شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٦

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٦

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ذكرته ، وقفت على كلام الشيخ فوجدته قد نحا إلى ما نحوت إليه ، حتّى قال : ولست أعلم أنّ أحدا من النحاة عدّد في الشواذّ ما عدّده ابن عصفور ، ولم يسلم له مثال مما ذكر أنّه شاذ ، فحصل لي اعتضاد بما ذكره رحمه‌الله تعالى ، ومنها أنّ ابن عصفور ذكر ألفاظا ، بنيت من الفعل المزيد فيه ، مقصودا بها التعجّب (١) ، غير ما ذكره المصنف ، وهي : ما أتقاه! من «اتّقى» ، وما أقومه! من «استقام» ، وما أمكنه عند الأمير! من «تمكّن» ، وما أملأ القربة! من «امتلأ» ، وما آبل الرجل! أي : ما أكثر إبله ، وإنّما يقال : يأبل إبلا ، إذا اتخذها ، وذكر غيره : ما أرفقه! وما أحوجه! وقد قيل : إنّ لكلّ من هذه الصيغ فعلا ثلاثيّا ، والحقّ أنّ ذلك غير ثابت.

ومنها : أنك قد عرفت ما ذكره المصنف ، من الخلاف في بناء هذين الفعلين ، من «أفعل» ، والذي تلخّص أنّ في ذلك مذاهب ثلاثة ، يفرق في الثالث بين ما همزته للنقل ، وما همزته لغير النّقل ، فلا يبنى من الأول ، ويبنى من الثّاني (٢).

وقد عرفت ما ذكره المصنف من أنه لا فرق بينهما ، وأنّه يجوز بناء فعلي التعجّب من كلّ من الفعلين ـ أعني : ما همزته للتعدية ، وما همزته لغيرها ـ وقد قال المصنف : إنّه مذهب سيبويه والمحققين (٣) ، ووافق المصنف على تصحيح هذا المذهب ابن هشام الخضراويّ ، ومن المسموع مما الهمزة فيه للتعدية قولهم : ما آتاه للمعروف! وما أعطاه للدراهم! وما أولاه بالمعروف! وما أضيعه لكذا! ومن المسموع مما الهمزة فيه لغير التعدية قولهم : ما أنتنه! في لغة من قال : أنتن ، وما أخطأه! وما أصوبه! وما أيسره! وما أعدمه! وما أسنّه! وما أوحش المكان الفلانيّ! وما أمتعه! وما أشرفه! وما أفرط جهله! وما أظلمه! وما أضوأه! (٤). ـ

__________________

(١) قال ابن عصفور في الشرح الكبير (١ / ٥٧٦): (فلا يجوز التعجب إلا ما شذ ، وهو : ما أحسنه! وما أقبحه! وما أطوله! وما أقصره! وما أهوجه! وما أنوكه! وما أحمقه!) ا ه.

(٢) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٦٨٨).

(٣) ينظر : المقتضب للمبرد (٤ / ١٧٨) ، والمرجع الذي قبله (٤ / ٦٨٨ ، ٦٨٩) ، ومنهج السالك (ص ٣٧٤) ، وشرح التسهيل للمرادي (١٩٢ / أ) ، والمساعد (١٤٤ / أ، ب) وتوضيح المقاصد والمسالك (٣ / ٩٥).

(٤) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٦٩٠).

٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : أنّ صفات الله تعالى لا يتعجّب منها ، فإنها لا تقبل الزيادة ، إذ هي في أكمل الصفات ، ولا يتصور فيها خلاف ذلك.

وأما قول العرب : ما أعظم الله! وما أجلّ الله! (١) ، وقول الآخر :

٢٠٨٧ ـ ما أقدر الله أن يدني على شحط

من داره الحزن ممّن داره صول (٢)

فقالت الأئمة فيه : إنّ التعجب منهم غير مقصود ، ولكنّ هذا كلام يجري مجرى الذكر والتعظيم لله تعالى (٣). ـ

__________________

(١) ينظر : منهج السالك (ص ٣٧٥).

وفي حاشية الشيخ يس على شرح التصريح (٢ / ٨٦): (توقف بعضهم في صحة قولنا ـ مثلا ـ : ما أعظم الله وما أجلّه! لأنه يقتضي بظاهره أن المعنى شيء عظيم ، أعظم الله أي : جعله عظيما ، وهذا إن لم يكن كفرا فهو قريب منه ، وقدر بعضهم مضافا قبل «الله» فيكون التقدير : شيء عظيم قدر الله ، وهذا الشيء هو «الله» وفيه إطلاق ما على الله تعالى) ا ه وأقول : صرح ابن الأنباري بصحة : ما أعظم الله ، وبسط شيخ الإسلام السبكي الكلام على المسألة ، وذكرنا ما يتعلق به في حاشية الألفية ا ه.

(٢) هذا البيت من البسيط ، وهو لحندج بن حندج المري ، كما نسبه القالي ، وأبو تمام والعيني.

اللغة : ما أقدر الله : مثل ما أعظم الله! وهو صيغة تعجب ، وعلى : بمعنى مع ، شحط : بعد ، والحزن : ـ بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة ونون ـ موضع ببلاد العرب ، وصول : ـ بضم الصاد المهملة ـ قال التبريزي : من بلاد الترك ، والمعنى : ما أقدر الله على إدناء من هو مقيم بالحزن ، ممن هو بصول.

والشاهد فيه قوله : «ما أقدر الله» ؛ حيث استشهد به على شذوذ قوله : «ما أقدر الله!» لعدم قبول صفات الله الكثرة.

ينظر الشاهد في : الإنصاف (١ / ٨٢ ، ٩٥) ، ومنهج السالك (ص ٣٧٥) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٦٧٥) ، والأشموني (١ / ١٠١) ، والهمع (٢ / ١٦٧) ، والدرر (٢ / ٢٢٤).

(٣) وفي الهمع (٢/ ١٦٧): (ترجيح التعجب من صفات الله حيث قال ما ملخصه : قال أبو حيان : وشذ أيضا قولهم : ما أعظم الله ، وما أقدره في قوله:

ما أقدر الله أن يدني على شحط

 ...

لعدم قبول صفات الكثرة ، والمختار ـ وفاقا للسبكي وجماعة ، كابن السراج ، وابن الأنباري ، والصيمري جوازه ، والمعنى ـ في : ما أعظم الله! ـ أنه في غاية العظمة ، ومعنى التعجب فيه أنه لا ينكر ؛ لأنه مما تحار فيه العقول ، وإعظامه تعالى وتعظيمه الثناء عليه بالعظمة ، واعتقادها ، وكلاهما حاصل والموجب لهما أمر عظيم ، والدليل على جواز إطلاقه صيغة التعجب والتفضيل في صفاته تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) أي ما أسمعه وأبصره) ا ه.

ينظر : الإنصاف مسألة رقم (١٥) (ص ٨٢). وفي الأشباه والنظائر (٤ / ١٠٦ ، ١٠٩) : ذكر قول النحاة وتأولهم قول العرب : ما أعظم الله!.

٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : أنّ المصنف جعل بناء هذين الفعلين من الفعل المبنيّ للمفعول ؛ غير مقصور على السّماع ، لكن قال الشيخ : قصر ذلك على السماع هو قول الجمهور.

ومنها : أنّه تقدم أنّ العرب تركت التعجّب من أفعال مستوفية للشروط ، واستغنت عنها بغيرها ، وذكر أنّ من جملتها : قام ، وقعد ، وجلس (١).

