شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٨

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٨

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي شرح المفصل لابن عمرون ـ رحمه‌الله تعالى : «لو سمي بمدائن محاريب فقيل : حكمه الإضافة ، لأن باب الإضافة أوسع من باب الأسماء المركبة ، ولو أجري على طريقة «حضر موت» كان قياسه أن يصرف في النكرة ، كذا ذكر الرماني(١) ، وقال الزمخشري : إذا ركبت اسما من كلب صفراء قلت : هذا كلب صفراء فلم تصرفه للعلمية والتركيب ، فإذا نكرته صرفته فقلت : رب كلب صفراء ، وقال ابن بابشاذ : لو سمينا رجلا بمحاريب مساجد بالكلمتين معا لكان حكمه كحضر موت ؛ لأنك لما أدخلت هذا باب التركيب أعطيته حكمه فصرفته في النكرة كصياقل لا ينصرف ، فإذا دخلته تاء التأنيث انصرف في النكرة ، ولو سميت باسمين مركبين وفي آخر الثاني علة تقوم مقام علتين ، مثل صاحب حمراء لصرفته في النكرة لدخوله في باب ما لا ينصرف في النكرة ، ولو ثنيت لم تقلب همزته بل تفردها فتقول : صاحب حمراءان ، قال ابن عمرون بعد ذكره ذلك : والذي أراه ما ذكره ابن خروف أن العلة إن كانت مما يمنع من الصرف وحدها لم ينصرف في النكرة ؛ ولذلك إذا كان آخر المركب أحد هذه الأسماء نحو : رام سكران الثاني غير مخفوض بالكسرة في المعرفة والنكرة ؛ لأنك لما نكرته بقيت فيه علة لا ينصرف الاسم الذي هي فيه أبدا مركبا كان أو غير مركب ، وصرف مثل هذا خطأ في النكرة ، وكذا تثنية حمراء في التركيب كتثنيتها قبل التركيب ، وإثبات الهمزة في التثنية فاسد ، وتشبيه ابن بابشاذ المركب بصياقلة لا وجه له ؛ لأن التاء دخلت الاسم الأول وركب معها ومنعته ما يكون فيه إذا لم تدخل عليه ، ومساجد حمراء لم يدخل عليها شيء ، وحمراء آخر الكلمة فلم يجر فيه حكم ما دخلته تاء التأنيث ، والذي بمنزلة صياقل الاسم الأول ، وعزا ابن بابشاذ القول إلى الأخفش وهو فاسد قاله من قاله» انتهى.

والظاهر ما أشار إليه ، وقد قلنا إن الذي يقتضيه كلام المصنف أن مختاره ذلك عدم الصرف ، فقد وافق كلام ابن عمرون كلامه في المسألة ، ولا يخفى أن ابن عمرون من الحذاق المعتبرين ، فرحمهم الله تعالى أجمعين بمنه وكرمه. ـ

__________________

(١) الرماني : علي بن عيسى بن علي مفسر من كبار النحاة : له نحو مائة مؤلف منها : شرح أصول ابن السراج ، وشرح سيبويه (حققه د / الزهيري بالمنصورة) وتوفي سنة (٣٨٤ ه‍) (٢ / ٢٩٤ ، ٢٩٦) ، وبغية الوعاة (٢ / ١٨٠ : ١٨١) ، والأعلام (٤ / ٣١٧).

٣٤١

[حكم جوار ونحوه في أحواله الثلاثة]

قال ابن مالك : (فصل : ينوّن [٥ / ٧٦] في غير النّصب ما آخره ياء تلي كسرة من الممنوع من الصّرف ، ويحكم للعلم منه عند يونس بحكم الصّحيح إلا في ظهور الرّفع ، فإن قلبت الياء ألفا منع التّنوين باتّفاق).

______________________________________________________

وأما قول المصنف : وله في أحد قوليه وللمبرّد في نحو : هوازن وشراحيل وأحمر فيشير به إلى المسألتين المتقدمتي الذكر وهما : الجمع المتناهى إذا سمي به ثم نكر بعد التسمية ، و «أفعل» الممنوع الصرف وهو وصف إذا سمي به ثم نكر بعد التسمية ، وقد تقدم الكلام على المسألتين بما فيه غنية ، والإشارة إلى ذكر خلاف الأخفش فيهما وأنه وافق سيبويه في مسألة «أحمر».

والذي استفدناه زائدا هنا أن المبرد خالف (١) فيكون مذهبه في المسألتين خلاف ما عليه سيبويه والجماعة فيهما.

وأما قوله : وما لم يمنع إلّا مع العلميّة منكّرا بإجماع فقد قامت الإشارة إلى ذلك ، والذي لا يمنع إلّا مع العملية هو زيادة الألف والنون في غير «فعلان فعلى» ووزن الفعل في غير «أفعل فعلاء» وما حمل عليه ، والعدل في غير العدد ، و «أخر» والتأنيث بغير الألف ، والتركيب ، والعجمة ، وألف الإلحاق ، وحكم ألف التكثير حكم ألف الإلحاق فتقول : مررت بعثمان وعثمان آخر ، وبأحمد وأحمد آخر ، وبعمر وعمر آخر ، وبطلحة وطلحة آخر ، وبمعدي كرب ومعدي كرب آخر ، وبإبراهيم وبإبراهيم آخر ، وبأرطى (٢) وأرطى آخر ، وبقبعثرى وقبعثرى آخر ، وقد تقدم ذكر الموجب للصرف (٣).

وليعلم أن التنوين اللاحق لهذه الأسماء التي ذكرها هو تنوين الصرف ، ولا يتوهم الصرف ، ولا يتوهم أنه تنوين التنكير ؛ لأن تنوين التنكير إنما يلحق الأسماء المبينة فرقا بين معرفتها ، ونكرتها ، وهذه الأسماء معربة.

قال ناظر الجيش : المراد في هذا الفصل الإشارة إلى كل اسم في آخره «ياء» تلي ـ

__________________

(١) انظر المقتضب (٣ / ٣١٢ ، ٣٤٥).

(٢) الأرطى : شجر ينبت بالرمل واحدته أرطاة ، انظر اللسان (أرط).

(٣) الموجب للصرف هو زوال التعريف فلم يبق إلا علة واحدة. انظر التذييل (٦ / ٣٩٦).

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

كسرة مما هو ممنوع الصرف نحو : جوار وأعيم ، ونحو : يغزو ويرمي مسمّى بهما ، وأنا أورد أولا كلامه في شرح الكافية ثم أعود لما في الكتاب ، قال (١) ـ رحمه‌الله تعالى ـ : «المنقوص الذي نظيره من الصحيح غير منصرف إن كان غير علم كجوار وأعيم تصغير أعمى ، فلا خلاف أنه في الرفع والجر جار مجرى قاض في اللفظ ، وفي النصب جار مجرى نظيره من الصحيح ، فيقال : هؤلاء جوار وأعيم ، ومررت بجوار وأعيم ، ورأيت جواري وأعيمي كما يقال : هذا قاض ومررت بقاض ورأيت صواحب وأسيد ، وكذا إن كان علما في مذهب الخليل وسيبويه (٢) وأبي عمرو وابن أبي إسحاق (٣) وأما يونس (٤) وأبو زيد وعيسى والكسائي (٥) فيقولون في قاض اسم امرأة : هذه قاضي ، ورأيت قاضي ، ومررت بقاضي ، فلا ينون في رفع ولا جر ، بل يثبتون الياء ساكنة في الرفع ، ويفتحونها في الجر ، كما تفعل بالصحيح ، ومذهب الخليل هو الصحيح ، لأن نظائر جوار من الصحيح لا ينوّن في تعريف ولا تنكير وقد نوّن ، ونظائر قاض اسم امرأة لا ينون في تعريف وينون في تنكير ، فتنوينه أولى من تنوين جوار ، وقول الراجز :

٣٧٣٧ ـ قد عجبت منّي ومن يعيليا

لمّا رأتني خلقا مقلوليا (٦)

من الضرورات على مذهب الخليل ، وليس من الضرورات على مذهب يونس (٧) ، وشبه (٨) ثمانيا بجوار من قال :

__________________

(١) انظر شرح الكافية الشافية (٣ / ١٥٠٦).

