اليقين بذاك الشك هو عدم وجوب الوضوء ، وهذا هو التكرار.

الثاني : أن يكون المراد من اليقين هو اليقين السابق ، أي اليقين المتعلق بالوضوء ، ولكنّ المراد من الشك مطلق الشك في الناقض لا خصوص الشك في النوم بالغاء الخصوصية عن الشك ، للقطع بعدم دخل خصوصية النوم في الحكم بعدم وجوب الوضوء ، فيكون المراد أنّ المتيقن بالوضوء لاينقض يقينه بالوضوء بالشك في الحدث ، سواء كان الشك في النوم أم في غيره من النواقض ، فيكون قوله عليه‌السلام «لا ينقض اليقين بالشك» قاعدةً كلّيةً في باب الوضوء فقط.

١٧

الثالث : أن يكون المراد من اليقين هو مطلق اليقين لا خصوص اليقين بالوضوء بالغاء الخصوصية عن اليقين أيضاً ، كالغاء الخصوصية عن الشك ، فيكون المعنى أنّ المتيقن بشيء ـ سواء كان الوضوء أم غيره ـ لا ينقض يقينه بالشك فيه ، فيكون قاعدةً كلّيةً في الوضوء وغيره ، وهو المطلوب.

والظاهر أنّ الاحتمال الثالث هو المتعين ، لظهور التعليل في العموم ، لأنّ قوله عليه‌السلام «فانّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك» جواب مقنع لزرارة ، ومن المعلوم أنّ سؤاله لم يكن مبنياً على خصوصية الوضوء ، بل بناء سؤاله على أنّ المتطهر إذا شك في الحدث هل يجب عليه تحصيل الطهارة أم لا ، سواء كان متطهراً بالوضوء أم بالغسل ، فكما تعدّينا عن الشك في النوم إلى غيره من النواقض لعدم دخلٍ لخصوصية النوم في الحكم ، كذلك نتعدى عن خصوصية الوضوء أيضاً إلى غيره ، فيكون حاصل جواب الإمام عليه‌السلام أنّ هذا المتيقن بالوضوء الشاك في النوم لا يجب عليه الوضوء ، لأنّه كان متيقناً بالوضوء ، وكل من تيقن بشيء لا ينقض يقينه بالشك فيه ، فيكون التعليل راجعاً إلى قاعدة ارتكازية وهي عدم نقض الأمر المبرم وهو اليقين بالأمر غير المبرم وهو الشك ، ويتم المطلوب من عدم جواز نقض اليقين بالشك بلا اختصاص بمورد الرواية.

الأمر الثاني : أن لايكون الجواب محذوفاً ، بل الجواب هو قوله عليه‌السلام : «ولا ينقض اليقين بالشك» ويكون قوله عليه‌السلام «فانّه على يقين من وضوئه» توطئة للجواب ، أو الجواب هو قوله عليه‌السلام : «فانّه على يقين من وضوئه».

ويقع الكلام في موضعين : الأوّل في صحة هذا التركيب. والثاني : في استفادة حجية الاستصحاب على تقدير صحته.