قال الشيخ : ومن عدّ «نام» فيها فليس قوله بصحيح ؛ لأنّ سيبويه حكى : ما أنومه (٢)! وقالت العرب : هو أنوم من فهد (٣).

وحكى الأخفش عن بعض العرب : ما أغضبه! (٤).

ومنها : أنّ الشيخ قال في قول المصنف : ويتوصّل إلى التعجّب إلى آخره : إنّ هذا الحكم لا يختض بما فقد فيه شرط من الشروط ، بل يجوز هذا الحكم فيما استوفى الشروط ، فتقول : ما أكثر ضرب زيد لعمرو ، وأكثر بضرب زيد لعمرو ، وما أكثر ما ضرب زيد عمرا ، وأكثر بما ضرب زيد عمرا (٥) انتهى ، وفيما ذكره نظر ، فإنّ التعجب فيما مثّل به ليس من الضّرب ، إنّما هو من كثرة الضّرب ، و «أكثر» ليس نائبا عن شيء ، إنما هو صيغة «أفعل» التفضيل ، والفعل الذي بنى منه هو كثر ، كما أنّ «أحسن» ـ مثلا ـ صيغة تفضيل ، وهو من «حسن».

والحاصل : أنّ الفرق معقول بين قولنا : ما أضرب زيدا لعمرو ، وقولنا : ما أكثر ضرب زيد لعمرو ، ففي المثال الأول : التعجّب من الضرب ، وفي المثال الثاني : التعجّب من كثرته ، لا منه.

ومنها : أنّ المانع من التعجّب ، إن كان كون الفعل منفيّا ، جعلت الفعل في صلة أن ، نحو : ما أقبح أن لا يأمر بالمعروف ، وأقبح بأن لا تأمر بالمعروف ، قالوا : فلو كان الفعل من باب «كان» ممّا لزمه النّفي لكونه وضع له وهو «ليس» ، أو لكونه ـ

__________________

(١) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٦٩٣) ، وشرح المصنف (٣ / ٤٧).

(٢) ينظر : الكتاب (٤ / ٦٩) ونصه : «وما أنومه في ساعة كذا وكذا».

(٣) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٦٩٤) وقد ذكر هذا القول في كتاب «أفعل» لأبي علي القالي (ص ٨٢) تحقيق : الفاضل بن عاشور ط. تونس سنة (١٩٧٢ م).

(٤) لمراجعة ما حكاه الأخفش ينظر : منهج السالك (ص ٣٧٧) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٦٩٣).

(٥) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٦٩٦).

٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يستعمل إلّا مقرونا بحرف أو بحرف النهي أو الدّعاء ، نحو : ما زال ؛ ففيه خلاف ، أجاز البغداديون : ما أحسن ما ليس يذكرك زيد ، وما أحسن ما لا يزال يذكرك زيد ، وتابعهم ابن السرّاج ، يقول ابن السراج (١) : كما جاز لك ذلك في «كان» ولكن يجوز : ما أحسن ما ليس يذكرك زيد : وما أحسن ما لا يزال يذكرنا زيد ، وهذا مذهب البغداديين (٢).

قال الشيخ : ويقوي ذلك في «ليس» أنها قد وقعت صلة لـ «ما» المصدريّة ، قال :

٢٠٨٨ ـ ...

بما لستما أهل الخيانة والغدر (٣)

ويقوّي ذلك في «لا يزال» أنّ صورته صورة النّفي ، وهو موجب من حيث المعنى ، فكأن «ما» المصدرية إنّما دخلت على موجب ، لا على منفيّ ، قال : فإن كان الفعل «نعم ، وبئس» ، وغيرهما ، ممّا لا يتصرف فلا يقع صلة «ما» ولا لـ «أن» (٤).

ومنها : أنّ ما شذّوا فيه فقالوا : ما أفعله ، نحو : ما أملأ هذه القربة! وما أمكنه عند الملك! لا يجوز أن يبنى منه «لفعل» مرادا به التعجب ، فلا يقال : لملؤت القربة ، ولا : لمكن زيد ، وذلك أنّ «أفعل» في التعجّب ، قليلة الاستعمال ، فلم يجز استعمالها ، إلا حيث يستعمل «ما أفعله» بقياس (٥). ـ

__________________

(١ و ٢) ينظر مذهب البغداديين في : التذييل والتكميل (٤ / ٦٩٦) ، ومنهج السالك (ص ٣٧٩) ، وشرح التسهيل للمرادي (١٩٢ / ب) ، والمساعد لابن عقيل (٢ / ١٦٥).

وفي الأصول لابن السراج (١ / ٦٥): (ولا يجوز : ما أحسن ما ليس زيدا ، ولا : ما أحسن ما زال زيدا ، كما جاز ذلك في «كان» ، ولكن يجوز : ما أحسن ما ليس يذكر زيد ، وما أحسن ما لا يزال يذكرنا زيد ، وهذا مذهب البغداديين) اه.

(٣) هذا عجز بيت من الطويل ، ولم يسم قائله ، وهو بتمامه :

أليس أميري في الأمور بأنتما

بما لستما أهل الخيانة والغدر

اللغة والإعراب : قال السيوطي في شرح شواهد المغني (ص ٧١٧) : والباء في «بأنتما» زائدة ، وقوله : «بما لستما» ما : موصول حرفي ، ووصلت بـ «ليس» ندورا ، وقيل : إنها موصول اسمي ، والعائد محذوف.

والشاهد في البيت : وقوع «ليس» صلة لـ «ما» في قوله : «بما لستما».

ينظر الشاهد في منهج السالك (ص ٣٧٩) ، ومغني اللبيب ، بحاشية الأمير (٢ / ٧).

(٤) تنظر أقوال الشيخ أبي حيان هذه في : التذييل والتكميل (٤ / ٦٩٦) ، ومنهج السالك (ص ٣٧٩) ، وشرح التسهيل للمرادي (١٩٢ / ب).

(٥) هذا هو كلام الشيخ أبي حيان في التذييل والتكميل (٤ / ٦٩٩).

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : أنّ نحو : ما أحسن [٣ / ١٢٢] زيدا لا ما أشرفه! وما أحسن زيد لا أشرفه! منع من إجازتهما الكسائي ، وقال النحاس : إنّهما جائزتان على مذهب البصريين ؛ لأنّ حكم «لا» أن يكون بعد الإيجاب (١). انتهى.

وفي إجازة المسألة الأولى نظر ، لأنّ «لا» إنّما يعطف بها المفرد ، لا الجملة.

__________________

(١) يراجع ذلك في : منهج السالك (ص ٣٨٥) ، والمرجع السابق (٤ / ٧٠٠).

٤٥
٤٦

الباب الخامس والثلاثون

باب «أفعل» التّفضيل

[تعريفه وصياغته وشروط صياغته]

قال ابن مالك : (يصاغ للتّفضيل موازن «أفعل» اسما ، ممّا صيغ منه في التّعجّب فعلا ، على نحو ما سبق من اطّراد وشذوذ ، ونيابة «أشدّ» وشبهه ، وهو هنا اسم ناصب مصدر المحوج إليه تمييزا ، وغلب حذف همزة «أخير ، وأشر» في التّفضيل وندر في التعجّب).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : لم يحدّ المصنف «أفعل» التّفضيل ، وحدّه غيره فقال : هو ما اشتقّ من فعل الموصوف بزيادة على غيره ، قال : فيدخل في (ما اشتقّ من فعل) : اسم الفاعل ، واسم الزمان والمكان ، وقوله : (الموصوف) يخرج الزمان والمكان ، وقوله : (بزيادة على غيره) يفصله عمّا عداه (١). انتهى ، وهو حدّ جيد ، إلّا أنّ قوله : (اشتقّ من فعل) فيه مناقشة ؛ لأنّ الاشتقاق إنما هو من المصدر ، فالصفات كالأفعال في أنّها مشتقة مما اشتقّ الفعل منه ، هذا هو المذهب الحقّ (٢).

