شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٧

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٧

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن معاقبة أو الواو في عطف المصاحب قول الشاعر :

٣٢٨٧ ـ قوم إذا سمعوا الصّريخ رأيتهم

من بين ملجم مهره أو سافع (١)

ومثله قول الآخر :

٣٢٨٨ ـ حتّى خضبت بما تحدّر من دمي

أكناف سرجي أو عنان لجامي (٢)

ومثله أيضا :

٣٢٨٩ ـ فظلت وظلّ أصحابي لديهم

عريض اللّحم نيّ أو نضيج (٣)

فأوفى هذه المواضع بمعنى الواو التي للمصاحبة. ومن أحسن شواهد هذا المعنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اسكن فما عليك إلّا نبيّ أو صديق أو شهيد» (٤) وقول ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ : «كل ما شئت واشرب ما شئت ما أخطأك ثنتان سرف أو مخيلة» (٥).

ومن معاقبة أو الواو في عطف المؤكد قوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً)(٦) ، وقوله تعالى : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً)(٧) ، ومنه قول الشاعر :

٣٢٩٠ ـ حواسر ممّا قد رأت فعيونها

تفيض بماء لا قليل ولا تزر (٨)

وإذا وقع نهي أو نفي قبل أو كانت بمعنى الواو مردفة بلا. فمثال ذلك مع النهي قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً)(٩) ومثال ذلك مع النفي قوله تعالى : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ) إلى : (أَوْ صَدِيقِكُمْ)(١٠) أي : ولا تطع منهم آثما ولا كفورا ، ولا على أنفسكم أن تأكلوا ـ

__________________

(١) البيت من الكامل لحميد بن ثور ـ ديوانه (ص ١١١) ، والأشموني (٣ / ١٠٧) ، والتصريح (٢ / ١٤٦) والمغني (٦٣).

(٢) البيت من الكامل لقطري بن الفجاءة ـ التذييل (٤ / ١٦٦).

(٣) البيت من الوافر ـ التذييل (٤ / ١٦٧).

(٤) البخاري : فضائل أصحاب النبي (٦٢) ، ومناقب عمر بن الخطاب (٦).

(٥) البخاري : اللباس (١) ، والهمع (٢ / ١٣٤).

(٦) سورة المائدة : ٤٨.

(٧) سورة النساء : ١١٢.

(٨) البيت من الطويل ـ شرح العمدة (ص ٦٣٤).

(٩) سورة الإنسان : ٢٤.

(١٠) سورة النور : ٦١.

٣٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

من بيوتكم ولا من بيوت آبائكم (١). هذا آخر كلام المصنف رحمه‌الله تعالى.

ولنتبعه بالتنبيه على أمور :

منها : أنك قد عرفت في أول هذا الباب أن العطف بحتى قليل. ثم إن العطف بها مشروط بأربعة أمور :

الأمران اللذان ذكرهما وهما أن يكون المعطوف بها بعض متبوعه أو كبعضه وأن يكون غاية له في زيادة أو نقص.

والأمران الآخران أن يكون المعطوف بها أيضا مفردا أو أن يكون ظاهر.

أما كون المعطوف بها لا يكون جملة فقد علله ابن أبي الربيع بأن قال :

العطف بها قليل ، واستعمالها حرف ابتداء كثير. (قال : وهذا مما يدل على أنها إذا وقعت بعدها الجملة فليست بحرف عطف ؛ إذ وقوع الجملة بعدها كثير والعطف بها في المفردات وهو أصل العطف قليل (٢).

وقال ابن عصفور : ولا يجوز أن يعطف بها إلّا الأفعال والجمل ؛ لأن المعطوف بها لا يكون إلّا بعضا مما عطف عليه وغاية له ولا يتصور ذلك في الأفعال والجمل (٣). انتهى.

وعلل غيره ذلك بأن الأصل في العاطفة أن تكون جارة نحو قط على أصلها من استعمالها مع الأسماء. وأما كون المعطوف بها لا يكون ضميرا فالظاهر أنه كما امتنع فيها أن تجر المضمر امتنع فيها أن تعطفه ليكون حكمها في البابين واحد.

قال الخضراوي : لا يجوز العطف إلا حيث يجوز الجر ، ولذلك لا يعطف المضمر على المظهر ولا على المضمر. ولا يجوز ضربت القوم إلا إياك ولا قاموا معهم حتى أنت لأن حتى لا تجر المضمر فلا تعطفه.

وأعلم أن تعبير المصنف عن المعطوف بها بالبعضية وشبهها أحسن وأخضر من قول ابن عصفور أن المعطوف بها لا يكون إلا مختلطا بما عطف عليه أو جزءا من ـ

__________________

(١) شرح التسهيل (ص ٥٦٥).

(٢) التذييل (٤ / ١٥٨) وما بعدها.

(٣) في شرح الجمل (١ / ٢٢٨) ـ إشارة إلى ذلك.

٣٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أجزاء أو واحدا من أحاده إن كان المعطوف عليه جمعا نحو قولك : قتلت الجند حتى دوابهم وأكلت السمكة حتى رأسها وضربت القوم حتى زيدا ولو قلت : ضربت زيدا حتى عمرا وضربت الرجلين حتى أفضلهما لم يجز لأن المعطوف بها ليس شيئا من ذلك (١) ومن ثم قال الشيخ : وكان ينبغي للمصنف أن يقيد المتبوع بأن يكون ذا أجزاء أو واحدا من جمع فلو قلت : ضربت الرجلين حتى أفضلهما ـ لم يجز (٢). انتهى.

ومقتضى كلامه هنا أن عدم جواز ضربت الرجلين حتى أفضلهما لا يفهم من عبارة المصنف وهو عجب ، فإن أفضلهما ليس بعض الرجلين فيحتاج إلى التقييد.

ومنها : أن الشيخ قال مشيرا إلى قول المصنف مفيد ذكرها وأنه قيد الغاية بأن يكون ذكرها مفيد تنبيها على أنك لو قلت : أتيتك الأيام حتى يوما لم يجز لأنه لا فائدة فيه ـ فقال الشيخ :

هذا القيد لم يذكره النحويون لأنه لا فائدة في ذكره لأن الشرط أن يكون المعطوف غاية للمعطوف عليه في زيادة أو نقص ، ويوما من المثال المذكور لا يتصف بأنه غاية فضلا عن أن يتصف بقوة أو ضعف أو عظم أو حقارة (٣). انتهى.

وما قاله ظاهر.

ومنها : أنك قد عرفت قول المصنف وإن عطفت على مجرور لزم إعادة الجار ما لم يتعين العطف لكن قال ابن عصفور في شرح الإيضاح : الأحسن أن يعيد الخافض.

والذي قاله المصنف هو الظاهر بل المتعين. وقد نقل الشيخ عن رجلين كبيرين أنهما نصّا على أنه لا بد من إعادة الخافض كما قال المصنف.

