شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١٠

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١٠

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

[مواضع إبدال الياء المدغمة في مثلها واوا]

قال ابن مالك : (فصل : تحذف الياء المدغمة في مثلها قبل مدغمة في مثلها إن كانت ثالثة زائدة لغير معنى متجدد أو ثالثة عينا ، ويفتح ما قبلها إن كان مكسورا ، وإن كانت ثانية فتحت وردّت واوا إن كانت بدلا منها ، وتبدل الثّانية واوا ولا تمتنع سلامتها إن كانت الثّالثة والرّابعة لغير النّسب خلافا للمازنيّ).

______________________________________________________

ومن الشاذ ـ أيضا ـ قولهم : صيّابة ، قالوا : فلان في صيّابة قومه ، يريدون في صوّابة أي : صميمهم وخالصهم (١) وشاهد نحو : صيّم قول الشاعر :

٤٣٠٧ ـ ومعرّض تغلي المراجل تحته

عجّلت طبخته لرهط جيّع (٢)

أي : جوّع جمع جائع. وإنما قيد فعّلا بكونه جمعا ؛ لأنه إذا كان مفردا لم يعل نحو : حوّل ، وكذا إذا كان جمعا معتل اللام ، وذلك نحو قولهم : شاو وشوّى وذلك لكراهة اجتماع إعلالين ، وسيأتي ذكر هذين القيدين عند تعرض المصنف لذكر هذه المسألة في مكانها ـ إن شاء الله تعالى ـ وإنما قلت في صوّم ونحوه : لتقليل الثقل ؛ لأن صوّما فيه اجتماع واوين وضمة ، فكأنه اجتمع ثلاث واوات فثقل بذلك فقلبوا الواوين يائين لنقل الثقل ؛ لأن اليائين أخف من الواوين.

قال ناظر الجيش : لا يخرج هذا الفصل عن الفصول التي تقدّمته في اشتماله على ذكر إبدال بعض أحرف العلّة من بعض ولكن لمّا كان الإبدال الذي سيذكره إنما يتأتى بعد حذف شيء من الكلمة التي فيها الإبدال لزم التعرض إلى الحذف أولا لابتناء الإبدال عليه فليس ذكر الحذف مقصودا هناك بالذات لا يقال الكلام في هذه الفصول ، إنما هو في الإعلال ، والحذف إعلال أيضا فجاز أن يقصده لذاته ؛ لأنا نقول : الكلام في الإبدال لم ينته وما كان المصنف ليذكر شيئا قبل إنهائه الكلام في ـ

__________________

(١) انظر : التذييل (٦ / ١٦٣ أ) ، والممتع (٢ / ٤٩٨).

(٢) من الكامل قائله الحادرة واسمه قنطبة قوله : ومعرض : هو اللحم الملقى في العرضة ، والمراجل : جمع مرجل وهو القدر من النحاس ، والمعنى ظاهر والشاهد فيه قوله : جيع فإن أصله جوّع ؛ لأنه من الأجوف الواوي ؛ فأبدلت الياء من الواو ، ينظر المنصف (٢ / ٣) والأشموني (٤ / ٣٢٨) والممتع (٢ / ٤٩٨) والتذييل (٦ / ١٦٣) (أ) وديوانه (ص ٥).

٢٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

شيء آخر ، وأيضا فإن الحذف الذي هو إعلال حذف محض لا يشاركه إبدال ثم إن قول المصنف في فصل يأتي بعد فصول من هذا الفصل : «من وجوه الإعلال الحذف» (١) يبين لك أنه من هناك ابتدأ الكلام في الحذف. إذا عرف هذا فأنا أورد أولا ما ذكره المصنف في إيجاز التعريف لما اشتمل عليه من الفائدة ثم أعود إلى حل ألفاظ الكتاب. قال ـ رحمه‌الله تعالى ـ : يحذف الياءان المدغم إحداهما في الأخرى إن كانتا زائدتين ووليهما مثلاهما كقولك : كرسيّ (٢) في النسب إلى :كرسيّ والأصل كرسيّيّ فاستثقل توالي إدغامين في أربع ياءات زوائد ، وكانت الأوليان في حكم زيادة واحدة ، فحذفتا معا ، كما حذفتا معا في الترخيم ، ويدل على إلحاق يائيه غير الكائنين قبل ياء النسب أن بخاتي اسم رجل لا ينصرف ، فإذا نسبت إليه انصرف (٣) ، فقيل : هذا بخاتيّ فلو كانت الياءان بما اللتين كانتا قبل ، لما تغير حكمه ، فإن كانت الأولى مخصصة بالزيادة سابقة في الوجود للثالثة والرابعة حذفت ، وقلبت الثانية واوا وانفتح ما قبلها إن لم يكن مفتوحا كعلوي في النسب إلى علي والأصل : عليّيّ (٤) ، فاستثقل في الأول ، ولم تكن الأولتان زائدتين فاقتصر على حذف الزائد ، فقيل : علييي ، ثم كمل التخفيف بإبدال الكسرة فتحة والياء واوا فرارا من توالي الأمثال فلو كان ما قبل الياء المفتوحة مفتوحا اقتصر على الحذف والقلب ، كقولك في النسب إلى قصي : قصويّ ، فلو كانت الأولى متأخرة في الوجود لم تحذف ؛ كالياء الأولى في عدي تصغير عدوي والأصل فيه عديوي ، فعمل فيه ما يعمل بغزوة في التصغير حين يقال : غزيّة ؛ لأن الواو فيهما لام ولا سبيل إلى تصحيح اللام مع وجود سبب الإعلال ، وإنما يوجد ذلك في الواو النائبة عينا كأسيود والأجود مع ذلك أسيّد بالإعلال ، واغتفر توالي يائين مشددتين ؛ لأن التخلص منه لا يمكن إلا بتفويت الدلالة على التصغير لو قيل : عدوي ، أو تصحيح ما لا يصح لو قيل : عديوي ، فكان توالي اليائين المشددتين أهون من ـ

__________________

(١) انظر : التسهيل (ص ٣١٢).

(٢) انظر : الخصائص (٣ / ٦٣) ، والهمع (٢ / ١٩٣) ، والجاربردي (١ / ١١٤).

(٣) «والبختي نوع من الإبل وجمعه : بخاتي غير منصرف وإذا سمي به فلا ينصرف أيضا كما إذا سمي بالمصابيح لكن إذا نسبت إليه صرفت ؛ لأن ياء النسبة ليست من بنية الكلمة» الجاربردي (١ / ١١٤) ، وانظر : الكتاب (٢ / ٧١).

(٤) انظر : الرضي (٢ / ٢٢ ، ٢٣).

٢٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك مع أن من العرب من يرتكبه ولو لم يلزم من تركه ما ذكر ، كقول بعضهم في النسبة إلى أمية : أميّيّ (١) ، فلأن يغتفر في تصغير عدويّ ونحوه ، أحق وأولى فلو كانت الأولى والثانية أصلية وقبلهما زائدا عوملتا معاملة يائي : عليّ وقصيّ ، وذلك كقولك في النسب إلى تحية : تحويّ ، وإن فصل الأصلين المسبوقين بزائد حرف لين حذف وعوملا المعاملة المذكورة ، كقولك في النسبة إلى : محيّ اسم فاعل من حي :محويّ (٢) فإن لم يكن قبلهما زائد كحي ، قلبت الثانية واوا وفتحت الأولى ، فتقول في النسب إلى حيّ : حيويّ فلو كانت الأولى منقلبة عن واو ، ردت إلى أصلها كطووي في النسب إلى طيّ (٣) ، أصله : طوي لأنه مصدر : طويت فقلبت الواو ياء ؛ إذ كانت ساكنة تليها ياء فلما حركت ووليتها واو عادت إلى أصلها ، ولم تقلب الياء والواو هنا ألفين حين حركتا وانفتح ما قبلهما ؛ لئلا يتوالى إعلالان ؛ إذ لا بد من انقلاب الثانية واوا ـ أيضا ـ فإن يائي النسب زيادتان مخصوصتان بالأسماء فصححتا معهما كما صححتا مع ألف التأنيث والألف والنون في الصّورى والحيرى والحولان وأهيمان ، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.