ثمّ قال المصنف : قد تقدم أنّ «أفعل» المتعجّب به مناسب أفعل التفضيل وزنا ومعنى ، وأنّ كلّ واحد منهما محمول على الآخر فيما هو أصل فيه ، ومن أجل مناسبتهما سوّت العرب بينهما ، في أن يصاغ كلّ منهما ممّا يصاغ منه الآخر ، وألا يصاغ مما لا يصاغ منه؟

وقد تبين في التعجب أن فعله لا يبنى دون شذوذ إلا من فعل ثلاثيّ مجرّد ، تامّ ، مثبت ، متصرّف ، قابل معناه للكثرة غير مبنيّ للمفعول ، ولا معبّر عن فاعله بأفعل فعلاء.

فكذلك أفعل التفضيل لا يبنى دون شذوذ إلّا من فعل مستوف القيود المذكورة (٣) ـ

__________________

(١) هو حد جيّد ؛ لأنه جامع مانع مختصر ، ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٧٠١) ، وفي شرح التصريح (٢ / ١٠٠): (وهو الوصف المبني على «أفعل» لزيادة صاحبه على غيره في أصل الفعل) ا ه.

(٢) وهو مذهب البصريين ، فإنهم يرون أنّ المصدر أصل الفعل ، وأصل جميع المشتقات ؛ لأن المصدر بسيط لدلالته على الحدث غير مقترن بزمان ، والفعل يدل على الحدث مقترنا بالزمان.

(٣) في شرح الكافية الشافية لابن مالك (٢ / ١١٢١) قال : (فيمتنع بناء التفضيل ممّا ليس ثلاثيّا ، كانطلق ودحرج ، وما ليس متصرفا كنعم وبئس ، وما ليس تامّا كظل وصار ، وما لا يقبل التفاوت كمات وفني ، ومن مبني للمفعول غير مأمون اللبس كضرب ، ومن ملازم للنفي نحو : ما عجبت به ، ومن مدلول على فاعله بأفعل كعمي وعرج ولمي ودعج ، كما امتنع بناء فعل التعجب منها).

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فيقال في بنائه من كتب ، وعلم ، وظرف : هو أكتب منه ، وأعلم ، وأظرف ، كما قيل في التعجّب : ما أكتبه ، وأعلمه ، وأظرفه ، ويحكم في هذا ونحوه بالاطراد ؛ لأنّه من فعل مستوف للقيود ، ويحكم بالشذوذ فيما لا فعل له ، وفيما له فعل لم يستوف القيود ، كما فعل في التعجّب (١).

فمن أمثلة «أفعل» التفضيل الذي لا فعل له قولهم : هذا أمقر (٢) من هذا ، أي : أمرّ ، وهو ألصّ من شظاظ (٣) أي : أعظم لصوصيّة.

وشظاظ اسم رجل من ضبة ، ومن هذا النّوع (٤) : أول وآخر.

ومن أمثلة سيبويه فيما لا فعل له : أحنك الشّاتين والبعيرين (٥) ، أي : آكلهما ، وآبل النّاس ، أي : أرعاهم للإبل ، ومن أمثلة غيره : هذا التمر أصفر من غيره ، أي : أكثر صفرا ، وهذا المكان أشجر من هذا المكان ، أي : أكثر شجرا ، وفلان أضيع من غيره ، أي : أكثر ضياعا (٦) ، والصحيح أنّ «أحنك» من قولهم : احتنك الجراد ما على الأرض أي : أكله ، ولكنّه شاذّ لكونه من «افتعل» فهو نظير «أشدّ» من : ـ

__________________

(١) في شرح الألفية للشاطبي (٤ / ٧٤): (فإذا تخلف شرط من هذه الشروط لم يبن منه قياسا ، وما سمع منه وقف على محله ، فلا يبنى من غير فعل فلا يقال : هو أثوب من زيد ، تريد : أكثر ثيابا ولا : أمول منه ، من المال ، ولا ما أشبه ذلك) ا ه.

(٢) في المصباح المنير مادة «مقر» : (مقر مقرا ، فهو مقر ، باب «تعب» صار مرّا ، قال الأصمعي : المقر : الصبر ، وقال ابن قتيبة : شبه الصبر ، وأمقر مقارا لغة) ا ه. ومن هذا الكلام في المصباح يظهر أن هذا تفضيل مما له فعل.

(٣) في كتاب «أفعل» لأبي علي القالي (ص ٨٢): (وتقول العرب : ألص من شظاظ ؛ بكسر الشين وهو رجل من بني ضبة كان مشهورا باللصوصية) ا ه. وقد بنوا «ألص» من اللص ، وقالوا : لا فعل له ، لكن ابن القطاع حكى في أفعاله (١ / ٣٢٨) : لصص ـ بالفتح ـ إذا استتر ، وحكى غيره : لصصه إذا أخذه خفية ، وعلى هذا فلا شذوذ لوجود الفعل.

(٤) أي : صوغ أفعل التفضيل مما لا فعل له.

(٥ و ٦) ينظر : الكتاب (٤ / ١٠٠) تحقيق هارون ، و «أحنك» : مشتق من الحنك وهو ما تحت الذقن.

والمعنى : أكثرها أكلا ؛ لأن الأكل يحرك حنكه ، وورود مثل هذا عن العرب يدل على أنه يجوز بناء أفعل التفضيل من الاسم ولكنه ليس بقياس ، لما ذكره سيبويه ، وفي شرح التصريح (٢/١٠١): (وشذ بناؤه ـ يعني أفعل التفضيل ـ من اسم عين نحو : هو أحنك البعيرين ، بنوه من الحنك وهو اسم عين) ا ه.

٤٨

         

______________________________________________________

اشتد ، ونظير قولهم : هو أسوأ من هذا ، بمعنى : أشدّ استواء ، وكذا الصّحيح أنّ «آبل» من قولهم : أبل الرجل أبالة ، وأبل أبلا إذا درب بسياسة الإبل ، والقيام عليها فلا شذوذ فيه أصلا.

