شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٧

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٧

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

[ما لا يشترط وما يشترط في صحة العطف]

قال ابن مالك : (لا يشترط في صحّة العطف وقوع المعطوف موقع المعطوف عليه ، ولا تقدير العامل بعد العاطف ، بل يشترط صلاحيّة المعطوف ، أو ما هو بمعناه لمباشرة العامل).

______________________________________________________

ابن عصفور : زيد يقوم لا يقعد ، وهذا رزق الله لا كدك ، والصدق ينبئ عنك لا الوعيد ، فكدك معطوف على الخبر ، والوعيد معطوف على المبتدأ.

ولم يظهر لي أن المعطوف في هذين المثالين جملة. وأما لا يقعد من قولك زيد يقوم لا يقعد فهو من عطف المفردات لا عطف الجمل. ثم قال ابن عصفور :

وزعم بعضهم (١) أن العطف بها بعد الماضي غير جائز. ثم رد هذا القول (٢). ولا شك أن الجمهور على خلافه ، لأن الماضي ورد في الكتاب العزيز منفيّا بلا قال تعالى : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى)(٣) ، وقال : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ)(٤) ومن العطف بها بعد الماضي قول الشاعر :

٣٣٣٤ ـ كأنّ دثارا حلّقت بلبونه

عقاب تنوفى لا عقاب القواعل (٥)

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٦) : يجوز قام زيد وأنا وإن لم يصلح مباشرة قام لأنا لأنه بمعنى التاء المضمومة في قمت وزيد وكذا رأيت زيدا وإياك وإن لم تصلح مباشرة رأيت لإياك لأنه بمعنى الكاف في رأيتك وزيدا.

ويجوز رب رجل وأبيه وإن لم تصلح مباشرة رب لأبيه لأنه بمعنى رب أي رجل ورجل. ويجوز الواهب المائة الهجان وعبدها وإن لم يصلح مباشرة الواهب لعبدها لأنه بمعنى الواهب عبد المائة والمائة. ويجوز أن زيدا وأباه قائمان وإن لم يصلح أن يباشر إن أباه لأنه بمعنى أن أبا زيد وزيدا قائمان ، ويجوز مررت برجل قائم أبواه ـ

__________________

(١) هو أبو القاسم الزجاجي في «معاني الحروف» له واستدل على ذلك بأن «لا» لا ينفي الماضي بها وإذا عطفت بها بعده كانت نافية له في المعنى ـ شرح الجمل (١ / ١٢٩).

(٢) السابق.

(٣) سورة القيامة : ٣١.

(٤) سورة البلد : ١١.

(٥) البيت من الطويل لامرئ القيس ـ ديوانه : (٩٤) والأشموني (٣ / ١١١) ، والتصريح (٢ / ١٥٠) ، والخصائص (٣ / ١٩١) ، والعيني (٤ / ١٥٤) ، والمغني (/ ٢٤٢).

(٦) انظر : شرح التسهيل لابن مالك (٣ / ٣٧١).

٣٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

لا قاعدين وإن لم يصلح وقوع قاعدين موقع قائم ؛ لأنه بمعنى لا قاعد أبواه أو لا قاعدهما ، أو لأنه بمعنى لم يقعدا ويجوز أن زيدا قائم لا عمرا وإن لم يصلح تقديران بعد لا ؛ لأن تقدير العامل بعد العاطف ليس شرطا بل هو ممتنع مع مواضع نحو : اختصم زيد وعمرو ، ومن يأتني ويسلني أعطه ، وعرقت ابني زيد عمرو. فلو كان ما بعد العاطف لا يصلح لمباشرة العامل ولا هو بمعنى ما يصلح لمباشرته أضمر له عامل مدلول عليه بما قبل العاطف وجعل من عطف الجمل نحو قوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(١) و (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ)(٢) ، فـ «زوجك» و «ربك» مرفوعان «بليسكن» «وبليذهب» مضمرين مدلول عليهما ما باسكن واذهب.

والمحوج إلى هذا التقدير أن فعل الأمر لا يرفع إلا ضمير المأمور المخاطب. لكنه وإن لم يكن صالحا لرفع غيره فهو صالح للدلالة على ما يرفعه. ولو كان ما قبل العاطف فعلا مضارعا مفتتحا بالهمزة أو النون لفعل بعده من التقدير والإضمار ما فعل بعد الأمر نحو : (لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ)(٣) فأنت مرفوع بفعل مضمر مدلول عليه بنخلفه ، والتقدير ولا تخلفه أنت لأن نفعل وأفعل لا يرفعان إلا ضميري المتكلم. وكذا لو كان الفعل مفتتحا بتاء الخطاب لعومل ما بعد العاطف الذي بعده بهذه المعاملة نحو : تقوم أنت وزيد. وكذا لو كان مفتتحا بتاء المضارعة الدالة على التأنيث كقوله تعالى : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ)(٤) أي ولا يضار مولود. ولا بد من هذا [٤ / ١٧٠] التقدير لأن الفعل المفتتح بتاء التأنيث لا يرفع إلا مؤنثا. وكل ما استحقه المعطوف من التقدير المذكور مستحق في البدل نحو : ادخلوا أولكم وآخركم فيقدر قبلهما ليدخل ؛ لأن ادخل لا يرفع إلّا ضمير المأمور المخاطب نص على هذا المعنى سيبويه (٥) رحمه‌الله تعالى.

فإن جعل أولكم وآخركم بدلا فهو عامله من إبدال الجمل بعضها من بعض كما يقال في العطف.

__________________

(١) سورة البقرة : ٣٥ ، وسورة الأعراف : ١٩.

(٢) سورة المائدة : ٢٤.

(٣) سورة طه : ٥٨.

(٤) سورة البقرة : ٢٣٣.

(٥) في الكتاب (٣ / ٣٩٨) وما بعدها ، «وكان عيسى يقول : ادخلوا الأول فالأول ؛ لأن معناه :

ليدخل ، فحمله على المعنى وليس بأبعد من : ليبك يزيد ضارع لخصومه ، فإذا قلت : ادخلوا الأول والآخر والصغير والكبير فالرفع لأن معناه معنى كلهم كأنه قال : «ليدخلوا كلهم».

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن المستحق لهذه المعاملة قول الشاعر :

٣٣٣٥ ـ نطوّف ما نطوّف ثمّ نأوي

ذوو الأموال منا والعديم

إلى حفر أسافلهنّ جوف

وأعلاهنّ صفاح مّقيم (١)

فذوو الأموال مرفوع بنأوي مضمرا مدلولا عليه بنأوي ، لأن المضارع ذا النون لا يرفع إلا ضمير المتكلم وإن جعل ذوو الأموال والعديم توكيدا كما جعل على أحد الوجهين الظهر والبطن من قولهم : ضرب زيد الظهر والبطن جاز وكان العامل فيه نأوي كما يكون عاملا في كلنا إذا قيل : نأوي كلنا لأن التوكيد بمنزلة تكرير المؤكد. هذا كلامه رحمه‌الله تعالى.

