شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٧

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٧

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما المستغاث من أجله فلا بد من كسر لامه نحو :

٣٤٦٦ ـ ألا يا لقومي للنّوائب والدّهر

وللمرء يردي نفسه وهو لا يدري

وللأرض كم من صالح قد تلمّأت

عليه فوارته بلمّاعة قفر (١)

وقد يستغنى عنها بمن كقول الشاعر :

٣٤٦٧ ـ يا للّرجال ذوي الألباب من نفر

لا يبرح السّفه المردي لهم دينا (٢)

ويستغنى كثيرا عن المستغاث من أجله للعلم به بظهور سبب الاستغاثة كقول الفرزدق :

٣٤٦٨ ـ يا لتميم ألا لله درّكم

لقد رميتم بإحدى المصمئلّات (٣)

وكقول عدي بن زيد :

٣٤٦٩ ـ فهل من خالد إمّا هلكنا

وهل بالموت يا للنّاس عار (٤)

وقد يكون المستغاث من أجله غير صالح لأن يكون مستغاثا ، ويكون المستغاث مشاهدا فيستباح حذفه. ويتصل المستغاث من أجله بيا مجرورا باللام المكسورة كقول الشاعر :

٣٤٧٠ ـ يا لأناس أبوا إلّا مثابرة

على التّوغّل في بغي وعدوان (٥)

ويتعين في مثل هذا كسر اللام لأن مصحوبها غير صالح لأن يكون مستغاثا ، بل مستغاثا من أجله ، والمستغاث محذوف ، والتقدير : يا لقومي لأناس ، وروي عن العرب في : يا للعجب ويا للماء ونحوهما فتح اللام على أن مصحوبها مستغاث وكسرها على أن مصحوبها مستغاث من أجله ، وعلى هذا النوع نبهت بقولي : وإن ولي يا اسم لا ينادى إلّا مجازا إلى آخر القول. ونبهت بقولي : وربما كان المستغاث مستغاثا من أجله على نحو قول القائل : يا لزيد لزيد أي : يا زيد أدعوك لتنصف من نفسك ، ومنه قول مهلهل : ـ

__________________

(١) من الطويل لهدبة بن خشرم ـ الخصائص (٣ / ١٧١) ، والسمط (ص ٦٣٩).

(٢) من البسيط ـ الأشموني (٣ / ١٦٥) ، والهمع (١ / ١٨٠).

(٣) البيت في ديوانه (١ / ١٠٧) ، والمصمئلات : الدواهي واحدتها : مصمئلة.

(٤) من الوافر ـ الدرر (١ / ١٥٦) والهمع (١ / ١٨٠).

(٥) من البسيط ـ الأشموني (٣ / ١٦٧) والدرر (١ / ١٥٦) ، والعيني (٤ / ٢٧١) ، والهمع (١ / ١٨١).

٤٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

٣٤٧١ ـ يا لبكر انشروا لي كليبا

يا لبكر أين أين الفرار (١)

ولما كان ما ولي يا في الاستغاثة مستغاثا تارة ومستغاثا من أجله تارة فرقوا بين لاميهما بالفتح والكسر. وخص الفتح بلام المستغاث لشبه ما هي فيه بضمير المخاطب ولاتصالهما بألف يا لفظا وتقديرا. وزعم الكوفيون أن أصل يا لفلان يا آل فلان ولذلك جاز أن يوقف عليها كقول الشاعر :

٣٤٧٢ ـ فخير نحن عند النّاس منكم

إذا الدّاعي المثوب قال يا لا (٢)

ولا حجة في هذا البيت لاحتمال أن يكون الأصل : يا قوم لا فرار ، أو لا تفروا.

ومما يدل على ضعف ما ذهبوا إليه الرجوع إلى الكسر في العطف دون إعادة يا. ولو كانت بعض أل لم تدخل على ما لا تدخل عليه أل نحو : يا لله ، ويا للناس ، ويا لهؤلاء. وتعاقب هذه اللام ألف في الآخر كألف المندوب ولا يجوز الجمع بينهما كما لا يجوز الجمع بين هاء الجحاجحة وياء الجحاجيح. وكما لا يجوز الجمع بين ياء يمني وألف يمان. هذا معنى قول الخليل وسيبويه (٣).

ولا بد من اللام عند حذف الألف ولا بد من الألف عند حذف اللام. وقد يستغنى عنهما في التعجب كقول عمر بن أبي ربيعة :

٣٤٧٣ ـ أوانس يسلبن الحليم فؤاده

فيا طول ما شوق ويا حسن مجتلى (٤)

هذا آخر كلام المصنف رحمه‌الله تعالى (٥).

ويتعلق بما ذكره مباحث :

الأول :

أن الشيخ ناقش المصنف في قوله : والمعروف في اللغة تعدي فعل الاستغاثة بنفسه.

والنحويون يقولون : استغاث به فهو مستغاث به ، وكلام العرب بخلاف ذلك. ـ

__________________

(١) من المديد ـ الخزانة (١ / ٣٠٠) والخصائص (٣ / ٢٢٩) والعقد الفريد (٥ / ٤٧٨) والكتاب (١ / ٣١٨).

(٢) من الوافر لزهير الضبي ـ الخصائص (١ / ٢٧٦ ، ٢ / ٣٧٥ ، ٣ / ٢٢٨) ، والدرر (١ / ١٥٦) ، والهمع (١ / ١٨١).

(٣) الكتاب (٢ / ٢١٨) ـ هارون.

(٤) تقدم قريبا.

(٥) شرح التسهيل (٣ / ٤١٢).

٤٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فقال : ليس كما ذكر بل استغاث يتعدى تارة بنفسه وتارة بحرف الجر الذي هو الباء كما في لفظ سيبويه والنحويين في باب الاستغاثة (١). قال : فاستقراء المصنف لذلك غير تام (٢). قال : ومما جاء من لسان العرب معدى بالباء قول الشاعر :

٣٤٧٤ ـ حتّى استغاثت بماء لا رشاء له

من الأباطح في حافاته البرك

مكلّل بأصول النّبت تنسجه

ريح خريق لضاحي مائة حبك

كما استغاث بشيء فزّ غيطلة

خاف العيون فلم ينظر به الحشك (٣)

وقال آخر :

٣٤٧٥ ـ قاد الجياد من الجولان فارطه

من بين منعله يرجى ومحبوب

حتى استغاثت بأهل الملح ما طعمت

في منزل طعم نوم غير تأويب (٤)

انتهى. ولك أن تقول : قد تعرض النحاة إلى ذكر الأفعال التي تتعدى بنفسها تارة وبالحرف أخرى ، ولم يذكروا أن فعل الاستغاثة من تلك الأفعال. ثم قد [٤ / ٢٠١] ثبت بالكتاب العزيز تعديه بنفسه (٥) فوجب أنه إذا ورد متعديا بحرف أن يدعى فيه التضمين. وعلى هذا يكون استغاث من قوله : حتى استغاثت بماء ضمّن معنى استعان ؛ لأن الماء يستعان به ولا يستغاث ، وكذا استغاث من قول الآخر : حتّى استغاث بأهل الملح ضمن معنى استعان أيضا ، وكذا يحمل على التضمين المذكور قول الشاعر :

٣٤٧٦ ـ إن يستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا

منّا معاقل عزّ زانها كرم (٦)

فإن قيل : استعان متعد بنفسه ـ قيل : كما ورد متعديا بنفسه ورد متعديا بالحرف ـ

__________________

(١) التذييل (٤ / ٢١٣) والكتاب (٢ / ٢١٥).