وكذا الصحيح أن «أصفر» من : صفر الرطب ، إذا صار ذا صفر ، فلا شذوذ فيه وكذا «أشجر» من قولهم : أشجر المكان ، أي : صار ذا شجر ، ولا شذوذ فيه على مذهب سيبويه (١) ؛ لأنّ «أفعل» ـ عنده ـ يساوي : فعل ، فعل ، فعل في بناء «أفعل» التفضيل ، وقد تقدّم بيان ذلك ، وكذا قولهم : فلان أضيع من غيره ، هو من قولهم : أضاع الرجل ، إذا كثرت ضياعه ، ولا شذوذ فيه ، على مذهب سيبويه ونظيره : هو أعطاهم للدّراهم ، وأولاهم للمعروف ، وأكرم لي من زيد ، أي : أشدّ إكراما ، وهذا المكان أقفر من ذلك ، والفعل من جميعها على وزن «أفعل» (٢) ومن المحكوم بشذوذه لكونه من مزيد فيه قول عمر رضي‌الله‌عنه : «إنّ أهمّ أموركم عندي الصلاة ، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ، ومن ضيّعها فهو لما سواها أضيع» (٣) فأوقع «أضيع» موقع : أشدّ تضييعا ، ومن المحكوم بشذوذه من جهتين قولهم : هذا أخصر من هذا ، فبنوه من «اختصر» وفيه مانعان : أحدهما : أنه من مزيد فيه ، والثاني : أنه من فعل ما لم يسمّ فاعله (٤) ، ومثله ـ على مذهب غير ـ

__________________

(١) في الكتاب (٤ / ١٠٠) ط. هارون : (وقولهم : آبل الناس ؛ بمنزلة : آبل منه ؛ لأن ما جاز فيه : أفعل الناس ، جاز فيه هذا ، وما لم يجز فيه ذلك لم يجز فيه هذا) ا ه.

وفي شرح التصريح (٢ / ٩١): (فقيل : يجوز من «أفعل» قياسا مطلقا ، سواء كانت الهمزة فيه للنقل أم لا. وهو مذهب سيبويه ، والمحققين من أصحابه ، وقيل : يمتنع مطلقا إلا إن شذّ منه شيء ، فيحفظ ولا يقاس عليه ، وهو مذهب المازني والأخفش والمبرّد وابن السرّاج والفارسيّ ومن وافقهم ، وقيل : يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل ، نحو : ما أظلم الليل ، وما أقفر هذا المكان ، ويمتنع إن كانت للنقل ، نحو : ما أذهب نوره) ا ه.

وكلامه هذا في التعجّب ، و «أفعل» التفضيل مثله في صوغه قياسا أو شذوذا.

(٢) وإنما امتنع ما كان الوصف منه على «أفعل فعلاء» ؛ لأنه يبنى منها «أفعل» لغير التفضيل ، فلو بني منها «أفعل» للتفضيل لالتبس بما ليس للتفضيل وأنّها زائدة على الثلاثة في الأصل نحو : أحمر ، وأسود ، وأحول ، وأما «حمر» و «سود» و «حول» ففي تقدير : احمرّ واسودّ واحولّ ، و «أفعل» التفضيل لا يبنى إلا من ثلاثي.

(٣) هذا الحديث أخرجه الإمام مالك في الموطأ ، في كتاب : أوقات الصلاة (ص ٣١) برقم (٦) ، وهذا الحديث أيضا في شرح ابن الناظم (ص ١٨٦).

(٤) ينظر : شرح التصريح (٢ / ١٠١).

٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

سيبويه ـ قولهم ـ فيمن أصيب بمكروه ـ : هو أصوب من غيره ، وهو من «أصيب» ، فعلى مذهب سيبويه ليس شاذّا ، إلا من قبيل ما هو من فعل المفعول ، وذلك لا يحكم بشذوذه إلا فيما يلتبس فيه قصد المفعول بقصد الفاعل (١) وذلك إذا كان الفعل مستعملا بالبناءين كثيرا ، ولم يقارن أفعل ما يمنع من أن يراد به الفاعلية كقولك : هذا أضرب من ذاك ، وأنت تريد أنّ الضرب الواقع فيه أشدّ من الواقع بغيره فإنّ هذا لا يجوز لأنّ المراد به لا دليل عليه ، بل السابق إلى ذهن من يسمعه التفضيل في الفاعلية ، فإن اقترن بما يمنع من قصد الفاعلية جاز وحسن.

ومن هذا قولهم : أكسى من بصلة (٢) ، وأشغل من ذات النّحيين (٣) ، ويصحّ على هذا أن يقال : عبد الله بن أبيّ (٤) ألعن ممّن لعن على لسان داود ، ولا أحرم ممن عدم الإنصاف ، ولا أظلم من قتيل كربلاء (٥) ، فلو كان مما لازم بناء ما لم يسمّ فاعله ، أو غلبت قلّته ؛ لم يتوقف في جوازه ، لعدم اللبس وكثرة النظائر ، كأزهى ، وأغنى (٦) ، وقد تقدم من قولي : إن ورود هذا في التفضيل أكثر منه في التعجب ، وأنّه لا ينبغي أن يقتصر فيه على المسموع ، ومن المحكوم بشذوذه قولهم : هو أسود ـ

__________________

(١) معنى هذا الكلام أن سيبويه يجيز صوغ «أفعل» التفضيل من الفعل الذي على وزن «أفعل» فلا شذوذ في المثالين على مذهبه. ينظر الكتاب (٤ / ١٠٠) ط. هارون ، وإنما الشذوذ عنده أن هذا الصوغ من فعل مبني للمفعول ـ وأيضا ـ لا يحكم في هذه الحالة بالشذوذ إلا فيما يلتبس فيه قصد المفعول بقصد الفاعل.

(٢) هذا مثل يضرب لمن لبس الثياب الكثيرة ، وينظر المثل في : مجمع الأمثال للميداني (٢ / ١٦٩) اللسان «كسا».

(٣) سبق تخريج هذا المثل في الباب السابق (التعجب).

(٤) هو عبد الله بن أبيّ بن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم ، ينتهي نسبه إلى بني غنم بن الخزرج بن حارثة ، وهو رئيس المنافقين ، وهو ابن سلول ، وهي جدته نسب إليها ، تنظر ترجمته في : جمهرة أنساب العرب (ص ٣٥٤).

(٥) المعنى : ليس هناك ظلم أشد من الظلم الواقع بقتيل كربلاء ، وهو الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي سبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وريحانته وهو وأخوه الحسن سيّدا شباب أهل الجنة وقد قتل الحسين رضي‌الله‌عنه يوم عاشوراء سنة (٦١ ه‍) بكربلاء ، من أرض العراق ، تنظر ترجمته في كتاب : نسب قريش (ص ٢٤) وجمهرة أنساب العرب (ص ٥٢) وتهذيب الأسماء واللغات لابن شرف النووي (١ / ١٦٢ ، ١٦٣).

(٦) في اللسان «زهي» وقد زهي على لفظ ما لم يسم فاعله ، جزم به أبو زيد ، وثعلب ، وحكى ابن السكيت : زهيت ، وزهوت.

٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

من حنك الغراب (١) ، وقول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في صفة الحوض ـ : «أبيض من اللّبن» (٢) وإنّما كان هذان شاذّين ؛ لأنهما من باب : أفعل فعلاء ، وليسا كألدّ وأخواته ، ممّا يناسب عسرا أو جهلا ، وقد تقدم الكلام على ذلك.

وفي : «صيغ» ـ من قولي في أول هذا الباب : (مما صيغ منه التعجب) ـ ضمير يرجع إلى موازن الفعل والضمير في «منه» يرجع إلى «ما» أي : من اللفظ الذي صيغ منه موازن «أفعل» [٣ / ١٢٣] والتعجب ، وأشرت بقولي : (ونيابة أشدّ ونحوه) إلى أنّ الفعل الذي يقصد أن يصاغ منه أفعل التفضيل إن لم يستوف القيود يتوصل إلى معنى التفضيل فيه بذكر «أشدّ» أو نحوه ، ناصبا مصدر ذلك الفعل على التمييز ، كقولك في «دحرج» و «علّم» و «اقترب» : هو أشدّ دحرجة ، وأصحّ تعليما ، وأكثر اقترابا ، وكقولك : هو أفظع موتا ، وفي «عور» : هو أقبح عورا ، وفي «كحل» هو أحسن كحلا (٣).

