شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٧

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٧

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما إضافة المعتبر إلى الملغى ـ يعني إلى ما لا يعتبر ولا يعتد به إلا كالاعتداد بالحرف الزائد للتوكيد كما ذكر في شرحه لذلك ـ : فقد أنشد عليه أبياتا منها :

٢٩٢٢ ـ حملتها حبّا لو أمسى مثله

 ... البيت

وقول الآخر :

٢٩٢٣ ـ فلو بلغت عوّاء السّماء قبيلة

وجعل من ذلك : مررت برجل حسن وجهه ، وحسن وجه ، و: اضرب أيهم أساء ؛ لأن أيّا الموصولة معرفة بصلتها كغيرها من الموصولات. فلو اعتد بما تضاف هي إليه لزم اجتماع معرفين على معرف واحد وهو ممنوع ؛ فالمفضى إليه ممنوع ، ولك أن تمنع كون إضافة الصفة المشبهة إلى معمولها وإضافة أي من قبيل ما ذكره.

أما «حسن وجهه» فإنما حصلت الإضافة فيه بعد إسناد الصفة إلى ضمير الموصوف وتصيير ما كانت الصفة مسندة إليه أولا معمولا لها. ولا شك أن الحسن للوجه حقيقة لكنه جعل لصاحب الوجه مجازا ؛ لأن من صح إسناد الحسن إلى وجهه صح إسناد الحسن إليه نفسه بطريق المجاز ، وإذا كان الحسن مسندا إلى ضمير الموصوف به خرج الوجه عن وصفه به ، فالموصوف بالحسن حينئذ صاحب الوجه لا الوجه ، وإن كان الحسن في المعنى إنما هو للوجه ، وإذا كان كذلك فلم يكن في قولنا : مررت برجل حسن وجهه ـ إضافة شيء إلى نفسه حتى يحتاج أن نخرجه عن ذلك بقولنا : إن المضاف إليه ملغى غير معتبر وكذلك الكلام في : حسن وجهه.

وأما «اضرب أيهم أساء» فقد يقال فيه : إن تعريف «أي» إنما هو بالإضافة ، وإنما قلنا تعريف غيرها من الموصولات بالصلة ؛ لأن الموصولات غيرها لا تضاف. أما «أي» فيدعى أن تعريفها بالإضافة لا بالصلة ولا تضر مخالفتها لبقية الموصولات في ذلك. ويقوي ما ذكرته : أن الموجب لإعراب «أي» إنما هو لزوم إضافتها فالمعارض لشبه الحرف إنما هو الإضافة التي هي من خواص الاسم ، فلو لم تكن الإضافة معتبرة ومعتدّا بها ؛ ما صح كونها معارضة لهذا السبب القوي الذي هو شبه الحرف ، ولا تكون معتبرة ومعتدّا بها إلا إذا كان المضاف إليه معتبرا ومعتدّا به.

واعلم أنه قد اندرج الكلام على الأمر الرابع ـ أعني رابع الأمور التي تضمن كلام المصنف الإشارة إليها ـ وهو أن المضاف قد يكون ملغى فيكون المقصود المضاف إليه ، ـ

٤١

[تقدم معمول المضاف إليه على المضاف

وما يكتسبه الاسم بالإضافة]

قال ابن مالك : (فصل لا يتقدّم على مضاف معمول مضاف إليه إلّا على «غير» مرادا به نفي خلافا للكسائيّ في جواز : «أنت أخانا أوّل ضارب» ويؤنّث المضاف لتأنيث المضاف إليه إن صحّ الاستغناء به وكان المضاف بعضه أو كبعضه ، وقد يرد مثل ذلك في التّذكير ويضاف الشّيء بأدنى ملابسة).

______________________________________________________

وقد يكون بالعكس فيكون الملغى هو المضاف إليه والمضاف هو المقصود في الكلام على الأمر الثالث الذي فرغنا منه لاشتماله على الأمر الرابع وانتظام أقسامه فيه.

قال ناظر الجيش : قال المصنف (١) : المضاف إليه كصلة للمضاف فلا يتقدم على المضاف معمول المضاف إليه ، كما لا يتقدم على الموصول معمول الصلة فلا يقال في : أنت أول قاصد خيرا : أنت خيرا أول قاصد ، ولا في : أنا مثل مكرم عمرا : أنا عمرا مثل مكرم ؛ فإن كان المضاف «غيرا» مرادا بها النفي جاز أن يتقدم عليها معمول ما أضيفت إليه كما يتقدم معمول النفي بـ «لم» و «أن» و «لا». ومن شواهد ذلك قول الشاعر :

٢٩٢٤ ـ فتى هو حقّا غير ملغ تولّه

ولا تتّخذ يوما سواه خليلا (٢)

ومثله :

٢٩٢٥ ـ إنّ امرأ خصّني عمدا مودّته

على التّنائي لعندي غير مكفور (٣)

والأصل : غير ملغ حقّا ، وغير مكفور عندي ، وجاز التقديم ؛ لأن النفي مراد ، كأن الأول قد قال : هو حقّا لا يلغى ، وكأن الثاني قال : على التنائي لا يكفر عندي ، فلو لم يرد بغير النفي لم يجز تقديم معمول ما أضيفت إليه كقولك : أكرم القوم غير شاتم زيدا ، فلو قيل : أكرم زيدا غير شاتم ، لم يجز ؛ لأن النفي غير مراد ، وحكى ثعلب (٤) أن الكسائي أجاز أن يقال : أنت أخانا أول ضارب ؛ بمعنى : أنت ـ

__________________

(١) شرح التسهيل لابن مالك (٣ / ٢٣٦).

(٢) من الطويل وانظره في التذييل (٧ / ٢١٠).

(٣) من البسيط لأبي زبيد الطائي. ديوانه (٧٨) ، والأشموني (٢ / ٢٨٠) ، والكتاب (١ / ٢٨١) ، والهمع (١ / ١٣٩) ، (٢ / ٤٩) ويروى «يوما» بدل «عمدا».

(٤) الأشموني (٢ / ٢٤٦) ، والتصريح (٢ / ٢٨) ، والهمع (٢ / ٤٩).

٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أول ضارب أخانا ، وغير الكسائي (١) يمنع ذلك وهو الصحيح ، ويكتسب المذكر المضاف إلى مؤنث تأنيثا ؛ بشرط صحة الاستغناء بالمضاف إليه وكون الأول بعضا أو كبعض وكذلك يكتسب المؤنث المضاف إليه مذكر تذكيرا بالشرط المذكور فمن الأول قول الشاعر :

٢٩٢٦ ـ إذا بعض السّنين تعرّقتنا

كفى الأيتام فقد أبي اليتيم (٢)

ومثله :

٢٩٢٧ ـ مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت

أعاليها مرّ الرياح النّواسم (٣)

ومثله :

٢٩٢٨ ـ لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت

سور المدينة والجبال الخشّع (٤)

ومثله :

٢٩٢٩ ـ أبا عرو لا تبعد فكلّ ابن حرّة

سيدعوه داعي ميتة فيجيب (٥)

ومثله :

٢٩٣٠ ـ مويهة داعي المنيّة بالوري

فمنهم مقدّم ومنهم مؤخّر (٦)

ومثله :

٢٩٣١ ـ قد صرّح السّير عن كتمان وابتذلت

وقع المحاجن بالمهريّة الذّقن (٧)

__________________

(١) المصادر السابقة.

