شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٨

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٨

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الله تعالى ـ بعد سرده المواضع التي تضمر فيها «أن» بعد «الفاء» في الأجوبة الثمانية ـ : وليس النصب بعد «الفاء» حتما في جميع ما ذكر بل يجوز معه غيره.

والضابط في ذلك أن تقول : إن تقدم الفاء جملة منفية فإن كانت فعلية وكان الفعل مرفوعا جاز في الفعل الذي بعد «الفاء» النصب والرفع ؛ فالرفع له معنيان :

أحدهما : أن يكون نفى الإتيان فانتفى من أجله الحديث كأنه قال : ما تأتينا فكيف تحدثنا؟ والتحديث لا يكون إلا مع الإتيان.

والثاني : أن يكون أوجب الإتيان ونفى الحديث كأنه قال : ما تأتينا محدثا بل غير محدث.

وإن كان الفعل منصوبا : جاز فيه وجهان : الرفع والنصب ، فالرفع له وجه واحد وهو القطع فتقول : لن تأتينا فتحدثنا أي : فأنت تحدثنا ، والنصب على ثلاثة أوجه :

العطف على الفعل فيكون ما بعد «الفاء» شريكا لما قبله في النفي كأنه قال : لن تأتينا فلن تحدثنا ؛ والنصب بإضمار «أن» فيكون له المعنيان المتقدما الذكر.

وإن كان الفعل مجزوما : جاز فيه ثلاثة أوجه : الرفع والنصب والجزم :

فالرفع على القطع فيكون [٥ / ١١٧] ما بعد «الفاء» موجبا نحو قولك : لم تأتنا فتحدثنا ، أي : فأنت تحدثنا ، ومن ذلك قوله :

٣٨٦٧ ـ غير أنّا لم تأتنا بيقين

فنرجّي ونكثر التّأميلا (١)

أي : فنحن نرجي.

والجزم على العطف فيكون التقدير : فلم تحدثنا.

والنصب بإضمار على المعنيين المتقدمي الذكر.

وإن كانت اسمية : لم يجز فيما بعد «الفاء» إلا النصب على المعنيين المتقدمي الذكر ، أو الرفع على القطع ، ولا يجوز العطف على ما بعد أداة النفي ؛ لأنه لم يتقدم فعل فيعطف عليه.

وإن تقدم «الفاء» جملة استفهامية :

فإن كانت فعلية : جاز في ما بعد الفاء وجهان : الرفع والنصب ، فالرفع على وجهين : ـ

__________________

(١) تقدم.

٥٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

العطف فيكون الثاني شريك الأول في الاستفهام نحو قولك : هل تأتينا فتحدثنا؟ أي : فهل تحدثنا.

والقطع كأنك قلت : فأنت تحدثنا.

والنصب : على أن تقدر الأول سببا للثاني كأنك قلت : هل يكون منك إتيان فيكون بسببه حديث؟

وإن كانت اسمية : لم يجز في ما بعد «الفاء» إلا الرفع على القطع نحو قولك :

هل زيد أخوك فنكرمه؟ أي : فنحن نكرمه ، أو النصب على السببية نحو قولك : أين بيتك فأزورك؟

وإن تقدمها جملة تمنّ : فإما أن يكون فيها فعل أو لا يكون ، فإن كان جاز في ما بعد «الفاء» الرفع والنصب ، فالرفع على معنيين :

العطف نحو قولك : ليتني أجد مالا فأنفق منه أي : فليتني أنفق منه.

والاستئناف أي : فأنا أنفق منه.

والنصب : على السببية كأنه تمنى وجدان مال يكون سببا للإنفاق منه.

وإن لم يكن فيها فعل : لم يجز إلا النصب على السببية والرفع على القطع ، ولا يجوز العطف نحو قولك : ليت لي مالا فأنفق منه برفع «أنفق» ونصبه.

وإن تقدمها جملة نهي أو أمر باللام : جاز فيه ثلاثة أوجه : الرفع على الاستئناف ، والنصب على السببية والجزم على العطف نحو قولك : لتكرم زيدا فيكرمك ، ولا تضرب عمرا فيضربك.

وإن كان الأمر بغير «لام» : لم يجز فيه إلا الرفع على القطع ، والنصب على السببية نحو قولك : أكرم زيدا فيكرمك برفع «يكرم» ونصبه.

وإن تقدمها جملة دعاء وكان فعله على صيغة الأمر : كان حكمه حكم فعل الأمر.

وإن تقدمها جملة عرض أو تحضيض أو دعاء على غير صيغة الأمر : جاز فيما بعد «الفاء» الرفع على العطف فيكون شريكا لما قبله في المعنى ، أو على القطع ، والنصب على السببية نحو قولك : ألا تنزل عندنا فتحدثنا ، وغفر الله لزيد فيدخله الجنة. انتهى كلام ابن عصفور رحمه‌الله تعالى. ـ

٥٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس رحمه‌الله تعالى : قوله (١) : وليس النصب بعد «الفاء» حتما في جميع ما ذكر بل يجوز معه غيره ، فيه ركاكة ؛ لأنه إذا أريد معنى السبب لا يجوز فيه إلا النصب ، وإن أريد غيره مما يجوز أعرب على حسب ما يقتضيه المعنى المراد ، قال : وأحسن من عبارته بكثير قول الزمخشري (٢) : وليس بحتم أن ينصب الفعل في هذه المواضع ، بل للعدول به إلى غير ذلك من معنى وجهة من الإعراب مساغ ، فنبّه على أن اختلاف الإعراب إنما هو لاختلاف المعنى المقصود.

ثم قال الشيخ بهاء الدين : وإذا عرفت أنه لا بد وأن يتقدم هذه الحروف كلام فلا يخلو ما يتقدمها من أن يكون تامّا أو غير تام فإن كان غير تام نحو : ما زيد فيحدثنا قائم ، لم يجز في ما بعد «الفاء» النصب أصلا لأن العطف على المعنى لا يجوز إلا بعد تمام الكلام ولم يتم الكلام هنا خلافا لمن قال من الكوفيين (٣) بجواز النصب على التقديم والتأخير.

وإن تم الكلام جملة قبل هذه الحروف وتأخر معمول لما قبلها عما بعدها نحو : ما تأتينا فتحدثنا اليوم على أن يكون «اليوم» ظرفا لـ «تأتينا» فلا يجوز النصب أيضا عندنا ؛ لما تقدم من أن النصب يؤدي إلى جعل ما قبل هذه الحروف في مكان مصدر لكون المعطوف عليه مصدرا ، فكما لا يجوز الفصل بين المصدر وبعض معمولاته بأجنبي كذلك لا يجوز الفصل بين هذا الفعل وبعض معمولاته بالمعطوف الذي هو أجنبي منه لتنزله في المعنى منزلة المصدر المتوهم المعطوف عليه وإن كان قد أجاز النصب في مثل هذه المسألة أكثر أهل الكوفة.

فإن كانت الجملة التي قبل «الفاء» اسمية نحو : ما زيد قائم فيحدثنا ، فأبو بكر (٤) وأكثر النحاة التزموا الرفع في ما بعد «الفاء» ؛ لأن النصب يقتضي أن يتصيد من الجملة الأولى مصدر فيعطف عليه هذا المصدر ، ولا دلالة في الجملة الاسمية على مصدر كدلالة الجملة الفعلية عليه. انتهى.

