شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٧

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٧

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

٣٥٢٣ ـ أبا عرو لا تبعد فكلّ ابن حرّة

سيدعوه داعي ميتة فيجيب (١)

وكقول الآخر :

٣٥٢٤ ـ أيا بن عفر بن عذراء فقد صدرت

منك الإساءة واستحققت هجرانا (٢)

وكقول رؤبة :

٣٥٢٥ ـ إمّا تريني اليوم أمّ حمز

قاربت بين عنقي وجمزي (٣)

وندر حذف المضاف إليه بأسره كقول عدي بن زيد :

٣٥٢٦ ـ يا عبد هل تذكرني ساعة

في موكب أو رائدا للقنيص (٤)

خاطب عبد هند اللخمي ، وعبد هند علم له فرخمه بحذف المضاف إليه ، وعامله معاملة معد يكرب وكذلك ندر حذف آخر المضاف في قول أوس بن حجر :

٣٥٢٧ ـ يا علقم الخير قد طالت إقامتنا

هل حان منّا إلى ذي العمر تسريح (٥)

هذا آخر كلامه رحمه‌الله تعالى (٦).

ولنتبعه بأبحاث :

منها :

أن الذي تضمنه كلامه في المتن أن تاء التأنيث تباشر الاسم المرخم بحذفها ، إما وصلا وهي التي ذكر أنها مقحمة ، وإما وقفا فتقلب هاء كما هو شأن التاء الموقوف على الاسم التي فيه. لكن الذي ذكره في الشرح مسندة إلى سيبويه يخالف ذلك ؛ لأنه قال : لما كان الأكثر في نداء ما التاء فيه نداؤه بحذفها قدر وهي ثابته عاريا منها.

ولا شك أن الأمر إذا كان كذلك فلا إقحام ؛ لأن الإقحام عبارة عن إدخال شيء ـ

__________________

(١) البيت من بحر الطويل مجهول القائل وشاهده واضح في الإنصاف (١ / ٣٤٨) وشرح الكافية (١ / ١٣٦).

(٢) من البسيط وانظره في التذييل (٤ / ٢٣٨) ، هذا : وفي الأصل أنا بدل أيا.

(٣) رجز ديوانه (ص ٦٤) والإنصاف (ص ٣٤٩) والكتاب (١ / ٣٣٣) والمقتضب (٤ / ٢٥١).

هذا : والعنق والجمز ضربان من السير والجمز أشدهما ، وهو كالقفز والوثب.

(٤) من السريع ـ الأشموني (٣ / ١٧٦ ، ٤ / ٢٣٨) ، والقنيص : المصيد.

(٥) البيت من البسيط وانظره في التذييل (٤ / ٢٣٨).

(٦) شرح التسهيل : (٣ / ٤٣٣).

٥٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

بين شيئين دون أن يكون ذلك الموضوع محلّا لذلك الشيء ، إلّا أن يقال أن الأمر التقديري يحصل كالأمر الوجودي فيستقيم الكلام حينئذ ، وعلى هذا تحمل عبارته في المتن بحيث يقال : قد يقدر حذف هاء التأنيث ترخيما فتقحم مفتوحة فرتب الإقحام على تقدير الحذف لا على وجوده.

وبعد : فقد عرفت أن الذي ذكره المصنف مسألتان كل منهما باشر الاسم فيه تاء التأنيث إلّا أن المباشرة في إحداهما في الوصل (وفي الآخر في الوقف. ولكن كلام الجماعة ـ أعني المغاربة ـ يخالف كلامه في المسألتين) لأن المباشرة في الوقف عندهم على أنهم ذكروا أن في المسألة خلافا. والقول الآخر فيها هو الذي قال به المصنف ، وأما المباشرة في الوصل فهم موافقوه فيها على الإقحام ، لكن لم يكن في كلامهم تعرض إلى التقدير الذي ذكره ، أعني تقدير الحذف.

قال ابن عصفور : وقد ذكر مسألة ترخيم ما فيه التاء من أولها ، وهذه الأسماء التي فيها تاء التأنيث في أمور :

الأول : أنها ترخم ، معرفة كانت أو غير معرفة إذا أقبل عليها في النداء.

الثاني : أنه يجوز ترخيم ما كان منها على ثلاثة أحرف نحو ثبة وهبة ؛ لأن التاء في حكم الانفصال لحكم العرب لها بحكم ما ليس من حروف الاسم ، حيث قالوا : حنيظلة تصغير حنظلة ، وإذا كان كذلك فليس في حذفها إخلال بالكلمة التي هي فيها.

الثالث : أنك إذا وقفت عليها بعد الترخيم ألحقت الهاء لبيان الحركة ، تقول : يا طلح أقبل. فإذا وقفت قلت : يا طلحة. وسبب ذلك أنهم كرهوا حذف الحركة للوقف بعد حذف التاء للترخيم ؛ لما في ذلك من الإجحاف ، ولم يفعل ذلك إذا وقف على حار مرخم حارث وأمثاله ؛ لأن الأسماء المؤنثة استعمالها مرخمة في النداء أكثر من استعمالها غير مرخمة ، فأشبهت لذلك ارم ، واغز فلما عوضوا الهاء من المحذوف في مثل ارم واغز كذلك عوضوا الهاء في الوقف فقالوا : يا طلحه ، ويا فاطمه ، وبعض العرب يقف بالسكون ، حكى سيبويه : يا حرمل مرخم حرملة (١) ، كما أن بعض العرب يقول في الوقف على ارم : ارم ولا يلحق الهاء (٢) واختلف ـ

__________________

(١) الكتاب (٢ / ٢٤٤).

(٢) السابق (٢ / ٢٤٢ : ٢٤٤).

٥٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الناس في هذه الهاء اللاحقة لبيان الحركة ، فمنهم من زعم أنها تاء التأنيث ، ردوها في الوقف ساكنة ليبينوا بها الحركة وقلبوها لأجل الوقف. ومنهم من زعم أنها الهاء اللاحقة لبيان الحركة في الوقف كالتي في ارمه ، واغزه ، واحشه. وقد يحذف الشاعر هذه الهاء في الوقف إذا وصل الفتحة بألف ويجعل الألف عوضا منها ، ومن ذلك قوله :

٣٥٢٨ ـ كادت فزارة تشقى بنا

فأولى فزارة أولى فزارا (١)

[٤ / ٢٢١] يريد : يا فزارة.

