شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٨

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٨

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

على جواز الجمع بين الساكنين هو لا يجوز ، وما استدل (١) به من قول العرب : «التقت حلقتا البطان» (٢) بمد الألف محمول على الشذوذ ، لكن قال المصنف في شرح الكافية بعد ذكر المسألة ومذهب يونس فيها (٣) : ويعضد قوله (٤) قراءة بعض القراء (فدمّرانهم تدميرا) ، حكاها ابن جني (٥) ويمكن أن يكون من هذا قراءة (٦) ابن ذكوان (٧)(وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(٨) ، وكمذهب يونس مذهب الكوفيين في وقوع الخفيفة بعد الألف» انتهى.

وهذا منه ـ رحمه‌الله تعالى ـ يدل على أنه يوافق يونس والكوفيين في المسألة (٩) ، وكلامه في التسهيل ربما يشعر بذلك فإنه ذكره دون تعرض لرده.

وقوله : «وتشاركها الخفيفة في زيادة الفاصل» يريد به أن النون التي يؤتى بها ـ

__________________

(١) نسبه الشيخ أبو حيان في التذييل (٦ / ٢٦٧) إلى الأستاذ أبي علي الفارسي ، وانظر شرح الكافية للرضي (٢ / ٤٠٥) ، والأشموني (٣ / ٢٢٤).

(٢) هذا مثل ؛ معناه : أن يغذ الرجل هاربا في السير فيضطرب حزام رحله ويستأخر حتى يلتقي عروتاه وهو لا يقدر فرقا أن ينزل فيشده ، يضرب في تناهي الشرّ ، انظر المستقصى (١ / ٣٠٦) المثل رقم (١٣١٦) ، ومجمع الأمثال (٣ / ١٠٢). ووجه الاستشهاد به : جواز التقاء الساكنين في قوله : حلقتا البطان فقد التقت ألف «حلقتا» مع ألف «البطان» والذي سهل ذلك أن الألف الأولى لما فيها من المدة كالحركة لما بعدها ، وقياسا على هذا أجاز يونس ومن تبعه من الكوفيين وقوع نون التوكيد الخفيفة بعد ألف المثنى والألف الفاصلة بينها وبين نون الإناث.

(٣) انظر شرح الكافية الشافية (٢ / ٥٦٨ ، ٥٦٩).

(٤) يعني قول يونس ، وانظر الهمع (٢ / ٧٩) والأشموني (٣ / ٢٢٤).

(٥) انظر المحتسب (٢ / ١٢٢) ، وهي قراءة علي بن أبي طالب ومسلمة بن محارب ، وانظر مختصر شواذ القرآن (ص ١٠٥).

(٦) انظر الكشف (١ / ٥٢٢) والحجة لابن خالويه (ص ١٨٣). والنشر (٢ / ٢٨٦) ، وهي قراءة ابن عامر رواها عنه ابن ذكوان ، وانظر أمالي ابن الشجري (٢ / ٢٢٧).

(٧) ابن ذكوان : عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان القرشي الفهري أبو عمرو من كبار القراء ، لم يكن في عصره أقرأ منه ، توفي في دمشق سنة ٢٤٢ ه‍ انظر ترجمته في غاية النهاية (١ / ٤٠٤) ، والأعلام (٤ / ٦٥) ، والإرشادات الجلية في القراءت السبع (ص ٩).

(٨) سورة يونس : ٨٩.

(٩) قال سيبويه في الكتاب (٣ / ٥٢٧) ردّا على من يجوز ذلك : «فهذا لم تقله العرب وليس له نظير في كلامها لا يقع بعد الألف ساكن إلا أن يدغم» وانظر الهمع (٢ / ٧٩).

٢٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد نون الإناث ولو لم تكن الشديدة بل كانت الخفيفة عند من يجور الخفيفة في هذا المحل لا بد من الإتيان بالألف الفاصلة بينها وبين نون الإناث ، كما أنه لا بد من الإتيان بها مع الشديدة (١).

بقيت الإشارة بعد ذلك إلى ثلاثة أمور :

الأول قال ابن عصفور (٢) : «واختلفوا في الحركة التي قبل النون في قولك : هل تضربنّ؟ واضربنّ ؛ فمنهم من قال إنها حركة التقاء الساكنين ، وكانت فتحة طلبا للتخفيف (٣) ، ومنهم من قال إن الحركة حركة بناء (٤) لأنه أشبه المركب ، فكما أن المركب يبني على حركة فكذلك ما أشبهه وهو الصحيح بدليل أن حركة التقاء الساكنين عارضة ، والعارض لا يعتد به بدليل : قم الساعة ، فلو كانت الحركة معتدّا بها لقلت : قوم الساعة ، لأن العلة الموجبة لحذف حرف العلة قد زالت وهي التقاء الساكنين ، فكان أن لا تقول : قومنّ وترد المحذوف ، ومما يدل على أن العرب لا تقول ذلك قول القائل :

٣٦٨٦ ـ فلا تقبلن ضيما مخافة ميتة

وموتن بها حرّا وجلدك أملس (٥)

فقال : موتن ولم يحذف الواو ، فلو كانت حركة التقاء الساكنين لقال : متن ، ولم يسمع ذلك ، فلم يبق إلا أن تكون بناء ، قال : وسبب الخلاف بين النحويين أن الموجب لإعراب الفعل المضارع قد زال وهو التخصيص بحرف من أوله كما أن الاسم كذلك» انتهى.

ولك أن تبحث فتقول : لا شك أن فعل الأمر ساكن الآخر ، فإذا اتصلت [به] ـ

__________________

(١) انظر الهمع (٢ / ٧٩).

(٢) انظر شرح الجمل (٢ / ٤٩٠ : ٤٩١).

(٣) هذا مذهب الزجاج والسيرافي ، انظر شرح الكافية للرضي (٢ / ٤٠٥) والتذييل (٦ / ٢٦٣).

(٤) وهذا مذهب الجمهور انظر شرح الكافية للرضي (٢ / ٤٠٥) ، والتذييل (٦ / ٢٦٢ : ٢٦٣).

(٥) هذا البيت من الطويل ، وهو للمتلمس في ديوانه (ص ٦) ، الخزانة (٣ / ٢٧٠). وقبله :

ألم تر أن المرء رهن منية

صريع لعافي الطّير أو سوف يرمس

الشرح : قوله ضيما : الضيم : الظلم وقوله أملس هو من الملوسة وهي ضد الخشونة وقوله «جلدك أملس» أي نفي من العار سليم من العيب ، والضمير في : بها يعود إلى قوله «ميتة» أي مت بتلك الميتة حرّا لم يستعبدك الحر ، والمعنى : أن الموت نازل بك على حال فلا تحتمل العار خوفا منه.

والشاهد فيه : قوله «موتن» حيث جاء بالواو ولم يحذفها لأن الحركة التي بعدها هي التي قبل النون للبناء وليست حركة التقاء الساكنين ولو كانت كذلك لقال متن. انظر البيت في الخزانة (٣ / ٢٧٠) ، وانظر شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٦٥٨) ، وشرح الحماسة للتبريزي (١ / ١٩٢).

٢٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

النون وجب تحريكه لالتقاء الساكنين ، وهو مبني على السكون قبل ، ثم عرض تحريكه لما ذكرنا ، فكيف تكون حركته حركة بناء؟ وهو قد قال : اختلفوا في الحركة التي قبل النون في قولك : هل تضربنّ؟ واضربنّ.