ونقله الشيخ عنه ولم يدفعه بشيء غير أنه قال : وما ذهب إليه من أنه إذا لم يصلح يعني المعطوف لمباشرة العامل ولا هو بمعنى ما يصلح لمباشرته أضمر له عامل مدلول عليه بما قبل العطف ويجعل من عطف الجمل ـ مخالف لما تظافرت عليه نصوص النحويين والمعربين من أن (وَزَوْجُكَ)(٢) معطوف على الضمير المستكن في (اسْكُنْ)(٣) وكذلك (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ)(٤). انتهى.

فلم ينازع المصنف في اشتراط صلاحية المعطوف أو ما بمعناه لمباشرة العامل وكأنه سلم له ذلك. وإذا كان هذا الاشتراط مسلما وجب الاعتراف بتقدير عامل للمعطوف في الآيات الشريفة والأمثلة التي ذكرها.

وبعد :

فللباحث في هذه المسألة أحد مسلكين :

إما أن يقول : هذا الشرط الذي ذكر غير مسلم ، ويقول : كما لا يشترط صحة وقوع المعطوف موقع المعطوف عليه لا يشترط صلاحية المعطوف لمباشرة العامل.

وإما أن يقول : كما اكتفى في صحة العطف بصلاحية ما هو بمعنى المعطوف للمباشرة هكذا يكتفي فيه بصلاحية المعطوف لمباشرة عامل يعطي معنى ذلك العامل ويؤكد هذا أن عدم صلاحية الاسم الظاهر لمباشرة أمر المخاطب مثلا ليس لأمر يرجع إلى المعنى إنما هو لأمر يرجع إلى الاستعمال فزيد في مثل قولنا : ادخل أنت وزيد إن ـ

__________________

(١) البيت من الوافر لابن مسهر ـ الحماسة (١٢٧٧) ، والمغني (ص ٥٧٩).

(٢ و ٣) سورة البقرة : ٣٥.

(٤) سورة المائدة : ٢٤.

٣٤٣

[العطف على الضمير المتصل ، والعطف على عاملين]

قال ابن مالك : (ويضعف العطف على ضمير الرّفع المتّصل ما لم يفصل بتوكيد أو غيره أو يفصل العاطف بـ «لا». وضمير النّصب المتّصل في العطف عليه كالظّاهر ، ومثله في الحالين الضّميران المنفصلان. وإن عطف على ضمير جرّ اختير إعادة الجارّ ، ولم تلزم وفاقا ليونس والأخفش والكوفيّين ، وأجاز الأخفش العطف على عاملين إن كان أحدهما جارّا واتّصل المعطوف بالعاطف ، أو انفصل بـ «لا» والأصحّ المنع مطلقا ، وما أوهم الجواز فجرّه بحرف مدلول عليه بما قبل العاطف).

______________________________________________________

لم يصلح لمباشرة ادخل فإنه صالح لمباشرة ليدخل الذي هو بمعنى ادخل. فكانت صلاحية المعطوف في مثل ذلك لمباشرة عامل بمعنى العامل المذكور مسوغة لعطفه.

وبهذا الذي قررته في العطف يتقرر الحال في البدل أيضا فلا يحتاج فيه إلى تقدير عامل. وكان الشيخ سلم ذلك في البدل فإنه قال :

الفرق بين البدل والعطف أن البدل على نية تكرار العامل فهو من جملة أخرى ولا يمكن أن يقدر ادخل ، لأن ادخل لا يرفع الظاهر فاضطر إلى تقدير ليدخل ، وأما العطف فليس على تقدير العامل بدليل ، اختصم زيد وعمرو (١). انتهى.

وهذا الذي ذكره إنما يفيد عند القائل بأن العامل في البدل غير العامل في المبدل منه ، والمصنف لا يرى ذلك. وقد تقدم في باب البدل أن العامل في البدل والمبدل منه هو العامل المذكور ، وأنه الصحيح ، وأن ذلك مذهب سيبويه رحمه‌الله تعالى.

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٢) : إن كان المعطوف عليه ضميرا متصلا مرفوعا فالجيد الكثير أن يؤكد قبل العطف بضمير منفصل كقوله تعالى : (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٣) أو بتوكيد إحاطي كقول الشاعر :

٣٣٣٦ ـ دعرتم أجمعون ومن يليكم

برؤيتنا وكنّا الظّافرينا (٤)

__________________

(١) التذييل (٤ / ١٧٣).

(٢) انظر شرح التسهيل (٣ / ٣٧٣).

(٣) سورة الأنبياء : ٥٤.

(٤) البيت من الوافر ـ وانظره في التصريح (٢ / ١٥٠).

٣٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أو يفصل بينه وبين العاطف بمفعول أو غيره كقوله تعالى : (يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ)(١) ويتناول غير المفعول التمييز كقول الشاعر :

٣٣٣٧ ـ ملئت رعبا وقوم كنت راجيهم

لمّا دهمتك من قومي بآساد (٢)

والنداء كقوله :

٣٣٣٨ ـ لقد نلت عبد الله وابنك غاية

من المجد من يظفر بها فاق سؤددا (٣)

ويقوم مقام فصل الضمير من العاطف الفصل بلا بين العاطف والمعطوف كقوله تعالى : (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا)(٤) ولا يمتنع العطف دون فصل كقول بعض العرب : مررت برجل سواء والعدم فعطف العدم دون فصل ودون ضرورة على ضمير الرفع المستتر في سواء ، ومنه قول جرير :

٣٣٣٩ ـ ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه

ما لم يكن وأب له لينالا (٥)

وهذا فعل مختار غير مضطر لتمكن قائله من نصب أب على أن يكون مفعولا معه ، ومثله قول ابن أبي ربيعة :

٣٣٤٠ ـ قلت إذ أقبلت وزهر تهادى

كنعاج الفلا تعسّفن رملا (٦)

فرفع زهرا عطفا على الضمير المستكن في أقبلت مع التمكن من جعله مفعولا [٤ / ١٧١] معه. وأحسن ما يستشهد على هذا بقول عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ «وكنت وجار لي من الأنصار» ، وقول علي ـ رضي الله تعالى عنه ـ : «كنت أسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : قمت وأبو بكر وعمر ، وفعلت وأبو بكر وعمر ، وانطلقت وأبو بكر وعمر» أخرجهما البخاري في صحيحه (٧). ونبهت بقولي : ـ

__________________

(١) سورة الرعد : ٢٣.

(٢) البيت من البسيط ـ الدرر (٢ / ١٩١) ، والهمع (٢ / ١٣٨).

(٣) البيت من الطويل ـ الدرر (٢ / ١٩١) ـ برواية نال بدل فاق ، والهمع (٢ / ١٣٨).

(٤) سورة الأنعام : ١٤٨.

(٥) البيت من الكامل ـ ديوانه : (٣٦٢) ـ التصريح (٢ / ١٥١) ، والدرر (٢ / ١٩١) ، والعيني (٤ / ١٦٠). والمقرب (١ / ٢٣٤) ، والهمع (٢ / ١٣٨).