ثم إن الشيخ قال في المثال الذي مثّل به المصنف وهو عجبت من القوم حتى ـ

__________________

(١) ينظر في معناه ـ شرح الجمل (١ / ٢٢٨).

(٢) التذييل (٤ / ١٥٧).

(٣) قال في التذييل (٤ / ١٥٨): «وقد وافق المصنف أبو عبد الله الجليس مؤلف الكتاب الثمار ، وابن الخباز الموصلي شارح الدرة فنصّا على أنه إذا عطفت بحتى على مخفوض فلا بد من إعادة الخافض فرقا بينها وبين الجارة.

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

[٤ / ١٥٧] بنيهم إن بنيهم هنا ليس معطوفا بحتى.

قال : لأنهم ليسوا واحدا من جمع إذ ليسوا مندرجين في القوم ولا تنزلوا منزلة جزء.

قال : لأنك لو قلت عجبت من القوم إلا بنيهم لم يصح. فالذي يظهر أن حتى في هذا المثال هي الجارة لا العاطفة.

قال : وكذلك لا يتعين أن تكون عاطفة في البيت الذي أنشده (١). انتهى.

وما قاله الشيخ غير ظاهر ؛ فإن القوم صادق على الآباء والأبناء جميعا. لكن إذا قيل عجبت من القوم فربما يتوهم أن العجب إنما حصل من الآباء دون الأبناء فعطف الأبناء على القوم لتحقيق أن العجب حصل منهم كما حصل من آبائهم. كما أن قولك : قدم الحاج صادق على الحاج بأجمعهم (٢) ، ثم تقول حتى المشاة لتحقيق قدومهم إذ قد يتوهم أنهم لضعفهم ربما تأخر قدومهم كما قد يتوهم أن الأبناء لصغرهم ربما لا يصدر منهم ما يحصل منه عجب وإذا كان القوم صادقا على الآباء والأبناء جميعا كان الأبناء بعضا من القوم وإذا كانوا بعضا صح العطف والاستثناء ، ثم إذا حكم بأن حتى في المثال المذكور جارة كانت بمعنى إلى. وإذا كان كذلك كان المعنى في المثال عجبت من القوم إلى بنيهم وفي البيت فاض في الحق إلى بائس ، وهذا لا يقال ؛ إذ لا معنى لقولنا إلى بنيهم ولا إلى بائس.

ومنها : أن ابن عصفور قال ما ملخصه : والاسم الواقع بعد حتى إذا استوفى الشرط المشروط في عطفه بها فإن دلت قرينة على أنه شريك لما قبله في المعنى لم يجز فيه إلا العطف نحو : ضربت القوم حتى زيدا أيضا بنصب زيد لدلالة أيضا على تكرار الفعل ، وإن دلت قرينة على أنه غير شريك لما قبله في المعنى كانت حتى جارة ولم يجز العطف نحو صمت الأيام حتى يوم الفطر بالخفض وإن لم تكن قرينة تدل على أنه شريك أو غير شريك جاز في حتى أن تكون عاطفة وخافضة. والخفض أحسن لأن العطف بها لغة ضعيفة فتقول : ضربت القوم حتى زيدا بالنصب ـ

__________________

(١) التذييل (٤ / ١٥٨).

(٢) في اللسان (حجج) الحجيج : جماعة الحاج.

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والخفض (١). هذه الأمور المتعلقة بحتى.

أما الأمور المتعلقة بأم فمنها : أن قول المصنف أن أم المتصلة هي المسبوقة بهمزة صالح موضعها لأي يقتضي أن المعتبر هو صلاحية وقوع أي موقع الهمزة خاصة. ولا شك أن أيا إذا أتى بها في مثل هذا الكلام إنما تكون واقعة موقع الهمزة وأم معا لا موقع الهمزة وحدها.

ثم إنه لم يتعرض لذكر همزة التسوية مع أنه ذكرها في غير هذا الكتاب (٢). وكلامه يقتضي أن همزة التسوية) صالحة لوقوع أي موضعها ، ولذا مثل لذلك بقوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)(٣) وذلك غير ظاهر ؛ لأن أيّا إنما تصلح مكان الهمزة وأم إذا كان معنى الاستفهام مرادا.

ولا شك أن معنى الاستفهام في التسوية مفقود ، فافترقت الهمزتان حينئذ. وكلامه في شرح الكافية أبين وأخلص من كلامه هنا. فإنه بعد أن ذكر أن أم المعتمد عليها في العطف هي المتصلة وأنها سميت متصلة لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغني أحدهما عن الآخر.

قال : وشرط ذلك أن يقرن ما يعطف بها عليه بهمزة التسوية أو بهمزة يطلب بها وبأم ما يطلب بأي ، وعلامة ذلك صحة الاستغناء بها عنهما فمن لوازم ذلك كون الناطق بأم المذكورة مدعيا العلم بنسبة الحكم إلى أحد المذكورين دون تعيين (٤) انتهى.

وأفهم قوله : فمن لوازم ذلك كون الناطق بأم المذكورة مدعيا العلم بنسبة الحكم إلى أحد المذكوريين دون تعيين المسألة التي يذكرها النحاة وهي أن :

جواب السائل بالهمزة وأم إنما هو بأحد الشيئين أو الأشياء. وذلك بأن تقول زيد أو تقول عمرو في جواب من قال : أقام زيد أم عمرو أو تقول : زيد أو عمرو أو جعفر في جواب من قال : أقام زيد أم عمرو أم جعفر لأن الغرض أن السائل عالم بالنسبة الواقعة وهي القيام ولكنه لم يتعين عنده من قامت به تلك النسبة فوجب أن يكون الجواب بتعيين من جهل تعينه ، ولا يجاب عن ذلك بنعم أو لا. ـ

__________________

(١) هذا الكلام لابن عصفور من شرح الإيضاح المفقود وله إشارة في المقرب في باب حروف الخفض.

(٢) الكافية الشافية (٣ / ١٢١٢) تحقيق د / عبد المنعم هريدي.

(٣) سورة البقرة : ٦.

(٤) الكافية الشافية (٣ / ١٢١٢).

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وأن السائل بالهمزة وأو إنما سأل عن حصول النسبة لا عمن قامت به. فاذا قال القائل : أقام زيد أو عمرو جاز أن يقال في جوابه نعم أو لا ؛ لأن المعنى أقام أحدهما أو لا ، وكذا إذا قلت أعبد الله عندك أو جعفر جاز أن قال نعم أو لا ، لأن المعنى أأحدهما عندك أو لا ، ويجوز أن يجاب بالتعيين أيضا فيقال في جواب المثال الأول : زيد أو يقال عمرو.