وأما حركة المضارع فكيف يتوجه فيها أن يقال : إنها حركة التقاء الساكنين؟

لأن آخره لم يكن قبل اتصال النون به ساكنا. بل كان متحركا بحركة فغيرت تلك الحركة بغيرها لموجب وهو خوف الالتباس بفعل الجماعة.

أما كون الحركة حركة بناء : فهو الظاهر (١) ؛ لأن الفعل المضارع إذا باشرته نون التوكيد بني كما تقرر وقد تقدم أن علة بنائه هي التركيب.

ولقائل أن يقول : إن نون التوكيد امتزجت بالكلمة فصارت في حكم الجزء ، وصار مجموع الكلمتين في حكم كلمة واحدة ، ومن ثمّ قيل : قومنّ برد الواو لكون الحركة لازمة ، فحركة ما قبل نون التوكيد في نحو :

هل تضربنّ؟ مثلا كحركة الفاء من «جعفر» والهاء من «درهم» وحركات أجزاء الكلمة لا ينسب إليها بناء ولا إعراب.

ومعنى قولنا : إن الفعل المضارع إذا اتصلت به نون التوكيد يبنى : أنه يحكم عليه بالبناء بمعنى أنه سلب الإعراب الذي كان له ، ولا يلزم من ذلك أن تجعل حركة آخره بالفتح علامة لبنائه.

الأمر الثاني : إذا قلت : هل تكرمن أباك؟ بالنون الخفيفة وخففت الهمزة بحذفها ونقل حركتها إلى الساكن الذي قبلها وهو النون فقيل : لا يجوز لأن هذه النون لا تحتمل الحركة كما لم تحتملها إذا التقت مع ساكن لأنها تحذف إذا لقيته وهذا واضح (٢).

الأمر [٥ / ٥٠] الثالث : قالوا : هل يجوز أن يجمع بين الألف والنون الخفيفة إذا كان بعد النون ما يدغم فيه نحو : يا رجلان إن تقومان نبرّكما؟ (٣). ـ

__________________

(١) هذا واضح في أن المؤلف يميل إلى مذهب الجمهور.

(٢) هذه المسألة ذكرها الشيخ أبو حيان في التذييل (٦ / ٢٦٤) تحت عنوان «فرع» وقد نقلها المؤلف دون أن يشير.

(٣) هذه المسألة ـ أيضا ـ ذكرها الشيخ أبو حيان في التذييل (٦ / ٢٦٧) تحت عنوان «فرع».

٢٤٣

[أحكام خاصة بنون التوكيد الخفيفة]

قال ابن مالك : (فصل : تختصّ الخفيفة بحذفها وصلا لملاقاة ساكن مطلقا ، وبالوقف عليها مبدلة ألفا بعد فتحة أو ألف ، ومحذوفة بعد كسرة أو ضمّة ، وأجاز يونس للواقف إبدالها واوا أو ياء في نحو : اخشونّ واخشينّ ، ويعاد إلى الفعل الموقوف عليه بحذفها ما أزيل في الوصل بسببها ، وربّما نويت في أمر الواحد فيفتح وصلا).

______________________________________________________

قال الشيخ (١) : «نص بعضهم على أن ذلك لا يجوز ، قال (٢) : لأن الوصل عارض ، والعارض لا يعتد به قال (٣) : ويمكن أن يقال بجواز ذلك لأن العلة في منع ذلك عند جمهور البصريين إنما هو التقاء الساكنين على غير حدها ، وقد فقد ذلك بالإدغام ، وما ذكره من أن الوصل عارض ممنوع ، بل نقول : إن الوصل هو الأصل ، والوقف هو العارض فينبغي أن تجوز هذه المسألة بخصوصها» انتهى.

والذي يظهر أن مراد من منع المسألة بقوله : الوصل عارض ، وصل الكلمة المختومة بالنون الخفيفة بالكلمة التي بعدها المفتتحة بنون أخرى ، لأنها قد كان يمكن أن توصل بكلمة أخرى غيرها ، فليس وصلها بها لازما ، وإذا لم يكن لازما كان عارضا ولم يرد الوصل الذي يقابل الوقف.

قال ناظر الجيش : قد تقدمت الإشارة إلى أن النون الخفيفة تختص بأمرين : وهما : الحذف في مكانين ، وإبدالها ألفا في مكان (٤) ، فهو يشير إلى ذلك في هذا الفصل وقد قال في شرح الكافية (٥) : «وإذا كانت النون خفيفة ولقيها ساكن حذفت سواء أكان ما قبلها مفتوحا أم مضموما أم مكسورا ، ومنه قول الشاعر :

٣٦٨٧ ـ لا تهين الفقير علّك أن

تركع يوما والدّهر قد رفعه (٦)

__________________

(١) انظر التذييل (٦ / ٢٦٧).

(٢) أي هذا الذي ينقل عنه الشيخ.

(٣) أي الشيخ أبو حيان.

(٤) انظر ذلك في شرح المتن السابق (المقصد الثالث).

(٥) انظر شرح الكافية الشافية (٢ / ٥٦٩) وقد تصرف المؤلف قليلا فيما نقله عنه.

(٦) هذا البيت من المنسرح لكن دخل في «مستفعلن» أوله الخرم ـ بالراء ـ بعد خبنه ، فصار : فاعلن ، ويدل له بقية القصيدة التي مطلعها.

٢٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وإذا وقفت على المؤكد بالخفيفة أبدلتها ألفا إن وليت فتحة كقولك في قوله تعالى : (لنسفعن) (١) لنسفعا ، وقال النابغة الجعدي :

٣٦٨٨ ـ فمن يك لم يثأر بأغراض قومه

فإنّي وربّ الرّاقصات لأثأرا (٢)

فإن لم تل فتحة حذفتها ورددت إلى الفعل ما حذف من أجلها (٣) فتقول في اخرجن واخرجن : اخرجوا واخرجي ، وفي هل تخرجن؟ وهل تخرجن : وهل تخرجون ، وهل تخرجين؟ انتهى. فأشار إلى الحكمين. ـ

__________________

لكلّ همّ من الهموم سعه

والمسي والصّبح لا فلاح معه

فقول العيني ومن تبعه أنه من الخفيف خطأ. وانظر حاشية الصبان على الأشموني (٣ / ٢٥٥) ، وهذه القصيدة ثمانية أبيات قيل : إنها قيلت قبل الإسلام بدهر طويل وقبل البيت الشاهد :

قد يجمع المال غير آكله

ويأكل المال غير من جمعه

الشرح : قوله : لا تهين من أهان يهين أهانة ، وقوله : علك أي لعلك ، وقوله : تركع من الركوع وهو الانحناء والميل وأراد به الانحطاط من المرتبة والسقوط من المنزلة ، والمعنى : لا تؤذي الفقير ولا تحتقره ؛ فإني أشفق عليك أن يزول عنك ما تترفع به عليه ويصير إليه مثل ما كان لك فتحتاج إليه ولم تكن أسلفته ما تستمطر به ديم رحمته وحنانه. والشاهد فيه : قوله : لا تهين بكسر الهاء وسكون الياء ، وأصله :

لا تهينن بنونين أولاهما مفتوحة والثانية ساكنة فحذفت النون الخفيفة لما استقبلها ساكن.

والبيت في الشعر والشعراء (ص ٣٩٠) ، وأمالي الشجري (١ / ٣٨٥) ، والإنصاف (ص ٢٢١) ، وانظر ابن يعيش (٩ / ٤٣ ، ٤٤) والمفصل (٢٣٢) ، والمقرب (٢ / ١٨).

(١) سورة العلق : ١٥.