ولما كثر استعمال صيغة التفضيل من الخير والشر اختصروها ، فحذفوا الهمزة ، وقالوا في المدح والذّم : هو خير من كذا ، وشرّ من كذا ، ورفض : أخير ، وأشرّ ، إلا فيما ندر كقول الراجز :

٢٠٨٩ ـ بلال خير النّاس وابن الأخير (٤)

__________________

(١) في المستقصى للزمخشري (١ / ١٩٢) بلفظ : أشد سوادا من حنك الغراب ، و «حنك الغراب» هو منقاره. وفي كتاب «أفعل» لأبي عليّ القالي (ص ٩٤) بلفظ : أشد سوادا من حنك الغراب.

وينظر : شرح المفصل لابن يعيش (٣ / ٩٤).

(٢) في صحيح مسلم (٢ / ٣٢٧) ـ في صفة الحوض ـ : «وماؤه أبيض من الورق» وفي (ص ٣٢٠) : «أشدّ بياضا من اللبن».

(٣) ينظر : شرح المصنف (٣ / ٥٢) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٧٠٦) ، والمساعد لابن عقيل (٢ / ١٦٦).

(٤) هذا البيت من مشطور الرجز ، وقد نسبه ابن جني في المحتسب (٢ / ٢٩٩) لرؤبة بن العجاج وبعضهم نسبه لذي الرمة ، غيلان بن عقبة ، صاحب فيه ، يمدح بلال ابن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري.

والشاهد فيه قوله : «الأخير» وهو شاهد على ندور إثبات همزة «أخير» في التفضيل.

ينظر الشاهد أيضا في: شرح العمدة (ص ٤٢٩) ، وشرح التصريح (٢ / ١٠١) ، والهمع (٢ / ١٦٦) والأشموني (٣ / ٤٣) ، والدرر (٢/ ٢٢٤).

٥١

[أحكام أفعل التفضيل المجرد من «أل»

والإضافة ، وأحوال المفضول منه]

قال ابن مالك : (ويلزم «أفعل» التّفضيل عاريا الإفراد والتّذكير وأن يليه أو معموله المفضول مجرورا بـ «من» وقد يسبقانه ويلزم ذلك إن كان المفضول اسم استفهام أو مضافا إليه ، وقد يفصل بين «أفعل» و «من» بـ «لو» وما اتّصل بها ولا يخلو المقرون بـ «من» في غير تهكّم من مشاركة المفضّل في المعنى ، أو تقدير مشاركته وإن كان «أفعل» خبرا حذف للعلم به المفضول غالبا ويقلّ ذلك إن لم يكن خبرا ولا تصاحب «من» المذكورة غير العاري إلّا وهو مضاف إلى غير معتدّ به أو ذو ألف ولام زائدتين ، أو دالّ على عار متعلّق به «من» أو شاذّ).

______________________________________________________

ومن النّادر قراءة الآية (١) : سيعلمون غدا من الكذاب الأشر (٢) وكما ندر ردّ الهمزة في التفضيل نذر سقوطها في التعجّب ، فقيل : ما خيره ، بمعنى : ما أخيره ، وما شرّه ، بمعنى : ما أشرّه ، وشذّ حذف همزة «أحبّ» في التفضيل ، كقول الأحوص :

٢٠٩٠ ـ وزادني كلفا بالحبّ أن منعت

وحبّ شيء إلى الإنسان ما منعا (٣)

قال ناظر الجيش : اعلم أنّ لـ «أفعل» التّفضيل استعمالات ثلاثا لا يتجاوزها وهي أن تقرن به «من» ومجرورها ، ويعبّر عنه بالعاري أي عن اللام والإضافة ، وأن تباشره اللام ، وأن يضاف.

وقد تكلم المصنف على المقرون بـ «من» هنا إلى آخر هذا الفصل وتكلم في الفصل الذي يليه على الاستعمالين الآخرين. والسبب في أنّ «أفعل» التفضيل لا يتجاوز ثلاثة الاستعمالات أنّ الغرض منه إفادة الزيادة في موصوفه على غيره ـ

__________________

(١) نسبت القراءة المذكورة في البحر المحيط (٨ / ١٨٠) لقتادة وأبي قلابة ، وفي المحتسب (٢ / ٢٩٩) : (الأشر ـ بتشديد الراء ـ هو الأصل المرفوض ؛ لأن أصل قولهم : هذا خير منه ، وهذا شر منه : هذا أخير منه وهذا أشر منه) ا ه.

(٢) سورة القمر : ٢٦.

(٣) سبق تخريج هذا الشاهد.

والشاهد فيه هنا قوله : «وحبّ شيء» حيث حذف همزة أفعل التفضيل من «حبّ» شذوذا وهو نادر لا يقاس عليه ، ولم يوجد في السعة إلا في «خير وشرّ».

٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فقصد إلى ذكر الغير ليوفر ما يقتضيه معناه وذلك لا يحصل إذا تجرد عن هذه الثلاثة ؛ لأنك إذا قلت : زيد أشرف لم يفهم من هو الذي زاد عليه هو في الشرف ، فإذا أتيت بـ «من» أو أضفته علم المفضل عليه ، وإذا أتيت باللام كقولك : زيد الأشرف ، فالتعريف هو تعريف العهد وهو لا يكون معهودا ، إلا على الصفة المذكورة ، فإذا عرفته بالعهد فهو المعهود الذي قد عرف من هم المفضل عليهم هو ولا يجمع بين «من» واللام أو الإضافة ، فلا يقال : زيد الأفضل من عمرو ، ولأنهم لم يأتوأ بـ «من» إلا لما ذكرناه ، من بيان المفضّل عليه وقد علم أنّ اللام تفيد ذلك ، فلم يكن للجمع بينهما معنى.

وأيضا فإنّ معنى التعريف باللام أن يجعله للمعهود المفضل على من عهد تفضيله عليه بمعنى «من» تفضيله على من ذكر بعدها دون من سواه فيصير المعنى ـ عند الاجتماع ـ تفضيله باعتبار المعهود ولا باعتبار المعهود وذلك تناقض ، وأيضا فإنّ «من» تشعر باحتياجه ونقصانه ، واللام تشعر باستغنائه وكماله. فلو جمع بينهما لكان كالجمع بين النقيضين.

قال المصنف (١) : ويلزم «أفعل» التفضيل الإفراد والتذكير إذا كان عاريا أي : غير مضاف ولا مشفوع بحرف التعريف ، فيقال : زيد أكرم من عمرو ، وهما أكرم من بشر ، وهم أشجع من غيرهم ، وهند أجمل من دعد ، وبنتاهما أصلح ، والأمّهات أشفق من الأخوات (٢) ، ويلزم العاري أيضا أن يذكر بعده المفضول ، مقرونا بـ «من» متصلة به كما رأيته من الأمثلة المذكورة آنفا ، أو مفصولا بين «من» وبينه بمتعلق به ، فصاعدا ، كقوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ)(٣).

وكقول الشّاعر : ـ

__________________

(١) شرح التسهيل لابن مالك (٣ / ٥٣).

(٢) في التذييل والتكميل (٤ / ٧٠٧ ، ٧٠٨): (إنّما كان بلفظ واحد مع «من» ؛ لأن الغرض إنما هو تفضيل كرم زيد على كرم عمرو ، فهو في المعنى إخبار عن المصدر ؛ فوجب التذكير لغلبته على المصدر ، فرفض فيه «فعلى») ا ه. وهذه أيضا علة عدم تثنيته وجمعه.