وفي جواب المثال الثاني عبد الله أو جعفر ـ لأن قائل ذلك أتى بالجواب وهو حصول النسبة وزاد بأن غين من قامت به النسبة ثم إن ابن عصفور بعد تقرير أن جواب السائل بالهمزة وأم المتصلة إنما يكون بأحد الشيئين أو الأشياء. قال (١) : فإن قال قائل كيف قال ذو الرمة :

٣٢٩١ ـ تقول عجوز مدرجي متروّحا

على بابها من عند أهلي وغاديا

أذو زوجة بالمصر أم ذو خصومة

أراك لها بالبصرة العام ثاويا

فقلت لها لا إنّ أهلي حيرة

لأكثبة الدّهناء جميعا وما ليا

وما كنت مذ أبصرتني في خصومة

أراجع فيها يا ابنة العمّ قاضيا (٢)

فأجاب أم من قوله : أذو زوجة بالمصر أم ذو خصومة بقوله : لا وهي متصلة ، ألا ترى أنها تقدمتها الهمزة وما بعدها مفرد. فالجواب أن قوله : لا جواب لاعتقادها وذلك أنها لم تسأل بأم المتصلة إلا بعد ما قطعت في ظنها [٤ / ١٥٨] بأنه إما ذو زوجة وإما ذو خصومة فأجابها عن ذلك بلا كأنه قال : لست ذا زوجة ولا ذا خصومة ، ولو كان سؤالها بأم سؤالا صحيحا لم يكن الجواب إلا بأن يقول : ذو زوجة أو ذو خصومة فإن قال قائل فلعل أم هذه منفصلة وتكون ذو خصومة خبر ابتداء مضمر كأنه قيل : أم أنت ذو خصومة فيكون ما بعدها جملة ، ولذلك أجاب بلا (٣).

وكان قد تقدم في كلامه أن أم المنقطعة لا يقع بعدها إلا الجملة ثم أجاب عن ـ

__________________

(١) شرح الجمل (١ / ٢٣٧) وما بعدها.

(٢) البيت من الطويل ـ ديوانه : (٦٥٣ ، ٦٥٤) ، وأمالي الزجاجي (٩٠) ، والخصائص (٣ / ٢٩٥) ، واللسان (وهن) ، ومجالس العلماء (١٩٥) ، والمحتسب (٢ / ٢٦٦) ، والمغني (٤٢).

(٣) شرح الجمل (١ / ٢٣٧ ، ٢٣٨).

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك بأن قال : أم المنفصلة إنما يجاب ما بعدها خاصة لأن ما قبلها مضرب عنه فلا يحتاج إلى جواب وهو ها هنا قد أجاب عن قولها أذو زوجة وعن قولها أم ذو خصومة فنفى أن يكون ذا زوجة بالمصر بقوله : إن أهلي حيرة لأكثبة الدهناء ، ونفى أن يكون ذا خصومة بقوله : وما كنت مذ أبصرتني في خصومة ، فلم يبق إلا أن يكون محمولا على ما ذكرت (١). انتهى كلامه. ويتعلق بالتقرير المتقدم مسألة ذكرها صاحب الإيضاح وهي قول القائل : الحسن أو الحسين أفضل أم ابن الحنفية. فإن الجواب فيها أن يقال أحدهما بهذا اللفظ ، ولا يجوز أن يقال الحسن ولا الحسين لأن السائل لم يسأل عن الأفضل من الحسن وابن الحنفية ولا من الحسين وابن الحنفية. وإنما جعل أحدهما لا بعينه قرينا لابن الحنفية فالمعنى : أأحدهما أفضل أم ابن الحنفية. والجواب ينبغي أن يكون على ما يقتضيه السؤال (٢).

ولما ذكر ابن عصفور هذه المسائل في كلام أبي علي قال :

هذه المسألة وأمثالها من المسائل التي جمع فيها بين أو وأم. ولا ينبغي أن يطلق القول فيها بأن الجواب بذكر أحد الاسمين المعطوف أحدهما على الآخر بأو لا يجوز بل من التفصيل وهو أن يقال : إذا قال السائل : أزيد أو عمرو أفضل أم بكر. فإما أن يكون كل واحد منهما أفضل من بكر أو يكون الذي هو أفضل منه واحدا ، فإن كان الذي هو أفضل منه واحدا فإن الجواب المطابق لسؤاله أن يقول : أحدهما وإن قال زيد أو عمرو كان ذلك جائزا لأنه بمنزلة أن يقول أحدهما أفضل وهو فلان.

وإذا كان بمنزلة ذلك فقد أتى بالجواب وزيادة بيان. وذكر أحد الاسمين لا يخرج الجواب عن أن يفيد الإخبار بأن أحدهما أفضل من بكر وإن كان كل واحد منهما أفضل من بكر لم يجز أن يقال في الجواب زيد أو عمرو ؛ لأن ذلك بمنزلة أن يقول : أحدهما وهو فلان.

وإذا كان كل واحد منهما أفضل من بكر كان القول وهو فلان خطأ ، لأنه يعطي أن الآخر ليس أفضل منه فتعين أن يقال أحدهما لأن الجواب إنما يكون على ما يقتضيه السؤال وإذا كان كل واحد منهما أفضل من بكر فأحدهما أفضل منه بلا شك. ـ

__________________

(١) المصدر السابق (١ / ١٢٨).

(٢) الإيضاح للفارسي (٥٤).

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

قال : والمسألة التي ذكرها أبو علي من هذا القبيل لأن الحسن والحسين رضي‌الله‌عنهما تعالى يفضل كل واحد منهما ابن الحنفية من جهة أمه ـ رضي الله تعالى عنها ـ فلذلك كان الجواب بذكر الحسن أو الحسين خطأ (١). انتهى.

وليعلم أن الاستفهام المشروط مقارنته لأم المتصلة لا يتعين فيه أن يكون استفهاما من حيث المعنى بل يجوز أن يراد به حقيقة معنى الاستفهام وأن لا يراد.

ومن ثم قال ابن عصفور رحمه‌الله تعالى شارحا لقول أبي علي : فأما أم فإنها لا تكون إلا في الاستفهام. قال : يريد أنها لا تكون إلا حيث يستعمل لفظ الاستفهام سواء كان معنى الكلام على الاستفهام أم لا يكون. ولهذا تقول : قد علمت أزيد في الدار أم عمرو وليت شعري أعمرو قائم أم خالد ، وما أبالي أقام زيد أم قعد وسواء على أقمت أم قعدت وإن لم يكن المعنى في شيء من ذلك على الاستفهام. وانما جاز استعمال همزة الاستفهام في هذه المواضع وإن لم يكن المعنى على الاستفهام لشبهها به من حيث كان المعنى فيها على التسوية كما أن الاستفهام كذلك. ألا ترى أنك إذا قلت : علمت أزيد عندك أم عمرو قد (٢) سويت ظن المخاطب في زيد وعمرو لأنه لا يدري أيهما الذي ادعيت العلم بكونه عنده.