(٢) هذا البيت من الطويل قاله النابغة الجعدي من قصيدة طويلة له أنشدها بين يدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعجب بها ودعا له بخير وبشره بالجنة ، ومطلعها :

خليلي غضا ساعة وتهجرا

ولوما على ما أحدث الدهر أو ذرا

الشرح : قوله لم يثأر هو من ثأر ـ مهموز العين ـ يثأر إذا أخذ بثأر له ، وقوله أعراض جمع عرض وهو ما يحميه الرجل من أن يثلب فيه ، وقوله الراقصات أراد به إبل الحجيج التي تهتز أطرافها في مشيها كأنها كأنها ترفض. والمعنى : فمن لم ينتصر لأغراض قومه بالهجو والذب عنهم فأني قد هجوت من هجاهم وانتصرت لهم حفظا لأغراضهم. والشاهد في قوله : «لأثأرا» أصله : لأثأرا ـ بالنون الخفيفة ـ فلما وقف عليها أبدلها ألفا كما في : «لنسفعا». وانظر البيت في الكتاب (٣ / ٥١٢) ، وابن يعيش (٩ / ٣٩) وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (٢ / ٢٧٧) والأشموني (٣ / ٢١٥ : ٢٢٦) والتذييل (٦ / ٢٦٩) ، وديوان النابغة (ص ٧٦).

(٣) انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص ٢٣٠ ، ٦٣١) تحقيق د / عبد الحميد السيد ، والأشموني (٣ / ٢٢٦).

٢٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وقوله : «سواء أكان ما قبلها مفتوحا أم مضموما أم مكسورا» مفسر لقوله في التسهيل : «مطلقا» وأشار هنا إلى رد المحذوف بقوله «ويعاد إلى الفعل الموقوف عليه بحذفها ما أزيل في الوصل بسببها ، وإنما رد المحذوف لأنه إنما كان حذف لاجتماعه مع النون الخفيفة ، فلما حذفت النون زال موجب حذف ما كان حذف لأجلها ، فمن ثمّ أعيدت الواو والياء في : اخرجوا واخرجي ، والواو والنون ، والياء والنون في : هل تخرجون؟ وهل تخرجين؟ والعلة (١) في حذفها عند ملاقاة ساكن لما لم تكن صالحة للحركة عوملت معاملة حرف اللين فحذفت لالتقاء الساكنين ، كما حذف اللين في : يرمي الرجل ويغزو الغلام.

وأما حذفها عند الوقف على الكلمة التي هي فيها إذا كانت بعد ضمة أو كسرة ، وإبدالها ألفا بعد فتحة فلشبهها بالتنوين (٢) ، وفي شرح الشيخ (٣) : «فإن لقيت الخفيفة بعد ألف الاثنين ، أو نون الجمع ـ على مذهب يونس ـ ساكنا نحو : اضربان واضربنان ، أبدل يونس النون همزة وفتحها ، فيقول : اضرباء الرجل يا رجلان ، واضربناء الرجل يا نساء ، قال سيبويه (٤) : هذا لم تقله العرب ، والقياس اضرب الرجل [واضربن الرجل] فحذفت النون لالتقاء الساكنين ، وتحذف الألف لالتقائها مع الساكن الذي حذف النون فيصير في اللفظ بغير ألف» انتهى.

وأما قول المصنف : «أو ألف» بعد قوله : مبدلة ألفا بعد فتحة ـ فإنما يتصور ذلك على مذهب من يجيز وقوع الخفيفة بعد الألف وهو يونس والكوفيون ، وقد تقدم أن المصنف ربما يوافقهم في هذه المسألة ، فبمقتضى هذا ذكر الفتحة ، وعلى هذ إذا قيل : اضربان واضربنان ووقفت أبدلت النون ألفا ويلتقي حينئذ ساكنان.

وأما قوله : «وأجاز يونس للواقف إبدالها واوا أو ياء في نحو : اخشون واخشين» فأشار به إلى أن يونس لا يحذف الساكنة بعد ضمة أو كسرة بل يبدلها حرفا مجانسا للحركة التي قبلها ، كما أنها تبدل ألفا بعد الفتحة فتقول : اخشووا ـ

__________________

(١ ، ٢) انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص ٢٣٠ ، ٦٣١) تحقيق د / عبد الحميد السيد ، والأشموني (٣ / ٢٢٥).

(٣) انظر التذييل (٦ / ٢٦٨).

(٤) انظر الكتاب (٣ / ٥٢٧ : ٥٢٨) ، والأشموني (٣ / ٢٢٥).

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

واخشيي (١) ، وقالوا (٢) : إن يونس يقول : كما أبدلوا التنوين بعد الضمة والكسرة في الوقف فقالوا : قام زيدو ، ومررت بزيدي فكذلك هذا تشبيها للنون الخفيفة بالتنوين (٣) ، وضعّف مذهبه لكونه حمل الأمر فيه على اللغة الضعيفة في الوقف على المرفوع والمجرور المنونين ، قال الشيخ (٤) : «فظاهر كلام المصنف أن ذلك يختص بالمثالين المذكورين أو بما أشبههما من الفعل المعتل بالألف مطلقا ، وليس كذلك بل المنقول عن يونس أنه يبدل النون الخفيفة مطلقا ؛ سواء أكان ما قبلها مفتوحا أم مضموما أم مكسورا ، فيبدلها حرفا من جنس الحركة التي قبلها فيقول في الوقف على هل تخرجن؟ وهل تخرجي ، وعلى هل تدعن؟ هل تدعو ، ولا يرد النون التي هي علامة الرفع كما يقول غيره ، لأن موجب البناء عنده لم يزل لكونه عوّض منه ، والعرب تحكم للعوض [بحكم المعوض] منه» انتهى.

وأما قول المصنف : «وربّما نويت في أمر الواحد فيفتح وصلا» فمثاله قول الشاعر :

٣٦٨٩ ـ اضرب عنك الهموم طارقها

ضربك بالسّوط قونس الفرس (٥)

لكن لك أن تقول إن الموجب لفتح آخر الفعل إنما هو النون الملفوظ بها لا نيتها [٥ / ٥١] الذي ذكره الإمام بدر الدين ولده أحسن من هذا ، وهو أنه لما ذكر أن نون التوكيد الخفيفة تحذف لملاقاة ساكن وللوقف في بعض الصور قال (٦) : «وقد ـ

__________________

(١) انظر الكتاب (٣ / ٥٢٢).

(٢) انظر التذييل (٦ / ٢٧١).

(٣) في الكتاب (٣ / ٥٢٢): «قال الخليل : لا أرى ذاك إلا على قول من قال : هذا عمرو ومررت بعمري وقال سيبويه : وقول العرب على قول الخليل».

(٤) انظر التذييل (٦ / ٢٧١).

(٥) البيت لطرفة بن العبد البكري انظر ملحقات ديوانه (ص ١٩٥) ، وقيل هو مصنوع عليه وهو من المنسرح وما ذكره العيني (٤ / ٣٣٧) من انه من الوافر فهو خطأ ، الشرح : قوله : «اضرب» يروى في مكانه «اصرف» والأول أدق وأوفق ببقية البيت ، و «طارقها» اسم الفاعل من طرق يطرق إذا طرق يطرق إذا أتى ليلا ، وهو بدل من الهموم وقوله «قونس الفرس» القونس : هو العظم الناتئ بين أذني الفرس وأعلى البيضة أيضا. والشاهد في قوله : «اضرب» بفتح الباء لأن أصله اضربن بالنون الخفيفة فحذفت النون وبقيت الفتحة قبلها للضرورة وهذا من الشاذ لأن نون التأكيد لا تحذف إلا إذا لقيتها ساكن.

