شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١٠

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ١٠

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

زيادته ، وهو النون ؛ لكونها ثالثة ساكنة مفكوكة ، والإلحاق في عقنقل كما هو في عفنجج ، إلا أن المكرر في عقنقل مثل العين ، والإلحاق في خفيدد بزائدين : أحدهما حرف يماثل أصلا من أصول الكلمة أيضا وهو اللام كما في عفنجج ، لكن الحرف الآخر الذي هو غير مماثل لأصل ، وهو الياء ، لا تطرد زيادته ، والإلحاق في خفيفد كما هو خفيدد ، في أن الحرف الذي ليس بتكرير وهو الياء لا تطرد زيادته ، لكن المكرر فيه مماثل للعين ، فقد شابه عقنقلا في شيء وخالفه في شيء (١) ، والإلحاق في عثوجج كما هو في خفيدد ومن جميع الوجوه المذكورة إلا أن الحرف الذي لا تطرد زيادته في تلك الكلمة ياء ، وفي هذه واو أما هبيّخ وقنور فإن الإلحاق حصل فيهما بزيادة حرفين من حروف العلة ، أدغم أحدهما في الآخر ، وأما ضربّب فإن الإلحاق حصل فيها بتكرير اللام ، إذا عرفت هذا ، فاعلم أن المصنف إنما جعل سلوك سبيل صمحمح وحبنطى في إلحاق ثلاثي بخماسي أولى من سلوك بقيّة الكلمات المذكورة ؛ لثقل نحو : هبيّخ وقنوّر ، من أجل تضعيف حرف العلة وثقل نحو :ضربّب لما فيه من التكرير مع توالي الأفعال ، ولقلّة نحو الكلمات الباقية وهي :غدودن ، وعفنجج ، وعقنقل ، وخفيدد ، وخفيفد ، وعثوجج بالنسبة إلى نحو :صمحمح ، وحبنطى فإن سلوك سبيل البناءين المذكورين أولى من سلوك غيرهما من المذكورات فعلى هذا إذا قيل : ابن من ضرب مثل سفرجل ، كان الأولى أن يقال :ضربرب ؛ لأنه في التكرير كصمحمح أو ضربنى ؛ لأنه نظير حبنطى ، وغير الأولى أن يقال : ضروبب كغدودن ، وضرنبب كعفنجج ، وضربرب كعقنقل ، وضرببب كخفيدد ، وضربرب كخفيفد ، وضروبب كعثوجج ، وضربّب كهبيّخ ، وضروّب كقنوّر ، وضربّب فيأتي بحرف مضعّف من جنس لام الكلمة وأشار بقوله : ويختار إبدال الياء ... إلى آخره إلى مسألة تبنى على أصل وهو أنه : إذا اجتمع في كلمة ثلاثة أمثال كما إذا أتيت بنحو : تفعّلت من الظن فقلت : تظننت جاز التخفيف في هذه الكلمة بإبدال ثالث الأمثال ياء فيقال : تظنيت وهو أمر موقوف على السماع (٢) ، فلو كانت الأمثال أربعة وجب إبدال الرابع ياء نحو أن تبني مثل : ـ

__________________

(١) المرجعين السابقين.

(٢) ينظر : الكتاب (٤ / ٤٢٥) ، والممتع (١ / ٣٧٢).

١٤١

[ما يعرف به الزائد]

قال ابن مالك : (وجملة ما يتميّز به الزّائد تسعة أشياء : دلالته على معنى وسقوطه لغير علّة ، من أصل أو فرع أو نظير ، وكونه مع عدم الاشتقاق في موضع تلزم فيه زيادته أو تكثر ، مع وجود الاشتقاق واختصاصه ببنية لا يقع موقعه منها ، ما لا يصلح للزّيادة ، ولزوم عدم النّظير بتقدير أصالته فيما هو منه أو في نظير ما هو منه).

______________________________________________________

خبعثنة من الرّدّ فيقول : رددّية (١) ، ثم إن المصنف ذكر هذه المسألة بمثال آخر وهو أن تأتي بمثل : ضربّب من الرّدّ ، ولا شك أن في : ضربّب ثلاثة أمثال ، أحدها لام الكلمة ، والآخران الحرفان اللذان حصل بهما الإلحاق بسفرجل ، فإذا بني مثل ذلك مما عينه ولامه من جنس واحد في كلمة ثلاثية ، ثم جاء الحرفان المماثلان للعين واللام من أجل الإلحاق ، لزم اجتماع أربعة أمثال في آخر الكلمة ، وذلك في غاية الثّقل فصار إبدال آخر الأمثال ياء واجبا في مثل ذلك ، إن كان جائزا في ما اجتمع فيه ثلاثة أمثال نحو : تظنّيت كما تقدمت الإشارة إليه ، وعلى هذا يكون وزان :ضربّب من الرّدّ : رددّد ، فإذا حصل الإبدال قيل : رددّى الأصل : رددّي قلبت الياء ألفا ؛ لوجود العلّة المقتضية لذلك (٢) ، ولما تكلّم المصنف على هذه المسألة في إيجاز التعريف وذكر أنه يقال في مثل خبعثنة من الردّ : رددّية ؛ أردف ذلك بقوله : ومن قال : أميّيّ فجمع في النسب أربع ياءات ، قال في هذا المثال : رددّدة (٣) ، كذا قال أبو الحسن في تصريفه (٤). انتهى. فقوله في التسهيل : ويختار إبدال ياء ظاهره يقتضي أنه يوافق رأي أبي الحسن في إجازة الجمع في نحو المثال المذكور بين أربعة أمثال (٥) ، ولكنه يرى أن مذهب غيره ـ وهو الإبدال ـ أولى ، وهو خلاف ما يعطيه ظاهر كلامه في إيجاز التعريف ويحتمل أن يحمل قوله : ويختار على أنه اختار مذهب غير أبي الحسن ، وهو وجوب الإبدال على مذهب أبي الحسن ، فلا يكون الاختيار متعلقا بالإبدال لكنّه خلاف الظاهر.

قال ناظر الجيش : ذكر رحمه‌الله أن جملة ما يتميز به الحرف الزائد من الحرف الأصلي ـ

__________________

(١ ، ٢) التذييل (٦ / ١٣٤ ب) ، والمساعد (٤ / ٨١).

(٣) انظر : المرجعين السابقين.

(٤) التذييل (٦ / ١٣٤ ب).

(٥) انظر : المساعد (٤ / ٨١).

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

(تسعة) (١) أشياء (٢) : الأول : دلالته على معنى ، كحروف المضارعة ، وألف فاعل ، وتاء اقتدر ، وميم اسم الفاعل ، والمفعول ، وياء التصغير. الثاني : سقوطه من أصل كسقوط همزة أحمر من الحمرة فإن الحمرة أصل لأحمر ؛ لكونها مصدر ، وقد سقطت الهمزة منها (٣). الثالث : سقوطه من فرع كسقوط الياء من : أيصر في إصار الذي هو جمعه (٤). الرابع : سقوطه من نظير ، ومثاله : أيطل وإطل ، استدل على زيادة الياء في : أيطل بسقوطها في : إطل (٥) ، وقول المصنف : لغير علّة ، قيد في الأنواع الثلاثة فلو كان سقوطه من أصل أو فرع ، أو نظير لعلّة لم يكن ذلك دليلا على زيادته ، فمثال سقوطه من أصل لعلّة سقوط الواو في : عدة ، فلا يكون ذلك دليلا على زيادتها في : وعد ؛ لأنها إنما سقطت من الأصل لعلّة (٦) ستعرفها إن شاء الله تعالى. ومثال سقوطها من فرع لعلّة : يعد فإن أصله : يوعد ، وسقطت الواو للعلة المعروفة (٧) ، ومثال سقوطها من نظير [٦ / ١٣٩] لعلّة عدة فإنها نظير الوعد ؛ إذ هما مصدران ، ولكن سقوط الواو من عدة لعلّة كما عرفت ، فلا يحكم بزيادتها في النظير الذي هو الوعد. الخامس : كونه مع عدم الاشتقاق في موضع يلزم فيه زيادته مع وجود الاشتقاق ، يعني أنه إذا وجد حرف من حروف الزيادة في كلمة لا يعلم لها اشتقاق وكان ذلك الحرف في موضع يلزم فيه زيادته في ما علم اشتقاقه ؛ حكم على الحرف المذكور بالزيادة ومثال ذلك النون من غضنفر ، فإنّه يحكم بزيادتها (٨) مع كونها في كلمة لا يعرف لها اشتقاق ؛ وذلك لأن كل ـ

__________________

(١) كذا في (ب) ، وفي (ج) «سبعة».