(٢) انظر الكتاب (٣ / ٣١٠ : ٣١١).

(٣) انظر شرح التصريح (٢ / ٢٢٨).

(٤) انظر الكتاب (٣ / ٣١٢).

(٥) انظر الأشموني (٣ / ٢٧٣) وشرح التصريح (٢ / ٢٢٨).

(٦) هذان بيتان من الرجز المشطور وهما للفرزدق وليسا في ديوانه وهما من أبيات سيبويه.

الشرح : يعيليا : مصغر يعلى اسم رجل ، وخلقا بفتح الخاء واللام : وهو العتيق جدّا وأراد به رثّ الهيئة ودمامة الخلقة ، والمقلولي : المتجافي المنكمش ، وأصله ومقلوليا فحذف العاطف للضروة.

والشاهد في قوله : «يعيليا» حيث حرك الياء للضرورة ولم ينونه ؛ لأنه لا ينصرف.

وانظر الرجز في الكتاب ، (٣ / ٣١٥) (هارون) والمقتضب (١ / ١٤٢) ، والعيني (٤ / ٣٥٩) وشرح التصريح (٢ / ٢٢٨).

(٧) انظر الكتاب (٣ / ٣١٢) والعيني (٤ / ٣٥٩).

(٨) شبهها بها في اللفظ انظر سر الصناعة (٢ / ١٨٣) وما ينصرف وما لا ينصرف (ص ٤٧).

وقال في الكتاب (٣ / ٢٣١): «وقد جعل بعض الشعراء ثماني بمنزلة حذار».

٣٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

٣٧٣٨ ـ يحدو ثماني مولعا بلقاحها

حتّى هممن بزيغة الإرتاج (١)

انتهى.

وما ذكره عن يونس ومن وافقه أنهم يقولون في قاض اسم امرأة : هذه قاضي ، ورأيت قاضي ، ومررت بقاضي ، فهو جار عندهم في نحو جوار وأعيم إذا سمي بهما فيقولون : هؤلاء جواري ، ورأيت جواري ، ومررت بجواري ، وكذا يقولون : هذا أعيمي ، ورأيت أعيمي ، ومررت بأعيمي.

وإذا تقرر هذا فقوله في التسهيل ينوّن في غير النّصب ما آخره ياء تلي كسرة من الممنوع الصّرف يشمل ما كان غير علم ، وما كان علما ، وكما شمل قوله : من الممنوع الصّرف نحو : جوار وأعيم ويغزو ويرمي مسمى بهما شمل نحو : قاض مسمّى به امرأة ، ولما كان يونس يخالف في العلم فيثبت الياء ساكنة في الرفع ويفتحها في حالتي النصب والجر قال : «ويحكم للعلم منه بحكم الصّحيح إلّا في ظهور الرّفع».

اعلم أن «صحار» و «عذار» جمعي : صحراء وعذراء حكمهما في منع الصرف حكم «جوار» (٢) لا شك أن نحو : صحراء وعذراء كما يجمع على «فعال» يجمع على «فعالى» بقلب الياء من «صحار» ألفا ، لكن لما كان «فعال» ينوّن دون «فعالى» أشار المصنف إلى ذلك بقوله : فإن قلبت الياء ألفا منع التّنوين باتّفاق.

كان الواجب لذلك أن التنوين إنما هو تنوين عوض ، وقد تقدم في فصل «التنوين» عنه عند سيبويه عوض من الياء لا من حركتها ، والياء إنما حذفت لموجب ، فلما حذفت أتى بالتنوين وصاغها ، وأما الألف المنقلبة عن الياء فلا موجب ـ

__________________

(١) هذا البيت من الكامل ، وهو لابن ميادة.

الشرح : قوله : يحدو من الحدو ، وهو سوق الإبل والغناء لها ، ومولعا : حال من الضمير الذي في يحدو ، من أولع بالشيء إذا أغرم به ، واللقاح : بفتح اللام ماء الفحل وهو المراد هنا ، والزيغة : الميلة ، عني به أسقاطها ما أرتجت عليه أرحامها أي : أغلقتها ، يقول : إن ناقته تشبه في سرعتها حمارا وحشيّا يحدو ثماني أتن أي يسوقها عنيفا حتى هممن بإسقاط الأجنة. والشاهد فيه : منع صرف «ثماني» للضرورة تشبيها له ـ بمساجد ـ والبيت في الكتاب (٣ / ٢٣١) والعيني (٤ / ٣٥٢) ، والخزانة (١ / ٧٦).

والأشموني (٣ / ٢٤٨) ، واللسان (ثمن) و (رتج).

(٢) انظر التذييل (٦ / ٤٠٢).

٣٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لحذفها وإذا لم تحذف كان الذي يؤتى به عوضا مستغنى عنه حينئذ.

فإن قيل : ما الموجب لتفرقة يونس ومن وافقه بين الاسم الذي هو علم والاسم الذي هو غير علم حتى إنهم نوّنوا نحو : جوار وأعيم ولم ينونوا نحو : قاض مسمّى به امرأة؟

فالجواب : أنهم ذكروا أن المقتضي لإثبات الياء وعدم التنوين على رأي هؤلاء الجماعة أنهم يزعمون أن التنوين في «جوار» ونحوه تنوين صرف لشبه «جوار» بعد حذف الياء بنحو : جناح وسلام ، ولا يمكنهم أن يدّعوا في قاض اسم امرأة إذا قلنا : هذه قاض أن التنوين تنوين صرف ؛ لأن علة منع صرفه قائمة ، ولا يسعهم أن يقدروه عريّا عنها ، ولا يمكن أن يكون التنوين للعوض ؛ فلذلك حذفوه في «قاض» اسم امرأة ، وأثبتوا الياء.

وأقول : مقتضى هذا الجواب أننا إذا سمينا مذكرا بنحو «جوار» أن ينصرف ؛ إذا ليس فيه حينئذ إلّا علة واحدة وهي العلمية ؛ لأنهم قد حكموا بصرفه قبل التسمية لصيرورته كجناح وسلام ، ورأيت في شرح الشيخ (١) أنهم يمنعونه للعلمية وشبه العجمة ، ولم يظهر لي وجه شبه العجمة ، لأن مثال : جناح وسلام من الأوزان العربية.