الرابع : أنه يجوز لك إذا رخمت على لغة من نوى الرد أن تقحم التاء وتفتحها فتقول : يا طلحة إلّا أن ذلك ضعيف لا يجيء إلّا في الشعر ، وإنما ضعف لما يلزم فيه من كمال الاسم في اللفظ في حال الترخيم وباب المرخم أن يكون محذوف الآخر. واختلف الناس في إقحام هذه التاء. فمنهم من زعم أنها أقحمت ساكنة بين الحاء وحركتها ؛ لأن الحركة بعد الحرف ، فلما أقحمت بينهما تحركت بحركة الحاء ، وفتحت الحاء بسبب تاء التأنيث ، والذي دعا أرباب هذا المذهب أن التاء أقحمت بين الحاء وحركتها كون الاسم مفتوح الآخر ، فدل ذلك على أنه مرخم ، ولا يتصور بقاؤه على الترخيم عندهم إلّا بأن يعتقدوا أن هذه التاء دخلت حشوا ؛ إذ لو قدر أنها دخلت بعد الحاء وحركتها كان الاسم قد كمل ووجب بناؤه على الضم. ومنهم من ذهب إلى أنهم أتوا بالتاء بعد الحاء وحركتها على جهة التأكيد ، وأعني بذلك أن العرب إنما أبقت الحاء مفتوحة بعد الترخيم في يا طلح ليكون في إبقائها على فتحها دليل على أن الاسم مرخم ، ثم زادوا التاء آخر ليبينوا أنها هي التي حذفت في الترخيم وحركوها بالفتح إتباعا لحركة الحاء ؛ ولذلك شبهه سيبويه بيا تيم تيم عدي من جهة أن تيما الثاني (تأكيد) للأول ؛ ولذلك حرك بحركته إتباعا له كما أن التاء تأكيد للمعنى الذي تعطيه فتحة الحاء من الدلالة على أن الاسم مرخم ؛ ولذلك أتبعت حركتها الهاء (٢) وسهل ذلك كون التاء مع ما قبلها بمنزلة اسمين ضم ـ

__________________

(١) من المتقارب لعوف بن عطية ـ الكتاب (٢ / ٢٤٣) والمفضليات (/ ٤٢٦) ، هذا وكلمة أولى ـ هنا ـ : وعيد ، وتهديد.

(٢) الكتاب (٢ / ٢٠٧ ، ٢٠٨).

٥٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما إلى الآخر كما أن يا تيم تيم عدي كذلك. وزعم ابن كيسان أن التاء في أميمة من قوله :

٣٥٢٩ ـ كليني لهمّ يا أميمة ناصب

هي الهاء المبدلة من تاء التأنيث التي تلحق في الوقف على «أميم» أثبتها في الوصل إجراء لها مجرى الوقف ، ولزمها الفتح ليكون الآخر في حال إثباتها على حاله في حال حذفها إذا كان أكثر استعمالهم لهذا الاسم وأمثاله مرخما مفتوح الآخر (١) ، وهذا المذهب تفريع على أن الهاء اللاحقة في الوقف مبدلة من تاء التأنيث.

والذي ذهب إليه ضعيف ؛ لأنه ادعاء من غير دليل إذ قد يمكن أن تكون لحقت في الوجه الذي تقدم ذكره. وإنما ينبغي أن يعتقد أن الوصل أجري مجرى الوقف إذا كان في اللفظ ما يدل عليه ، وذلك نحو قول العرب [ثلاثة] أربعة فأثبتوا الهاء التي بابها أن لا توجد إلّا في الوقف في حال الوصل ، بدليل حذف الهمزة ونقل حركتها إلى الهاء. وذلك شيء لا يكون إلّا في حال الوصل (٢). انتهى كلام ابن عصفور رحمه‌الله تعالى.

وفيه جلاء عن المسألة وإيضاح ليس في كلام المصنف (و) تبين منه أن الذي اختاره المصنف من أن فتحة التاء في نحو : كليني لهمّ يا أميمة ناصب فتحة إتباع لفتحة ما قبلها هو قول النحاة إلا أن ظاهر كلام المصنف يعطي أن لا ترخيم في الاسم حينئذ وإنما فتح آخر المنادى المختوم بالتاء مع استحقاقه الضم إتباعا لما قبله كما فتح آخره في : يا زيد عمرو إتباعا لما بعده.

وأما كلام ابن عصفور فصريح في أن الاسم رخم ثم بعد ترخيمه أتي بالنداء.

والذي قاله أظهر مما اختاره المصنف ، وهو الذي ذكر المصنف أنه مذهب سيبويه واعلم أن قول ابن عصفور : واختلف الناس في إقحام هذه التاء فمنهم من زعم ـ إلى آخره ، ثم قال : ومنهم من ذهب إلى أنهم أتوا بالتاء إلى آخر كلامه ربما يعطي أن القائلين بالإقحام منهم من قال كذا ، ومنهم من قال كذا. ولا شك أن القول ـ

__________________

(١) التذييل (٤ / ٢٣٤).

(٢) انظره ـ بتلخيص ـ في شرح الجمل (٢ / ١٢٣ ـ ١٢٤) وهذا النص الطويل من شرحه على الإيضاح المفقود.

٥٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني لا يظهر أن فيه إقحاما ولا يتصور الإقحام فيه إلّا على الوجه الذي ذكره المصنف ، وهو أن يقدر الاسم عاريا من التاء مع أنها ثانية فيه. لكن الشيخ بعد أن ذكر ما ذكره ابن عصفور قال :

ولا يكون ذلك الإقحام إلا على لغة من ينتظر فقط. فلذلك اضطربوا في هذه التاء ، فمن رأى أن الإقحام هو إدخال الشيء بين شيئين قال : إنها مقحمة بين الحرف الذي هو آخر المرخم وبين حركته ، ومن رأى أن الإقحام هو الداخل في غير موضعه قال : إنها زائدة في آخر الاسم (١).

