محمّد محمّد حسن شرّاب
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٠
ليغلب ماء الرجل فيجيء الولد مذكّرا ، فوصف أنها حبلت به وهي عاقدة حبك النطاق. وقيل : المعنى : إنه من الفتيان الذين حملت بهم أمهاتهم وهنّ غير مستعدات للفراش ، فنشأ محمودا مرضيا. وحكى عن بعضهم : إذا أردت أن تنجب المرأة ، فأغضبها عند الجماع ؛ ولذلك يقال في ولد المذعورة : إنه لا يطاق ، قال الشاعر :
تسنّمها غضبى فجاء مسهّدا |
|
وأنفع أولاد الرجال المسهّد |
وليلة مزؤودة : ذات فزع ، فمن نصب مزؤودة ، فإنما أراد المرأة ، ومن خفض أراد الليلة.
والشاهد في البيت الأول : تضمين «حملت» معنى «حبلت» ، فتعدى بحرف الجرّ. [شرح أبيات المغني / ٨ / ٨٢ ، وسيبويه / ١ / ٥٦ ، والانصاف / ٤٨٩ ، وشرح المفصل / ٦ / ٧٤ ، والأشموني / ٢ / ٢٩٩ ، والحماسة / ٨٧].
(٢٤٥) استغن ما أغناك ربّك بالغنى |
|
وإذا تصبك خصاصة فتجمّل |
من قصيدة لعبد قيس بن خفاف ، في المفضليات ، والأصمعيات ، وهو شاعر جاهلي ، واختلط بعض أبيات القصيدة بأبيات قصيدة للحارثة بن بدر الغداني ، في أمالي الشريف المرتضى ، والأخير عاصر النبي عليهالسلام وهو صبيّ ، وليس بصحابي. والبيت شاهد على أن «إذا» لا تجزم إلا في الشعر كما في البيت ، ولكن ابن مالك يرى جواز جزمها في النثر ، وجعل منه قوله عليهالسلام لعلي وفاطمة : «إذا أخذتما مضاجعكما تكبرا أربعا وثلاثين». وابن مالك رحمهالله على حقّ فيما قال ، فهو أول من نبه إلى ضرورة الاستشهاد بالحديث الشريف في النحو ، مع عدم الالتفات إلى من قال : إن الحديث مرويّ بالمعنى ، وجلّ رواته من العجم ، ولا شكّ أن نصوص الحديث الصحيحة ، خير من عشرات الشواهد الشعرية المجهولة القائل. [المفضليات / ٣٨٥ ، والهمع / ٢٠٦ ، وشرح المغني / ٢ / ٢٢٢].
(٢٤٦) يغشون حتى ما تهرّ كلابهم |
|
لا يسألون عن السواد المقبل |
البيت لحسان بن ثابت في مدح الغساسنة ، وذكروه شاهدا على أن «حتى» فيه ابتدائية ، لذلك ارتفع الفعل ؛ لأنها دخلت على جملة ، ولو كانت الجارة ، لانتصب الفعل. [شرح المغني / ٣ / ١٢٤].
(٢٤٧) زعم العواذل أنني في غمرة |
|
صدقوا ولكن غمرتي لا تنجلي |
لم يعرف قائله. وهو شاهد على أن قوله : «صدقوا» ... الخ ، استئناف بياني ، كأنه قيل : هل صدقوا ، فقال : صدقوا ، والغمرة ـ بالفتح ـ الشدّة. [شرح المغني / ٦ / ١٨٠].
(٢٤٨) ذاك الذي وأبيك تعرف مالك |
|
والحقّ يدفع ترّهات الباطل |
قاله جرير من مقطوعة هجا بها يحيى بن عقبة الطهوي ، وكان يروى عليه شعر الفرزدق.
وقوله : ذاك الذي ، ذاك : إشارة للفرزدق ، مبتدأ ، والذي : خبره. وجملة «تعرف مالك» من الفعل والفاعل : صلة «الذي» ، والعائد محذوف ، أي : تعرفه مالك ، وأنّث «تعرف» ؛ لأنه أراد بـ «مالك» : القبيلة.
وقوله : والحقّ يدفع ، يعني : أن الفرزدق في اتصافه بما ذكرته من المناقب الجليلة هو الحق الذي يهشم دفاع الباطل ، وهو مع كونه كذا ، فقد قتلته بهجوي ، فكيف حالكم عندي.
والبيت شاهد على أنّ جملة «وأبيك» القسمية ، اعترض بها بين الموصول وصلته. [شرح أبيات المغني / ٦ / ٢١٤ ، والهمع / ١ / ٨٨ ، والخصائص / ١ / ٣٣٦].
(٢٤٩) ومنهل وردته عن منهل |
|
قفر به الأعطان لم تسهّل |
رجز ينسب إلى عبد الله بن رواحة ، وينسب الجزء الأول للعجاج.
ومنهل : ورب منهل. والأعطان : جمع عطن ـ بفتحتين ـ ، وهو مبرك الإبل حول الحوض.
وقوله : «لم تسهل» يريد : توعرت وصارت فيها الحجارة.
والشاهد : أن «عن» في البيت بمعنى «بعد». [شرح أبيات المغني / ٣ / ٢٩٣].
(٢٥٠) وبدّلت والدهر ذو تبدّل |
|
هيفا دبورا بالصّبا والشّمأل |
من أرجوزة لأبي النجم العجلي. وبدّلت : بالبناء للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير
الريح. والهيف : ريح تهبّ بين الجنوب والدبور ، وهي حارة. والدبور : ريح تهب من ناحية المغرب. والصبا : من المشرق.
وقوله : بالصبا : أي : ذهبت ريح الصّبا والشمأل ، وهبت علينا الهيف والدبور ، فـ «الباء» دخلت على المتروك.
والشاهد أنه فصل بجملة «والدهر ذو تبدّل» بين الفعل ومفعوله ؛ لتسديد الكلام وتوكيده. [شرح أبيات المغني / ٦ / ١٨٥ ، والهمع / ١ / ٢٤٨].
(٢٥١) كلّ امرىء مصبّح في أهله |
|
والموت أدنى من شراك نعله |
رجز للحكيم بن الحارث بن نهيك النهشلي ، شاعر جاهلي ، وتمثل بالرجز أبو بكر ـ رضياللهعنه ـ عند ما أصيب بحمى المدينة أول الهجرة.
وهو شاهد على أن «كل» معناها بحسب ما تضاف إليه. ومعنى «مصبّح» أي : مصاب بالموت صباحا ، أو يقال له وهو مقيم بأهله : صبّحك الله بالخير ، وقد يفجؤه الموت في بقية النهار. والمعنى : إن الموت أقرب إلى الشخص من شراك نعله لرجله. [شرح أبيات المغني / ٤ / ١٩٤].
(٢٥٢) تساور سوّارا إلى المجد والعلا |
|
وفي ذمّتي لئن فعلت ليفعلا |
قالته ليلى الأخيلية في هجائها للنابغة الجعدي. وتساور : تواثب وتغالب. والسّوّار : الطّلاب لمعالي الأمور المتجه بنفسه إليها. عنت به سيدا من أهلها كان النابغة قد عارضه مفاخرا له.