ولم أتحقق قوله : إن أكثر النحاة التزموا الرفع في ما بعد «الفاء» إن كانت الجملة التي قبل ـ

__________________

(١) انظر هذا النقل في ورقة رقم (٩٢) من كتاب بهاء الدين بن النحاس وهو المسمى بالتعليقة وهو تعليقه وشرحه لمقرب ابن عصفور وهو مخطوط بمكتبة الأزهر برقم (٤٩٤٧) (المغاربة).

(٢) انظر : المفصل (ص ٢٤٦).

(٣) انظر : التذييل (٦ / ٦٢٨) ، والهمع (٢ / ١٢).

(٤) لعله ابن السراج ، وانظر : التذييل (٦ / ٦٢٩).

٥٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

«الفاء» اسمية نحو : ما زيد قائم فيحدثنا. فإن هذا الذي ذكره خلاف المشهور ، وقد عرفت قول ابن عصفور في تقسيم الجملة المتقدمة «الفاء» إذا كانت منفية وإن كانت اسمية لم يجز فيما بعد «الفاء» إلا النصب على المعنيين المتقدمي الذكر ، أو الرفع على القطع.

وبعد فلا بد من التعرّض إلى ذكر أمور :

منها : أن الشيخ قال (١) : ولا نعلم خلافا في نصب الفعل جوابا للأمر إلا ما نقل عن العلاء بن سيّابة قالوا : ـ وهو معلم الفراء ـ أنه كان لا يجيز ذلك (٢) ، وهو محجوج بثبوته عن العرب ، أنشد سيبويه (٣) لأبي النجم :

٣٨٦٨ ـ يا ناق سيري عنقا فسيحا

إلى سليمان فنستريحا (٤)

إلا أن يتأوله ابن سيّابة على أنه من النصب في الشعر فيكون مثل قوله :

٣٨٦٩ ـ سأترك منزلي لبني تميم

وألحق بالحجاز فأستريحا (٥)

قال الشيخ (٦) : ولا [٥ / ١١٨] يبعد هذا التأويل ، ولمنعه وجه من القياس وهو إجراء الأمر مجرى الواجب ، فكما لا يجوز ذلك في الواجب كذلك لا يجوز في الأمر ، ومن إجراء الأمر مجرى الواجب باب الاستثناء ؛ فإنه لا يجوز فيه البدل كما لا يجوز في الواجب ، وذلك بخلاف النفي والنهي فإنه يجوز فيهما ذلك. انتهى.

ولقائل أن يقول للشيخ : يلزمك على ما قررته أن يمتنع النصب بعد الاستفهام والتمني والعرض والتحضيض ؛ لأنها لا يجوز معها البدل في الاستثناء كما لا يجوز الأمر وإنما يجوز البدل في الاستثناء مع الاستفهام إذا أريد به الإنكار والنفي ، أما إذا أريد به الاستفهام حقيقة فلا يجوز معه البدل ، ثم لا يخفى أن النصب إنما وجب بعد «الفاء» الواقعة في جواب الأمر لتعذر عطف الخبر على الطلب فاحتيج إلى تقدير «أن» ليحصل بذلك تأويل يصح معه العطف ، وأما في الاستثناء فإن النصب والبدل إنما يبتنيان على كون الكلام موجبا أو غير موجب فافترق البابان. ـ

__________________

(١) انظر : التذييل (٦ / ٦٠٦ ، ٦٠٧).

(٢) انظر : معاني القرآن للفراء (٢ / ٧٩) ونص عبارته : «وكان شيخ لنا يقال له : العلاء بن سيابة ـ وهو الذي علم معاذا الهراء وأصحابه ـ يقول : لا أنصب بالفاء جوابا للأمر».

(٣) انظر : الكتاب (٣ / ٣٤ ، ٣٥).

(٤) تقدم.

(٥) تقدم.

(٦) التذييل (٦ / ٦٠٧).

٥٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم أردف الشيخ كلامه المتقدم بأن قال (١) : وأما قوله تعالى : (كُنْ فَيَكُونُ)(٢) على قراءة من نصب (٣) فظاهره أنه نصب في جواب الأمر (٤).

ومنها : أن الشيخ قال (٥) : وشرط الجواب في النهي أن لا ينقض بـ «إلا» قبل «الفاء» نحو : لا تضرب إلا عمرا فيغضب ، قال : فإنك إن نقضته ارتفع الفعل كما في هذا المثال ، وإن نقضته بعد «الفاء» (٦) كان جوابا نحو : لا تضرب زيدا فيغضب عليك إلا تأديبا. انتهى.

والحق أنه لا يحتاج إلى هذا الشرط ؛ لأن «فيغضب» في المثال الأول ليس جوابا وإذا لم يكن جوابا فمن أين يجيء النصب؟

ومنها : أن المصنف قال : (بفعل أصيل في ذلك) بعد قوله : (أو دعاء) وتقدم قول الإمام بدر الدين : إن والده أشار بذلك إلى أنه لا يجوز نصب جواب الدعاء إلا إذا كان بلفظ الطلب وأن هذا مذهب البصريين ، لكن قال الشيخ (٧) : إنه احترز بقوله : (بفعل) من أن يكون الدعاء بالاسم نحو : سقيا لك ورعيا.

وأما قوله : أصيل فاحترز به كما قال بدر الدين من الدعاء المدلول عليه بلفظ الخبر. ـ

__________________

(١) انظر : التذييل (٦ / ٦٠٨).

(٢) سورة البقرة : ١١٧ ، وسورة آل عمران : ٤٧ ، وسورة النحل : ٤٠ ، وسورة مريم : ٣٥ ، وسورة يس : ٨٢ ، وسورة غافر : ٦٨.

(٣) هي قراءة ابن عامر. انظر : الحجة لابن خالويه (٨٨ ، ٣٠٠) ، والكشف (١ / ٢٦٠) وقال : «ووافقه الكسائي على النصب في النحل ويس» ، وانظر الإرشادات الجلية في القراءات السبع (ص ٤٦).

(٤) قال الشيخ أبو حيان بعد هذا الكلام : فأما في قوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فخرّج على أن (فَيَكُونُ) ليس جوابا للأمر ولكنه معطوف على قوله : (أَنْ يَقُولَ) لا أنه تسبب عن محكي (أَنْ يَقُولَ) وهو (كُنْ) وردّ بأنه يلزم أن يشرك (أَنْ يَقُولَ) في كونه خبرا فيكون المعنى : إنما أمره الكون ، وأمره ليس بالكون ، إنما أمره : القول فلا بد من الرفع على الاستئناف كما زعم سيبويه ، وأما في قوله تعالى : (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فخرّجه الأستاذ أبو علي على أنه من النصب في الواجب وإن كان ضعيفا ، لكن ابن عامر رواه فأخذ به ، ولا يكون على (كُنْ) بل على تقدير : فيقول فيكون ، وهذا فيه نظر ؛ لأن سيبويه ذكر أنه في الشعر. انظر : التذييل (٦ / ٦٠٨ ، ٦٠٩).

(٥) انظر : التذييل (٦ / ٦١١) ، والارتشاف (٧٠٤).

(٦) في النسختين : إلا ، والتصويب من التذييل والارتشاف.

(٧) انظر : التذييل (٦ / ٦١٢).

٥٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وبعد : فسيأتي الكلام على هذه المسألة في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى.