ويقال في مثال : جردحل من حي على ما تقرر آنفا : حيّوي ، والأصل فيه حيّيّ بأربع ياءات مقابلة للراء ومقابلة للراء ومقابلة للحاء ومقابلة للام فعمل به ما عمل في النسب إلى حي وشبهه ، ويقال في مثال : عصفور من شوي شووي ، والأصل شويوي ثم شيّيّ ثم شووي يخالف المنسوب إلى شوي بضم الشين. انتهى ما ذكره من أحكام هذا الفصل في إيجاز التعريف ، وملخص ما تضمنه كلامه أن الياءين المدغم إحداهما في الأخرى إذا وليهما مثلاهما ، فإما أن يكونا معا زائدين أو أصليين ، أو الأولى زائدة والثانية أصلية ، فالزائدان يحذفان نحو : كرسي في النسب إليه ، وإن كانت الزائدة الأولى فقط حذفت الزائدة وقلبت الأصلية التي هي الثانية واوا مع فتح ما قبلها ، فإن كان ما [٦ / ١٦٨] قبلها مفتوحا فذاك كقصوي في النسب إلى : قصي ، وإن كان مكسورا فتح نحو : علوي ، وغنوي ، في النسب إلى : علي وغني ؛ هذا إذا كانت الياء الزائدة التي هي الأولى ، قد وجدت قبل ـ

__________________

(١) قاله يونس. انظر : الرضي (٢ / ٢٣) وابن جماعة (١ / ١٠٧).

(٢) انظر : الجاربردي (١ / ١١٢) ، والرضي (٢ / ٤٥).

(٣) انظر : الجاربردي (١ / ١١٣).

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وجود اليائين اللتين حصل الحذف لأجلهما وهما الثالثة والرابعة كما في قصي وعلي بالنسبة إلى قصوي وعلوي ، أما إذا كانت الياء المذكورة متأخرة في الوجود عن اليائين المذكورتين فإنها لا تحذف ، بل تبقى وذلك نحو : عدوي إذا صغر ، فإنه يقال فيه : عديّي كما قررنا. والظاهر أنه لا احتياج إلى الاحتراز عن ذلك فإن الشيء إنما يحذف لطرآن شيء آخر عليه ، إذا حصل بذلك الطارئ مع ما طرأ عليه ثقل كالحذف من نحو : كرسيّ وعليّ إذا طرأت عليهما ياء النسب ، ولا شك أن الياء الزائدة للتصغير في عدوي إذا صغّر ، هي الطارئة على غيرها وما كانوا ليأتوا بشيء ثم يحذفوه لطرآنه على شيء موجود قبله ؛ إذ لو كانوا يحذفونه ما أتوا به ، لا سيما شيء يؤتى به لمعنى مقصود. وإن كان الياءان أصليين فإما أن يكون قبلهما زائدة أو لا يكون ، فإن كان عوملت الكلمة معاملة قصي وعلي فتحذف الياء الأولى مع كونها أصلا وتقلب الثانية واوا ويفتح ما قبلها كقولك : تحويّ في المنسوب إلى تحية. وإن اتفق أن يفصل بين الأصليين المسبوقين بزائد حرف لين حذف ذلك الحرف أيضا أعني حرف اللين مع ما ذكر متقدما وهو حذف الياء الأولى الأصلية وفتح ما قبلها كقولك : محوي في النسب إلى : محي ، وإن لم يكن قبلها زائد قلبت الثانية واوا وفتحت الأولى ، فإن كانت ياء بقيت بحالها كقولك : حيوي في النسب إلى حي ، وقد ظهر من هذا أن كلام المصنف هنا إنما هو مسوق لذكر إبدال الياء واوا ، ولكن لمّا كان هذا الإبدال موقوفا على حذف شيء لزم التعرض إلى الحذف ، ليرتب عليه ما هو المقصود بالذكر ، وإنما أفرد هذا الإبدال وأورده في هذا الفصل ولم يذكره مع ما تقدم من إبدال الياء واوا ؛ لأنه إبدال لعارض وهو اجتماع ياءات أربع ، وإنما ذكر حذف الياء المشددة من نحو : كرسيّ في النسب إليه ، مع أنه حذف لا إبدال معه تمهيدا لما ذكره بعد حذف اليائين ، وكأنّه قصد أن يتكلم في الياء المشددة رابعة أولا نحو : كرسي ، ثم فيها ثالثة ثانيا نحو : عليّ وتحية ومحيّ ، ثم فيها ثانية ثالثا نحو : حي وطي ليصير الكلام في ذلك مرتبا منتظما ، وإذا قد تقرر هذا فلنرجع إلى لفظ الكتاب ، فقوله : تحذف الياء المدغمة في مثلها قبل مدغمة في مثلها إن كانت ثالثة زائدة يشير به إلى حذف الياء الأولى من نحو : عليّ وغنيّ وقصيّ إذا نسبت إليها فقلت : علويّ وغنويّ وقصوىّ ؛ لأن الياء الأولى من كل ـ

٢٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

هذه الكلمات مدغمة في مثلها قبل مدغمة في مثلها وهي ثالث حرف في الكلمة وهي زائدة (١) ، وإنما قيدها بالثالثة لتخرج الياء الأولى من نحو : كرسي إذا نسبت إليه فإنه لا يقتصر على حذفها بل يحذف مع الياء التي هي مدغمة فيها ، ولتخرج الياء الأولى من نحو : حيّ إذا نسبت إليها فإنها لا تحذف كما عرفت ، وإنما قيدها بالزائدة تحرّزا من الياء الأولى في نحو : تحيّة ، فإنها أصلية ، واحترازه ؛ لأنها لا تحذف ، إذا نسبت إلى الكلمة ؛ لأنها تحذف ـ أيضا ـ ، بل لأنه ميّزها عن الزائدة بذكرها وحدها واحترز بقوله : لغير معنى متجدد ، من نحو الياء في :عديّ (٢) تصغير عدويّ ؛ لأنها لا تحذف كما تقدم تقريره ، وقد تقدم البحث في أنه قد لا يحتاج إلى هذا الاحتراز. ولم يتعرض في التسهيل هنا لحذف اليائين من نحو :كرسيّ إذا نسب إليه ، لما عرفت أن كلامه هنا ليس في الحذف المحض ، بل في الحذف الذي يترتب عليه إبدال الياء واوا وقوله : أو ثالثة عينا يشير به إلى الياء الأولى من نحو : تحيّة إذا نسب إليها فإنها عين الكلمة ؛ لأن وزن تحية تفعلة وهو مصدر حيّا ، وعطف : أو ثالثة عينا ، على ما حكم عليه بالحذف ، وهي الياء الثالثة الزائدة ، فعلم أن حكم الياء التي هي عين في نحو : تحيّة الحذف أيضا ، وقوله : ويفتح ما قبلها إن كان مكسورا ، يشير به إلى أن الفتح لازم في المسألتين ـ أعني التي الياء فيهما زائدة ـ نحو : علويّ وغنويّ ، والتي الياء فيها أصليّة نحو : تحويّ إنما لزم الفتح ؛ لأن الكلمة بعد الحذف تصير على زنة فعل كنمر ، وحكم فعل إذا نسب إليه أن تحول كسرته فتحة لاستثقالهم أن يؤتى بحركة تليها كسرتان ، ثم ياءان لو قيل : نمريّ بكسر الميم ، وهذا الحكم معروف في باب النسب (٣) ، وقد يكون ما قبل الياء المحذوفة مفتوحا فيبقى على فتحه نحو : قصويّ ، ولذلك قيد الفتح بقوله : إن كان مكسورا ، وقوله : وإن كانت ثانية فتحت وردت واوا إن كانت بدلا منها ، وتبدل الثانية واوا يشير به إلى الياء الأولى من نحو : حيّ وطيّ إذا نسب إليهما ، ومعلوم أنها لا تحذف ، ولكنها تفتح ، فإن كانت غير بدل من واو بقيت بحالها ـ

__________________

(١ ، ٢) انظر : التذييل (٦ / ١٦٣ ب) والمساعد (٤ / ١٤٣).

(٣) انظر : الكتاب (٢ / ٧٣) ، والرضي (٢ / ١٧ ـ ١٨) ، والجاربردي (١ / ١٠٢) ، وابن يعيش (٥ / ١٤٥).

