الحديث النبوي في النحو العربي - المقدمة

الحديث النبوي في النحو العربي - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٤

١
٢

كلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا السّفر الخطير كنز رائع نفيس من كنوز المعرفة ، يذكّرنا بأمّهات الكتب التي جادت بها العصور الذّهبيّة في الإنتاج الفكريّ الإسلامي.

ومؤلّفه من ذوي الكفاءات الجيّدة في حقل التعليم الجامعيّ.

وقد بذل جهدا كبيرا في قضيّة شغلت الباحثين ، وكثر فيها الضّجيج واشتهر فيها القيل والقال.

وهي «الاحتجاج في الحديث النبويّ على ترسيخ القواعد النّحويّة». فقد خبط فيها لفيف من العلماء خبط عشواء ، في ظلماء مدلهمّة ، فادّعوا أنّ القدامى من النّحويّين رفضوا الاستشهاد بالحديث الشريف في هذا الميدان ؛ لمخالفته القواعد النّحويّة من خلال الأمرين التّاليين :

(١) تجويز رواية الحديث بالمعنى.

(٢) تصحيح رواية العجميّ للحديث.

فانبرى مصنّفه للخوض في تجلية هذه المشكلة ، فدرسها دراسة طيّبة ، وبحث الظّاهرة من أصلها ، وجال جولة المتمكن ، فأورد الشّبه والآراء ، وناقشها بكلّ هدوء وأناة ، وردّ السّاقط منها ، وبيّن وجه الحقّ ، مدعوما بالأدلّة القاطعة ، والبراهين السّاطعة ، وأثبت أن «الحديث الشريف» وصل إلينا بمحكم لفظه ، وأنّ بعض الأحاديث قد روي بالمعنى للضّرورة ، مع التحرز البالغ من التّغيير المخلّ ؛ لأنّ شرط الرّاوي بالمعنى أن يكون من أهل الضّبط والإتقان والحفظ ، واللغة العربيّة.

أمّا رواية العجم فقد أجاز العلماء شرح الشّريعة للعجم بلسانهم للعارف به ، فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى فجوازه باللغة العربية أولى.

٣

وقد أوضح أنّ النقل بالمعنى شيء ليس بمقصور على الأحاديث فحسب ، بل تعدّد الرّوايات في بيت شعريّ واحد من هذا القبيل ، زد على ذلك ما طرأ على الشّعر من التصحيف والتحريف والوضع والاختلاق.

ورواة الشّعر فيهم من الأعاجم والشّعوبيّة أمم ، على أنّ المسلمين في القرون الأولى كانوا أحرص على إتقان الحديث من حفظ الشّعر ، والتّثبّت في روايته ـ إلى غير ذلك مما أورده ... ؛ لذا وصل هذا المصنّف إلى المستوى المرموق الذي رشّحه لأن يكون (كتاب العام) للنّادي ، فهو بحقّ ذخيرة علمية يسرّنا أن نقدّمها مرجعا يحقّق الفائدة لطلّاب العلم ، وروّاد المعرفة ، في الحاضر والمستقبل.

وهكذا قيّض الله ـ تعالى ـ للحديث النبويّ من ينافح عنه ، ويذود عن حياضه ، ويدعو إلى الاستشهاد به في ميدان النّحو العربيّ ، فهو ينبوع فيّاض ، ومورد عذب ، ولن يخلو عصر من العصور من عالم ينفي عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين. (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(١).

إدارة النادي

__________________

(١) يونس : (١٠).

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة الإمام العلامة ، اللغوي البارع ، النحوي المحقق ، العمدة الثّبت ، الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة.

* الحائز على جائزة الملك فيصل العالمية لسنة ١٤٠٣ بكتابه : «دراسات لأسلوب القرآن الكريم» في أحد عشر مجلدا ضخما ، الذي أفنى فيه جلّ عمره ، ولو قامت على تأليفه جماعة لكان لهم مفخرة باقية ، تذهل العقول.

* ولد سنة (١٣٢٨ / ١٩١٠) وتوفي في هذا العام (١٤٠٤ / ١٩٨٤) ، تغمده الله برحمته.

* * *

... أطيب تحياتي للدكتور محمود فجال بن يوسف.

فقد قرأت بحثه عن الحديث النبوي ، وسررت بقراءته سرورا لا حدّ له ...

محمد عبد الخالق عضيمة

كلية اللغة العربية ـ بالرياض

* * *

الأستاذ (١) الدكتور محمود فجال

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،

١ ـ فقد وصلني خطابك ، وقد طال عهدي بكتابة التقرير ؛ لأني قدمته في أول العام الدراسيّ. وكل ما أذكره فيه :

كان اعتماد الباحثين في النحو في الاستشهاد بالحديث النبوي لا يتجاوز سطورا قدّمها «البغداديّ» في صدر «خزانة الأدب» ، ثم مقال للشيخ محمد الخضر حسين ، نشر بمجلة المجمع اللغوي بالقاهرة ، فجاء صاحب البحث وبسط فيه القول في كتاب ضخم.

__________________

(*) ترقيت بهذا الكتاب «الحديث النبوي في النحو العربي» إلى درجة أستاذ مشارك بتاريخ ١٥ / ٢ / ١٤٠٣ من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وحينما علمت أن التّعلامة الأستاذ «عضيمة» قد فرأ وفحص كتابي المخطوط بخط يدي راسلته ؛ للتّعرّف على ملاحظه القيمة ، وإرشاداته النافعة ، فتفضل بالإجابة عليّ بهذه الرسالة التي أثبتها بخطه ـ رحمه الله ـ.