وإذا قلت : ليت شعري أعمرو قائم أم خالد فقد استوى عمرو وخالد في ظنك فلم تدر القائم منهما.

وإذا قلت : ما أبالي أقام زيد أم قعد فقد استوى عندك قيام زيد وقعوده وهو أنهما عليك.

وإذا قلت : سواء علي أقمت أم قعدت فقد أخبرت أن قيام المخاطب وقعوده مستويان عليك كما أنك إذا استفهمت فقلت : أزيد عندك أم عمرو فقد استوى زيد وعمرو في ظنك لأنك لا تدري الذي عند المخاطب منهما. انتهى.

ومنها : أن مصحوبي الهمزة وأم المتصلة يختلف. فرن كانت الهمزة للتسوية فلا يكون مصحوبا هما إلا جملتين والجملتان في تأويل مفردين وتكونان فعليتين كقوله ـ

__________________

(١) هذا النص الطويل من شرح الإيضاح المفقود لابن عصفور ولدي منه مصورة لا تتجاوز خمسين ورقة من أول الكتاب (د / علي فاخر) من تركيا.

(٢) كذا في الأصل وهو صحيح إذا كان هو الخبر واعترض بالشرط أو قدم من تأخير وإلا فتجب الفاء.

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)(١) واسميتين كقول الشاعر :

٣٢٩٢ ـ ولست أبالي بعد فقدي مالكا

أموتي ناء أم هو الآن واقع (٢)

ومختلفتين كقوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ)(٣) وإن كانت الهمزة لغير التسوية بأن تكون للاستفهام حقيقة فقد يكون مصحوبا هما اسمين نحو : أزيد عندك أم عمرو ، أو فعلين لفاعل واحد في المعنى نحو : أقام زيد أم قعد ، أو فعلين لفاعلين متباينين كقول الشاعر :

٣٢٩٣ ـ ما أبالي أنبّ بالحزن تيس

أم جفاني بظهر غيب لئيم (٤)

وجملتين ابتدائيتين كقول الشاعر :

٣٢٩٤ ـ لعمرك ما أدري وإن كنت داريا

شعيث ابن سهم أم شعيث ابن منقر (٥)

[٤ / ١٥٩] هذا كلام المصنف في شرح الكافية (٦) أعني من فقد يكون مصحوبا هما اسمين. وقال بعد ذلك مشيرا إلى هذا البيت الآخر :

وفي هذا البيت حجة على وقوع أم المتصلة بين جملتين ابتدائيتين لأن المعنى أي كأنه قال : ما أدري أي الشيئين هو الصحيح (٧). انتهى.

ومقتضى إيراده أن الهمزة في ما أبالي أنب بالحزن تيس ، وفي لعمرك ما أدري وإن كنت داريا .. البيتين ليست للتسوية. ولهذا قال في البيت الثاني إن المعنى معنى أي (٨) وإذا لم تكن للتسوية كانت للاستفهام الحقيقي. وقد تقدم من كلام ابن عصفور أن معنى الكلام بعد ما أبالي على الاستفهام وقرن ذكر ما أبالي أقام زيد أم قعد بذكر سواء على أقمت أم قعدت.

وذكر غيره لا أدري أيضا مع أبالي مسويا بينهما في أن الهمزة الواقعة بعدهما للتسوية.

وعلى هذا يشكل كلام المصنف أعني كلامه في شرح الكافية حيث جعل الهمزة ـ

__________________

(١) سورة البقرة : ٦.

(٢) تقدم ذكره.

(٣) سورة الأعراف : ١٩٣.

(٤) تقدم ذكره.

(٥) الأصل : شعيب بن سهم أم شعيب بن منقر ـ وتقدم هذا البيت.

(٦) شرح الكافية الشافية (٣ / ١٢١٣).

(٧) السابق (٣ / ١٢١٤).

(٨) شرح الكافية الشافية (٣ / ١٢١٣).

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الصالح موضعها لأي قسيمة لهمزة التسوية. أما كلامه في التسهيل وما شرحه به فع ، لأنه جعل الهمزة الصالح موضعها لأي شاملة لكلتا الهمزتين ولا شك أن المسألة تحتاج إلى تحقيق.

ويظهر أن يقال أن ما أبالي يمكن أن يقال لإرادة معنى التسوية بالكلام التي هي فيه بمعنى أن الأمرين المذكورين بعدها مستويان عند المتكلم بها ، ويمكن أن يقال لإرادة عدم المبالاة أي لا أبالي فعلك ، وكذا لا أدري يمكن أن يراد بها استواء الأمرين عند المتكلم بها بمعنى أنهما استويا عنده في عدم العلم ويمكن أن يراد بها عدم الالتفات والمعنى حينئذ يرجع إلى معنى عدم المبالاة وإذا كان كذلك كان من الكلمتين اعتباران فيحسن الاستشهاد بهما بمعنى التسوية (له) وللمعنى الآخر.

وقد يكون مصحوب الهمزة وأم المتصلة جملتين مختلفتين كقوله تعالى : (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ)(١) وذلك إذا جعل (أنتم) فاعلا بفعل قد حذف. ولا شك أن القول بالفاعلية فيه أرجح من القول بابتدائيته.

ومنها : أنك تعلم من قول المصنف : والمنقطعة ما سواها بعد قوله : فالمتصلة المسبوقة بهمزة صالح موضعها لأي أن المنقطعة هي التي سلبت ما ذكره للمتصلة وذلك بأن يكون المتقدم عليها خبرا نحو قوله تعالى : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ٢ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ)(٢) أو غير الهمزة من أدوات الاستفهام نحو : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ)(٣) أو همزة لا يصلح في موضعها أي نحو قوله تعالى : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها)(٤) وقد يعبر عن هذه الهمزة بأن يقال : همزة لا يراد بها الاستفهام فإن الهمزة في قوله تعالى : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ) للإنكار وهو إنكار يراد به النفي وفي قوله تعالى : (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا)(٥) ؛ فإن الهمزة فيه للتقرير. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في كلام المصنف. ـ

__________________

(١) سورة الواقعة : ٥٩.

(٢) سورة السجدة : ٢ ، ٣.

(٣) سورة الرعد : ١٦.

(٤) سورة الأعراف : ١٩٥.

(٥) سورة النور : ٢٠.

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : أنك قد عرفت من كلام المصنف أنها أعني المنقطعة تقتضي إضرابا واستفهاما في الأكثر وأنها قد يجاء بها لمجرد الإضراب فهي للإضراب والاستفهام في قوله تعالى : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) إلى (أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ)(١) وكذا في قوله تعالى : (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ)(٢) ، ومنه قول العرب : إنها لإبل أم شاء.