(٢) التذييل (٤ / ٢١٣).

(٣) من البسيط لزهير ـ ديوانه (ص ١٧٢ ، ١٧٦ ، ١٧٧) ، وإصلاح المنطق (ص ٢٩) والخصائص (٢ / ٣٣٤) والكتاب (١ / ١٠٠) ، واللسان (حشك) ، والمحتسب (٢ / ٢٨٧).

(٤) البيتان من البسيط وانظرهما مع النص ـ في التذييل (٤ / ٢١٣).

(٥) كقوله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ،) وقوله سبحانه : (فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ ،) وقد تقدما ، وانظر : القاموس ، واللسان (غوث).

(٦) من البسيط ـ الأشموني (٤ / ٣١) برواية : تستغثوا ـ بغير ياء وبالخطاب في المضارعة ، والتصريح (٢ / ٢٥٤) ، والعيني (٤ / ٤٥٢) والمغني (ص ٦١٤).

٤٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا سألت فاسأل (١) الله وإذا استعنت فاستعن بالله» (٢) فيمكن أن يكون في أصل الوضع متعديا بالحرف وأنه يصل إلى نصب متعلقه بإسقاط الخافض ، ولا يمكن أن يدعى ذلك في استغاث ؛ لأن المستغاث منادى. وقد علم أن المنادى مفعول بفعل مقدر. فإذا قيل : يا زيد فالتقدير أدعو زيدا ، تقدم لنا ذكر ذلك.

ثم إن الشيخ ناقش المصنف ثانيا في قوله : إذا استغثت المنادى أو تعجبت منه. قال : لأن كلامه يقتضي أن المستغاث به والمتعجب منه يكون منادى. قال : والمنادى لا يكون ذلك إلا في ما استثني (٣). انتهى.

وكان الشيخ فهم أن مراد المصنف بقوله : المنادى الاسم الذي من شأنه أن ينادي وليس مراده ذلك. إنما المراد بالمنادى الاسم الذي تطلب إقباله عليك ، ولهذا قال في شرح الكافية : «إذا نودي المنادى ليخلص من شدة أو يعين على دفع مشقة فنداؤه استغاثة وهو مستغاث (أو مستغاث به)» (٤).

فبين بهذا الكلام أن المنادى كما أنه مطلوب إقباله فالمستغاث مطلوب منه الإقبال أيضا ، لكن ليخلص المنادى مما هو فيه أو يعينه على دفع ما يكره. ثم حكم المستغاث بعد ذلك أن يجر بلام أو يختم بألف ، وقد يخلو عنهما إذا دلّ على الاستغاثة دليل وهو أن يذكر بعد الاسم المنادى مستغاثا من أجله كما سيأتي.

ولا يفهم من هذا أن الاسم المستغاث هو الاسم الذي ينادى حتى يورد على هذا أن المنادى لا يكون ذا «ال» والمستغاث قد يكون ذا «ال».

الثاني :

نصّوا على أنه لا ينادى على سبيل الاستغاثة إلّا «بيا» من بين سائر حروف النداء قالوا : لأنها أم الباب. وندر قول عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ لعمرو بن العاص : «وا عجبا لك يا ابن العاص» (٥). ثم كون يا لا يجوز حذفها مع المستغاث قد عرف في أول الباب. ـ

__________________

(١) الأصل : فسل.

(٢) انظره في الترمذي : صفة القيامة ، باب (٥٩).

(٣) التذييل (٤ / ٢١٣).

(٤) شرح الكافية الشافية (٣ / ١٣٣٤).

(٥) البخاري : المظالم (٤٦) ، وشواهد التوضيح (ص ٢١٠).

٤٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وحكم التعجب في الأمرين المذكورين حكم الاستغاثة. ثم إن المصنف لم يتعرض في شيء من كتبه إلى ذكر ما تتعلق به لام الجر الداخلة على المستغاث ، ولا إلى ذكر ما تتعلق به اللام الداخلة على المستغاث من أجله. وقد تعرض إلى ذلك أبو الحسن ابن عصفور فذكر أن في اللام الداخلة على المستغاث ثلاثة أقوال. قيل : إنها تتعلق بما في «يا» من معنى الفعل. قال : وهو رأي ابن جني (١) ، وردّه ابن عصفور بأن معاني الحروف لا تعمل في الظروف ولا المجرورات. وقيل : بأن اللام زائدة وردّه بأن الأصل عدم الزيادة ، وقيل : إنها تتعلق بالفعل الذي قلناه إنه يعمل في المنادى ، واختاره ابن عصفور (٢) ، قال الشيخ وابن الضائع أيضا : وهو مذهب سيبويه (٣).

قال ابن عصفور : فإن قيل : الفعل الذي يعمل في المنادى يعمل بنفسه فكيف يصل هذا باللام ثم أجاب عن ذلك بأن الفعل المتعدي إلى مفعول يجوز أن يتعدى بنفسه وبحرف الجر نحو : ضربت زيدا وضربت لزيد. قال : وهذا قليل مع ظهور الفعل ، فإذا كان الفعل مضمرا كان أقوى (٤). انتهى.

ولو قدر الفعل بعد وقال : إن وجود اللام داخلة على الاسم مع الفعل المتعدي أوجب لنا أن نقدر العامل مؤخرا لكان أولى. فإن من المعلوم أن المعمول إذا تقدم على الفعل المتعدي جاز دخول الحرف ؛ قال تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ)(٥). ثم إن الشيخ بحث في ما ذكره ابن عصفور فقال : لابن جني أن يقول : الحرف يعمل بما فيه من معنى الفعل فقد عملت كأن بما فيها من معنى التشبيه في الحال ، وكذا هاء التنبيه تعمل في الحال أيضا ، كما عرفت ذلك في بابه. وقال : وأما نسبتهم العمل في الفعل المقدر ، واعتذارهم عن دخول اللام ففيه تكلف. قال : والأولى القول بالزيادة فيقال : زيدت اللام لمدّ الصوت قال : والدليل على زيادتها ـ

__________________

(١) المنصف (٣ / ٦١ ، ٦٢) ، والأشموني (٣ / ١٦٤).

(٢) شرح الجمل (٢ / ١٠٩ ـ ١١١).

(٣) انظر على الترتيب التذييل (٤ / ١٢) ، وشرح الجمل لابن الضائع لوحة (ص ٥٥ ، ٥٦) ، والكتاب (٢ / ٢١٥ ـ ٢١٨ ، ٢١٩).