والشاهد : «ليفعلا» ، بالنون الخفيفة المبدلة ألفا. [سيبويه / ٢ / ١٥١ ، والعيني / ١ / ٥٦٩].
(٢٥٣) قروم تسامى عند باب دفاعه |
|
كأن يؤخذ المرء الكريم فيقتلا |
قاله النابغة الجعدي. وصف قوما اجتمعوا لدى باب ملك محجّب ؛ للتخاصم ، وجعل دفاع الحجاب لمن وقفوا وحجبوا شبيها بأن يؤخذ الرجل الكريم ثم يقتل. والقروم : السادة. تسامى ، أي : تتسامى وترتفع ، بمعنى يفخر بعضهم على بعض.
والشاهد : حذف «ما» ضرورة من قوله : «كأن تؤخذ» ، والتقدير «كما أنه». وقيل :
«كأن» هنا الناصبة للمضارع ، بدليل العطف على الفعل بعدها بالنصب في قوله : «فيقتلا». وقيل : «فيقتلا» منصوب بعد «فاء» السببية في الإيجاب. [سيبويه / ١ / ٤٧٠].
(٢٥٤) فقال : امكثي حتى يسار لعلنا |
|
نحجّ معا قالت : أعاما وقابله |
طلب منها الانتظار حتى يوسر فيستطيع الحج ، فأنكرت ذلك وقالت : أأنتظر هذا العام والعام القابل.
والشاهد : في «يسار» إذ عدلت عن «الميسرة». [سيبويه / ٢ / ٣٩ ، وشرح المفصل / ٤ / ٥٥ ، والهمع / ١ / ٢٩ ، واللسان «يسر»].
(٢٥٥) أتتني سليم قضّها بقضيضها |
|
تمسّح حولي بالبقيع سبالها |
قاله الشماخ بن ضرار. وسليم : قبيلة امرأته ، وكان قد ضربها وكسر يدها فشكاه قومها إلى عثمان بن عفان ، فأنكر ما ادعوا ، فأمر كثير بن الصلت أن يستحلفه على منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ففعل ، وسجل ذلك في شعره. ومعنى قضها بقضيضها : منقضا آخرهم على أولهم. والسبال : جمع سبلة ، مقدم اللحية ، وكانوا إذا تأهبوا للكلام ، مسحوا لحاهم ، ولا سيما عند التهديد والوعيد. والبقيع : موضع مقبرة المدينة النبوية.
والشاهد : نصب «قضّها» على الحال مع أنه معرفة ؛ لأنه مصدر منبىء عن فعل. [سيبويه / ١ / ١٨٨ ، واللسان «قضض» ، والخزانة / ٣ / ١٩٤].
(٢٥٦) كذبتك عينك أم رأيت بواسط |
|
غلس الظلام من الرّباب خيالا |
قاله الأخطل. كذبتك عينك : خيّل إليك. ثم رجع عن ذلك ، فقال : أم رأيت بواسط ، وواسط : مكان بين البصرة والكوفة.
والشاهد : إتيانه بـ «أم» منقطعة بعد الخبر ، ويجوز أن تحذف «ألف» الاستفهام ضرورة ؛ لدلالة «أم» عليها ، والتقدير : أكذبتك عينك أم رأيت. [سيبويه / ١ / ٤٨٤ ، وشرح أبيات المغني / ١ / ٢٣٥].
(٢٥٧) إنّ لكم أصل البلاد وفرعها |
|
فالخير فيكم ثابتا مبذولا |
غير معروف.
والشاهد : نصب «ثابت» على الحالية ، والجار والمجرور هو خبر «الخير» ، ولو رفع «ثابت» على الخبرية ، لجاز. [سيبويه / ١ / ٢٦٢].
(٢٥٨) إنّ محلّا وإنّ مرتحلا |
|
وإنّ في السّفر ما مضى مهلا |
قاله الأعشى ، أي : إنّ لنا محلا في الدنيا ، أي : حلولا ، وإن لنا مرتحلا ، أي : ارتحالا عنها إلى غيرها ، وهو الموت أو الآخرة. والسّفر : المسافرون ، أي : من رحلوا عن الدنيا. والمهل : الإبطاء. والمراد : عدم الرجوع. يقول : في رحيل هؤلاء إبطاء وعدم عودة.
والشاهد : حذف خبر «إنّ» لقرينة علم السامع في : «إنّ محلا وإنّ مرتحلا». [سيبويه / ١ / ٢٨٤ ، والخصائص / ٢ / ٢٧٣ ، وشرح المفصل / ١ / ١٠٣ ، وشرح أبيات المغني / ٢ / ١٦١].
(٢٥٩) على أنني بعد ما قد مضى |
|
ثلاثون للهجر حولا كميلا |
يذكّرنيك حنين العجول |
|
ونوح الحمامة تدعو هديلا |
البيتان للعباس بن مرداس .. والعجول : كصبور ، الواله التي فقدت ولدها ؛ لعجلتها في ذهابها وجيئتها جزعا ، تقال للنساء وللإبل كما هنا. والهديل : صوت الحمامة. يقول : إذا حنت واله من الإبل ، أو ناحت حمامة ، رقّت نفسي فكنت منك على تذكار.
والشاهد في البيت الأول : وهو الفصل بين «ثلاثين» و «حولا» بالمجرور ضرورة. وهذا تقوية لجواز الفصل بين «كم» وتمييزها عوضا لما منعته من التصرف في الكلام بالتقديم والتأخير ، فهي واجبة التقديم أما «الثلاثون» ونحوها ، فلما لها من التصرف بالتقديم والتأخير وفقدان الصدارة ، وجب اتصال التمييز بها إلا في الضرورة. [سيبويه / ١ / ٢٩٢ ، والإنصاف / ٣٠٨ ، وشرح المفصل / ٤ / ١٣٠ ، وشرح أبيات المغني / ٧ / ٢٠٣].
(٢٦٠) ألام على لوّ ولو كنت عالما |
|
بأذناب لوّ لم تفتني أوائله |
قاله أبو زبيد. و «أذناب لو» ، يعني : أواخرها وعواقبها. يقول : إني ألام على التمنّي فأتركه لذلك ، مع أن كثيرا من الأماني ما يصدق ، فلو أيقنت بصدق ما أتمناه ، لأخذت في أوائله ، وتعلقت بأسبابه.
والشاهد : تضعيف «لو» حين جعلت اسما ، وذكر «لو» حملا على معنى الحرف. [سيبويه / ٢ / ٣٣ ، وشرح المفصل / ٦ / ٣١ ، والهمع / ١ / ٥].
(٢٦١) فيا لك من دار تحمّل أهلها |
|
أيادي سبا بعدي وطال احتيالها |
قاله ذو الرّمة. تحمل أهلها : ارتحلوا. والمراد ارتحلوا متفرقين في كل وجه. طال احتيالها : طال مرور الأحوال والسنين عليها فتغيرت.