(٢) زاد ابن عصفور آخر ، وهو الدخول في أوسع البابين نحو : كنهبل ، فعلى الأصالة وزنه : فعلّل وعلى الزيادة : فنعلل ، وكلاهما مفقود ؛ فيحمل على الزيادة ؛ لأن باب المزيد أوسع لكثرة أبنية المزيد وقلّة أبنية المجرد. ينظر : الممتع (١ / ٥٨).

(٣) ويسمى هذا الاشتقاق. الممتع (١ / ٥٣).

(٤) وهو التصريف. الممتع (١ / ٥٤).

(٥) المرجع السابق (١ / ٥٥).

(٦) مصدر الفعل المثال بزنة فعلة ، تحذف منه الواو ؛ لثقل الكسرة في الواو ، ألقوا كسرة الواو على ما بعدها وحذفوها. الممتع (٢ / ٤٣١) ، المنصف (١ / ١٩٥).

(٧) وقعت الواو فاء لفعل على وزن فعل ؛ فتحذف في مضارعه لوقوعها بين ياء وكسرة وهما ثقيلتان ، فلمّا انضاف ذلك إلى ثقل الواو وجب الحذف. الممتع (٢ / ٤٢٦).

(٨) اللسان «غضفر».

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ما وجد من هذا النوع ـ أعني ما ثالثه نون ساكنة وبعدها حرفان ـ وعلم اشتقاقه ؛ كانت زائدة نحو : جحنفل للعظيم الجحفلة ، وحبنطى من حبط بطنه ، ودلنظى من دلظه أي : رفعه (١). السادس : كونه مع عدم الاشتقاق في موضع يكثر فيه زيادته في ما علم الاشتقاق ، يعني أنه إذا وجد حرف من حروف الزيادة في كلمة لا يعلم لها اشتقاق وكان ذلك الحرف في موضع يكثر فيه زيادته في ما علم اشتقاقه ، حكم على الحرف المذكور بالزيادة حملا على الأكثر ، ومثال ذلك : الهمزة إذا وقعت أوّلا قبل ثلاثة أحرف ؛ فإنها يحكم عليها بالزيادة ، وإن لم يعلم الاشتقاق للكثرة ، ما وجدت فيه زائدة في ما عرف اشتقاقه ، ومثال ذلك الهمزة في أفكل فإنّها يحكم عليها بالزيادة (٢) وإن لم يعرف للكلمة اشتقاق ؛ لأن الهمزة قد علمت زيادتها بالاشتقاق في نحو : أحمر ، وقد علمت من هذا أن تقدير كلام المصنف وكونه مع عدم الاشتقاق في موضع يلزم فيه زيادته مع وجود الاشتقاق ، أو يكثر مع وجود الاشتقاق ؛ فاختصر بحذف أحدهما لدلالة الآخر عليه. السابع : اختصاصه ببنية لا يقع موقعه منها ما لا يصلح للزيادة ؛ يعني أن اختصاص الحرف ببنية لا تقع موقع الحرف من تلك البنية حرف لا يصلح للزيادة أي : ليس من حروف سألتمونيها ، دليل على زيادته ، ومثال ذلك : النون في حنطأو ، وكنثأو ، وأخواتهما المتقدمة الذكر ، فإنّ وزن كل واحد منهما فنعلو ، والنون فيها زائدة ؛ لأنها اختصت بموضع لا يقع فيه حرف أصلي ، فدلّ ذلك على زيادتها. الثامن : لزوم عدم النظير بتقدير أصالته في ما هو منه ، ومثال ذلك : الواو في ملوظ (٣) ؛ فإنه يحكم عليها بالزيادة وعلى الميم بالأصالة فوزنه : فعول ، وهو بناء موجود كعتود للحيّة ، وعثول للكثير الشعر ، ولو حكم على الواو بالأصالة لزم الحكم على الميم بالزيادة ، فيكون وزنه :مفعلا وهو بناء مفقود ، هكذا مثّلوا لذلك ، وفيه نظر ؛ لأنهم قالوا : إنه مشتق من الملظ ، وإذا كان مشتقّا فالاشتقاق هو الذي دلّ على زيادة الواو ، والأولى أن يمثل ـ

__________________

(١) ينظر : الكتاب (٤ / ٣٢٢) ، والممتع (١ / ٥٥) ، واللسان «دلظ».

(٢) ينظر : الكتاب (٤ / ٢٥٠) ، والممتع (١ / ٥٥ ، ٧٢ ، ٢٣٢).

(٣) الملوظ : عصا يضرب بها أو سوط ، قال ابن سيده : وإنّما حملته على فعول دون يفعل ؛ لأن في الكلام فعولا وليس فيه يفعل. اللسان «ملظ».

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لذلك بنحو : غزويت (١) ؛ فإن التاء فيه يحكم عليها بالزيادة ، إذ لو حكم عليها بالأصالة لكان وزنه فعويلا ، وهو بناء مفقود في لسانهم ، فوجب الحكم عليها بالزيادة ؛ ليكون وزنه فعليتا وهو بناء موجود كعفريت. التاسع : لزوم عدم النظير بتقدير أصالته في نظير ما هو منه ، ومثال ذلك : التاء الأولى المضمومة في : تتفل ؛ فإنّه محكوم بزيادتها ، مع أنه لا يلزم من تقدير أصالتها عدم النظير ؛ لأن فعللا موجود كبرثن ؛ ولكنّها حكم بزيادتها ؛ لأنه يلزم من تقدير أصالتها عدم النظير في لغة من قال : تتفل بفتح التاء ؛ لأنّه يؤدّي إلى أنه وزنه : فعلل ، وهو بناء مفقود (٢) ، وكذلك : نرجس بكسر النون ؛ فإنّه يحكم على نونه بالزيادة وإن كان له نظير في اللغة لو حكم عليها بالأصالة ، وهو : زبرج ، ولكن يلزم من القول بأصالتها عدم النظير في لغة من قال : نرجس بفتح النون ؛ لأن الحكم فيه بزيادة النون واجب ؛ لأن الحكم بأصالتها يقتضي أن يكون وزنه فعللا ، وهو بناء مفقود (٣) ، فالقول بأصالة التاء في : تتفل بالضم ، وبأصالة النون في : نرجس بالكسر يؤدي إلى عدم النظير ، في نظير ما هو منه ، وهو تتفل بفتح التاء ، ونرجس بفتح النون. انتهى شرح كلام المصنف. واعلم أن هذه الأمور التي ذكرها قد يرجع بعضها إلى بعض ، ويدخل أحدها في آخر مع أنه لم يدخل الاشتقاق صريحا ، وهو أقوى الأدلّة ، ومقدّم على سائرها في الاستدلال به على الزيادة ، والحق انحصار الأدلة التي يتميز بها الزائد في ثلاثة أمور ، وهي : الاشتقاق ، وعدم النظير ، وغلبة الزيادة في الحرف ، وما ذكر زائدا على هذه الثلاثة يمكن ردّه إليها ، أما كون الحرف دالّا على معنى كحروف المضارعة مثلا ، فلا شك أن هذا يرجع إلى دليل الاشتقاق ، على أن حرف المضارعة لا دلالة له وحده ، ولكنه جزء من الدال فله مدخل في الدلالة ، ـ

__________________

(١) الغزويت بالعين والغين المعجمة : القصير والداهية ، وغزويت فعليت ، قال ابن سيده : وإنما حكمنا عليه بأنه فعليت ؛ لوجود نظيره وهو عفريت وتعريف ، ولا يكون فعويلا ؛ لأنه لا نظير له. اللسان «عزا» ، وانظر : الكتاب (٤ / ٢٧١) ، والممتع (١ / ٥٨ ، ١٢٥ ، ٢٧٧ ، ٢٩٢).

(٢) ومن قال : تتفل بضم التاء فهي عنده ـ أيضا ـ زائدة لثبوت زيادتها في لغة من فتح التاء. الممتع (١ / ٢٧٥).