(٤) شرح الجمل (٢ / ١٠٩).

(٥) سورة يوسف : ٤٣.

٤٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

معاقبتها في آخره فزادوا الحرفين لمدّ الصوت. قال : ولما كان معناهما واحدا في الزيادة تعاقبا فلم يجز الجمع بينهما (١). انتهى.

ولقائل أن يقول : أما كون بعض الحروف يعمل بما فيه من معنى الفعل فصحيح. ولكن يتعذر ذلك في نحو : يا لزيد ؛ لأن القائل بأن العامل معنى الحرف إما أن يقدر فعلا أو لا.

فإن قدر الفعل وجب أن يكون هو العامل ؛ لأننا إنما نعمل الحرف بما فيه من معنى حيث لا يكون معنا عامل صالح ، لأن العامل المعنوي إنما يحتاج إليه عند فقد العامل اللفظي ، وإن لم يقدر الفعل أشكل الأمر لأنه يلزم من ذلك أن يكون كلام تام مركبا من اسم وحرف ، وامتناع ذلك معلوم. وأما كون اللام تكون زائدة فإن القول به يقتضي جواز مراعاة عامل المحل في مدخولها ، ولا يظهر جواز اعتبار المحل في الاسم المستغاث مجرورا باللام.

ولا شك أن عدم جواز مراعاة محله دليل على أن اللام ليست زائدة ، نعم إن قيل بأن له محلّا فربما يتم ما قاله. وسيذكر بعد أن بعضهم [٤ / ٢٠٢] جعل له محلّا ، وأما لام المستغاث من أجله ذكروا أنها متعلقة بفعل مضمر تقديره أدعوك لكذا. هكذا ذكر ابن عصفور (٢).

وزعم ابن الضائع أنها تتعلق بفعل النداء. وقال آخرون : أنها تتعلق بمحذوف في موضع الحال فالتقدير : يا لزيد مدعوّا لعمرو ، [و] هو مبني على أن الحال تجيء من المنادى وعلى ما قال ابن عصفور يكون الكلام جملتين وهو بعيد.

وقول ابن الضائع يلزم منه تعلق حرفي جر بعامل واحد. قد يقال : ليس ذلك بممتنع لأن الحرفين إذا اختلف معناهما جاز أن يتحد ما تعلقا به. ثم إنك قد عرفت أن اللام مع المستغاث مفتوحة ومع المستغاث من أجله مكسورة ، وأن الفتح مع المستغاث إنما كان لوقوعه موقع ضمير الخطاب. ومنهم من يقول : إن الفتح للفرق بينها ، وبين لام المستغاث من أجله.

والحق أن علة الفتح مجموع الأمرين. والأمران هما شبه المضمر ، والفرق ؛ ـ

__________________

(١) كلّ في التذييل (٤ / ٢١٤).

(٢) شرح الجمل (٢ / ١٠٩).

٤٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ليندفع سؤال الدور. وهو لم لم يكن الأمر بالعكس لو عللنا بمجرد الفرق. ولو عللنا بمجرد شبه المضمر لورد على ذلك المعطوف في مثل : يا لزيد ولعمرو ، فإن الثاني أيضا منادى ولم تفتح معه اللام ؛ لأنه قد علم بالعطف أنه مستغاث لكن كسر اللام مع المستغاث من أجله إنما هو بالنسبة إلى الأسماء الظاهرة. وأما بالنسبة إلى المضمرات فاللام مفتوحة إلا أن يكون الضمير ياء المتكلم فإنها تكسر كما مع الظاهر فعلى هذا إذا قلت : يا لك احتمل أن يكون مستغاثا ومستغاثا من أجله. وكذا إذا قلت : «يا لي» احتمل الأمرين.

البحث الثالث :

البيت الذي أنشده المصنف مستشهدا به على التعجب وهو قول الشاعر :

٣٤٧٧ ـ لخطّاب ليلى يا لبرثن منكم

أدلّ وأمضى من سليك المقانب (١)

أنشده ابن عصفور أيضا مستشهدا به لذلك ، وأنشد بعده :

٣٤٧٨ ـ تزورنها ولا أزور نساءكم

ألهفا لأولاد الإماء الحواطب (٢)

قال : فنادى برثن مستغيثا بمن لم يزر امرأته منهم على من زارها ومتعجبا من فعل بعضهم معه (٣). وكأنه قال : يا لبرثن امنعوا من زيارتها بعضكم وذلك أنه اتهم قوما من بني برثن كانوا يزورون امرأته لفساد بينهم وبينها ؛ ولذلك شبههم بسليك في دقة حيلتهم في الفساد. قيل : وإنما اشتركت الاستغاثة والتعجب في هذه الصورة ؛ لمشاركتها في بعض المعنى ؛ إذ سببها أمر عظيم عند المنادى ، أما الاستغاثة فلوقوع أمر يطلب دفعه أو المعونة عليه ، وأما التعجب فالنداء فيه على وجهين : أحدهما : أن يرى أمرا عظيما فيتعجب منه فينادى جنسه ليحضر نحو : يا للماء ، ويا للعجب. والثاني : أن يرى أمرا يستعظمه فينادي من له نسبة إليه ومكنة فيه بوجه ما كأن يرى جهّالا أخذوا المناصب ، فيقول : يا للعلماء أي : يا قوم عجبا لهذا الأمر ، ولهذه العظام.

__________________

(١) تقدم.

(٢) انظر البيت السابق في المقرب (١ / ١٨٣).

(٣) المصدر السابق ، وشرح الجمل (٢ / ١١٠).

٤٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

البحث الرابع :

ذكر الشيخ عن «صاحب البسيط» أنه قال : المستغاث به والمتعجب منه منادى ، وعلة البناء موجودة فيه ، فهلّا بقي على بنائه حين دخلت عليه لام الجر كما تقول لهذا ، ومن قبل ، ومن بعد. فالجواب أن «يا» صار حكمها في النداء حكم العامل ؛ إذ النداء فيها شبيه بالإعراب ، فلما دخل الحرف لمعناه زال عمل «يا» لفظا وصار بمنزلة ما زيد بجبان ، فعلى هذا له موضع رفع ، فإذا نعت كان فيه ثلاثة أوجه (١) انتهى.

ولا يخفى بعد ما ذكره ويدل على ضعفه ، أنه قال بعد ذلك : وقيل : كان الأصل البناء إلّا أنه لما دخلت عليه لام الجر وحرف الجر خاص بالأسماء مع أن بناء المنادى ليس ببناء أصلي روعي فيه أصله فعمل (٢). ولا شك أن هذا كلام حسن وهو أولى مما قاله أولا.

ثم قال : وقيل : لمّا دخلت عليه صار عاملا ومعمولا ، فأشبه المضاف فلم يعمل فيه النداء فعمل الجار. قال : فعلى هذين التعليلين لا موضع رفع له. فإذا نعت كان في جر أو نصب كما تقول : مررت بزيد وعمرا ، والجر أحسن (٣). انتهى.