وأما قولهم : إن التنوين في «قاض» اسم امرأة لا يمكن أن يكون للعوض فممنوع ، فقد ذكروا (٢) أن تنوين الصرف حذف منه للعلمية والتأنيث وعادت الياء التي كانت حذفت بسببه ثم حذفت الياء منه رفعا وجرّا كما حذفت من «جوار» قبل التسمية به ؛ لأن الياء من «قاض» قد انضاف إلى ثقلها ثقل الاسم الذي أوجب له منع الصرف ، كما أنها من «جوار» كذلك ثم عوض منها التنوين بعد الحذف كما فعلوا ذلك بجوار ؛ لأن الياء المحذوفة لثقلها وثقل الاسم الذي هي فيه إنما تحذف بشرط أن يعوض منها التنوين ، بدليل أنهم لا يحذفونها من «الجواري» ولا من «جواريك» لتعذر تعويض التنوين منها.

وأما إظهارهم الفتحة في الياء حالة الجر لخفتها ، فقد قيل : إنها خطأ ، لأن العرب أجرتها مجرى ما يستثقل في الياء وهو الكسرة ، ولما كانت مثلها علامة خفض فحذفوها لذلك ، والدليل على هذا أنهم لم يقولوا قبل التسمية : مررت ـ

__________________

(١) انظر التذييل (٦ / ٣٩٨).

(٢) انظر التذييل (٦ / ٣٩٩).

٣٤٥

[الآراء في إعراب المركب المزجي]

قال ابن مالك : (فصل قد يضاف صدر المركّب فيتأثّر بالعوامل ما لم يعتلّ ، وللعجز حينئذ ما له لو كان مفردا ، وقد لا يصرف «كرب» مضافا إليه «معدي» ، وقد يبنى هذا المركب تشبيها بخمسة عشر).

______________________________________________________

بجواري كما قالوا في النصب : رأيت جواري ، ولو كانت الفتحة التي هي علامة للخفض لا تحذف من الياء لخفتها كما ذهبوا إليه لقالوا ذلك (١).

قال ناظر الجيش : لما قدم أن التركيب ـ وهو تركيب المزج ـ الذي عبر عنه [٥ / ٧٧] بأنه «يضاهي لحاق هاء التّأنيث» يمنع ما هو فيه الصرف مع العلمية ، أشار الآن إلى أن له في اللغة استعمالين آخرين وهما : إضافة الجزء الأول إلى الثاني ، وبناء الجزء الأول والثاني كالبناء في «خمسة عشر».

وأفاد بقوله هنا : قد يضاف ، وقد يبنى إلى أن اللغة الأولى وهو إعراب الاسم بتمامه إعراب ما لا ينصرف هي اللغة الكبرى ، وأن الإضافة فيه أشهر من البناء ، قال في شرح الكافية (٢) :

«المركب تركيب مزج نحو : بعلبك ، ومعدي كرب ، في الأصل اسمان جعلا اسما واحدا لا بإضافة ولا إسناد ، بل يتنزل ثانيهما من الأول منزلة تاء التانيث ، ولذلك التزم فتح آخر الأول إن كان صحيحا كـ «لام» بعلبك ، وإن كان معتلّا كـ «ياء» معدي كرب التزم سكونه تأكيدا للامتزاج ، ولأن ثقل التركيب أشد من ثقل التأنيث فجعلوا لمزيد الثقل مزيد تخفيف بأن سكنوا «ياء» معدي كرب ونحوه ، وإن كان مثلها قبل تاء التأنيث يفتح ، وقد يضاف أول جزأي المركب إلى ثانيهما فيستصحب سكون «ياء» معدي كرب ونحوه تشبيها بـ «دردبيس» (٣) ، فيقال : رأيت معدي كرب ؛ ولأن من العرب من سكن مثل هذه الياء في النصب مع الإفراد تشبيها بالألف ، فالتزم في التركيب لزيادة الثقل ما كان جائزا في الإفراد ، والثاني من الجزأين إذا أضيف الأول إليه يعامل معاملته لو كان مفردا ، فإن كان فيه ـ

__________________

(١) انظر التذييل (٦ / ٣٩٩) وقد اعتمد عليه المؤلف دون إشارة.

(٢) انظر شرح الكافية الشافية (٣ / ١٤٥٥).

(٣) الدردبيس : حمزة سوداء كأن سوادها لون الكبد. انظر اللسان (دردبس).

٣٤٦

[ما يمتنع صرفه للوصفية والعدل]

قال ابن مالك : (فصل العدل المانع مع الوصفيّة مقصور على «أخر» مقابل «آخرين» وعلى موازن «فعال» و «مفعل» من عشرة وخمسة فدونها سماعا وما بينهما قياسا ، وفاقا للكوفيين والزّجّاج ، ولا يجوز صرفها مذهوبا بها مذهب الأسماء ، خلافا للفرّاء ولا منكّرة بعد التّسمية خلافا لبعضهم).

______________________________________________________

مع التعريف سبب يؤثر منع الصرف منع الصرف كـ «هرمز» من «رامهرمز» (١) فإن فيه مع التعريف عجمة مؤثرة ، فيجر بالفتحة ويعرب الأول بما تقتضيه العوامل نحو : جاء رامهرمز ، ورأيت رامهرمز ، ومررت برامهرمز ، ويقال في حضر موت : هذا حضر موت ، ورأيت حضر موت ، ومررت بحضر موت ؛ لأن «موتا» ليس فيه مع التعريف سبب ثان ، وكذلك «كرب» في اللغة المشهورة (٢) ، وبعض العرب لا يصرفه فيقول في الإضافة إليه : هذا معدي كرب فجعله مؤنثا. انتهى.

وقد عرف من هذا شرح ما تضمنه هذا الفصل والذي ذكره هنا من بناء الجزأين زائد على ما ذكره ثمّ (٣).

قال ناظر الجيش : قد علم مما تقدم أن العدل من العلل المانعة الصرف ، ولكن لم يتعرض إلى ذكر الصيغ التي حصل فيها العدل ، فأشير في هذا الفصل إلى ذلك ، ولما كان العدل منه ما يمنع مع الوصفية ، ومنه ما يمنع مع العلمية ميز المصنف أحدهما عن الآخر ، وبدأ بذكر ما يمنع مع الوصفية ، ثم ذكر ما يمنع مع العلمية لأن الذي يمنع مع الوصف مقدم الذكر في أول الباب على الذي يمنع مع العلمية ، لكن قد ذكر المصنف في هذا الباب أن العدل يمنع مع أمر ثالث أيضا وهو : شبه العلمية أو الوصفية كما سيجيء تقريره.

أما العدل المانع مع الوصفية فهو مقصور ـ كما ذكرنا ـ على «أخر» وعلى موازن «فعال» و «مفعل» من أسماء العدد ، قال في شرح الكافية (٤) :

«أما أخر فهو المقابل لآخرين ، وهو جمع أخرى أنثى آخر ، لا جمع أخرى ، ـ

__________________

(١) رامهرمز : موضع انظر اللسان (هرمز).

(٢) انظر الأشموني (٣ / ٢٥٠).

(٣) أي في التسهيل (ص ٢١٩).

(٤) انظر شرح الكافية الشافية (٣ / ١٤٤٨).