ومنها : أن الشيخ ذكر (١) تقسيما في الاستفهام المنصوب الجواب بالنسبة إلى أن الاستفهام قد يكون بالحرف ، وقد يكون بالاسم ، إلى أن خرج من الأقسام مثل قولك : هل زيد أخوك فنكرمه؟ وأوجب الرفع في مثل هذه الصورة.

ولم يظهر لي توجيه ذلك ، وقد تقدم من كلام ابن عصفور أن الجملة الاستفهامية إذا كانت اسمية يجوز في ما بعد «الفاء» الرفع على القطع ، والنصب على السببية ، وهذا هو الظاهر إذ لا وجه لمنع النصب.

ومنها : أن المصنف قد قيد الاستفهام كما عرفت بقوله : أو لاستفهام لا يتضمّن وقوع الفعل. وتقدم كلام بدر الدين على ذلك.

ونحن الآن نشير إلى ما ذكره الشيخ : قال (٢) رحمه‌الله تعالى مشيرا إلى قول المصنف : لا يتضمّن وقوع الفعل : هذا قيد في الاستفهام فإن تضمن وقوع الفعل لم يجز النصب نحو : لم ضربت زيدا فيجازيك؟ لأن الضرب قد وقع ، وهذا الشرط الذي ذكره في الاستفهام لم أر أحدا من أصحابنا يشترطه ، بل إذا تعذر سبك مصدر مما قبله إما لكونه ليس ثمّ فعل ولا [ما] في معناه ينسبك منه ، وإما لاستحالة سبك مصدر مراد استقباله لأجل مضي الفعل فإنما يقدر فيه مصدر مقدّر استقباله مما يدل عليه المعنى ، فإذا قال : لم ضربت زيدا فنضربك ، أي : ليكن منك تعريف بسبب ضرب زيد فضرب منا.

ثم قال : قال ابن المصنف : واقتدى ـ يعني والده المصنف ـ في هذه المسألة بما ذكره أبو علي في الإغفال رادّا على قول أبي إسحاق الزجاج في قوله تعالى : (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَ)(٣) : ولو قيل : وتكتموا الحق ؛ لجاز على معنى : لم تجمعون بين ذا وذا؟ ولكن الذي في القرآن أجود في الإعراب. انتهى.

وردّ أبي علي على أبي إسحاق في هذا غير متجه ؛ لأن قوله تعالى : (لِمَ تَلْبِسُونَ) ليس نصّا على أن المضارع أريد به الماضي حقيقة إذ قد ينكر المستقبل لتحقق صدوره لا سيما على الشخص الذي تقدم منه وجود أمثاله ، ولو ـ

__________________

(١) انظر : التذييل (٦ / ٦١٢ ، ٦١٣).

(٢) التذييل (٦ / ٦١٤ ، ٦١٥).

(٣) سورة آل عمران : ٧١.

٥٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فرضنا أنه ماض حقيقة فلا ردّ فيه على أبي إسحاق ؛ لأنه كما قررنا قبل أنه إذا لم يمكن سبك مصدر مستقبل من الجملة سبكناه من لازم الجملة.

وقد حكى ابن كيسان نصب الفعل في جواب الاستفهام حيث الفعل المستفهم عنه محقق الوقوع نحو : أين ذهب زيد فنتبعه؟ وكذلك في : كم مالك فنعرفه؟ ومن أبوك فنكرمه؟ لكن يتخرج على ما سبق ذكره من أن التقدير : ليكن منك إعلام بذهاب زيد فاتباع منا ، وليكن منك إعلام بأبيك فإكرام منا له. هذا آخر ما ذكره الشيخ وما نقله عن ابن المصنف.

وأقول : أما قول الشيخ : إن هذا الشرط الذي ذكره ـ يعني المصنف ـ لم يشترطه الجماعة (١) أي : المغاربة ، فيقال له : قد تكون الجماعة استغنت عن اشتراطه بما أذكره وهو : أن المنصوب بعد «الفاء» في الطلب إنما هو مسبب عما قبله ، ولا شك أن المسبب يترتب وجوده على وجود السبب ، كما أن جواب الشرط يترتب وجوده على وجود الشرط ، ولهذا إذا سقطت «الفاء» من نحو : أين بيتك فأزورك؟ والمعنى الذي كان مع وجود «الفاء» مراد بعد سقوطها وهو الترتب جزم الفعل الذي هو : أزورك ، على أنه جواب لقولك : أين بيتك؟ ولا شك أن ترتب وجود أمر على وجود أمر آخر إنما يعقل بالنسبة إلى الاستقبال ، وإذا كان الفعل [٥ / ١١٩] المستفهم عنه قد وقع فات المعنى المقصود من الترتب.

ثم إن قوله : إنه إذا تعذر سبك مصدر مما قبله إلى آخر كلامه ، فإنما يقدر فيه مصدر مقدر استقباله مما يدل عليه المعنى فتقدير قولك : لم ضربت زيدا فنضربك؟ : ليكن منك تعريف بسبب ضرب زيد فضرب منا ، غير ظاهر ؛ لأن معنى : ليكن منك تعريف بسبب ضرب زيد فضرب منا ، ليس هو معنى : لم ضربت زيدا فنضربك؟ ، ثم إن تأويل : لم ضربت زيدا فنضربك؟ بقولنا : ليكن منك تعريف بسبب ضرب زيد فضرب منا ـ يلزم منه الاعتراف بما ذكره المصنف من أن شرط الاستفهام الذي ينصب جوابه بعد «الفاء» أن لا يتضمن وقوع الفعل ، إذ لو لم يكن ذلك شرطا لما احتيج إلى التأويل.

وكذا قول بدر الدين في ما حكاه عن ابن كيسان في نحو : أين ذهب زيد ـ

__________________

(١) عبارة الشيخ : «وهذا الشرط الذي ذكره في الاستفهام لم أر أحدا من أصحابنا يشترطه».

٥٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فنتبعه؟ : ولا أراه يستقيم على مأخذ البصريين إلا بتأويل ما قبل «الفاء» باسم معمول لفعل أمر دل عليه الاستفهام والتقدير : ليكن منك إعلام بموضع ذهاب زيد فاتباع منا ـ يبين لك صحة ما ذكره المصنف.

ثم إن الشيخ ذكر مسألة تتعلق بالاستفهام أيضا فقال (١) : وزعم بعض النحويين أن الاستفهام إذا كان عن المنسوب إليه الفعل لا عن الفعل فلا يصح النصب بعد الفاء على الجواب ، ومنع النصب في نحو : أزيد يقرضني فأسأله؟ وقال : لا يصح ها هنا الجواب وهو محجوج بقراءة من قرأ في السبعة : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ)(٢) بالنصب (٣) ، ووجه الدلالة من هذه الآية أن الفعل وقع صلة فليس مستفهما عنه ولا هو خبر عن مستفهم عنه بل هو صلة للخبر ، وإذا جاز النصب بعد (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ) لكونه في معنى : من يقرض؟ فجوازه بعد «من يقرض» و: أزيد يقرض فأسأله؟ أحرى وأولى. انتهى.

والظاهر أن المسوغ لنصب الجواب بعد «الفاء» هو وجود الاستفهام سواء أكان المستفهم عنه الفعل أم متعلقه ، أم من ينسب إليه الفعل ، وإنما المعتبر هو ما ذكره المصنف وهو : أن الفعل لا يكون قد وقع.