(٣) ينظر : الممتع (١ / ٢٦٦) ، والمساعد (٤ / ٨٦).

١٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أما أنه دالّ بنفسه خاصة على المعنى المقصود ؛ فلا يتحقق ذلك فيه ، وأما سقوطه من أصل ؛ فواضح كون الاشتقاق هو الذي دلّ على الزيادة ، وأما سقوطه في فرع ، والتمثيل لذلك بأيصر وإصار فلا يتم ؛ لأن الجوهري يدل كلامه على أن إصارا مرادف لأيصر ، لأنه قال : الأيصر والإصار : حبل قصير يشدّ به أسفل الخباء إلى وتد ، وجمع الإصار : أصر وجمع الأيصر : أياصر (١). انتهى. وإذا كان كذلك لم تكن الياء في : أيصر زائدة ؛ بل تكون أصلا ، ويكون وزنه : أفعل ، وأما سقوطه من نظير ، والتمثيل له بأيطل وإطل فلا يظهر ؛ لأنه يمكن أن يدعي أن كلّا منهما أصل ، وأن اللفظ له مادتان إحداهما الفاء فيها همزة ، والأخرى الفاء فيها ياء ، وأما كونه مع عدم الاشتقاق في موضع يلزم فيه زيادته مع وجود الاشتقاق والتمثيل له بغضنفر ، وكذا كونه مع عدم الاشتقاق في موضع يكثر فيه زيادته مع وجود الاشتقاق ، والتمثيل له بأفكل ، فهذان القسمان يشملهما دليل غلبة الزيادة في الحروف وهو ظاهر ، وأما اختصاصه ببنية لا يقع موقعه منها ، ما لا يصلح للزيادة والتمثيل له بنحو : حنطأو ؛ فيشمله دليل عدم النظير ، وأما لزوم عدم النظير بتقدير الأصالة ، والتمثيل له بعزويت ، وكذا لزوم عدم النظير بتقدير أصالته في نظير ما هو منه ، والتمثيل له بنحو : تتفل بضم التاء ، فهذان القسمان يشملهما دليل عدم النظير ؛ فالحاصل : أن التسعة التي ذكرها المصنف منها أمران يرجعان إلى دليل الاشتقاق ؛ وهما : دلالة الحرف على معنى ، وسقوطه من أصل ، ومنها ثلاثة أمور ترجع إلى دليل عدم النظير ؛ وهي : اختصاصه ببنية لا تقع موقعه منها ما لا يصلح للزيادة كحنطأو ، ولزوم عدم النظير بتقدير الأصالة فيما هو منه ، ولزوم عدم النظير بتقدير أصالته في نظير ما هو منه ، ومنها أمران يرجعان إلى دليل غلبة الزيادة في الحرف ، وهما كونه مع عدم الاشتقاق في موضع يلزم فيه زيادته مع وجود الاشتقاق وكذا كونه مع عدم الاشتقاق في موضع يكثر فيه [٦ / ١٤٠] زيادته مع وجود الاشتقاق ، ومنها فرعان لا يتحققان ؛ وهما : سقوط الحرف من الفرع كأيصر وإصار ، وسقوطه من نظير كأيطل وإطل ، كما تقدمت الإشارة إليهما.

__________________

(١) الصحاح (٢ / ٥٧٩).

١٤٦

[الإبدال (١)]

قال ابن مالك : (فصل : يجمع حروف البدل الشّائع في غير إدغام قولك : لجدّ صرف شكس آمن طيّ ثوب عزّته ، والضّروريّ في التّصريف هجاء : طويت دائما ، وعلامة صحّة البدليّة الرّجوع في بعض التّصاريف إلى المبدل منه لزوما أو غلبة ، فإن لم يثبت ذلك في ذي استعمالين فهو من أصلين).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : قد تقدم أن علم التصريف علم يتعلق ببنية الكلمة وما لحروفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال وشبه ذلك ، فكان علم التصريف نوعان : نوع يتعلق ببنية الكلمة وما لحروفها من أصالة وزيادة ، ونوع يتعلق بالصحة والإعلال ، وقد انقضى كلام المصنف على النوع الأول ، ومن هاهنا ابتدأ الشروع في النوع الثاني ، ولا يخفى أن هذا ـ أعني الإعلال ـ هو المقصود الأعظم من علم التصريف ، ومن هنا قيل : التصريف تحويل الكلمة من بنية إلى غيرها ؛ لغرض لفظي أو معنوي ، وقد تقدم لنا أن هذا الباب قصره المصنف على ذكر التحويل الراجع إلى الغرض اللفظي فقط ، ولا شك أن هذا هو الإعلال ، والإعلال إبدال ، وحذف وقلب ، أعني تقديم حرف وتأخير حرف ، لكن جلّ الأمر إنما هو الإبدال ، وأما الحذف والقلب فالأمر فيهما سهل ، وقد أوردهما المصنف في فصلين بعد أن أنهى الكلام على الإبدال (٢) ، ثم اعلم أن أكثر المصنفين يجعلون الإعلال ، والإبدال بابا ، ويخصون الإعلال بتغير حروف العلة وهي : الياء ، والواو ، والألف ، ثم إنهم في باب الإبدال يذكرون إبدال بعض أحرف العلة من بعض ـ أيضا ـ فيعيدون ذكر ما ذكروه في (باب) (٣) الإعلال ، ثم إنهم لا يقتصرون في ذكر الإبدال على ذكر البدل القياسي ، بل يدرجون معه ذكر البدل الشاذ ، وأما المصنف ـ

__________________

(١) انظر : الكتاب (٤ / ٢٣٧ ، ٣٣١) ، والمقتضب (١ / ١٩٩ ـ ٢٠٣) ، والتكملة (ص ٢٤٣) ، وشرح الشافية (٣ / ١٩٧ ـ ٢٣٣) ، والجاربردي (٢ / ٢٢٠ ـ ٢٣٠) ، والممتع (١ / ٣١٩ ، ٤١٥) ، والمقرب (٢ / ١٥٩ ـ ١٨٢) ، وشرح الكافية لابن مالك (٤ / ٢٠٧٧ ـ ٢١٠١).

(٢) انظر : التسهيل (ص ٣١٢ ، ٣١٥).

(٣) كذا في (ب) ، وفي (ج) «بعض».

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّه جعل البابين واحدا وعبّر عنه بالإبدال ، ولكنّه قصر الباب على البدل الضروري في التصريف ، وهو اللازم الذي لا بدّ منه ، على أنه تعرّض لغير الضروري بعد ذلك في فصل مفرد (١) ، ويظهر أن الذي فعله المصنف أولى وأقرب إلى الضبط ، وأجمع لخاطر الناظر في هذا الفن ، فرحمه‌الله تعالى ، وجزاه عن صنيعه أفضل الجزاء بمنه وكرمه ، وإذا تقرر هذا فاعلم أن المصنف ذكر أوّلا الحروف التي تبدل من غيرها بدلا شائعا جامعا لها في الكلم التي تضمنها متن الكتاب ، وهي اثنان وعشرون (٢) حرفا : اللّام ، والجيم ، والدّال ، والصّاد ، والرّاء ، والفاء ، والشّين ، والكاف ، والسّين ، والهمزة ، والألف ، والميم ، والنون ، والطّاء ، والياء ، والثّاء ، والواو ، والباء ، والعين ، والزّاي ، والتّاء ، والهاء. وبسكوته عن باقي حروف المعجم علم أن غير المذكورات لا تبدل عن غيره ، وهي : الحاء ، والخاء ، والذّال ، والضّاد ، والظّاء ، والغين ، والقاف. واحترز بقوله : الشائع من إبدال الذّال من الدّال ، قرأ الأعمش (٣) (فشرّذ بهم مّن خلفهم) (٤) بذال معجمة (٥) قال ابن جني : لم يمرّ بنا في اللغة تركيب : (ش ر ذ) ، وأوجه ما يصرف إليه ذلك أن تكون الذال بدلا من الدال كما قالوا : لحم خرادل وخراذل ، والمعنى الجامع لهما أنهما مجهوران ومتقاربان (٦) ، وخرّج الزمخشري قراءة الأعمش على أنه من باب ما قلبت فيه لام ـ

__________________

(١) التسهيل (٣١٧).