(٦) البيت من الخفيف لابن أبي ربيعة ـ ديوانه (ص ٤٩٨) ، والأشموني (٣ / ١١٤) ، والخصائص (٢ / ٣٨٦) ، وشرح المفصل (٣ / ٧٤ ، ٧٦) ، والكتاب (١ / ٣٩٠).

(٧) ينظر : البخاري : مناقب أصحاب النبي ، ومناقب عمر (٥ / ١٤) ، والأشموني (٣ / ١١٤)

٣٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وضمير النصب المتصل في العطف عليه كالظاهر على أن ضمير النصب المتصل يعطف عليه الظاهر وضمير النصب المنفصل كما يعطفان على الاسم الظاهر ، فيقال : رأيته وإياك ورأيته وعمرا كما يقال : رأيت زيدا وإياك ورأيت زيدا وعمرا ، وسكت عن عطفه تنبيها على أن حرف العطف لا يليه ضمير النصب بلفظ الاتصال بل بلفظ الانفصال. وفي هذا رد على من زعم أن حرف العطف عامل في المعطوف إذ لو كان عاملا للزم كون ما وليه من ضمائر النصب بلفظ الاتصال كما يلزم ذلك مع أن وأخواتها. والهاء من قولي : ومثله في الحالين عائدة على الظاهر.

والمراد بالحالين حالا عطفه والعطف عليه فنبهت بذلك على أن الضمير المنفصل منصوبا كان أو مرفوعا في عطفه والعطف عليه بمنزلة الظاهر فيقال : رأيت زيدا وإياك ، وإياك وزيدا رأيت ، وصاحباك زيد وأنا ، وأنا وزيد صاحباك ، كما يقال : رأيت زيدا وعمرا ، وزيدا وعمرا رأيت ، وصاحباك زيد وعمرو ، وزيد وعمرو صاحباك.

وإذا كان المعطوف عليه ضمير جر أعيد الجار كقوله تعالى : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ)(١) [و](وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ)(٢) و (يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ)(٣) وإعادته مختارة لا واجبة وفاقا ليونس والأخفش والكوفيين (٤).

وأجاز الفراء في «ما» من قوله تعالى : (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ)(٥) الرفع عطفا على (اللهُ) والجرّ عطفا على (فِيهِنَ)(٦) وأجاز عطف (وَمَنْ لَسْتُمْ)(٧) على (لَكُمْ فِيها مَعايِشَ)(٨).

وللموجبين إعادة الجر حجتان :

إحداهما : أن ضمير الجر شبيه بالتنوين ومعاقب له فلا يعطف عليه كما لا يعطف ـ

__________________

والتصريح (٢ / ١٥١) وشواهد التوضيح (ص ١١٢) والهمع (٢ / ١٣٨ ، ١٣٩).

(١) سورة فصلت : ١١.

(٢) سورة غافر : ٨٠.

(٣) سورة الأنعام : ٦٤.

(٤) ينظر الارتشاف (٢ / ٦٥٨).

(٥) سورة النساء : ١٢٧.

(٦) معاني الفراء (١ / ٢٩٠).

(٧) سورة الحجر : ٢٠.

(٨) معاني الفراء : سورة الحجر ـ الآية السابقة.

٣٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

على التنوين.

الثانية : أن حق المعطوف والمعطوف عليه أن يصلحا لحلول كل واحد منهما محل الآخر ، وضمير الجر غير صالح لحلوله محل ما يعطف عليه فامتنع العطف عليه إلّا مع إعادة الجار.

وفي الحجتين من الضعف ما لا يخفى ؛ لأن شبه ضمير الجر بالتنوين لو منع من العطف عليه بلا إعادة الجار لمنع منه مع الإعادة لأن التنوين لا يعطف عليه بوجه ، ولأنه لو منع من العطف عليه لمنع من توكيده والإبدال منه ، لأن التنوين لا يؤكد ولا يبدل منه وضمير الجر يؤكد ويبدل منه بإجماع. فللعطف أسوة بهما. فقد تبين ضعف الحجة الأولى.

وأما الثانية : فيدل على ضعفها أنه لو كان حلول كلّ واحد من المعطوف والمعطوف عليه شرط في صحة العطف لم يجز : ربّ رجل وأخيه ، ولا أي فتى هيجا أنت وجارها ، ولا كل شاة وسلحتها بدرهم ، ولا الواهب المائة الهجان وعبدها ... وأمثال ذلك كثيرة.

فكما لم يمتنع فيها العطف لا يمتنع في نحو : مررت بك وزيد ، وإذا بطل كون ما تعلقوا به مانعا وجب الاعتراف بصحة الجواز.

ومن مؤيدات الجواز قوله تعالى : (وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(١) فجر المسجد بالعطف على الهاء لا بالعطف على (سَبِيلِ)(٢) لاستلزامه العطف على المصدر قبل تمام صلته لأن المعطوف على (جزء) الصلة داخل في الصلة.

وتوقي هذا المحذور حمل أبا علي الشلوبين على موافقة يونس ، والأخفش ، والكوفيين في هذه المسألة (٣). ومن مؤيدات الجواز قراءة حمزة تسائلون به والأرحام (٤) ، وهي أيضا قراءة ابن عباس ، والحسن ، وأبي رزين (٥) ، ومجاهد ، ـ

__________________

(١) سورة البقرة : ٢١٧.

(٢) سورة البقرة : ٢١٧.

(٣) ينظر الارتشاف (٢ / ٦٥٨).

(٤) سورة النساء : ١ ، وانظر البحر المحيط (٣ / ١٥٧) وما بعدها ، وحجة ابن زنجلة (/ ١٨٨) ، والقراءات السبعة لابن مجاهد (ص ٢٢٦) ، والكشاف (١ / ٣٩٣) ـ بيروت.

(٥) محمد بن عيسى بن إبراهيم التيمي الأصبهاني إمام في القراءات عالم بالعربية له الجامع في القراءات وآخر في رسم القرآن (ت ٢٥٣ ه‍) ـ الأعلام (٧ / ٢١٣) وغاية النهاية (٢ / ٢٢٣).

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وقتادة (١) ، والنخعي (٢) والأعمش ، ويحيى بن ثابت (٣). ومثل هذه القراءة ما روى البخاري في باب الإجارة إلى العصر من قوله عليه الصلاة والسّلام : «إنّما مثلكم واليهود والنّصارى» بالجر (٤) ، وقول بعض العرب ما فيها غيره وفرسه. ومن الشواهد الشعرية ما أنشده سيبويه من قول الشاعر :

٣٣٤١ ـ فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا

فاذهب فما بك والأيّام من عجب (٥)

وأنشد أيضا :

٣٣٤٢ ـ آبك أيّه بي أو مصدّر

من حمر الجلّة جأب حشور (٦)

وأنشد الفراء :

٣٣٤٣ ـ نعلّق في مثل السّواري سيوفنا

وما بينها والكعب غوط نفانف (٧)

وأنشد الفراء أيضا :

٣٣٤٤ ـ هلّا سألت بذي الجماجم عنهم

وأبي نعيم ذي اللواء المحرق (٨)

ومن الشواهد الشعرية قول العباس بن مرداس (٩) رحمه‌الله تعالى : ـ

__________________

(١) ابن دعامة أبو الخطاب السدوسي مفسر حافظ رأس في العربية وكان يرى القدر ت (١١٨ ه‍) إرشاد الأريب (٦ / ٢٠٢) وتذكرة الحفاظ (١ / ١١٥) ، ونكت الهميان (ص ٢٣٠).