وقال في الارتشاف له : وإذا رخمت ما فيه التاء من الأعلام نحو طلحة وعائشة جاز على اللغتين فتقول يا طلح ، ويا طلح ومن لم يرخم بناه على الضم كالأسماء المفردة غيره.

ومنهم من فتح التاء فقال : يا طلحة قال الشاعر :

٣٥٣٠ ـ كليني لهمّ أميمة ناصب

وللنحاة كلام كثير في هذه الفتحة وهل هو مرخم ، أو غير مرخم. فذهب بعضهم إلى أنه نصب المنادى على أصله ولم ينونه ؛ لأنه غير منصرف ، وهذا الذي اخترناه ، وذهب بعضهم إلى أنه بناه على الفتح ؛ لأنها حركة تشاكل حركة إعرابه لو أعرب فجرى مجرى : لا رجل في الدار ، وأنشد هذا القائل.

٣٥٣١ ـ يا ريح من نحو الشّمال هبّي (٢)

بالفتح وذهب الأكثرون إلى أنه أقحم التاء مفتوحة. ولأبي عليّ قولان :

أحدهما : أن التاء زيدت وحرّكت بالفتح إتباعا لحركة الحاء ـ يعني في طلحة ـ لأن الحاء حشو الكلمة وحركتها لازمة فأتبع حركة الآخر حركة الأول وهو عكس يا زيد بن عمرو.

والثاني: أنهم زادوا التاء بين الحاء وفتحتها، فالفتحة التي في التاء فتحة الحاء، ثم فتحت الحاء إتباعا لحركة التاء(٣).

__________________

(١) التذييل (٤ / ٢٣٤).

(٢) شطر رجز وقيل ليس بشعر ـ الأشموني (٣ / ١٧٤) والتصريح (٢ / ١٦٥) والعيني (٤ / ٢٩٤).

(٣) الإرتشاف (٣ / ١٦١) وانظر ـ كذلك ـ التذييل (٤ / ٢٣٤) وشرح الجمل (٢ / ٨٩) وما بعدها.

٥٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها :

أنك قد عرفت معنى قول المصنف مشيرا إلى التاء المحذوفة من المرخم ، ولا يستغنى غالبا في الوقف على المرخم بحذفها عن إعادتها أو تعويض ألف منها ، حيث جعل الوقف على المرخم المذكور دون إعادة الهاء ، أو التعويض عنها قليلا. وكلام ابن عصفور المتقدم ذكرنا له موافق له في ذلك حيث قال : وبعض العرب يقف بالسكون ، لكنّه في شرح الجمل قال : إنك تقول في عائشة : إذا رخمت : يا عائش أقبلي فإن وقفت قلت : يا عائشة ، ولا بد من الهاء ؛ لأنهم قد عزموا على حذف التاء ، وهي حرف معنى فكرهوا أن يذهب بالجملة فعوضوا في الوقف.

ولا يجوز عدم التعويض إلّا في ضرورة شعر (١) قال : ولا يجوز أن يعوض منها الألف إلا في القوافي كقوله :

٣٥٣٢ ـ وما عهد كعهدك يا أماما (٢)

وقول الآخر :

٣٥٣٣ ـ قفي قبل التّفرّق يا ضباعا

ولا يك موقف منك الوداعا (٣)

وبعد نقل الشيخ عن ابن عصفور أنه لا يجوز أن يوقف بغير هاء إلّا في ما سمع حكى سيبويه عن العرب : يا حرمل يريد يا حرملة ، ولا يقاس عليه (٤). قال : ـ أعني الشيخ ـ : والذي يدل عليه كلام سيبويه أن أكثر العرب يلتزمون الوقف بالهاء ، وأن منهم من يقف بغير هاء وشبهه سيبويه بارم ، وارم الأكثر في الوقف عليه بالهاء ، ومن العرب من يقف عليه بالسكون. وما حكاه سيبويه ليس في ضرورة شعر فيقتضي أن لا يقاس عليه ، بل يجوز (القياس) عليه لكنه قليل ، وتشبيهه بارم يقتضي أن يقاس عليه. انتهى (٥). ـ

__________________

(١) شرح الجمل (٢ / ١٢٣).

(٢) تقدم ذكره كما رواه المبرد.

(٣) البيت من بحر الوافر وهو للقطامي (ديوانه ص ٢٥٨) طبعة الهيئة العامة للكتاب.

وشاهده : ترخيم ضباعة بحذف تائه وتعويض الألف في القافية والبيت من شرح المفصل (٧ / ٩١) ، والأشموني (٣ / ١٧٣).

(٤) التذييل (٤ / ٢٣٥).

(٥) التذييل (٤ / ٢٣٦).

٥٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم إن المصنف حكم بأن الهاء التي أتي بها في الوقف هي تاء التأنيث التي كانت وحذفت للترخيم ، وقد رأيت من كلام ابن عصفور أن من النحاة من قال بما قال المصنف ، وأن منهم من يقول : إنها الهاء اللاحقة لبيان الحركة ، يعني أنها هاء السكت ، قال الشيخ مشيرا إلى هذا القول الثاني : هذا ظاهر كلام سيبويه (١) ، وقال ـ أعني الشيخ ـ في القول الأول : ومحصول هذا القول أن الترخيم لا يكون إلا في الوصل ، فإذا وقفوا فلا ترخيم (٢) انتهى.

وينبغي أن يعلم أن الإتيان بهذه الهاء في الوقف على الاسم المرخم بحذفها إنما يكون على لغة من ينوي الرد (وأما إذا رخم ما فيه التاء على لغة من ينوي الرد ووقف عليه فإن الهاء لا تلحقه ؛ لأنه قد حكم (له) بحكم التمام ، فبني على الضم ، فلا تلحقه الهاء ، سواء أكانت تاء التأنيث أم الهاء التي لبيان الحركة.