(٢) هذا ما ذهب إليه ابن مالك ، ونقل ابن يعيش عن الرّماني أنها أربعة عشر حرفا. ابن يعيش (١٠ / ٨) ، وذكر سيبويه (٢ / ٣١٣) ، والمبرد في المقتضب (١ / ١٩٩) ، وأبو علي في التكملة (ص ٢٤٣) ، وابن جني في التصريف الملوكي (ص ١٧) ، وابن عصفور في المقرب (٢ / ١٥٩) : أنها أحد عشر ، ونقل السيوطي في المزهر (١ / ٤٧٤) عن أبي علي القالي في أماليه : أنها اثنا عشر ، أو أنها ثلاثة عشر ، كما ذكر الزمخشري في المفصل (ص ٢٠١) ، وقيل غير ذلك.

(٣) هو سليمان بن مهران الأعمش ، ولد سنة (٦٠ ه‍) ، وتوفي سنة (١٤٨ ه‍). غاية النهاية (١ / ٣١٥).

(٤) من قوله تعالى في سورة الأنفال : ٥٧ : (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ.)

(٥) عزاها الزمخشري في الكشاف (٢ / ١٨٠) ، وابن خالويه في شواذ القرآن (ص ٥٠) إلى ابن مسعود وعزاها البنّاء في الإتحاف (ص ٢٣٨) إلى المطوعي ، وعزاها ابن جني في المحتسب ، ونقله الأشموني (٤ / ٢٨٢) إلى الأعمش ، كما عزاها أبو حيان في التذييل ، ونقله عنه الشارح. وانظر :التبيان (٢ / ٦٢٩).

(٦) المحتسب (١ / ٢٨٠).

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الكلمة فجعلت مكان العين ، والعين مكان اللام من قولهم : شذر مذر أي : فرّق بهم من خلفهم (١) ، ولما كان البدل لأجل الإدغام لا يختص بهذه الحروف ؛ بل يكون في حروف المعجم كلها إلا الألف أخرجه بقوله : في غير إدغام ثم أشار إلى الضروري في التصريف من هذه الحروف يعني الذي يكون فيه البدل لازما لا محيد عنه ، لعلّة موجبة تبين في علم التصريف ، ثمانية أحرف : الطّاء ، والواو ، والياء ، والتّاء ، والدّال ، والألف ، والهمزة ، والميم ، وهي التي تضمنها هجاء (طويت دائما) ولم يذكر المصنف الهاء في هذا الكتاب مع هذه الأحرف ، مع أنه ذكرها في بقية كتبه معها (٢) ، فجعل الأحرف التي تبدل تسعة ، ويظهر أن الاقتصار على ثمانية الأحرف أولى ؛ فإن الهاء إنما تبدل سماعا من الهمزة في هرقت ، وهرحت (٣) ، وهيّاك (٤) ولهنّك (٥) ، وهن فعلت في طيئ (٦) ، وهذا الذي في : إذا الذي وشذوذا من الألف في : أنه ، وحيّهله ومه مستفهما (٧) ، والبدل المتكلم فيه الآن ؛ إنما هو الذي يطّرد ويكون مقيسا ، وأما بدل الهاء من التاء في الوقف على مثل : رحمة ، وإن كان مطردا فلا يعد من البدل المقصود في الإعلال ؛ لأنه إنما صار لعارض وهو الوقف ، لا لأمر يرجع إلى الكلمة في ذاتها ، وإذا كان بدل الهاء من غيرها إما مسموعا ، أو شاذّا أو لعارض فلا ينبغي أن يذكر مع الحروف التي تبدل من غيرها ـ

__________________

(١) الكشاف (٢ / ١٨٠) ، والتذييل (٦ / ١٣٩ أ) ، والمساعد (٤ / ٨٦).

(٢) قال في الألفية (ص ٧٥) :

أحرف الإبدال هدأت موطيا

فأبدل الهمزة من واو ويا

وقال في متن الكافية :

هادأت مطوي كلام جمعا

حروف إبدال فشا متّبعا

شرح الكافية لابن مالك (٤ / ٢٠٧٧).

(٣) أصلها أرقت وأرحت. الممتع (١ / ١٧١ ، ٣٩٩) ، والرضي (٣ / ٢٢٢).

(٤) أصلها إياك. الممتع (١ / ٣٩٧).

(٥) وهذه كلمة تكلم بها العرب في حال اليمين ، وليس كل العرب تتكلم بها ، نقول : لهنّك لرجل صدق ، فهي إن ولكنهم أبدلوا الهاء مكان الألف. الكتاب (١ / ٤٧٤).

(٦) وطيئ تبدل همزة إن الشرطية هاء فتقول : هن فعلت فعلت تريد إن. الممتع (١ / ٢٩٧) ، وانظر :الرضي (٣ / ٢٢٣).

(٧) ينظر شرح الشافية للرضي (٣ / ٢٢٤) ، وابن جماعة (٢ / ٢٢٧).

١٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

قياسا مطّردا لأمور ذاتية.

وأما قول المصنف : وعلامة صحة البدليّة إلى آخره ، فأشار به إلى أمر وهو أنه إذا وجدنا كلمة يختلف بعض حروفها في الاستعمال ، فيكون لها استعمالان بحرفين مختلفين ، ومدلولها في الحالين لا يتغير ، فقد يكون أحد الحرفين بدلا من الآخر ؛ فيحكم إذ ذاك بأن إحدى الكلمتين أصل والأخرى فرع ، وقد لا يكون ثم بدل أصلا فيحكم حينئذ بأن الكلمتين من أصلين ، فقال : إن علامة صحة البدليّة الرجوع في بعض التصاريف إلى المبدل لزوما ، أو غلبة ، فمثال الرجوع لزوما قولهم : جدث وجدف ، الفاء بدل من الثاء ، لأنهم لما جمعوه قالوا :أجداث على جهة اللزوم (١) ، ومثال الرجوع غلبة : وحد وأحد ، وأفلت وأفلط ، فالهمزة بدل من الواو ، والطاء بدل من التاء ، فإن الغالب في الاستعمال أفلت بالتاء ووحد بالواو هكذا مثله الشيخ (٢) ، وفيه نظر ؛ فإنّ أفلت بالتاء ليس بعض تصاريف الكلمة ؛ بل هو نفس الكلمة ، وكذا وحد ـ أيضا ـ على أن الغالب إنما هو استعمال أحد ، ولو قال الشيخ : إنما قيل : الطاء بدل من التاء ؛ لأنهم قالوا : في المصدر : إفلات ولم يقولوا : إفلاط ، وإنما قيل : إن الهمزة بدل من الواو ؛ لأنهم قالوا : وحد وتوحد ، ووحدة ، فكان أقرب ، هذا إن ثبت أنهم لم يقولوا في المصدر : إفلاط بالطاء.

ثم قال المصنف : فإن لم يثبت ذلك أي : الرجوع إلى المبدل في بعض التصاريف لزوما أو غلبة في ذي استعمالين أي : في لفظ ذي استعمالين فهو من أصلين أي :يحكم بأن ذلك اللفظ من أصلين ، ومثال ذلك : وكّد ، وأكّد ، وورّخ ، وأرّخ ؛ لأنهم قالوا : أكّد ووكّد ويؤكّد وتؤكّد وأكّد ووكّد ، وأرّخ وورّخ ويؤرّخ ويورّخ وورّخ وأرّخ. فلم يغلب أحد الاستعمالين الآخر ؛ فحكم بأن الواو أصل [٦ / ١٤١] ، والهمزة أصل (٣).

__________________

(١) ينظر : التذييل (٦ / ١٣٩ أ) ، والمساعد (٤ / ٨٧) ، والممتع (١ / ٤١٤).

(٢) التذييل (٦ / ١٣٩ أ).

(٣) ينظر : التذييل (٦ / ١٣٩ أ) ، والمساعد (٤ / ٨٧ ـ ٨٨).