والبيت في النوادر (١٦٥). والخصائص (! / ١٢٦) والمحتسب (٢ / ٩٤) ، والإنصاف (ص ٥٦٨) ، وابن يعيش (٩ / ٤٤) ، والمغني (ص ٦٤٢) ، واللسان (قنى).

(٦) انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص ٦٣١) طبعة دار الجيل ، بتحقيق د / عبد الحميد السيد.

٢٤٧

[تعريف التنوين ـ فائدته ـ بعض أحكامه]

قال ابن مالك : (فصل : التّنوين : نون ساكنة تزاد آخر الاسم تبيينا لبقاء أصالته ، أو لتنكيره ، أو تعويضا ، أو مقابلة لنون جمع المذكّر ، أو إشعارا بترك التّرنّم في رويّ مطلق في لغة تميم ، ويشارك المتمكّن المجرّد في هذا ذو الألف واللّام ، والمبنيّ ، والفعل ، وكذا اللّاحق رويّا مقيّدا عند من أثبته ، ويسمّى الغالي ، ويختصّ ذو التّنكير بصوت أو شبهه ، ويسمّى اللّاحق به الأوّل أمكن ومنصرفا ، وقد يسمّى لحاق غيره صرفا).

______________________________________________________

تحذف هذه النون لغير ما ذكر في الضرورة» كقوله :

٣٦٩٠ ـ اضرب عنك الهموم طارفها

 ...

فأثبت النون أولا لتثبت الفتحة قبلها ثم حذف النون للضرورة واستمر ما قبلها بحاله.

قال ناظر الجيش : التنوين لا يكاد يعزب عمن له أدنى إدراك ، فلا يحتاج إلى تعريف ، والذي قاله المصنف في الكافية وهو قوله :

إن يبد لفظا دون خطّ نون

كابسط يدا فذلك التّنوين (١)

كاف ، وقد وسع الشيخ الكلام على حدّ المصنف ووغر فيه فقال (٢) :

قوله «نون» يشمل نون «عنبر» و «ضيفن» (٣) ، و «التنوين» ، واحترز بقوله «ساكنة» من نون التثنية والجمع ، وقوله «تزاد» تحرّز من الأصلية نحو نون «عنبر» وزنه فعلل لأن «فنعلا» غير موجود في الأسماء وهو موجود في الصفات كـ «عنبس» (٤) وقوله «آخر الاسم» احتراز من نحو [نون] منطلق فإنها ساكنة زائدة لكن ليست آخرا (٥) ، وقوله «تبيينا لكذا ولكذا» احتراز من النون الساكنة في ـ

__________________

(١) انظر شرح الكافية الشافية (٣ / ١٤٢٠).

(٢) انظر التذييل (٦ / ٢٧٣ : ٢٧٤) ، وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه.

(٣) الضيفن : الذي يتبع الضيف مشتق منه عند سيبويه وجعله سيبويه من ضيفن. انظر اللسان (ضفن) و (ضيف).

(٤) عنبس : من أسماء الأسد أخذ من العبوس وبها سمي الرجل. انظر اللسان (عبس).

(٥) هذا الكلام من أول قوله «وقوله آخر الاسم ... إلخ» ليس في التذييل. انظر التذييل (٦ / ٢٧٢).

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الأصل الزائدة اللاحقة آخر الاسم إما للوقاية بالحمل على الفعل كقوله :

٣٦٩١ ـ أمسلمني إلى قومي شراح (١)

وإما لتكميل الوزن نحو قول الشاعر :

٣٦٩٢ ـ أحبّ منك موضع القفنّ

وموضع الإزار والكشحنّ (٢)

وبعد فأنا أورد كلام المصنف في شرح الكافية المتعلق بهذا الفصل ثم أعود إلى لفظ الكتاب ، قال (٣) رحمه‌الله تعالى : «التنوين على ضربين : أحدهما خاص بالاسم والآخر مشترك فيه ، فالخاص بالاسم : تنوين التنكير ، وتنوين الصرف ، وتنوين العوض ، وتنوين المقابلة ، فتنوين التنكير كتنوين «صه» فإن «صه» بلا تنوين بمعنى : اسكت السكوت ، وبالتنوين بمعنى : اسكت سكوتا ما ، ومن تنوين التنكير تنوين عجز «سيبويه» ونحوه : تقول : مررت بسيبويه فلا تنون حين تقصد المعرفة ومررت بسيبويه آخر فتنون حين تقصد النكرة.

وتنوين الصرف كتنوين «رجل» وغيره من الأسماء المعربة العارية من موانع الصرف ، وقد يتوهم أن تنوين «رجل» تنوين تنكير و [ليس] كذلك ، لأنه لو سمي به مذكر لبقى تنوينه مع زوال التنكير ، فلو كان تنوين تنكير لزال بزوال مدلوله.

وتنوين العوض على ضربين : أحدهما ما عوض من الإضافة كالذي في قوله تعالى ـ

__________________

(١) هذا عجز بيت من الوافر ، وقائله يزيد بن مخزم الحارثي (العيني : ١ / ٣٨٥) وصدره :

وما أدري وظنّي كلّ ظنّ

الشرح : قوله : وظني كل ظن إما صلة أو جملة من مبتدأ وخبر معترضة أو الواو بمعنى مع وكل ظن تأكيد لظني و «شراح» أصله : شراحيل اسم رجل لحقه الترخيم. والشاهد : في قوله : أمسلمني ؛ فإن النون فيه زائدة للوقاية بالحمل على الفعل وانظر البيت في معاني القرآن (٢ / ٣٨٦) والمقرب (١ / ١٢٥) ، والمغني (ص ٣٤٥ ، ٦٤٤) ، وشرح شواهده (ص ٧٧٠).

(٢) هذان بيتان من الرجز المشطور وهما لدهلب بن قريع يخاطب ابنا له.

الشرح : قوله : الكشحن أصله : الكشح وهو ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف ، وهو من لدن السرة إلى المتن ، وقوله : القفن أصله : القفا وهو مؤخر العنق ، وقوله : الوشحن على الروايات الأخرى أصله : الوشاح ينسج من أديم عريضا ويرصّع بالجواهر وتشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها.

والشاهد فيه قوله : «القفن» و «الكشحن» حيث زاد فيه نونا لتكميل الوزن ، والملاحظ أن النون التي تزداد في مثل هذا هي نون شديدة ، واستشهاد أبي حيان بالرجز على أن النون ساكنة.

(٣) انظر شرح الكافية الشافية (٣ / ١٤٢٠ ـ ١٤٣٠).

٢٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ)(١) ، [فإن] أصله : فهي يوم إذ انشقت ، فحذفت الجملة وجيء بالتنوين ، فالتقى ساكنان فكسرت الذال لالتقاء الساكنين.

والثاني كالذي في نحو : هؤلاء جوار ، وهذا يرم في رجل سميته بـ «يرمي» وكذا كل ما آخره ياء قبلها كسرة مما لا ينصرف نظيره من الصحيح كـ «يعيل» تصغير «يعلى» (٢) فإنه نظير «يعيمر» تصغير «يعمر» ، وكون هذا تنوين عوضا لا تنوين صرف (٣) هو مذهب سيبويه والمبرد (٤) ، إلا أن سيبويه (٥) جعله عوضا من الياء ، والمبرد جعله عوضا من ضمة الياء وكسرتها (٦) ، والصحيح مذهب سيبويه لأنه لو كان عوضا من الحركة لكان ذو الألف أولى به من ذي الياء ، لأن حركة ذي الياء غير متعذرة فهي لذلك في حكم المنطوق بها ، بخلاف حركة ذي الألف فإنها متعذرة ، وحاجة المتعذر إلى التعويض أشد من حاجة غير المتعذر ، وأيضا لو كان التنوين المشار إليه عوضا من الحركة لألحق مع الألف واللام كما ألحق معهما تنوين الترنم (٧) في قوله :

٣٦٩٣ ـ أقلّي اللّوم عاذل والعتابن (٨)

__________________

(١) سورة الحاقة : ١٦.