(٢) من الوافر لجرير. ديوانه (٤١٢) ، والكتاب (١ / ٢٦ ، ٣٢) ، والمقتضب (٤ / ١٩٨) ، ويس (٢ / ٣٢).

(٣) من الطويل لذي الرمة. الخصائص (٢ / ٤١٧) ، والكتاب (١ / ٢٥ ، ٣٣ ، ٧٣) ، والمقتضب (٤ / ١٩٧).

(٤) من الكامل وهو لجرير. ديوانه (٢٧٠) ، والخزانة (٢ / ٢٢٦) ، والخصائص (٢ / ٤١٨) ، والكامل (٢ / ٤٨٦) ، والكتاب (١ / ١٢٥) ، واللسان : سورة ومجاز القرآن (١ / ١٩٧) ، والمقتضب (٤ / ١٩٧).

(٥) من الطويل ، وانظره في التذييل (٧ / ٢١٣) والتصريح (٢ / ١٨٤). هذا و «عرو» في الأصل : عروة ـ تحريف.

(٦) من الطويل ـ التذييل (٧ / ٢١٣).

(٧) من البسيط لتميم بن مقبل. وكتمان : اسم موضع ، والمهرية : إبل منسوبة إلى إحدى قبائل اليمن ، والذقن : التي تميل ذقنها إلى الأرض ، والمحاجن ـ وفي الأصل : المحاجر ، وهو تحريف ـ : العصى المعوجة. وانظر ديوانه (٣٠٣) ، والخصائص (٢ / ٤١٨) واللسان : «حجن» ، و «ذقن» ، و «كتم» ، والمحتسب (١ / ٢٣٧) ، ومعاني الفراء (١ / ١٨٧).

٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن قراءة أبي العالية (١) : [٤ / ٧٩] لا تنفع نفسا إيمانها (٢) ، ومن الثاني قول الله تعالى : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)(٣) ، ويمكن أن يكون منه : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)(٤) ، ومنه قول الشاعر :

٢٩٣٢ ـ إساءة من يبغي على النّاس موقع

بحوبائه الهلكاء من حيث لا يدري (٥)

ومنه :

٢٩٣٣ ـ نعجة الحسن فاتن فاغضض الطّر

ف ليلقى صيد الظباء الأسودا (٦)

ومثله :

٢٩٣٤ ـ إنارة العقل مكسوف بطوع هوى

وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا (٧)

ومثله :

٢٩٣٥ ـ رؤية الفكر ما يؤول له الأم

ر معين على اجتناب التّواني (٨)

فـ «أنت» في النوع الأول المضاف وهو مذكر لتأنيث المضاف إليه ، وذكر في النوع الثاني المضاف وهو مؤنث لتذكير المضاف إليه ؛ لصحة الاستغناء فيهما عن المضاف بالمضاف إليه مع كون المضاف بعض المضاف إليه أو كبعضه ، واحترزت بهذا من المضافات الصالحة للحذف وليست بعض المضاف إليه معمولا ولا كبعضه كـ : يوم الخميس ، وذي صباح ، فلو لم يصح الاستغناء بالمضاف إليه لم يؤنث مذكر ولم يذكر مؤنث نحو حسن غلام هند ، وكرمت أم زيد ، ويضاف الشيء إلى الشيء بأدنى ملابسة بينهما كقول صاحب الخشبة لحامليها خذا طرفيكما ، وكقول الشاعر :

٢٩٣٦ ـ إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة

سهيل أضاعت غزلها في القرائب (٩)

__________________

(١) رفيع بن مهران الرياحي تابعي قرأ عليه الأعشى وأبو عمرو (ت : ٩٠ ه‍). غاية النهاية (١ / ٦١٧) ، والطبقات (١ / ٢٨٤).

(٢) سورة الأنعام : ١٥٨ ، والبحر المحيط (٤ / ٢٥٩). (٣) سورة الشعراء : ٤.

(٤) سورة الأعراف : ٥٦ ، وراجع الأشباه والنظائر (٣ / ١٣٦ ـ ١٥٣) ، ومعاني الأخفش (١ / ٢٠٠).

(٥) من الطويل. سر الصناعة (٤٣٦).

(٦) وانظره في التذييل (٧ / ٢١٤).

(٧) من البسيط لأحد المولدين. التصريح (٢ / ٣٢) ، والخزانة (٢ / ١٦٩) ، والعيني (٣ / ٣٩٦) ، والمغني (ص ٥١٢).

(٨) ينظر في التذييل (٧ / ٢١٤) ، والهمع (٢ / ٤٩). (٩) تقدم.

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وكقول الآخر :

٢٩٣٧ ـ إذا قال قدني قال بالله حلفة

لتغني عنّي ذا إنائك أجمعا (١)

انتهى كلامه رحمه‌الله تعالى (٢).

وأقول : أما التعليل الذي ذكره لكون معمول المضاف إليه لا يتقدم على المضاف ؛ فقد ذكر الجماعة تعليلا أحسن منه وهو أن المتضايفين شديدا الاتصال لحلول الثاني من الأول محل ما به تمامه من تنوين أو نون إن كانا فيه ، ومعمول المضاف إليه من تمامه فلا يتقدم على المضاف كما لا يتقدم المضاف إليه على المضاف وأما أن معمول المضاف إليه «غير» فإنه يجوز تقديمه على «غير» الذي هو المضاف إذا كان المراد بـ «غير» النفي.

فقال الشيخ : قد سبقه إلى ذلك الزمخشري ، وحكاه أصحابنا عن بعضهم وردوه وصححوا أن ذلك لا يجوز (٣) ، ثم إنه خرج ما استدل به المصنف فقال : إن «حقّا» يكون معمولا لعامل مضمر كأنه قال : فتى لا يلغي (٤) حقّا. ولا يخفى إذا قدرنا ذلك ما يؤول إليه الكلام من الركة والسماجة.

وأما «لعندي غير مكفور» فقال فيه : سهل ذلك كون المعمول ظرفا والظروف يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها مع أنه محتمل للتأويل كتأويل «هو حقّا غير ملغ» (٥).

ولا شك أن الذي ذكره المصنف لا يبعد عن الصواب ؛ فكم من كلام يجوز فيه ما كان ممتنعا لكونه في معنى كلام يجوز فيه ذلك ، ومنه ما قيل في قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى)(٦) : إن الباء الزائدة جعلت في خبر «إن» لما كان معنى الكلام : أليس الله بقادر. ولذلك نظائر كثيرة. ثم قال الشيخ : وأجاز بعض النحويين أن يتقدم معمول ما أضيف إليه «حق» مستدلّا بقول الشاعر :

٢٩٣٨ ـ فإلّا أكن كلّ الشّجاع فإنّني

بضرب الكلى والهام حقّ عليهم (٧)

__________________

(١) تقدم ذكره.

(٢) انظر : شرح التسهيل للمصنف (٣ / ٢٣٩).

(٣) المفصل بشرح ابن يعيش (٨ / ٦٥).

(٤) التذييل (٧ / ٢١١).

(٥) التذييل (٧ / ٢١١).

(٦) سورة الأحقاف : ٣٣.

(٧) من الطويل وانظره في التذييل (٧ / ٢١٢).