٢٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

نحو : حيويّ ، إذا نسبت إلى حييّ ، وإن كانت بدلا من واو ردّت واوا نحو :طوويّ إذا نسبت إلى : طيّ ، أما الثانية فتبدل واوا جزما كما رأيت في المثالين المذكورين ، وعلّة ذلك واضحة ، وأما قوله : ولا تمتنع سلامتها إن كانت الثالثة والرابعة لغير النسب خلافا للمازني ، فقد شرحه الشيخ بأن قال : وذلك أن تبني من حي اسما على وزن : جردحل ، فإنك تقول فيه : حيويّ ، والأصل حيّيّ بأربع ياءات فعمل به ما عمل في النسب إلى حيّ وشبهه (١) ، قلت : والمصنف قد ذكر المسألة في إيجاز التعريف كما تقدّم لنا نقل ذلك عنه ، لكنه حكم فيه بالإعلال جزما ، وهاهنا قد جعل الجزم بالإعلال هو قول المازني وأجاز هو السلامة من الإعلال ، وأنك تقول فيه : حيّيّ ، فإن كان مراده هو ما مثل به الشيخ فقد اتضح مخالفة ما في التسهيل لما في إيجاز التعريف ؛ لأنه أجاز في التسهيل الصحة وأوجب هناك الإعلال البتّة ، ولكن المصنف قد ذكر في إيجاز التعريف مسألة تشبه هذه المسألة لا من كل الوجوه وذكر فيها خلاف المازني ، وهي أنك إذا بنيت من فتى مثل حمصيص وهو بقلة ، فال : تقول فيه : فتويّ وأصله فتييّ ، الياء الأولى بإزاء الصاد الأولى منه ، والثانية بإزاء يائه ، والثالثة بإزاء الصاد الثانية ، فأدغمت الثانية في الثالثة فصارت : فتييّا (٢) ثم قلبت الأولى واوا كما فعل في النسب فرارا من توالي [٦ / ١٦٩] الأمثال ؛ لأن كسرة الياء المتحرك ما قبلها بمنزلة ياء أخرى ، كما أن ضمة الواو المتحرك ما قبلها بمنزلة واو أخرى ولذلك فرّ من مقووة إلى مقوية على كل حال ، وقد تسلم الياء الأولى في مثال : حمصيص المذكور خلافا للمازني (٣) ، وإن كانت لا تسلم في المنسوب ؛ لأنها فيه تقدر طرفا ؛ لأن ياء النسب كهاء التأنيث فتنقلب ألفا لتحركها وفتح ما قبلها وتدعو الحاجة إلى تحريكها لملاقاتها الساكن بعدها ، فتقلب واوا ولا تحذف ؛ لئلا يلتبس بفعيل ولا تثبت كثبوتها في : دابّة ؛ لأن مثل الياء في بنات الياء والواو مرفوض ، وأما مثال : حمصيص المذكور فلا تقدر ياؤه الأولى طرفا للزوم ما بعدها ، فمن قلبها شبّهها بلام المنسوب ، ومن لم يقلبها شبّهها بعين حييّ وعييّ. انتهى. فقد يقول قائل : هذه المسألة ـ أعني مثال : ـ

__________________

(١) التذييل (٦ / ١٦٤ أ).

(٢) انظر : المرجع السابق والمساعد (٤ / ١٤٥).

(٣) «لو بنيت مثل : حمصيص وهي بقلة من فتى قلت على رأي المازني : فتويّ لا غير ، وقلت عند غيره كذلك ، وفتييّ» المساعد (٤ / ١٤٥).

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

حمصيص من فتى ـ هي المرادة بقوله في التسهيل : ولا تمتنع سلامتها ... إلى آخره ، فيكون الخلاف الذي أشار إليه في التسهيل بقوله : خلافا للمازني ، هو الخلاف الذي ذكره في إيجاز التعريف ، وأشار إليه بقوله : «وقد تسلم الياء الأولى في مثال حمصيص المذكور خلافا للمازني ، وعلى هذا لا يكون : بين كلاميه في الكتابين مخالفة ، وحينئذ لا ينبغي أن يمثل لقوله : ولا تمتنع سلامتها ... إلى آخره بما ذكره الشيخ ، وهو أن تبني من حي مثل : جردحل ، بل يمثل بمثال : حمصيص من فتى ، فيقال في جواب هذا القائل : الذي قلته حسن ، لكن لا يمكن حمل كلامه في التسهيل عليه ؛ لأن الضمير في قوله : ولا تمتنع يعود على الياء المتقدمة الذكر ، والمتقدمة مقيدة بكونها ثانية ، والياء في مثال حمصيص من فتى هو : فتييّ ثالثة وإذا لم يمكن حمل كلامه على ذلك تعيّن صحة تمثيل الشيخ لقوله : ولا تمتنع سلامتها ... إلى آخره بمثال : جردحل من حيّ ، فإن قيل : فكيف حكم بوجوب الإعلال في إيجاز التعريف في مثال : جردحل من حي ، وأجاز السلامة في التسهيل؟ فالجواب : أن الإعلال لا شك أنه أكثر والسلامة في مثل ذلك جائزة على قلّة ، فترك التعرض لذكرها في ذلك الكتاب وذكرها هنا ولا يضر ذلك ؛ لأنه لم ينف جواز السلامة في ذلك الكتاب فيصادم ذلك إجازته لها هنا. وحاصل الأمر :أن الإعلال في المسألتين مجمع عليه ، وأما السلامة فيهما فغير المازني يجيزها ، والمازني يمنع (١) ، وتلخّص من مجموع كلامه هنا وهناك : أن غير المازني يجوّز السلامة في نحو : حيّيّ مثال جردحل من : حي ، وأن المازني لا يجيزها بل يعمل حتما ، وهذه مستفادة من التسهيل ، وأن غير المازني يجوز السلامة ـ أيضا ـ في فتييّ مثال حمصيص من فتى ، وأن المازني لا يجوزها ـ أيضا ـ بل يعلّ حتما ، وهذه مستفادة من إيجاز التعريف ، فالمسألتان عند المازني لا فرق بينهما بالنسبة إلى جواز السلامة وعند المازني لا فرق بينهما بالنسبة إلى وجوب الإعلال ، ولو لا قوله في التسهيل : ولا تمتنع سلامتها وكونه يتعين أن يريد بذلك مثال : جردحل من : حيّ ، فكان يمكن أن يكون ذلك مقصودا به مثال : حمصيص من فتى ، فيقال : إن السلامة في مثال حمصيص من فتى وهو فتييّ ـ جائزة ، دون مثال : جردحل من حي ؛ فإنه ـ

__________________

(١) انظر : المنصف (٢ / ٢٧٢ ـ ٢٧٤).

٢٤٧

[إبدال الياء واوا]

قال ابن مالك : (وتبدل واوا ـ أيضا ـ بعد فتح ما وليته إن كان مكسورا ، الياء الواقعة بعد متحرّك ، وقبل ياء أدغمت في أخرى وتحذف رابعة فصاعدا ، وكذا ما وقع هذا الموقع من ألف أو واو تلت ضمّة ، فإن كانت ألفا لغير تأنيث اختير قلبها واوا ، وقد تقلب رابعة للتّأنيث فيما سكّن ثانيه).

______________________________________________________

يتعين فيه الإعلال ، فيقال فيه : حيويّ دون : حيّيّ ، ويفرق بينهما بأن مثال : جردحل هو حيّيّ قبل الياء المشددة فيه ياء مشددة بعد كسرة ، ولا شك في ثقله ، ومثال حمصيص من فتى وهو : فتييّ ليس فيه قبل الياء المشددة سوى ياء واحدة تلي فتحة ، ولا شك أن هذا أخفّ من الأول ، وإذا كان كذلك فلا يلزم من إجازة السلامة في الأخف تجويزها في الأثقل ، لكن لم يساعد على ذلك كلام المصنف ؛ بل دلّ كلامه على أن السلامة جائزة في مثال : جردحل من حي كما تقدم تقديره ، فوجب الوقوف عنده.