ومنها : أنك قد عرفت أن المصنف قسّم النفي المنصوب جوابه بعد «الفاء» إلى : محض ومؤول وأن ولده فسر المحض بأن يكون النفي داخلا على الفعل المعطوف عليه خاليا عما يزيل معناه نحو : ما تأتيني فتحدثني ، وفسر المؤول بأن يكون معه ما يزيل معناه وينقل الكلام إلى الإثبات ، وأن ذلك ما قبله استفهام أو بعده استثناء نحو : ألم تأتنا فتحدثنا ، ونحو : ما تأتينا فتقول إلا خيرا ، وعلل النصب في هذا المثال ـ مع أنك أتيت بـ «إلا» إثباتا ـ بأن قولك : ما تأتينا فتقول إلا خيرا بمعنى : ما تأتينا فتقول شرّا ، وذكر أن هذا بخلاف قولنا : ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا وما تزال تأتينا فتحدثنا ، فإن الرفع واجب ، قال : لأن النفي لم يدخل على المعطوف عليه إنما دخل في الأول على شيء مقدر أخرج عنه المعطوف عليه وأوجب بـ «إلا» ، وفي الثاني على متعلق المعطوف عليه وكان معناه النفي فصار إثباتا. ـ

__________________

(١) انظر : التذييل (٦ / ٦١٣ ، ٦١٤).

(٢) سورة البقرة : ٢٤٥ ، وسورة الحديد : ١١.

(٣) قراءة ابن عامر وعاصم. انظر : الحجة لابن خالويه (ص ٩٨) ، وانظر : الكشف (١ / ٣٠٠).

٥٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وأقول : إن البحث هنا يتعلق بأمرين :

الأول : قول المصنف : أو مؤول ينافي قوله في شرح الكافية : وشرط النفي أن يكون خالصا ، فالنفي الذي ليس نفيا خالصا لا جواب له منصوب نحو : ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا ، وما تزال تأتينا فتحدثنا ، وما قام فتأكل إلا طعامه ، قال : ومنه قول الشاعر :

٣٨٧٠ ـ وما قام منّا قائم في نديّنا

فينطق إلّا بالّتي هي أعرف (١)

فإن قلت : لا منافاة في ذلك ، فقد قال بدر الدين : إن النفي في : «ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا» إنما دخل على شيء مقدر أخرج منه المعطوف عليه وأوجب بـ «إلا» ، وقال : إن النفي في : «ما تزال تأتينا فتحدثنا» إنما دخل على متعلق المعطوف عليه وكان معناه النفي فصار إثباتا فكان الرفع واجبا في المثالين.

قلت : فقد قال بدر الدين شارحا لكلام والده في الألفية (٢) : شرط النفي أن يكون خالصا من معنى الإثبات ولذلك وجب رفع ما بعد «الفاء» في : «ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا» ، و «ما تزال تأتينا فتحدثنا» ، و «ما قام فتأكل إلا طعامه» ، وقول الشاعر :

وما قام منّا قائم في نديّنا

فينطق إلّا بالّتي هي أعرف

فوافق كلامه كلام والده في نحو : ما قام فتأكل إلا طعامه ، وجعل من ذلك البيت المذكور كما جعله والده ، ولا شك أن ما ذكره في الألفية من عدم جواز النصب في نحو : ما قام فتأكل إلا طعامه مناف بعد تمثيله هنا بقولك : ما تأتينا فتقول إلا خيرا ؛ لقوله : فتنصب مع أنك أثبت بـ «إلا» إثباتا لأنه بمعنى : ما تأتينا فتقول شرّا.

والذي ظهر لي أن الذي اعتبراه في شرحي الكافية والألفية إنما هو وجود النفي في الجملة وأن يكون معه ما ينقضه ، فإذا وجد ذلك امتنع النصب ، ومن ثمّ امتنع النصب في نحو : ما قام فتأكل إلا طعامه كما امتنع في نحو : ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا ، وما تزال تأتينا فتحدثنا ، ولهذا اشترط في الكتابين أن يكون النفي خالصا ومحضا ولم يعتبر النفي المؤول ، والذي اعتبراه هنا ـ أعني في التسهيل وشرحه ـ أن يكون النفي داخلا على الفعل المعطوف عليه لا على غيره كما في : ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا ؛ فإن النفي إنما دخل على شيء مقدر أخرج منه المعطوف عليه ـ

__________________

(١) تقدم.

(٢) انظر : شرح الألفية لابن الناظم (ص ٦٨٠).

٥٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأوجب ، وكما في «ما تزال تأتينا فتحدثنا» فإن النفي إنما دخل على متعلق المعطوف عليه وهو «تزال» ومعناه النفي فصار إثباتا ، فإذا وجد ذلك امتنع النصب ، أما إذا كان النفي داخلا على الفعل المعطوف عليه فإن جوابه ينصب وإن انتقض النفي كقولنا : ما قام زيد فتأكل إلا طعامه ؛ لأنه بمعنى : ما قام زيد [٥ / ١٢٠] فتأكل غير طعامه ، ولا شك أن هذا كلام صورته صورة الإيجاب ومعناه النفي فمن ثمّ قيل فيه : إنه نفي مؤول ومنه المثال الذي (١) ذكره بدر الدين وهو : ما تأتينا فتقول إلا خيرا ؛ لأنه بمعنى : ما تأتينا فتقول شرّا كما قال بدر الدين ، وعلى ذلك قول سيبويه (٢) : وتقول : لا تأتينا فتحدثنا إلا ازددنا فيك رغبة ، وقد رأيت من المثال الذي ذكره بدر الدين وهو : ما تأتينا فتقول إلا خيرا ، والمثال الذي ذكره سيبويه وهو : لا تأتينا فتحدثنا إلا ازددنا فيك رغبة ـ أن «إلا» مذكورة بعد «الفاء».

فمن ثمّ كأن الشيخ جعل ذلك هو المسوغ لجواز النصب فإنه قال (٣) : ودخول «إلا» إما أن يكون قبل «الفاء» أو بعدها ، فإن كان قبل «الفاء» لم تكن «الفاء» جوابا فلا يجوز إذ ذاك النصب نحو : ما ضرب زيد إلا عمرا فيغضب ، وإن كان بعد الفاء جاز النصب نحو : ما ضربت زيدا فيغضب إلا تأديبا ، وما تأتينا فتحدثنا إلا بخير. انتهى.

وإذ قد تقرر هذا فقولنا : ما قام زيد فتأكل إلا طعامه ، يجوز فيه النصب ؛ لأنه وإن كانت صورته صورة الإيجاب فإنه مؤول بالنفي كما تقدم من أنه بمعنى : ما قام زيد فتأكل غير طعامه ، ومن ثمّ لما نقل الشيخ (٤) عن المصنف ما قاله في شرح الكافية من أن النفي الذي ليس نقيّا خالصا لا جواب له منصوب ، نحو : ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا ، وما تزال تأتينا فتحدثنا ، وما قام زيد فتأكل إلا طعامه ، وإنشاده قول الشاعر :

٣٨٧١ ـ وما قام منّا قائم في نديّنا

فينطق إلّا بالّتي هي أعرف (٥)

__________________

(١) وقع سهو من الناسخ هنا ، فكتب كلاما سيأتي ذكره ؛ فحين قوبلت هذه النسخة على نسخة أخرى ذكر الناسخ المقابل على هامش النسخة (ج) أن الذي ذكره بدر الدين بعد ورقتين من هذه الورقة ، ويبدو أنه انتزع الورقتين اللتين تعدان مكررتين ، حتى يستقيم الكلام اللاحق مع الكلام السابق ، غير أنه قد ترك جزءا من هذا الكلام المتكرر وهو الذي يمثل أغلبية الوجه الأيمن للصفحة (١٢٠) والتي لم نأخذ منها سوى سطرين كما هو مذكور ، وقد قابلنا هذا بالنسخة (أ) فوجدنا الكلام مستقيما لا خلل به.