والشاهد : «أيادي سبا» حيث أضاف «أيادي» إلى «سبا» ونونها كما يقال في معد يكرب ، وكان حق «الياء» أن تكون مفتوحة ، لكنهم سكنوها استخفافا كما سكنت ياء «معد يكرب» والأكثر في هذا التركيب ، أن يكون مركبا كالأعداد المركبة ، ويعرب حالا.
[سيبويه / ٢ / ٥٤ ، واللسان «يدي ، وحول»].
(٢٦٢) في فتية كسيوف الهند قد علموا |
|
أن هالك كلّ من يحفى وينتعل |
قاله الأعشى ، يذكر نداماه ويشبههم بسيوف الهند في مضائها ، وأنهم يبادرون اللذات قبل أن يحين الأجل الذي يدرك كل الناس.
والشاهد : إضمار اسم «أن» المخففة ، والتقدير : أنه هالك. [سيبويه / ١ / ٢٨٢ ، والخصائص / ٢ / ٤٤١ ، والإنصاف / ١٩٩ ، وشرح المفصل / ٨ / ٧٤].
(٢٦٣) أأن رأت رجلا أعشى أضرّ به |
|
ريب المنون ودهر مفسد خبل |
قاله الأعشى. وريب المنون : صرفه وما يريب منه. والمنون : الدهر. والخبل : الشديد الفساد. والشاهد : حذف الجار قبل «أن» أي : ألأن.
[سيبويه ١ / ٤٧٦ ، والإنصاف / ٣٢٧ ، وشرح المفصل / ٣ / ٨٣].
(٢٦٤) وما صرفتك حتى قلت معلنة |
|
لا ناقة لي في هذا ولا جمل |
قاله الراعي النميري. وعجز البيت مثل يضرب عند التبرّي من الأمر ، والتخلي عنه.
والشاهد : رفع ما بعد «لا» على الابتداء والخبر ؛ وذلك لتكرارها ، ولو نصب على الإعمال ، لجاز والرفع أكثر ؛ لأن ذلك جواب لمن قال : ألك في هذا ناقة أو جمل ، فقلت : لا ناقة لي في هذا ولا جمل ، فجرى ما بعد «لا» في الجواب مجراه في السؤال.
[سيبويه / ١ / ٣٥٤ ، وشرح المفصل / ٢ / ١١١ ، والأشموني / ٢ / ١١].
(٢٦٥) أمّلت خيرك هل تأتي قواعده |
|
فاليوم قصّر عن تلقائك الأمل |
البيت للراعي. يقول : كنت آمل من خيرك ، وأترقب في لهفة ما هو أقلّ مما حصلت عليه الآن عند لقائك ، فقد أعطيتني فوق ما كنت آمل.
والشاهد : في «تلقائك» بالكسر ، بمعنى اللقيان. والمطرد في المصادر إذا بنيت للمبالغة بزيادة «التاء» أن تأتي على تفعال بفتح التاء ، نحو : التقتال ، والتضراب ، إلا التلقاء والتبيان فإنهما شذا ، فأتيا بالكسر تشبيها لهما بالأسماء غير المصادر نحو : التمساح ، والتّقصار ، وهو القلادة. [سيبويه / ٢ / ٢٤٥].
(٢٦٦) كم نالني منهم فضلا على عدم |
|
إذ لا أكاد من الإقتار أحتمل |
قاله القطامي.
والشاهد : نصب «فضلا» على التمييز ، حين فصل بينها وبين «كم» الخبرية بفاصل. [سيبويه / ١ / ١٩٥ ، والإنصاف / ٣٠٥ ، وشرح المفصل / ٤ / ١٢٩ ، والهمع / ١ / ٢٥٥ ، والأشموني / ٤ / ٨٢].
(٢٦٧) إذ هي أحوى من الرّبعيّ حاجبه |
|
والعين بالإثمد الحاريّ مكحول |
قاله طفيل الغنويّ. أحوى : يعني ظبيا أحوى ، أراد من ذلك الجنس ، وما نتج في الربيع أحسن ذاك وأفضله ، وهو الذي في لونه سفعة ، شبه صاحبته بها. والرّبعي : ما نتج في الربيع. والعين ، أي : وعينه. فـ «أل» : بدل من الضمير. والحاريّ : المنسوب إلى الحيرة على غير قياس.
والشاهد : تذكير «مكحول» ، وهو خبر عن «العين» المؤنثة ضرورة ؛ لأن العين بمعنى الطرف ، وهو مذكر. [سيبويه / ١ / ٢٤٠ ، والإنصاف / ٧٧٥ ، وشرح المفصل / ١٠ / ١٨].
(٢٦٨) ولا تشتم المولى وتبلغ أذاته |
|
فإنك إن تفعل تسفّه وتجهل |
قاله جرير. والمولى هنا : ابن العم. والأذاة : الأذى. وسفهه : نسبه إلى السفه ، وهو الجهل وخفة الحلم.
والشاهد : جزم «تبلغ» ؛ لأنه داخل في النهي. [سيبويه / ١ / ٤٢٥ ، وشرح المفصل / ٧ / ٣٣].
(٢٦٩) ومالكم والفرط لا تقربونه |
|
وقد خلته أدنى مردّ لعاقل |
منسوب إلى عبد مناف بن ربع الهذلي. والفرط : طريق بتهامة. يقول : قد عجزتم أن تقربوا هذا المكان ، ولو قربتموه ، لمنعتكم منه وقتلتكم. وخلته : علمته. والعاقل : المتحصّن في المعقل ، يعني أنّ هذا المكان يرد عن المتحصن فيه أعداءه.
والشاهد : نصب «الفرط» ، والتقدير : مالكم وقربكم الفرط ، أو وملابستكم الفرط. [سيبويه / ١ / ١٥٥ ، ومعجم البلدان «الفرط»].
(٢٧٠) فمالك والتّلدّد حول نجد |
|
وقد غصّت تهامة بالرّجال |
قاله مسكين الدارمي. والتلدد : الذهاب والمجيء حيرة. غصت : تملأت. يقول : مالك تقيم بنجد ، وتتردد فيها مع جدبها وتترك تهامة وقد غصت بمن فيها ؛ لخصبها وطيبها.
والشاهد : نصب «التلدد» بتقدير الملابسة. [سيبويه / ١ / ١٥٥ ، والأشموني / ٢ / ١٢٦ ،
(٢٧١) أراني ـ ولا كفران لله ـ إنّما |
|
أواخي من الأقوام كلّ بخيل |
قاله كثير عزّة. والكفران : جحود النعمة. جعل تعلقه بالنساء خاصة وهنّ موسومات بالبخل على الرجال ، حكما عاما في مواخاته لكل بخيل مبالغة ، كأنه لا يواخي غيرهن.
والشاهد : كسر «إنما» ، لوقوعها موقع الجملة النائبة عن المفعول الثاني. [سيبويه / ١ / ٤٦٦ ، والخصائص / ١ / ٣٣٨ ، وشرح المفصل / ٨ / ٥٥ ، والهمع / ١ / ٢٤٧].