ومنها :

أن الاسم قد يرخم ثانيا بعد أن رخم أولا. وقال ابن أبي الربيع : قد جاء الترخيم بعد الترخيم وهو قليل. وأكثر ما يكون في الشعر ، فعلى هذا تقول في مرجانة : يا مرجان ، فيصير بمنزلة عثمان ، وأنت تقول في عثمان : يا عثم فتقول : يا مرج وكأنه لما رخم على لغة من لم ينو وبني على الضم صار كأنه لم يرخم ولم يحذف منه شيء ، فرخم بعد ذلك ، وكذلك تقول في معاوية : يا معاو ، والأصل يا معاوية ، فبعد حذف التاء صار : يا معاوي ثم حذفت الياء فقيل : يا معاو. وعلى هذا أخذ سيبويه :

٣٥٣٤ ـ (لقد رأي الرّاءون غير البطّل)

أنّك يا معاويا ابن الأفضل (٣)

وفيه احتمال ، ولا يكون هذا الترخيم بعد الترخيم إلّا أن يرخم أولا على لغة من لم ينو حتى يصير كأنه اسم كامل يجري فيه ما يجري في نظائره مما لم يرخم (٤). انتهى. ـ

__________________

(١) في كتابه (٢ / ٢٤٤) ، وقد تقدم ، وانظر التذييل (٤ / ٢٣٥).

(٢) السابق.

(٣) رجز للعجاج ذكرنا صدره ـ ديوانه (ص ٤٨) والخصائص (٣ / ٣١٦) والدرر (١ / ١٥٩) والكتاب (١ / ٣٣٤).

(٤) ينظر التذييل (٤ / ٢٣٦).

٥٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأراد بقوله : وفيه احتمال أن بعضهم يقول : يا معاوي فيقطع على الياء ، ثم يقول ابن الأفضل فيكون رخّمه مرة واحدة بحذف التاء لا غير.

وأما على ما جاء به سيبويه من قال من يقطع يقول : يا معاو ، ثم يقول : يا بن الأفضل ، وليعلم أن الترخيم بعد الترخيم إنما يكون في المرخم بحذف التاء. واقتصار ابن أبي الربيع على التمثيل للمسألة بمرجانة ومعاوية قد يفيد ذلك.

وذكر الشيخ أن في المسألة خلافا قال : منع ذلك (النحويون عامة) وأجازه سيبويه في ما كان فيه التاء ، وذلك على لغة من لم يراع المحذوف (١). وقيد الشيخ ذلك بأن قال : وإذا (بقي) بعد الترخيم الثنائي على ثلاثة أحرف فصاعدا(٢).

وأقول : إن هذا التقييد لا حاجة إليه ؛ لأن هذا حكم معلوم لكل اسم يكون ترخيمه بحذف حرف غير تاء التأنيث.

ثم قال الشيخ : ويظهر الاتفاق على أن ذلك لا يجوز في مرخم غير المرخم بحذف التاء (٣) ثم قال : والصحيح مذهب سيبويه وبه ورد السماع ، قال الشاعر :

٣٥٣٥ ـ أحار بن بدر قد وليت ولاية

فكن جرذا فيها تخون وتسرق (٤)

يريد حارثة بن بدر ، وقال زميل يخاطب أرطاة بن سهيّة (٥) :

٣٥٣٦ ـ يا أرط إنّك فاعل ما قلته

والمرء يستحيي إذا لم يصدق (٦)

يريد يا أرطاة. رخّم حارثة وأرطاة أولا بحذف التاء على لغة من لم ينو الرد ، ثم رخّم حارث ثانيا وأرطا ثانيا بحذف التاء من حارث والألف من أرطا على لغة من ينوي الرد (٧).

قال الشيخ : ولو ذهب ذاهب إلى أن ما ذكروه من الترخيم بعد الترخيم ليس على ما ادعوه ، وإنما هو ترخيم واحد أسقط منه تاء التأنيث وما قبلها دفعة واحدة ، ـ

__________________

(١) التذييل (٤ / ٢٣٥).

(٢) التذييل (٤ / ٢٣٥).

(٣) التذييل (٤ / ٢٣٥).

(٤) تقدم.

(٥) عبد الرحمن بن أرطاه المحاربي شاعر غير مكثر ، له في بعض بني أمية مدائح أكثر شعره في الشراب والفخر والغزل (ت ٥٠ ه‍) الأعلام (٤ / ٦٩) والأغاني (٢ / ٧٧ ـ ٨٥).

(٦) من الكامل ـ الأشموني (٣ / ١٧٥) والدرر (١ / ١٥٩) والعيني (٤ / ٢٩٨) والهمع (١ / ١٨٤).

(٧) التذييل (٤ / ٢٣٥ ، ٢٣٦).

٥٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

لا على التوالي لكان مذهبا لا تكلف فيه كما أسقطوا من نحو منصور ومروان حرفين ، فيكون في ذي التاء الذي هو على أكثر من أربعة أحرف وجهان. الشائع الكثير ترخيمه بحذف التاء فقط ، والقليل ترخيمه بحذف التاء وما قبلها (١). انتهى.

ولا شك أن النحاة نصوا على أن المؤنث بالتاء إذا رخم إنما يرخم بحذف التاء لا غير ، وذكروا أن التاء منزلة من الكلمة التي هي فيها منزلة عجز المركب من صدره بالنسبة إلى الترخيم ، فكما أن المركب إذا رخم إنما يحذف عجزه فقط ، كذلك المؤنث بالتاء يجب فيه إذا رخم أن يحذف منه التاء لا غير ، والقول بالترخيم بعد الترخيم فيه لطف وحذاقة ويكفي أن سيبويه قال به.

ومنها :

أن الكوفيين يزعمون أن من الأسماء صنفا يجوز أن يحذف منه أكثر من حرف واحد ، وهو كل اسم يجتمع في آخره ثلاثة زوائد نحو حولايا وبردايا فإنهم إذا رخموا هذا الصنف حذفوا منه جملة ما فيه من الزوائد [٤ / ٢٢٣] فقالوا :

يا حول ، ويا برد. قال ابن عصفور : وذلك باطل ؛ لما فيه من الإجحاف ؛ ولأن هذه الزوائد لا يلزم بعضها بعضا في الزيادة ، فيلزم حذفها معا ، كما لزم ذلك في الزائدين اللذين زيدا معا (٢).