٤٥

[ما لازم الإضافة لفظا ومعنى وأحكامه]

قال ابن مالك : (فصل : لازمت الإضافة لفظا ومعنى أسماء منها : ما مرّ في الظّروف والمصادر والقسم. ومنها : «حمادى» و «قصارى» و «وحد» لازم النّصب والإفراد والتّذكير وإيلاء ضمير ، وقد يجرّ بـ «على» وبإضافة «نسيج» و «جحيش» و «عيير» ، وربّما ثنّي مضافا إلى ضمير مثنّى.

ومنها «كلا» و «كلتا» ولا يضافان إلّا إلى معرفة مثنّاة لفظا ومعنى أو معنى دون لفظ ، وقد تفرّق بالعطف اضطرارا.

ومنها : «ذو» وفروعه ولا يضفن إلّا إلى اسم جنس ظاهر وكذا «أولو» و «أولات» وقد يضاف «ذو» إلى علم وجوبا إن قرنا وضعا وإلّا فجوازا ، وكلاهما مسموع. والغالب في ذي الجواز الإلغاء ، وربّما أضيف جمعه إلى ضمير غائب أو مخاطب).

______________________________________________________

يريد : حق عليهم بضرب الكلى والهام (١). قال : والصحيح المنع لندور هذا البيت وإمكان تأويله (٢). انتهى. واعلم أنهم ذكروا من إضافة الشيء بأدنى ملابسة قوله تعالى : (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها)(٣) ؛ لما كانت العشية والضحى طرفي النهار صح إضافة إحداهما إلى الأخرى.

قال ناظر الجيش : الأسماء بالنسبة إلى جواز الإضافة وامتناعها ووجوبها ثلاثة أقسام : قسم لا يلزمه الإضافة بل يجوز أن يضاف وأن لا يضاف ، وأكثر الأسماء من هذا القسم. وقسم يمتنع فيه الإضافة وذلك كالأسماء المضمرات وأسماء الإشارة وكالموصولات وأسماء الشرط وأسماء الاستفهام إلا «أيّا» فإنها من القسم الملازم للإضافة موصولة كانت أو شرطية أو استفهامية. وقسم تجب إضافته.

ثم هذا الواجب الإضافة قسمان : قسم يجب إضافته إلى الجملة وقسم يجب إضافته إلى المفرد وكل منهما ضربان : ضرب لا يفارق الإضافة فهو يلازمها لفظا.

وضرب يفارقها فيقطع عنها لفظا وهي مرادة معنى. ولا شك أن قسم ما يجوز فيه ـ

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) السابق.

(٣) سورة النازعات : ٤٦.

٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الأمران لا يحتاج إلى ذكره ، وكذا قسم ما تمتنع فيه الإضافة ؛ لأن امتناع ذلك يعلم من قواعد الفن ومن الكلام على الأسماء المذكورة في تفاصيل الأبواب ، وإنما يحتاج إلى ذكر ما يجب إضافته. وقد قلنا : إن منه ما تجب إضافته إلى الجملة ومنه ما تجب إضافته إلى المفرد. أما ما يجب إضافته إلى الجملة فهو ثلاث كلمات وهي «إذ» و «إذا» و «حيث» وهذه قد تقدم ذكر المصنف لها في باب المفعول فيه ، وذكر هناك أيضا [٤ / ٨٠] ما يقطع منها عن الإضافة وما لا يقطع (١) ؛ فاستغنى عن إيراد ذلك في هذا الباب ، وقد نبه على ذكر ذلك متقدما وذكر غيره بقوله هنا : (منها ما مر في الظروف) وأما ما يجب إضافته إلى المفرد فقد تقدم له ذكر ما ذكر منه في الأبواب الثلاثة التي أشار إليها في باب الاستثناء أيضا.

وها هو قد ضمن هذا الفصل ما بقي منه وبدأ فيه بذكر الضرب الأول وهو الذي لا يفارق الإضافة وإليه أشار بقوله : (لازمت الإضافة لفظا ومعنى أسماء) ثم ثنى بذكر الضرب الثاني وهو الذي يفارقها فتقطع عنها لفظا وهي مرادة معنى ، وإليه أشار بقوله : (ولازمتها معنى لا لفظا أسماء).

وينبغي أن يعلم أن المصنف لم يتضمن كلامه حصر الأسماء التي يجب إضافتها ولهذا قال : منها كذا ومنها كذا ، ولم يقل : وهي كذا وكذا. والظاهر أنه قصد التعرض إلى ذكر الكلمات التي يتعلق بها أحكام أخر غير لزوم الإضافة ليفيد أحكامها.

وإذ قد تقرر هذا فلنذكر كلام المصنف. قال رحمه‌الله تعالى (٢) : قد يقتضي الاستعمال لزوم الإضافة لفظا ما يفهم معناه بمجرد لفظه كـ «حمادي» الشيء ، فإنه بمعنى : غايته ، فلو استعمل استعمال غاية لصلح لذلك من جهة المعنى لكن الاستعمال منع من ذلك ، والأكثر لزوم له لإضافة ما لا يفهم معناه إلا بها ، فإذا كان معنى الاسم لا يفهم بمجرد لفظه استحق متمما بصلة أو بصفة لازمة أو إضافة : فالمتمم بصلة نحو هذا الذي عندي والمتمم بصفة لازمة نحو قوله :

٢٩٣٩ ـ لما نافع يسعى اللّبيب فلا تكن

بشيء بعيد نفعه الدّهر ساعيا (٣)

والمتمم بإضافة كـ «عند» و «لدى» و «إذا». ثم المتمم بالإضافة منه ما ـ

__________________

(١) مثال ما يقطع «قط» و «أمس» ومثال ما لا يقطع «حيث» و «لدن».

(٢) شرح التسهيل لابن مالك (٣ / ٢٣٩).

(٣) من الطويل. الأشموني (١ / ١٥٤) ، والمغني (٢٩٧).

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

استعمل ملازما لها لفظا ومعنى كـ «كلا» ومنه ما استعمل غير ملازم لها في اللفظ كـ «كل».

فمن الملازمة للإضافة لفظا ومعنى ما ذكر في الظروف كـ «عند» و «لدى» وفي المصادر كـ «سبحان» وبله المعرب وفي الاستثناء كـ «سوى» و «بيد» وفي القسم كـ «عمرك الله» و «قعدك الله» ، ومنها حمادى الشيء وقصاراه بمعنى : غايته ، وقد يقال : قصاره وقصره ، ومنه قول الشاعر :

٢٩٤٠ ـ قصر الجديد إلى بلى

والعيش في الدّنيا انقطاعه (١)

ومن الملازمة للإضافة لفظا ومعنى «وحد» ولا يضاف إلا إلى ضمير ، ولا يكون إلا منصوبا على الحال وهو في الأصل مصدر ؛ فلذلك لم يؤنث ولم يثن ولم يجمع فيقال : جئت وحدك ، وجئت وحدك ، وجئتما وحدكما ، وجئتم وحدكم ، وجئتن وحدكن ، وجئتنا وحدنا. قال الشاعر :

٢٩٤١ ـ أعاذل هل يأتي القبائل حظّها

من الموت أم أحلي لنا الموت وحدنا (٢)

وقد يجر بـ «على» وبإضافة «نسيج» في المدح ، وفي الذم بإضافة «جحيش» و «عيير» فيقال : هو نسيج وحده (٣) ؛ إذا قصد قلة نظيره في الخير ، وهو جحيش وحده وعيير وحده ؛ إذا قصد قلة نظيره في الشر وحكى ابن سيده (٤) أنه يقال : جلس على وحده ، وجلسا على وحديهما وعلى وحدهما ، وقلنا ذلك وحدينا.