(٢) انظر : الكتاب (٣ / ٣٢).

(٣) انظر : التذييل (٦ / ٦١٨).

(٤) انظر : التذييل (٦ / ٦٢٠ ، ٦٢١).

(٥) تقدم.

٥١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

قال (١) : أما المسألتان الأوليان ؛ فصواب ، وأما : ما قام فتأكل إلا طعامه ؛ فخطأ ، لأنه يجوز النصب ، وعلى النصب أنشد سيبويه البيت (٢) ، فمتى وقعت «إلا» بعد الفعل الداخل عليه «الفاء» جاز النصب فيما بعد «الفاء» سواء أكان ما بعد «إلا» معمولا للفعل الذي قبل «الفاء» أو للفعل الذي بعد «الفاء».

الأمر الثاني : أنك قد عرفت من كلام بدر الدين أن من النفي المؤول ما قبله استفهام كقولك : ألم تأتنا فتحدثنا بالنصب على معنى : ألم تأتنا محدثا ، ومنه قول الشاعر :

٣٨٧٢ ـ ألم تسأل فتخبرك الرّسوم

على فرتاج والطّلل القديم (٣)

ولا شك أن المراد بهذا الاستفهام التقرير ، وإذا كان تقريرا فالنفي غير مراد ، وإذا لم يكن النفي مرادا كان الواجب أن يمتنع نصب الجواب ؛ لأن النفي ليس خالصا ، ويعضد ذلك قول بعض العلماء المعتبرين ممن تكلم على الألفية : إن المصنف احترز بتقييد النفي بـ «محض» من النفي التالي تقريرا نحو : ألم تأتني فأحسن إليك إذا لم ترد الاستفهام الحقيقي.

والتفصيل الذي ذكر في النفي المنتقض بـ «إلا» من كون «إلا» إما أن تذكر قبل «الفاء» أو بعدها لا يتأتى هنا ، ولا شك أن نصب الجواب في مثل ذلك وارد عن العرب :

قال الشاعر :

٣٨٧٣ ـ ألم أك جاركم ويكون بيني

وبينكم المودّة والإخاء (٤)

فإن هذا الاستفهام المراد به التقرير بلا ريب و «الواو» و «الفاء» في هذا الباب سيان.

والذي يظهر أن يقال : إن النفي المقرون بأداة الاستفهام وإن كانت حقيقة الاستفهام غير مرادة يعطي أحكام النفي الصريح ولهذا يجاب بكلمة «بلى» التي هي مخصوصة بجواب النفي قال الله تعالى: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)(٥) فلما كان ـ

__________________

(١) انظر : التذييل (٦ / ٦٢١).

(٢) انظر : الكتاب (٣ / ٣٢).

(٣) تقدم.

(٤) البيت من بحر الوافر وهو للحطيئة في ديوانه (ص ٢٦). وكلمة «فرتاج» سقطت من (ج) وضبطت «على» بتشديد الياء ، وهو خطأ ، وفي «أ» تركت مساحتها بيضاء.

والشاهد فيه : في قوله : «ويكون» حيث نصب بتقدير : «أن» لوقوع الفعل بعد «واو» المصاحبة الواقعة بعد الاستفهام التقريري. والبيت في الكتاب (٣ / ٤٣) ، والمقتضب (٢ / ٧٢) ، والمغني (ص ٦٦٩) ، والعيني (٤ / ٤١٧) ، والتذييل (٦ / ٦٣٤) ، والهمع (٢ / ١٣) ، والدرر (٢ / ١٠).

(٥) سورة الأعراف : ١٧٢.

٥١١

.................................................................................................

______________________________________________________

حكم النفي مجرى عليه وإن اقترن به ما يخرجه [٥ / ١٢١] إلى الإثبات جاز أن ينصب ما وقع جوابا له ، لكن في إطلاق النفي المؤول على هذا نظر ، فإنه لم يؤول بنفي وإنما أجري عليه أحكام النفي إن كان الأمر فيه على ما قلناه.

ثم قد عرفت قول بدر الدين : ويجوز أن يكون المراد بالنفي المحض إلى آخره ويكون المراد بالنفي المؤول على هذا ، وهو الأقرب ـ ما يدل عليه بما له مسمى يقرب من معنى النفي فيقام مقامه نحو : «غير» فإنه اسم بمعنى : مخالف إلى آخر ما قاله ؛ فقال الشيخ (١) : لا يصح أن يفسر قول المصنف بهذا التفسير الثاني أعني أنه يكون معنى قوله : مؤول ، يريد به مسألة : غير قائم الزيدان فنكرمهما ؛ لأن هذا لا يسمى نفيا مؤولا ، بل هو موجب مؤول بالنفي ؛ لأن التأويل هو صرف الكلام عن ظاهره ومآله إلى غير ما وضع له بحق الأصالة ، وإنما يصدق النفي المؤول على مسألة التقرير ومسألة النقض بـ «إلا». انتهى.

وكان قد قال (٢) في قول المصنف : أو مؤوّل : أن تكون صورته صورة النفي وهو مؤول بغير النفي.

وما ذكره الشيخ لا يظهر ، فإن الكلام إذا كانت صورته صورة النفي وهو مؤول بغير النفي كان إيجابا لا نفيا ، وإذا كان إيجابا فكيف يسوغ نصب الجواب؟

وإنما مراد المصنف عكس ما قاله الشيخ وهو أن يكون الكلام صورته صورة الإيجاب ويؤول بالنفي فيعطى حكمه ؛ لأن «إلا» إذا ذكرت بعد النفي كان الكلام إيجابا ، فإذا اتفق في بعض التراكيب تأويل ذلك الكلام بنفي عومل ذلك التركيب بما يعامل به النفي الخالص ، وإذا كان الأمر على ما قلنا فاعتراض الشيخ على بدر الدين ساقط ؛ لأن الصورة المذكورة في الفصل كل منها موجب مؤول بالنفي وليس منها شيء صورته صورة النفي وهو مؤول بغير النفي.

ولما اعتقد الشيخ أن المراد بـ «مؤول» في قول المصنف : أن تكون صورته صورة النفي وهو مؤول بغير النفي قال في آخر الفصل (٣) : ويرد على قول المصنف : أو مؤول مسألة يصدق عليها أنها نفي أوّل بغيره ولا ينتصب ما بعد «الفاء» جوابا لها ـ

__________________

(١) انظر : التذييل (٦ / ٦٢٠).

(٢) انظر : التذييل (٦ / ٦١٨).

(٣) انظر : التذييل (٦ / ٦٢٢).

٥١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وذلك مسألة : ما زال زيد يأتينا فنكرمه ، قال : فهذا نفي في الصورة ومعناه الإيجاب ، تقديره : زيد يأتينا كثيرا فنكرمه ، فلا يجوز نصب ما بعد الفاء ، وكذلك باقي الأفعال التي صورتها منفية وهي موجبة من حيث المعنى. انتهى.