قال ناظر الجيش : لمّا ذكر قبل أن الياء تبدل واوا عطف عليه هذا الكلام ، ولذلك أتبعه بقوله : أيضا ، واعلم أن الياء إما تقع ثالثة أو رابعة أو خامسة فصاعدا ، وحكم هذه الياء ـ إذا وليتها ياء مشدّدة ـ إن كانت ثالثة : البدل حتما ، وإن كانت خامسة فما فوقها : الحذف حتما ، وإن كانت رابعة : الحذف والبدل ، والحذف أفصح ، وحيث كان البدل يجب فتح ما قبل المبدل ، وقد أشار إلى حكم الثالثة بقوله : وتبدل واوا ـ أيضا ـ بعد فتح ما وليته إلى قوله : أدغمت في أخرى ، وعلم كون كلامه هذا في الثالثة بقوله بعده : وتحذف رابعة فصاعدا على أنه قد وجد في نسخة (١) : «الواقعة ثالثة بعد متحرك» ولكن لا يحتاج إليه ؛ لأنّا قد علمنا أن كلامه لا يكون إلا في الثالثة لذكر الرابعة فما فوقها بعده ، واحترز بقوله : الواقعة بعد متحرك من الواقعة بعد ساكن نحو : ظبي ، فإن الياء فيه لا تغيّر لأجل الياء المدغمة في مثلها بعده ، ومثال ذلك : شج وعم وصد ، فيقال : شجويّ وعمويّ وصدويّ (٢) ، والعلّة في العدول عن الكسرة والياء قبل اليائين إلى الفتحة والواو فيما ذكر طلب الخفة ، ولهذا لما سكن ما قبل الياء لم يغيّر وإنما قال : إن كان مكسورا ؛ ـ

__________________

(١) نسخة البهاء الرقي. انظر : التسهيل (ص ٣٠٧) والتذييل (٦ / ١٦٤ أ) والمساعد (٤ / ١٤٥).

(٢) انظر : الكتاب (٢ / ٧٢) والمقتضب (٣ / ١٣٦) والتكملة (ص ٥٥) ، واللمع (ص ٢٨٢).

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

لأنه إذا كان مفتوحا بقي على فتحه ، هكذا قال الشيخ (١) ، ولم يذكر له مثالا ، إلا أنّ المصنف قال في إيجاز التعريف : تبدل الواو من الياء الواقعة ثالثة بعد متحرك إن وليها ياء مدغمة في أخرى كفتويّ في النسب إلى : فتى ، فحكم بأن آخر فتى ياء ولا شك أن الياء إذا كان قبلها فتحة تقلب ألفا وذلك نحو : فتى وحي وكمثل هذا لا يصدق عليه أن آخره ياء إلا إن أراد أن ذلك الحرف كان ياء في الأصل وهو غير ظاهر ، فالأولى أن يذكر نحو : فتى وحي فيما آخره ألف ، وإذا كان كذلك لم يحتج إلى قوله : إن كان مكسورا ؛ لأن ما قبل الياء لا يكون إلا مكسورا ، وإنما قال : وقبل ياء مدغمة في أخرى لتكون العبارة شاملة لياء النسب ولغيرها فياء النسب كشجويّ وعمويّ ، وياء غير النسب كما إذا بنيت مثل : جردحل من حي ، فإنك تقول فيه : حيويّ كما تقدم ، فقد حصل البدل في الياء ثالثة. وهي ليست قبل ياء النسب ، لكنها قبل ياء مدغمة [٦ / ١٧٠] في أخرى ، ثم أشار إلى حكم الياء الرابعة فما فوقها بقوله : وتحذف رابعة فصاعدا ، وليست هذه العبارة بمرضية ، وقد وجد في نسخة البهاء الرقي : «وتحذف جوازا رابعة ، ووجوبا خامسة فصاعدا» (٢) وهذه العبارة هي الصواب ، قال في إيجاز التعريف بعد أن ذكر الياء الثالثة وحكمها : فإن كانت هي رابعة حذفت ، وقد تقلب ويفتح ما قبلها كقارضيّ وقاضويّ (٣) في النسب إلى قاض ويتعين الحذف فيما زاد على ذلك كمشتريّ ومستدعيّ في النسب إلى : مشتر ومستدع (٤). واعلم أنه إنما ذكر الحذف في الرابعة ليعرفنا أن البدل معه وجه آخر وإنما ذكر ذلك في الخامسة فصاعدا استطرادا لما عرفت قبل أن الكلام في هذه الفصول إنما هو في الإبدال ، ثم إنه لمّا أنهى الكلام على الياء التي تقع قبل ياء أدغمت في أخرى ، شرع في الكلام على الألف والواو الواقعتين قبل ياء كذلك ، وإليه الإشارة بقوله : وكذا ما وقع هذا الموقع من ألف أو واو تلت ضمّة ... إلى ـ

__________________

(١) التذييل (٦ / ١٦٤ أ، ب).

(٢) التسهيل (ص ٣٠٧) والتذييل (٦ / ١٦٤ ب) ، والمساعد (٤ / ١٤٦).

(٣) انظر : الكتاب (٢ / ٧٢) والتكملة (ص ٥٨) وابن يعيش (٥ / ١٥١) والمقرب (٢ / ٦٤ ، ٦٥) والجاربردي (١ / ١١١ ، ١١٢).

(٤) انظر : الكتاب (٢ / ٧١) والرضي (٢ / ٤٦) والجاربردي (١ / ١١٢) والمفصل (ص ٢٠٩).

٢٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

آخره ، وحاصل الأمر : أن الألف إما ثالثة أو رابعة أو خامسة ، وحكم الثالثة قبل الياء المذكورة أن تقلب واوا نحو : فتويّ ورحويّ وعصويّ (١) في : فتى ورحى وعصى ، وأما الرابعة فإما أصلية أو زائدة للتأنيث ، ففي الأصلية وجهان : الحذف والقلب واوا وهو أولى ، وذلك نحو : ملهويّ ومرمويّ وملهيّ ومرميّ ، في ملهيّ ومرميّ (٢) وأما الزائدة لتأنيث فتحذف سواء تحرك ثاني الكلمة نحو : جمزيّ ومرطيّ ، أم سكن نحو : حبلى وسكرى إلا أن ما سكن ثانيه يجوز فيه القلب ـ أيضا ـ فيقال : حبليّ وحبلويّ (٣) ، وأما الخامسة فما فوقها فليس فيها إلا الحذف نحو : مراميّ وقبعثريّ في النسب إلى مرامي وقبعثرى (٤) ، وكلام المصنف ظاهر التطبيق على ما قلته ، ولم يتعرض الشيخ في شرحه إلا إلى ذكر الألف الرابعة (٥) ، ولم يحتج إلى ذكر الخامسة ؛ لأنه إذا حكم على الرابعة بالحذف كان الحكم به على الخامسة من طريق الأولى ، وأهمل المصنف ذكر الثالثة ، وكأنه جعل قول المصنف : وكذا ما وقع هذا الموقع راجعا إلى قوله : وتحذف ـ أي : الياء ـ رابعة فصاعدا ، ولا شك أنه إذا حمل كلام المصنف على ذلك تكون الألف الثالثة مسكوتا عنها ، ولا يخفى أن ذلك إخلال ، والظاهر أنه لا يمتنع أن تكون الإشارة بقوله : هذا الموقع ، إلى ما تقدم من موقع الياء ، والذي تقدم ذكر موقعها ثالثة ورابعة وما فوقها فيفيد قوله : وكذا كل ما وقع هذا الموقع من ألف الإحالة على ما تقدم من حكم الياء ، فتبدل ثالثة واوا كما تبدل الياء وتحذف رابعة فصاعدا كما تحذف الياء ، وحينئذ لا يكون المصنف أهمل ذكر الألف الثالثة ، وكما قيل في الألف يقال في الواو التي تلت ضمة ، فإن كانت ثالثة لا تحذف وذلك نحو مثال سمرة من الغزو فيقال : غزوة ، وإذا نسب إليه يقال :غزويّ ، وإن كانت رابعة حذفت وذلك نحو الواو في عرقوة ، فإذا نسب إليها قيل :عرقيّ بالحذف ؛ لأن الألف الرابعة والياء الرابعة تحذفان لأجل الياء المشددة الواقعة ـ

__________________

(١) انظر : الكتاب (٢ / ٧٢) والمقتضب (٣ / ١٣٦) وابن يعيش (٥ / ١٤٩) والتكملة (ص ٥٣ ـ ٥٤).

(٢) انظر : الكتاب (٢ / ٧٧) والمقرب (٢ / ٦٢) وابن يعيش (٥ / ١٥٠).

(٣) الكتاب (٢ / ٧٧) والمقرب (٢ / ٦٣) وابن يعيش (٥ / ١٥٠).