ومن الملازمة للإضافة لفظا ومعنى «كلا» و «كلتا» وقد ذكرا في باب الإعراب وسيذكران إن شاء الله تعالى في باب التوكيد. ولا يضافان إلا إلى معرفة مثناة لفظا ومعنى نحو : مررت بكلا الرجلين أو معنى دون لفظ كقول الشاعر :

٢٩٤٢ ـ إنّ للخير وللشّرّ مدى

وكلا ذلك وجه وقبل (٥)

__________________

(١) من الكامل. الدرر (٢ / ٦٠) ، والهمع (٢ / ٥٠).

(٢) من الطويل. الدرر (٢ / ٦٠) ، والهمع (٢ / ٥٠).

(٣) من أمثال العرب في مدحهم واحدا من الناس. الفاخر (٤٠ ، ٤١).

(٤) علي بن إسماعيل المعروف بابن سيده إمام في اللغة والأدب له المخصص والمحكم والمحيط الأعظم (ت : ٤٥٨ ه‍). الأعلام (٥ / ٦٩).

(٥) من الرمل لابن الزبعرى. التصريح (٢ / ٤٣) ، وشرح المفصل (٣ / ٢) ، والمغني (٢٠٣) ، والهمع (٢ / ٥٠).

٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فأضاف «كلا» إلى «ذلك» وهو مفرد في اللفظ ؛ لأن المراد به اثنان وهو شبيه بقوله تعالى : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ)(١) ولا يضافان إلى نكرة ؛ فلا يقال : مررت بكلا رجلين ، ولا : بكلتا امرأتين ، ولا يضافان أيضا إلى مفترقين ؛ فلا يقال : مررت بكلا زيد وعمرو ، وربما جاء مثل ذلك في الشعر كقول الفرزدق :

٢٩٤٣ ـ كلا السّيف والسّاق الّذي ضربت به

على دهش ألقاه باثنين صاحبه (٢)

ومثله :

٢٩٤٤ ـ كلا الضّيفن المشنوء والضيف نائل

لديّ المنى والأمن في اليسر والعسر (٣)

ومثله :

٢٩٤٥ ـ كلا أخي وخليلي واجدي عضدا

وساعدا عند إلمام الملمّات (٤)

ومن الملازمة للإضافة لفظا ومعنى «ذو» ، ومؤنثه ومثناهما وجمعهما ومرادفا جمعهما ولا يضفن إلا إلى اسم جنس ظاهر نحو : هذا رجل ذو فضل ، وهذه امرأة ذات حسب ، وهذان ذوا فضل ، وهاتان ذواتا حسب ، وهم ذوو فضل ، وهن ذوات حسب ، وأولو فضل ، وأولات حسب ، وقولي : (وقد يضاف «ذو» إلى علم وجوبا إن قرنا وضعا) نبهت به على نحو «ذي يزن» و «ذي زعين» و «ذي الكلاع» و «ذي سلم» من الأعلام التي أولها «ذو» ثم قلت : (وإلا فجوازا) فنبهت به على نحو قولهم في «تبوك وقطرى» : «ذو تبوك» و «ذو قطري» و «ذو عمرو» ومنه قول جرير :

٢٩٤٦ ـ تمنّى شبيب منية سفلت به

وذو قطريّ لفّه منك وابل (٥)

وكلا النوعين مقصور على السماع. والأكثر في النوع الثاني أن يكون «ذو» فيه مثل «الذي» في قولهم : لقيته ذا صباح ، أعني كونه غير معتد به إلا بجعله من إضافة المسمى إلى الاسم. وأما أن يكون مضافا إلى علم ويعتد به كالاعتداد في نحو : هو ذو ـ

__________________

(١) سورة البقرة : ٦٨.

(٢) من الطويل ، ورواية الديوان :

كلا السيف والعظم الذي ضربا به

إذا التقيا في الساق أوهاه صاحبه

ديوانه (١ / ٧٧) ، والمقرب (١ / ٢١١).

(٣) من الطويل التذييل (٤ / ٨١).

(٤) من البسيط ويروى شطره الأخير : «في النائبات وإلمام الملمات». الأشموني (٢ / ٢٦٠) ، والتصريح (٢ / ٤٣) ، والكافية الشافية (٢ / ٩٣١) ، والمغني (٢٠٣).

(٥) من الطويل ـ ديوانه (٣٥٦) ، والتذييل (٧ / ٢٠٣ ، ٢٢٢) وفي الأصل : «مسه كفه» وهو تحريف واضطراب.

٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

مال ؛ فقليل ، ومنه : «أنا ذو بكة» وجد مكتوبا في حجر من أحجار الكعبة قبل الإسلام ، وقد يضاف «ذو» إلى ضمير غائب ومخاطب.

فمن إضافته إلى ضمير الغائب قول عمر رضي الله تعالى عنه : اللهم صلّ على محمد وذويه ، ومنه قول الشاعر :

٢٩٤٧ ـ صبحنا الخزرجيّة مرهفات

أباد ذوي أرومتها ذووها (١)

ومنه ما أنشده الأصمعي من قول الآخر :

٢٩٤٨ ـ إنّما يصطنع المع

روف في النّاس ذووه (٢)

ومن إضافته إلى ضمير المخاطب قول الأحوص (٣) :

٢٩٤٩ ـ وإنّا لنرجو منك عاجلا مثل ما

رجوناه قدما من ذويك الأفاضل (٤)

انتهى ما ذكره المصنف رحمه‌الله تعالى (٥).

وقد تضمن أن من الكلمات [٤ / ٨١] التي تلازم الإضافة لفظا ومعنى ما ذكره في باب المستثنى وهذا زيادة على ما تضمنه متن الكتاب من المذكور في ثلاثة الأبواب وهي باب الظروف ، وباب المصادر ، وباب القسم ، ثم ما ذكره في هذا الباب أيضا. والمذكور منها في هذا الفصل سبع عشرة كلمة ؛ فالذي لازم منها الإضافة لفظا ومعنى ثلاث عشرة وهي : «حمادى وقصارى ووحد وكلا وكلتا وذو» وفروعه من مؤنث ومثنى وجمع تذكيرا وتأنيثا واسم جمع. وكان يتعين أن يضيف اليمين «كلّا» إذا استعملت توكيدا ونعتا. ـ

__________________

(١) من الوافر لكعب بن زهير. ديوانه (٢١٢) ، والكافية الشافية (٢ / ٩٢٧) ، واللسان : «ذو» ، والمقرب (١ / ٢١١).

(٢) من بحر الرمل .. الدرر (٢ / ٦١) ، وشرح المفصل (١ / ٥٣) ، (٣ / ٣٨) ، واللسان : «ذو».

هذا ، وهناك بيت يشبهه وهو :

إنّما يعرف ذا الفض

ل من النّاس ذووه

المصادر السابقة.

(٣) عبد الله بن محمد الأنصاري من بني ضبيعة كان معاصرا لجرير والفرزدق ، وهو من سكان المدينة (ت : ١٠٥ ه‍). الأعلام (٤ / ٢٥٧) والشعر والشعراء (١ / ٥١٨). والأحوص ؛ لضيق في مؤخر عينيه.