(٢) حفص بن غياث الأزدي الكوفي من الفقهاء والمحدثين الثقات له ثلاثة أو أربعة آلاف حديث حدّثها ويذكره الإمامية في رجالهم (ت ١٩٤ ه‍) ، الأعلام (٢ / ٢٩١ ، ٢٩٢) ، وتاريخ بغداد (٨ / ١٨٨) وميزان الاعتدال (١ / ٢٦٦).

(٣) ابن حازم الرفاعي الحسيني المكي ولد ونشأ بالمغرب (ت ٤٦٠) ، الأعلام (٩ / ١٦٩).

(٤) البخاري : كتاب الإجارة (٣٧) ، وباب الإجارة إلى صلاة العصر (٩) ، وشواهد التوضيح (٥٣ ، ١٢٩).

(٥) البيت من البسيط ـ الكتاب (١ / ٣٩٢) والإنصاف (ص ٤٦٤) ، وشرح المفصل (٣ / ٧٨ ، ٧٩) ، والهمع (١ / ١٢٠ ، ٢ / ١٣٩).

(٦) البيت من الرجز ـ الكتاب (١ / ٣٩١) ، وشرح العمدة (٢ / ٦٦٤) واللسان : أوب.

(٧) البيت من الطويل لمسكين الدارمي ـ معاني الفراء (١ / ٢٥٣ ، ٢ / ٨٦) ، والأشموني (٣ / ١١٥) ، والإنصاف (ص ٤٦٥) «وديوانه (ص ٥٣)».

(٨) البيت من الكامل ـ معاني الفراء (٢ / ٨٦) ، والإنصاف (ص ٤٦٦) ، وشرح العمدة (ص ٣٥٨).

(٩) من بني سليم أبو الهيثم أمه الخنساء شاعر مخضرم (ت ١٨ ه‍) الشعر والشعراء (٣٠٠).

٣٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

٣٣٤٥ ـ أكرّ على الكتيبة لا أبالي

أحتفي كان فيها أم سواها (١)

ومنها قول رجل من طيّئ :

٣٣٤٦ ـ إذا بنا بل بنينا أتّقت فئة

صلّت مؤمّنة ممّن يعاديها (٢)

وله أيضا :

٣٣٤٧ ـ بنا أبدا لا غيرنا يدرك المنى

وتكشف غمّاء الخطوب الفوادح (٣)

ومنها قول الآخر :

٣٣٤٨ ـ إذا أوقدوا نارا لحرب عدوّهم

فقد حاب من يصلى بها وسعيرها (٤)

ومنها قول الآخر :

٣٣٤٩ ـ لو كان لي وزهير ثالث وردت

من الحمام عدانا شرّ مورود (٥)

وأجمعوا على منع العطف على عاملين إن لم يكن أحدهما جارّا وكذا إن كان أحدهما جارّا وفصل المعطوف من العاطف عليهما نحو : في الدار زيد والحجرة عمرو والخيل لخالد وسعيد الإبل ، ووهبت لأبيك دينارا وأخيك درهما ، ومررت بعمرو راكبا وعمار ماشيا ، والفصل بلا مغتفر نحو : ما في الدار (زيد) ولا الحجرة عمرو (٦).

والصور الموافقة لما أجاز الأخفش كثيرة. وفي قوله تعالى : (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ [٤ / ١٧٢] مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ٤ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(٧) كفاية.

وقد ذكرت منها في باب حروف الجر جملة ، وبينت أن الوجه في استعمالها أن ـ

__________________

(١) من الوافر ـ الإنصاف (٢٩٦ ، ٤٦٤) ، وشرح الكافية الشافية (٣ / ١٢٥٢).

(٢) في التذييل (٤ / ١٧٥).

(٣) البيت من الطويل ـ شواهد التوضيح (ص ٥٦) ، والعيني (٤ / ١٦٦) ، وشرح الكافية الشافية (٣ / ١٢٥٣).

(٤) البيت من الطويل ـ شرح العمدة (٢ / ٦٦٣) والعيني (٤ / ١٦٦) والكافية الشافية (٣ / ١٢٥٣).

(٥) البيت من البسيط ـ الخصائص (ص ٥٦) ، وشرح العمدة (ص ٣٥٩).

(٦) الارتشاف (٢ / ٨٩٠) ، والهمع (٢ / ١٣٩).

(٧) سورة الجاثية : ٤ ، ٥.

٣٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يجعل الجر بعد العاطف بحرف محذوف مماثل لما تقدم. وحذف ما دل عليه دليل من حروف الجر وغيرها مجمع على جوازه فالجمل عليه أولى من العطف على عاملين فانه مختلف فيه ، والأكثر على منعه وموافقة الأكثر أولى. وأيضا فإن العطف على عاملين بمنزلة تعديتين بمعد واحد فلا يجوز كما لا يجوز ما هو بمنزلته (١). انتهى كلامه رحمه‌الله تعالى.

ولنتبعه بذكر أمور :

منها : أن المغاربة لا يرون العطف على الضمير المرفوع المتصل دون تأكيد ولا فصل ضعيفا كما قال المصنف بل قبيحا. حتى قال ابن عصفور أنه لا يكون إلا في الضرورة (٢).

وفي شرح الشيخ : وقد نص على قبحه سيبويه والخليل (٣). لكن في الشرح المذكور أيضا ، وفي كتاب سيبويه ما يشعر بالجواز. قال سيبويه حين ذكر انفصال بعض الضمائر : وكذلك : كنا وأنتم ذاهبين (٤). قال : إلا أن الشرّاح تأولوا ذلك (٥). انتهى.

وأنت قد عرفت ما استدل به المصنف ويكفي حديث البخاري. ولا شك أن كلام من حفظ حجة على كلام من لم يحفظ على أن الأمر في ذلك قريب. وقد أنشد الشيخ في شرحه شاهدا على ذلك أيضا قول الشاعر :

٣٣٥٠ ـ فلمّا لحقنا والجياد عشيّة

دعوا يا لبكر وانتمينا لعامر (٦)

وقول الآخر :

٣٣٥١ ـ ولمّا توافقنا وقيس بن عاصم

مررن إلى العلياء وأودين بالنّهب (٧)

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل (٣ / ٣٧٨).

(٢) شرح الجمل (١ / ١٣٢).

(٣) التذييل (٤ / ١٧٣) ، والكتاب (١ / ٢٤٧).

(٤) التذييل (٤ / ١٧٣) ، والكتاب (٢ / ٣٥٢) ـ هارون.

(٥) التذييل (٤ / ١٧٣).