(٤) الكتاب (٢ / ٧٨) والمقرب (٢ / ٦٥) وابن يعيش (٥ / ١٥٠).

(٥) التذييل (٦ / ١٦٤ ب).

٢٥٠

[حذف الياء المتطرفة]

قال ابن مالك : (وتحذف أيضا كلّ ياء تطرّفت لفظا أو تقديرا بعد ياء مكسورة مدغم فيها أخرى ما لم يكن ذلك في فعل أو جار عليه ، ولا يمنع هذا الحذف لعدم زيادة المكسور خلافا لأبي عمرو ، فإن تحركت الأولى والثّانية حذفت الثّالثة أو قلبت الوسطى واوا أو ألفا وسلمت الثّالثة).

______________________________________________________

بعدهما ، فالواو الرابعة أحق بالحذف منهما ، والكلام هنا في حذف الواو الرابعة التالية ضمة إنما هو على سبيل الاستطراد ـ أيضا ـ لما عرفت.

قال ناظر الجيش : لمّا ذكر حكم الكلمة التي تجتمع فيها من الياءات أربع أتبع ذلك بذكر حكم ما تجتمع فيه من الياءات ثلاث ، وحكم ذلك في غير الفعل والجاري عليه أن تحذف الثالثة بالشرط الذي ذكره لكن في صورة يتحتم الحذف وفي صورة يتحتم ـ أيضا ـ لكن منهم من لا يحذف ، وفي صورة التخيير بين الحذف وبين إبدال الوسطى من الياءات واوا وألفا ـ كما ستعرف ـ ثم لا تظن أن هذا الكلام بخصوصه في الحذف ، بل هو منعطف على ما تقدم ذكره من الإبدال فهو متشبث ومرتبط بما قبله ، وذلك أنه قد تقدم لنا أن الألف الواقعة بعد ياء التصغير تبدل ياء كغزيّل. وكتيّب في غزال وكتاب ، لكن يقتصر على هذا الإبدال إذا كان لام الكلمة حرفا صحيحا كما مثّل به ، وأما إذا كان حرفا معتلّا ، فإنه ينضم إلى الإبدال أمر آخر وهو الحذف ، فكأنه يقول : إبدال الألف ياء بعد ياء التصغير لا بد منه ، فإن كان لام الكلمة صحيحا فلا كلام ، وإن كان لام الكلمة معتلّا لزم اجتماع ثلاث ياءات ، وهو لم يذكر فيما تقدم فاحتاج إلى ذكره الآن ، ثم استطرد من ذكره إلى ذكر اجتماع ثلاث ياءات دون تصغير.

ولنذكر كلام المصنف في إيجاز التعريف ؛ لأنه كالشرح لما ذكره في التسهيل ، ثم نعود إلى لفظ الكتاب ، قال ـ رحمه‌الله تعالى ـ تحذف كل ياء تطرفت لفظا أو تقديرا بعد ياء مكسورة مدغم فيها أخرى في غير فعل واسم جار عليه كقولك في تصغير عطاء : عطيّ ، وفي تصغير أداوة : أديّة ، الأصل فيه عطيّي وأدييية بثلاث ياءات : الأولى للتصغير والثانية بدل من الألف ، والثالثة بدل من لام الكلمة ؛ فاستثقل ثلاث ياءات مع كسر المتوسطة منهن ، فحذفت الأخيرة تخفيفا ، وكانت ـ

٢٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

بالحذف أولى لتطرفها لفظا في : عطيّ وتقديرا في : أديّة ، واشترط كسر المتوسطة ؛ لأنها لو فتحت انقلبت الثالثة ألفا ، ولو سكنت جرت الثالثة مجرى الصحيح (١) ، ولا فرق عند سيبويه بين زيادة الثانية كما هي في تصغير عطاء ، وعدم زيادتها كما هي في تصغير : أحوى (٢) لاستواء اللفظين في الثقل لو جاء تائين فتقول في تصغير أحوى : أحيّ غير مصروف ، والأصل : أحيوي ، فقلبت الواو وأدغم في ياء التصغير فصار : أحيّي ، فاجتمع فيه ما اجتمع في عطيّ قبل أن يخفف بالحذف فألحق به ، وأبو عمرو (٣) يفرّق فيحذف في عطيّ ونحوه مما الياء الأولى والثانية فيه زائدان ، ولا يحذف في أحيّ ونحوه (٤) ؛ لأن الياء الثانية موضع العين مع الاجتماع على اغتفار ذلك في الفعل كأحيّي مضارع حيّيت ، وفي الاسم الجاري عليه كالمحيي والتّزيّي مصدر تزيّا بالشيء ، وإنما اغتفر ذلك في الفعل من أجل أنه عرضته لحذف آخره بالجزم (٥) ، ثم حمل عليه اسم الفاعل والمصدر. انتهى. وقد انحلّ بهذا الذي أورده في إيجاز التعريف قوله في التسهيل : وتحذف ـ أيضا ـ كل ياء إلى [٦ / ١٧١] قوله : خلافا لأبي عمرو ، وعرف منه تحتم الحذف عند الجميع في الصورة الأولى وتحتمه ـ أيضا ـ إلا عند أبي عمرو في الصورة الثانية من الصور الثلاث التي تقدمت الإشارة إليها ، وأما الصورة الثالثة فستذكر ، وقال المصنف أيضا في شرح الكافية : إذا وقع بعد ياء التصغير ياءان حذفت الثانية منهما استثقالا لتوالي ثلاث ياءات ، كقولك في أتى : أتيّ ، والأصل : أتيّي بثلاث ياءات ، أولاهن ياء ـ

__________________

(١) انظر : الكتاب (٢ / ١٣٢) والرضي (١ / ٢٣١) والجاربردي (١ / ٨٤).

(٢) قال سيبويه في الكتاب (٢ / ١٣٢) بولاق : «واعلم أنه إذا كان بعد ياء التصغير ياءات حذفت التي هي آخر ويصير الحرف على مثال : فعيل ويجري على وجوه العربية ، وذلك قولك في عطاء : عطيّ ... وكذلك أحوى إلا في قول من قال : أسيود. ولا تصرفه ؛ لأن الزيادة ثابتة في أوله ، ولا يلتفت إلى قلته كما لا يلتفت إلى قلة يضع. ثم قال : وأما يونس فقوله : هذا أحيّ كما ترى وهو القياس والصواب» وانظر : ابن يعيش (٥ / ١٢٦).

(٣) هو أبو عمرو ابن العلاء وقد تقدمت ترجمته ، وانظر رأيه في الكتاب (٢ / ١٣٣) وابن يعيش (٥ / ١٢٦) والرضي (١ / ٥٩).

(٤) رده سيبويه حيث قال في الكتاب (٢ / ١٣٣): «وأما أبو عمرو فكان يقول : أحيّ ، ولو جاز ذا لقلت في عطاء : عطيّ ؛ لأنها ياء كهذه الياء ...».

(٥) انظر : التذييل (٦ / ١٦٤ ب) والمساعد (٤ / ١٤٨).

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

التصغير ، والثانية والثالثة الموجودتان قبل التصغير ، فحذفت الثالثة لتطرفها وأدغمت الأولى في الثانية ، ولا فرق بين ما كانت الياءان فيه قبل التصغير كأتى وبين ما تجدد فيه اجتماع اليائين في حال التصغير ككساء ، فإن تصغيره كسيّ وأصله كسيّي الياء الأولى للتصغير والثانية منقلبة عن الألف والثالثة منقلبة عن واو ، فحذفت الثالثة وصارت كسيّا كقصيّ ، وهذا الحذف مجمع عليه إن كان أوّل اليائين الواقعتين بعد ياء التصغير زائدا فإن لم يكن زائدا كالمنقلب عن واو أحوى فإن أبا عمرو يرى فيه تكرير الياءات الثلاث ، فيقول : هذا أحيّي ورأيت أحيّي وغيره لا يرى ذلك ، إلا أن سيبويه يحذف ويستصحب منع الصرف وعيسى بن عمر يحذف ويصرف (١). ومن قال في جدول : جديول. قال في أحوى : هذا أحيو ، ورأيت أحيوي (٢). انتهى.