ومنها :

أنك قد عرفت معنى قول المصنف ويرخم في الضرورة ما ليس منادى ، ولم يشترط فيه إلّا أن يكون صالحا للنداء ، يعني وإن لم يصلح للترخيم. ولهذا قال : وإن خلا من علمية وهاء تانيث. والذي قاله هو الظاهر. لكن قال الشيخ : وقال بعض أصحابنا : لما كان الترخيم في غير النداء مشبها به في النداء وجب ألا يرخم في غير النداء ، إلا ما كان ترخيمه في النداء. فعلى هذا لا يرخم ثلاثي ليس فيه تاء تأنيث في غير النداء كما لا يجوز ترخيمه في النداء وكذلك النكرة (٣). قال الشيخ : فعلى هذا لا يجوز أن يرخم في غير النداء من العاري عن التاء إلا ما كان علما ، وهو ـ

__________________

(١) التذييل (٤ / ٢٣٦) الكتاب (٢ / ٢٥٠) وما بعدها ـ هارون ، وقد تقدم غير مرة.

(٢) شرح الجمل (٢ / ١٢٣).

(٣) التذييل (٤ / ٢٣٦).

٥٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

خلاف ما زعم المصنف (١). انتهى.

والنظر يقتضي خلاف ذلك ؛ لأن هذا حذف تخفيف محض للضرورة لا حذف ترخيم ، وإنما لما كانت صورة الحذف فيه حذف الترخيم اشترط فيه الصلاحية للنداء لا غير.

على أن الفارسي لم يشترط ذلك أيضا ، أعني الصلاحية للنداء ، وقد عرفت أن قول الشاعر :

٣٥٣٧ ـ قواطنا مكّة من ورق الحمي (٢)

ليس من الترخيم في شيء ، وإنما هو من الحذف المستباح في ما لا يليق به الترخيم للضرورة.

فإن قيل : ما وجه تغيير الحمى إلى الحمى؟

فالجواب : أن فيه أوجها أحدها :

أن الكلمة حذف منها حرفان ، وهما الميم والألف فعادت إلى مثال يد ودم ، ثم إنها جرت بالإضافة ولحقها الياء للقافية فيكون في التغيير والحذف كقول لبيد :

٣٥٣٨ ـ عفت المنا بمتالع فأبان (٣)

يريد المنازل.

ثانيهما : أن يكون حذف الألف لزيادتها فبقي (الحمم) ، ثم أبدل من الميم الثانية ياءا استثقالا للتضعيف ، ثم كسر ما قبل الياء لتسلم من الانقلاب إلى الألف.

ثالثها : أن يكون حذف الميم للترخيم في غير النداء ضرورة وأبدل من الألف ياء ، ونقل ابن عصفور عن أبي العلاء المعري أن القائل أراد الحمام أي المحمي فحذف الموصوف وبقي صفته (٤). ـ

__________________

(١) التذييل (٤ / ٢٣٦).

(٢) تقدم.

(٣) تقدم تخريجه.

(٤) شرح الجمل (٢ / ٥٧٣) وانظر كذلك : الأصول (٣ / ٤٥٨ ـ ٤٥٩) والإنصاف (ص ٢٧٠) والخصائص (٣ / ١٣٥) والضرائر (ص ٦١) والعيني (٤ / ٢٨٥) ، والكتاب (١ / ٨ ، ٥٦) ، والمحتسب (١ / ٧٨) ، ومقاييس اللغة (١ / ١٣١) ، وابن يعيش (٦ / ٧٤ ، ٧٥).

٥١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها :

أنك قد عرفت قول المصنف : وساغ ترخيم المنادى المضاف بحذف آخر المضاف إليه ، وتقدم الاستشهاد على ذلك ، ومن الشواهد أيضا قول الشاعر :

٣٥٣٩ ـ خذوا حظّكم يا آل عكرم واذكروا

أواصرنا والرّحم بالغيب تذكر (١)

وقد ذكر الجماعة أن هذا مذهب الكوفيين ، والبصريون لا يجيزون (ذلك) ، ويقولون أن المضاف إليه ليس هو المنادى ولا يرخم عندهم غير المنادى ، وقد خرّج سيبويه ما ورد من هذا النوع على أنه مما رخم في غير النداء ضرورة (٢).

قال الشيخ : ولو ذهب ذاهب إلى أن المنادى إذا كان آخر المضاف إليه بالتاء علما جاز ترخيمه بحذفها وقوفا مع الشواهد التي استشهد بها لكان مذهبا (٣). قال : ولا يقوم للكوفيين دلالة بهذا النوع الخاص من حذف التاء من المضاف إليه على جواز ترخيم المنادى المضاف على الإطلاق ؛ لأن الدليل إن صح خاص ، والدعوى عامة (٤).

ومنها :

أن ظاهر كلام المصنف يقتضي المساواة في الشذوذ بين يا صاح ، وأطرق كرا.

ولا شك أنهما شاذان في القياس ؛ أما في الاستعمال فالشاذ أطرق كرا. وأما يا صاح فإنه فاش في الاستعمال (٥) ، وكلام الجماعة يشعر بذلك ، والعلة فيه كثرة الاستعمال.

__________________

(١) من الطويل لزهير ـ ديوانه (ص ٣١) والدرر (١ / ١٥٨) والشجري (١ / ١٢٦) ، (٢ / ٨٨) والهمع (١ / ١٨١).

(٢) الكتاب (٢ / ٢٦٩).

(٣) التذييل (٤ / ٢٣٨).

(٤) السابق.

(٥) ينظر الكتاب (٢ / ٢٥٦) ـ هارون.

٥١١
٥١٢

الباب الثالث والخمسون

باب الاختصاص (١)

[دواعيه وأحكامه]

قال ابن مالك : (إذا قصد المتكلم بعد ضمير يخصّه أو يشارك فيه تأكيد الاختصاص أولاه «إيّا» معطيها مالها في النّداء إلّا حرفه ، ويقوم مقامها منصوبا اسم دالّ على مفهوم الضّمير ، معرّف بالألف واللّام أو الإضافة ، وقد يكون علما ، وقد يلي هذا الاختصاص ضمير مخاطب).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٢) : الباعث على هذا الاختصاص فخر أو تواضع أو زيادة بيان ، كقولك في القاهر أعداءه : عنّ المستجير ، وعليّ أيّها الجواد يعتمد الفقير ، وإنا آل فلان كرماء ، ونحن العرب أقرى الناس للضيف ، وإني أيها العبد أفقر العبيد إلى رحمة الله تعالى ، وإنا حملة القرآن أحق الناس بمراعاة حقوقه ، ومنه قول الشاعر :