ولا شك أن الموجب لهذا كله حمل الكلام على غير ما أريد به وذلك أن المراد بـ «مؤول» إنما هو أن يكون الكلام صورته صورة الإيجاب والمراد به النفي كما قدمنا ، والشيخ عكس ذلك ، وبالله العجب يورد الشيخ على المصنف : ما زال زيد يأتينا فنكرمه ؛ أنه لا يجوز نصب ما بعد «الفاء» فيه ، والمصنف قد ذكر المسألة بعينها في شرح الكافية وهي : ما تزال تأتينا فتحدثنا ؛ حيث ذكر : ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا ، وقال : إن النفي فيهما ليس خالصا ، وإنهما لا جواب لهما منصوب كما تقدم ذكرنا لذلك عنه.

ومنها : أن ابن عصفور ذكر مسألتين (١) :

الأولى :

أن «الفاء» إذا دخلت على الفعل وكان فيه ضمير يعود على ما قبلها فإما أن يرجع الضمير إلى من نفي الفعل في حقّه أو إلى من أوجب في حقّه ، فإن رجع إلى من نفي عنه الفعل نصبت وإلا رفعت ، مثاله : ما جاءني أحد إلا زيد فأكرمه ، فإن جعلت الهاء لـ «أحد» نصبت كأنه قال : ما جاءني أحد فأكرمه ، وإن جعلتها لـ «زيد» لم تنصب ؛ لأن المعنى : جاءني زيد فأكرمه.

الثانية :

أن ما قبل الفاء إذا كان له معمول وأخرته إلى ما بعد الفاء نحو : ما ضربت فأهنته زيدا ففيه خلاف : منهم من أجاز ذلك ومنهم من منع (٢) ؛ فالمجيز يقول : إنك لم تفصل إلا بمعطوف على الفعل بخلاف : إن تضرب فهو يكرم زيدا ؛ هذا لا يجوز باتفاق ؛ لأنك فصلت بما ليس بمعمول للفعل الأول ولا معطوف عليه ؛ لأن الجواب ليس محمولا (٣) على الشرط ، فلو كان معطوفا عليه لشاركه في المعنى ، والمانع يقول : إن الفعل الذي قبل «الفاء» في تأويل المصدر ولهذا صح النصب ، ـ

__________________

(١) انظر : شرح الجمل (٢ / ١٥٤) تحقيق أبو جناح.

(٢) في الهمع (٢ / ١٢) أن الذي أجازه هم الكوفيون والذي منعه هم البصريون وأكثر النحويين.

(٣) في شرح الجمل : «أن تضرب فهو مكرم زيد».

٥١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والمصدر لا يفصل بينه وبين معموله بشيء والصحيح أنه لا يجوز. انتهى.

وفي شرح الشيخ بعد ذكره المسألة (١) : قال أبو بكر (٢) : والصحيح أنه لا يجوز على هذا إزالة شيء عن موضعه.

ولنختم الكلام هنا بمسألة :

وهي : أنك قد عرفت أن النصب في نحو قولك : ما تأتينا فتحدثنا له معنيان :

أحدهما : أنك نفيت الإتيان والحديث معا.

والثاني : أنك قد أثبتّ الإتيان ونفيت الحديث.

تقرير الأول : أنك جعلت الإتيان سببا للحديث ، ثم إنك نفيت الإتيان فانتفى الحديث ؛ لأن انتفاء السبب يلزم منه انتفاء المسبب والمعنى : ما تأتينا فيكف تحدثنا؟ وعلى هذا يكون النفي جاريا على قياس أخواته من الأمر والنهي والدعاء والاستفهام والتمني والتحضيض والعرض ؛ لأن هذه الأقسام السبعة ما قبل «الفاء» فيها سبب لما بعدها.

وتقرير الثاني : أنك لم تقصد إلى جعل الإتيان سببا للحديث ، بل قصدت إلى معنى آخر وهو : إثبات الإتيان ونفي الحديث ، والمعنى : ما تأتينا محدثا يعني : بل تأتينا غير محدث ؛ فلم تقصد السببية في هذا المعنى الثاني بوجه ؛ وعلى هذا لا ينبغي أن يطلق القول بأن «الفاء» في الأجوبة الثمانية إذا نصب الفعل بعدها كانت للسببية ؛ لأن «الفاء» في هذه الصورة لا يجوز كونها سببية لأن ما بعدها منتف مع أن قبلها ثابت ، فكيف يثبت السبب مع انتفاء مسببه؟ وإذا لم تكن السببية مقصودة تعين قصد المعنى الذي تقدمت الإشارة إليه وهو : إثبات الإتيان ونفي الحديث ، وتحريره : أن مريد هذا المعنى قصد إلى نفي ترتب ما بعد «الفاء» على ما قبلها ، فليس المقصود بمباشرة النفي فعل الإتيان نفي الإتيان بل المقصود به نفي ترتب ما بعد «الفاء» عليه ؛ فالمعنى : ما يحصل منك إتيان يترتب [٥ / ١٢٢] عليه حديث ، فالمنفي ترتب الحديث على الإتيان لا الإتيان.

فإن قيل : كيف جعلت في المعنى الأول سببا ثم إنك نفيت عنه السببية في المعنى الثاني؟

فالجواب : أن الإتيان ليس سببا عقليّا حتى يستنكر تخلف المسبب عنه ، بل إنما هو سبب وضعي ، فالمتكلم جعل الإتيان سببا للحديث ، ومعنى جعله إياه سببا : أنه جعل ـ

__________________

(١) انظر : التذييل (٦ / ٦٢٣).

(٢) لعله ابن السراج.

٥١٤

[حكم تقديم الجواب المقترن بالفاء على سببه]

قال ابن مالك : (ولا يتقدّم ذا الجواب على سببه خلافا للكوفيّين ، وقد يحذف سببه بعد الاستفهام ، ويلحق بالنّفي التّشبيه الواقع موقعه ، وربّما نفي بـ «قد» فينصب الجواب بعدها).

______________________________________________________

الحديث ناشئا عنه مترتبا عليه فصار مسببا عن الإتيان بالجعل لا بالعقل ، وإذا كان كذلك جاز أن يتخلف عنه ، وإذا جاز تخلفه عنه لم يلزم من وجود الإتيان على هذا وجود الحديث ومما يحقق ما قلته أن ابن الحاجب رحمه‌الله تعالى بعد أن قرر المعنى الأول قال (١) مشيرا إلى المعنى الثاني : وهو أن يقصد إلى أن الفعل الثاني لم يحصل عقيب الأول فكأنه نفى وقوعهما بصفة أن يكون الثاني عقيب الأول كما تقول : ما جاءني زيد وعمرو أي : ما جاءا بصفة الاجتماع ، ويجوز أن يكون أحدهما جاء. انتهى.

وعلى هذا المعنى وهو قصد نفي ترتب الثاني على الأول دون قصد نفي الأول قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يموت لأحد ثلاثة من الولد فتمسّه النّار إلّا تحلّة القسم» (٢) لأن النفي باشر «يموت» وليس المقصود نفيه ، بل المقصود نفي ترتب المس على هذا الذي ذكر وهو موت ثلاثة من الولد ، كما قصد نفي ترتب الحديث على الإتيان لا نفي الإتيان (٣).