وقد تقدم لنا البحث في أن اعتبار المحل غير ظاهر. فأما اعتباره رفعا فقد صرح الآن بأنه غير جائز. وأما اعتباره نصبا ففيه نظر يلتفت إلى اشتراط المحرر وعدمه. وأما تنظيره بقوله : مررت بزيد وعمرا فالمحققون لا يجيزون ذلك كما تقدم لنا في أوائل الكتاب ، فإن بنى جواز يا لزيد وعمرا على مسألة : مررت بزيد وعمرا منعت المسألة لامتناع ما بنيت عليه.

البحث الخامس :

قد عرفت أن المستغاث قد يحذف ويلي المستغاث من أجله إذا علم أنه غير صالح لأن يكون مستغاثا ، وأنشد المصنف على ذلك يا لأناس أبوا إلّا مثابرة. ـ

__________________

(١) التذييل (٤ / ٢١٥) ، وتقدم لنا أن صاحب البسيط هو «ابن العلج» ، وانظر الهمع (١ / ١٨١).

(٢) التذييل (٤ / ٢١٥).

(٣) التذييل (٤ / ٣١٥).

٤٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال : التقدير يا لقومي لأناس. وقد جعل ابن عصفور من ذلك قول الراجز :

٣٤٧٩ ـ يا عجبا لهذه الفليقة

هل تذهبنّ القوباء الرّيقة (١)

قال يزيد : يا قوم عجبا. وما قاله غير ظاهر ، فإنه لا معنى للاستغاثة في هذا البيت ، بل هو إما نداء محض نادى قومه ثم أخبر أنه تعجب لهذا الأمر. فالتقدير : يا قوم أعجب عجبا ، فقوله : عجبا منصوب على المصدر. هذا إن كانت الرواية بالتنوين ، وإن كانت بغير تنوين فيكون التقدير يا عجبي ، ثم إنه حذف وعوض عنها الألف كما يقال في يا عبدي : يا عبدا ويكون نداء أريد به التعجب. فالحق أن لا استغاثة في البيت.

ثم اعلم أن ابن جني أجاز في قول الشاعر :

٣٤٨٠ ـ فيا شوق ما أبقى ويا لي من النّوى

ويا دمع ما أجرى ويا قلب ما أصبى (٢)

أن يكون يا لي مستغاثا به كأنه استغاث بنفسه من النوى قال : ويمكن أن يكون استغاث لنفسه وحذف المستغاث به .. انتهى (٣).

وإنما جوز ابن جني الأمرين ؛ لأن لام المستغاث من أجله إنما تكون مع ياء المتكلم [٢ / ٢٠٣] مكسورة مستغاثة كانت أو مستغاثا من أجلها ، كما أنها مع الضمير غير الياء إنما تكون مفتوحة مستغاثا ما هو متصل به كان أو مستغاثا به نحو : يا لك كما تقدم تقدير هذا ، لكن قال ابن عصفور : الأصح عندي أن «يا لي» حيثما وقع يكون الضمير فيه مستغاثا له ، والمستغاث به محذوف ؛ لأن العامل في المستغاث به إنما هو الفعل المضمر الذي قام حرف النداء مقامه (٤). وقد نص على ذلك سيبويه في باب الجر (٥). ـ

__________________

(١) رجز لابن قنان ـ إصلاح المنطق (ص ٣٤٤) ، والحلل (ص ٢٢٥) ، وشرح شواهد الشافية (ص ٣٩٩) ، واللسان : قوب ، والمنصف (٣ / ٦١).

(٢) من الطويل للمتنبي ـ ديوانه (١ / ٤٠) ، والأشموني (٣ / ١٦٣) ، والعيني (٤ / ٢٦٦) ، والمغني (١ / ١٨٣) الأمير ، برواية : «ما أقسى» بدل «ما أصبى».

(٣) المصادر السابقة.

(٤) شرح الجمل (٢ / ١١١) ، والمغني (١ / ١٨٣).

(٥) الكتاب (١ / ٤٢١).

٤٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فإذا جعلت الضمير في قولك : «يا لي» واقعا على المستغاث به لزم أن يكون التقدير : يا أدعو لي فيؤدي ذلك إلى تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضمير المتصل ، وذلك لا يجوز إلّا في باب ظننت، وفقدت، وعدمت ، قال الشيخ :

وهذا الذي قال ـ يعني ابن عصفور ـ صحيح على مذهب سيبويه : فأما ابن جني فلا يلزمه ذلك ؛ لأن اللام تتعلق عنده بما في يا من معنى الفعل ولا يجري يا مجرى صريح الفعل ؛ لأنها لا تتحمل ضميرا ، كما لا تتحمله هاء التنبيه إذا عملت في الحال قال : وأما على رأي من يقول بزيادة اللام ـ وهو ابن خروف ـ فيطيح رد ابن عصفور ومنعه (١).

البحث السادس :

في شرح الكافية :

يا يزيد الآمل نيل عزّ

وغنى بعد فاقة وهوان (٢)

وذكر في الشرح المذكور أن المستغاث قد يخلو من اللام ومن الألف كقول الشاعر :

٣٤٨١ ـ ألا يا قوم للعجب العجيب

وللغفلات تعرض للأريب (٣)

ولم يذكر ذلك في التسهيل ، ولا في شرحه ، وإنما قال أنهما قد يستغنى عنهما في التعجب ، مقتصرا على ذلك.

ثم إن المستغاث إذا لحقته الألف فالظاهر أن له حكم نفسه من بناء أو إعراب ، وكأنه يصير كالمندوب ، والمتعجب منه كالمستغاث في ذلك.

__________________

(١) التذييل (٤ / ٢١٦).

(٢) شرح الكافية الشافية (٣ / ١٣٣٧).

(٣) من الوافر ـ الأشموني (٣ / ١٦٦) ، والتصريح (٢ / ١٨١) ، والعيني (٤ / ٢٦٣) ، وانظر شرح الكافية الشافية (٣ / ١٣٣٨).

٤٥٠

الباب الخمسون

باب النّدبة (١)

[تعريف المندوب ـ مساواته للمنادى في أحكامه]

قال ابن مالك : (المندوب هو المذكور بعد «يا» أو «وا» تفجّعا لفقده حقيقة أو حكما أو توجّعا ؛ لكونه محلّ ألم أو سببه ، ولا يكون اسم جنس مفردا ولا ضميرا ، ولا اسم إشارة ولا موصولا بصلة لا تعيّنه.