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بمعنى آخرة ، فإن أخرى قد تكون بمعنى آخرة قال الله تعالى : (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ)(١) وهذه تجمع على «أخر» مصروفا ، لأنه غير معدول ، ذكر ذلك الفراء (٢) رحمه‌الله تعالى ، والفرق بين أخرى وأخرى (٣) أن التي هي أنثى آخر لا تدل على الانتهاء كما لا يدل عليه مذكرها ؛ فلذلك يعطف عليها أمثالها في صنف واحد [كقولك : عندي بعير وآخر وآخر وآخر ، وعندي ناقة وأخرى وأخرى وأخرى ، وأما أخرى بمعنى آخرة فتدل على الانتهاء ولا يعطف عليها مثلها في صنف واحد] ، وإذا علم الفرق بين أخرى وأخرى ، وآخر وآخر ، فليعلم أن مانع «أخر» من الصرف الوصفية والعدل ، فالوصفية ظاهرة ، والعدل أيضا بيّن ، وذلك أنه من باب «أفعل التفضيل» وأصله أن لا يجمع إلّا مقرونا بالألف واللام كـ «الكبر» و «الصّغر» فعدل عن أصله وأعطي من الجمعية مجردا ما لا يعطى غيره إلا مقرونا ، فهذا عدل من الألف واللام لفظا ، ثم عدل عن معناهما لأن الموصوف به لا يكون إلا نكرة ، وكان حقه إذا عدل عن لفظهما أن ينوى معناهما مع زيادة كما نوي معنى اثنين بـ «مثنى» مع زيادة التضعيف ، وكما نوي بـ «يا فسق» معنى : يا فاسق مع زيادة المبالغة ، وكما نوي معنى : عامر بـ «عمر» مع زيادة الوضوح ، فلما عدل «أخر» ولم يكن في عدله زيادة كغيره من المعدولات كان بذلك معدولا عدلا ثانيا كـ «مثنى» وأخواتها فهذا اعتبار صحيح وأجود منه أن يقال : كان أصل «أخر» لتجرده عن الألف واللام (٤) أن يستغنى فيه بـ «أفعل» عن «فعل» كما يستغنى بـ «أكبر» عن «كبر» في نحو : رأيتها مع نسوة أكبر منها لكنهم أوقعوا «فعلا» موقع «أفعل» فكان ذلك عدلا من مثال إلى مثال وهو أولى من العدل عن مصاحبة الألف واللام لكثرة نظائره وقلة نظائر الآخر ، ولأن المعدول إليه حقه أن يزيد معنى ، وذلك في هذا الوجه محقق لأن تبين الجمعية بـ «أخر» أكمل من تبيينها بـ «آخر» ولأن الوجه الأول يلزم منه مساواة «أخر» لـ «سحر» في زوال العدل بالتسمية ، وقد نص سيبويه (٥) على أن «أخر» إذا ـ

__________________

(١) سورة الأعراف : ٣٨.

(٢) لم أجده في معاني القرآن ، وانظر الأشموني (٣ / ٢٣٩).

(٣) انظر الأشموني (٣ / ٢٤٠).

(٤) انظر الكتاب (٣ / ٢٢٤).

(٥) انظر الكتاب (٣ / ٢٢٤).

٣٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

سمّي به لا ينصرف لبقاء العدل ، ولا يكون ذلك إلّا بالعدل عن مثال إلى مثال بخلاف العدل عن الألف واللام.

وأما المعدول في العدد فهو من «واحد» إلى «أربعة» بلا خلاف وهي على «فعال» أو «مفعل» نحو : رأيت القوم أحاد أو موحد ، ومررت بهم ثناء أو مثنى ، ونظرت إليهم ثلاث أو مثلث ، وأعطيتهم دراهم رباع [٥ / ٧٨] أو مربع ، وقد يقال : ربع ، وبه قرأ (١) ابن وثّاب.

ولم تستعمل هذه الأمثلة إلّا نكرات ، إما أخبار كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة اللّيل مثنى مثنى» (٢) ، وإما أحوال كقوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ)(٣) ، وإمّا نعوت لمنكرات ، كقوله تعالى : (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ)(٤) ، وامتناعها من الصرف عند سيبويه وأكثر النحويين (٥) للعدل والوصفية ، ومنهم (٦) من جعل امتناعها للعدل في اللفظ وفي المعنى ، أما في اللفظ فظاهر ، وأما في المعنى فلأن مفهوماتها تضعيف أصولها ، فأدنى المفهوم من «أحاد» أو «موحد» اثنان ، ومن «ثناء» أو «مثنى» أربعة ، وكذلك سائرها ، فصار فيها عدلان ، وروي فيها عن بعض العرب : مخمس ، وعشار ، ومعشر ، ولم يرد غير ذلك ، وأجاز الكوفيون والزجاج (٧) أن يقال قياسا : خماس ، وسداس ، ومسدس ، وسباع ومسبع ، وثمان ومثمن ، وتساع ومتسع» انتهى كلامه ولا يحتاج الطالب معه في ـ

__________________

(١) قرأ به ابن وثاب في قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع انظر المحتسب (١ / ١٨١).

(٢) رواه البخاري في باب التهجد بالليل (١ / ١٩٨) (سندي) ، ومسلم في كتاب المسافرين (١ / ٥١٦) وأخرجه أبو داود في سننه (١ / ٢٩٧) (تطوع) برواية : «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» وأخرجه الترمذي في سننه (٢ / ٣٠٠).

(٣) سورة النساء : ٣.

(٤) سورة فاطر : ١.

(٥) انظر الكتاب (٣ / ٢٢٥) والهمع والأشموني (٣ / ٢٤٠).

(٦) هو الزجاج انظر الهمع (١ / ٢٦ : ٢٧) ، وفيه : «وذهب الفراء إلى أن منعها للعدل والتعريف بنية الألف واللام» وفيه : «وذهب الأعلم إلى أنها لم تنصرف للعدل ، ولأنها لا تدخلها التاء».

(٧) انظر ما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج (ص ٤٤) ، وشرح الألفية للأبناسي (٢ / ٢٢٥ : ٢٢٦) ، والهمع (١ / ٢٦) ، والأشموني (٣ / ٢٤٠).

٣٤٩

[حكم وزن فعل توكيدا]

قال ابن مالك : (والمانع مع شبه العلميّة أو الوصفيّة في فعل توكيدا).

______________________________________________________

الإبانة عما ذكر في هذا الفصل إلى غيره.

وأما قوله «ولا يجوز صرفها مذهوبا بها مذهب الأسماء خلافا للفرّاء» فالظاهر بل المتعين أن الضمير في «صرفها» و «بها» إنما يرجع للمعدولات من أسماء العدد ، ولم يتحقق مراده من قوله : «مذهوبا بها مذهب الأسماء» ولم أعلم مستند الفراء في إجازته صرفها.

وأما قوله : «ولا منكّرة بعد التّسمية خلافا لبعضهم» فقد تقدمت الإشارة إلى ذكر هذه المسألة في الفصل المفتتح بقوله : «ما منع صرفه دون علميّة منع معها» وذكر من خالف في ذلك.

قال ناظر الجيش : قدم المصنف على ذكر العدل المانع مع العلمية [ذكر العدل المانع مع شبه العلمية] أو الوصفية ، ومراده بذلك : جمع المستعملة في التوكيد وتوابعها وهي : كتع ، وبصع ، وبتع وهن جمع : جمعاء وكتعاء وبصعاء وبتعاء ، قال في شرح الكافية (١) : «ومن الممنوع من الصرف للعدل والتعريف : جمع وتوابعه ، فإنها لا تنصرف للعدل والتعريف ، فأما تعريفها فبالإضافة المنوية (٢) ، فإن أصل : رأيت النساء جمع : رأيت النساء جمعهنّ ، كما يقال : رأيتهن كلّهن ، فحذف الضمير للعلم به واستغنى بنية الإضافة وصار جمع لكونه معرفة بغير علامة ملفوظ بها ، كأنه علم وليس بعلم ؛ لأن العلم إما شخصيّ وإما جنسيّ ، والشخصيّ مخصوص ببعض الأشخاص فلا يصلح لغيره ، والجنسي مخصوص ببعض الأجناس فلا يصلح لغيره ، وجمع بخلاف ذلك ، فالحكم بعلميته باطل ، قال : وما قررته ظاهر قول سيبويه فإنه قال (٣) : وسألته ـ يعني الخليل ـ عن جمع وكتع فقال : هما معرفة «كلهم» وها معدولتان عن جمع جمعاء ، وجمع كتعاء هذا نصه. ـ

__________________

(١) انظر شرح الكافية الشافية (٣ / ١٤٧٤).