٥

٢ ـ أعجبني في البحث تخريجه للأحاديث النبوية في مصادرها الأصيلة ، فبذل في سبيل ذلك جهدا عظيما ، حتى كأنه متخصص في علم الحديث.

٣ ـ حمل بعض المفسرين قوله ـ تعالى ـ : (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) على الصوت الحسن ، والخط الحسن. وهذا البحث يزيد في فضله أنه كتب بخط جميل يرغّب في القراءة.

٤ ـ لست أجد بحثا موضوعيا يضارع هذا البحث ، سوى ما كتبته الدكتورة خديجة الحديثي العراقية في كتابها : (موقف النحويين من الاستشهاد بالحديث النبويّ) (١).

وصاحب البحث لم يطّلع عليه ؛ لأنه لم يصل إلى المملكة ، ولو لا أنّ الدكتورة خديجة أرسلت إليّ نسخة من كتابها ما علمت به. ولو جاء خطابك قبل أسبوعين لأرسلت إليك كتاب الدكتورة خديجة ، ولكنّ معيدا بالكلية يعدّ رسالة دكتوراه في إعراب «مسند الإمام أحمد» لـ «السيوطي» طلبه مني ، وسلّمته له.

كذلك كنت أتمنى أن تطيل الوقوف في كتاب : «شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح» لـ «ابن مالك» ، فقد تبيّن لي من قراءة هذا الكتاب أمران :

أ ـ «ابن مالك» كان ذا وجهين ، إذا تكلم في شواهد التوضيح عن مسألة قال : هذا مما فات النحويين.

وإذا تكلم عن هذه المسألة في كتبه النحوية تكلم بكلام النحويين. وهذه ظاهرة شائعة كثيرا في الكتاب.

__________________

(١) أعجبني في كتاب الدكتورة خديجة أنها استطاعت الوقوف على أحاديث كثيرة في كتب «أبي حيان» الذي تزعّم الحملة على «ابن مالك» في الاستشهاد بالحديث النبوي.

٦

ب ـ من كلام سيدنا «أبي بكر» : «لاها الله ذا» ، ولكنه في «البخاري» «لاها الله إذا» ، لمّا عثرت على هذه الرواية في «البخاري» ذهبت إلى صديقي الشيخ محمد حسين الذهبي ، ورجعنا إلى شروح البخاري ، وجدنا «ابن حجر» ينقل عن «الخطابي» تخطئه المحدثين في هذه الرواية ، ثم يقول : الكثير في اللغة : «لاها الله ذا». ولكن هذه الرواية الأخرى لها وجه ، وحاول جاهدا أن يأتي بوجه ، فكان كلامه غمغمة لا تبين ، وهمهمة لا تتّضح.

ثم رجعنا إلى «عمدة القاري» لـ «العينيّ» ، فوجدناه يكرر ألفاظ «ابن حجر».

ثم وجدت الحديث في «شواهد التوضيح» ، وقال : وفي هذا الحديث : «لاها الله إذا» وله وجه ، وفرّ هاربا من بيان هذا الوجه.

* كتاب «ابن مالك» مختصّ بالحديث عن مشكلات «البخاري» ، وهذه مشكلة معضلة ، ولكنه اكتفى بالهروب.

* هذه المسألة في «سيبويه» ، و «المقتضب» ، و «شرحي الرضي للكافية والشافية» ، قالوا : لا يفصل بين «ها : التنبيه» و «اسم الإشارة» إلا بالقسم ، واستشهدوا لذلك بقول «زهير» :

فقلت : ها ـ لعمر الله ـ ذا قسما

فاقصد بذرعك ، وانظر : أين تنسلك

هذا ما كنت أريد قوله لك ، وتقبل أطيب تحياتي.

٢٢ / ٥ / ١٩٨٣

محمد عبد الخالق عضيمة

٧

٨

٩

بسم الله الرحمن الرحيم (١)

الحمد لله ، والصلاة والسّلام على من لا نبيّ بعده ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أخي الأستاذ الدكتور محمود فجال حفظه الله.

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

لك شكري على هذه الهدية المثمرة القيمة. ولك تهنئتي على هذا العمل الجليل الذي ينبئ بما نرجوه لأمثالك العلماء العاملين من النهوض باللغة العربية وتقديمها ميسرة سائغة للشداة والباحثين.

لقد امتعتنا بهذ الكتاب العظيم ، ومنذ شرفت به وأنا معتكف على قراءته ودراسته ودراسته.

ولقد استفدت منه الكثير ، وأرجو أن تستمر في بحوثك لنزداد فائدة وإمتاعا.

وأسأل الله لكم دوام التوفيق ، كما أسأله لكم المزيد من فضله.

عبد العظيم علي الشناوي رئيس قسم اللغويات بالجامعة الإسلامية

بالمدينة المنورة.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

٢٠ / ١٢ / ١٤٠٤ ه

__________________

(*) رسالة الإمام العلامة اللغوي ، والنحوي الأفيق ، والعمدة النابه الأستاذ الدكتور الشيخ عبد العظيم الشناوي. كان عفوا في لجنة مراجعة مصحف المدينة المنورة المتوفى سنة ١٤١٢ ه‍ تغمّده الله برحمته.

١٠

١١