ويساوى المنادى في غير ذلك من الأقسام والأحكام ويتعيّن إيلاؤه «وا» عند خوف اللّبس).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : قال المصنف في شرح الكافية (٢) : الندبة إعلان المتفجع باسم من فقده بموت أو غيبة كأنه يناديه ، والقصد الإعلام بعظمة المصاب ، وقال في شرح التسهيل (٣) : المذكور تفجعا لفقده حقيقة كقول الباكي على ميت اسمه زيد : يا زيدا أو وا زيدا. ومنه قول جرير يرثي عمر بن عبد العزيز رضي‌الله‌عنه (٤) :

٣٤٨٢ ـ تنعى النّعاة أمير المؤمنين لنا

يا خير من حجّ بيت الله واعتمرا

حمّلت أمرا عظيما فاصطبرت له

وقمت فيه بأمر الله يا عمرا (٥)

ومثله قول الآخر :

٣٤٨٣ ـ وا هنيّا أطمعت مذينت أعدا

ي وقدما أو سعتهم بك قهرا (٦)

__________________

(١) ينظر في هذه الباب : الأشموني (٣ / ١٦٧ ـ ١٧٠) ، والأصول (١ / ٣٥٥ ـ ٣٥٨) ، وأوضح المسالك (٤ / ٥٢ ـ ٥٤) ، والتذييل (٤ / ق ٢١٧ / ٢٢١) ، والتصريح (٢ / ١٨١ ـ ١٨٤) ، والرضى (١ / ١٥٦ ـ ١٥٩) ، وشرح الجمل (٢ / ١٢٧ ـ ١٣٣) ، وشرح المفصل (٢ / ١٣ ـ ١٥) ، والكتاب (٢ / ٢٢٠ ـ ٢٢٩ ، ٢٣١ ، ٤ / ١٦٥ ، ٢٣٦) ، والكفاية (٥٧ ، ٥٨) ، والهمع (١ / ١٧٩ ، ١٨٠).

(٢) شرح الكافية الشافية (٣ / ١٣٤١).

(٣) شرح التسهيل (٣ / ٤١٣).

(٤) أمير المؤمنين وكان يدعى أشج بني أمية وهو خامس الخلفاء الراشدين رمحته دابة وهو شاب فشجته (ت ١٠١ ه‍) صفة الصفوة (٢ / ٦٣) ، وفوات الوفيات (٢ / ١٠٥).

(٥) من البسيط ـ ديوانه (ص ٢٣٥) ، والدرر (١ / ١٥٥) ، والعيني (٤ / ٢٢٩ ، ٢٧٣) ، والمغني (٤١١) ، والهمع (١ / ١٨٠).

(٦) من الخفيف ـ التذييل (٤ / ٢١٧).

٤٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

والمندوب تفجعا لكونه في حكم المقصود كقول أمير المؤمنين عمر رضي‌الله‌عنه : واعمراه واعمراه حين أعلم بجدب شديد أصاب قوما من العرب. وكقول الخنساء ومن أسر معها من آل صخر وصخر غائب غير مرجو الحضور : واصخراه واصخراه.

والمندوب توجعا لكونه سببا للألم كقول قيس العامري :

٣٤٨٤ ـ فواكبدا من حبّ من لا يحبّني

ومن عبرات ما لهنّ فناء (١)

والمندوب توجعا لكونه سببا للألم كقول ابن قيس الرقيات :

٣٤٨٥ ـ تبكيهم دهماء معولة

وتقول سلمى وا رزيّتيه (٢)

ولا يندب اسم جنس مفرد ولا ضمير ولا اسم إشارة ولا موصول بصلة لا يتعين بها المندوب فلا يقال في رجل : وارجلاه ولا في أنت : واأنتاه ولا في هذا : وا هذاه ولا في من ذهب : وا من ذهباه. ويندب اسم الجنس المضاف نحو : وا غلام زيداه والموصول بصلة تعين الموصول نحو : وا من حفر بئر زمزماه. ونبهت بقولي :

(ويساوي المنادى في غير ذلك من الأقسام) على أنه قد يكون علما واسم جنس مضافا وموصولا بصلة معينة. ومن مساواته المنادى في الأحكام أنه إذا لم يل آخره الألف ضم إن كان مما يضم في النداء نحو : وا زيد ، ونصب إن كان مما ينصب في النداء نحو : واعبد الله ، وواضروبا رؤوس الأعداء ، وواثلاثة وثلاثين ، ويلحق الزيادة وا ثلاثة وثلاثيناه ، ومن مساواته إياه في الأحكام أنه إذا دعت الضرورة إلى تنوينه جاز استصحاب ضمته [وتبدل فتحه بها](٣) كقول الراجز :

٣٤٨٦ ـ وا فقعسا وأين منّي فقعس

[أإبلي يأخذها كروّس](٤)

كذا روي منصوبا ولو قيل بالضم وا فقعس لجاز. وإذا أمن أن يلتبس المندوب بمنادى غير مندوب جاز وقوعه بعد يا ووا نحو : من حفر بئر زمزم. فلو قيل هنا : يا من حفر بئر زمزم لم يخف لبس فاستعمال يا ووا فيه جائز بخلاف قولك : وا زيد ، ـ

__________________

(١) من الطويل ديوانه (ص ٤١) ، والأغاني (١ / ١٧٦) ، والتصريح (٢ / ١٨١).

(٢) من الكامل ديوانه (ص ٩٩) ، والتصريح (٢ / ١٨١) ، والكتاب (١ / ٣٢١) ، والمقتضب (٤ / ٢٧٢).

(٣) الأصل : وتبديلها بفتحة ـ خطأ لغوي ، فالياء تدخل على المتروك.

(٤) انظر هذا الرجز ـ وقد ذكرنا تتمته ـ في الأشموني (٣ / ١٦٨) ، والعيني (٤ / ٢٧٢) ، والمجالس (ص ٥٤٢) ، والهمع (١ / ١٧٢ ، ١٧٩).

٤٥٢

[من أحكام المندوب]

قال ابن مالك : (ويلحق جوازا آخر ما تمّ به ألف يفتح لها متلوّها متحرّكا ، ويحذف إن كان ألفا أو تنوينا أو ياء ساكنة مضافا إليها المندوب وقد تفتح).

______________________________________________________

وفي الحضرة من اسمه زيد ، فلا يجوز أن يستعمل فيه إلّا وا ؛ لأن الذي يليها لا يكون إلّا مندوبا.

ولا تتعين الندبة بالألف التي تلي الآخر والحرف المنبه به يا ؛ لأن المنادى البعيد قد تلي الألف آخره كقول امرأة لابن أبي ربيعة : نظرت إلى كعبتي فرأيت ملء العين وأمنية المتمني فصحت يا عمراه ، فقال عمر : يا لبيكاه (١).

ولم ير سيبويه زيادة الألف المذكورة إلّا في ندبة ، أو استغاثة ، أو تعجب (٢).