١٥٠

[إبدال الهمزة من حروف اللين (١)]

قال ابن مالك : (فصل تبدل الهمزة وجوبا من كلّ حرف لين يلي ألفا زائدة متطرّفا. أو متّصلا بهاء تأنيث عارضة ، وربّما صحّح مع العارضة ، وأبدل مع اللّازمة).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : قد علم أن البدل الضروري في التصريف إنما هو لثمانية الأحرف المتقدمة الذكر (٢) وينبغي أن يعلم بعد هذا أن أربعة منها أقلّ الأحرف بدلا وهي : التّاء ، والطّاء ، والدّال ، والميم ، فإن التاء إنّما تبدل من الياء والواو إذا وقعا فاءين في الافتعال وحروفه كاتّسر واتّعد (٣) ، والطاء إنّما تبدل من تاء الافتعال وفروعه إذا وقعت التاء بعد أحد أحرف الإطباق (٤) كاصطبر واضطرب ، واطّعنوا ، واظطلموا ، والدّال إنّما تبدل من تاء الافتعال وفروعه إذا وقعت التّاء بعد الدّال أو الزّاي أو الذّال (٥) ، كادّان ، وازداد ، وادّكر (٦) ، وهي افتعل من دان ، وزاد ، وذكر ، والميم إنما تبدل من النون الساكنة الواقعة قبل ياء نحو : من يعد ، ولا يبدل شيء من هذه الأربعة المذكورة في غير ما ذكر ، وقد ذكر المصنف الثلاثة الأول في فصل ، وذكر الرابع ضمن فصل آخر (٧). ولا شك أن شيئا من هذه الأربعة لا يحتاج في إبداله من غيره إلى عمل فوجب أن يكون جلّ الأمر ومعظمه إنما هو في إبدال الأحرف الأربعة الأخر وهي : الهمزة وأحرف العلة ـ أعني الياء والواو والألف ـ ثم إن الهمزة إنما تبدل من أحرف العلة الثلاثة خاصة ولم تبدل من غيرها أعني في البدل التصريفي وهو الذي نحن بصدده ، وأما أحرف العلّة فإن كلّا منها تبدل من الهمزة ، ويبدل كل منها من الآخر ، فالتكافؤ واقع بينها في الإبدال ، ـ

__________________

(١) انظر : الكتاب (٤ / ٢٣٧) ، والتكملة (٢٤٣) ، والممتع (١ / ٣٢٠ ـ ٣٤٣) ، والرضي (٣ / ٢٠٣).

(٢) وهي هجاء : طويت دائما.

(٣) انظر : الكتاب (٢ / ٣١٤) ، والتكملة (ص ٢٤٤) ، والمفصل (٢٠٤) ، والرضي (٣ / ٢١٩).

(٤) انظر : الكتاب (٤ / ٤٦٧) ، والخصائص (٢ / ١٤١) ، وشرح الشافية (٣ / ٢٢٦).

(٥) انظر : الخصائص (٢ / ١٤٢) ، وابن يعيش (١٠ / ١٥٠) ، والرضي (٣ / ٢٢٧).

(٦) قال ابن جني في الخصائص (٢ / ١٤٢): «ومن ذلك أن تقع فاء (افتعل) زايا أو دالا أو ذالا فتقلب تاؤه لها دالا كقولهم : ازدان ، وادّعى ، وادّكر ، وإذدكر فيما حكاه أبو عمرو».

(٧) التسهيل (ص ٣١٢) وما بعدها.

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا هو واقع بينها وبين الهمزة ، وسترى ذلك مفصلا بعون الله تعالى وتوفيقه ، وقد ابتدأ المصنف بذكر إبدال الهمزة من غيرها ، ولا شك أن الهمزة تبدل من الياء ، والواو ، والألف في مواضع ، فتبدل من الواو والياء الواقعين طرفا لفظا أو حكما بعد ألف زائدة ، فالواقع طرفا لفظا نحو : كساء ، ورداء ، ودعاء ، وبناء ، وجراء ، وظباء ؛ الأصل : كساو ، ورداي ، ودعاو ، وبناي ، وجراو ، وظباي جمعا : جرو ، وظبي ، والمراد بالواقع طرفا حكما ما ختم بتاء التأنيث غير لازمة ، وهي التي لم تبن الكلمة عليها وذلك نحو : قولهم في عظاء : عظاءة (١) ، وفي بناء : بناءة ، وفي دعاء : دعاءة ، أما إذا اختتمت الكلمة بتاء تأنيث لازمة وهي التي بنيت الكلمة عليها ؛ فإنه يجب تصحيح الياء والواو ، وذلك نحو : هداية ، وحماية ، وسعاية ، وعلاوة ، وإداوة ، وهراوة (٢) ؛ إذ لم يقع حرف العلة طرفا لا لفظا ولا حكما ، بل لتحصّنه بتاء التأنيث اللازمة صار وسطا ، وإلى ذلك كلّه أشار المصنف بقوله : تبدل الهمزة وجوبا من كل حرف لين يلي ألفا زائدة متطرفا أو متصلا بهاء تأنيث عارضة ، فحرف اللين يشمل : الياء والواو ، واحترز بالألف الزائدة عن الأصلية ، فلا يبدل ما يليها نحو : زاي وواو ؛ لئلا يتوالى إعلالان ؛ لأن الألف منقلبة عن أصل هو عين الكلمة ؛ فلا يجوز إعلال اللام مع إعلال العين ، لما يلزم من توالي إعلالين ، هكذا عللوا ، وقد يقال : إنما يمتنع توالي إعلالين إذا كانا من نوع واحد ، أما إذا اختلف الإعلالان فجائز كما في : ماء ، فإن أصله : موه (٣) فقد أعلت العين واللام ، وكان الواجب أن يقال : ياي ، ولكنهم قالوا : ياء بالإبدال ، وقد تقدم الكلام على هذه ـ

__________________

(١) دويبة. وأما قولهم : عظاءة ، وعباءة ، وصلاءة فقد كان ينبغي لما لحقت الهاء آخرا وجرى الإعراب عليها ، وقويت الياء ببعدها عن الطرف ألّا تهمز ، وألا يقال إلا : عظاية ، وعباية ، وصلاية ، فيقتصر على التصحيح دون الإعلال ، وألا يجوز فيه الأمران كما اقتصر في نهاية ، وغباوة ، وشقاوة ، وسعاية ، ورماية على التصحيح دون الإعلان ، إلا أن الخليل رحمه‌الله قد علّل ذلك فقال : «إنهم إنما بنوا الواحد على الجمع فلمّا كانوا يقولون : عظاء ، وعباء ، وصلاء ؛ فيلزمهم إعلال الياء لوقوعها طرفا أدخلوا الهاء وقد انقلبت اللام همزة فبقيت اللام معتلة بعد الهاء كما كانت معتلة قبلها». اللسان «عظى» ، وانظر الكتاب (٢ / ١٩٧ ، ٣٨٣ ، ٣٩٤).

(٢) ينظر : شرح الكافية لابن مالك (٤ / ٢٠٨٢).

(٣) والدليل على أن الأصل فيه الهاء قولهم : أماه فلان ركيّته ، وقد ماهت الركية ، وهذه مويهة عربة. انظر : اللسان «موه» ، وحكى ابن جني «أمواء». المنصف (٢ / ١٥١).