التقدير بل أهي شاء لكن الاستفهام في الآيتين الشريفتين استفهام إنكار ، وفي أهي شاء استفهام طلب. وهي لمجرد الإضراب في قوله تعالى : (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ)(٣) وقوله تعالى : (أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٤) ، [و](أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ)(٥) وذلك لأن استفهاما لا يباشر استفهاما فامتنع تقديره لذلك. وكذا هي لمجرد الإضراب في قوله تعالى : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ)(٦) ؛ لأن المراد أن يخبر عنهم أنهم اعتقدوا الشركاء وأم هذه مع جواز مباشرتها أدوات الاستفهام لا تباشر همزة الاستفهام لا يقال : قام زيد أم أعمرو قائم.

نبه على ذلك الشيخ في ارتشاف الضرب (٧).

ومنها : أنك قد عرفت أن المصنف جعلها أعني المنقطعة إذا وليها مفرد عاطفة ، والجماعة لا يثبتون لها العطف ومن ثم قال الشيخ : وأصحابنا يقولون إن أم المنقطعة ليست للعطف لا في مفرد ولا في جملة. وقال ابن عصفور : وسميت أم هذه المنفصلة لأن ما بعدها كلام مستأنف منقطع مما قبلها وليست بعاطفة لأن ما بعدها ليس مع ما قبلها كلاما واحدا وحروف العطف ما بعدها مع ما قبلها كلام واحد (٨). انتهى.

وقد عرفت أن المصنف استدل لدعواه بقول العرب أن هناك إبلا أم شاء. فقال الشيخ : إن ثبت هذا عن العرب فلا حجة فيه لاحتمال أن تكون أم متصلة وحذفت الهمزة من أن هناك والتقدير أئن هناك .. ويحتمل إذا لم تقدم الهمزة أن ينتصب شاء على إضمار فعل تقديره أم ترى شاء (٩). انتهى. ـ

__________________

(١) سورة الطور : ٣٥ ـ ٤٣.

(٢) سورة الطور : ٣٩.

(٣) سورة الرعد : ١٦.

(٤) سورة النمل : ٨٤.

(٥) سورة الملك : ٢٠.

(٦) سورة الرعد : ١٦.

(٧) الارتشاف (٢ / ٦٥٤).

(٨) التذييل (٤ / ١٦٣) ، وشرح الجمل (١ / ٢٣٧).

(٩) التذييل (٤ / ١٦٣ ، ١٦٤).

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا شك أن القول بأن أم هنا عاطفة مفيدة ما تفيده بل أسهل من هذا التخريج وهي إذا كانت عاطفة كبل كان ما بعدها مع ما قلبها كلاما واحدا فيندفع تعليل ابن عصفور. ثم إن الشيخ ذكر في شرحه عن النحاة في معنى أم المنقطعة مذاهب.

قال رحمه‌الله تعالى :

اختلف النحويون في أم المنقطعة (١) : فذهب البصريون إلى أنها تقدر ببل والهمزة مطلقا وذهب الكسائي وهشام إلى أنها بمنزلة بل وما بعدها مثل ما قبلها. فإذا قلت : قام زيد أم قام عمرو فالمعنى بل قام عمرو. وإذا قلت : هل قام زيد أم قام عمرو ، فالمعنى بل هل قام عمرو (٢).

وذهب الفراء إلى أن العرب [٤/١٦٠] تجعل أم مكان بل إذا كان في أول الكلام استفهام مستدلا بقول الشاعر:

٣٢٩٥ ـ فو الله ما أدري أسلمى تغوّلت

أم النّوم أم كلّ إليّ حبيب (٣)

قال : يريد بل كل إلى حبيب (٤). وذهب بعض الكوفيين إلى أنها تكون بمعنى بل فقط بعد الاستفهام وبعد الخبر. قال : وقد تكون بمعنى الهمزة إذا لم يتقدمها استفهام (٥) ، وذهب أبو عبيدة إلى أن أم بمعنى ألف الاستفهام. قال : ومنه قوله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ)(٦)) أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ (٧). انتهى.

والحق من هذه المذاهب ما ذكره المصنف وهو أن أم المذكورة تقتضي الإضراب مع الاستفهام وهو الكثير فيها وأنها قد تقتضي الإضراب مجردا عن الاستفهام.

وأما غير هذين المذهبين فلا معول عليه.

ومنها : أنهم قالوا إنما كان الوجه الأحسن أن يتوسط ما وقعت المعادلة من أجله. ـ

__________________

(١) راجع الصبان (٣ / ٩٩) ، والمغني (٤٥) ، والهمع (٢ / ١٣٣).

(٢) ينظر المغني : ٤٤ وما بعدها ، والهمع (٢ / ١٣٣).

(٣) البيت من الطويل ، وفي اللسان : غول : تغول تناكر وتشابه وتلون ، وانظره في التذييل (٤ / ١٦١).

(٤) التذييل (٤ / ١٦٢) والهمع (٢ / ١٣٢).

(٥) بعده في التذييل : وإلى هذا ذهب الهروي في الأزهية.

(٦) غير واضح في الأصل.

(٧) سورة البقرة : ١٠٨. هذا : وانظر التذييل (٤ / ١٦٣) ، والأشموني (٣ / ٩١) ، والهمع (٢ / ١٣٢).

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فيجعل أحد الشيئين يلي الهمزة ويلي الآخر أم لأنهما الأداتان اللتان يستفهم بمجموعهما عما يطلب تعيينه وجعل الذي وقعت المعادلة من أجله يلي المتقدم منهما حتى يكون قد فرغ من ذكره وذكر ما وقعت المعادلة من أجله وحينئذ يعدل بالثاني.

وعبارة سيبويه في هذه المسألة أن قال : أزيد عندك أم عمرو ، وأزيد لقيت أم بشرا بتقديم الاسم أحسن. ولو قلت : ألقيت زيدا أم عمرا كان جائزا حسنا ، أو قلت : أعندك زيد أم عمرو كان كذلك. وقال أيضا : وإن شئت قلت : ما أدري أعندك زيد أم عمرا وكان جائز حسنا كما جاز أزيد عندك أم عمرو. وتقديم الاسمين جميعا مثله وهو مؤخر وإن كان أضعف (١).

أما ما يتعلق بأو فأقول :

إن المصنف ذكر لها سبعة معان وهي الشك ، والتفريق وهو الذي عبر عنه في بقية كتبه بالتقسيم (٢) ، والإبهام ، والتخيير ، والإباحة ، والإضراب ، ومعنى الواو وذكر المغاربة معنى آخر وهو التفصيل (٣). وما عدا الإضراب ومعنى الواو متفق عليه (٤). وكونها للإضراب أو بمعنى الواو منسوب إلى الكوفيين كما سيذكر.

والحق أن المعاني المذكورة إنما تستفاد بقرائن الكلام الذي هي فيه ، وأو إنما هي لأحد الشيئين أو الأشياء.