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٣) : آخر ما تم به المندوب يعم آخر المفرد نحو : وا زيداه ، وآخر المضاف إليه نحو : وا عبد الملكاه ، وآخر الصلة نحو : وا من حفر بئر زمزماه ، وآخر المركب تركيب مزج نحو : وا تأبط شراه [٤ / ٢٠٤] وقيدت لحاق هذه الألف بالجواز لئلّا يعتقد لزومه. ونبهت على فتح متلوها ليعلم أن ضمة يا زيد وكسرة يا عبد الملك وما أشبههما مستوية في [تبدل فتحة بها] لأجل الألف نحو : يا زيداه ويا عبد الملكاه ، وإن وجدت الفتحة قبل أن يجاء بالألف استصحبت إذا جيء بالألف كقولك في عبد يغوث : وا عبد يغوثاه. ونبهت بقولي : (وتحذف إن كان ألفا أو تنوينا أو ياء ساكنة مضافا إليها المندوب) على حذف المتمم إن كان ألفا كقولك في موسى : وا موساه ، أو تنوينا كقولك في غلام زيد : وا غلام زيداه أو ياء ساكنة مضافا إليها كقولك في غلامي : وا غلاماه. وقد يقال : يا غلامياه. ومن قال في النداء : يا غلامي بالفتح استصحب الفتح في الندبة نحو : وا غلامياه ، ومن لم يجئ بالألف فله أن يقول : وا غلامي بالسكون و: وا غلاميه باستصحاب الفتحة ـ

__________________

(١) الهمع (١ / ١٨٠).

(٢) الكتاب (٢ / ٢١٨) ، وانظر أيضا شرح التسهيل (٣ / ٤١٥).

(٣) شرح التسهيل (٣ / ٤١٥).

٤٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وزيادة هاء السكت كما قال ابن قيس :

وتقول سلمى وا رزيّتيه (١) انتهى.

وإنما قيد الياء الساكنة بقوله : (مضافا إليها المندوب) ؛ ليعلم أن هذا الحكم الذي ذكره وهو الحذف إنما يكون إذا كان المضاف إلى الياء هو المندوب ، فأما إذا كان المندوب مضافا إلى مضاف إلى الياء ، فإن الياء تلزم ؛ لأن المضاف إليها غير مندوب نحو أن يقال : واغلام أخي. ثم قد ذكر في الشرح أنه قد يقال : يا غلامياه.

والظاهر أن هذا مراده بقوله في المتن : (وقد تفتح) فعلمنا أن الياء الساكنة المضاف إليها المندوب لك فيها وجهان. الحذف وهو الكثير ، وإثباتها مفتوحة وهو القليل وهذان الوجهان هما اللذان أشار إليهما في الألفية بقوله :

وقائل واعبديا واعبدا

من في النّدا الياذا سكون أبدي

وقال في شرح الكافية : إذا ندب المضاف إلى ياء المتكلم على لغة من أثبتها مفتوحة زيدت الألف ولم يحتج إلى عمل ثان ؛ لأن الياء مهيأة لمباشرة الألف بفتحها. وإذا ندب على لغة من حذف الياء مكتفيا بالكسرة جعل بدل الكسرة فتحة وزيدت الألف ، وإذا ندب على لغة من يبدل الياء ألفا حذفت الألف المبدلة وزيدت ألف الندبة كما يفعل بالمقصور وإذا ندب على لغة من يثبت الياء ساكنة جاز حذف الياء وفتحها (٢).

ثم نبه في هذا الكتاب ـ أعني شرح التسهيل ـ على أن من ندب على لغة من يثبت الياء مفتوحة إذا لم يأت بالألف له أن يسكن الياء وله أن يستصحب الفتحة ويزيد هاء السكت كما عرفت من كلامه.

واعلم أن الشيخ ذكر في شرحه أن حذف الياء الساكنة المضاف إليها المندوب هو مذهب المبرد (٣) وأن سيبويه ذهب إلى أنه لا يجوز في ندبة الاسم المضاف إلى ياء المتكلم في لغة من أسكنها في النداء إلا إثبات الياء (٤).

وقد ردّ على سيبويه بأن من سكن لا يحرك وهما لغتان على ما نص سيبويه ، ـ

__________________

(١) تقدم قريبا فارجع إليه إن شئت ، وانظر شرح التسهيل (٣ / ٤١٥).

(٢) شرح الكافية الشافية (٣ / ١٣٤٩).

(٣) المقتضب (٤ / ٣٣١).

(٤) الكتاب (٣ / ٢٧٠).

٤٥٤

[من أحكام ألف الندبة]

قال ابن مالك : (وقد تلحق ألف النّدبة نعت المندوب ، والمجرور بإضافة نعته ويقاس عليه وفاقا ليونس ، وقد تلحق منادى غير مندوب ولا مستغاث خلافا لسيبويه ، ويليها في الغالب سالمة ومنقلبة هاء ساكنة تحذف وصلا. وربّما ثبتت مكسورة أو مضمومة. ويستغنى عنها وعن الألف في ما آخره ألف وهاء ، ولا تحذف همزة ذي ألف التّأنيث الممدودة ، خلافا للكوفيّين).

______________________________________________________

وإذا كان الإسكان لغة فلا حكم للحركة في الياء. فإذا لحقت الألف انبغى أن تحذف الياء وزعم سيبويه أنها تحرك ؛ لأنه لا ينجزم حرفان (١).

قال ناظر الجيش : قال المصنف : لا يجيز الخليل ، ولا سيبويه أن تلحق ألف الندبة نعت المندوب (٢). وأجاز ذلك يونس نحو أن تقول : وازيد البطلاه (٣) ، ويؤيد قول يونس قول بعض العرب : واجمجمتي الشاميتيناه (٤) ، وقول الشاعر :

٣٤٨٧ ـ ألا يا عمرو وعمراه

وعمرو بن الزّبيراه (٥)

فلحقت في الشاميتيناه وهو نعت مندوب ولحقت في عمراه وهو توكيد مندوب ولحقت في الزبيراه وهو مضاف إليه نعت معطوف على مندوب فلحاقها نعت المندوب أولى بالجواز ، وكذا لحاقها المضاف إليه نعت المندوب كقول الراجز :

٣٤٨٨ ـ كم قائل يا أسعد بن سعداه

كلّ امرئ باك عليك أوّاه (٦)

وأجاز غير سيبويه أن تلحق الألف منادى خاليا من استغاثة وتعجب وندبة كقول امرأة لعمر بن أبي ربيعة : نظرت إلى كعبي فرأيت ملء العين وأمنيّة المتمنّي فصحت يا عمراه فقال : يا لبّيكاه. والأكثر كون ألف المندوب في الوقف متلوة بهاء ساكنة تسمى هاء السكت ، وكذا ألف الاستغاثة والتعجب. وقد تثبت في الوصل مكسورة ومضمومة ، وقد تكلم على ذلك في غير الندبة. ومن لحاقها مضمومة في ـ

__________________

(١) السابق ، وانظر نص الشيخ ـ هذا ـ في التذييل (٤ / ٢١٨).

(٢) الكتاب (٢ / ٢٢٥).

(٣) الكتاب (٢ / ٢٢٦).

(٤) السابق ، والجمجمة : القدح ، أو الجماجم سادات العرب ورؤسائهم.