وحاصل الأمر : أن الفاء تفيد السببية في جميع الصور التي ينتصب الفعل فيها بعدها إلا في إحدى صورتي النفي وهي الصورة التي ذكرناها وهي : ما تأتينا فتحدثنا ، إذا أردت : ما تأتينا محدثا بل غير محدث ، والذي أحوج إلى هذا الذي كتبته أن بعض الفضلاء استشكل قول النحاة : إن «الفاء» حيث نصب الفعل بعدها تكون للسببية ، ثم إنه رأى السببية لا تتصور في هذه الصورة إذا أردنا هذا المعنى ، والذي استشكله ظاهر والجواب عنه ما ذكرته ، والله تعالى أعلم.

قال ناظر الجيش : قال الإمام بدر الدين (٤) : لا يجوز تقديم الجواب بـ «الفاء» ـ

__________________

(١) انظر : الإيضاح شرح المفصل (٢ / ١٦).

(٢) أورده البخاري في باب الجنائز عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه ، انظر : صحيح البخاري بشرح السندي (١ / ٢١٧ ، ٢٣٩) والموطأ (١ / ٢٣٥) وانظر : الفائق في غريب الحديث للزمخشري (١ / ٣٠٦) ويعني بتحلة القسم : الورود والاجتياز كما في قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) [مريم : ٧١].

(٣) هذا الكلام هو مضمون كلام ابن الحاجب في الإيضاح شرح المفصل (٢ / ١٦ ، ١٧).

(٤) انظر : شرح التسهيل للإمام بدر الدين (٤ / ٣٤).

٥١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

على سببه ؛ لأنه معطوف فلا يتقدم على المعطوف عليه ، وقال ابن السراج (١) : وقد أجازوا ـ يعني الكوفيين ـ متى فآتيك تخرج؟ ولم فأسير تسير؟ وقد يحذف سبب الجواب بالفاء بعد الاستفهام لدلالة القرينة عليه ، قال الكوفيون (٢) : والعرب تحذف الأول مع الاستفهام للجواب ، ومعرفة الكلام فيقولون : متى فأسير معك؟ وقال الكوفيون (٣) : «كأنّ» ينصب الجواب معها ، قال ابن السراج : وليس بالوجه (٤) ، وذاك إذا كانت في غير معنى التشبيه وهو نحو قولك : كأنّك وال علينا فتشتمنا.

وربما نفي بـ «قد» فينصب بعدها الجواب ، ذكر ذلك ابن سيده (٥) وحكي عن بعض الفصحاء : قد كنت في خير فتعرفه ، بالنصب على معنى : ما كنت في خير فتعرفه. انتهى.

والذي تضمنه كلام المصنف هنا الإشارة إلى مسائل أربع :

الأولى :

أن الجواب بـ «الفاء» لا يتقدم على سببه ، لأن «الفاء» حرف عطف والمعطوف لا يتقدم على المعطوف عليه ، ولما لم تكن «الفاء» عاطفة عند الكوفيين أجازوا التقديم ؛ لأنه جواب تقدم على سببه مع تقدم بعض الجملة فلم يتقدم على جميع الجملة ، ومن مذهبهم جواز تقديم جواب الشرط على الشرط بكماله ، قيل : وإذا جوّزوا ذلك في الشرط فلأن يجوزوه هنا مع بقاء بعض الجملة صدرا أولى وأحرى (٦).

المسألة الثانية :

أن سبب الجواب بـ «الفاء» قد يحذف بعد الاستفهام لدلالة القرينة عليه وقد تقدم مثال ذلك (٧) ، لكن قال الشيخ (٨) : وينبغي أن يكون ذلك في استفهام ـ

__________________

(١) انظر : الأصول لابن السراج (رسالة) (٢ / ١٨٠).

(٢) انظر : التذييل (٦ / ٦٣٠).

(٣) المرجع السابق.

(٤) انظر : الأصول لابن السراج (٢ / ١٨٠) ، والتذييل (٦ / ٦٣٠).

(٥) انظر : التذييل (٦ / ٦٣٠) ، والهمع (٢ / ١٢).

(٦) انظر : التذييل (٦ / ٦٢٨).

(٧) وهو ما ذكره الكوفيون من قولهم : متى فأسير معك.

(٨) انظر : التذييل (٦ / ٦٣٠).

٥١٦

[إضمار «أن» وجوبا بعد واو المعية في الأجوبة المذكورة]

قال ابن مالك : (فصل : وتضمر «أن» النّاصبة أيضا لزوما بعد «واو» الجمع واقعة في مواضع «الفاء» فإن عطف بهما أو بـ «أو» على فعل قبل ، أو قصد الاستئناف بطل إضمار «أن» ، ويميّز «واو» الجمع تقدير «مع» موضعها ، و «فاء» الجواب تقدير شرط قبلها أو حال مكانها).

______________________________________________________

الاستثبات ، بأن يقول القائل : أسير فتقول له : متى؟ فإنك لو اقتصرت على قولك : متى جاز بخلاف أن يكون ابتداء استفهام فإنه لا يجوز فإذا كان كذلك كان الفعل مدلولا عليه بسابق الكلام فكأنه ملفوظ فيجوز ذلك لهذا المعنى. انتهى.

وما قاله غير ظاهر ؛ فإن الكوفيين صرحوا بأن الحذف إنما هو لدلالة الجواب كما تقدم نقل الإمام بدر الدين لذلك عنهم.

المسألة الثالثة :

أن النفي قد يلحق به غيره فينصب الجواب حينئذ ، والذي ألحق بالنفي شيئان : التقليل والتشبيه ، قال المصنف في شرح الكافية (١) : التقليل يجري مجرى النفي في إيلائه جوابا منصوبا فيقال : قلما تأتينا فتحدثنا كما يقال : ما تأتينا فتحدثنا ؛ فجواز هذا وأمثاله متفق عليه ، وزاد الكوفيون إجراء التشبيه مجرى النفي نحو : كأنك أسير فنطيعك لأن فيه معنى : ما أنت أمير فنطيعك.

المسألة الرابعة :

أن «قد» ينفى بها فينصب الجواب بعدها ، وتقدم ذكر ما حكاه ابن سيده من ذلك عن بعض فصحاء العرب وهو : قد كنت في خير فتعرفه.

قال ناظر الجيش : قال المصنف في شرح الكافية (٢) بعد ذكر «الفاء» ومواقعها : فلو وقع موقع الفاء «واو» مقصود بها المصاحبة نصب الفعل أيضا بعدها على نحو ما ينصب بعد الفاء ، فمن ذلك قول الشاعر (٣) : ـ

__________________

(١) انظر : شرح الكافية الشافية (٢ / ١٥٥٥).

(٢) انظر : شرح الكافية الشافية (٣ / ١٥٤٧) وما بعدها.

(٣) نسبه في الكتاب (٣ / ٤١) للأخطل ، وكذا فعل ابن يعيش (٧ / ٢٤) ، ونسبه الزمخشري في

٥١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

٣٨٧٤ ـ لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم (١)

ومثله قول الآخر (٢) :

٣٨٧٥ ـ فقلت ادعي وأدعو إنّ أندى

لصوت أن ينادي داعيان (٣)

ومثله قول الآخر في النفي :

٣٨٧٦ ـ ألم أك جاركم ويكون بيني

وبينكم المودّة والإخاء (٤)

ومن النصب [٥ / ١٢٣] بعد «واو» الجمع الواقعة بعد نفي قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)(٥).

ومن النصب بعدها في التمني قوله تعالى : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(٦) في قراءة حمزة (٧) وحفص (٨).

