شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٦

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٦

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

١
٢

الباب الرابع والثلاثون

باب التّعجّب

[تعريفه وصيغه ـ حكم المتعجب منه]

قال ابن مالك : (ينصب المتعجّب منه مفعولا بموازن «أفعل» فعلا لا اسما ، خلافا للكوفيّين ، غير الكسائيّ ، مخبرا به عن «ما» متقدّمة بمعنى شيء ، لا استفهاميّة خلافا لبعضهم ، ولا موصولة خلافا للأخفش في أحد قوليه ، وك «أفعل» «أفعل» خبرا لا أمرا ، مجرورا بعده المتعجّب منه بياء زائدة لازمة ، وقد تفارقه إن كان «أن» وصلتها ، وموضعه رفع بالفاعلية لا نصب بالمفعوليّة ، خلافا للفرّاء والزّمخشريّ وابن خروف. واستفيد الخبر من الأمر هنا ، وفي جواب الشّرط ، كما استفيد الأمر من مثبت الخبر والنّهي من منفيه ، وربّما استفيد الأمر من الاستفهام ، ولا يتعجّب إلّا من مختصّ ، وإذا علم جاز حذفه مطلقا ، وربّما أكّد «أفعل» بالنّون ، ولا يؤكّد مصدر فعل تعجّب ، ولا أفعل تفضيل).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : قال المصنف (١) : للتعجّب ألفاظ كثيرة لا يتعرض لها النحويّون ، في باب التعجب ، كقول العرب : «لله أنت» (٢) و «واها له» (٣) وكقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ

__________________

(١) انظر شرح التسهيل لابن مالك (٣ / ٣٠).

التعجب لغة : هو التأثر الحاصل للنفس عند الاستطلاع على أمر زائد عن المعهود للمتأثر ، وقيل : هو انفعال يحدث فى النفس عند الشعور بأمر خفي سببه.

واصطلاحا : هو استعظام زيادة في وصف الفاعل ، خفي سببها ، وخرج بها المتعجب منه عن نظائره ، أو قلّ نظيره.

وقيل : هو استعظام فعل فاعل ظاهر المزية بألفاظ كثيرة. ينظر : المقرب لابن عصفور (١ / ٧١) ، والشرح الكبير لابن عصفور أيضا (١ / ٤١٩) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٥٩٥ ، ٥٩٦) ، وشرح الأشموني (٣ / ١٦ ، ١٧) ، وشرح التصريح (٢ / ٨٦ ، ٨٧).

(٢) في حاشية الصبان (٣ / ١٧): (قوله : «لله أنت» : أي في جميع الكمالات ، يدل عليه حذف جهة التعجب ، فهو أبلغ من نحو : «لله درك فارسا») ا ه.

(٣) واها : اسم فعل مضارع بمعنى : أعجب.

٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لأبي هريرة (١) رضي‌الله‌عنه : «سبحان الله إنّ المؤمن لا ينجس» (٢).

ومن ألفاظه «فعل» المتقدم ذكره في باب «نعم» نحو : بغض الرجل زيد (٣) ، ومنها المذكور فى باب الاستغاثة نحو : يا للمراء ، ومنها ما يذكر في باب القسم من نحو : لله لا يؤخّر الأجل (٤) ، وإنما ينوب في النحو من ألفاظه لـ «أفعل» و «أفعل» وهما فعلان غير متصرّفين (٥) ، ولا خلاف في فعليّة [٣ / ١١٢] «أفعل» ؛ لأنه على وزن مختصّ بالأفعال ولأنه قد يؤكد بالنّون كقول الشاعر :

٢٠٦٣ ـ ومستبدل من بعد غضبى صريمة

فأحر به من طول فقر وأحريا (٦)

أراد : وأحرين ، فأبدل النّون ألفا للوقف ، وأما «أفعل» فمختلف فى فعليّته عند ـ

__________________

(١) أبو هريرة : عبد الرحمن بن صخر ، توفي سنة (٥٩ ه‍) ، نشأ يتيما ، وأسلم سنة (٧ ه‍) وصحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأكثر من الرواية عنه ، ولاه عمر المدينة مدة ، ثم عزله ، ومات بها. انظر : الإصابة في تمييز الصحابة (٤ / ٢٠٢ ، ٢١٣).

(٢) لقيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان أبو هريرة جنبا ، فانسل ، واغتسل ، ثم رجع ، فسأله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أين كنت؟» فقال : إني كنت جنبا فكرهت أن أجالسك على غير طهارة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سبحان الله!».

ينظر : البخاري الباب (٢٣) من كتاب الغسل ، ومسلم حديث (٦٦) من كتاب الحيض ، والنسائي الباب (١٧) من كتاب الطهارة.

وفي حاشية الشيخ يس على التصريح (٢ / ٨٦): (إن قلت : ما معنى التعجب في كلمة التسبيح؟ قلت : أصل ذلك أن يسبح الله عند رؤية العجب من صنائعه ، ثم كثر ، حتى استعمل في كل ما يتعجب منه) ا ه.

وهذا الحديث الشريف وما قبله من التعجب السماعي.

(٣) سبق شرحه ، وهو تعجب قياسي.

(٤) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٥٩٨) ، والهمع (٢ / ٩٢) وهذا من التعجب السماعي.

(٥) في شرح التصريح (٢ / ٨٦ ، ٨٨): (والمبوب له منها في النحو صيغتان اثنتان موضوعتان له : إحداهما : ما أفعله ... والثانية : أفعل به).