(٥) من الهزج ـ الأشموني (٣ / ١٧١) ، والعيني (٤ / ٢٧٣) ، والمقرب (١ / ١٨٤) ، والهمع (١ / ١٨٠).

(٦) انظره في التذييل (٤ / ٢١٩).

٤٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الندبة قول الشاعر :

٣٤٨٩ ـ ألا يا عمرو عمراه

وعمرو بن الزّبيراه (١)

ويعرض قلب ألف الندبة ياء أو واوا قبلها الهاء مقلبة على نحو ما وليتها سالمة.

وسنبين سبب انقلابها. وإن كان آخر المندوب وما أشبهه ألفا وهاء استغنى فيه عن ألف الندبة وهائها استثقالا لألف وهاء بعد ألف وهاء. فلا يقال في عبد الله : يا عبد اللهاه ، ولا في جهجاه : يا جهجاهاه لما فيه من الثقل. ولو كان موضع الهاء التي هي آخر الاسم همزة لم يمنع إيلاؤها ألف الندبة ولم تحذف إلّا عند الكوفيين فإنهم يقولون في ندبة حمراء علما : وا حمراه بحذف الهمزة والألف التي كانت قبلها. وعلى ذلك نبهت بقولي : (ولا تحذف همزة ذي ألف التأنيث الممدودة خلافا للكوفيين) (٢) انتهى.

[٤ / ٢٠٥] وقد عرفت اختياره مذهب يونس وما احتج به له. وقال يونس : لم تلحق ألف الندبة المضاف إليه إلا لكونه مع المضاف كالشيء الواحد (٣) قال : وكذلك الصفة مع الموصوف هما كالشيء الواحد. وأجيب عن ذلك بأن الصفة ليست كالمضاف إليه لفصل التنوين بينهما بخلاف المضاف والمضاف إليه. وقد قال سيبويه : إن المضاف إليه من تمام الاسم الأول وهو بمنزلة التنوين والنعت منفصل من المنعوت إن شئت جئت به وإن شئت لم تجئ (٤).

قال الخليل : لو جاز إلحاق العلامة الصفة لجاز إلحاقها الخبر في وا زيد أنت الفارس البطلاه ؛ لأن هذا غير نداء كما أن الصفة غير نداء ، وليس هذا كقولك : واأمير المؤمنيناه (٥) والذي يراه يونس في هذه المسألة هو مذهب الكوفيين أيضا.

وذهب خلف الأحمر (٦) إلى أن ألف الندبة تلحق نعت أي في النداء نحو : يا أيها ـ

__________________

(١) تقدم قريبا.

(٢) شرح التسهيل (٣ / ٤١٧).

(٣) الكتاب (٢ / ٢٢٥ ، ٢٢٦).

(٤) الكتاب (٢ / ٢٢٥).

(٥) السابق.

(٦) خلف ابن حيان أبو محرز هو معلم الأصمعي وأهل البصرة ، كان يصنع الشعر وينسبه إلى العرب (ت ١٨٠ ق. ه) ـ الأعلام (٢ / ٣٥٨) ، والبغية (٢٤٢) ، والسمط (ص ٤١٢) ، والمزهر (١ / ١٧٦).

٤٥٦

[أحكام أخرى لألف الندبة]

قال ابن مالك : (يبدل من ألف النّدبة مجانس ما وليت من كسرة إضمار أو يائه أو ضمّته أو واوه.

وربّما حمل أمن اللّبس على الاستغناء بالفتحة والألف عن الكسرة والياء ، وقبلها ياء بعد نون اسم [مثنّى] جائز خلافا للبصريّين. ولا تقلب بعد كسرة «فعال» ولا بعد كسرة إعراب ، ولا يحرّك لأجلها تنوين بكسر ولا فتح. ولا يستغنى عنها بالفتحة خلافا للكوفيين في المسائل الأربع).

______________________________________________________

الرجلاه بناء على أن النعت هنا هو المقصود بالنداء فهو المنادى في الحقيقة (١). لكن الجماعة على خلافه. ثم قد عرفت ما ذكره المصنف من أن الهاء قد ثبتت وصلا مكسورة أو مضمومة ، لكن مذهب سيبويه والأكثرين أنه لا يجوز ذلك (٢) ، وأجاز ذلك الفراء (٣).

ومذهب البصريين أن ما فيه الإثبات وصلا [فهو] من إجراء الوصل مجرى الوقف الذي لا يجوز إلّا في الضرورة.

قال الشيخ : الذي منعه المصنف من يا عبد اللاهاه صرح أصحابنا بخلافه. قال : وقواعد باب الندبة وإطلاق النحاة في نداء الأعلام يجيز ذلك فيحتاج في المنع إلى دليل واضح (٤).

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٥) : إذا كان آخر المندوب علامة إضمار مكسورة أو مضمومة حوفظ على الكسرة والضمة وجعل بدل ألف الندبة ياء بعد الكسرة وواوا بعد الضمة فيقال في ندبة غلامك : وا غلامكيه ، وفي ندبة أنت أو فعلت علما : واأنتيه ووافعلتيه ، ويقال في ندبة غلامه أو غلامهم : وا غلامهوه ووا غلامهموه ويقال في ندبة مسمى بفعلت : وا فعلتوه ، ويقال في المسمى بقومي وقاموا : وا قوميه ، ووا قاموه ، وروعي في هذه الأمثلة وأشباهها جانب ما قبل الألف ليؤمن ـ

__________________

(١) التذييل (٤ / ٢١٩) ، والهمع (١ / ١٨٠).

(٢) الكتاب (٤ / ١٦٥ ، ١٦٦).

(٣) المصدرين قبل السابق.

(٤) التذييل والتكميل (٤ / ٢٢٠).

(٥) شرح التسهيل (٣ / ٤١٧).

٤٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

اللبس ؛ إذ لو قيل : وا غلامكاه ، ووا أنتاه ، ووا فعلتاه مراعاة لجانب الألف لجهل التأنيث المدلول عليه بالكسرة ، ولو قيل : وا غلامهاه ، ووا غلامهماه ، ووا فعلتاه لجهل المعنى المدلول عليه بالضمة. ولو قيل في قومي وقاموا : وا قوماه ووا قاماه لجهلت الحكاية.

ونبهت بقولي : (وربّما حمل أمن اللبس على الاستغناء بالفتحة والألف عن الكسرة والياء) على قول ابن أبي ربيعة للمرأة التي قالت له : يا عمراه ، فقال هو : يا لبّيكاه ، ولم يقل يا لبيكيه ؛ لأمن اللبس.

والبصريون يلتزمون فتح نون التثنية في ندبة المثنى فيقولون : يا زيداناه والكوفيون يجيزون هذا ، ويجيزون أيضا أن يقال : يا زيدانيه وهو عندي أولى من الفتح وسلامة الألف لوجهين أحدهما : أن في الفتح وسلامة الألف إيهام أن اللفظ ليس لفظ تثنية وإنما هو من الأعلام المختتمة بألف ونون مزيدتين كسلمان ومروان. الثاني : أن أبا حاتم حكى أن العرب يقولون في ندائهن مثنّى : يا هنانيه (١) ولم يحك يا هناناه. والقياس إنما يكون على ما سمع لا على ما لم يسمع.