وقد قال ابن أبي الربيع شارحا لقول أبي علي :

وأو لأحد الشيئين أو الأشياء في الخبر وغيره. وهذا الذي ذكره هو المعنى الذي وضعت له. وقد يصحبها الإبهام والشك والتنويع في الخبر وكذلك يصحبها التخيير والإباحة في الاقتضاء وعني بالتنويع التقسيم لأنه مثل له بقوله : هذه المسألة لا تخلو من كذا أو كذا.

وبعد : فأنا أشير إلى المعاني التي ذكرها المصنف معنى معنى منوطا به ما فيه من بحث وخلاف وأتبع ذلك بالمعنى الذي زاده الجماعة عليه : ـ

__________________

(١) الكتاب (٣ / ١٦٩) وما بعدها.

(٢) ينظر شرح الكافية الشافية (٣ / ١٢٢٠) وما بعدها.

(٣) الهمع (٢ / ١٣٤) وما بعدها.

(٤) السابق.

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أما الشك : فقد تقدم تمثيل المصنف له بقوله تعالى : (قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ)(١) قال ابن عصفور : وكذا إذا دخلت أداة الاستفهام على الفعل فقلت : أقام زيد أو عمرو لأنك إنما تسأل أوقع هذا القيام الذي ادعى أنه فعله أحد الشخصين وشك في فاعله أم لا (٢). هذا كلامه ولم أتحققه ، فإن هذا الكلام إنما يصدر من جاهل بحصول النسبة مستفهم هل حصل قيام من أحد المذكورين أولا بخلاف قولك : قام زيد أو عمرو فإنه جازم بحصول القيام ولكنه شاكّ في من نسب إليه.

وأما التفريق : فقد تقدم أن المراد به التقسيم وأنه يعبر عنه بالتنويع أيضا.

وقد عرفت أن المصنف يرى أن التعبير بالتفريق أولى من التعبير بالتقسيم معللا ذلك بأن استعمال الواو في ما هو تقسيم أجود من استعمال أو. أقول : إن هذا لا يمنع إن يقال ان أو تكون للتقسيم على أن المصنف قد أنشد قول القائل :

٣٢٩٦ ـ فقالوا لنا ثنتان لا بدّ منهما

صدور رماح أشرعت أو سلاسل (٣)

وأو فيه للتقسيم بدليل قوله : ثنتان لا بد منهما ، وقد قال هو في هذا البيت أنه من الجائي بأو كون الواو أولى وهذا منه اعتراف بأن أو للتقسيم.

وأما الإبهام : فقد مثل له المصنف بقوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٤) ومثل غيره بقوله تعالى : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى)(٥) فإنه تعالى يعلم أي ذلك كان.

وجعل ابن عصفور من ذلك قوله تعالى : (أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً)(٦) ولا يظهر في الآية الشريفة ما قاله ، وإنما أو فيها للتقسيم أعني تقسيم الزمان الذي يأتي فيه ما يغير تلك البهجة التي اكتسبتها الأرض بمعنى أن الله تعالى إذا أتى أمره يتغير ذلك إما أن يأتي ليلا وإما أن يأتي نهارا وإذا كان كذلك فمن أين يجيء الإبهام.

وجعل ابن عصفور من الإبهام أيضا قول الشاعر وهو لبيد (٧) : ـ

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٩. (٢) شرح الإيضاح المفقود.

(٣) سبق ذكره. (٤) سورة سبأ : ٢٤.

(٥) سورة النجم : ٩.

(٦) سورة يونس : ٢٤.

(٧) لبيد بن ربيعة أبو عقيل العامري مخضرم عاش في الجاهلية وأسلم لما أدرك الإسلام ، وهو واحد من أصحاب المعلقات وفحول الشعراء ـ (ت ٤١ ه‍) ـ الأعلام (٦ / ١٠٤) ، والسمط (١٣) ، والشعر والشعراء (١ / ٢٧٤).

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

٣٢٩٧ ـ تمنّى ابنتاي أن يعيش أبوهما

وهل أنا إلّا من ربيعة أو مضر (١)

قال : فإنه من مضر وليس من ربيعة إلا أنه أبهم وكأنه قال : وهل أنا إلا من إحدى هاتين القبيلتين فسبيلي أن أفنى كما فنيا. وكان الإبهام أبلغ في ما أراده من تعزية ابنتيه وتسليتهما لما فيه من تكثير المتأسي بهم بل لو زاد في الإبهام فقال : وهل أنا إلا من العرب أو من الناس لكان أبلغ في ما أراده.

وأما الإضراب فقد تقدمت الإشارة (إلى (٢)) أن فيه خلافا ، وتقدم استشهاد المصنف على مجيئها للإضراب بقراءة أبي السمال : (أو كلّما عاهدوا عهدا) وبقول الفراء في قوله تعالى : (إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ)(٣) وبإثبات أبي عليّ لذلك كما نقله عنه ابن برهان في شرح اللمع [٤ / ١٦١].

وقال ابن عصفور في شرح الإيضاح : الإضراب ذكره سيبويه في النفي والنهي إذا أعدت العامل وذلك نحو قولك : لست بشرا أو لست عمرا وما أنت ببشر أو ما أنت بعمرو ولا تضرب زيدا أو لا تضرب عمرا أو في جميع ذلك للإضراب وكأنك قلت : لا بل لست عمرا بل ما أنت بعمرو ولا بل لا تضرب عمرا. وإذا أردت لست واحدا منهما قلت : لست بشرا ولا عمرا أو لست بشرا أو عمرا وما أنت ببشر أو عمرو وكذلك إذا أردت لا تضرب واحدا منهما قلت : لا تضرب زيد ولا عمرا ، ولا تضرب زيدا أو عمرا كما ، قال تعالى جده : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً)(٤) أي لا تطع واحدا منهما.

قال سيبويه «ولو قلت : أو لا تطع كفورا لا نقلب المعنى (٥). يعني إذا أعاد لا تطع يصير إضرابا كأنه ترك النهي عن اتباع الإثم وأضرب عنه ونهي عن طاعة الكفور فقط. قال : وزعم بعض النحويين أنها تكون للإضراب على الإطلاق واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) قالوا : ـ

__________________

(١) البيت من الطويل ـ ديوانه (٢١٣) ، والخزانة (٤ / ٤٢٤) ، والشذور (١٧٠) ، وشرح المفصل (٨ / ٩٩) ، والعقد الفريد (٢ / ٧٨) ، (٣ / ٥٦).

(٢) زيادة لا بد منها ليتم المعنى. وانظر القاموس واللسان : شور.

(٣) سورة الصافات : ١٤٧.

(٤) سورة الإنسان : ٢٤.

(٥) الكتاب (٣ / ١٨٨).