٣٥٤٠ ـ لنا معشر الأنصار مجد مؤثّل

بإرضائنا خير البريّة أحمدا (٣)

صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومثله :

٣٥٤١ ـ جد بعفو فإنّني أيّها العب

د إلى العفو يا إلهي فقير (٤)

ومثله :

٣٥٤٢ ـ إنّا بني نهشل لا ندّعي لأب

عنه ولا هو بالأبناء يشرينا (٥)

__________________

(١) وينظر في هذا الباب : الأشموني (٣ / ١٨٥ ـ ١٨٧) والأصول (١ / ٢٩١ ـ ٣٠٠) وأوضح المسالك (٤ / ٧٢ ـ ٧٤) والتذييل (٤ / ق ٢٣٨ ـ ٢٤٠) والتصريح (٢ / ١٩٠ ـ ١٩٢) والرضى (١ / ١٦١ ـ ١٦٢) وشرح المفصل (٣ / ١٧ ـ ١٩) والكتاب (٢ / ٦٦ ، ٢٣١ ، ٢٣٦ ، ٣ / ١٧٠) ، والهمع (١ / ١٧٠ ـ ١٧١).

(٢) شرح التسهيل (٣ / ٤٣٤).

(٣) من الطويل وانظره في الدرر (١ / ١٤٧) والشذور (/ ٢١٧) والهمع (١ / ١٧١).

(٤) من الخفيف ـ الدرر (١ / ١٤٦) برواية «خذ» بدل «جد» ، والشذور (/ ٢١٧) ، وشرح شواهده (/ ٧٢) والهمع (١ / ١٧٠).

(٥) البيت من بحر البسيط وهو لنهشل بن حري. وشاهده واضح وهو في شذور الذهب (ص ٢١٨) والخزانة (بولاق) (٣ / ٥١٠).

٥١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن وروده علما قول الراجز :

٣٥٤٣ ـ بنا تميما يكشف الضّباب (١)

ومن إيلاء الاختصاص ضمير المخاطب قولهم : بك الله نرجو الفضل. انتهى.

واعلم أن الأئمة تطابق كلامهم على أن الاختصاص وارد على طريقة النداء قبل ؛ وذلك لاستعمالهم لفظ المنادى فيه. ولا شك أنه ليس بنداء. قال المصنف في شرح الكافية (٢) : قد يجاب بكلام على صورة هي لغيره توسعا عند أمن اللبس. فمن ذلك ورود الخبر بصورة الأمر ، وورود الأمر بصورة الخبر ، وورود الخبر بصورة الاستفهام ، وورود الاستفهام بصورة الخبر ، ومن ذلك ورود الاختصاص بصورة النداء ، ولم يقع المختص مبنيّا إلّا بلفظ أيها وأيتها ، وإنما وقع منصوبا مضافا أو معرفا بالألف واللام. انتهى.

وقال سيبويه رحمه‌الله تعالى : «أجري على هذا حرف النداء كما أن التسوية أجرت ما ليس باستخبار (ولا استفهام) على حرف الاستفهام .. وذلك [قولك] : ما أدرى أفعل أم لم يفعل ، فجرى هذا مجرى أزيد عندك أم عمرو ؛ لأن علمك قد استوى فيهما كما استوى عليك الأمران (٣). انتهى.

وحرف النداء في قول سيبويه : أجرى هذا على حرف [٤ / ٢٢٤] النداء المراد به أي.

وكلام ابن الحاجب يعطي أن الاختصاص منقول من النداء فإنه قال : في كلام العرب حمل لمعان في الأصل ثم نقلوها إلى معان أخر مع تجريدها عن أصل معناها الأصلي : قال. وذلك في أبواب ... ثم قال : وكذا قولهم : أيها الرجل أصله تخصيص المنادى لطلب الإقبال عليك ، ثم نقل إلى معنى الاختصاص مجردا عن معنى طلب الإقبال في قولك : أما أنا فأفعل كذا أيها الرجل. قال : وكل ما نقل من باب إلى باب فإن إعرابه يكون على حسب ما كان عليه (٤). انتهى كلامه رحمه‌الله تعالى. ـ

__________________

(١) لرؤبة ـ ديوانه (ص ١٦٩) والأشموني (٣ / ١٨٧) والخزانة (١ / ٤١٢) وشرح المفصل (٢ / ١٨) والكتاب (١ / ٢٥٥ ، ٣٢٧).

(٢) انظر شرح الكافية الشافية (٣ / ١٣٧٤).

(٣) الكتاب (٢ / ٢٣٢).

(٤) الكافية بشرح الرضى (١ / ١٦١) ، وما بعدها.

٥١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والقول بأن الباب المذكور منقول من باب النداء غير ظاهر.

ثم ليعلم أن المخصوص مع موافقته للمنادى لفظا قد خالف من ثلاثة أوجه : أحدها : أنه لا يستعمل مبدوءا به. ثانيها : أنه لا يستعمل معه حرف نداء. ثالثها : أنه يستعمل معرفا باللام.

وبعد : فملخص القول في الاختصاص : هو أن يتقدم ضمير دال على المتكلم ويؤتي بعده بأيّا ، أو باسم معرفة مدلوله الضمير المتقدم عليه وتعريف الاسم المذكور إما بالإضافة أو بالألف واللام وكونه علما قليل. ولا يجوز كون هذا الاسم نكرة ولا مبهما فلا يقال : إنا قوما نفعل كذا ، ولا يقال أيضا : أي هذا أفعل كذا.

قال سيبويه : ولا يجوز أن تذكر إلا اسما معروفا ؛ لأن الأسماء إنما تذكر هنا توكيدا وتوضيحا للمضمر ، وإذا أبهمت فقد جئت بما هو أشكل من المضمر (١) ثم قال :

وأكثر الأسماء دخولا في هذا الباب : بنو فلان ، ومعشر مضافة ، وأهل البيت ، وآل فلان (٢). انتهى.

وأما كون الضمير المقدم ضمير خطاب فقليل. ثم إن المخصوص لا يتعين كونه وسط الكلام ، بل قد يكون وسطا نحو : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث» (٣) ، وقد يكون آخرا نحو قولك : أنا أفعل كذا أيها الرجل.