وأجاز الكوفيون أن يقال : يا رقاشية ، ويا عبد الملكية ، ويا غلام زيدنيه ، ويا زيدناه ، وأن يقال : يا عمر استغناء بالفتحة عن الألف ، وما رواه حسن لو عضّده سماع ، لكن السماع فيه لم يثبت فكان الأخذ به ضعيفا (٢). انتهى.

وليعلم أن الياء في وا قوميه بدل من ألف الندبة ؛ لأن ياء الضمير ـ أعني ضمير المخاطبة بالقيام ـ حذفت لالتقائها ساكنة مع الألف ، ثم أبدلت ألف الندبة ياء لانكسار ما قبلها ، وكذا الواو في : وا قاموه بدل من ألف الندبة أيضا ؛ لأن الواو التي هي ضمير حذفت لسكونها قبل ألف الندبة ، ثم أبدلت الألف واوا لانضمام ما قبلها.

__________________

(١) راجع في ذلك ـ الأشموني (٣ / ١٦٢) ، وتعليق الصبان على هذه المسألة ، والهمع (١ / ١٧٨).

(٢) شرح التسهيل (٣ / ٤١٨).

٤٥٨

الباب الحادي والخمسون

باب أسماء لازمت النداء (١)

[ذكرها وما يتعلّق بها من أحكام]

قال ابن مالك : (وهي «فل» و «فلة» و «مكرمان» و «ملأمان» و «ملأم» و «لؤمان» و «نومان» والمعدول إلى «فعل» في سبّ المذكّر وإلى «فعال» مبنيّا على الكسر في سبّ المؤنّث ، وهو والّذي بمعنى الأمر مقيسان في الثّلاثي المجرّد وفاقا لسيبوبه. وقد يقال : رجل مكرمان وملأمان ، وامرأة ملأمانة ونحو : «أمسك فلانا عن فل» ، و «قعيدته لكاع» من الضّرورات).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٢) : يقال في النداء : يا فل للرجل ، ويا فلة للمرأة بمعنى يا فلان ويا فلانة وهما الأصل. ولا يستعملان منقوصين في غير نداء إلّا في ضرورة كقول الراجز :

٣٤٩٠ ـ في لجّة أمسك فلانا عن فل (٣)

ويقال أيضا في نداء العزيز الكريم : يا مكرمان وفي نداء ضده يا ملأمان ، ويا ملأم ويا لؤمان. ويقال في نداء الكثير النوم : يا نومان ، والمشهور أن لا يستعمل شيء من هذه الخمسة في غير نداء ، وكذلك المعدول في سب الذكور إلى فعل نحو : يا غدر ويا فسق ويا خبث ، وكذلك المعدول في سب الإناث إلى فعال نحو : يا غدار ويا فساق ويا خباث.

وهذا الثاني وموازنة [٤ / ٢٠٦] الدال على الأمر كنزال وتراك ومناع لا يقتصر فيهما على السماع ، بل يصاغان من كل فعل ثلاثي مجرد قياسا فيقال : يا لأم ويا نحاس ويا قذار بمعنى لئيمة ونحسة وقذرة ، وكذلك ما أشبهها إذا كان الفعل ثلاثيّا ـ

__________________

(١) ينظر في هذا الباب : الأشموني (٣ / ١٥٩ ـ ١٦٢) ، والأصول (١ / ٣٤٧) وما بعدها ، وأوضح المسالك (٤ / ٤٢ ـ ٤٦) ، والتذييل (٤ / ق / ٢٢١ ـ ٢٢٤) ، والتصريح (٢ / ١٧٩ ، ١٨٠) ، والكتاب (٢ / ١٨٧ ، ١٩٥ ، ١٩٧ ، ١٩٨) ، والهمع (١ / ١٧٧ ـ ١٧٩).

(٢) انظر شرح التسهيل (٣ / ٤١٩).

(٣) انظره في الحلل (ص ٢١٩) ، والدرر (١ / ١٥٤) ، والكتاب (١ / ٣٣٣). والمقتضب (٤ / ٢٣٨) ، والهمع (١ / ١٧٧).

٤٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

مجردا من الزيادة ، وكذا الأمر فتقول : جلاس وقوام ونطاق بمعنى اجلس وقم وانطق ، فلو كان الفعل ثلاثيّ الأصول وليس مجردا من الزيادة كأكرم لم يبن منه فعال إلا بسماع كدراك بمعنى أدرك فهذا شاذ ، لا يقاس عليه. ومن فعال الذي حقه الاختصاص بالنداء لكاع ، وقد استعمل في الضرورة غير منادى كقول الشاعر :

٣٤٩١ ـ أطوّف ما أطوّف ثمّ آوي

إلى بيت قعيدته لكاع (١)

وروى ابن سيده أنه يقال : رجل مكرمان وملأمان وامرأة ملأمانة (٢) ، والمشهور اختصاص مكرمان وملأمان بالنداء. انتهى (٣).

ثم إنني أشير إلى أمور :

أحدها : أنك عرفت من كلام المصنف أن فل وفلة بمعنى فلان وفلانة ، وهو قد قال في باب العلم : وكنوا بفلان وفلانة عن نحو : زيد وهند (٤). بمعنى أنهما كنايتان عن علم من يعقل. وصرح هنا بأن فلانا وفلانة هما الأصل ، يعني أنهما أصل فل وفلة.

وكلام ابن عصفور يوافقه في أنهما ـ أعني فل وفلة ـ كنايتان عن علم من يعقل ، ويخالفه في أن أصلهما فلان وفلانة فإنه قال :

وأما فل فهو كناية عن علم ولا يستعمل أبدا إلّا في النداء إلّا في ضرورة الشعر كقوله :

٣٤٩٢ ـ في لجّة أمسك فلانا عن فل

وتقول للمؤنث يا فلة ، واختلف فيه النحويون ، فمذهب الفراء أنه مرخم من فلان (٥) ومذهب سيبويه أنه غير مرخم وإنما هو اسم مختص بالنداء (٦) وهو ـ

__________________

(١) من الوافر للحطيئة ـ ديوانه (ص ١٢٠) ، والجمل (٢ / ١٠٦) ، والخزانة (١ / ٤٠٨) ، والمقتضب (٤ / ٢٣٨) ، وابن يعيش (٤ / ٥٧).

(٢) الأشموني (٣ / ١٥٩) ، والهمع (١ / ١٧٨).

(٣) شرح التسهيل (٣ / ٤٢٠).

(٤) انظر باب العلم.

(٥) الأشموني (٣ / ١٥٩) ، والهمع (١ / ١٧٧).

(٦) الكتاب (٢ / ١٩٨).

٤٦٠