(٢) هو مضارع على ـ بالكسر في المكارم والرقعة والشرف ، ويقال أيضا : علا بالفتح انظر اللسان (علا). وقد سمّى به.

(٣) كونه نوين صرف هو مذهب الأخفش. انظر المغنى (ص ٣٤١) والأشموني (٣ / ٢٤٥).

(٤) انظر المعنى (ص ٣٤١) والأشموني (٣ / ٢٤٥) وفيه «وذهب المبرد والزجاج».

(٥) انظر الكتاب (٣ / ٣١٠ : ٣١١).

(٦) انظر شرح السيرافي بهامش بهامش الكتاب (٣ / ٣١٠ : ٣١١) ، والمغني (ص ٣٤١) والأشموني (٣ / ٢٤٥) ، وأصله على مذهب المبرد : جواري يترك التنوين ، حذف صمة الياء لثقلها وأتي بالتنوين عوضا عنها فالتقى ساكنان فحذفت الياء لالتقائهما. انظر حاشية الصبان (٣ / ٢٤٥).

(٧) انظر الأشموني (٣ / ٢٤٥) ، وسوف يذكر يذكر في كلامه تنوين الترنم بعد قليل.

(٨) هذا صدر بيت من الوافر وهو لجرير (ديوانه ص ٦٤) وعجزه :

وقولي أن أصبت لقد أصابن

الشرح : قوله : أقلي أمر من الإقلال من القلة ، واللوم : بالفتح : العذل ، وعاذل : بفتح اللام منادى مرخم ، أصله : يا عاذلة ، والعتابن : عطف على اللوم. والمعنى : يقول : أقلي لومي يا عاذلة ووعيني وتأملي ما أفعله فإذا كنت مصيبا فصوبيني ، ولا تعذلي على شيء ما عرفته ولا تبينته حتى تخبري فتقولي ما تقولينه على علم. والشاهد فيه قوله : والعتابن ، حيث ألحق به تنوين الترنم مع الألف واللام. وانظر البيت في الكتاب (٤ / ٢٠٥) ، والمقتضب (١ / ٣٧٥) ، والخصائص (٢ / ٩٦) ، والمنصف (١ / ٢٢٤) ،

٢٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

فإن قيل : لم حذفت اللام أولا؟ قلنا : لما كانت ياء المنقوص المنصرف قد تحذف تخفيفا ويكتفى بالكسرة التي قبلها ، وكان المنقوص الذي لا ينصرف أثقل التزموا فيه من الحذف ما كان جائزا في الأدنى ثقلا ليكون لزيادة الثقل زيادة أثر إذ ليس بعد الجواز إلا اللزوم ، ثم جيء بعد الحذف بالعوض كما فعل في إذ حين حذف ما تضاف إليه.

ومن النحويين (١) من يرى أن تنوين «جوار» ونحوه تنوين صرف لأن الياء حذفت فصار الاسم بعد حذفها شبيها بـ «جناح» وهذا قول ضعيف ، لأن الياء حذفت تخفيفا.

وثبوتها منوي ، ولذلك بقيت الكسرة دليلا عليها ، وما حذف تخفيفا ونوى ثبوته فلا اعتداد بحذفه ، ولهذا لو سمي بـ «كتف» امرأة ثم سكن تخفيفا لم يجز صرفه جواز صرف «هند» لأن الحركة منوية فلم يعتد بالسكون ، ولو قيل في «جيأل» اسم رجل : جيل لم يجز صرفه وإن كان في اللفظ ثلاثيا لأن الهمزة منوية الثبوت ، ولذلك لم تقلب الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها (٢) ، وأمثال ذلك كثيرة.

فإن أورد «جندل» ونحوه فإن أصله : فعالل فحذفت ألفه ونوى ثبوتها لئلا يتوالى أربع حركات في كلمة واحدة ، ومع ذلك صرف اعتبارا بعارض الحذف؟ فالجواب أن يقال : لا أسلم أن تنوين «جندل» ونحوه تنوين صرف ، وإنما هو تنوين جيء به عوضا من الألف (٣) كما جيء بتنوين «جوار» عوضا من الياء (٤) ، فاندفع المعارض وصح عدم الاعتداد بالعارض.

وتنوين المقابلة : تنوين «مسلمات» ونحوه من الجمع بالألف والتاء ، فإنه جمع قصد به في المؤنث من سلامة نظم الواحد واتحاد لفظ الجر والنصب ما قصد في ـ

__________________

والإنصاف (ص ٦٥٥) ، وابن يعيش (٩ / ٢٩ ، ٣٣) ، والمغني (ص ٣٤٢).

(١) هو الأخفش كما في المغني (ص ٣٤١) والأشموني (٣ / ٢٤٥).

(٢) انظر المغني (ص ٣٤١).

(٣) أي عوضا من ألف «جنادل» وعلى هذا فالتنوين عوض عن حرف زائد.

(٤) نقل ابن هشام في المغنى (ص ٣٤١) رأي ابن مالك في تنوين «جندل» ثم قال : «والذي يظهر خلافه ، وأنه تنوين الصرف ، ولهذا يجر بالكسرة وليس ذهاب الألف التي هي علم الجمعية لذهاب الياء من نحو : جوار وغواش».

٢٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

«مسلمين» ونحوه ، فقوبلت التاء بالكسرة ، والنون [٥ / ٥٢] بالتنوين ولذلك إذا سمي بـ «مسلمات» بقي تنوينه كما تبقى نون «مسلمين» إذا سمي به ، ومنه قوله تعالى (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ)(١) وقال الشاعر (٢) :

٣٦٩٤ ـ تنوّرتها من أذرعات وأهلها

بيثرب أدنى دارها نظر عال (٣)

فلو كان تنوين «مسلمات» تنوين صرف لزال عند العلمية كما يزول تنوين «مسلمة» إذا صار علما فإن في كل منهما بعد التسمية من العلمية والتأنيث ما في الآخر وتأنيث «مسلمات» أحق بالاعتبار لوجهين :

أحدهما : أنه تأنيث معه جمعية.

والثاني : أنه تأنيث بعلامة لا تتغير في الوقف بخلاف تأنيث «مسلمة» واعتبار ما لا يتغير وصلا ولا وفقا أولى من اعتبار ما يتغير وقفا.

وأما التنوين المشترك فيه فهو الذي يسمى : تنوين التّرنّم ، وإنما هو عوض من الترنم لأن الترنم مدّ الصوت بمدة تجانس حركة الروي ، فالأصل إذا قيل تنوين الترنم : تنوين ذي الترنم ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، قال سيبويه (٤) : أما ـ

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٨.

(٢) هو امرؤ القيس انظر ديوانه (ص ١٤١).