(٤) من الطويل. ديوانه (١٧٩) ، والبحر المحيط (١ / ٢٨١) ، والدرر (٢ / ٦١) ، واللسان : «ذو» ، والهمع (٢ / ٥٠).

(٥) شرح التسهيل لابن مالك (٣ / ٢٤٢).

٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم هذه الكلمات التي هي لازمة الإضافة لفظا ومعنى : منها ما يضاف إلى الظاهر والمضمر : وهو «حمادى وقصارى وعند ولدى وسوى وكلا وكلتا».

ومنها ما يختص بالظاهر : وهو «ذو» وفروعه.

ومنها ما يختص بالمضمر. فقد يكون ضمير المخاطب خاصة نحو : «لبيك وسعديك وحنانيك ودواليك» ، وقد يكون كل ضمير نحو : «وحدك ووحده ووحدي» والذي لازم منها الإضافة معنى لا لفظا أربع كلمات ، وهي «قبل» و «بعد» و «آل» بمعنى : أهل ، و «كل» إذا لم يكن توكيدا ولا نعتا.

نعم قد ذكر أن كلمتي قبل وبعد قد يقطعان عن الإضافة لفظا ومعنى كما ستعرف.

ثم قد بقى التنبيه على أمور :

منها : أن الشيخ تكلم هنا على «وحد» من قولك : جاء زيد وحده ، هل هو منصوب على الظرف كما هو مذهب يونس (١)؟ أو على اسم موضوع المصدر الموضوع موضع الحال ؛ فوجد موضع اتحاد ، واتحاد موضع موحد وموحد هو الحال كما هو مذهب سيبويه (٢)؟ أو على أنه مصدر على توهم حذف الزيادة ؛ فمعنى «وحد» : اتحاد كما هو مذهب بعض النحويين (٣)؟ أو على أنه مصدر لم يلفظ له بالفعل كالأبوة والخؤولة كما هو مذهب بعض آخرين منهم (٤)؟

وأقول : إن الكلام على هذه الكلمة قد تقدم في باب الحال ؛ فلا حاجة إلى إعادته ، ثم قال : والصحيح أنه مصدر لفعل ملفوظ به. حكى الأصمعي : وحد الرجل يحد إذا انفرد فيكون وحده ووحده مصدرين لـ «وحد» كما تقول : وعد وعدا وعده (٥).

ومنها : أن الشيخ ناقش المصنف في قوله : (إن «وحد» لازم النصب) ؛ لأنه نقض ذلك بقوله بعد : وقد يجر بـ «على» أو بإضافة.

والجواب : أن لزوم النصب إنما هو في اللغة الكثرى أو في أكثر الكلام وفي لغة أو في قليل من الكلام قد يجر ، وأيضا فإن الجر لم يثبت له على الإطلاق ؛ إنما حصل له الجر ـ

__________________

(١) الكتاب (١ / ٣٧٧).

(٢) المصدر السابق.

(٣) ينظر في هذه الآراء : التذييل (٧ / ٢١٦ ، ٢١٧) ، والتصريح : حاشية يس (٢ / ٣٦).

(٤) التذييل (٧ / ٢١٦ ، ٢١٧) ، ويس (٢ / ٣٦).

(٥) التذييل (٧ / ٢١٧).

٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

بحرف واحد وبإضافة ثلاثة ألفاظ مخصوصة فكأنه قال : هو لازم النصب إلّا في هاتين الحالتين. ولذا ناقش المصنف في قوله مشيرا إلى «ذو» وفروعه : (ولا يضفن إلا إلى اسم جنس) فقال : قد نقض هذا الحصر المصنف بقوله بعد : (وقد يضاف إلى علم) (١).

والجواب عن ذلك هو كالجواب عن مسألة «وحد».

ومنها : أن الشيخ ذكر لفظا آخر يضاف إلى «وحد» وهو «فريع» يقال : هو فريع وحده (٢) ، وهو للمدح كما أن «نسيج وحده» لذلك و «عيير» تصغير «عير» وهو ولد الحمار ، يذم بذلك الرجل الذي ينفرد بما يؤدي إليه رأيه ولا يخالط أحدا في رأي ولا يدخل معه في معونة. ومعنى «نسيج وحده» أنه منفرد بالفضل ، وأصله أن الثوب إذا كان رفيعا لا ينسج على منواله معه غيره. وفي شرح الشيخ : ويجوز التثنية والجمع والتأنيث في هذه الألفاظ فيقال : هما نسيجا وحدهما ، وهم نسجاء وحدهم ، وهي نسيجة وحدها ، وهما نسيجتا وحدهما ، وهن نسائج وحدهن ، كذا قاله الخليل (٣).

ويجري «فريع» و «عيير» و «جحيش» على هذا القياس. وحكى بعضهم أن «نسيجا» يترك موحدا في التثنية والجمع ومذكرا في التأنيث ؛ فيقال : هما نسيج وحدهما ، وهم نسيج وحدهم ... إلى آخر الكلمات. والقياس فيه ما ذكره الخليل (٤).

ومنها : أن المصنف لما ذكر أن «كلا وكلتا» قد يضافان إلى ما هو مثنى معنى دون لفظ كقول الشاعر :

٢٩٥٠ ـ وكلا ذلك وجه وقبل

قال الشيخ : أهمل المصنف مسألة ذكرها ابن الأنباري (٥) ، وهي أن «كلا» يضاف إلى مفرد بشرط أن يتكرر ؛ وذلك قولك : كلاني وكلاك محسنان ، أي : كلانا. وكذا : كلا زيد وكلاك محسنان ، وكلاي وكلا عمرو منصفان (٦). قال : وأوردها ابن الأنباري على أنها من كلام العرب وجعلها مثل «أي» من قول الشاعر : ـ

__________________

(١) التذييل (٧ / ٢٢١).

(٢) من هنا حتى قوله : فالمفرد في (ص ٣٢٠٧) سقط من الأصل وهو من (أ) وشرح التسهيل لابن مالك.

(٣) الكتاب (١ / ٣٧٧ ، ٣٧٨).

(٤) التذييل (٧ / ٢١٨ ، ٢١٩).

(٥) أبو بكر محمد بن القاسم بن الأنباري صنف في علوم القرآن وغريب الحديث واللغة والنحو كالأضداد والكافي والموضح. (ت : ٣٢٧ ه‍).

(٦) التصريح (٢ / ٤٣) ، والمغني (٢٢٣).

٥٢

[ما لازم الإضافة معنى فقط وأحكامه]

قال ابن مالك : (ولازمتها معنى لا لفظا أسماء كـ «قبل» و «بعد» وك «آل» بمعنى أهل ولا يضاف غالبا إلّا إلى علم من يعقل وك «كلّ» غير واقع توكيدا أو نعتا ، وهو عند التّجرّد منويّ الإضافة فلا يدخل عليه «ال» وشذّ تنكيره وانتصابه حالا ، ويتعيّن اعتبار المعنى فيما له من ضمير وغيره إن أضيف إلى نكرة ، وإن أضيف إلى معرفة فوجهان. وإفراد ما لـ «كلا» و «كلتا» أجود من تثنيته ، ويتعيّن في نحو : كلانا كفيل صاحبه).

______________________________________________________

٢٩٥١ ـ فأيّي ما وأيّك كان شرّا

فقيد إلى المقامة لا يراها (١)

ومثل قولهم : المال بين زيد وبين عمرو ، كما قال أعشى همدان :

٢٩٥٢ ـ بين الأشجّ وبين قيس باذخ

بخ بخ لوالده وللمولود (٢)

ثم المنقول عن الكوفيين أنهم أجازوا إضافة «كلا وكلتا» إلى نكرة ، ولا معول على مذهبهم في ذلك (٣).