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الكلمة ، وأن الكلام فيها على خلاف القياس. واحترز بالتطرف من : تعاون وتباين ، فإن الواو والياء فيهما ليسا بمتطرفين ، ثم أشار إلى التطرف الحكمي بقوله : أو متصلا بهاء تأنيث عارضة ، وإنما قال : وجوبا ؛ لأنه سيذكر أن الواو والياء قد تبدل منهما همزة على سبيل الجواز ، لا على سبيل الوجوب ، وذلك في موضع خاص ؛ فإن قيل : قد تقدّم أن المصنف قصر هذا الباب على البدل الضروري في التصريف ، وهو اللازم الذي لا بد منه ، فكيف يذكر البدل الجائز؟ فالجواب : أنه إنما يذكر البدل اللازم ، لكنّه إذا ذكر إبدال حرف من حرف وكان ذلك الحرف بعينه يبدل جوازا في مكان آخر ، يذكره على سبيل الاستطراد ، واستيفاء الكلام على إبدال ذلك الحرف من غيره وجوبا وجوازا ، وهذا منه في غاية الحسن ، أما أنه يذكر شيئا من الإبدال الجائز ابتكارا فلا ، والمشهور في تعليل إبدال الهمزة من الحرفين المذكورين في مثل : كساء ، ورداء ، ونحوهما : أن حرف اللين تحرّك وقبله فتحة مفصولة بحاجز غير حصين ، وهو الألف الزائدة ، وانضم إلى ذلك أنه في مظنّة التغيير وهو الطرف ، فقلب ألفا ، كما إذا تحرك وانفتح ما وليه نحو : دعا ، ورمى ، فالتقى ساكنان لا يمكن حذف أحدهما للإخلال ، فقلبت الثانية همزة ؛ لأنها من مخرج الألف ، فظهرت الحركة التي كانت لها (١) ، وقد صرّح المصنف بهذا التعليل في إيجاز التعريف ، مع قوله أوّلا : إن الهمزة في مثل ذلك تبدل من الياء والواو بالقيد الذي ذكر. لكن مقتضى هذا التعليل أن يكون في الكلمة عملان ، وهما :إبدال الألف من واو وياء ثم إبدال الهمزة من الألف ، وعبارة المصنف لا تعطي ذلك ؛ بل ظاهره أن الهمزة أبدلت من الواو والياء ابتداء. وكذا عبارة الشيخ أبي علي في الإيضاح (٢) ، تقتضي أن الهمزة أبدلت من الواو والياء ، وهذا أقرب عملا ، وتكون العلّة في الإبدال : أن حرف العلّة لا يقوى على الحركة إذا كان قبله ألف لا أصل لها في الحركة ، فلذلك أبدلت همزة ـ لما فيها ـ بين الهمزتين ، وحروف العلّة من التكافؤ في الإبدال ، وقد أورد الشيخ على عبارة المصنف إيرادا ، وهو أنه قد ـ

__________________

(١) ينظر : التذييل (٦ / ١٣٩ أ، ب) ، والمساعد (٤ / ٨٨) ، والممتع (١ / ٣٢٦) ، والرضي (٣ / ١٧٣ ـ ١٧٤).

(٢) المقتصد شرح الإيضاح (ص ٩٨٧).

١٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يوجد حرف لين يلي ألفا زائدة وقد تطرف ، ومع ذلك لا تبدل همزة ، ومثال ذلك قولهم : غاويّ في النسب إذا سمّينا به ورخّمناه على لغة من لا ينتظر الحرف ؛ فإنك تقول : يا غاو بضم الواو ، ويصدق عليه أنه حرف لين ، يلي ألفا زائدة ؛ لأنها فاعل وقد تطرفت ومع ذلك لا تبدل همزة (١). انتهى. ولا يرد ذلك على المصنف ؛ لأن الحرف الذي هو الواو في يا غاو ، وإن كان متطرفا صورة ليس بمتطرف في الأصل ؛ لأن الواو عين الكلمة ، واللام محذوفة ؛ حذفت لأجل ياء النسب ، ثم استمر الحذف بعد التسمية والترخيم ، والمصنف إنما يريد بالمتطرف ما هو طرف في الأصل لاما وقع طرفا في الصّورة ، وهو حشو في الأصل ، ثم إن المصنف لما قرّر أن الإبدال المذكور في الكلمة المختتمة بتاء التأنيث إنما يكون مع التاء العارضة ، ولا يكون مع اللازمة نبّه على أنه قد يكون الأمر فيهما على العكس بقوله : وربّما صحح مع العارضة وأبدل من اللازمة ، فمثال الأول التصحيح مع العارضة شقاوة وصلاية ، وأما الإبدال مع اللازمة فقد مثل الشيخ له بما ورد [٦ / ١٤٢] في المثل وهو قولهم :«اسق رقاش فإنها سقّاية» (٢) ، قال : فصححوا الياء ؛ لأن المثل لا يغير فأمن سقوط التاء منه فأشبه ما وضع على التاء بدأة فجرى مجراه (٣). ولا يظهر لي مناسبة هذا المثال لهذا الحكم ؛ فإنّه لا إبدال في سقّاية ؛ وإنما ينبغي أن يمثل بسقّاية في القسم الأول ، وهو الذي صحح فيه الحرف مع التاء العارضة ، ثم يعلل التصحيح بما تقدم من أنه مثل ، والمثل لا يغيّر ، فأمن سقوط التاء منه ، والواجب أن يمثل لذلك بنحو :حمأة وهراة ، لو ورد مثلا. ثم قال الشيخ : لا اختصاص لهاء التأنيث بالنسبة إلى العروض واللزوم بما ذكره ، بل زيادتا التثنية تجري مجرى هاء التأنيث ، فإن لم تبن الكلمة عليهما جاز الوجهان يعني التصحيح والإبدال ، وإن بنيت عليهما فلا إبدال بل يبقى حرف اللين بحاله كثنايين (٤). انتهى. وإنما لم يذكر المصنف ذلك هنا ؛ ـ

__________________

(١) التذييل (٦ / ١٣٩ ب) ، والمساعد (٤ / ٨٨).

(٢) من أمثال العرب : رقاش مثل : حذام مبني على الكسر : اسم امرأة يضرب في الإحسان إلى المحسن. مجمع الأمثال للميداني (١ / ٣٤٦) ، وجمهرة الأمثال (١ / ٥٦).

(٣) التذييل (٦ / ١٣٩ ب).

(٤) من قولهم : عقلته بثنايين. فيبقى اللين صحيحا ، ولا يجوز إبداله همزة. التذييل (٦ / ١٣٩ ب) ، وعقلت البعير بثنايين غير مهموز ؛ لأنه لا واحد له ، إذا عقلت يديه جميعا بحبل أو بطرفي حبل ، وإنما :

١٥٤

[إبدال الهمزة وجوبا]

قال ابن مالك : (وتبدل الهمزة ـ أيضا ـ وجوبا من كلّ ياء أو واو وقعت عينا لما يوازن فاعلا أو فاعلة من اسم معتز إلى فعل معتلّ العين ، أو اسم لا فعل له ، ومن أوّل واوين صدّرتا وليست الثّانية مدّة غير أصليّة ، ولا مبدلة من همزة ، فإن عرض اتّصالهما بحذف همزة فاصلة فوجهان).

______________________________________________________

لأنه قد تقدّم له ذكره في باب كيفية التثنية وجمعي التصحيح (١) ، وأما تاء التأنيث فلم يتقدم لها ذكر فاحتاج إلى أن نذكرها.

قال ناظر الجيش : هذان موضعان آخران تبدل الهمزة ـ أيضا ـ فيهما وجوبا من ياء أو واو ، الموضع الأول : كل اسم فاعل أعلت عين فعله ، إذا كان موازنا فاعلا أو فاعلة كبائع وبائعة ، وطائع وطائعة أصلها : بايع وبايعة ، وطاوع وطاوعة ؛ فتحركت الياء والواو مع ضعفها بمجاورة الطرف ، وتقدم إعلالهما في الفعل ، وكان قبل كل واحدة منهما فتحة مفصولة بألف زائدة فنوي سقوطها واتصال الفتحة فانقلبت الفاء ، فالتقت ألفان في اللفظ ، فتحركت الثانية وانقلبت همزة وكان ذلك أولى من حذف إحدى الألفين ؛ لأن الحذف يوقع في الإلباس (٢) ، قال المصنف :وربما أوثر حذف إحدى الألفين نحو قولهم في شائك : شاك ، فلو صحّت العين في الفعل كحيي وقوي ـ صحّت في اسم الفاعل كحاي وقاو وكذا عين فهو : عاين ، وعور فهو عاور ، وظاهر كلام المصنف في متن التسهيل أن الهمزة أبدلت من الياء والواو ، ولكنه ذكر في إيجاز التعريف ما ذكرته آنفا. وإذ قد عرفت هذا فقول المصنف : وقعت عينا قيد للمسألة ؛ لأن الياء والواو إذا وقعت فاء أو لاما كان لها حكم غير هذا. وقوله : لما يوزان فاعلا أو فاعلة عبارة حسنة ؛ لأن اسم الفاعل إذا لم يكن على هذا الوزن لا يعل هذا الإعلال وإن أعلّت عينه في الفعل ، وذلك ـ

__________________

لم يهمز ؛ لأنه لفظ جاء مثنى لا يفرد واحده فيقال : «ثناء». اللسان «ثنى» ، وانظر : الممتع (١ / ٣٢٧) ، والمنصف (٢ / ١٣٢).