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

معناه بل يزيدون واحتجوا بما روي عن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أنه قال كانوا مائة ألف وبضعة وأربعين ألفا (١) وبقوله تعالى : (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)(٢) ، وبقوله تعالى : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ)(٣) قالوا المعنى بل هو أقرب واستدلوا أيضا بقول الشاعر :

٣٢٩٨ ـ بدت مثل قرن الشّمس في رونق الضّحى

وصورتها أو أنت في العين أملح (٤)

قالوا المعنى بل أنت في العين أملح. قال : وهذا الذي ذهبوا إليه فاسد بدليل أنها لو وقعت في هذه المواضع موقع بل لجاز أن تقع ذلك الموقع في غيرها فكنت تقول : ضربت زيدا أو عمرا ، وما ضربت زيدا أو عمرا على معنى بل ، وذلك مردود عند جميع النحويين.

قال : وأيضا فإن أو في الآي التي استدلوا بها لا يمكن أن تكون بمعنى بل ، لأن بل إذا أريد بالإضراب بها إبطال ما قبلها وإثبات ما بعدها لا تجيء إلا بعد غلط أو نسيان وذلك منفي عن الله تعالى ، وإن جاء الإضراب بها في كتاب الله تعالى على جهة الإبطال لما قبلها والإثبات لما بعدها فإنما يجيء بعد كلام سيق من غيره والخطأ إذ ذاك إنما الحق كلام الأول. قال : فأما (أَوْ يَزِيدُونَ) فأو فيه إما للإبهام على المخاطبين أو للشك وهو مصروف للمخاطبين أيضا.

وأما (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) فأو فيه للشك أي إن من شاهدهم فرأى قله تأثير الزواجر فيهم تردد في تشبيه قلوبهم بالحجارة أو بما هو أشد صلابة منها كالحديد أو للتفصيل فصّل القلوب بعد أن ذكرها مجملة إلى ما يشبه الحجارة وإلى ما يشبه ما هو أشد صلابة منها كالحديد.

وأما (أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) فأو فيه للإباحة وكأنه قيل : إن شبه أمر الساعة بلمح البصر أو أخبر عنه بأنه أقرب من ذلك أو جمع بين التشبيه بلمح البصر والإخبار بأنه أقرب من لمح البصر فذلك كله سائغ. ثم قال : ووجه تشبيه الساعة بلمح البصر ـ

__________________

(١) انظره في التذييل (٤ / ١١٦) وشرح السيرافي على الكتاب (٤ / ٦٤ / أ).

(٢) سورة البقرة : ٧٤.

(٣) سورة النحل : ٧٧.

(٤) البيت من الطويل ـ الإنصاف (٤٧٨) ، والخزانة (٤ / ٤٢٣) ، والخصائص (٢ / ٤٥٨) ، وشرح السيرافي (٤ / ٦٤ / أ) ، ومعاني الفراء (١ / ٧٢).

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن كان ما بيننا وبين الساعة هو أن كل ما يفنى يشبه بما لم يكن لأنه إذا فني بطل حكم وجوده ولذلك يقال : كأنك بالدنيا لم تكن ، وما قبل الساعة من قبيل ما يفنى فصار أمر الساعة لذلك مشبها في القرب بلمح البصر ووجه الإخبار عنه بأنه أقرب من لمح البصر هو أن ما يأتي يشبه بما لم يزل ؛ لأنه إذا أتى بطل حكم عدمه ؛ ولذلك يقال : كأنك بالآخرة لم تزل ، وأمر الساعة من قبيل ما يأتي فجعل كأنه موجود ، وساغ لذلك أن يقال إنه أقرب من لمح البصر.

قال : وأما قول الشاعر :

٣٢٩٩ ـ بدت مثل قرن الشّمس

 ........ البيت

فأو فيه للشك ؛ لأن العرب قد تخرج التشبيه مخرج الشك إشعارا بإفراط الشبه ، ومن ذلك قوله :

٣٣٠٠ ـ فيا ظبية الوعساء بين جلاجل

وبين النّقا أأنت أم أمّ سالم (١)

فعلى هذا يكون قد شكك نفسه هل هي مثل قرن الشمس أو أملح منه في العين ليمكن بذلك شبهها بالشمس (٢). هذا آخر كلام ابن عصفور.

وأقول : إن المصنف لم يدع أن أو للإضراب على الإطلاق. وإنما قال : إنها تكون للإضراب ونقل ذلك عن الفراء وابن برهان وأبي علي وأنشد في شرح الكافية قول جرير يخاطب هشام بن عبد الملك (٣) :

٣٣٠١ ـ ماذا ترى في عيال قد برمت بهم

لم أحص عدّتهم إلّا بعدّاد

كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية

لو لا رجاؤك قد قتّلت أولادي (٤)

__________________

(١) البيت من الطويل ـ ديوان ذي الرمة (٢ / ٧٦٧) ، (٣ / ١٩٩٢) ، والخصائص (٢ / ٤٥٨) ، والكامل (٢ / ٧٧) ، والكتاب (٢ / ١٦٨) ، والمقتضب (١ / ١٦٣) ، وابن يعيش (١ / ٩٤) ، (٩ / ١١٩).

(٢) ينظر شرح الجمل (١ / ٢٣٥ ، ٢٣٦).

(٣) ابن مروان من ملوك الدولة الأموية في الشام بويع بالخلافة بعد وفاة أخيه يزيد سنة (١٠٥ ه‍) وقتل (١٢٠ ه‍) ، الأعلام (٩ / ٨٤ ، ٨٥) ومرآة الجنان (١ / ٢٦١ / ٢٦٣).

(٤) البيت من البسيط ديوانه (ص ١٢٣) والأشموني (٣ / ١٠٦) والدرر (٢ / ١٨١) والمغني (ص ٦٤ ، ٢٧٢) والهمع (٢ / ١٣٤) هذا : ورواية الديوان :

لم تحص عدّتهم ..... البيت

كذلك ـ في شرح الكافية الشافية (٣ / ١٢٢١).

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وابن عصفور قد اعترف بأنها تأتي للإضراب ونقل عن سيبويه ذلك أيضا (١). وحاصل الأمر أن أو إذا لم يكن لها معنى سوى الإضراب ولا مانع يمنع منه حمل الكلام عليه.

وأما التخيير : فقد مثل له المصنف بقوله تعالى : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)(٢) ومن ذلك أيضا قوله تعالى : (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)(٣).

وأما الإباحة : فنحو قولنا : جالس الحسن أو ابن سيرين أو صاحب الفقهاء أو النحاة. وقد مثل لها المصنف كما عرفت بقوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ)(٤) الآية الشريفة ، ومثله قوله تعالى : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ)(٥) إلى آخر الآية الشريفة.

قال ابن عصفور : لأن الأكل من بيوت كل صنف من هذه الأصناف على انفرادها أو مع غيرها جائز.