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٤) : «قبل» و «بعد» اسمان متقابلان يلزمهما الظرفية ما لم ينجرّا بـ «من» وتلزمهما الإضافة معنى ولفظا في أكثر الاستعمال ويقطعان عن الإضافة لفظا وينوى معناهما إذا علم المضاف إليه ولم يقصد إيهام كقوله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)(٥) أي : لله الأمر من قبل الحوادث ومن بعدها ، وقد يقطعان عن الإضافة لفظا ومعنى فينكران ؛ وذلك لقصد الإيهام أو لعدم دليل على المضاف إليه. ويستوجبان البناء على الضم إذا قطعا لفظا لا معنى ؛ وذلك أن لهما مناسبة للحرف معنوية ولفظية. أما المعنوية فمن قبل أنهما لا يفهم تمام ما يراد بهما إلا بما يصحبهما ، وأما اللفظية فمن قبل جمودهما وكونهما لا يثنيان ولا يجمعان ولا ينعتان ولا يخبر عنهما ولا ينسب إليهما ولا يضاف. ومقتضى هاتين المناسبتين أن يبنيا على الإطلاق لكنهما أشبها الأسماء ـ

__________________

(١) من الوافر وانظره في التذييل (٤ / ٨١) ، والمقرب (١ / ٢١٢).

(٢) من الكامل. وانظره في التذييل (٤ / ٨١) ، والشاهد «بين الأشج وبين قيس».

(٣) التذييل (٤ / ٨١).

(٤) شرح التسهيل لابن مالك (٣ / ٢٤٢).

(٥) سورة الروم : ٤.

٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المتمكنة بقبول التصغير والتعريف والتنكير ؛ فاستحقا إعرابا في حال وبناء في حال.

والأحوال ثلاث : حال التصريح بترك الإضافة عند قصد التنكير ، وحال ترك الإضافة لفظا وإرادتها معنى فكان البناء مع هذه الحال أليق ؛ لأنهما على خلاف الأصل ، وبناء الاسم على خلاف الأصل فجمع بينهما التناسب ، وتعين الإعراب مع الحالتين الأخريين ؛ لأنهما على وفق الأصل وإعراب الاسم على وفق الأصل وكان بناؤهما على حركة ؛ لأن لهما أصلا في التمكن ولولاه لم يفارقهما البناء وكانت الحركة ضمة ؛ لئلا يلتبس الإعراب بالبناء ، وذلك أنهما إذا كانا معربين فلا تدخلهما ضمة وإنما تدخلهما فتحة أو كسرة كنحو : جئت قبلك ومن قبلك ، ومن الملازمة للإضافة معنى لا لفظا «آل» بمعنى أهل (١) وأصله فأبدلت هاؤه همزة وأبدلت الهمزة ألفا بدلا لازما ؛ لسكونها بعد همزة مفتوحة في كلمة واحدة ويدل على أن أصلها «أهل» قول العرب في تصغيره : أهيل وقالوا أيضا : أويل ح فاعتبروا فيه اللفظ متناسين الأصل ويقل استعماله غير مضاف لفظا ومضافا إلى ضمير ومضافا إلى اسم جنس ومضافا إلى علم ما لا يعقل فمن ترك اضافته لفظا قول الشاعر :

٢٩٥٣ ـ نحن آل الله في بلدتنا

لم نزل آلا على عهد إرم (٢)

ومن استعماله مضافا إلى ضمير قول الشاعر :

٢٩٥٤ ـ أنا الفارس الحامي حقيقة والدي

وآلي فما تحمي حقيقة آلكا (٣)

ومن استعماله مضافا إلى اسم جنس قول عبد المطلب (٤) :

٢٩٥٥ ـ لا يغلبنّ صليبهم

ومحالهم عدوا محالك

وانصر على آل الصّلي

ب وعابديه اليوم آلك (٥)

ومن إضافته إلى علم ما لا يعقل قول الشاعر : ـ

__________________

(١) لكن «آل» تستعمل غالبا في الأشرف. ومنه مثلا سورة آل عمران. وراجع اللسان «أهل».

(٢) من الرمل. الدرر (٢ / ٦٢) ، والكافية الشافية (٢ / ٩٥٥) ، والهمع (٢ / ٥٠) ، والشاهد قوله : «ألا» ؛ حيث جاء غير مضاف لفظا.

(٣) من الطويل لخفاف بن ندبة. الاقتضاب (٨) ، والبحر المحيط (١ / ١٨٨) ، والكافية الشافية (٢ / ٩٥٤).

(٤) عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف زعيم قريش في الجاهلية (ت : ٤٥ ق ه). الأعلام (٤ / ٢٩٩).

(٥) من م الكامل. الأشموني (١ / ١٣) ، والحيوان (٧ / ١٩٨) ، والدرر (٢ / ٦٢) ، والهمع (٢ / ٥٠).

٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

٢٩٥٦ ـ من الجرد من آل الوجيه ولا حق

تذكّرنا أوتارنا حين تصهل (١)

ومن الملازمة للإضافة معنى لا لفظا «كل» غير الواقع توكيدا ولا نعتا. فإن رفع توكيدا أو نعتا كان مثل «كل» في ملازمة الإضافة لفظا ومعنى فالتوكيد كقولك : مررت بهم كلهم ، والنعت نحو : زيد الرجل كل الرجل ، أي : الكامل الرجولية ؛ فلا يجوز إفراد «كل» في هذين الموضعين. وقد أجاز الفراء (٢) والزمخشري (٣) الإفراد في التوكيد وحمل على ذلك قراءة بعض القراء إنا كلا فيها إن الله قد حكم بين العباد (٤) ، ولا خلاف في منع إفراد المنعوت به. والصحيح عندي منع إفراد المؤكد به ؛ لأن ألفاظ التوكيد على ضربين : مضاف ومفرد ؛ فالمفرد (٥) كـ : أجمع وجمعاء لا يجوز أن يضاف بإجماع والمضاف غير «كل» كالنفس والعين و «كلا» لا يجوز إفراده بإجماع فإجازة إفراد «كل» تستلزم مخالفة النظائر في الضربين فوجب اجتنابها. وأما النصب في إنا كلا فيها فيخرج على أن (كلا) حال والعامل فيه (فيهآ) كما عمل «فيهم» في قول النابغة :

٢٩٥٧ ـ رهط ابن كوز محقبي أدراعهم

(فيهم ورهط ربيعة بن حذار) (٦)

في «محقبي» وقد بسطت القول على هذه المسألة في باب الحال. وأما «كل» غير الواقع توكيدا ولا نعتا فإنه ملازم الإضافة معنى لا لفظا لكنه لا يجرد عن الإضافة لفظا إلا وهو مضاف معنى ؛ فلذلك لا تدخل عليه «ال» وقد أدخلها عليه أبو القاسم الزجاجي في جمله ثم اعتذر عن ذلك (٧). وشذ تنكيره وانتصابه حالا فيما حكاه أبو الحسن الأخفش (٨) ؛ فعلى هذا لا يمتنع أن تدخل عليه «ال» ـ

__________________

(١) وانظره في التذييل (٧ / ٢٢٥).