(٢) انظر الأشموني (٣ / ٢٦٣) ، وحاشية الصبان (٣ / ٢٦٤).

(٣) انظر الكتاب (٣ / ٢٢٤).

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما العدل فعن «فعلاوات» لأنه جمع «فعلاء» مؤنث «أفعل» وقد جمع المذكر بالواو والنون فكان حق المؤنث أن يجمع بالألف والتاء كـ «أفعل» ، و «فعلى» ، لكن جيء به على «فعل» فعلم أنه معدول عن «فعلاوات» وليس معدولا عن «فعل» كما قال الأخفش والسيرافي (١) ، لأن «أفعل» المجموع بالواو والنون لا يجمع مؤنثه على «فعل» بسكون العين ، ولا هو معدول عن «فعالى» (٢) لأن «فعلاء» لا يجمع على «فعالى» إلّا إذا لم يكن له مذكر على «أفعل» وكان اسما محضا كصحراء ، وجمعاء بخلاف ذلك فلا أصل له في «فعالى» ولا «فعل» وإنما أصله : جمعاوات كما قيل في مذكره : أجمعون انتهى.

وقد جعل المانع من الصرف في هذه الكلمات مع العدل شبه العلمية وبيّن الشبه بقوله : «وصار جمع لكونه معرفة بغير علامة ملفوظ بها كأنه علم» ، ولا شك أن كون إحدى العلتين فيها هو : شبه العلمية هو الظاهر ، وأما شبه الوصفية فلم يتقرر لي ، لكن قال الشيخ (٣) : «وأما جهة شبه العلمية أو الوصفية فمن حيث جمع مذكره بالواو والنون كان شبيها بالعلمية ، ومن حيث كان المؤنث على «فعلاء» والمذكر على «أفعل» كان شبيها بالصفة ؛ لأن ما هذه سبيله فهو صفة» انتهى.

وأقول : أما قوله «إنه من حيث جمع مذكره بالواو والنون كان شبيها بالعلمية «فمدفوع» بأمرين :

أن الجمع بالواو والنون ليس مخصوصا بالأسماء الأعلام ، بل الصفات تشاركها في ذلك ، وأن المصنف بيّن في شرح الكافية أن مراده بشبه العلمية في هذه الكلمات كونها معرفة بغير علامة ملفوظ بها.

وأما ما قاله في شبه الوصفية فربما يقبل على أنه يمكن أن يقال : إن المراد بشبه الوصفية كونها تستعمل أبدا تابعة لما قبلها كما هو شأن الصفات ، ثم إن الشيخ ـ

__________________

(١) انظر الأشموني (٣ / ٢٦٤) ، واختاره ابن عصفور ، وهو رأي الزجاج. انظر ما ينصرف وما لا ينصرف (ص ٤٠).

(٢) انظر الأشموني (٣ / ٢٦٤).

(٣) انظر التذييل (٦ / ٤٢١).

٣٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

قال (١) : «أما أن العدل يمنع مع شبه العلمية فقد قيل به ، وأما أن العدل يمنع مع شبه الوصفية في باب جمع فلا أعلم له فيه سلفا من النحاة. انتهى.

وأما ما هذه الكلمات معدولة عنه فقد عرفت أنها معدولة إما عن «فعل» على قول ، وإما عن «فعالى» على قول ، وإما عن «فعلاوات» على قول ، وأن كونها عن «فعلاوات» هو اختيار المصنف ، قال الشيخ (٢) : «والذي نختاره أن جمع معدول عن الألف واللام ؛ لأن مذكره جمع بالواو والنون فقالوا : أجمعون كما قالوا : الآخرون ، فقياسه أنه إذا جمع كان معرّفا بالألف واللام ، فهو في حال الجمع من باب «أفعل» الذي مؤنثه «الفعلى» ، وفي حال الإفراد من باب «أحمر وحمراء» ، وأشبه «أجمع» ، «أحمر» حتى جعلوا مؤنثه على «فعلاء» من حيث لا يقال فيه : هو أجمع من كذا» انتهى.

وهو كلام عجيب ويظهر أنه مدفوع من جهات :

أحدها : أن كلمة واحدة كيف يكون إذا جمعت يكون مفردها من باب ، وإذا لم تجمع يكون ذلك المفرد من باب آخر وهذا لا يعرف له نظير؟

ثانيها : أنه يلزم مما قاله من أن قياس «جمع» أن يكون بالألف واللام أن يكون «أجمعون» كذلك فيقال فيه : الأجمعون كما قيل : الآخرون ، أو يدعى فيه أنه معدول مما فيه اللام ولا قائل بذلك.

ثالثها : [٥ / ٧٩] أنه نقل القولين المشهورين في تعريف هذه الكلمة هل هو بالعلمية أو بنية الإضافة؟ ولا ينافي القول بذلك مع كون الكلمة معدولة عما فيه اللام ، فكان الواجب أن يقول عند ذكر هذين القولين : إن التعريف إنما هو بنية اللام كما يقال في تعريف «سحر» فسكوته عن ذلك تقرير منه لما ذكروه من أن التعريف إما بالعلمية أو بنية الإضافة ، ومع ذلك يتعذر القول عما فيه اللام.

والحق أنني لم يظهر لي ما قاله في هذه المسألة وقد يكون له توجيه صحيح خفي عني.

__________________

(١) التذييل (٦ / ٤٢٣).

(٢) التذييل (٦ / ٤٢١).

٣٥٢

[حكم سحر ووزن فعل ووزن فعال علما وغيره]

قال ابن مالك : (ومع العلميّة في سحر الملازم للظّرفيّة وفيما سمّي به من المعدولات المذكورة ، ومن «فعل» المخصوص بالنّداء ، وفي «فعل» المعدول عن «فاعل» علما ، وطريق العلم به سماعه غير مصروف عاريا من سائر الموانع ، وفي حكمه عند تميم «فعال» معدولا علما لمؤنّث كـ «رقاش» ، ويبنيه الحجازيّون كسرا ، ويوافقهم أكثر تميم فيما لامه راء ، واتّفقوا على كسر «فعال» أمرا أو مصدرا أو حالا أو صفة جارية مجرى الأعلام ، أو ملازمة للنّداء ، وكلّها معدول عن مؤنّث فإن سميّ ببعضها مذكّر فهو كـ «عناق» وقد يجعل كـ «صباح» فإن سميّ به مؤنّث فهو كـ «رقاش» على المذهبين ، وفتح «فعال» أمرا لغة أسديّة).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : هذا شروع في ذكر العدل المانع مع العلمية ، فتقدير كلامه : والمانع مع العلمية واقع في كذا وفي كذا ، وقد تقدم لنا أن العدل مع العلمية نوعان : عدل عن مثال إلى غيره ، وعدل عن مصاحبة الألف واللام إلى المجرد عنها ، وأن الأول أقسام أربعة :

المعدول من «فاعل» علما إلى «فعل» كعمر ومضر وثعل وزحل.