(٢٧٢) وما أنا للشيء الذي ليس نافعي |
|
ويغضب منه صاحبي بقؤول |
قاله كعب الغنوي. وتقديره : وما أنا بقؤول للشيء غير النافع ، ولأن يغضب منه صاحبي ، أي : لست بقؤول لما يؤدي إلى غضبه ؛ لأنه لا يقول الغضب ، وإنما يقول ما يؤدي إلى الغضب. ويجوز : «ويغضب» عطفا على صلة الذي ، وهو أظهر وأحسن.
فالنصب في : «ويغضب» بإضمار «أن» بعد الحرف العاطف. [سيبويه / ١ / ٤٢٦ ، وشرح المفصل / ٧ / ٣٦ ، والأصمعيات / ٧٦].
(٢٧٣) لما تمكّن دنياهم أطاعهم |
|
في أيّ نحو يميلوا دينه يمل |
قاله عبد الله بن همّام السّلولي ، يصف رجلا اتّصل بالسلاطين ، فأضاع دينه في اتباع أمرهم ولزوم طاعتهم. وتمكن دنياهم ، أي : من دنياهم. فحذف حرف الجرّ ووصل. ويجوز أن تكون «دنياهم» فاعلا لـ «تمكن» ، وذكّر الفعل لجعل الدنيا في معنى الزمان والحال.
والشاهد : دخول حرف الجرّ على «أيّ» ـ وهي للجزاء ـ لم يغيرها عن عملها. [سيبويه / ١ / ٤٤٢ ، والأشموني / ٤ / ١٠ ، واللسان «مكن»].
(٢٧٤) ثلاثة أنفس وثلاث ذود |
|
لقد جار الزمان على عيالي |
قاله الحطيئة ، يأسى على ثلاث ذود له ، أي : نوق كان يتقوت بألبانها ويقوم بها على عياله ، فضلت عنه فقال هذا. والذّود : اسم واحد مؤنث منقول من المصدر يقع على الجمع ، فيضاف العدد إليه كما يضاف إلى الجموع.
والشاهد : «في ثلاثة أنفس» ، حيث أنث «الثلاثة» مع أن النفس مؤنثة ، وذلك لأنه حملها على معنى الشخص المذكر. [سيبويه / ٢ / ١٧٥ ، والإنصاف / ١٠ / ٧٧ ، والهمع / ١ / ٢٥٣ ، والأشموني / ٤ / ٦٣].
(٢٧٥) وأنت مكانك من وائل |
|
مكان القراد من است الجمل |
قاله الأخطل. وائل : قبيلة كعب بن جعيل التغلبي ، الذي يهجوه الأخطل. والقراد : دويبة تعض الإبل. جعل مكانه من وائل شبيها بمكان القراد في است الجمل في الخسة والدناءة.
والشاهد فيه : رفع «مكان» الثاني ؛ لأنه خبر عن الأول لا ظرف له. ولو جعل الآخر ظرفا ، جاز ، ولكن الشاعر رفع ؛ لأنه أراد أن يشبه مكانه بذلك المكان. [الخزانة / ١ / ٤٦٠ ، و ٣ / ٥٠ ، والمقتضب / ٤ / ٣٥٠ ، والمؤتلف / ٨٤].
(٢٧٦) أنصب للمنية تعتريهم |
|
رجالي أم هم درج السيول |
قاله ابن هرمة. يقول باكيا على قومه ؛ لكثرة من فقد منهم. والنصب : بالضم ، أي : الشيء المنصوب. وتعتريهم : تغشاهم. ودرج السيول : الموضع الذي ينحدر فيه السيل إلى آخره حتى يستقرّ. والمعنى : كأنهم كانوا في ممرّ السيل فاجترفهم.
والشاهد : نصب «درج السيول» على الظرف. وزعم يونس أن أناسا يقولون : «هم درج السيول» ، بالرفع. [سيبويه / ١ / ٢٠٦ ، والخزانة / ١ / ٤٢٤].
(٢٧٧) إني بحبلك واصل حبلي |
|
وبريش نبلك رائش نبلي |
قاله امرؤ القيس. وراش السهم : ركّب فيه الريش ، والنبل : السهام ، لا واحد له من لفظه. يقول لها : أمري من أمرك وهواي من هواك ، وهذان مثلان ضربهما للمودة والمواصلة.
وشاهده : تنوين «واصل» ، و «رائش» ، ونصب ما بعدهما تشبيها بالفعل المضارع ؛ لأنهما في معناه ومن لفظه ، فجريا مجراه في العمل ، كما جرى مجراهما في الإعراب. [سيبويه / ١ / ٨٣].
(٢٧٨) إنّي انصببت من السماء عليكم |
|
حتى اختطفتك يا فرزدق من عل |
قاله جرير ، يهجو الفرزدق. ومعناه : أخذتك أخذ مقتدر ظاهر عليك. يريد : غلبته إيّاه في الشعر.
والشاهد : أن «عل» بمعنى «فوق». [سيبويه / ٢ / ٣٠٩].
(٢٧٩) ما إن يمسّ الأرض إلا منكب |
|
منه وحرف السّاق طيّ المحمل |
قاله أبو كبير الهذلي. ما إن ، إن : زائدة لتوكيد النفي. نعت رجلا بالضمر ، فشبهه في طيّ كشحه وإرهاف خلقه بالمحمل ، وهو حمالة السيف ، ويقول : إنه إذا اضطجع ، لم يمس الأرض إلا منكبه وحرف ساقه ؛ لأنه خميص البطن فلا ينال بطنه الأرض. والمنكب : مجتمع رأس العضد والكتف.
والشاهد فيه : نصب «طيّ المحمل» بإضمار فعل دلّ عليه قوله : ما إن يمس الأرض إلا منكب منه وحرف الساق ؛ لأن هذا القول يدل على أنه طوي طيّا. [سيبويه / ١ / ١٨٠ ، والإنصاف / ٢٣٠ ، والأشموني / ١ / ١٢١ ، والخصائص / ٢ / ٣٠٩].
(٢٨٠) الحرب أول ما تكون فتيّة |
|
تسعى ببزّتها لكلّ جهول |
قاله عمرو بن معد يكرب. وفتيّة : بضم الفاء ، تصغير فتاة ، أي : تبدأ صغيرة ثم تذكو ويشتد ضرامها. والبزة : بالكسر : اللباس ، يعني : أن الحرب تغرّ من لم يجربها حتى يدخل فيها فتهلكه.
والشاهد : رفع «أول» ونصب «فتيّة» والعكس ، ورفعهما جميعا ، ونصبهما على تقديرات مختلفة : فتقدير الأول : الحرب أول أحوالها إذا كانت فتيّة ، فـ «فتيّة» فيه حال ناب مناب الخبر للمبتدأ الثاني. وتقدير الثاني : الحرب في أول أحوالها فتيّة ، فـ «أول» نصب على الظرفية. [سيبويه / ١ / ٢٠٠ ، والحماسة / ٢٥٢ ، ٣٦٨].