(٢) التصريح (٢ / ١٢٢ ، ١٢٣) ، والكشاف (٤ / ١٣٣).

(٣) المصدرين السابقين.

(٤) سورة غافر : ٤٨. وانظر البحر المحيط (٧ / ٤٦٩) ، والكشاف (٤ / ١٣٣).

(٥) هنا انتهى سقط في المخطوط أشرنا إليه (ص ٣٢٠٤).

(٦) من الكامل ، ليس في ديوانه. التذييل (٧ / ٢٩٨).

(٧) قال في الجمل (١٠) : وتبدل البعض من الكل .. و.. إنما يبدل البعض من الكل مجازا ، وعلى استعمال الجماعة له مسامحة وهو في الحقيقة غير جائز وأجود من هذه العبارة : ويبدل الشيء من الشيء وهو بعضه.

(٨) الارتشاف (٢ / ٥١٦).

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فإن أضيف إلى نكرة تعين اعتبار المعنى في ما له من ضمير وإخبار وغير ذلك فتقول : كل رجلين أتياك فأكرمهما ، وكل رجال أتوك فأكرمهم ، وكل امرأة أتتك فأكرمها ، ومنه قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ)(١). وإذا أضيف إلى معرفة لفظا أو نية جاز اعتبار المعنى واعتبار اللفظ ؛ فمن اعتبار المعنى قوله تعالى : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ)(٢) ، ومن اعتبار اللفظ قوله تعالى : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً)(٣) وإفراد ما لـ «كلا» و «كلتا» أجود من تثنيته ولذلك جاء القرآن العزيز بالإفراد قال الله تعالى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها)(٤).

فقال (آتَتْ) ولم يقل : آتتا ، وقد اجتمع الوجهان في قول الشاعر :

٢٩٥٨ ـ كلاهما حين جدّ الجري بينهما

قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي (٥)

ويتعين إفراد الخبر في نحو : كلانا كفيل صاحبه ؛ لإضافته إلى «صاحبه» إذ لو ثني الخبر فقيل : كلانا كفيلا صاحبه ؛ لزم الجمع بين تثنية وإفراد في خبر واحد وفي الإفراد السلامة من ذلك فكان متعينا ، ولأن إضافة «كفيل» إلى «صاحب» وهو مضاف إلى ضمير «كلا» بمنزلة تثنيته ، فلو ثني لكان ذلك بمنزلة تثنيته مرتين فلم يجز ذلك. انتهى كلامه رحمه‌الله تعالى (٦).

ويتعلق به أبحاث :

أولها :

قوله في «قبل» و «بعد» أنهما يلزمهما الظرفية ما لم ينجرّا بـ «من» ظاهر ، ولكن الجماعة كأنهم لا يحكمون لهما بذلك. ولهذا قال الشيخ : إنهما صفتان للظرف وليسا بظرفين ، وأن الأصل في نحو : جاء زيد قبل عمرو : جاء زيد زمنا قبل زمن مجيء عمرو ، وكذا «بعد» التقدير فيها : زمنا بعد زمن مجيء عمرو (٧).

ولا يخفى بعد هذا التقدير ، ثم إن الموصوف الذي قدروه لم ينطق به أصلا والذي يظهر أنهما أنفسهما ظرفان ، فـ «قبل» في قولنا : جاء زيد قبل عمرو ؛ اسم زمن ـ

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٨٥ ، وسورة الأنبياء : ٣٥ ، وسورة العنكبوت : ٥٧.

(٢) سورة النمل : ٨٧.

(٣) سورة مريم : ٩٥.

(٤) سورة الكهف : ٣٣.

(٥) من البسيط وانظره في التذييل (٧ / ٢٢٨).

(٦) شرح التسهيل (٣ / ٢٤٦).

(٧) التذييل (٧ / ٢٢٣).

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

سابق ، أي : متقدم على زمن مجيء عمرو.

ثانيها :

أن هذا الفصل إنما هو [٤ / ٨٢] معقود لذكر أسماء لازمت الإضافة ، وأن منها ما لا يقطع عنها فهو ملازم لها لفظا ، ومنها ما يقطع عنها لفظا فهو ملازم لها معنى. أما كون ما يقطع منها يعرب بعد القطع أو مبني فليس الفصل معقودا له ؛ لأن المصنف أورد الكلام في ذلك مستوفى في الفصل الذي يلي هذا الفصل لكنه مع هذا تعرض هنا إلى الكلام على حكم هاتين الكلمتين ـ أعني قبلا وبعدا ـ بالنسبة إلى الإعراب والبناء حال قطعهما عن الإضافة.

ثم إن الشيخ لم يقتصر على ذكر هاتين الكلمتين كما فعل المصنف بل ذكر الكلمات المشاركة لهما في هذا الحكم (١) ورأيت تأخير ذلك إلى أن يحصل الكلام في الفصل الآتي ؛ فإنه أمسّ بذلك.

ثالثها :

أن المصنف قد قال مشيرا إلى «آل» : (ولا يضاف غالبا إلا إلى علم من يعقل) فقال الشيخ : لو قال : إلا إلى علم من يعلم كان أجود ؛ لأنهم أضافوه إلى الله تعالى.

رابعها :

قد عرفت قول المصنف في متن الكتاب مشيرا إلى «كل» : (وهو عند التجرد منوي الإضافة ، فلا يدخل عليه «ال» وشذ تنكيره وانتصابه حالا). وقد استشكلت كلامه هذا من حيث إنه غير محتاج إليه ؛ لأن الكلام الآن إنما هو في الكلمات اللازمة للإضافة في المعنى دون اللفظ وإذا كان الكلام في ما هو كذلك ؛ فأي فائدة في قوله : (وهو عند التجرد منوي الإضافة)؟ لا يقال : إنما ذكر ذلك ؛ لأنه قد قال في «قبل» و «بعد» إنهما قد يقطعان عن الإضافة لفظا ومعنى ، فينكران ؛ فخشي أن يتوهم أن كلمة «كل» كذلك ؛ لأنا نقول : الأصل أن جميع الكلمات التي ذكرها وإن قطعت عن الإضافة لفظا أن إضافتها معنى مرادة لقوله : (ولازمتها معنى لا لفظا أسماء) ؛ فمن أين يعلم أنهما ينكران؟ ولو لم ينبه في الشرح على أن هاتين الكلمتين يفعل بهما ـ

__________________

(١) التذييل (٢٢٣) وما بعدها.

٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك ما علمناه ، وإذا كان كذلك فهو مستغن عن قوله في «كل» : إنه (عند التجرد منوي الإضافة) ، وقد يقال : إنما ذكر المصنف ذلك ؛ لأن من الناس من يزعم أن «كلّا» نكرة إذا قطعت عما تضاف إليه.

قال الشيخ : اختلف النحويون في «كل» و «بعض» هل هما معرفتان أو نكرتان؟ فذهب سيبويه (١) والجمهور إلى أنهما معرفتان تعرفا بنية الإضافة ؛ لأنهما لا يكونان أبدا إلا مضافين .. وقالوا : مررت بكل قائما وببعض جالسا.