(٣) هذا البيت من الطويل. الشرح : تنورتها : يعني نظرت إلى نارها ، وإنما يعني بقلبه لا بعينه ، يقال : تنورت النار من بعيد أي تبصرتها فكأنه من فرط الشوق يرى نارها وأذرعات : مدينة كورة البثية من كور دمشق وفي اللسان (ذرع) : بلد ينسب إليه الخمر و «يثرب» مدينة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوله : أدنى دارها نظر عال : يقول : كيف أراها وأدنى دارها نظر مرتفع ، وقيل : أقرب دارها مني بعيد ، والحاصل أن القريب من دارها وأدنى دارها نظر مرتفع ، وقيل : أقرب دارها مني بعيد ، والحاصل أن القريب من دارها بعيد ، فكيف بها ودونها نظر عال؟ والشاهد في قوله أذرعات حيث صرفها مع أنها علم مؤنث وذلك لأن التنوين فيها في مقابلة النون في جمع المذكر السالم والضمة والكسرة في مقابلة الواو والياء فيه فجرى في الصرف مجراه. وانظر البيت في الكتاب (٣ / ٢٣٣) ، والمقتضب (٣ / ٣٣٣) ، (٤ / ٣٨) ، وابن يعيش (١ / ٤٧) ، (٩ / ٣٤) ، والخزانة (١ / ٢٦).

(٤) هذا الكلام نقله ابن مالك عن سيبويه ولكن بتصرف ونص سيبويه هو : قال في الكتاب (٤ / ٢٠٤) : «أما إذا ترنموا فإنهم يلحقون الألف والياء والواو ما ينون وما لا ينون لأنهم أرادوا مد الصوت ثم قال في (٤ / ٢٠٦ : ٢٠٧) : فإذا أنشدوا ولم يترنموا فعلى ثلاثة أوجه : أما أهل الحجاز فيدعون هذه القوافي ما نون منها وما لم ينون على حالها في الترنم ، ليفرقوا بينه وبين الكلام الذي لم يوضع للغناء ، وأما ناس كثير من بني تميم فإنهم يبدلون مكان المدة النون فيما ينون ، وما لم ينون لما لم يريدوا الترنم أبدلوا ...».

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

إذا ترنموا فإنهم يلحقون الياء والألف والواو لأنهم أرادوا مدّ الصوت ، وإذا أنشدوا ولم يترنموا ـ كأهل الحجاز ـ يدعون القوافي على حالها في الترنّم ، وناس كثير من بني تميم يبدلون مكان المدة النون لما لم يريدوا الترنم أبدلوا مكان المدة نونا ، ولفظوا بتمام البناء كما فعل أهل الحجاز ذلك بحروف المد ، سمعناهم يقولون :

٣٦٩٥ ـ يا أبتا علّك أو عساكن (١)

وقال العجاج :

٣٦٩٦ ـ يا صاح ما هاج الدّموع الذّرّفن (٢)

وقال (٣) :

٣٦٩٧ ـ من طلل كالأتحميّ أنهجن (٤)

__________________

(١) هذا بيت من الرجز المشطور ، قائله رؤبة كما في الكتاب (٢ / ٣٧٤ : ٣٧٥) وانظر ملحقات ديوانه (ص ١٨١) ، وقيل أنه للعجاج ، وقد ذكر البغدادي في الخزانة عن أبي محمد الأعرابي في كتابه قرحة الأديب أن الشطر المذكور فيه تصحيف وأن الرواية الصحيحة هي :

تأنيا علك أو عساكا

والشاهد في البيت قوله : «عساكن» أصله : عساكا فأبدلوا مكان حرف المد نونا لما لم يريدوا الترنم والرجز في الكتاب (٤ / ٢٠٧) ، (٢ / ٣٧٥) ، وابن الشجري (٢ / ٧٦ ، ١٠٤) ، والإنصاف (ص ٢٢٢) ، وابن يعيش (٢ / ١٢) ، (٣ / ١٢٠) ، (٧ / ١٣٢) وشرح الكافية للرضي (٢ / ٢١) ، والمغني (ص ١٥١) ، وشرح شواهده (٤٤٣) ، والخزانة (٢ / ٤٤١) ، وشرح التصريح (١ / ٢١٣) ، (٢ / ١٧٨).

(٢) هذا البيت من الرجز المشطور وهو في ملحقات ديوان العجاج (ص ٨٢) وبعده :

من طلل أمسى تخال المصحفن

رسومه والمذهب المزخرفن

الشرح : قوله : الدموع يروى في مكانه العيون ، وقوله : الذرف جمع ذارفة وهي التي يذرف دمعها أي يسيل ، ولم يرد أن الطلل هاج العيون التي تبكي ويسيل دمعها ، وإنما يريد أن الطلل هاج العيون التي كانت غير باكية فبكت ، وإنما صارت ذرفا لهيج الظلل فعبر عنها بما صارت إليه حالها.

والشاهد فيه : قوله «الذرفن» وأصله : الذرفا فأبدلوا مكان حرف المد نونا لم يريدوا الترنم.

وانظر الرجز في شرح ابن الناظم للألفية (ص ٢٤) تحقيق د / عبد الحميد السيد.

وانظر العيني (١ / ٢٦) وما بعدها. وانظر البيت في الأشموني (٤ / ٢٢٠).

(٣) أي العجاج كما في الكتاب (٤ / ٢٠٧) وانظر ديوانه (ص ٧).

(٤) هذا بيت من الرجز المشطور وقبله :

ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا

الشرح : طلل الطلل : ما شخص من آثار الديار ، والأتحميّ ضرب من البرود فيه سواد وحمرة ، وقوله

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذلك يفعلون في الجر والرفع ، هذا نص سيبويه [رحمه‌الله تعالى] ، فهذا التنوين مخالف لغيره بوجهين :

أحدهما : أنه يلحق الاسم وغيره مما ينوّن في الأصل وما لا ينوّن.

والثاني : أنه يلحق في الوقف وغيره من التنوين يحذف في الوقف بعد غير الفتحة ويبدل ألفا بعد الفتحة ولأجل الاشتراك فيه لم يمتنع ما فيه الألف واللام كقوله :

٣٦٩٨ ـ أقلّي اللّوم عاذل والعتابن (١)

ولا من فعل كقوله :

٣٦٩٩ ـ وقولي إن أصبت لقد أصابن (٢)

وذكر العروضيون (٣) تنوينا يسمى الغالي ، وهو تنوين يزاد بعد حرف الروي المفيد ، وينشدون مستشهدين عليه قول رؤبة :

٣٧٠٠ ـ وقاتم الأعماق خاوي المخترق (٤)

__________________

أنهجن : أنهج : أخلق ، كالأتحمي وصف للطلل ، يقول : أي شيء هاج عليّ حين نظرت إلى الطلل؟ وهو استفهام في معنى التعجب من نظره إلى هذا الطلل.

والشاهد فيه قوله : أنهجن وأصله أنهجا فأبدلوا مكان حرف المد نونا لما لم يريدوا الترنم. وانظر البيت في الخصائص (١ / ١٧١) والمغني (ص ٣٧٢) والعيني (١ / ٢٦) وانظر شرح ابن السيرافي (٢ / ٣٠٢ : ٣٠٣).

(١) سبق شرحه وقائله جرير بن عطية.

(٢) هذا الشطر عجز صدر البيت السابق وهو قوله :

أقلي اللوم عاذل والعتابن

والشاهد في الشطر المستشهد به هنا قوله : أصابن وأصله : أصابا فأبدلوا مكان حرف المد نونا لا فرق في ذلك بين الاسم والفعل ، لأن تنوين الترنم مشترك بين الاسم وغيره.

(٣) في شرح الألفية الناظم (ص ٢٤) على ما حكاه الأخفش وفي المغني (ص ٣٤٢). الأخفش والعروضيون وانظر ابن يعيش (٩ / ٣٤).

(٤) هذا بيت من الرجز المشطور ، قاله رؤبة بن العجاج ديوانه (ص ١٠٤) ، وهو من قصيدة تنيف على مائة وسبعين بيتا أوردها العيني عند شرح هذا الشاهد (١ / ٣٨ : ٤٣).