(٢٨١) ويأوي إلى نسوة عطّل |
|
وشعث مراضيع مثل السّعالي |
قاله أمية بن أبي عائذ الهذلي. وصف صائدا يسعى لعياله ، فيعزب عن نسائه في طلب الوحش ، ثم يأوي إليهنّ. والسعالي : جمع سعلاة ، وهي الغول ، تشبه فيها المرأة القبيحة الوجه.
والشاهد : عطف «شعث» على «عطّل» بـ «الواو» لا «الفاء» ؛ لأن «الفاء» تفيد التفرقة ورواه سيبويه أيضا بالنصب «شعثا» على أنه منصوب على الترحم.
والبيت من قصيدة عدتها ستة وسبعون بيتا ، مطلعها الشاهد التالي ، وأمية ، شاعر اسلامي مخضرم. وفي الأغاني ، أنه أموي ، وفد على عبد العزيز بن مروان بمصر ، وطال مقامه عنده ، وكان يأنس به ، فتشوق إلى البادية وإلى أهله ، فأذن له ووصله. فدلّ بفعله هذا ، على أنه شاعر أصيل ؛ حيث فضل أهله وباديته على ترف الحاضرة ، وأعطى مثلا لحبّ الوطن ، ولو كان بادية.
[سيبويه / ١ / ١٩٩ ، ٢٥٠ ، وشرح المفصل / ٢ / ١٨ ، والأشموني / ٣ / ٦٩ ، والخزانة / ٢ / ٤٢٦].
(٢٨٢) ألا يا لقوم لطيف الخيال |
|
أرّق من نازح ذي دلال |
قاله أمية بن أبي عائذ الهذلي. والطيف : ما يطيف بالإنسان في نومه من خيال من يهوى. ونازح : بعيد. والدلال : الجرأة في غنج ، والبيت مطلع القصيدة.
والشاهد فيه : فتح «اللام» الأولى وكسر الثانية فرقا بين المستغاث به والمستغاث من أجله. [الخزانة / ٢ / ٤٢٩ ، وسيبويه / ١ / ٣١٩].
(٢٨٣) وأكذب النّفس إذا حدّثتها |
|
إنّ صدق النّفس يزري بالأمل |
قاله لبيد بن ربيعة. قالوا : ومن الأفعال الجامدة «كذب» التي تستعمل للإغراء بالشيء والحثّ عليه ، ويراد بها الأمر به ولزومه وإتيانه ، لا الإخبار عنه ، ومنه قولهم : كذبك الأمر ، وكذب عليك ، يريدون الإغراء به والحمل على إتيانه ، أي : عليك به فالزمه وائته ، وقولهم : كذبك الصيد ، أي : أمنك ، فارمه ، وأصل المعنى : كذب فيما أراك وخدعك ولم يصدقك ، فلا تصدقه فيما أراك ، بل عليك به والزمه وائته ، ثم جرى هذا الكلام مجرى الأمر بالشيء والإغراء به والحث عليه والحضّ على لزومه وإتيانه من غير التفات إلى أصل المعنى ؛ لأنه جرى مجرى المثل ، والأمثال لا يلاحظ فيها أصل معناها وما قيلت بسببه ، وإنما يلاحظ فيها المعنى المجازي الذي نقلت إليه. وهذا الكلام إما من قولهم : كذبته عينه ، أي : أرته ما لا حقيقة له. وإما من قولهم : «كذب نفسه ، وكذبته نفسه» ، إذا غرّها أو غرّته ، وحدثها أو حدثته بالأماني البعيدة.
ومعنى البيت : نشطها وقوّها ومتنها ، ولا تثبطها ، فإنك إن صدقتها ، أي : ثبطتها وفترتها ، كان ذلك داعيا إلى عجزها وكلالها وفتورها خشية التعب في سبيل ما أنت تريده. [الحماسة / ١٤٨ ، والخزانة / ٥ / ١١٢].
(٢٨٤) حجبت تحيّتها فقلت لصاحبي |
|
ما كان أكثرها لنا وأقلّها |
البيت شاهد على زيادة «كان» بين «ما» وفعل التعجب.
(٢٨٥) أقيم بدار الحزم ما دام حزمها |
|
وأحر إذا حالت بأن أتحوّلا |
البيت لأوس بن حجر.
والبيت شاهد على الفصل بين فعل التعجب «أحر» والمتعجب منه بالظرف «إذا» ، وهو هنا ظرف محض لم يتضمن معنى الشرط ، ومتعلق بآخر. [الأشموني / ٣ / ٢٤ ، والعيني / ٣ / ٦٥٩ ، والتصريح / ٢ / ٩٠].
(٢٨٦) فنعم ابن أخت القوم غير مكذّب |
|
زهير حسام مفرد من حمائل |
البيت من قصيدة أبي طالب عمّ النبي صلىاللهعليهوسلم.
وفي البيت شاهد على فاعل «نعم» المضاف إلى اسم أضيف إلى مقترن بـ «أل» ، وهذه القصيدة تطول في بعض المراجع ، وتقصر في بعضها ، وهي في السيرة النبوية لابن هشام تزيد على ثمانين بيتا ، ومهما كان الأمر ، فإن أصل القصيدة صحيح ، لما روى البخاري في صحيحه (ك ١٥) عن عبد الله بن دينار قال : سمعت عبد الله بن عمر يتمثل بشعر أبي طالب :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... البيت. وعن سالم عن أبيه ربّما ذكرت قول الشاعر ـ وأنا أنظر إلى وجه النبيّ صلىاللهعليهوسلم يستسقي ، فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب ـ :
وأبيض يستسقى ... البيت.
وهو قول أبي طالب ، وهذا يدلّ على صحة نسبة القصيدة ، أو بعضها إلى أبي طالب ، وإذا كنا لا نملك سندا صحيحا لبقية أبيات القصيدة ، فإننا نقرر أن أبا طالب لم يقتصر على هذا البيت من القصيدة ، وإنما قال مجموعة من أبياتها ، ونرى أن الصحيح والمنحول من أبياتها صحيح المعنى ، بل كلّ ما قيل في مدح النبيّ صلىاللهعليهوسلم يوافق صفاته النبوية الشريفة ، ولا يصدق مدح في مخلوق ، كما يصدق في محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه الإنسان الذي اختاره الله للنبوة والرسالة ، وأكمل له خلقه وخلقه ، وقد قال أبو طالب هذه القصيدة عند ما حصر المشركون بني هاشم وبني عبد المطلب في الشّعب ، قال ابن كثير : وهي قصيدة بليغة جدا ، لا يستطيع أن يقولها إلا من نسبت إليه ، وهي أفحل من المعلقات السبع ، وأبلغ في تأدية المعنى ، وقد أحببت أن أورد منها أبياتا مختارة مشروحة ، محبّة في النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فاخترت ما اختاره منها البغدادي في خزانة الأدب ، مع شرحه وإعرابه ، وهذا هو المختار كما أثبته البغدادي : [الخزانة / ٢ / ٥٩].