(٦) البيت من الطويل ـ التذييل (٤ / ١٧٤) ، والكتاب (٢ / ٣٨٠) ، ـ هارون ، واللسان : عزا ـ برواية واعتزينا.

(٧) البيت من الطويل ـ وهو في التذييل (٤ / ١٧٤).

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وذكر الشيخ هنا فرعا. وهو أنك تقول : رويدك أنت وزيد فلا تعطف على الضمير المستكن في رويدك إلا بعد تأكيده. قال : ولم يعتدوا بالكاف فاصلة لأنها قد تنزلت منزلة الجزء مما قبلها وصارت كنا وأنت من أنا. قال : وإذا كانوا لا يعطفون على تم من قمتم وزيد لاتصاله بما قبله مع أنه المعطوف عليه فأحرى أن لا يعطف مع هذا (١).

ومنها : أن المصنف ذكر في العطف على ضمير الجر مذهبين. جواز ترك إعادة الجار مع المعطوف ووجوب إعادته. فذكر الشيخ مذهبا ثالثا وهو جواز ترك إعادة الجار في الكلام أن أكد الضمير نحو مررت بك أنت وزيد وإن لم يؤكد الضمير فلا يجوز (٢).

قال : وهذا مذهب الجرمي والزيادي (٣). ثم إنك قد عرفت من كلام المصنف أن إعادة الجار مع المعطوف مختارة لا واجبة وأن ذلك مذهب يونس والأخفش والكوفيين.

وقد أطال الشيخ الكلام في المسألة بما نقله عن النحاة (٤) ثم قال : والذي أختاره في المسألة جواز العطف لفساد العلل التي ذكروها ولا يلتفت إليها على تقدير صحتها لمصادمتها النص من لسان العرب. ثم استدل على ذلك بما استدل به المصنف من السماع والقياس على التوكيد منه والبدل ، وأنشد بيتا زائدا على ما أنشده المصنف وهو قول الشاعر :

٣٣٥٢ ـ وقد رام آفاق السّماء فلم يجد

له مصعدا فيها ولا الأرض مقعدا (٥)

ثم إنه ذكر أن لو لا تجر المضمر في مذهب سيبويه (٦) قال : فلو عطفت على مجرورها مظهرا لم يجز لما يلزم من جر لو لا المظهر وهو لا يجوز. قال : وعلى هذا ينبغي أن يفيد العطف على الضمير المجرور بأن يكون الحرف ليس مختصّا ـ

__________________

(١) التذييل (٤ / ١٧٣).

(٢) التذييل (٤ / ١٧٤).

(٣) إبراهيم بن سفيان الزيادي من أحفاد زياد بن أبيه ، أخذ عن الأصمعي ، وعنه أخذ المبرد (ت ٢٤٩ ه‍) أخبار النحويين (ص ٨٨) ، والأعلام (١ / ٣٤) ، والبغية (١ / ٤١٤) ، والنزهة (٢٠٥) وانظر ـ في مذهبهما ـ الهمع (٢ / ١٣٩).

(٤) التذييل (٤ / ١٧٤).

(٥) البيت من الطويل ، وهو في التذييل (٤ / ١٧٥).

(٦) الكتاب (٢ / ٢٧٣).

٣٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

بجر الضمير (١).

ومنها : أنك قد عرفت قول المصنف : وأجمعوا على منع العطف على عاملين إن لم يكن أحدهما جارّا وكذا إن كان أحدهما جارّا وفصل المعطوف من العاطف بغير لا. ويعضد نقل المصنف الإجماع في هذه المسألة ما ذكره الشيخ بهاء الدين بن النحاس ـ رحمه‌الله تعالى ـ وهو أنه في قول ابن الحاجب: وأما الذين أجازوا العطف على عاملين مطلقا (٢) قال:

«ما ذكره ـ يعني ـ ابن الحاجب من جواز العطف على عاملين مطلقا مذهب لم أر أحدا حكاه غيره مع جهدي في الكشف عن هذا المذهب. وكذلك قال شيخه ابن عمرون رحمهما‌الله تعالى» (٣).

لكن الشيخ قال : إن الذي قاله ابن الحاجب ذكره الفارسي في بعض كتبه عن قوم من النحويين ثم إنه أطال الكلام في المسألة (٤). ولكنه أشار في الارتشاف إلى ذكر ما بسطه في الشرح فاقتصرت على إيراده. قال رحمه‌الله تعالى :

«لا يجوز نيابة حرف العطف عن أكثر من عاملين. وتصوير ذلك أن تقول : أن زيدا في البيت على فراش والقصر نطع عمرا. التقدير : وإن في القصر على نطع عمرا. فنابت الواو مناب إن ومناب في ومناب على. ومثل ذلك : جاء من الدار إلى المسجد زيد والحانوت البيت عمرو نابت الواو مناب جاء ومناب من ومناب إلى إذ التقدير : وجاء من الحانوت إلى البيت عمرو. فلو نابت مناب عاملين فمذاهب : أحدها : القول بالجواز مطلقا ، سواء أكان أحد العاملين جارّا أم لم يكن ، فإن لم يكن جارّا نحو : كان آكلا طعامك زيد وتمرا عمرو. أي : وكان آكلا تمرا عمرو. فذكر ابن مالك في شرحه الإجماع على منع ذلك ، وليس بصحيح ، بل ذكر الفارسي في بعض كتبه جواز ذلك مطلقا عن قوم من النحويين ونسب إلى الأخفش. وإن كان أحد العاملين جارّا فقال المهدوي (٥) : إن تأخر المجرور نحو : زيد في الدار وعمرو القصر ـ

__________________

(١) التذييل (٤ / ١٧٥).

(٢) الكافية بشرح الرضي (١ / ٣٢٣) ، وما بعدها.

(٣) التذييل (٤ / ١٧٥).

(٤) التذييل (٤ / ١٧٥) ، وما بعدها.

(٥) أحمد بن عمار المقرئ كان مقدما في القراءات والعربية ، وله تفسير القرآن (ت ٤٤٠ ه‍) ، الأنبا (١٥ / ٩١) ، والبغية (١ / ٣٥١) ، والدر المصون (٣).

٣٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لم يجزه أحد (١). وليس كما ذكر ، بل من أجاز ذلك مطلقا أجاز هذه الصورة. ونص بعضهم على أنه لا بد في العطف على من أن يكون أحدهما جارّا ، وإذا كان أحدهما جارّا وتقدم [٤ / ١٧٣] المجرور والمعطوف فالمشهور عن سيبويه المنع مطلقا (٢). ونقل عنه أبو جعفر النحاس الجواز. وأما الأخفش فعنه في هذه الصورة قولان :

أحدهما : الجواز مطلقا وهو المشهور عنه وهو مذهب الكسائي والفراء والزجاج وتبعهم من أصحابنا أبو جعفر بن مضاء (٣) وأبو بكر بن طلحة (٤).

والقول الثاني : المنع ذكره في كتاب «المسائل» (٥) له وهو مذهب هشام والمبرد وابن السراج (٦).