واعلم (أن) الاسم المخصوص معمول لفعل لا يجوز إظهاره ، كما أن عامل المنادى لا يجوز إظهاره والفعل المقدر أخص ، أو أعنى ، وهو تقدير سيبويه (٤).

ويظهر أن تقديره أولى من تقدير أخص ، فالاسم الذي هو غير أي منصوب لفظا ، وأي منصوبة محلّا ؛ لأنها عوملت في الاختصاص بما عوملت به في النداء من البناء على الضم ووجوب وصفها أيضا. ولكن يتعين كون الوصف هنا مقرونا باللام ، ـ

__________________

(١) الكتاب (٢ / ٢٣٦).

(٢) السابق.

(٣) تتمته «وما تركناه فهو صدقة» ـ البخاري : الاعتصام (ص ٥) ، والنفقات (ص ٣) وابن حنبل (٤ / ٣٥٩) ومسلم : الزكاة (ص ٦٩) والنسائي : الزكاة (ص ٦٤).

(٤) قال في الكتاب (٢ / ٢٣٣) وذلك قولك : إنا معشر العرب نفعل كذا وكذا كأنه قال أعني ، ولكنه فعل لا يظهر ، ولا يستعمل.

٥١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يكون اسم إشارة بخلاف ذلك في النداء. أما موضع الفعل المقدر فظاهر كلام ابن عمرون يعطي أنه نصب على الحال ؛ لأنه مثل بقوله : أما أنا فأفعل كذا أيها الرجل ، ثم قال : وأيها الرجل في موضع نصب بإضمار فعل على الاختصاص ، والفعل المقدر في موضع الحال ، ثم قال بعد ذكر الأمثلة والمعنى : أما أنا فأفعل متخصصا بذلك من بين الرجال ، ونحن نفعل متخصصين من بين الأقوام ، واغفر لنا مخصوصين من بين العصائب ، فتعين أن يكون الفعل المقدر الناصب لمحل أيها الرجل في موضع نصب على الحال (١) وفي شرح الشيخ :

والناصب في الاختصاص فعل يجب إضماره ، وقدره سيبويه أعني (٢) ، وقال في البديع كأنه قال : أنا أفعل متخصصا بذلك من بين الرجال ، ونحن نفعل متخصصين من بين الأقوام ، واغفر لنا مخصوصين من بين العصائب (٣). انتهى.

وهذا الذي نقله الشيخ عن «البديع معناه مطابق لما قاله ابن عمرون ، غير أنه ليس فيه تصريح بأن العامل في موضع نصب على الحال.

واعلم أن السيرافي له كلام في أيها من قولنا : أنا أيها الرجل أفعل كذا ، وتقرير طويل ملخصه أن أيها الرجل مبتدأ والخبر محذوف أي المراد ، أو خبر والمبتدأ محذوف أي المراد أيها الرجل (٤).

ولا شك أن مثل هذا لا معوّل عليه. وإذ قد تقرر ما قلناه فلنرجع إلى لفظ الكتاب (٥) ، فنقول :

قول المصنف : إذا قصد المتكلم بعد ضمير يخصه أو يشارك فيه تأكيد الاختصاص فيه أمران :

أحدهما : أنه يقتضي أن الاختصاص كان موجودا في قولنا : أنا أفعل كذا ، ونحن شأننا كذا ، وأن ذكر المخصوص بعد ذلك أفاد التأكيد. ولا شك أن نحو : أنا ـ

__________________

(١) التذييل (٤ / ٢٣٩) بغير نسبة لأحد.

(٢) الكتاب (٢ / ٢٣٣) ، وقد تقدم النص الذي نقلناه عنه قريبا.

(٣) التذييل (٤ / ٢٣٩).

(٤) شرح السيرافي على الكتاب (٣ / ٦٠ بـ ، ٦١ / أ).

(٥) المراد به التسهيل ، (المتن).

٥١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فعلت وأنا أفعل لا يفيد الاختصاص عند النحاة ولكن قد يفيد عند أرباب علم المعاني (١) ، وإذا لم يكن الكلام يفيد الاختصاص من أصله ، فكيف يثبت له توكيد ذلك المعنى الذي لم يفده.

هذا إن كان المراد بالاختصاص هو التخصيص ، وإن كان المراد به غير ذلك ، فذاك شيء آخر.

الأمر الثاني : قول المصنف في الشرح : إن الباعث على الاختصاص فخر ، أو تواضع ، أو زيادة بيان ، ينافي قوله في المتن أنه قد قصد بما ذكره تأكيد الاختصاص.

والظاهر أن الذي ذكره في المتن هو المعتبر ، وقد تقدم لنا قول سيبويه : ولا يجوز أن تذكر إلا اسما معروفا ؛ لأن الأسماء إنما تذكر هنا توكيدا وتوضيحا للمضمر ، والحق أن : المقصود بذكر المخصوص إنما هو التأكيد ، أو زيادة البيان. وأما الفخر والتواضع فإنما يستفادان من الكلام بجملته ، فإن قائل :

٣٥٤٤ ـ لنا معشر الأنصار .....

 ........ البيت

 ـ لو لم يذكر معشرا ، وقال : لنا مجد مؤثل بإرضائنا خير البرية لأفاد هذا الكلام الفخر ، وكذا قائل :

٣٥٤٥ ـ جد بعفو .......

 ......... البيت الآخر

لو لم يقل : أيها العبد ، وقال : جد بعفو ، فإنني إلى العفو فقير ، لأفاد التواضع.

وقوله : وقد يلي هذا الاختصاص ضمير مخاطب قد مثل له بقول العرب : بك الله نرجو الفضل ، (ومنه) أيضا : سبحانك الله العظيم الاسم المعظم منصوب على الاختصاص ، والعظيم صفة الله.

__________________

(١) ينظر بغية الإيضاح (١ / ١١٩) وما بعدها ، ودلائل الإعجاز (١٣٨) ، وما بعدها.