وذهب الفارسي إلى أنهما نكرتان ، وألزم من قال بتعريفهما بنية الإضافة القول بأن نصفا وثلثا وسدسا معارف ؛ لأنها في المعنى مضافات (٢) ، وبإجماع منا أن هذه نكرات ؛ فكذلك «كل» و «بعض» فلا تكون الإضافة من طريق المعنى توجب التعريف ، ورد بأن العرب تحذف المضاف إليه وتريده نحو قوله :

٢٩٥٩ ـ أقبّ من تحت عريض من عل (٣)

وقد لا تريده كقوله :

٢٩٦٠ ـ [مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا]

كجلمود صخر حطّه السّيل من عل (٤)

ووجدناهم يجيئون بآحاد منها في كثير من الكلام فدل على أن العرب لحظت المضاف إليه فيما ذكر واستدل أيضا على تنكير «كل» بقولهم : مررت بهم كلّا ؛ فنصبوها حالا ، وأجيب بأنه شاذ (٥). انتهى.

ولقائل أن يقول : قد يكون المضاف إليه «كل» و «بعض» نكرة ويقطعان عن الإضافة إلى تلك النكرة وينوى إضافتهما إليها ولا يمكن الحكم بتعريفهما بنية الإضافة ؛ لأن الإضافة هذه لو صرح بها ما تعرف المضاف فكيف وهي منوية؟! وإذا كان كذلك فكان ينبغي التقييد فيقال : إنهما معرفتان بنية الإضافة إذ كان ـ

__________________

(١) الكتاب (١ / ٢٧٣) بولاق ، (٢ / ١١٤ ، ١١٥).

(٢) التذييل (٤ / ٨٣) ، والتصريح (٢ / ٣٥).

(٣) رجز لأبي النجم العجلي يصف فرسا. الأشموني (٢ / ٢٦٨) ، والخصائص (٢ / ٣٦٣) ، والعيني (٣ / ٤٤٨) ، والكتاب (٢ / ٤٦).

(٤) عجز بيت من الطويل لامرئ القيس ذكرنا صدره. التصريح (٢ / ٤٥) ، والدرر (١ / ١١٧) ، والكتاب (٢ / ٣٠٩) ، والمحتسب (٢ / ٣٤٢) ، والهمع (١ / ٢١٠).

(٥) التذييل (٧ / ٢٢٥ ، ٢٢٦).

٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المضاف إليه المحذوف معرفة. أما أن يقال : إنهما معرفتان على الإطلاق فغير ظاهر إلا أن يدعى أن المضاف إليه «كل» و «بعض» لا يحذف إلا إذا كان معرفة ، وأما إذا كان نكرة ، فلا يجوز حذفه وذلك بعيد ؛ إذ لا يمتنع أن يقال في كل أحد يموت : كل يموت ، ولا في كل إنسان يبعث ويحاسب : كل يبعث ويحاسب.

خامسها :

أن المصنف قد قال في «كل» : (وإن أضيفت إلى معرفة فوجهان) أي : يجوز أن يعتبر في الضمير والإخبار وغيرهما بالمعنى كما في قوله تعالى : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ)(١) وأن يعتبر اللفظ كما في قوله تعالى : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً)(٢) فقال الشيخ : سوى بين ما أضيف إلى معرفة لفظا وبين ما أضيف إليها نية لا لفظا (٣). قال : والذي دل عليه الاستقراء أنهما ليسا سواء ، بل إذا كان مضافا إلى معرفة نية فالحكم ما ذكر يعني من جواز اعتبار المعنى واعتبار اللفظ ؛ فمن مراعاة المعنى قوله تعالى : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ ، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)(٤) ، (وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ)(٥) ، ومن مراعاة اللفظ قوله تعالى : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ)(٦) ، (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ)(٧) ، وقال الشاعر :

٢٩٦١ ـ فكيف وكلّ ليس يعد وحمامه

وما لامرئ عمّا قضى الله مرحل (٨)

وإن كان مضافا إلى معرفة لفظا فالسماع مراعاة اللفظ وهو الإفراد قال الله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً ٩٣ لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ٩٤ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً)(٩) ، وقال الشاعر :

٢٩٦٢ ـ وكلّهم حاشاك إلّا وجدته (١٠)

ولا يكاد يوجد في لسان العرب : كلهم يقومون ، ولا : كلهن قائمات ، وإن كان موجودا ذلك في تمثيل كثير من النحاة (١١). ـ

__________________

(١) سورة النمل : ٨٧. (٢) سورة مريم : ٩٥. (٣) التذييل (٧ / ٢٢٨).

(٤) سورة يس : ٤٠.

(٥) سورة الأنفال : ٥٤.

(٦) سورة العنكبوت : ٤٠.

(٧) سورة الإسراء : ٨٤.

(٨) من الطويل. التذييل (٧ / ٢٢٧).

(٩) سورة مريم : ٩٣ ـ ٩٥.

(١٠) بعده في التذييل (٧ / ٢٢٧) : كعين الكذوب. ولم يوجد في غيره.

(١١) التذييل (٧ / ٢٢٧).

٥٩

[من أحكام ما لازم الإضافة]

قال ابن مالك : (ما أفرد لفظا من اللّازم الإضافة معنى ، إن نوي تنكيره أو لفظ المضاف إليه أو عوّض منه تنوين أو عطف على المضاف اسم عامل في مثل المحذوف لم يغيّر الحكم ، وكذا لو عكس هذا الآخر ، وإن لم ينو التّنكير ولا لفظ المضاف إليه ، ولم يثبت التّنوين ولا العطف بني على الضّم إن لم يشابه ما لا تلزمه الإضافة معنى).

______________________________________________________

سادسها :

ذكر الشيخ في شرحه تعليلا حسنا لتعين الإفراد في قولنا : كلانا كفيل صاحبه ؛ فقال : إنما لم يجز التثنية ؛ لأنه لزم من ذلك ألا يكون أحدهما كفيلا للآخر ، بل كلاهما معا يكونان كفيلي صاحبهما ، والمقصود الإخبار عن أن كل واحد منهما كفيل للآخر (١). قال : وضابطه أنه متى كان كل واحد منهما محكوما عليه بحكم الآخر بالنسبة إليه لا إلى ثالث تعين الإفراد كما قال الشاعر :

٢٩٦٣ ـ كلانا غنيّ عن أخيه حياته

ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا (٢)

وكذلك يتعين الإفراد أيضا في قولك : كلاهما محب للآخر [٤ / ٨٣] وكلتاهما مكرمة للأخرى (٣). انتهى. وهذا التعليل أحسن من التعليل الذي ذكره المصنف بكثير ؛ لأنه يرجع إلى أمر معنوي والذي ذكره المصنف يرجع إلى أمر لفظي.

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٤) : اللازم الإضافة معنى يعم ما اجتمع فيه جمود اللفظ والافتقار إلى غيره في بيان معناه كـ «قبل وبعد وغير وحسب وأول وأمام وخلف» وأخواتهما ، وما وجد فيه الافتقار دون الجمود كأسماء العدد ، وك «أهل وصاحب وجزء وجملة وجهة وجانب ومثل» ، ونحوها مما يصغر ويثنى ويجمع ويشتق منه ، فهذه أشبهت بقبولها لهذه الأحوال الأسماء التامة الدلالة فساوتها في ـ

__________________

(١) التذييل (٧ / ٢٢٨).

(٢) من الطويل لعبد الله بن جعفر ، وقيل : لغيره. الأشموني (٢ / ٢٦٠) ، والتصريح (٢ / ٤٣) ، واللسان : «غنا» والمغني (٢٠٤).

(٣) التذييل (٧ / ٢٢٨).

(٤) شرح التسهيل (٣ / ٢٤٦).

٦٠