فعلى المشهور من مذهب الأخفش ومن تبعه يجوز ذلك. وسواء أكان المجرور متقدما في المعطوف عليه نحو : إن في الدار زيدا والحجرة عمرا. أم متأخرا نحو : إن زيد في الدار والحجرة عمرا. وفصل قوم بين أن يتقدم المجرور في المتعاطفين معا فيجوز نحو :

إن في الدار زيدا والقصر عمرا ، أو لا فيمتنع نحو : إن زيدا في الدار والحجرة عمرا (٧) فتحصل في هذه المسألة مذاهب. القول بالجواز مطلقا والقول بالمنع مطلقا والتفصيل بين أن يكون أحد العاملين جارّا فيجوز أو ليس جارّا فيمتنع. وإذا كان جرّا فمذهبان. إن تقدم المجرور والمعطوف جاز وإلا فيمتنع.

والثاني : إن تقدم المجرور في المتعاطفين جاز وإلّا فلا. انتهى.

واعلم أنا لم نستفد من ذلك إلا ذكر خلاف في صور المسألة. والذي ذكره المصنف كاف ؛ لأنه جرى نصّا وتمثيلا على ما قال الشيخ أنه الأصح في كل صورة ـ

__________________

(١) الارتشاف (٢ / ٦٥٩) ، والأشموني (٣ / ١٢٣) ، والتذييل (٤ / ١٧٥).

(٢) الكتاب (١ / ٦٤ / ٦٧) ـ هارون.

(٣) العباس أحمد بن عبد الرحمن اللخمي القرطبي له الرد على النحاة والمشرق في النحو ... (ت ٥٩٢ ه‍) الأعلام (١ / ١٤٢) ، والبغية (ص ١٣٩) ، وجذوة الاقتباس (ص ٧١).

(٤) وينظر الهمع (٢ / ١٣٩).

(٥) والتذييل (٤ / ١٧٥).

(٦) الأصول (٢ / ٥٥) ، والمقتضب (٤ / ١٩٥) ، وابن يعيش (٣ / ٢٧).

(٧) الارتشاف (٢ / ٦٥٩).

٣٥٣

[من أحكام الواو ، والفاء ، وأم ، وأو ....]

قال ابن مالك : فصل : (قد تحذف الواو مع معطوفها ودونه ، وتشاركها في الأوّل الفاء و «أم» ، وفي الثّاني «أو» ويغني عن المعطوف عليه المعطوف بالواو كثيرا وبالفاء قليلا ، ونذر ذلك مع «أو». وقد يقدّم المعطوف بالواو للضّرورة ، وإن صلح لمعطوف ومعطوف عليه مذكور ، بعدهما طابقهما بعد الواو ، وطابق أحدهما بعد «لا» و «أو» و «بل» و «لكن». وجاز الوجهان بعد «الفاء» ، و «ثمّ»).

______________________________________________________

من صور المسألة على أنه قال آخرا : والأصح المنع مطلقا وأن ما أوهم الجواز كان جره بمحذوف مدلول عليه بما قبل العاطف وإذا كان الأصح هو المنع على الإطلاق حصل الاستغناء عن تفاصيل تذكر.

واعلم أن الشيخ قال : في قول المصنف : واتصل المعطوف بالعاطف يحتاج أن يقيده فيقول : واتصل المعطوف المجرور بالعاطف لأن غير المجرور لو اتصل بالعاطف لا يجيزه الأخفش نحو : إن في الدار زيدا وعمرا الحجرة (١).

قال ناظر الجيش : اشتمل كلامه هذا على مسائل أربع :

الأولى :

أن كلّا من أربعة الأحرف أعني الواو والفاء وأم وأو [قد تحذف] لكن الواو قد تحذف مع معطوفها وقد تحذف هي دون معطوفها ، والفاء وأم قد يحذف كل منهما لكن مع معطوفه ، وأو قد تحذف لكن دون معطوفها.

فمن أمثلة حذف الواو مع معطوفها : قوله تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ)(٢) أي تقيكم الحر والبرد ومنه : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ)(٣) أي ولم تعبدني والتعبد : الاستعباد ، ومنه : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ)(٤) أي ومن أنفق من بعده وقاتل. ومنه : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)(٥) أي بين أحد وأحد ، ومثله قول النابغة الذبياني : ـ

__________________

(١) الارتشاف (٢ / ٦٥٩).

(٢) سورة النحل : ٨١.

(٣) سورة الشعراء : ٢٢.

(٤) سورة الحديد : ١٠.

(٥) سورة البقرة : ٢٨٥.

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

٣٣٥٣ ـ فما كان بين الخير لو جاء سالما

أبو حجر إلّا ليال قلائل (١)

أي فما كان بين الخير وبيني إلّا ليال قلائل ، ومنه قول امرئ القيس :

٣٣٥٤ ـ كأنّ الحصى من خلفها وأمامها

إذا نجلته رجلها خذف أعسرا (٢)

ومنه قول الراجز يصف رجلا خشن القدم :

٣٣٥٥ ـ قد سالم الحيّات منه القدما

الأفعوان والشّجاع الشّجعما (٣)

أراد قد سالم الحيات منه القدما والقدم الأفعوان الشجاع الشجعا وذات قرنين. ومن أمثلة حذف الفاء مع معطوفها : قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)(٤) أي فأفطر فعدة من أيام أخر قال المصنف : وقد حذفت الفاء دون المعطوف بها ومعه ومع المعطوف عليه وفي قوله تعالى : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ ٢٨ قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ)(٥) لأن المعنى فذهب فألقاه فقالت : وحذف أكثر من ذلك في قوله تعالى : (فَأَرْسِلُونِ ٤٥ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ)(٦) ؛ لأن المعنى فأرسلوه فأتاه فقال.

وأقول : إن قوله وقد حذفت الفاء دون المعطوف بها ينقض قوله في المتن : وتشاركها في الأول الفاء ؛ لأن الأول إنما هو حذف الواو مع المعطوف. ودلّ هذا منه على أن الفاء لا تشارك الواو في الثاني وهو حذفها دون المعطوف.

ومن أمثلة حذف أم مع معطوفها : قول أبي ذؤيب :

٣٣٥٦ ـ دعاني إليها القلب إنّي لأمرها

سميع فما أدري أرشد طلابها (٧)

__________________

(١) البيت من الطويل ـ ديوانه (ص ٦٢) والأشموني (٣ / ١١٦) والبحر المحيط (٢ / ٣٦٥) والتصريح (٢ / ١٥٣) وشرح العمدة (٦٤٨) والعيني (٤ / ١٦٧) هذا وأبو حجر كنية النعمان بن الحارث الغساني.

(٢) البيت من الطويل لامرئ القيس ـ ديوانه (ص ٦٤) وشرح العمدة (ص ٦٤٨) وشواهد التوضيح (ص ١١٤) ، والعيني (٤ / ١٦٩).

(٣) البيت ينسب للعجاج وغيره ـ الأشموني (٣ / ٦٧) ، والدرر (١ / ١٤٤) والكتاب (١ / ١٤٥) واللسان : شجعم ، والمقتضب (٢ / ٢٣٨).

(٤) سورة البقرة : ١٨٤.