٥١٧
٥١٨

الباب الرابع والخمسون

باب التّحذير والإغراء وما ألحق بهما

[ما ينصب على ذلك ـ إظهار العامل وإضماره]

قال ابن مالك : ([٤ / ٢٢٥] ينصب تحذّرا «إيّاي» و «إيّانا» معطوف عليه المحذور ، وتحذيرا إيّاك وأخواته و «نفسك» وشبهه من المضاف إلى المخاطب معطوفا عليهنّ المحذور بإضمار ما يليق من نحّ أو اتّق وشبههما ، ولا يكون المحذور ظاهرا ولا ضمير غائب إلّا وهو معطوف ، وشذّ «إيّاه وإيّا الشّوابّ» من وجهين ، ولا يلزم الإضمار إلّا مع «إيّا» أو مكرّر أو معطوف ومعطوف عليه ولا يحذف العاطف بعد «إيّا» إلّا والمحذور منصوب بإضمار ناصب آخر أو مجرور بـ «من» وتقديرها مع «أن يفعل» كاف ، وحكم الضّمير في هذا الباب مؤكّدا ومعطوفا عليه حكمه في غيره.

وينصب المغرى به ظاهرا أو مكرّرا أو معطوفا عليه بإضمار «الزم» أو شبهه ، ولا يمتنع الإظهار دون عطف و [لا] تكرار ، وربّما رفع المكرّر ، ولا يعطف في هذا الباب إلّا بالواو ، وكون ما يليها مفعولا معه جائز).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : لم يشرح المصنف هذا الباب قبل ، ولم يثبت بجملته في النسخة التي شرحها ، وإنّما ثبت في نسخة أخرى عليها خطّه (١).

وأقول : إنّ المصنف تقدّم له الكلام في باب «تعدّي الفعل ولزومه» أعني في شرحه للباب المذكور الإشارة إلى ذكر بعض مسائل هذا الباب الذي الكلام فيه الآن ، فإنه بعد أن ذكر جواز الاقتصار على منصوب الفعل قال في المتن : فإن كان الاقتصار في مثل أو شبهه في كثرة الاستعمال فهو لازم قال (٢) : وقد تناول قولي : فإن كان الاقتصار في مثل إلى آخره نحو : إيّاك وكذا بإضمار «نحّ» ، ونحو : ـ

__________________

(١) انظر التذييل والتكميل «خ» ج ٤ ورقة.

(٢) شرح التسهيل لابن مالك (٢ / ١٦٠) تحقيق د / عبد الرحمن السيد ورفيقه.

٥١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

إياك وكذا بإضمار «اتّق» (١) وهذا المسمّى تحذيرا ، ولا يلزم إضمار الناصب فيه إلّا مع «إيّاك» وأخواتها ، ومع مكرر (٢) نحو : الأسد الأسد ، ومع معطوف ومعطوف عليه نحو : «ماز رأسك والسّيف (٣)» ، ولا يحذف (٤) العاطف بعد «إيّاك» إلّا والمحذوف مجرور بـ «من» نحو : إياك من الشر ، وتقديرها مع «أن» كاف نحو : إياك أن تسيء على تقدير : إياك من أن تسيء ، فحذف «من» لأن مثل هذا في «أن» مطرد (٥) ، فلو وقعت الإساءة موقع «أن تسييء لم يجز حذف «من» إلا في الضرورة كقول الشاعر :

٣٥٤٦ ـ وإيّاك إيّاك المراء فإنّه

إلى الشّرّ دعّاء وبالشّرّ آمر (٦)

__________________

(١) قال سيبويه في الكتاب (١ / ٢٧٣) هارون :

«هذا باب ما جرى منه على الأمر والتّحذير وذلك قولك إذا كنت تحذّر : إيّاك كأنّك قلت : إيّاك نحّ ، وإيّاك باعد ، وإيّاك اتّق وما أشبه ذا».

(٢) انظر شرح الكافية الشافية (٣ / ١٣٧٩) وشرح الألفية لابن الناظم (ص ٦٠٧) وفي الهمع (١ / ١٦٩): «وجوز بعضهم إظهار العامل مع المكرر حكاه في البسيط ، وقال الجزولي : يقبح فيه الإظهار ولا يمتنع عند قوم».

(٣) من أمثلة الكتاب (١ / ٢٧٥) وانظر مجمع الأمثال (٣ / ٢٧١) والمراد بقوله «ماز : مازن ثم رخم ، ويحتمل أن يكون أراد : مازني ولما غلبت عليه هذه النسبة صارت كاللقب فرخم بحذفه ياءي النسبة كما تقول. يا طائف في يا طائفي فبقي مازن ثم رخمه ثانيا ومثله في الترخيم كثير.

ابن يعيش (٢ / ٢٦) وقيل : إن «ماز» فعل أمر بمعنى «مدّ». وانظر مجمع الأمثال (٣ / ٢٧١).

(٤) في شرح الكافية لابن الحاجب (٢ / ٤٨٢) تحقيق د / جمال مخيمر : «وحذف حرف العطف ممتنع مطلقا» وانظر الهمع (١ / ١٦٩).

(٥) أي إسقاط الخافض من «أن» وانظر المغني (١ / ٢٨) وابن عقيل (٢ / ١٥١).

(٦) هذا البيت من الطويل وهو للفضل بن عبد الرحمن القرشي وهو من أبيات الكتاب (١ / ١٤١) وشرحه الأعلم.

الشرح : «إياك تحذير معناه : اتق ، و «المراء» بكسر الميم : المجادلة مفعوله ، وقال ابن يعيش (٢ / ٢٥) : أراد والمراء بحرف العطف أو من المراء فحذفه والفاء للتعليل ، ودعاء : مبالغة داع ذكره بها للوزن ، أو قصدت ولكن تركت في «جالب» على رواية (جالب) ـ للضرورة ـ والتقدير : جلاب.

الشاهد قوله : «وإياك إياك المراء» ، حيث حذف «من» من قوله : المراء وأصله أن تمارى للضرورة.

وانظر المقتضب (٣ / ٢١٣) ، والخصائص (٣ / ١٠٢) وشرح الرضى (١ / ١٨٣) ، وشرح الألفية لابن الناظم (٦٠٧) والغرة لابن الدهان (خ) ج ٢ (ص ٢١٤) والعيني (٤ / ١١٣ ، ٣٠٨) والخزانة (١ / ٤٦٥) والتصريح (٢ / ١٢٨) والأشموني (٣ / ٨٠).

٥٢٠