وتقرير هذه المذاهب والاستدلال عليها مذكور في باب التصغير ؛ لأن ذلك الباب أمسّ بذلك (٣). واعلم أن المصنف ذكر فرعا في «إيجاز التعريف» عقب كلامه المتقدم ، وهو أنه لو بني مثل جيّد من قوة وجب على قول سيبويه أن يكون :قيّي ، وعلى قول أبي عمرو أن يكون : قيّيا وأصله : قيوي ، فقلبت الواو وأدغم فيها الياء فصار قيّيا ، فيحذف الثالثة سيبويه ؛ لأنها كالمحذوفة من عطيّ ، في كونها ثالثة تالية مكسورة مدغما فيها أخرى ولا يحذفها أبو عمرو (٤) ؛ لأن التي وليتها غير زائدة فأشبهت آخر محيّي وتزيي. انتهى. وذكر الشيخ عن بعض مشايخه بحثا في مثل هذا مقتضاه أن أبا عمرو يوافق سيبويه في هذه المسألة. قال : وكلام المصنف يقتضي المخالفة (٥) ، وأما الصورة الثالثة التي تقدم الوعد بذكرها وهي التي فيها التخيير ، فهي التي أشار إليها المصنف بقوله : فإن تحركت الأولى إلى آخر كلامه.

ومثال ذلك أن تبني من الرّمي مثل : جحمرش ، فإنك تقول فيه : رمييي فقد اجتمع ثلاث ياءات ، الأولى والثانية متحركتان ، فإما أن تحذف الثالثة وإما أن تقلب الوسطى واوا ، وإما أن تقلبها ألفا ، فوجه الحذف أنه لمّا اجتمع مثلان متحركان في ـ

__________________

(١) الكتاب (٢ / ١٣٢) وابن يعيش (٥ / ١٢٦) والجاربردي (١ / ٨٦).

(٢) شرح الكافية (ص ١٩٠٦ ، ١٩٠٧).

(٣) التذييل (٦ / ١٦٥ أ).

(٤) انظر : الكتاب (٢ / ١٣٣) وابن يعيش (٥ / ١٢٦) والرضي (١ / ٥٩).

(٥) التذييل (٦ / ١٦٥ أ).

٢٥٣

[حكم ما اجتمع فيه ثلاث أو أربع واوات]

قال ابن مالك : (فصل : اجتنبوا ضمّة غير عارضة في واو قبل واو ؛ لأنّ الضّمة كالواو ، فاجتناب ثلاث واوات أحقّ ، فإن عرض اجتماعها قلبت الثّالثة أو الثّانية ياء وقد يعرض اجتماع أربع فتعلّ الثّالثة والرّابعة نحو : قوّيّ مثل جحمرش من قوّة وقد تعلّ معهما الثانية نحو : اقويّا مثل : اغدودن منها ، وذا أولى من قوّو واقووّا وفاقا لأبي الحسن ، وحيّو أو حيّا في مثال جحمرش من حييت أولى من حيّاي).

______________________________________________________

كلمة وهما الياءان الأوليان وجب إدغام الأولى بعد نقل حركتها إلى ما قبلها في الثانية فيؤول إلى : رمييّ فيفعل فيه ما يفعل بعطيّ من الحذف فيؤول إلى رميّ ، ووجه إبدال المتوسطة واوا مع سلامة الثالثة كراهة اجتماع الأمثال ، وعلى هذا يقول : رميو ، ويصير من المنقوص ، ووجه إبدالها ألفا مع سلامة الثالثة ـ أيضا ـ أنها ياء تحركت وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا وعلى هذا يقال : رمياي (١).

قال ناظر الجيش : لما كان الفصل المفروغ منه متضمنا لذكر حكم ما اجتمع فيه من الكلمة أربع ياءات وثلاث ـ أيضا ـ ضمن هذا الفصل حكم ما اجتمع فيه من الواوات ثلاث ، وكذا ما اجتمع فيه منها أربع ـ أيضا ـ ثم إنه استفتح الفصل بشيء يقصد به التمهيد لما يذكره ويتضمن الاستدلال على إثبات مراده وهو أنهم اجتنبوا ضمة في واو واقعة قبل واو أخرى ولذلك عدلوا عن : مقوول ، إلى : مقول ، وإنما اجتنبوا ذلك ؛ لأن الضمة كالواو ، فلو لم يجتنبوا ذلك لكانوا كأنهم أتوا بثلاث واوات في كلمة ، ولا شك في أن ذلك يثقل ، قال : فإذا كانوا قد اجتنبوا أن يأتوا بضمة في واو تليها واو أخرى فاجتناب ثلاث واوات أحق ؛ لأنهم إذا اجتمعوا مع الواوين ما يقرب من الواو فإن يجتنبوا الواو نفسها معهما أحق وأولى وهو استدلال لطيف ، وإنما قال : غير عارضة ؛ ليحترز من الضمة العارضة ، فإن ذلك جائز فيها ؛ لأنهم لم يستثقلوها لعروضها ، ومثال ذلك أن تأتي بمضارع هوى مسندا إلى ضمير الجماعة المذكرين فتقول ، يهوون ، والأصل يهويون فالضمة التي على ـ

__________________

(١) انظر : التذييل (٦ / ١٦٥ أ) والمساعد (٤ / ١٤٩).

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الواو عارضة ؛ لأن أصلها الكسر ، فلما مهّد هذا الأصل ذكر ما يفعل إذا اتفق اجتماعها ، فقال : إن الثالثة أو الثانية تقلب ياء ، وقد مثّل لذلك بأن تبني من القول فعلا على وزن : افعوعل ، فتقول : اقووّل ، ثم تقلب الثالثة أو الثانية ياء ، وأيّا ما قلبت منهما لزم من ذلك قلب الأخرى ياء ، وإدغام الياء في الياء ، فتصير :اقويّل ؛ لأن الياء والواو إذا اجتمعا وسبق (إحداها) (١) بالسكون وجب قلب الواو ياء والإدغام على ما عرف في موضعه. واعلم أن ابن عصفور ذكر هذا المثال فقال :وتقول في مثل افعوعل من القول : اقووّل ، هذا مذهب سيبويه (٢) ، وأما أبو الحسن فيقول : اقويّل ؛ لأنه يستثقل اجتماع ثلاث واوات وإلى ذلك ذهب أبو بكر (٣) ، واحتج بأنهم إذا كانوا يستثقلون الواوين والضمة في مثل : مصوغ ، فلا يكملون البناء إلا فيما شذّ ، فالأحرى فيما اجتمع فيه ثلاث واوات ، وهذا الذي احتجّ به لا يلزم ؛ لأن مصوغا وأمثاله إنما استثقل فيه الواوان والضمة لجريانه على الفعل المعتل وإلا فإنهم يتمّون في مثل : قووّل في فصيح الكلام ؛ لأنه غير جار على معتلّ ، فإن قيل : فإنكم تقولون في مثل عرقوة من الغزو : غزوية ، وقد تقدم استثقالا للواوين والضمة مع أنه ليس بجار. فالجواب : أن الطرف يستثقل فيه ما لا يستثقل في الوسط ؛ لأنه محل التغيير ، ألا ترى أنهم يقلبون في مثل : عصيّ ، ولا يلزم ذلك في مثل : صوّم. فإن قيل : فإن وجدتم ثلاث واوات محتملة في كلام العرب.

فالجواب : أنه لا يعلم من كلامهم ما اجتمع فيه ثلاث واوات حشوا البتة [٦ / ١٧٢] لا مصححا ولا معتلّا ، فيحمل هذا عليه ، والتصحيح هو الأصل فالتزم هذا مع أن ما يقرب منه موجود في كلامهم وهو مثل : قوول ، ألا ترى أن فيه واوين وضمة والضمة مثل الواو ولم يغير شيء من ذلك ، وأما ما ذهب إليه ابن جني من أن لقائل أن يفرق بين : غزوية واقووّل ، بأن يقول : قد يستثقل في الاسم ما يصح في الفعل واستدلاله بصحة يغزو (٤) وأمثاله وإعلال أدل وأمثاله ـ ففي نهاية الفساد ؛ لأن ـ

__________________

(١) في النسختين : إحديهما.

(٢) الكتاب (٢ / ٣٧٦) والمنصف (٢ / ٢٤٤) والمقتضب (١ / ٣١٢ ، ٣٢٣).