وما جعل علما من المعدول إلى «فعل» في النداء كغدر وفسق.

و «فعل» الذي في التوكيد كجمع وتوابعه. و «فعال» كرقاش.

وأن الثاني كلمتان وهما : سحر وأمس.

فأما «جمع» الواقعة توكيدا وأخواتها فقد أفردها بالذكر ؛ لأنه جعل المانع فيها مع العدل شبه العلمية أو الوصفية وتقدم الكلام عليها.

وأما «أمس» فقد تقدم له الكلام عليها في باب «المفعول المسمى ظرفا ومفعولا فيه».

بقي الكلام الآن موجها إلى ثلاثة الأقسام الباقية وإلى كلمة «سحر» وقد أشار إليها المصنف هاهنا وذكر أمرا زائدا وهو الذي أشار إليه بقوله : وفيما سمي به من المعدولات المذكورة ، وأراد بالمعدولات المذكورة التي تقدم ذكره لها في هذا الفصل وهي : أخر ـ

٣٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأسماء العدد التي هي : مفعل وفعال وجمع وتوابعها ، أعني : كتع وبصع وبتع التي عبر عنها بقوله : «في فعل توكيدا» لأن هذه هي التي تقدم له ذكرها ، ولا شك أن الأمر كما ذكره ، أعني إذا سمي بشيء من هذه الكلمات وجب منع صرفه ، لكن ليس الكلام الآن إلّا في العدل الذي لا يمنع الصرف إلّا مع العلمية ، أما العدل الذي يمنع الصرف مع غير العلمية فلا مدخل لذكره مع المذكور في هذا الموضع ، نعم يذكر ذلك على أنه مسألة مستقلة ، وقد ذكره في فصل متقدم حيث قال : «ما منع صرفه دون علميّة منع معها» وتقدم الكلام على ذلك أيضا ، وإذ قد تقدم الكلام فيه فلا يتعرض للكلام عليه هنا.

وإذا عرف فلنرجع إلى حل ألفاظ الكتاب فنقول :

قدم المصنف الكلام على ما عدل عن مصاحبة الألف واللام إلى المجرد عنها وهو «سحر» ثم ثنى بذكر ما عدل عن مثال إلى غيره وهو الأقسام الثلاثة التي أشرنا إليها آنفا.

أما «سحر» فله حالات وإنما يمتنع صرفه في حالة واحدة منها ، وذلك أنه إما أن لا يراد به معين ، وإما أن يراد به معين ، وإذا أريد به معين ، فإما أن لا يستعمل ظرفا ، وإما أن يستعمل ظرفا. فالحالات ثلاث.

مثال ذلك في الحالة الأولى : قوله تعالى : (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ)(١).

ومثاله في الحالة الثانية : السحر وقت طيب ، وسحر ليلة الجمعة مبارك ، ولا بد له في هذه الحالة أن يكون معرفا بالألف واللام أو بالإضافة.

ومثاله في الحالة الثالثة : صليت يوم الجمعة سحر ، ولا بد له في هذه الحالة أن يكون مجردا من الألف واللام والإضافة ؛ لأنه لا بد أن يكون معرفا بالعلمية أو بما يشبه العلمية ، وذلك إنما يكون بالنية لا بأداة في اللفظ ، وهذه هي الحالة التي يمتنع صرفه فيها ، وتصرّفه في هذه الحالة ممتنع أيضا فـ «سحر» في هذه الحالة لا يتصرّف ولا ينصرف ، أما عدم تصرفه فلكونه لم تستعمله العرب غير ظرف ، وأما عدم انصرافه فللعدل والتعريف إما بالعلمية أو بغيرها كما سيذكر ، قال المصنف في شرح الكافية (٢) ومما منع صرفه للعدل والتعريف «سحر» إذا قصد به سحر يوم بعينه وجعل ظرفا كقولك : خرجت يوم الجمعة سحر ، والأصل أن يذكر معرفا ـ

__________________

(١) سورة القمر : ٣٤.

(٢) انظر شرح الكافية الشافية (٣ / ١٤٧٩).

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بالألف واللام فعدل عن الألف واللام وقصد تعريفه فاجتمع فيه العدل والتعريف ، فمنع من الصرف ولا يكون هذا إلّا مفعولا فيه ، ويمنع قصد تعيينه مصاحبة الألف واللام ، فلو لم تقصد ظرفيته وقصد تعيينه لم يستغن عن الألف واللام أو الإضافة كقولك : استطبت السحر وطاب السحر ، وقمت عند السحر ، وزعم صدر الأفاضل (١) أن سحر المشار إليه مبني على الفتح لتضمنه معنى حرف التعريف ، وما ذهب إليه مردود بثلاثة أوجه :

أحدها : أن ما ادعاه ممكن وما ادّعيناه ممكن ، لكن ما ادعيناه أولى ، فإنه خروج عن الأصل بوجه دون وجه ؛ لأن الممنوع الصرف باقي الإعراب بخلاف ما ادّعاه ؛ لأنه خروج عن الأصل بكل وجه.

الثاني : أنه لو كان مبنيّا لكان غير الفتحة أولى به ؛ لأنه في موضع نصب فيجب اجتناب الفتحة فيه لئلّا يتوهم [٥ / ٨٠] الإعراض كما اجتنبت في «قبل» و «بعد» والمنادى المبني.

الثالث : أنه لو كان مبنيّا لكان جائز الإعراب جواز إعراب «حين» في قوله :

٣٧٣٩ ـ على حين عاتبت المشيب على الصّبا (٢)

لتساويهما في ضعف سبب البناء لكونه عارضا ، وكان يكون علامة إعرابه ثبوته في بعض المواضع ، وفي عدم ذلك دليل على عدم البناء وأن الفتحة إعرابية ، وأن عدم التنوين إنما كان من أجل منع الصرف فلو نكر «سحر» وجب التصرّف والانصراف كقوله تعالى : (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا)(٣) انتهى.

وقد جعل المانع للصرف مع العدل في هذه الكلمة التعريف بنية الألف واللام ، وفي التسهيل صرح كما رأيت بأن المانع منها العدل والعلمية ، والظاهر ما ذكره في الشرح وهو والذي ذهب إليه ابن عصفور (٤) ، وكلام ابن أبي الربيع موافق لكلام المصنف ، فإنه قال عند ذكره «سحر» ، أرادوا إلى واحد مخصوص لم يريدوا ـ

__________________

(١) انظر شرح الألفية للأبناسي (٢ / ٢٤٨) وشرح التصريح (٢ / ٢٢٣) ، والأشموني (٣ / ٢٦٦).

(٢) سبق شرحه.

(٣) سورة القمر : ٣٤ ، ٣٥.

(٤) انظر شرح الجمل (٢ / ٢٠٦) والمقرب (١ / ٢٨٠).

٣٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

شائعا (١) فكان القياس أن يعرفوه باللام أو بالإضافة ، فعدلوا عن هذا إلى أن جعلوه علما لهذا الزمان فقالوا : سحر ، فلزم هذا القصد من العلمية إلى أن عدلوا من لفظ إلى لفظ بعد أن قصدوا اللفظ الأول ثم تركوه إلى غيره ، قال : وهذا بخلاف العدل في عمر ، فإنهم أرادوا أن يسموا الرجل بـ «عامر» فعدلوا عنه إلى عمر ، وكذلك زفر وقثم وما أشبههما فإنما عدلوا من : عامر وزافر وقاثم من غير شيء كان ذلك».