(٣) سورة الأحزاب : ٦.

٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

٢٠٩١ ـ فلأنت أسمح للعفاة بسؤلهم

عند الشّصائب من أب لبنينا (١)

وكقوله :

٢٠٩٢ ـ ما زلت أبسط في غصن الزمان يدا

للناس بالخير من عمرو ومن هرم (٢)

ويجب تقديم «من» والمفضول (٣) إن كان اسم استفهام ، أو مضافا إليه ، نحو : ممّن أنت أحلم؟ ونحو : ممّن أنت أعلم؟ ومن أيّ الرّجال أنت أكرم؟ وممّ قدّك أعدل؟ ومن وجه من وجهك أجمل؟

ذكر أصل هذه المسألة أبو عليّ في التّذكرة (٤) وهي من المسائل المغفول عنها.

فإن كان المفضول غير ذلك لم يجز تقديمه إلّا في نادر من الكلام ، كقول ذي الرّمّة :

٢٠٩٣ ـ ولا عيب فيها غير أنّ سريعها

قطوف وأن لا شيء منهنّ أكسل (٥)

وكقول الآخر : ـ

__________________

(١) هذا البيت من الكامل ، ولم ينسب لقائل معين ، والشصائب : الشدائد ، شصب ـ بكسر الشين المثلثة ، وبعدها صاد مهملة ثم باء موحّدة ـ وهو الشّدّة ، من : شصب الأمر : اشتدّ ، وشصب العيش يشصب ـ بالضم ـ شصوبا ، وأشصب الله عيشه.

والشاهد في البيت : الفصل بين اسم التفضيل «أسمح» والمفضول ، بجارّين ومجرورين وظرف.

ينظر الشاهد في : شرح المصنف والتذييل والتكميل (٤ / ٧٠٨) وهو في الارتشاف (٣ / ٥٣).

(٢) البيت من البسيط ، ولم أهتد إلى قائله.

والشاهد فيه : الفصل بين اسم التفضيل العاري من «أل» ومن الإضافة وهو «أبسط» وبين المفضول بثلاثة جار ومجرور ، وتمييز.

ينظر الشاهد في : التذييل والتكميل (٤ / ٨٠٧) ، ومنهج السالك (ص ٤٠٩) ، وشرح المصنف (٣ / ٥٤).

(٣) أي : يجب تقديمها على «أفعل».

(٤) التذكرة من كتب أبي علي الفارسي المفقودة ، ينظر هذا الكلام في شرح المصنف.

(٥) هذا البيت من الطويل. اللغة : ولا عيب فيها : أي : لا عيب حاصل فيها ، أي : في النساء المذكورة فيما قبل ، وغير منصوب على الاستثناء. قطوف : متقارب الخطو ، وهذا من تأكيد المدح بما يشبه الذم.

والشاهد في البيت قوله : «منهنّ أكسل» حيث قدّم المجرور بـ «من» على «أفعل» التفضيل ، وهو «أكسل» المرفوع على الخبريّة. وتقديم معمول «أفعل» التفضيل في الإخبار نادر وقليل ؛ لأن «أفعل» التفضيل من العوامل غير المتصرفة في نفسها ، فلا يتصرف في معمولها. ينظر الشاهد في : ديوان ذي الرمة (ص ٦٤١) ، والعيني (٤ / ٤٤) ، والأشموني (٣ / ٥٢) ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ١٨٩).

٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

٢٠٩٤ ـ فقالت لنا أهلا وسهلا وزوّدت

جنى النّحل بل ما زوّدت منه أطيب (١)

وقد يفصل «أفعل» و «من» بـ «لو» وما اتصل بها كقول الشّاعر :

٢٠٩٥ ـ ولفوك أطيب لو بذلت لنا

من ماء موهبة على خمر (٢)

ولا بدّ من كون المفضول مشاركا للمفضّل فيما ثبت فيه التفضيل فيقال : الخبز أغذى من السويق ، والعسل أحلى من التّمر ، ولا يقال : الخبز أغذى من الماء ، ولا : الماء أروى من الخبز ؛ فإن ورد لفظ تفضيل دون ظهور مشاركة قدّرت المشاركة بوجه ما ، كقولهم في البغيضين : هذا أحبّ إليّ من هذا، وفي الشرّين : هذا خير من هذا ، وفي الصّعبين : هذا أهون من هذا ، وفي القبيحين : هذا أحسن من هذا، بمعنى: أقل بغضا، وأقل شرّا ، وأقلّ صعوبة ، وأقلّ قبحا ومنه قوله تعالى: (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)(٣).

[٣ / ١٢٤] وقول الرّاجز :

٢٠٩٦ ـ أظلّ أرعى وأبيت أطحن

الموت من بعض الحياة أهون (٤)

__________________

(١) البيت من الطويل وقائله الفرزدق.

اللغة : أهلا وسهلا : أي : أتيتم أهلا ، ومكانا سهلا ، جنى النّحل : شهده ، والمراد شبيهه.

والشاهد فيه قوله : «منه أطيب» حيث قدم المجرور بـ «من» على أفعل التفضيل مع أنه غير استفهام وهو قليل ، فالاستشهاد مبنيّ على أنّ «منه» متعلق بـ «أطيب».

ينظر الشاهد في : النقائض (٢ / ٦١٢) ، وشرح ابن يعيش (٢ / ٦٠) ، والهمع (٢ / ١٠٤) ، والدرر (٢ / ١٣٧) ، والأشموني (٣ / ٥٢) ، وديوان الفرزدق ط. الصاوي (ص ٣٢) ، وشرح العمدة (ص ٤٢٧) ، وشرح الكافية (٢ / ٤٣٣).

(٢) البيت من الكامل ، ونسب لأبي ذؤيب الهذلي ، خويلد بن خالد ، أحد المخضرمين ، أسلم ، ومات في سنة (٢٦ ه‍).

اللغة : أطيب : أعذب ، بذلت : سخوت ، موهبة : هي السحابة ، أو نقرة الشجرة ، يجمع فيها ماء السحاب ، كما في الاشتقاق.

والشاهد فيه قوله : «أطيب» فإنه «أفعل» تفضيل ، وقد فصل بينه وبين «من» الجارة للمفضول بـ «لو» ينظر الشاهد أيضا في : الهمع (٢ / ١٠٤) ، والدرر (٢ / ١٣٧) ، والأشموني (٣ / ٤٦).

(٣) سورة يوسف : ٣٣.

(٤) هذا البيت من الرّجز ، ولم أهتد إلى قائله.

والشاهد فيه قوله : «أهون» ؛ حيث إنه «أفعل» تفضيل ، لا تظهر فيه المشاركة بين المفضل ، والمفضل عليه ؛ لأن المفضل هنا الموت ، ولذلك تقرر المشاركة بوجه ما ، فكأنه يريد : أهون صعوبة عنده.

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثله قول الآخر :

٢٠٩٧ ـ عجيّز لطعاء دردبيس

أحسن من منظرها إبليس (١)

ومن الملحق بالتهكم قول الآخر :

٢٠٩٨ ـ لأكلة من أقط بسمن

ألين مسّا في حوايا البطن

من يثربيّات قذاذ خشن (٢)

ومنه قول الشّاعر :

٢٠٩٩ ـ الحزم والقوّة خير من

الإدهان والفكّة والهاع (٣)

__________________

كما يصلح البيت شاهدا على تقديم المفضل عليه «من بعض الحياة» على اسم التفضيل «أهون» على ما في الشواهد السابقة. ينظر الشاهد في : شرح الألفية للشاطبي (٤ / ٩٣) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٧١٤).