(٣) ابن السراج واستظهره ابن جني انظر : الممتع (٢ / ٧٤٧) والمنصف (٢ / ٢٤٤) والمقتضب (١ / ٣٢٣).

(٤) المنصف (٢ / ٢٩٠ ـ ٢٩١).

٢٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الفعل أثقل من الاسم بلا خلاف ، وأكثر إعلالا ، فكيف يصح فيه ما يعتل في الاسم الذي هو أخف ، وأما صحة : يغزو وإعلال أدل ، فلأمر عرض قد بيّن في موضعه ، فالصحيح عندي ما ذهب إليه سيبويه ، فإن بنيته للمفعول قلت : أقووول على القولين جميعا ، فلا تدغم ، ولا يستثقل اجتماع الواوات ؛ لأن الواو المتوسطة مدة محكوم لها بحكم الألف ، فكأنه ليس في الكلمة إلا واوان بينهما ألف ، وقد حكي عن الأخفش أنه قلب الأخيرة ياء فقال : اقوويل ، والأوّل أشهر عنه ، وهو الصحيح (١) ، انتهى كلام ابن عصفور ، وهو موافق لما ذكره المصنف ، غير أنه ذكر أن مذهب سيبويه في المثال المذكور التصحيح ، والمصنف ساكت عن ذكر مذهب سيبويه ، فعدم تعرضه لذلك : إما لأنه لا يرى أن مذهب سيبويه هو الذي ذكره ، وإما لأنه خالفه عن علم به ، وإما لأنه لم يحط علما بمذهبه ، ولكن تبيّن أن أبا الحسن وابن السراج وابن جني على القول الذي قاله المصنف ، والعلة التي أشار إليها هي بعينها التي احتج بها ابن السراج ، وهي أنهم يقولون : مصوغ ولا يكملون البناء فيقولون : مصووغ إلا ما شذ ؛ وذلك لاجتماع واوين وضمة ، فكيف باجتماع ثلاث واوات ، وأما قول ابن عصفور : إن ذلك إنما كان في نحو : مصوغ لجريانه على الفعل المعتل واستدلاله بنحو : قوول ، فإنه يتم ؛ لأنه غير جار على معتل (٢) ، فلم أفهم كون : قوول غير جار على معتل ؛ لأن الذي يفهم من قولهم هذا جار على الفعل أن ينتظم هو والفعل في اشتقاقهما من المصدر ، وأن يكون دالّا على ذات ومعنى ، ولا شك أن قوولا كذلك ، غاية ما فيه أن الجاري الحقيقة هو قائل ، وقوول محوّل عنه للمبالغة إلا أن يقال : إن قوولا لا يلاقي المعتل إنما يلاقي : قول الدال على الكثرة في القول ، وقول ليس فعلا معلّا ، إنما هو فعل صحيح ، وهذا فيه بعد ؛ لأنه لو كان الأمر كذلك وهو أن قوولا إنما يلاقي قول فكان كلاهما مشتقّا من المصدر الذي هو قياس : قول وهو : التقويل ، ويلزم من ذلك أن لا تكون الصيغة المذكورة محوّلة عن فاعل ، وهم قد نصوا على أنها وأخواتها محوّلة ، واعلم أن الأخفش إنما أجاز : اقوويل في أحد قوليه ؛ لأنه فرع عن : اقووّل ، وقد أعلّه وهو مبني للفاعل فقال فيه : اقويّل ، فلما بني للمفعول استصحب الحالة التي كانت له ـ

__________________

(١) الممتع (٢ / ٧٤٧ ـ ٧٥٠).

(٢) الممتع (٢ / ٧٤٨).

٢٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

قبل ، ثم لما ذكر المصنف حكم ما اجتمع فيه ثلاث واوات شرع في ذكر حكم ما اجتمع فيه أربع واوات ، وأشار إلى ذلك بقوله : وقد يعرض اجتماع أربع ، وذكر في الكتاب مثالين : أحدهما يعلّ فيه اثنان ، والآخر يعلّ فيه ثلاثة ، فأما الأوّل فأشار إليه بقوله : فتعلّ الثالثة والرابعة نحو : قوّيّ مثل جحمرش من قوة ، وذلك أن أصله قوووو ، فتدغم الواو الأولى لسكونها في الثانية ، وتبدل الواو الثالثة ياء لاستثقال اجتماع الواوات ، وتقلب الرابعة بالكسر ما قبلها فيقال : قويّ ؛ لأنه صار منقوصا (١) ، وأما الثاني فأشار إليه بقوله : وقد تعلّ معها الثانية أي : مع الثالثة والرابعة نحو : اقويّا مثل : اغدودن منها أي : من قوة وذلك أن الأصل : اقووو فأعلت الآخرة بقلبها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وأعلت ما قبلها لاجتماع ثلاث واوات وأعلّت الثانية ؛ لأن الثالثة لمّا قلبت ياء التقت ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار : اقويّا (٢) ، وأما قوله : وذا أولى من قوّو واقووّا فإن المراد منه بقوله : وذا ، الإشارة إلى ما تقدم ذكره من المثالين يعني أن ما ذكره من : قوّيّ مثال جحمرش من : قوّة أولى من : قوّو ومن : اقويّا ، مثال : اغدودن منها أولى من اقووّا ، والمراد أن إعلال الواو الثالثة بقلبها ياء أولى من تصحيحها في البناءين أعني بناء جحمرش من قوة ، وبناء اغدودن منها ، وإنما كان أولى لاستثقال اجتماع ثلاث واوات ، وقوله : وفاقا لأبي الحسن ، يعني أن أبا الحسن هو الذي يعل الثالثة ، وغيره يصحح ، وأما إعلال الرابعة فمتفق عليه (٣) قاله الشيخ ، وقال أيضا : قد تقدم أن مذهب أبي الحسن وأبي بكر في : افعوعل من القول الإعلال ، فيحتمل أن يكون قوله : وذا أولى ، راجعا إلى المسألتين وهما عروض اجتماع ثلاث واوات ، وعروض اجتماع أربع واوات (٤) ، انتهى. وأقول : لو لم يقل المصنف : من قوّو واقووّا ، بعد قوله : وذا أولى ، لأمكن رجوعه إلى المسألتين ، لكن قوله : ذلك يمنع الرجوع إليهما.

وأما قوله : وحيّو أو حيّا في مثال جحمرش من حييت أولى من حيّاي ، فإنه أراد به أن يبين حكم الكلمة إذا اجتمع فيها أربع ياءات كما بين حكمها إذا اجتمع فيها أربع ـ

__________________

(١) التذييل (٦ / ١٦٦ أ) والمساعد (٤ / ١٥٠).

(٢) انظر : التذييل (٦ / ١٦٦ أ) والمساعد (٤ / ١٥٠).

(٣) التذييل (٦ / ١٦٦ ب).

(٤) المرجع السابق.

٢٥٧

[من مواضع قلب الواو ياء]

قال ابن مالك : (فصل : تبدل ياء الواو الملاقية ياء في كلمة إن سكّن سابقهما سكونا أصليّا ولم يكن بدلا غير لازم ويتعين الإدغام ، ونحو : عوية وضيون وعوّة وريّة شاذّ وبعضهم يقيس على ريّة ، فيقول في قوي مخفّف [٦ / ١٧٣] قويّ : قيّ).

______________________________________________________

واوات ، لا يقال قد تقدم له في الفصل المتقدم على هذا الكلام على حكم أربع الياءات فيكون هذا المذكور الآن تكريرا ؛ لأن الكلام في الفصل السابق إنما هو في الياء المشددة إذا التقت مع مثلها في كلمة ، وليست الياءات التي نذكرها الآن بهذه الصفة ، فإذا أتي بمثال جحمرش من حييت ، فالأصل : حيييّ فتدغم الأولى في الثانية لسكونها ، وتبدل الثالثة واوا كراهة اجتماع الأمثال فيقال : حيّو ، ويصير منقوصا ، فهذا وجه ، والوجه الآخر أن مثال الكلمة بعد الإدغام حيّيّ فيجتمع فيه ما يجتمع في تصغير عطاء ، فتحذف الآخرة فتبقى الياء التي قبل المحذوفة متحركة وقبلها فتحة فتنقلب ألفا فيقال : حيّا ووجه من قال : حيّاي ـ أن الثالثة ياء تحركت وانفتح ما قبلها ، فقلبت ألفا ، وسلمت بذلك الياء الآخرة من الحذف وفهم من كلامه أن ثلاثة الأوجه جائزة ، لكن الوجهان الأوّلان أولى من الثالث (١).