(١) التسهيل (ص ١٦).

(٢) انظر : التذييل (٦ / ١٤٠ أ) ، والمساعد (٤ / ٨٩) ، والممتع (١ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨).

١٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

نحو : مطيل ومنيل ، فإنهما من : أطال وأنال ولما قال : لما يوزان فاعلا أو فاعلة ، احتاج إلى أن يقول : من اسم معتز إلى فعل ؛ فليس ذلك احترازا من شيء خيف دخوله ، ولا من شيء خيف خروجه. وقوله : معتل العين ، قد عرفت أن ذلك شرط لإعلال اسم الفاعل المذكور ، ولو قال : معلّ العين كان أولى ، فإن نحو : عين ، وقوي ، وعور وصيد ، وشوي ، يصدق عليه أنه معتل العين ؛ لأن عينه حرف علّة ، ومع هذا فاسم الفاعل منها لا إبدال فيه ، بل يجب فيه التصحيح وقوله : أو اسم لا فعل له قد ثّلوا له بحائز وحائزة ، قالوا : فإنهما اسمان لا فعل لهما ، والحائز : البستان ، قال الشاعر :

٤٢٩٣ ـ صعدة نابتة في حائز

أينما الرّيح تميّلها تمل (١)

والحائزة : خشبة تعمل في وسط السقف.

الموضع الثاني : كل كلمة صدّرت بواوين فإنه يجب إبدال الهمزة من أول الواوين ولكنّ ذلك مقيد بقيد ؛ وهو أن لا تكون الثانية مدّة زائدة ولا مدّة مبدلة من همزة ، أما إذا كانت الثانية غير مدّة كأواصل جمع : واصلة ، وأويصل تصغير واصل (٢) ، أو مدّة غير زائدة كالأولى ، أصله الوولى ؛ لأنه مؤنث ، فإن الإبدال ـ أعني إبدال الهمزة من الواو الأولى ـ واجب ، ومثال ما لا يجب فيه الإبدال المذكور مما الثانية فيه مدّة مزيدة : ووفي وووري : الأصل : وافي وواري ، مبنيّا للمفعول ، ومما الثانية فيه مبدلة من همزة : الوولى مخفف : الوؤلي أنثى : الأوأل أفعل تفضيل من : وأل إذا لجأ (٣) ، وإلى هذين الأمرين أشار المصنف بقوله : ـ

__________________

(١) البيت من بحر الرمل وقائله هو كعب بن جعيل من قصيدة يصف فيها امرأة ، شبّه قدّها بالقناة وقبل البيت :

فإذا قامت إلى جارتها

لاحت السّاق بخلخال زجل

الصّعدة : القناة التي تنبت مستوية فلا تحتاج إلى تثقيف ، ويقال : امرأة صعدة أي : مستوية القامة ، ويروى البيت برواية : حائر ، والحائر : الأرض التي يستقر فيها السّيل فيتحير ماؤه ولا يجري ، وفي البيت شاهد آخر وهو تقديم الاسم على الفعل مع : أينما الشّرطية. والبيت من شواهد سيبويه (١ / ٤٥٨) ، وشرح الكافية (٤ / ١٥٩٩) ، وأمالي الشجري (١ / ٣٣٢) ، واللسان «صعد» ، والعيني (٤ / ٤٢٤ ، ٥٧١).

(٢) ينظر : التذييل (٦ / ١٤٠ أ) ، والمساعد (٤ / ٩٠) ، والممتع (١ / ٣٣٢).

(٣) ينظر : التذييل (٦ / ١٤٠ ب) ، والمساعد (٤ / ٩١).

١٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وليست الثانية مدّة غير أصلية ولا مبدلة من همزة فاشترط لوجوب إبدال الهمزة من الواو الأولى أن ينتفي عن الواو الثانية كونها مدّة غير أصلية ، وكونها من همزة ففي مثل : أواصل وأويصل وأول انتفى كونها مدّة ، وفي الأولى انتفى كونها غير أصلية مع كونها مدّة فكان الإبدال فيهما واجبا في مثل : ووفي وووري ، لم ينتف كون الثانية مدّة زائدة ؛ بل ثبت كونها مدة زائدة ، وفي مثل : الوولى أنثى الأوأل ، لم ينتف كونها مبدلة من همزة ؛ بل ثبت كونها مبدلة منها ، فكان الإبدال فيها غير واجب ، وقد أورد المصنف هذه المسألة في إيجاز التعريف إيرادا حسنا فقال : تبدل الهمزة ـ أيضا ـ من أول واوين وقعتا أول الكلمة ، وليست الثانية مدة مزيدة أو مبدلة ، والمراد بالمدة كونها ساكنة بعد ضمة كأويصل تصغير واصل ، أصله :وويصل ؛ الواو الأولى فاء الكلمة ، والثانية بدل من ألف فاعل ؛ فاستثقل تصدير واوين فأبدل من أولاهما همزة ؛ لأن الهمزة وإن لم تؤاخ الواو فهي مؤاخية لأختها وهي الألف ، من حيث إنها من مخرجها ونائبة عنها في الزيادة أوّلا كما سبق ذكره. وكانت الأولى أحق بالإبدال ؛ لأن الهمزة لا تغيّر إذا كانت أوّلا ، بخلافها إذا كانت غير أول ، فلو كانت الثانية مدّة مزيدة أو مبدلة أو من زائد لم يجب إبدال الأولى همزة ؛ لأن الثانية عارضة لضم ما قبلها أو شبيهة بما هو كذلك ؛ فالعارضة في بناء فعيل من : ويس ، وفاعل وفيعل من : وعد لما لم يسمّ فاعله ، وذلك وويس ، وووعد فالثانية في وويس بدل من أصل (١) ، وفي ووعد بدل من ألف فاعل وياء فيعل ، فهي واو في اللفظ غير واو في التقدير ، فلم يستثقل اجتماعهما ، والشبيه بالعارضة كثانية فوعل من : الوعد مبنيّا لما لم يسمّ فاعله ، فإنك تقول فيه أيضا : ووعد دون إبدال ؛ لأن الثانية وإن كانت واوا في الحالين لكنّها أشبهت المنقلبة من ألف فاعل بزيادتهما وعروض مدّها ، وكذلك لو كان مدّها غير عارض مع زيادتها ، كبناء مثل : طومار من الوعد ، فإنك تقول فيه أيضا : ووعاد (٢) دون [٦ / ١٤٣] إبدال ؛ لأن الواو الثانية وإن كان مدّها غير متجدد لكنها على كل حال مدة زائدة ؛ فلم تخل من التشبه بالمنقلبة عن ألف فاعل ، بخلاف ما لو كانت غير ـ

__________________

(١) ينظر : التذييل (٦ / ١٤٠ ب).

(٢) ينظر : التذييل (٦ / ١٤٠ ب) ، وجعل الرضي قلب الواو الأولى واجبا. شرح الشافية (٣ / ٧٦).

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

زائدة كالعين من أولى ، وأصلها : وولى على وزن فعلى ، فأبدلت الواو الأولى همزة ؛ لأن الثانية غير عارضة ولا شبيهة بالعارضة (١). انتهى.

وعلم منه أن الواو الثانية متى كانت مبدلة من غيرها سواء أكان ذلك همزة أم غير همزة ؛ لا يجب إبدال الأولى ، وعلى هذا فقد كان يكفي أن يقول : ولا مبدلة ويقتصر على ذلك ، ولا حاجة إلى قوله : من همزة ؛ فإن في ذلك قصورا عن المراد.