(١) هذا بيت من الرجز ، ولم أهتد إلى قائله.

اللغة : اللطعاء : التي قد انتثر مقدم فيها ، أي : سقطت أسنانها ، والدردبيس : العجوز المسنة.

والشاهد هنا : «أحسن من منظرها إبليس» ؛ إذ تقدّر المشاركة في «أحسن» بأقل قبحا.

ينظر الشاهد في : شرح المصنف (٣ / ٥٥) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٧١٤).

(٢) وهذا الرجز لمرداس ، كما جاء في كتاب القلب والإبدال ، ضمن الكنز اللغوي (ص ٥٥).

اللغة : أكلة : لقمة. أقط : شيء يتخذ من اللبن فيصير جبنا معقودا ، قذاذ ـ جمع أقذ ـ : السهم الذي لا ريش عليه. خشن : جمع أخشن بمعنى : خشن.

والشاهد فيه : يجيء أفعل التفضيل مجرّدا من «أل» والإضافة ، واقترن المفضل عليه بـ «من» لكن الأسلوب للتهكم ؛ ولذلك احترز به من مشاركة المفضل عليه للمفضل في المعنى ، لكنه لا يخلو المقرون بـ «من» في غير تهكم من مشاركة المفضل في المعنى. ينظر الشاهد أيضا في : العيني (٤ / ٤٦) ، ومنهج السالك (ص ٤٠٩) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٧١٣) ، واللسان «خشن».

ويستشهد بذلك أيضا على الفصل بين اسم التفضيل والمفضول في قوله :

ألين مسّا ـ في حوايا البطن ـ

من يثربيّات ...

(٣) هذا البيت من السريع ، وقائله أبو قيس بن الأسلت الأنصاري ، رئيس الأوس في حرب حاطب قبل الإسلام ، بين بطون الأوس والخزرج كلها ، وكان قد هجر الراحة ، لقيادة هذه الحرب ، ثمّ جاء إلى امرأته فأنكرته لشحوبه ثم عرفته من كلامه ، فقال القصيدة التي منها هذا الشاهد ، وأولها :

قالت ولم تقصد لقيل الخنا

مهلا فقد أبلغت أسماعي

تنظر ترجمة هذا الشاعر في خزانة الأدب (٣ / ١٠٩ ، ١١٠) تحقيق هارون.

اللغة : الإدهان ـ من المداهنة ـ : وهي مثل النفاق والمخادعة ، والفكة : الحمق ، والهاع : الحرص.

والشاهد فيه : كالذي قبله ؛ أنّ «أفعل» التفضيل المجرد من «أل» ومن الإضافة للتهكم هنا لذلك لم يشارك المقرون بـ «من» المفضل في المعنى.

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وممّا تقدّر فيه المشاركة قول بعضهم : الصّيف أحرّ من الشّتاء ، وله توجيهات :

أحدها : أن يكون من «أحرّ القتل» بمعنى : استحرّ ، أي اشتدّ ، فكأنّه قيل : الصيف أشدّ احترارا من الشتاء ؛ لأنّ حروبهم في الصّيف كانت أكثر من حروبهم في الشتاء (١) ، ويمكن أن يشار بذلك إلى أنّ الشّتاء يتحيّل فيه على الحرّ بموقيات البرد وأنّ الصيف لا يحتاج فيه إلى تحيّل ، فحرّه أشدّ من حرّ الشتاء (٢) ، ويمكن أن يشار بذلك إلى «حرّ الأمر» جدّ ، وأنّه في الصيف أشدّ منه في الشتاء (٣). وزعم بعض العلماء أنه يقال : العسل أحلى من الخلّ ، وهذا موجه بثلاثة أوجه :

أحدها: أن يكون قائل هذا أسمى العنب خلّا ، لمآله إليه ، كما سمّي خمرا في قوله تعالى : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً)(٤).

الثاني : أن يكون «أحلى» من : حلي بعيني ، إذا حسن منظره.

الثالث : أن يكون هذا قد وضع «أحلى» موضع «أطيب» لأنّ الخلّ يتأدّم به ، فله من الطيب نصيب ، لكنّه دون طيب العسل (٥).

ويكثر حذف المفضول إذا دلّ عليه دليل ، وكان «أفعل» خبرا ، كقوله تعالى : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ)(٦) ، (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا)(٧) ، (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ)(٨) ، (وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)(٩) ، (إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)(١٠) ، (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً)(١١) ، (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا)(١٢) ، (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً)(١٣).

وهو كثير ، ومنه قول الشاعر : ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) هذه توجيهات ثلاثة.

(٤) سورة يوسف : ٣٦.

(٥) تنظر هذه الأوجه الثلاثة في : شرح المصنف (٣ / ٥٦) والتذييل والتكميل (٤ / ٧١٣) ، وفي المساعد لابن عقيل (٢ / ١٧١) ، تحقيق بركات : (... أو أراد بالخلّ العنب كما يسمّى العنب خمرا ، والتهكم لا يمتنع) ا ه.

(٦) سورة البقرة : ٦١.

(٧) سورة البقرة : ٢٨٢.

(٨) سورة آل عمران : ٣٦.

(٩) سورة آل عمران : ١١٨.

(١٠) سورة النحل : ٩٥.

(١١) سورة الكهف : ٤٦.

(١٢) سورة مريم : ٧٣.

(١٣) سورة مريم : ٧٥.

٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

٢١٠٠ ـ إذا المرء علبي ثم أصبح جلده

كرحض غسيل فالتّيمّن أروح (١)

أي : فدفنه على اليمين أروح له ، وقد يحذف المفضول ، وأفعل ليس بخبر ، فمن ذلك قوله تعالى : (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى)(٢).

ومن ذلك قول الشاعر :

٢١٠١ ـ دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا

فظلّ فؤادي في هواك مضلّلا (٣)

أي : دنوت أجمل من البدر ، وقد خلناك مثله.

ومثله :

٢١٠٢ ـ ليلقك من أرضاك قدما أجدّ في

مراضيه فالمسبوق إن زاد سابق (٤)

ومثله قول رجل من طيئ :

٢١٠٣ ـ عملا زاكيا توخّ لكي تج

زى جزاء أزكى وتلفى حميدا (٥)

__________________

(١) هذا البيت من الطويل للنابغة الجعدي واسمه قيس بن عبد الله وقيل : حيان بن قيس. الديوان (ص ٢١٨) طبعة دمشق.

اللغة : علبى : تشنجت علباؤه ، وهي العصبة في العنق ، وفي اللسان «علب» : علبى الرجل : انحط علباواه كبرا ، كرحض : أي كثوب رحض : غسل حتى خلق ، وينظر : اللسان «رحض» ، فالتيمّن : فالموت. وفي اللسان «يمن» يقال : تيمن فلان تيمنا إذا مات ، والأصل فيه : أنه يوسد عينه إذا مات في قبره ، يريد هذا الشاعر أنّه إذا انتهى في الهرم إلى هذا الحد فالموت أروح له.

والشاهد في «أروح» ؛ حيث إنه أفعل تفضيل وقع خبرا ، حذف المفضول بعده للعلم به.