وقد ذكر الشيخ (٢) عن بعضهم (٣) أن ترك تنوينه إما هو من أجل نية الألف واللام كما جاء عن العرب : سلام عليكم بترك التنوين على نية الألف واللام في سلام ، وعن بعضهم (٤) أن ترك تنوينه إنما هو على نية الإضافة ، قال : «وعلى هذين القولين لا يكون سحر من باب ما لا ينصرف في شيء».

وثم سؤال ها هنا وهو أن يقال : ما الفرق بين «سحر» و «أمس» المستعمل غير ظرف على لغة من يبنيه؟

وأما ما عدل من مثال إلى غيره فهو ثلاثة أقسام كما عرفت :

الأول : فعل المخصوص بالنداء ، قال المصنف في شرح الكافية (٥) : «ومن الممنوع من الصرف للعدل والتعريف ما جعل علما من المعدول إلى «فعل» في النداء كغدر ، وفسق ، فحكمه حكم عمر وهو أحق من عمر بمنع الصرف ؛ لأن عدله محقق وعدل عمر مقدر» انتهى.

ومن ذلك : خبث ولكع ، وذكروا (٦) أنها كلمات تحفظ ولا يقاس عليها وهي معدولة عن : فاسق ، وغادر ، وخبيث ، وألكع ، وهي مختصة بالنداء فلم تعدل إلّا فيه فإذا سمي بشيء منها امتنع صرفه للعلمية ومراعاة اللفظ المعدول ، ومن ثم قال ابن خروف : «ولا فرق بينه وبين أحاد وجمع ، فإن سيبويه يمنعهما الصرف عند التسمية ؛ لأن تلك إن كانت معدولة في حال الوصف والتأكيد ، فكذلك هذه ـ

__________________

(١) قال في الملخص (خ) ورقة ١١٨ : «والذي يشبه المعدول سحر إذا أردته ليوم بعينه لا ينصرف للتعريف والعدل».

(٢) انظر التذييل (٦ / ٤٢٣ : ٤٢٤).

(٣) هو أبو عبد الله الشلوبين الصغير. وانظر شرح الألفية للأبناسي (٢ / ٢٤٨) وشرح التصريح (٢ / ٢٢٣) والأشموني (٣ / ٢٦٧).

(٤) هو أبو السهيلي وانظر نتائج الفكر للسهيلي (ص ٣٧٥) تحقيق د / محمد إبراهيم البنا ، نشر دار الرياض.

(٥) انظر شرح الكافية الشافية (٣ / ١٤٧٤).

(٦) انظر التذييل (٦ / ٤٢٧).

٣٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

معدولة في حال النداء ، فلا يزول حكم العدل إلّا بزوال البناء ، وكذلك فعال في المؤنث» (١) انتهى كلام ابن خروف ، وهو كلام حسن.

ونقل الشيخ (٢) عن ابن السيد وعن آخر (٣) ، أنهما يريان صرف نحو : فعل المعدول في النداء إذا سمي به قالا : لأنه لم يعدل إلّا في النداء ، قال (٤) : وحكي ذلك عن الأخفش (٥) أيضا.

وأقول : إن هذا مما لا يعول عليه ، وقد رأيت كلام ابن خروف ، ولا شك أن الذي قاله هو الحق.

القسم الثاني : «فعل» المعدول عن «فاعل» علما ، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا القسم ، وذكر أن علامة العدل فيه منع العرب صرفه مع انتفاء التأنيث ؛ ولهذا جعل عدله تقديريّا ، فإن صرف حكم بأنه غير معدول كـ «أدد» أو أمكن تأنيثه فكذلك أيضا نحو : طوى في لغة من لم يصرف ، فإن تأنيثه باعتبار كونه اسم بقعة ممكن فهو أولى من ادعاء العدل ؛ لأن العدل قليل والتأنيث كثير ، ولأن ما ثبت عدله وتعريفه فمنعه لازم ما لم ينكر ، و «طوى» ذو وجهين فلا يكون معدولا ، وهذا هو كلام المصنف في شرح الكافية (٦) ، وإنما أعدت ذكر ذلك قصدا لإراحة الناظر من أن يراجع ما قبل.

ولما كانت علامة العدل في هذا القسم منعه الصرف مع انتفاء التأنيث قال المصنف :

وطريق العلم به ـ يعني بعدله ـ سماعه غير مصروف عاريا من سائر الموانع.

ولا شك أن قوله عاريا من سائر الموانع أحسن وأشمل من قوله في شرح الكافية «مع انتفاء التأنيث».

وليعلم أن صيغة «فعل» تكون غير معدولة ، وعنها احترز المصنف بقوله المعدول ـ

__________________

(١) انظر شرح كتاب سيبويه لابن خروف (خ) المسمى تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب (ص ٣١٢) تحقيق خليفة محمد خليفة ـ طرابلس (ليبيا) (ص ٦٨) وانظر التذييل (٦ / ٤٢٧).

(٢) التذييل (٦ / ٤٢٧ : ٤٢٨).

(٣) هو العكبري في اللباب في علل البناء والإعراب (١ / ٥١٤) تحقيق غازي مختار طليمات (دار الفكر بيروت ـ دمشق) طبعة أولى ـ ١٩٩٥ م.

(٤) أي أبو حيان في التذييل (٦ / ٤٢٨).

(٥) انظر شرح الألفية للأبناسي (٢ / ٢٤٧) والهمع (١ / ٢٨) ، والأشموني (٣ / ٢٦٥).

وانظر منهج الأخفش الأوسط في الدراسة النحوية (ص ٣٩٩).

(٦) انظر شرح الكافية الشافية (٣ / ١٤٧٣).

٣٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عن فاعل ، وغير المعدولة إما اسم جنس كـ «ثغر» (١) و «صرد» (٢) أو صفة كـ «حطم» (٣) و «لبد» (٤) أو مصدر كـ «هدى» و «تقى» أو جمع كـ «غرف» (٥) ، وجعل الشيخ (٦) قول المصنف «عن فاعل» احترازا من : فعل المعدول عن غير فاعل كأخر وجمع ، وقوله «علما» احترازا عن فعل المعدول عن فاعل في النداء ؛ لأنه ليس بمعدول في حال كونه علما.

ثم إنه (٧) استدرك عليه «ثعل» فإنه لا ينصرف كـ «عمر» وهو معدول عن : أثعل لا عن ثاعل. وأقول : إن ذكر هذه المسألة وهي «ثعل» قد تقدم (٨) ، ولقائل أن ينازع في ذلك إلّا إن كانت الأئمة متفقين على أنه معدول «أفعل» فلا كلام.

القسم الثالث : «فعال» علما لمؤنث ، فإنه ممنوع الصرف للعلمية والعدل ، ولكن هذا في لغة التميميين ، وأما الحجازيون فيبنونه على الكسر ، قال المصنف في شرح الكافية (٩) : «ومن الممنوع للعدل والتعريف : رقاش ونحوه من أعلام المؤنث الموزونة بهذا المثال ، فهذا النوع في لغة بني تميم معرب ممنوع من الصرف ، وهو في لغة الحجازيين مبني على الكسر (١٠) ، ووافقهم [٥ / ٨١] التميميون (١١) إلّا قليلا في بناء ما آخره «راء» كـ «ظفار» و «وبار» (١٢) ، وما التزم إعرابه من موازنات «فعال» فليس بمعدول كـ «دلال» اسم امرأة ، ولا يكون المعدول إلّا اسم مؤنث ، فإن توهّم تذكير قدّر تأنيث كما قدر سيبويه (١٣) مسمّى «سفار» وهو ماء (١٤) : ـ

__________________

(١) ثغر المجد : طرقه واحدتها ثغرة. انظر اللسان (ثغر).