الشرح : قوله : وقاتم : الواو : واو رب ، والقاتم : المكان المظلم المغبر من القتام وهو الغبار ، والأعماق جمع عمق ـ بفتح العين وضمها ـ وهو ما بعد من أطراف المفازة. والخاوي : من خوى البيت إذا خلا عن الساكن ، والبطن عن الطعام. والمخترق الممر الواسع المتخلل للرياح لأن المار يخترقه ، مفتعل من الخرق وهي المفازة الواسعة تنحرق فيها الرياح ، وقاتم : صفة لموصوف محذوف أي وربّ مهمة قاتم الأعماق ، وجواب

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بكسر القاف وزيادة تنوين بعده ، وأنكر أبو سعيد السيرافي (١) هذا التنوين ونسب رواية إلى الوهم بأن قال : إنما سمع رؤبة يسرد هذا الزجر ويزيد «إن» في آخر كل بيت فضعف لفظه بهمزة «إن» لانحفازه في الإيراد فظن السامع أنه نوّن وكسر الرويّ ، وهذا الذي ذهب إليه أبو سعيد تقرير صحيح مخلص من زيادة ساكن على ساكن بعد تمام الوزن» انتهى(٢).

والطالب لا يخفى عليه تطبيق ألفاظ الكتاب على ما ذكره في الشرح المذكور ، ولما كان تنوين غير المنصرف قد يسمى «صرفا» (٣) عدل عن التعبير عن تنوين التمكين بتنوين الصرف ، إلى أن عبر عنه بالتنوين المبين لبقاء الأصالة ، والمراد ببقاء الاسم على الأصالة : أنه لم يشبه الحرف فبني ، ولم يشبه الفعل فلم ينصرف ، وهذا الذي ذكره المصنف في شرح الكافية لم يزد الشيخ في شرحه على معناه (٤) وختم كلامه بأن نقل (٥) عن بعضهم «أن التنوينات الأربعة ـ أعني غير تنوين الترنّم والتنوين الغالي ـ كلها للتمكين ، وأن تنوينها تنوين صرف».

وأقول : إن هذا المذهب مع كونه باطلا هو الموجب لقول المصنف : وقد يسمّى لحاق غيره صرفا أي غير المبين لبقاء الأصالة.

__________________

رب محذوف ، وهو : قطعته أو جبته أو نحو ذلك. وبعد هذا البيت :

مشتبه الأعلام لمّاع الخفق

والشاهد فيه قوله : «المخترق» حيث زاد فيه تنوينا بعد القاف المكسورة يسمى التنوين الغالي. والبيت في الكتاب (٤ / ٢١٠) وابن يعيش (٢ / ١١٨) ، (٩ / ٢٩ ، ٣٤) ، والمغني (ص ٣٤٢) والعيني (٣ / ٣٤٦) ، والتذييل (٦ / ٢٨١).

(١) في شرح الألفية للمرادي (١ / ٢٢٨) (رسالة): «وأنكره السيرافي والزجاج» وفي المغني (ص ٣٤٣) وأنكر الزجاج والسيرافي ثبوت هذا التنوين ألبتة لأنه يكسر الوزن» ، وانظر شرح الألفية للأبناسي (١ / ١٨).

(٢) أي ما نقله المؤلف عن المصنف في شرح الكافية الشافية ، وتظهر في هذا الموضع شدة تأثر المؤلف بابن مالك.

(٣) وذلك كتنوين «جوار وغواش» ـ غير منصرف ـ فإن الأخفش يسميه تنوين الصرف.

(٤) انظر ما ذكره الشيخ أبو حيان عن فصل التنوين في التذييل (٦ / ٢٧٣ : ٢٨٥).

(٥) انظر التذييل (٦ / ٢٨٥).

٢٥٥
٢٥٦

الباب الثاني والستون

[باب منع الصّرف]

[تعريف الصرف وشرح التعريف]

قال ابن مالك : (باب منع الصّرف).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : الصرف : هو التنوين اللاحق اسما معربا للدلالة على بقاء أصالته (١).

فقيد «المعرب» مخرج تنويني التنكير والعوض من الإضافة فإنهما لا يلحقان معربا.

وقيد «دلالة الأصالة» مخرج تنويني المقابلة والعوض من غير إضافة ، وتنوين الترنم اللاحق معربا.

واختلف في اشتقاقه (٢) ، فقيل : من صرف الشيء عن الشيء لأنه صرف الخفيف عن حكم الثقيل ، ويظهر أنه اختيار المصنف فإنه قال (٣) «وسمي منصرفا لانقياده إلى ما يصرفه من عدم تنوين إلى تنوين ، ومن وجه من وجوه الإعراب إلى غيره».

وقيل : من صرف القعو (٤) ، أي صوته ، وقيل : من صريف الباب ، وهو صوت رفع أنياب البعير المسن بعضها على بعض (٥) ، وقيل : من الصّرف وهو الخالص ، فكأن الاسم خلص وامتاز عن غيره (٦) ، وذهب بعضهم إلى أن الصرف : ـ

__________________

(١) هذا التعريف مستخلص من قول ابن مالك في الألفية :

الصرف تنوين أتى مبينا

معنى به يكون الاسم أمكنا

قال الأشموني (٣ / ٢٢٨): «والمراد بالمعنى الذي يكون به الاسم أمكن ، أي : زائدا في التمكن : بقاؤه على أصله. أي أنه لم يشبه الصرف فيبنى ولا الفعل فيمنع من الصرف».

(٢) المراد بالاشتقاق هنا : الأخذ من المناسب في المعنى. انظر. الصبان (٣ / ٢٢٨).

(٣) انظر شرح الكافية الشافية (٣ / ١٤٣٤).

(٤) في (ج) ، (أ) «العقود» والصواب ما أثبتناه ، وهو القعو بدليل قوله : «أي صوته» ولو كان مراده العقود لقال : صوتها ، انظر حاشية يس (٢ / ٢٠٩) ، واللسان (صرف) ، والقعو : البكرة. انظر اللسان (قعا).

(٥) انظر شرح ابن الناظم للألفية (ص ٦٣٣) ، واللسان (صرف).

(٦) أي بأن خلص من شبه الفعل والحرف. انظر التصريح (٢ / ٢٠٩).

٢٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

التنوين مع الجر (١) ، قال : لأنه زيادة تصريف ، وردّ بأنه لو كان كذلك لكان تصريفا لا صرفا.

ولما كان المقصود في هذا الباب إنما هو ذكر الأسباب المانعة من الصرف ـ لأن الصرف الأصل ـ فلا يحتاج إلى التنبيه عليه ترجمة بذلك.

وههنا أمور ينبغي الإشارة إليها قبل الشروع في الكلام على ألفاظ الكتاب :

منها : أن الاسم المتمكن نوعان : نوع لم يشبه الفعل وهو ما ليس فيه علتان أو واحدة تقوم مقامها من العلل التسع الآتي ذكرها ، وهو المنصرف ويسمى أمكن ، وهو «أفعل» من قولهم : مكن مكانة كأنه أرسخ قدما من غيره أي أثبت في مكانه من الاسمية (٢).

ونوع أشبه الفعل ، وهو ما فيه علتان من التسع أو واحدة تقوم مقامهما وهو غير المنصرف (٣).