والذي يظهر لي أن الواجب لهذا العمل من المصنف وتحرير القيود لهذه المسألة :إنما هو وجوب البدل في نحو : الأولى مع كون الثانية مبدلة ، لكنها غير مزيدة ولا مبدلة من شيء ؛ فاحتاج إلى ذلك ليدخل في الواجبة الإبدال نحو : الأولى ، ويخرج ما عداها ، والذي فعله ابن الحاجب أسهل من هذا ، وهو أنه قال : يجب إبدال أوّل الواوين المصدرتين إذا تحركت الثانية ، ثم قال : والتزموه في الأولى حملا على الأول (٢) ، وليس فيه إلا أن يقال : كيف يحمل الأصل الذي هو المفرد على الفرع الذي هو الجمع ، لكن ذكر الإمام بدر الدين ولد المصنف : أنك لو بنيت من الوعد مثل كوثر لقلت : أوعد ، والظاهر أن عبارة المصنف يدخل تحتها مثل ذلك ، فإن كان الإبدال في مثل : كوثر من الوعد واجبا تعيّن العدول عما ذكره ابن الحاجب ، والوقوف على ما قاله المصنف فرحمهم‌الله أجمعين بمنّه وكرمه. وقد أورد الشيخ على قول المصنف : ومن أوّل واوين صدّرتا ، أنّا قد وجدنا كلمة اجتمع في أولها واوان ولم تبدل الأولى همزة بل أبدلت تاء ، وذلك نحو : تولج وهو بيت الوحشي ، والمكان الذي يلج فيه ، ويقال له أيضا : دولج ، فإن بعضهم ذهب إلى أن وزنه : تفعل ، ولكن ذهب الخليل وسيبويه إلى أن وزنه : فوعل (٣) وأصله : وولج قال : فعلى هذا كان ينبغي للمصنف أن يقول : ما لم يكن قد أبدل منها تاء ، أو يقول : إلا في : تولج ، على مذهب الخليل وسيبويه (٤). انتهى. ولا يظهر ما قاله ؛ فإن : تولج لم تجتمع فيه واوان قط ، وكلام المصنف إنما هو حيث يؤدي الحال بالمتكلم إلى اجتماع واوين في تصغير أو تكسير أو تصريف غير ذلك ، أما إذا كانت العرب نطقت بكلمة مبدل منها حرف بحرف ابتداء ، فأيّ عمل في ذلك ـ

__________________

(١) انظر التذييل (٦ / ١٤٠ ب).

(٢) شرح الشافية (٣ / ٧٦).

(٣) الكتاب (٤ / ٣٣٣).

(٤) التذييل (٦ / ١٤٠ أ).

١٥٨

[إبدال الواو همزة جوازا]

قال ابن مالك : (وكذا كلّ واو مضمومة ضمّة لازمة غير مشدّدة ولا موصوفة بموجب الإبدال السّابق).

______________________________________________________

لصاحب الصناعة أو غيره؟ والعجب من الشيخ كيف يرتضي مثل ذلك؟ ثم أشار المصنف بقوله : فإن عوض اتصالهما بحذف همزة فاصلة فوجهان إلى مسألة قال فيها الشيخ : هذه المسألة مما تعبت في استخراج مثالها ، وهو أن تقول في البناء من وأيت على وزن افعوعل : إيأوأى أصله : إوأوأى ، قلبت الواو التي هي فاء الكلمة ياء لسكونها بعد كسرة ، وتحركت الياء آخرا وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ، فإذا سهّلت الهمزة الأولى بنقل حركتها إلى الياء الساكنة قبلها ، انحذفت همزة الوصل لعدم الحاجة إليها ، وإذا زالت همزة الوصل عادت الياء إلى أصلها من الواو ؛ لأن الموجب لقلبها ياء هو الكسرة التي كانت قبلها ، فتصير الكلمة إلى : ووأى ، فقد حصل ما قاله المصنف وهو عروض اتصال الواوين بحذف همزة فاصلة بينهما ، ويعني بالوجهين إقرار الأولى واوا وإبدالها همزة ، ووجه الإقرار إنه لم يلتق واوان في الأصل ، ولا اعتداد لعروض الالتقاء ، ووجه الإبدال أنه اعتدّ بالعارض ، وهو اجتماع الواوين صورة وإن كان ثم فاصل في الأصل (١).

ثم قال الشيخ : واندرج تحت قول المصنف : فإن عرض اتصالهما هذه المسألة وهي : أن يتصلا والواو الثانية ساكنة ، ومسألة أخرى ، وهي : أن يتصلا والواو الثانية متحركة وهو أن يسهّل الهمزتين بحذفهما ويلقي حركتهما على الواوين معا ، فإنه يصير : ووى فيجوز إبدال الأولى همزة اعتدادا بالعارض ، ويجوز الإقرار لعدم الاعتداد بالعارض (٢).

ثم قال الشيخ : وما ذهب إليه المصنف من جواز الوجهين في هذه المسألة هو قول الفارسي (٣) ، قال : وذهب غيره من النحويين إلى أن هذا لا يجوز فيه إلا وجه واحد ، وهو إبدال الأولى همزة على جهة اللزوم ، وذلك في الصورتين معا (٤).

قال ناظر الجيش : هذه المسألة والتي قبلها وكذا الذي يأتي بعدها إنما ذكرها ـ

__________________

(١) التذييل (٦ / ١٤١ أ) ، والمساعد (٤ / ٩١).

(٢) التذييل (٦ / ١٤١ أ).

(٣) التذييل (٦ / ١٤١ أ) ، والمساعد (٤ / ٩١).

(٤) التذييل (٦ / ١٤١ أ).

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

المصنف استطرادا وذلك أنه لما ذكر أن الواو تبدل همزة وجوبا أراد أن يستوعب ما أبدلت فيه الواو همزة ، فعدّى كلامه إلى الإبدال الجائز ، وقد تقدم الاعتذار له عن ذلك من حيث إن الباب الذي هو فيه ـ أعني باب الإبدال ـ إنما هو مقصور على ذكر الإبدال اللازم ، ومقصود المصنف الآن : الإشارة إلى أن الواو قد تبدل همزة جوازا في غير ما تقدم ذكره ، لكن الواو إما مضمومة ، أو مفتوحة ، أو مكسورة ، أمّا المفتوحة فلم يتعرض المصنف لذكرها في هذا الفصل ؛ لأن إبدالها همزة قليل موقوف على السماع ، كما قالوا : أحد في وحد (١) ، وأناة في وناة (٢) ، وأسماء في وسماء (٣) ؛ فالبدل في هذه الكلمات على خلاف القياس وذلك لخفّة الفتحة ، وأما المكسورة سيذكرها بعد ، وأن إبدالها همزة يطرد على لغة ، وأما المضمومة فهي التي يطرد إبدالها همزة وينقاس ، وسواء أكانت مصدرة نحو :أجوه ، وأقّتت في وجوه ووقّتت ، وأعد في وعد ، وأدّ في ودّ ، حتى أنه يقال في ووري وووعد : أوري وأوعد ، فالهمزة في هاتين الكلمتين وما شاكلهما ؛ لأجل الضمة ، لا لأجل اجتماع الواوين فإن الإبدال في مثله غير لازم كما عرفت ـ أم متوسطة نحو : تهاون وتعاون ونحوهما ، وكذا : أدؤر وأثؤب ، في : أدور وأثوب ، وفؤوج (٤) ، وقول ، قال المصنف في إيجاز التعريف : والغوور بذلك أحق ؛ لأن التصحيح فيه أشق (٥). انتهى.

وقد علّل إبدال الواو المضمومة همزة في مثل ما ذكرنا بأن الضمة على الواو تشبه اجتماع واوين ، واجتماع الواوين مستثقل فكذلك ما يشبههما ، وقد قيّد المصنف جواز البدل المذكور بثلاثة قيود : هي أن تكون الضمة التي على الواو لازمة كما تقدّم في التمثيل ، فلو كانت الضمة غير لازمة لم يجز الإبدال كما في نحو : قوله تعالى : ـ

__________________

(١) ينظر : الكتاب (٤ / ٣٥١) ، والممتع (١ / ٣٣٥).

(٢) الونى : ضعف الأبدان ... وجارية وناة كأنها الدّرّة. اللسان «وني» وانظر : الممتع (١ / ٣٣٥).

(٣) كون الهمزة في أسماء بدلا من الواو هو مذهب سيبويه ورجحه ابن السراج فقوّى أبو بكر قول سيبويه : إنه في الأصل : وسماء ، ثم قلبت واوه همزة وإن كانت مفتوحة حملا على باب أحد ، ووناة. اللسان «وني» ، وانظر : الممتع (١ / ٣٣٥) ويرى المبرد أنها بوزن (أفعال). ينظر : المقتضب (٣ / ٣٦٥ ـ ٣٦٦) مع هامش التحقيق والجابردي (١ / ٢٧١).

(٤) ينظر : التذييل (٦ / ١٤١ ب).

(٥) المرجع السابق.

١٦٠