(٢) الصّرد : طائر فوق العصفور. انظر اللسان (صرد).

(٣) ورجل حطم وحطمة : إذا كان قليل الرحمة للماشية يهشم بعضها ببعض. انظر اللسان (حطم).

(٤) اللّبد : كثير من الرجال : الذي لا يسافر ولا يبرح منزله ولا يطلب معاشا وهو الأليس ، وقال لبد : كثير لا يخاف فناؤه كأنه التبد بعضه على بعض. انظر اللسان (لبد).

(٥) في أ «عرف».

(٦) التذييل والتكميل : (٦ / ٤٢٩).

(٧) أي الشيخ أبو حيان انظر التذييل (٦ / ٤٢٩).

(٨) انظر شرح الكافية الشافية (٣ / ١٤٧٦).

(٩) انظر اللغتين في الكتاب (٣ / ٢٧٧ ، ٢٨٧) ، وما ينصرف وما لا ينصرف (ص ٧٦) ، والمفصل (ص ١٥٩ : ١٦٠).

(١٠) انظر الكتاب (٣ / ٢٧٨).

(١١) ظفار : قرية من قرى حمير إليها ينسب الجزع الظّفاريّ. انظر اللسان (ظفر).

(١٢) وبار : مثل قطام : أرض كانت لعاد غلبت عليها الجن. انظر اللسان (وبر).

(١٣) انظر الكتاب (٣ / ٢٧٩).

(١٤) «ماء» ساقطة من أ.

٣٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ماءة ومسمى «حضار» وهو اسم كوكب : كوكبة.

ولما سمي به مؤنث من نحو : نزال وفساق ويسار وكفاف ما لرقاش في اللغتين من بناء على اللغة الحجازية ومنع صرف على اللغة التميمية ، قال : وإنما قيدت ذلك بكونه اسم أنثى ؛ لأن المسمى به مذكر من «فعال» كله لا يكون إلّا معربا غير منصرف (١) ، ومن العرب من يصرف «فعال» المسمى به ذكر تشبيها بـ «صباح» حكى ذلك سيبويه (٢) رحمه‌الله تعالى. انتهى.

وقد قصر كلامه في التسهيل على ذكر أحكام «فعال» المعدول ، ولم يتعرض إلى ذكر غير المعدول مما صيغته موازنة لصيغة المعدول ، والجماعة المغاربة كابن عصفور وابن أبي الربيع ذكروا تقسيم الصيغة من رأس ، فذكروا (٣) غير المعدول وهو أربعة :

اسم مفرد كـ «جناح» و «عناق».

وصفة كـ «جواد» و «جبان».

ومصدر كـ «ذهاب».

واسم جنس تفصل بينه وبين واحدة تاء التأنيث كـ «سحاب».

والذي اعتمده المصنف من الاقتصار على ذكر المعدول هو الواجب ؛ لأن غير المعدول مما صيغته موازنة لصيغة المعدول لا يحتاج إلى ذكره ؛ لأنه حكم بقية الأسماء في الإعراب والصرف ما دام نكرة (٤) ، وإن سمي به فالأمر فيه كذلك أيضا ؛ لأنه إن كان مسماه مؤنثا لم ينصرف للتأنيث والعلمية ، وإن كان مسماه مذكرا انصرف إلا أن يكون أصله التأنيث كـ «عناق» اسم رجل (٥).

ولما كان الأمر في غير المعدول كذلك وجه المصنف كلامه إلى المعدول خاصة وقسمه قسمين : ما عدل علما لمؤنث كـ «رقاش» و «حذام» و «قطام». ـ

__________________

(١) انظر الكتاب (٣ / ٢٧٩).

(٢) انظر الكتاب (٣ / ٢٨٠).

(٣) انظر شرح الجمل (٢ / ١٩٤) رسالة والمطبوع (٢ / ٢٤٣).

(٤) انظر شرح الجمل لابن عصفور (١٩٤) رسالة والمطبوع (٢ / ٢٤٣).

(٥) المرجع السابق.

٣٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وما عدل غير علم وهو أربعة أشياء :

اسم فعل كـ «نزال» وو مصدر كـ «فجار» ، وحال كـ «بداد» من قولهم : جاءت الخيل بداد أي متبددة ، وصفة إما مستعملة في غير النداء كـ «حلاق» للمنية وإما مخصوصة بالنداء كـ «فساق».

فإن قيل : كيف جعل نحو : «فجار» مع كونه علما للفجرة ـ قسيما للمعدول الذي هو علم أيضا كـ «رقاش»؟ قلت : الظاهر أن المراد بالعلمية الشخصية ، ولا شك أن علمية نحو : «فجار» جنسية فلم يكن داخلا في المعدول الذي علميته شخصية.

وإذا عرف أن المعدول المذكور قسمان ، فلنذكر القسم الأول ثم الثاني فنقول :

قد أشار المصنف إلى الأول بقوله : وفي حكمه أي وفي حكم «فعل» المذكور في منع الصرف عند تميم «فعال» معدولا علما لمؤنث كـ «رقاش» فبنو تميم (١) يمنعونه الصرف ، وعلة منعهم إيّاه الصرف العدل والعلمية فهو جار مجرى «عمر» لأن «رقاش» ـ مثلا (٢) ـ معدول عن علم ، كما أن عمر كذلك ، هذا مذهب سيبويه (٣) ومذهب المبرد (٤) أن علة منع صرفه العلمية والتأنيث ، ولكن المشهور في المسألة هو مذهب سيبويه ، وإن كان ما ذهب إليه المبرد هو الظاهر ، وقد رجّح (٥) مذهب سيبويه بأن مذهب المبرد يلزم منه أن يكون «حذام» وأمثالها أسماء مرتجلة لا أصل لها في النكرات ، والغالب على الأعلام أن تكون منقولة فتكون هذه الأسماء على رأي سيبويه لها أصول في النكرات قد عدلت عنها بعد أن صيّرت تلك الأصول [أعلاما].

وأما قوله : «معدولا» فيحترز به عن الصيغة الموازنة «فعال» ولكنها غير معدولة كـ «جناح» وشبهه من أمثلة الأقسام غير المعدولة المتقدم ذكرها.

وقوله : «لمؤنّث» نبّه به على ما ذكره في شرح الكافية بقوله (٦) «ولا يكون المعدول ـ

__________________

(١) المرجع السابق نفسه ، وانظر التذييل (٦ / ٤٣٠).

(٢) «مثلا» ساقطة من أ.

(٣) انظر الكتاب (٣ / ٢٧٧ : ٢٧٨).

(٤) قال في المقتضب (٣ / ٣٧٥): «وأما بنو تميم فلا يكسرون اسم امرأة ، ولكنهم يجرونه مجرى غيره من المؤنث لأنهم لا يذهبون به إلى العدل».

(٥) انظر التذييل (٦ / ٤٣٠).

(٦) انظر التذييل (٦ / ٤٣٠).

٣٦٠