والذي يظهر : أن أو في هاتين الآيتين الشريفتين للتنويع أي التقسيم ، والإباحة فيهما إنما هي مستفادة من الشرع الشريف. والمقصود إنما هو ذكر الإباحة اللغوية أي التي تستفاد من الكلام [٤ / ١٦٢] ثم قال ابن عصفور :

ومثله قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ)(٦) ؛ لأن الحكم بالتحريم واقع على كل واحد مما سمي وحده ومع غيره. قال : وسئل المزني صاحب الشافعي ـ رضي الله تعالى عنهما ـ عن رجل حلف فقال : «والله لا كلمت لا كوفيّا أو بصريّا» فكلم كوفيّا وبصريّا فقال : ما أراه إلا حانثا. فانتهى إلى بعض أصحاب أبي حنيفة ـ رضي الله تعالى عنه ـ» فقال : أخطأ المزني وحالف الكتاب والسنة. أما الكتاب فقوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ)(٧). وكل ـ

__________________

(١) سبق ذكره.

(٢) سورة المائدة : ٨٩.

(٣) سورة البقرة : ١٩٦.

(٤) سورة النور : ٣١.

(٥) سورة النور : ٦١.

(٦) سورة الأنعام : ١٤٥.

(٧) سورة الأنعام : ١٤٦.

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك مباح خارج بالاستثناء من التحريم. وأما السنة فقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد هممت ألّا أقبل هديّة إلّا من قرشيّ أو من ثقفيّ» (١) والمفهوم من ذلك أن القرشي أو الثقفي كانا جميعا مستثنين. انتهى.

وتمثيله بهذه الآية الشريفة هنا وهي قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) إلى (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ)(٢) وذكره الاستدلال بقوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) إلى (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ)(٣) يدل على أنه جعل معيار كون أو للإباحة أن ما ذكر قبلها وبعدها يجوز أن ينفرد كل عن الآخر إتيانا وتركا ويجوز أن يجتمع إتيانا وتركا أيضا.

لا يظهر كون أو للإباحة في هاتين الآيتين الشريفتين. أما (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) الآية ، فلأن الإباحة المراد بها طلب الفعل لا طلب الترك. وأما الآية الثانية فلأن الإباحة فيها إنما هي الإباحة الشرعية والكلام هنا إنما هو في الإباحة اللغوية.

والظاهر أن أو في الآيتين الشريفتين إنما هي للتنويع.

ففي الآية الأولى لتنويع ما حرم ، وفي الآية الثانية لتنويع ما أبيح لهم أعني للذين هادوا.

ثم إن المصنف قال في شرح الكافية : وأكثر ورود الإباحة في تشبيه نحو : (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)(٤) ، و (كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ)(٥) أو تقدير نحو : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى)(٦) ، و (إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ)(٧) فلو جيء بالواو في مثل هذا لم يختلف المعنى (٨).

وبعد : فقد بقي الكلام على أمرين :

أحدهما : الفرق بين التخيير بأو والإباحة بها. أنه لا يجوز الجمع بين الشيئين في التخيير فلا يجوز أخذ الدرهم والدينار معا لمن قيل له : خذ درهما أو دينارا ، وفي الإباحة يجوز الجمع فيجوز مجالسة الرجلين معا لمن قيل له جالس الحسن أو ابن سيرين.

ومن ثم يقال : التخيير إنما يكون فيما أصله المنع والإباحة إنما تكون فيما ليس ـ

__________________

(١) ينظر : ابن حنبل (١ / ٢٩٥) ، وشرح السيرافي (٤ / ٦٢) أ ، ب.

(٢) سورة الأنعام : ١٤٥.

(٣) سورة الأنعام : ١٤٦.

(٤) سورة البقرة : ٧٤.

(٥) سورة النحل : ٧٧.

(٦) سورة النجم : ٩.

(٧) سورة الصافات : ١٤٧.

(٨) شرح الكافية (٢ / ١٢٢٣ ـ ١٢٢٤) وتقدمت تلك الآيات الشريفة قريبا.

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أصله المنع. وأما قول المصنف في المتن مشيرا إلى أو : وتعاقب الواو في الإباحة كثيرا ، وقوله في الشرح : ومن علامات التي للإباحة استحسان وقوع الواو موقعها. ألا ترى أنه لو قيل : (ولا يبدين زينتهنّ إلّا لبعولتهنّ وآبائهنّ وآباء بعولتهنّ) لم يختلف المعنى ، ومنه جالس الحسن وابن سيرين أي جالس الصنف المبارك الذي منهم الحسن أو ابن سيرين فلو جالسهما معا لم يخالف ما أبيح له ، فغير ظاهر ولا دليل على ما ذكره.

وأما الآية الشريفة : فقد تقدم أن أو فيها للتنويع أي التقسيم. ولا شك أن التقسيم يورد تارة بأو وتارة بالواو. تقول : الكلمة اسم أو فعل أو حرف ولك أن تقول : الكلمة اسم وفعل وحرف. ثم إن الإباحة في الآية الشريفة لم تستفد من الواو وإنما استفيدت من الشريعة المطهرة كما تقدم.

وأما جالس الحسن وابن سيرين فلا يلزم من جواز مجالستهما معا صحة وقوع الواو موقع أو ، لأن مجالستهما إنما جازت لأنها لا مانع منها في الأصل بل مجالسة أهل العلم والدين مطلوبة ومراد القائل دلالة المأمور على الخير بأنه يجالس من هو متصف بصفات حميدة فكأنه قال : جالس هذا الصنف من الناس ، وإنما أتى بأو كي لا يضيق عليه ويلزمه بمجالسة كليهما فقصد تخفيف الحال على المأمور وتيسيره ، فإذا أتى المأمور بما فوق ذلك من النوع المقصود فقد أحسن حيث أتى بالمأمور به وزاد عليه.

أما لو قيل : جالس الحسن وابن سيرين وعطف بالواو لكان أمرا بمجالستهما معا. وقد قال ابن عصفور : فإن قيل : فما الفرق بين أو التي للإباحة وبين الواو إذ يجوز الجمع بين الشيئين كما يجوز مع الواو ، فالجواب أن الفرق بين أو التي للإباحة وبين الواو أنه لو قيل : جالس الحسن وابن سيرين لم يجز له مجالسة أحدهما دون الآخر ، وإذا أتى بأو جاز له أن يجالس أحدهما وأن يجالسهما (١) معا (أو أن يجالسهما وغيرهما ممن هو مثلهما في الفضل).

الأمر الثاني : قال ابن عصفور : إذا نهيت عن المباح فإن النهي يستوجب جميع ما كان مباحا باتفاق من النحويين. فإذا قلت لا تذكر إذا افتخرت عمرا أو زيدا أو خالدا فقد نهيت عن أن يذكروا واحد منهم وحده ومع غيره. وكأنك قلت : ـ

__________________

(١) شرح الجمل (١ / ٢٣٤).

٣٢٠