(٢) سورة طه : ٧.

(٣) البيت من الطويل ولم ينسب لقائل معيّن. اللغة : الخطاب للمؤنث ، مضللا : خبر ظل.

والشاهد في البيت قوله : «أجملا» ؛ حيث هو تفضيل ، حذف منه «من» والمفضول ، والتقدير : أجمل من البدر ، وأكثر ما تحذف «من» والمفضول في «أفعل» التفضيل ـ إذا كان خبرا لا حالا كما في هذا البيت. ينظر الشاهد في : العيني (٤ / ٥٠) ، والأشموني (٣ / ٤٦) ، وشرح المصنف (٣ / ٥٧).

(٤) هذا البيت من الطويل ولم ينسب لقائل معين.

والشاهد فيه : قوله : «أجدّ» ؛ حيث إنه «أفعل» تفضيل ، حذفت منه «من» والتقدير : أجدّ في مراضيه من غيرك ، وأكثر ما تحذف «من» في «أفعل» التفضيل إذا كان خبرا.

ينظر البيت في : شرح المصنف (٣ / ٥٧) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٧١٧).

(٥) هذا البيت من الخفيف وقد نسب لرجل من طيئ لم يحدّد اسمه.

والشاهد في قوله : «أزكى» فإنه «أفعل» تفضيل وقع صفة وحذف بعده (من) والمفضول ، والتقدير :

٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أي : لكي تجزى جزاء أوفى من العمل الزّاكي.

ومثله قول الآخر :

٢١٠٤ ـ تروّحي أجدر أن تقيلي

غدا بجنّتي بارد ظليل (١)

أي ترّوحي ، وأتي مكانا أجدر مكانا بأن تقيليه ، أي : تقيلي فيه ، وهذا أغرب من الذي قبله ، لكثرة الحذف فيه.

ولا توجد «من» جارّة للمفضول ، إلا و «أفعل» عار من الإضافة ، والألف واللّام ، وندر إيقاع «من» بعد مضاف إلى ما لا اعتداد بذكره ، والإشارة بذلك إلى قول الشّاعر :

٢١٠٥ ـ نحن بغرس الوديّ أعلمنا

منّا بركض الجياد في السّدف (٢)

أراد : أعلم منّا ، فأضاف ، ناويا إطراح المضاف إليه كما تدخل الألف واللام في ـ

__________________

أزكى من العمل الزاكي ، وهذا قليل ولا يكثر الحذف إلا إذا كان «أفعل» خبرا.

ينظر الشاهد في : شرح المصنف (٣ / ٥٧) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٧١٧) ، والارتشاف برقم (١٠١١) (ص ١٠٨٧) ، ومنهج السالك (ص ٤٠٨) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٧١٧).

(١) هذا البيت من الرجز وقائله : أحيحة بن الجلّاح. وقبله في المحتسب (١ / ٢١٢) :

ترّوحي يا خيرة الفسيل

اللغة : الخطاب ـ على رأي العيني ـ للفسيل بفتح الفاء وهو صغار النّخل ، تروحي : من تروح النبت إذا طال ، والمعنى : طولي يا فسيل ، وكنى بالقيلولة عن النموّ والزهو بكونها في جنتي بارد ظليل.

والشاهد فيه قوله : «أجدر» فإنه «أفعل» تفضيل ، واستعمل بغير ذكر «من» وهو قليل لكونه صفة لمحذوف ولم يقع خبرا ؛ إذ التقدير : وأتي مكانا أجدر أن تقيلي فيه من غيره.

ينظر الشاهد في : شرح المصنف (٣ / ٥٧) ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ١٨٧) ، والأمالي الشجرية (١ / ٣٤٣) ، والأشموني (٣ / ٤٦) ، وشرح التصريح (٢ / ١٠٣).

(٢) هذا البيت من المنسرح ، وفي المقاصد النحوية (٤ / ٥٥) إنه لسعد القرقرة من أهل هجر ، وهو في ديوان قيس بن الخطيم (ص ٢٣٦) ط. دار صادر بيروت.

اللغة : الودي ـ بفتح الواو وكسر الدال وتشديد الياء ـ جمع ودية ، وهي النخلة الصغيرة وروي «الورد» بدل «الودي» ، السدف ـ بفتح المهملتين السين والدال ، وبعدهما فاء ـ الصبح وإقباله.

والشاهد في البيت : قوله : «أعلمنا» الواقع خبرا لـ «نحن» استشهد به على الجمع بين الإضافة و «من» ، وفي هامش ديوان قيس بن الخطيم : (إنها لغة يمنية معروفة) ا ه.

ينظر الشاهد في : اللسان «سدف» ، ومقاييس اللغة (٣ / ١٤٨) ، وشرح المصنف (٣ / ٥٧) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٧١٩) ، ومنهج السالك (ص ٤٠٩٤) ، والأشموني (٣ / ٤٧).

٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بعض الامكنة ، وينوى سقوطها.

وندر إيقاع «من» في قول الشاعر :

٢١٠٦ ـ ولست بالأكثر منهم حصى

وإنّما العزّة للكاثر (١)

وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون من المعتاد وقوعها بعد العاري ، والألف واللام زائدتان.

والثّاني : أن تكون متعلّقة بـ «أكثر» مقدرا ، مدلولا عليه بالموجود المصاحب للألف واللام ، كأنه قال : ولست بالأكثر ، وأكثر منهم حصى (٢) ، وهذا التقدير شبيه بما يقال في قوله تعالى : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ)(٣) أي : كانوا زاهدين فيه من الزاهدين.

والثالث : أن تكون «من» للتبيين ، كأنّه قال : ولست بالأكثر من بينهم وإلى ما فيه من الأوجه أشرت بقولي : (ولا تصاحب «من» المذكورة غير العاري) (٤) إلى آخر الكلام ، والله تعالى أعلم. هذا آخر كلام المصنف ، ونتبعه الإشارة إلى أمور :

الأول : ذكر شواهد على بعض المسائل المذكورة ، ذكرها غير المصنف :

منها : شاهد الفصل ، بين «أفعل» وبين ما هو معمول لـ «أفعل» ، قال الله تعالى : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)(٥).

وقال الشاعر : ـ

__________________

(١) هذا البيت من السريع ، وجعله العيني من الرجز وهذا غير صحيح وقائله الأعشى المشهور ، يهجو علقمة بن علاثة ، ويمدح عامر بن الطفيل في المنافرة التي جرت بينهما ، والمعنى : بم تزعم العزة ، ولست بالأكثر منه عددا والعزة لصاحب الكثرة.

والشاهد في البيت قوله : «بالأكثر منهم» ؛ حيث جمع فيه بين الألف واللام و «من» وأجيب بزيادة «ال» أو على تقدير : بالأكثر بأكثر منهم ، والمحذوف بدل من المذكور ، أو : أنّ «من» لبيان الجنس ، أو هي بمعنى «في» أي : فيهم.

من مراجع الشاهد : ديوان الأعشى (ص ٩٤) ، واللسان «حصى» ، والخصائص (١ / ١٨٥) ، والأشموني (٣ / ٤٧).

(٢) ينظر هذا التقدير في التذييل والتكميل (٤ / ٧١٩).

(٣) سورة يوسف : ٢٠ ـ يعني التقدير في الآية الكريمة.

(٤) ينظر : شرح المصنف (٣ / ٥٨).

(٥) سورة يوسف : ٣٣.

٦٠