١٨

أمّا الكلام في الموضع الأوّل : فالظاهر عدم صحة كون الجواب أحد المذكورين ، أمّا قوله عليه‌السلام : «ولا ينقض اليقين بالشك» فلكون الواو مانعاً عن كونه جواباً. وأمّا قوله عليه‌السلام : «فانّه على يقين من وضوئه» فلأ نّه إن بني على ظاهره من كونه جملةً خبريةً ، فلا يصح كونه جواباً ، لعدم ترتبه على الشرط المستفاد من قوله عليه‌السلام : «وإلاّ» لأنّ المراد من اليقين في قوله عليه‌السلام : «فانّه على يقين من وضوئه» هو يقينه بالوضوء السابق ، وهذا اليقين حاصل له على الفرض سواء استيقن بالنوم بعده أم لا ، فلا يكون مترتباً على الشرط المستفاد من قوله عليه‌السلام «وإلاّ» أي وإن لم يستيقن أنّه قد نام ، فلا يصح كونه جواباً عنه. وإن بني على كونه جواباً وكونه إنشاءً في المعنى ، أي يجب عليه المضي على يقينه من حيث العمل كما ذكره المحقق النائيني قدس‌سره (١) ، فالظاهر عدم صحته أيضاً ، لأنّا لم نعثر على استعمال الجملة الاسمية في مقام الطلب ، بأن يقال زيد قائمٌ مثلاً ويراد به يجب عليه القيام. نعم ، الجمل الخبرية الفعلية استعملت في مقام الطلب كثيراً : أعاد أو يعيد ، أو «من زاد في صلاته استقبل استقبالاً» (٢) وأمّا الجملة الاسمية فلم يعهد استعمالها في مقام إنشاء الطلب. نعم ، الجملة الاسمية تستعمل لانشاء المحمول ، كما يقال : أنتِ طالق ، أو أنت حرّ في مقام إنشاء الطلاق وإنشاء الحرية ، وكذا غيرهما من الانشاءات غير الطلبية ، مضافاً إلى أنّا لو سلّمنا كونها في مقام الطلب ، لا يستفاد منها وجوب المضي والجري العملي على طبق اليقين ، بل تكون طلباً للمادة أي اليقين بالوضوء ، كما أنّ الجملة الفعلية في مقام الطلب تكون طلباً للمادة ، فان قوله : أعاد أو يعيد طلب للاعادة ، فيكون قوله عليه‌السلام «فانّه

__________________

(١) فوائد الاصول ٤ : ٣٣٦

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل ب ١٩ ح ١ (باختلاف يسير)

١٩

على يقين من وضوئه» طلباً لليقين بالوضوء ، ولا معنى له ، لكونه متيقناً بالوضوء على الفرض.

وأمّا الكلام في الموضع الثاني : فالظاهر استفادة حجية الاستصحاب من الصحيحة على تقدير كون الجواب هو قوله عليه‌السلام : «فانّه على يقين من وضوئه» أو قوله عليه‌السلام : «ولا ينقض اليقين بالشك» وإن كانت دلالة الصحيحة على حجية الاستصحاب على تقدير كون الجواب محذوفاً أظهر ، إلاّ أنّها دالةٌ عليها على تقدير كون الجواب أحد الأمرين المذكورين أيضاً ، للقرينة الخارجية والداخلية : أمّا القرينة الخارجية : فهي ذكر هذه الفقرة الدالة على عدم جواز نقض اليقين بالشك في روايات متعددة واردة في أبواب اخر ، غير مسألة الشك في الحدث كما يأتي ذكرها (١) إن شاء الله تعالى ، فتدلّ على أنّ عدم جواز نقض اليقين بالشك قاعدة كلّية لا اختصاص لها بباب الوضوء.

وأمّا القرينة الداخلية فامور :

أحدها : أنّ اليقين والشك من الصفات ذات الاضافة ، كالحب والبغض وغيرهما من ذوات الاضافة ، وهي مشتركة مع باقي الأعراض الخارجية في الاحتياج إلى الموضوع ، وممتازة عنها بالاحتياج إلى المتعلق مضافاً إلى الموضوع ، فانّ اليقين كما يحتاج في وجوده إلى الموضوع وهو المتيقن ـ بالكسر ـ كذا يحتاج إلى المتعلق وهو المتيقن ـ بالفتح ـ فلا وجود لليقين إلاّمتعلقاً بشيء ، فكلّما ذكر اليقين في كلامٍ ، لا بدّ من ذكر متعلقه ، وإلاّ لم يتم الكلام في الافادة. فذكر الوضوء ـ في قوله عليه‌السلام : «فانّه على يقين من وضوئه» ـ لا يدل

__________________

(١) في ص ٥٧ ، ٦٩ وغيرهما

٢٠