(٢٨٧) خليليّ ما أذني لأوّل عاذل |
|
بصغواء في حقّ ولا عند باطل |
بصغواء : خبر «ما» النافية. وهي حجازية ؛ ولذا زيدت «الباء» ، والصغّو : الميل ، وأصغيت إلى فلان : إذا ملت بسمعك نحوه. ولأوّل عاذل : متعلّق بـ «صغواء» ، و «في حقّ» متعلق بـ «عاذل» ، أي : لا أميل بأذني لأوّل عاذل في الحق ، وإنما قيّد العاذل بالأوّل ؛ لأنه إذا لم يقبل عذل العاذل الأوّل ، فمن باب أولى أن لا يقبل عذل العاذل الثاني ، فإنّ النفس
إذا كانت خالية الذهن ، ففي الغالب أن يستقرّ فيها أول ما يرد عليها.
(٢٨٨) خليليّ إن الرأي ليس بشركة |
|
ولا نهنه عند الأمور البلابل |
أراد أن الرأي الجيد يكون بمشاركة العقلاء ، فإن لم يتشاركوا ـ بأن كانوا متباغضين ـ ، لم ينتج شيئا. والرأي ما لم يتخمّر في العقول كان فطيرا. والنهنه : بنونين وهاءين كجعفر المضيء والنيّر الشفّاف الذي يظهر الأشياء على جليّتها وأصله : الثوب الرقيق النسج ، ومن شأنه أن لا يمنع النظر إلى ما وراءه ، وهو معطوف على شركة. والبلابل : إمّا جمع بلبلة بفتح الباءين ، أو جمع بلبال بفتحهما ، وهما بمعنى الهمّ ووساوس الصدر ، كزلازل جمع زلزلة وزلزال بالفتح ، وهو إما على حذف مضاف أي : ذات البلابل ، أو إنها بدل من الأمور.
(٢٨٩) ولمّا رأيت القوم لاودّ عندهم |
|
وقد قطّعوا كلّ العرى والوسائل |
أراد بالقوم : كفار قريش. والعرا : جمع عروة ، وهي معروفة ، وأراد بها هنا : ما يتمسّك به من العهود مجازا مرسلا. والوسائل : جمع وسيلة ، وهي ما يتقرّب به.
(٢٩٠) وقد صارحونا بالعداوة والأذى |
|
وقد طاوعوا أمر العدوّ المزايل |
صارحونا : كاشفونا بالعداوة صريحا ، والصّراحة وإن كانت لازمة لكنها لمّا نقلت إلى باب المفاعلة تعدّت. والمزايل : اسم فاعل من زايله مزايلة وزيالا : فارقه وباينه ، وإنما يكون العدوّ مفارقا ، إذا صرّح بالعداوة فلا تمكن العشرة. ومن قال : المزايل : المعالج ، وظنّه من المزاولة لم يصب.
(٢٩١) وقد حالفوا قوما علينا أظنّة |
|
يعضّون غيظا خلفنا بالأنامل |
حالفوا قوما : مثل «صارحونا» في أنه كان لازما وتعدّى إلى المفعول بنقله إلى باب المفاعلة. والتحالف : التعاهد والتعاقد على أن يكون الأمر واحدا في النّصرة والحماية ، وبينهما حلف ، أي : عهد ، والحليف : المعاهد. و «علينا» : متعلق بـ «حالفوا». والأظنّة : جمع ظنين ، وهو الرجل المتّهم ، والظنّة : ـ بالكسر ـ التّهمة ، والجمع الظّنن ، يقال منه : أظنّة وأظنّة بالطاء والظاء إذا اتّهمه. قال الشاطبي في شرح الألفية : «أفعلة قياس في كل اسم مذكر رباعي فيه مدة ثالثة ، فهذه أربعة أوصاف معتبرة ، فإن كان صفة لم يجمع قياسا على أفعلة ، فإن جاء عليه ، فمحفوظ لا يقاس عليه ، قالوا في شحيح : أشحّة ، وفي ظنين :
أظنّة. قال تعالى : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ). [الأحزاب : ١٩] ، وقال أبو طالب (وأنشد هذا البيت) :
(٢٩٢) صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة |
|
وأبيض عضب من تراث المقاول |
الصّبر : الحبس. والسّمراء : القناة. والسّمحة : اللّدنة اللينة التي تسمح بالهزّ والانعطاف. والأبيض : السيف. والعضب : القاطع. والمقاول : جمع مقول بكسر الميم ، الرئيس ، وهو دون الملك ، كذا في المصباح عن ابن الأنباري. وقال السّهيلي في الروض الأنف : أراد بالمقاول آباءه ، شبههم بالملوك ولم يكونوا ملوكا ولا كان فيهم ملك ، بدليل حديث أبي سفيان حين قال له هرقل : هل كان في آبائه من ملك؟ فقال : لا. ويحتمل أن يكون هذا السيف من هبات الملوك لأبيه ؛ فقد وهب ابن ذي يزن لعبد المطلب هبات جزيلة حين وفد عليه مع قريش يهنّئونه بظفره بالحبشة ، وذلك بعد مولد رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعامين.
(٢٩٣) وأحضرت عند البيت رهطى وإخوتي |
|
وأمسكت من أثوابه بالوصائل |
الوصائل : ثياب مخطّطة يمانية ، كان البيت يكسى بها.
(٢٩٤) قياما معا مستقبلين رتاجه |
|
لدى حيث يقضي حلفه كلّ نافل |
الرتاج : الباب العظيم ، وهو مفعول مستقبلين. والنافل : فاعل من النافلة. وهو التطوّع.
(٢٩٥) أعوذ بربّ الناس من كلّ طاعن |
|
علينا بسوء أو ملحّ بباطل |
ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة |
|
ومن ملحق في الدين ما لم نحاول |
ملحّ : اسم فاعل من ألحّ على الشيء ، إذا أقبل عليه مواظبا. والمعيبة : العيب والنقيصة. ونحاول : نريد.
(٢٩٦) وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه |
|
وراق لبرّ في حراء ونازل |
ثور : معطوف على «ربّ الناس» ، وهو و «ثبير» و «حراء» : جبال بمكة. والبرّ : خلاف الإثم ، وهو رواية ابن إسحاق وغيره. وروى ابن هشام : «ليرقى» وهو خطأ ؛ لأن الراقي لا
يرقى ، وإنما هو لبرّ أي : في طلب برّ ، أقسم بطالب البرّ بصعوده في حراء ؛ للتعبّد فيه ، وبالنازل منه.
(٢٩٧) وبالبيت حقّ البيت من بطن مكّة |
|
وبالله ، إنّ الله ليس بغافل |
وبالحجر الأسود إذ يمسحونه |
|
إذا اكتنفوه بالضّحى والأصائل |
قال السهيلي : «وقوله بالحجر الأسود» فيه زحاف يسمى الكفّ ، وهو حذف النون من مفاعيلن ، وهو بعد «الواو» من الأسود. والأصائل : جمع أصيلة ، والأصل : جمع أصيل ؛ وذلك لأن فعائل جمع فعيلة. والأصيلة : لغة معروفة في «الأصيل» انتهى. وهو ما بعد صلاة العصر إلى الغروب.