فالاسم المنصرف هو : المعرب السالم من العلل الجاعلية كالفعل في الفرعية والثقل ، وغير المنصرف بخلافه ، ومنهم من يقول : المنصرف ما دخله التنوين واستوفى حركات الإعراب لعدم شبه الفعل ، وغير المنصرف هو الذي اختزل منه التنوين ، وجرّ بالفتحة بدل الكسرة لشبه الفعل ، قال بعض العلماء : والقسمة بالعبارة الأولى تقتضي الحصر ، بخلاف العبارة الثانية ؛ فإنها لا تقتضي حصر المتمكن في القسمين أي المنصرف وغير المنصرف [٥ / ٥٣] لأن من الأسماء المتمكنة ما لا يدخل تحت واحد منهما كجمع المذكر السالم على رأي من يعربه بالحروف فإنه لا تدخله الحركات الثلاث والتنوين ، فلا يكون منصرفا ولم يكن فيه تنوين ، وجر بكسرة فيختزل فلا يكون غير منصرف ، قال : فعلى مقتضى العبارة الثانية تقول : من الاسم ما هو منصرف وما هو غير منصرف (٤) ، وقد قال الجزولي (٥) : «الأسماء ثلاثة أضرب : منصرف ، وغير منصرف ، وما لا يقال فيه منصرف ولا غير منصرف ، وهو أربعة : المضاف ، وما عرّف باللام ، والتثنية ، والجمع ، لا يقال فيها منصرفة إذ ليس ـ

__________________

(١) انظر الأشموني (٣ / ٢٢٨).

(٢) انظر التصريح (٢ / ٢١٠).

(٣) انظر شرح كافية ابن الحاجب للرضي (١ / ٣٥).

(٤) راجع ما نقله السيوطي في الأشباه والنظائر (١ / ٢٩٣ : ٢٩٤) عن صاحب البسيط.

(٥) انظر الأشباه والنظائر (١ / ٢٩٤).

٢٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فيها تنوين ولا غير منصرفة إذ ليس فيها علة تمنع الصرف» انتهى.

ولك أن تلتزم اقتضاء العبارة الثانية الحصر أيضا فتقول : الإضافة واللام والتثنية والجمع أمور طارئة على الاسم مانعة من تنوينه لفظا ، وإنما يعتبر حال الاسم قبل ما يطرأ عليه ، وإذا فرض تعرّيه عن هذه الأمور قبل التنوين إن لم يمنع منه مانع ، وإذا كان كذلك فينبغي أن ينظر في الأسماء المذكورة إلى حالها عريّة عما طرأ عليها ، إن كان شيء منها منونا حكم بصرفه وإلا حكم بعدم انصرافه ، وعلى هذا : رجلان مثنى رجل منصرف ، ورجلان اسم امرأة غير منصرف نظرا إلى حاله مزالا عنه لفظ التثنية (١) ، وكذا مسلمات الجمع منصرف بخلاف مسلمات العلم ، وكذا الأحمر يحكم عليه بأنه غير منصرف لأنه بتقدير عدم اللام لا ينون ، وأما قول أبي علي (٢) : لا أقول منصرف لوجود العلتين. ولا غير منصرف لأن التنوين لم يذهب بهما فغير مرضي عنه ، بل يقطع بعدم صرفه ، وإن كانت الألف واللام لم يذهبا التنوين لأنهما دخلا على اسم مزال تنوينه فهو قبل دخولهما غير منصرف ، ولم يؤثر دخولهما في صرفه شيئا.

ومنها : أن الاسم إنما يمتنع صرفه إذا خرج عن أصله وصار فرعا على غيره من الأسماء ، وإنما تعلم جهات الفرعية إذا حصل التنبيه على الأصالة ، فأصل الاسم :

أن يكون مفردا مذكرا نكرة عربي الوضع ، غير وصف ولا مزيد فيه ولا معدول ، ولا خارجا عن أوزان الآحاد في العربية ، ولا موافقا الفعل في الزنة الخاصة به ولا الغالبة عليه ، فالتركيب والتأنيث والتعريف والعجمة والوصف والزيادة والعدل وصيغة الجمع الذي لا نظير له في الآحاد ووزن الفعل فروع وهي تسع ويجمعها البيتان المشهوران [وهما] :

عدل ووصف وتأنيث ومعرفة

وعجمة ثمّ جمع ثمّ تركيب

والنّون زائدة من قبلها ألف

ووزن فعل وهذا القول تقريب (٣)

وإنما يمتنع عند اجتماع سببين منها ، أو لسبب يقوم مقامهما ليصير فرعا على غيره من الأسماء من جهتين فيشبه بذلك الفعل ؛ لأن الفعل فرع على الاسم من جهتين : ـ

__________________

(١) انظر الأشباه والنظائر (١ / ٢٩٤).

(٢) المرجع السابق.

(٣) جمعهما ابن الحاجب. انظر. شرح الكافية للرضي (١ / ٣٥) ، وانظر. الأشموني (٣ / ٢٣).

٢٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

إحداهما : أن الاسم يخبر به ويخبر عنه ، والفعل يخبر به لا عنه ، وما أخبر به وعنه كان أصلا ، لأنه يستقل كلاما ، فلو لم تكن أفعالا لاستقلت الأسماء بالدلالة فهو مستغن والفعل غير مستغن فهو فرع.

الثانية : أن الفعل مشتق من الاسم ، والمشتق فرع المشتق منه ، وإنما بنيت هذه الجهة على رأي البصريين (١) ، وههنا إيراد وهو أن يقال : شبه الاسم الحرف مخرج له عن أصله وهو الإعراب إلى البناء ولم تعتبر فيه إلا جهة واحدة ، وشبهة الفعل لا يخرجه عن أصله واعتبر فيه جهتان!!

ويجاب عنه بأن الاسم بعيد من الحرف فشبهه به يكاد يخرجه عن حقيقته فلا جرم اكتفى به بوجه واحد ، والأولى أن يقال في الجواب : شبه الاسم الحرف إنما هو في شيء هو للحرف ، يعني أن المعنى الذي في الحرف هو بعينه موجود في ذلك الاسم فجهة الشبه قوية ، فاكتفى فيها بوجه واحد ، وأما شبه الاسم الفعل فإنما هو في مطلق الفرعية وليست الفرعية في الفعل هي بعينها الموجودة في الاسم فجهة الشبه بينهما ضعيفة فلا يقتصر فيها على جهة واحدة.

منها : أنه ليس كل شبه بين شيئين يوجب حكما لأحدهما هو في الأصل للآخر بل الشبه إذا قوي أوجب الحكم وإذا ضعف لم يوجبه ، وكلما كان الشبه أحصر فهو أقوى وإذا كان أعم فهو أضعف ، فالشبه الذي من الاسم والفعل من جهة الدلالة على معنى لا يوجب حكما ؛ لأنه عام في كل اسم وفعل ، وليس كذلك الشبه من جهة أنه ثان باجتماع سببين ؛ لأن هذا يخص نوعا من الأسماء فهو خاص مقرب للاسم من الفعل.

ومنها أن يقال : لم اختصت هذه العلل بأنها توجب الفرعية دون غيرها مما هو موجود في الأسماء ليس بأصل كالعمل مثلا ، فإن كون الاسم عاملا فرع على العمل ، فكان ينبغي على هذا إذا انضم إلى الاسم العامل سبب آخر أن يمتنع من الصرف.

والجواب عنه أن يقال : لم تعتبر إلا معان يصير الاسم بها فرعا عن غيره لا معان اشترك فيها الأصل والفرع ، ألا ترى أن العجمة إنما اعتبرت لأن الاسم إذا قامت به العجمة صار أعجميّا فيكون فرعا على العربية ، فالذي اعتبر إنما هي معاني فروع ـ

__________________

(١) انظر. تفصيل هذه المسألة في الإنصاف (ص ٢٣٥) (مسألة رقم ٢٨).

٢٦٠