(٥) سورة النمل : ٢٨ ، ٢٩.

(٦) سورة يوسف : ٤٥ ، ٤٦.

(٧) البيت من الطويل ـ ديوانه الهذليين (١ / ٧١) وتأويل مشكل القرآن (ص ١٦٦) والمغني (١٣ ، ٤٣ ، ٦٢٨) والهمع (٢ / ١٣٢).

٣٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أي فما أدرى أرشد طلابها أم غيّ. ومن حذف الواو وبقاء ما عطفت قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تصدّق رجل من ديناره من درهمه من صاع برّه من صاع تمره» (١) أي من ديناره إن كان ذا دنانير ، ومن درهمه إن كان ذا دراهم ، ومن صاع بره إن كان ذا بر ، ومن صاع تمره إن كان ذا تمر. ومنه سماع أبي زيد : أكلت خبزا لحما تمرا أراد خبزا ولحما وتمرا. ومنه قول الشاعر :

٣٣٥٧ ـ كيف أصبحت كيف أمسيت ممّا

يغرس الود في فؤاد الكريم (٢)

أراد قول : كيف أصبحت وكيف أمسيت ، فحذف المضاف والواو.

ومن حذف أو بقاء ما عطفت : قول عمر رضي‌الله‌عنه «صلّى رجل في إزار ورداء في إزار وقميص في إزار وقباء» (٣) أي ليصل رجل في إزار ورداء أو في إزار وقميص أو في إزار وقباء.

وحكى أبو الحسن في المعاني أن العرب تقول : أعطه درهما درهمين ثلاثة بمعنى أو درهمين أو ثلاثة.

وليعلم أن منع ابن جني ، والسهيلي ، وابن الضائع حذف حرف العطف (٤) فيه نظر ؛ لأن هذه [٤ / ١٧٤] الشواهد المذكورة تدفعه.

وقد تأول المانع بعض ما استشهد به على وجه لا يقبل ظاهرا. والحق ما ذكره المصنف ، وكلام ابن عصفور موافق له في إجازة ذلك.

المسألة الثانية :

جواز حذف المعطوف عليه استغناء عنه بالمعطوف ، وذلك مع ثلاثة أحرف : الواو والفاء وأو إلّا أنه مع الواو كثير ، ومع الفاء قليل ، ومع أو نادر.

ومثال ذلك مع الواو قولك لمن قال : ألم تضرب زيدا : بلى وعمرا ، ولمن قال : ـ

__________________

(١) ابن حنبل (٤ / ٣٥٩) ومسلم : زكاة (٧٠) والنسائي : زكاة (٦٤).

(٢) البيت من الخفيف ـ الخصائص (١ / ٢٩٠) ، (٢ / ٢٨٠) ، وديوان المعاني (٢ / ٢٢٥) وشرح العمدة (ص ٣٤٠) والهمع (٢ / ١٤٠).

(٣) البخاري : صلاة (٩) وشواهد التوضيح (ص ٦٢ ، ١٩٨) ، والهمع (٢ / ١٤٠).

(٤) الخصائص (١ / ٢٩٠) ، (٢ / ٢٨٠) ، ونتائج الفكر (٢ / ٢١١) ، وشرح الجمل لابن الضائع (١٥٤ ، ١٥٦).

٣٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ألقيت سعدا : نعم وأخاه ، وقول بعض العرب : وبك أهلا وسهلا لمن قال : مرحبا وأهلا أي : وبك مرحبا وأهلا ، ومنه قول نهشل بن ضمرة (١) :

٣٣٥٨ ـ قبح الإله الفقعسيّ ورهطه

وإذا تأوهت القلاص الضمر

٣٣٥٩ ـ ولحا الإله الفقعسيّ ورهطه

وإذا توقد في النجاة الخزوّر (٢)

أي قبحه الله كل حين وإذا تأوهت القلاص ، ولحاه الله كل حين وإذا توقد في النجاة الخزور ، ومنه والله أعلم قوله تعالى : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ)(٣) أي لو ملكه ولو افتدى به ومثله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي)(٤) أي لترحم ولتصنع على عيني ، ومثل ذلك مع الفاء قوله تعالى : (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً)(٥) وقوله تعالى : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ)(٦) أي : فضرب فانفجرت ، وفضرب فانفلق ، ومثال ذلك مع أو قول أمية الهذلي :

٣٣٦٠ ـ فهل لك أو من والد (لك) قبلنا

يوشّح أولاد العشار ويفضل (٧)

أراد فهل لك من أخ أو من والد. ولابن عصفور في قوله تعالى : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) تقرير عجيب ، وهو أن حرف العطف لم يحذف وإنما حذف المعطوف عليه وحده دون الفاء وحذفت الفاء من المعطوف وأقرت الفاء من المعطوف عليه واتصلت بالمعطوف فأبقى من كلّ ما دلّ على المحذوف (٨).

قال الشيخ : وهذا ليس بشيء ؛ لأن القرآن العزيز ملآن من حذف جمل معطوفة ـ

__________________

(١) الدارمي شاعر مخضرم صحب عليّا في حروبه (ت نحو ٤٥ ه‍) ـ الأعلام (٩ / ٢٥) والجمحي (ص ٤٩٥) والشعر والشعراء ـ بتحقيق شاكر ـ (ص ٦١٩).

(٢) البيت من الكامل ، وهما بنسبتهما ـ في التذييل (٤ / ١٧٨).

(٣) سورة آل عمران : ٩١.

(٤) سورة طه : ٣٩.

(٥) سورة البقرة : ٦٠ ، هذا : وفي الأصل : أن اضرب .... وهو تحريف ، وخلط بين هذه وبين آية الأعراف : ١٦٠ ، والتي فيها (فَانْبَجَسَتْ) بدل (فَانْفَجَرَتْ).

(٦) سورة الشعراء : ٦٣.

(٧) البيت من الطويل ـ شرح السكرى (ص ٥٣٧) ، والأشموني (٣ / ١١٨) ، والدرر (٢ / ١٩٣) والعيني (٤ / ١٨٢) ، والهمع (٢ / ١٤٠).

(٨) شرح الجمل (١ / ٢٥١).

٣٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بالفاء وكثر ذلك في قصة يوسف وقصة سليمان مع الهدهد عليهما الصلاة والسّلام وقد حذف في قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)(١) تقديره «فأفطر» ؛ إذ لا يجوز أن تنوب فاء المعطف مناب فاء الجزاء (٢).

المسألة الثالثة :

أن المعطوف بالواو قد يقدم على المعطوف عليه للضرورة. وقد أنشد المصنف شاهدا على ذلك قول أبي مسافع الأشعري (٣) :

٣٣٦١ ـ إن الغزال الّذي كنتم وحليته

تقنونه لخطوب الدّهر والغير

طافت به عصبة من شرّ قومهم

أهل العلا والنّدى والبيت ذي السّتر (٤)

وقول كثير :

٣٣٦٢ ـ كأنّا على أولاد أحقب لاحها

ورمي السّفى أنفاسها بسهام

جنوب ذوت عنها التّناهي وأنزلت

بها يوم ذبّات السّبيب صيام (٥)

والأصل في الأول : كنتم تقنونه وحليته ، والأصل في الثاني : لاحها جنوب ورمي السفى. ومن الشواهد أيضا قول الآخر :

٣٣٦٣ ـ جمعت وفحشا غيبة ونميمة

ثلاث خصال لست عنها بمرعوي (٦)

أي جمعت غيبة وفحشا ونميمة.