(٢٩٨) وموطىء إبراهيم في الصّخر رطبة |
|
على قدميه حافيا غير ناعل |
موطىء إبراهيم عليهالسلام : هو موضع قدمه حين غسلت كنّته رأسه وهو راكب ، فاعتمد بقدمه على الصخرة حين أمال رأسه ليغسل ، وكانت سارة قد أخذت عليه عهدا حين استأذنها في أن يطالع ما تركه بمكّة ، فحلف لها أنه لا ينزل عن دابّته ، ولا يزيد على السّلام واستطلاع الحال غيرة من سارة عليه من هاجر ، فحين اعتمد على الصخرة ألقى الله فيها أثر قدمه آية. قال تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ). [آل عمران : ٩٧] ، أي : منها مقام إبراهيم. ومن جعل «مقام إبراهيم» بدلا من «آيات» قال : المقام ، جمع مقامة. وقيل : بل هو أثر قدمه حين رفع القواعد من البيت وهو قائم عليه.
(٢٩٩) وأشواط بين المروتين إلى الصفا |
|
وما فيهما من صورة وتماثل |
هو جمع تمثال ، وأصله تماثيل ، فحذف الياء.
(٣٠٠) ومن حجّ بيت الله من كلّ راكب ، |
|
ومن كلّ ذي نذر ، ومن كل راجل |
فهل بعد هذا من معاذ لعائذ |
|
وهل من معيذ يتّقي الله عادل |
المعاذ بالفتح : اسم مكان من عاذ فلان بكذا ، إذا لجأ إليه واعتصم به. والمعيذ : اسم فاعل من أعاذه بالله ، أي : عصمه به. وعادل : صفة معيذ ، بمعنى : غير جائر.
(٣٠١) يطاع بنا العدا ، وودّوا لو أنّنا |
|
تسدّ بنا أبواب ترك وكابل |
العدا : بضم العين وكسرها ، اسم جمع للعدوّ ضد الصديق ، وروي «الأعدا» ، وهو جمع
عدوّ. وتسدّ بنا ، أي : علينا. والترك وكابل بضم الباء : صنفان من العجم.
(٣٠٢) كذبتم وبيت الله نترك مكّة |
|
ونظعن إلّا أمركم في بلابل |
أي والله لا نترك مكة ولا نظعن منها ، لكن أمركم في هموم ووساوس صدر. وروي : (في تلاتل) بالمثناة الفوقية ، جمع تلتلة ، وهو الاضطراب والحركة.
(٣٠٣) كذبتم وبيت الله نبزى محمدا |
|
ولمّا نطاعن دونه ونناضل |
الواو : للقسم ، ونبزى : جواب القسم على تقدير لا النافية ، فإنها يجوز حذفها في الجواب كقوله تعالى : (تَاللهِ تَفْتَؤُا). [يوسف : ٨٥] ، أي : لا تفتؤ. ونبزى بالبناء للمفعول ، أي : نغلب ونقهر عليه ، يقال : أبزى فلان بفلان إذا غلبه وقهره ، كذا في الصحاح. فهو بالباء والزاي المنقوطة. ومحمدا : منصوب بنزع الباء. ولما : نافية جازمة ، والجملة المنفية حال من نائب فاعل «نبزى». والطعن يكون بالرمح ، والنضال يكون بالسهم.
(٣٠٤) ونسلمه حتّى نصرّع حوله |
|
ونذهل عن أبنائنا والحلائل |
ونسلمه بالرفع : معطوف على «نبزى» ، أي : لا نسلمه ، من أسلمه بمعنى سلّمه لفلان ، أو من أسلمه بمعنى خذله. ونصرّع ونذهل بالبناء للمفعول. والحلائل : جمع حليلة ، وهي الزوجة.
قال ابن هشام في السيرة : قال عبيدة بن الحارث بن المطّلب لمّا أصيب في قطع رجله يوم بدر : أما والله لو أدرك أبا طالب هذا اليوم ، لعلم أني أحقّ بما قال منه حيث يقول :
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا ... البيت وما بعده.
(٣٠٥) وينهض قوم في الحديد إليكم |
|
نهوض الروايا تحت ذات الصّلاصل |
وينهض بفتح الياء : وهو منصوب معطوفا على نصرّع ، والنهوض في الحديد عبارة عن لبسه واستعماله في الحرب. والروايا : جمع راوية ، وهو البعير أو البغل أو الحمار الذي يستقى عليه. وذات الصلاصل : هي المزادة التي ينقل فيها الماء ، وتسميها العامة الراوية ، والصّلاصل : جمع صلصلة بضم الصادين ، وهي بقيّة الماء في الإداوة. يريد : أن الرجال
ـ مثقلين بالحديد ـ كالجمال التي تحمل المياه مثقلة ، شبّه قعقعة الحديد بصلصلة الماء في المزادات.
(٣٠٦) وحتّى نرى ذا الضغن يركب ردعه |
|
من الطّعن فعل الأنكب المتحامل |
نرى بالنون : من رؤية العين. والضّغن بالكسر : الحقد. وجملة «يركب» : حال من مفعول «نرى». يقال للقتيل : ركب ردعه ، إذا خرّ لوجهه على دمه. والرّدع : بفتح الراء وسكون الدال ، اللّطخ والأثر من الدم والزعفران. «ومن الطعن» متعلّق بـ «يركب». والأنكب : المائل إلى جهة ، وأراد : كفعل الأنكب ، في الصحاح : «والنكب» ، بفتحتين : داء يأخذ الإبل في مناكبها فتظلع منه وتمشي منحرفة ، يقال : نكب البعير بالكسر ينكب نكبا فهو أنكب. وهو من صفة المتطاول الجائر. والمتحامل بالمهملة : الجائر والظالم.
(٣٠٧) وإنّا لعمر الله إن جدّ ما أرى |
|
لتلتبسن أسيافنا بالأماثل |
عمر الله : مبتدأ ، والخبر محذوف ، أي : قسمي ، وجملة «لتلتبسن» : جواب القسم ، والجملة القسمية خبر «إن».
وقوله : «إن جدّ» ، إن : شرطيّة ، وجدّ : بمعنى لجّ ودام وعظم. وما : موصولة ، وأرى : من رؤية البصر ، والمفعول محذوف وهو العائد ، وجواب الشرط محذوف وجوبا ؛ لسدّ جواب القسم محلّه. والالتباس : الاختلاط والملابسة ، و «النون» الخفيفة للتوكيد ، وأسيافنا : فاعل تلتبس. والأماثل : الأشراف ، جمع أمثل. والمعنى : إن دام هذا العناد الذي أراه تنل سيوفنا أشرافكم.
(٣٠٨) بكفّي فتى مثل الشهاب سميدع |
|
أخي ثقة حامي الحقيقة باسل |
بكفّي : تثنية كفّ ، و «الباء» متعلقة بقوله : تلتبس. وقد حقّق الله ما تفرّسه أبو طالب يوم بدر.