قال ناظر الجيش : قد تقدم الإعلام بأن من المواضع التي تبدل فيها الواو ياء الموضع الذي افتتح به هذا الفصل ، وأن المصنف إنما أفرده عن المواضع التي تناسبه وذلك الأمر هو اختصاصه عنها بأمر زائد على الإبدال وهو الإدغام. والحاصل : أن الواو تبدل ياء إذا لاقت ياء ، وذلك بشروط :

الأول : أن يكون التقاؤهما في كلمة ، فلو كان أحد الحرفين في كلمة ، والآخر في كلمة أخرى ؛ انتفى هذا الحكم نحو : يعطي واقد ، ويغزو ياسر (٢).

الثاني : أن يسكن السابق منهما ، فلو سكن المسبوق ؛ انتفى هذا الحكم أيضا نحو : طويل وغيور (٣). ـ

__________________

(١) انظر : التذييل (٦ / ١٦٦ ب) والمساعد (٤ / ١٥١) والرضي (٣ / ١٩١) وابن جماعة (٢ / ٢٦٣).

(٢) انظر : الأشموني (٤ / ٣١٣).

(٣) انظر : الكتاب (٢ / ٣٧٢) والأشموني (٤ / ٣١٣).

٢٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الثالث : أن يكون السكون أصليّا ، فلو كان السكون عارضا لم يؤثر نحو : قوي مخفف قويّ (١).

الرابع : أن لا يكون الحرف السابق بدلا من غيره بدلا جائزا ، وعبر عن ذلك المصنف بقوله : ولم يكن بدلا غير لازم فلو كان مبدلا من غيره بدلا جائزا لا يثبت الحكم المذكور ، وذلك نحو : روية مخفف رؤية (٢) وقوله : ولم يكن بدلا غير لازم يدخل تحت هذا النفي أمران ، ما لم يكن بدلا ، بل هو أصل بنفسه ، وما كان بدلا لازما كما سيأتي ، وقد تضمن كلام المصنف أربعة شروط وكلامه في إيجاز التعريف يتضمن شرطا خامسا وهو ألا يكون الحرف السابق عارضا فإن كان عارضا بانقلابه عن غيره كانقلاب الواو في : بويع من ألف بايع امتنع هذا الإعلال ، وقد جعل الشيخ ذلك مستفادا من قوله : ولم يكن بدلا غير لازم ، فبهذا الكلام أخرج نحو : سوير وبويع ، كما أخرج به نحو : روية المخفف (٣) ، وحاصله : أنه جعل البدل فيه غير لازم وفي ذلك نظر ؛ فإن سائر وبائع إذا بنيا للمفعول كان إبدال الواو من الألف لازما ، وإذا كان كذلك لم يكن البدل المذكور غير لازم ، بل هو لازم مع أنه يمتنع فيه الإعلال المذكور كما قلنا ، إذا حصل الإبدال المذكور اجتمع مثلان فيدغم أحدهما بالآخر ، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله : ويتعين الإدغام ، إذا عرف هذا فالذي يجب فيه الإعلال لاجتماع الشروط المذكورة فيه نحو : سيّد وطيّ ، أصلهما : سيود (٤) وطوي ؛ لأنهما من ساد يسود ، وطوى يطوي فالواو في سيود وكذا في طوي قد لاقت ياء ، وهما في كلمة والسابق ساكن سكونا أصليّا ليس مبدلا من غيره لا بدلا جائزا ولا بدلا لازما ، والواو عين في الكلمتين ، وقد يكون لاما نحو : دليّة تصغير (٥) دلو ، وقد تكون زائدة نحو : مرمي ، وقد تكون حرف ـ

__________________

(١) انظر : الأشموني (٤ / ٣١٤) والتذييل (٦ / ١٦٦ ب).

(٢) التذييل (٦ / ١٦٦ ب) والمساعد (٤ / ١٥٢).

(٣) التذييل (٦ / ١٦٦ ب).

(٤) هذا مذهب الخليل وسيبويه وجمهور البصريين انظر الكتاب (٢ / ٣٧١) والمقتضب (١ / ٣٠٨) ، والتكملة (ص ٢٦٠) ، والمنصف (٢ / ١٥) وذهب الكوفيون والفراء إلى أن وزنه فعيل ، وأصله : سويد ، فأخرت الواو وتقدمت الياء فصار سيود. انظر : الإنصاف (٢ / ٧٩٥) وابن يعيش (٥ / ٦٥) ، (١٠ / ٧٠).

(٥) أصله : دليوة ؛ لأنه تصغير دلو ، وأتي بالتاء ؛ لأن الدلو يذكر ويؤنث وتأنيثها أعلى وأكثر. انظر :المذكر والمؤنث (ص ٩٢) والمصباح (ص ١٩٩).

٢٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الإعراب نحو : مسلميّ رفعا ، ومثال ما البدل فيه لازم قوله : إيّية ، وهو مثال إنفحة من أوب : إأوبة ثم : إيوبة ، ثم : إيّبة (١). قال المصنف في إيجاز التعريف : فإن كان السابق مبدلا بدلا لازما في اسم لا يناسب الفعل فحكمه حكم الأصل ؛ كمثال :إنفحة من أوب أصله : إوّبة ثم : إيوبة ، ثم : إيّبة ، ولا يفعل ذلك بمثل : احمرّ منه وأصله : إأوب ، ثم تبدل الهمزة الساكنة ياء لسكونها بعد مكسورة ، فيقال : إيوبّ ولا يعمل به ما عمل : بإيوبة حين قيل فيه : إيّبة ؛ لأنه اسم جامد لا يلزم نقله إلى صيغة تصح فيه الهمزة بخلاف مثال : احمرّ ، فإنه لا يستغنى فيه عن المضارع واسم الفاعل فيقال فيه : يأوبّ فهو : مؤوب ، فكان التقاء الياء والواو في : إيّوب شبيها بالتقائهما في إيواء وبويع فلم يختلفا في الحكم. انتهى. وليس في كلامه في التسهيل إشعار بهذا القيد الذي ذكره في إيجاز التعريف ، وقد خولف هذا الأصل الذي تقدم تقريره ، أعني إبدال الواو الملاقية للياء ياء وإدغامها فيها في نحو : جدول إذا صغر فإنه يجوز فيه وجهان ، الإعلال وهو كثير نحو : جديّل ، والتصحيح وهو قليل ، فيقال : جديول (٢). قال في إيجاز التعريف : ومن العرب من يحمل التصغير على التكسير فيقول : جديول في تصغير جدول ، واللغة الجيدة : جديّل ، وكذلك ما أشبهه مما صحت الواو في جمعه على مثال مفاعل ، هذا كلامه وفيه إشارة إلى أن شرط التصحيح في ذلك أن يكون ذلك المفرد يصح جمعه على مفاعل ، وهذا الذي شرطه هو المعروف في هذه المسألة ولهذا جعل الضابط لجواز التصحيح : أن الواو تحرك في الواحد والجمع ، فقيل : إن الواو إذا التقت مع ياء التصغير تقلب ياء إن تطرفت نحو : غزو ، وغزيّ ، أو كان بعدها حرف واحد ولم تحرك الواو في الواحد والجمع كقولك : عجوز وعجيّز (٣) : وأسود وأسيد ، لضد الأبيض ؛ لأن أسود الصفة يجمع على سود فلم تحرك واوه في الجمع ، وإن هي تحركت في الواحد ، فلو تحركت الواو في الواحد والجمع جاز الوجهان ، تقول في جدول وأسود للحية :جديّل وأسيّد ، وهو الكثير ، وجديول وأسيود لقولهم : جداول وأساود ، ثم قال ـ

__________________

(١) انظر : التذييل (٦ / ١٦٧ أ) والمساعد (٤ / ١٥٢).

(٢) انظر : الكتاب (٢ / ١١٨ ، ١٣١) والمقتضب (١ / ٢٥٦) ، (٢ / ٢٤١) والخصائص (١ / ١٥٥ ـ ١٥٧) ، (٣ / ٨٤) والجاربردي (١ / ٨٤).

(٣) انظر : الرضي (١ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠).

٢٦٠