وقول الآخر :

٣٣٦٤ ـ ألا يا نخلة من ذات عرق

عليك ورحمة الله السّلام (٧)

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٤.

(٢) التذييل (٤ / ١٧٩).

(٣) شاعر عرف قبل الإسلام وهجا حسان بن ثابت وأسلم بعد ذلك ـ أسد الغابة (٤ / ٣٥٣) ونسب قريش (ص ٢٩٤).

(٤) البيت من البسيط وهما ـ بنسبتهما ـ في التذييل (٤ / ١٧٩).

(٥) البيت من الطويل ، ديوانه (٢ / ١٠٧١ ، ١٠٧٢) والأشموني (٣ / ١١٨ ، ١١٩) ، والحلل (ص ١٨٩) ، وهما لذي الرمة ديوانه (ص ٦١٠).

(٦) البيت من الطويل ليزيد بن الحكم ـ الأشموني (٢ / ١٣٧) والتصريح (١ / ٣٤٤ ، ٢ / ١٣٧) والدرر (١ / ١٩٠) والهمع (١ / ٢٢٠).

(٧) من الوافر للأحوص ـ ديوانه (ص ١٨٥) والحلل (ص ١٨٩) ، والدرر (١ / ١٤٨) والهمع (١ / ١٧٣).

٣٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أي عليك السّلام ورحمة الله.

وقول الآخر :

٣٣٦٥ ـ وأنت غريم لا أظنّ قضاءه

ولا العنزيّ القارظ الدّهر جائيا (١)

أي لا أظن قضاءه جائيا هو ولا العنزي. وعرف من تقييد المصنف هذا الحكم بالواو أنه لا يجوز تقديم المعطوف بغيرها من أدوات العطف. ولهذا قال ابن عصفور : ولا يجوز تقديم المعطوف على المعطوف عليه إلّا في الواو خاصة (٢). ثم قال : فإن قيل قد جاء التقديم في أو قال الشاعر :

٣٣٦٦ ـ فلست بنازل إلّا ألمّت

برحلي أو خيالتها الكذوب (٣)

يريد إلا ألمت الكذوب أو خيالتها. فالجواب : أن الكذوب صفة لخيالتها.

وقوله : أو خيالتها عطف على الضمير في ألمت. ولم يحتج لتأكيد ؛ لطول الكلام بالمجرور وهو : برحلي. إلا أنه ذكر لجواز تقديم المعطوف بالواو ثلاثة شروط :

أحدها : أن لا يؤدي التقديم إلى وقوع حرف العطف صدرا فلا تقول : وعمرو زيد قائمان.

ثانيها : أن لا يؤدي إلى مباشرة حرف العطف عاملا غير متصرف فلا تقول : إن وعمرا زيدا قائمان.

ثالثها : أن لا يكون المعطوف مخفوضا فلا تقول : مررت وعمرو بزيد (٤).

وفي شرح الشيخ أن مذهب هشام أن الفعل لو كان مما لا يستغنى بفاعل واحد نحو اختصم زيد وعمرو لا يجوز تقديم المعطوف في مثله. وجعله أبو جعفر النحاس مذهب البصريين.

قال الشيخ : فتكون إذ ذاك الشروط خمسة ـ يعني هذا الشرط والثلاثة التي ـ

__________________

(١) البيت من الطويل ـ الأشموني (٣ / ١١٩) والإنصاف (١٩١ ، ٣٩٥) والدرر (٢ / ١٩٥) ، والهمع (٢ / ١٤١). هذا وقد جعله هارون لزهير ولم أجده في ديوانه ـ صادر بيروت (١٣٧٩ ه‍).

(٢) شرح الجمل (١ / ٢٤٥).

(٣) البيت من الوافر لرجل من بحتر ـ الحماسة (ص ٣١٠) والدرر (٢ / ١٩٤) والهمع (٢ / ١٤١).

(٤) شرح الجمل (١ / ٢٤٥).

٣٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ذكرها ابن عصفور والخامس : كون العطف بالواو ـ ثم إن التقديم مع ذلك لا يجوز إلّا في الشعر.

قال الشيخ : هذا مذهب البصريين وهو عندهم في المنصوب أقبح منه في المرفوع لأن الفعل بالمرفوع مرتبط ومذهب الكوفيين جواز ذلك في الشعر وفي الكلام.

وذكر الشيخ أيضا أن هشاما أجاز تقديم المعطوف بالفاء وثم وأو ولا (١).

المسألة الرابعة :

الإشارة إلى حكم ما يذكر بعد التعاطف مما هو صالح لما قبله من ضمير وخبر وغيرهما بالنسبة إلى مطابقته لما تقدمه أو إفراده. وأقسام المسألة ثلاثة : ما يجب فيه المطابقة للمجموع ، وما تجب فيه الواحد ، وما يجوز فيه الأمران كما يستفاد ذلك من متن الكتاب. قال المصنف :

حكم الاسمين المعطوف [٤ / ١٧٥] أحدهما على الآخر بالواو حكم المثنى فلابد في ما تعلق بهما من خبر وضمير وغيرهما من المطابقة كما لا بد منها في ما تعلق بالمثنى فيقال : زيد وعمرو منطلقان ، ومررت بهما ، كما يقال : الرجلان منطلقان ومررت بهما. فان كان العطف بلا أو بأو أو ببل أو بلكن وجب إفراد ما بعده من خبر وغيره ، فيقال : زيد لا عمرو منطلق ، ومررت به ، وكذا يقال بعد أو وبل ولكن.

وإن كان العطف بالفاء أو ثم جاز الإفراد والمطابقة فيقال : زيد فعمرو منطلق ومررت به ، وبشر ثم محمد ذاهب ونظرت إليه ، ويجوز : منطلقان ومررت بهما وذاهبان ونظرت إليهما. وقال ابن عصفور (٢) :

إذا تقدم معطوف ومعطوف عليه وتأخر عنهما ضمير يعود عليهما : فإما أن يكون العطف بالواو أو بالفاء أو بثم أو بحتى أو بغير ذلك من حروف العطف. فإن كان بالواو كان الضمير على حسب ما تقدم نحو زيد وعمرو قاما ، وزيد وعمرو وجعفر خرجوا ، ولا يجوز أن يفرد الضمير فيجعل على حسب الآخر إلا حيث سمع ويكون على الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه نحو قوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ)(٣) التقدير والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه ـ

__________________

(١) التذييل (٤ / ١٧٩).

(٢) شرح الجمل (١ / ١٤٧) تحقيق صاحب أبو جناح.

(٣) سورة التوبة : ٦٢.

٣٦٠