وقوله : مثل الشهاب ، يريد أنه شجيع لا يقاومه أحد في الحرب ، كأنه شعلة نار يحرق من يقرب منه. والسّميدع بفتح السين ؛ وضمّها خطأ ، وبفتح الدال المهملة وإعجامها لا أصل له ، خلافا لصاحب القاموس ؛ ومعناه : السيّد الموطّأ الأكناف.
قال المبرّد في أول الكامل : «معنى موطّأ الأكناف» : أن ناحيته يتمكّن فيها صاحبها غير
مؤذى ولا ناب به موضعه. والتوطئة : التذليل والتمهيد ، يقال : دابّة وطيء افتى ، وهو الذي لا يحرّك راكبه في مسيره ، وفراش وطيء ، إذا كان وثيرا لا يؤذي جنب النائم عليه.
قال أبو العباس : حدّثني العباس بن الفرج الرياشيّ ، قال : حدثني الأصمعي ، قال : قيل لأعرابيّ ، وهو المنتجع بن نبهان : ما السّميدع؟ فقال : السيّد الموطأ الأكناف. وتأويل الأكناف : الجوانب ، يقال في المثل : فلان في كنف فلان ، كما يقال : فلان في ظلّ فلان ، وفي ذرا فلان ، وفي حيّز فلان». انتهى.
والثقة : مصدر وثقت به أثق بكسرهما ، إذا ائتمنته. والأخ يستعمل بمعنى الملازم والمداوم. والحقيقة : ما يحقّ على الرجل أن يحميه. والباسل : الشجيع الشديد الذي يمتنع أن يأخذه أحد في الحرب ، والمصدر البسالة ، وفعله بسل بالضم. وأراد بصاحب هذه الصفات الفاضلة : محمّدا صلىاللهعليهوسلم.
(٣٠٩) وما ترك قوم لا أبا لك سيّدا |
|
يحوط الذّمار غير ذرب مواكل |
ما : استفهامية تعجبيّة مبتدأ عند سيبويه وترك : خبر المبتدأ ، وعند الأخفش بالعكس. وقوله : لا أبالك ، يستعمل كناية عن المدح والذم ، ووجه الأوّل : أن يراد نفي نظير الممدوح بنفي أبيه ، ووجه الثاني : أن يراد أنّه مجهول النسب. والمعنيان محتملان هنا. والسّيد : من السيادة ، وهو المجد والشرف ، وحاطه يحوطه حوطا : رعاه. وفي الصحاح : وقولهم فلان حامي الذمار ، أي : إذا ذمر وغضب حمى ، وفلان أمنع ذمارا من فلان ، ويقال : الذّمار ما وراء الرجل مما يحقّ عليه أن يحميه ؛ لأنهم قالوا : حامي الذمار كما قالوا : حامي الحقيقة. وسمي ذمارا ؛ لأنه يجب على أهله التذمر له ، وسمّيت حقيقة ؛ لأنه يحقّ على أهلها الدفع عنها ، وظلّ يتذمر على فلان : إذا تنكّر له وأوعده ، والذّرب : بفتح الذال المعجمة وكسر الراء ـ لكنّه سكّنه هنا ـ وهو الفاحش البذّي اللسان. والمواكل : اسم فاعل من واكلت فلانا مواكلة ، إذا اتّكلت عليه واتّكل هو عليك ، ورجل وكل بفتحتين ، ووكلة كهمزة ، وتكلة ، أي : عاجز يكل أمره إلى غيره ويتّكل عليه.
(٣١٠) وأبيض يستسقى الغمام بوجهه |
|
ثمال اليتامى عصمة للأرامل |
أبيض : معطوف على سيّد المنصوب بالمصدر قبله ، وهو من عطف الصفات التي موصوفها واحد ، هكذا أعربه الزركشي في نكته على البخاريّ المسمّى بالتنقيح لألفاظ
الجامع الصحيح ، قال : لا يجوز غير هذا ، وتبعه ابن حجر في فتح الباري ، وكذلك الدمامينيّ في تعليق المصابيح على الجامع الصحيح ، وفي حاشيته على مغني اللبيب أيضا. وزعم ابن هشام في المغني : أن أبيض مجرور بربّ مقدرة وأنّها للتقليل. والصواب الأوّل : فإن المعنى ليس على التنكير ، بل الموصوف بهذا الوصف واحد معلوم ، والأبيض هنا : بمعنى الكريم. قال السّمين في عمدة الحافظ : عبّر عن الكرم بالبياض ، فيقال : له عندي يد بيضاء ، أي : معروف ، وأورد هذا البيت ، والبياض أشرف الألوان ، وهو أصلها ؛ إذ هو قابل لجميعها ، وقد كنى به عن السّرور والبشر ، وبالسّواد عن الغمّ ، ولما كان البياض أفضل الألوان قالوا : البياض أفضل ، والسواد أهول ، والحمرة أجمل ، والصفرة أشكل.
ويستسقى : بالبناء للمفعول ؛ والجملة صفة أبيض. والثّمال : العماد والملجأ والمطعم والمغني والكافي. والعصمة : ما يعتصم به ويتمسّك. قال الزركشيّ : يجوز فيهما النصب والرفع. والأرامل : جمع أرملة ، وهي التي لا زوج لها ؛ لافتقارها إلى من ينفق عليها ، وأصله من أرمل الرجل : إذا نفد زاده وافتقر ، فهو مرمل. وجاء أرمل على غير قياس ، قال الأزهريّ : لا يقال للمرأة أرملة إلّا إذا كانت فقيرة ، فإن كانت موسرة ، فليست بأرملة ، والجمع أرامل ، حتى قيل رجل أرمل إذا لم يكن له زوج ، قال ابن الأنباري : وهو قليل ؛ لأنه لا يذهب بفقد امرأته ، لأنها لم تكن قيّمة عليه ، وقال ابن السكيت : الأرامل : المساكين ، رجالا كانوا أو نساء.
قال السهيلي في الروض الأنف : «فإن قيل : كيف قال أبو طالب : وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ، ولم يره قطّ استسقي به ، إنّما كانت استسقاءاته عليه الصلاة والسّلام بالمدينة في سفر وحضر ، وفيها شوهد ما كان من سرعة إجابة الله له؟ فالجواب : أن أبا طالب قد شاهد من ذلك في حياة عبد المطّلب ما دلّه على ما قال». انتهى.
وردّه بعضهم بأن قضيّة الاستسقاء متكرّرة ؛ إذ واقعة أبي طالب كان الاستسقاء به عند الكعبة ، وواقعة عبد المطّلب كان أوّلها أنهم أمروا باستلام الركن ، ثم بصعودهم جبل أبي قبيس ؛ ليدعو عبد المطلب ومعه النبي صلىاللهعليهوسلم ويؤمّن القوم ، فسقوا به.
قال ابن هشام في السيرة : «حدثني من أثق به قال : أقحط أهل المدينة فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فشكوا ذلك إليه ، فصعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم على المنبر فاستسقى ، فما لبث أن جاء من