قال ابن السراج (٩) : الواو ينصب ما بعدها في غير الواجب من حيث انتصب ما ـ

__________________

المستقصى (٢ / ٢٦٠) للمتوكل الكناني ، ونسب لسابق البربري ، وللطرماح بن حكيم ، والمشهور أنه من قصيدة لأبي الأسود الدؤلي انظر ملحقات ديوانه (ص ١٣٠).

(١) هذا البيت من الكامل. واستشهد به : على نصب المضارع في قوله : «وتأتي» بـ «بأن» مضمرة بعد الواو التي للمصاحبة لوقوعها بعد النهي. وانظر البيت في الكتاب (٣ / ٤١) ، والمقتضب (٢ / ١٦) والأصول لابن السراج (٢ / ١٢٨) ، وابن يعيش (٧ / ٢٤) ، والعيني (٤ / ٣٩٣) ، والمغني (ص ٣٦١) والخزانة (٣ / ٦١٧).

(٢) نسب في الكتاب (٣ / ٤٥) للأعشى وليس في ديوانه ، ونسبه الزمخشري في المفصل (ص ٢٤٨) لربيعة بن جشم ، وابن يعيش (٧ / ٣٣) للحطيئة ، أو الأعشى ، وعزاه ابن بري لدثار بن شيبان النمري.

(٣) هذا البيت من الوافر ومعناه : قلت لهذه المرأة ينبغي أن يجتمع صوتي وصوتك في الاستغاثة فإن أرفع صوت دعاء داعيين.

والشاهد فيه : قوله : «وأدعو» حيث نصب بعد الواو التي للمصاحبة لوقوعها بعد الأمر. وانظر البيت في الكتاب (٣ / ٤٥) ومعاني القرآن للفراء (٢ / ٣١٤) ، والمفصل (ص ٢٤٨) ، وابن يعيش (٧ / ٣٣).

(٤) تقدم.

(٥) سورة آل عمران : ١٤٢.

(٦) سورة الأنعام : ٢٧.

(٧) حمزة بن حبيب بن عمارة أحد القراء السبعة ، انعقد الإجماع على تلقي قراءاته بالقبول. توفي سنة (١٥٦ ه‍) انظر طبقات القراء (١ / ٢٦١).

(٨) انظر : الحجة لابن خالويه (ص ١٣٧) والكشف (١ / ٤٢٧).

(٩) انظر : الأصول لابن السراج (٢ / ١٥٤).

٥١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد «الفاء» وإنما تكون كذلك إذا لم ترد الاشتراك بين الفعل والفعل ، وأوردت عطف الفعل على مصدر الفعل الذي قبلها كما كان في «الفاء» وأضمرت «أن» وتكون الواو في هذا الموضع بمعنى «مع» فقط.

وقال ولده بدر الدين (١) : الواو حرف عطف ويقع المضارع بعدها على أربعة أوجه : لأنه إما مشارك لما قبلها في حكمه ، وإما مخالف له وذلك إذا كان ما قبل «الواو» غير واجب وما بعدها إما مستأنف وإما مصاحب عطف لنفي الجمع غير مبني على مبتدأ محذوف أو مبني على مبتدأ محذوف.

فإذا قصد بالمضارع بعد «الواو» إشراكه فيما قبلها تبعه في إعرابه ، وإن قصد به أنه مستأنف أو مصاحب عطف لنفي الجمع وهو مبني على مبتدأ محذوف رفع كقولك : ما تأتيني وتحدثني على استئناف إثبات الحديث بعد نفي الإتيان ، أو على نفي الجمع بين الإتيان والحديث والذهاب إلى معنى : وأنت تحدثنا ، وإن قصد به أنه مصاحب عطف لإفادة نفي الجمع وليس مبنيّا على مبتدأ محذوف نصب كقولك :

ما تأتينا وتحدثنا على نفي الجمع بين الإتيان والحديث على معنى : ما تأتينا محدثا ؛ أي : تأتي ولا تحدث ، ونصبه عند الكوفيين (٢) بـ «الواو» وعند البصريين (٣) بـ «أن» لازمة الإضمار وما قبل «الواو» في تأويل مصدر معمول لفعل محذوف ليصح العطف عليه والتقدير : ما كان منك إتيان وحديث ، فنصبوا الفعل على هذا التأويل ليدلوا على المصاحبة ونفي الجمع ، وإنما يكون ذلك في مواضع الفاء.

أما الأمر : فكقولك : زرني وأزورك ، بالنصب ؛ على معنى : زرني مع زيارتي لك ، أي : اجمع بين الزيارتين ، والتقدير : لتكون زيارة منك وزيارة مني قال الشاعر :

٣٨٧٧ ـ فقلت ادعي وأدعو إنّ أندى

لصوت أن ينادي داعيان (٤)

وأما النهي : فكقولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، والتقدير : لا يكن منك أكل السمك وشرب اللبن ، ويجوز فيه الجزم على التشريك والنهي عن كل من المفعولين ، والرفع على إضمار مبتدأ و «الواو» للحال كأنه قيل : لا تأكل السمك ـ

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل لبدر الدين (٤ / ٣٥).

(٢) انظر الهمع (٢ / ١٤).

(٣) المرجع السابق.

(٤) تقدم.

٥١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأنت تشرب اللبن أي : في حال شربك اللبن ، أو على الاستئناف كأنه قيل :

ومشروبك اللبن أكلت السمك أو لم تأكله ، فأما قول الأخطل :

٣٨٧٨ ـ لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم (١)

فالنصب على معنى : لا تجمع بين أن تنهى وتأتي ، ولو جزم كان المعنى فاسدا ، ولو رفع جاز على إضمار مبتدأ و «الواو» للحال لا على الاستئناف.

وأما الدعاء : فكقولك : رب وفقني وأطيعك ، فينصب فيه ما بعد الواو كما في قول الآمر. وأما الاستفهام : فكقولك : هل تأتينا وتحدثنا؟ فتنصب على معنى : هل يكون منك إتيان وحديث ، وإن شئت رفعت على الاشتراك في الاستفهام ، أو على إضمار مبتدأ وقصد الحال ، أو على الاستئناف.

وأما النفي : فكقولك : لا يسعني شيء ويعجز عنك (٢) ، كما قال تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)(٣) ، وقال الأخطل (٤) :

٣٨٧٩ ـ ألم أك جاركم ويكون بيني

وبينكم المودّة والإخاء (٥)

وإن شئت رفعت على ما رفعت عليه بعد الاستفهام.

وأما العرض : فكقولك : ألا تنزل وتصيب خيرا.

وأما التحضيض : فكقولك : هلا أمرت وتطاع ، ينصب فيهما (٦) ما بعد الواو كما في النفي والاستفهام.

وأما التمني : فكقولك : ليتك تأتيني وتحدثني ، فتنصب على معنى : ليتك تجمع بين الإتيان والحديث ، والتقدير : ليتك كان منك إتيان وحديث ، ومثله قراءة حمزة وعاصم (٧) : يليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين (٨) ، وإن شئت ـ

__________________

(١) تقدم.

(٢) من أمثلة الكتاب (٣ / ٤٣).

(٣) سورة آل عمران : ١٤٢.

(٤) هكذا في نسخة (ج) ، (أ) والصواب أنه للحطيئة.

(٥) تقدم.

(٦) أي : في العرض والتحضيض.

(٧) انظر الحجة لابن خالويه (ص ١٣٧) ، والكشف (١ / ٤٢٧) ، وقد روى حفص عن عاصم فنسبت القراءة إليه.

(٨) سورة الأنعام : ٢٧.

٥٢٠