(٦) هذا البيت من الطويل ، ولم ينسب لقائل معين ، وفي اللسان مادة «غضب» : (أنشده ابن الأعرابي).

الروايات واللغة : ومستبدل اسم فاعل من الاستبدال ، وغضبى المائة من الإبل ، صريمة تصغير صرمة بكسر الصاد ، قطعة من الإبل ، نحو الثلاثين ، وصغرها للتقليل ، فأحر به : أجدر به ، تعجب ، من : حري أن يفعل كذا ، أحريا : أصله أحرين ، فأبدل النون ألفا في الوقف.

والشاهد فيه : «وأحريا» حيث أكد «أفعل» بنون التوكيد.

ينظر : الشاهد أيضا في : التذييل والتكميل (٤ / ٦٢٩) ، وشرح الكافية الشافية (٢ / ١٠٧٧) ، والمساعد لابن عقيل (٢ / ١٥٣) ، والأشموني (٣ / ٢٢١).

٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الكوفيين ، ومتفق على فعليته عند البصريين (١) ، وهو الصحيح ؛ للزوم اتّصال نون الوقاية به (٢) عاملا في ياء المتكلّم ، نحو : ما أفقرني إلى عفو الله (٣) ، ولا يكون كذلك إلا فعل ، ولا يرد على هذا «عليكني» ولا «رويدني» فإنّه قد يقال فيهما : عليك بي ، ورويد لي ، فيستغنى فيها عن نون الوقاية بالباء واللام ، بخلاف : «ما أفقرني» ونحوه ، فإنّ النون فيه لازمة ، غير مستغنى عنها بغيرها (٤) ، والمتعجب منه منصوب بـ «أفعل» على المفعوليّة ، إن وقع بعده ، نحو : ما أظهر الحقّ ، وما أدحض الباطل (٥) ، ومجرور بباء لازمة إن وقع بعد «أفعل» نحو : أكرم بزيد ، و «ما» الواقعة قبل «أفعل» اسم مبتدأ ، بلا خلاف ، لأنّ «أفعل» ثابت الفعلية (٦) ولا بدّ له من فاعل ، وليس ظاهرا ، فتعيّن كونه ضميرا ، ولا مذكور يرجع إليه غير «ما» فتعيّن كونها اسما ، وبعد ثبوت اسميّتها فهي إمّا بمعنى شيء (٧) ، وإما بمعنى الذي ، وإما استفهاميّة ، والقول الأول قول البصريين وهو الصحيح ، لأنّ قصد المتعجّب الإعلام بأنّ المتعجّب منه ذو مزية إدراكها جليّ ، وسبب الاختصاص خفيّ ، فاستحقت الجملة المعبّر بها عن ذلك أن تفتتح بنكرة غير مختصّة ، ليحصل ـ

__________________

(١) في التذييل والتكميل (٤ / ٦٠١): (يعني أنّ «أفعل» في التعجب فعل عند البصريين والكسائي ، والهمزة فيه للنقل ، وهو اسم عند الكوفيين ، غير الكسائي ، ونقل بعض أصحابنا أنه اسم عند الكوفيين ، ولم يستثن منهم الكسائي ، فلعل له قولين) اه.

ينظر : الإنصاف (١ / ٨١) مسألة (١٥) ، ومنهج السالك (ص ٣٧٠) ، والمساعد لابن عقيل (٢ / ١٤٧) ، وشرح التسهيل للمرادي (١٨٨ / ب).

(٢) في التذييل والتكميل (٤ / ٦٠٢): (وما ذكروه من لزوم نون الوقاية لفعل التعجب هو على طريقة البصريين ، وأما الكوفيون فإنهم يجيزون : ما أظرفني أو ما أظرفي ؛ يجعلون نون الوقاية جائزة مع ياء المتكلم ، لا واجبة ، وحكوه سماعا عن العرب) ا ه وينظر : الإنصاف مسألة (١٥) (١ / ٨٢) ، وشرح التسهيل للمرادي (١٨٨ / ب) ، وتوضيح المقاصد للمرادي أيضا (٣ / ٦٢).

(٣) هذا الكلام بنصه في شرح الكافية الشافية (٢ / ١٠٧٨).

(٤) ينظر : شرح المصنف ، والتذييل والتكميل (٤ / ٦٠١).

(٥) في التذييل والتكميل (٤ / ٦٠٠): (ومذهب سيبويه والبصريين أنّ نصب الاسم في : «ما أظرف زيدا» هو على المفعول به) ا ه.

وينظر : الكتاب (١ / ٩٦) ، وشرح التسهيل للمرادي (١٨٨ / ب) ، والمساعد لابن عقيل (٢ / ١٤٧).

(٦) أي عند البصريين. وهو الصحيح.

(٧) أي نكرة غير موصولة ، ولا موصوفة.

٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بذلك إبهام ، متلوّ بإفهام ولا ريب أنّ الإبهام حاصل بإيقاع «أفعل» على المتعجّب منه ؛ إذ لا يكون مختصّا ، فتعين كون الباقي مقتضيا الإبهام ، وهو «ما» فلذلك اختير القول بتنكيرها ، ولا يمتنع الابتداء بها ـ وإن كانت نكرة غير مختصّة ـ كما لم يمتنع الابتداء بـ «من» و «ما» الشرطيّتين والاستفهاميتين ، ووافق أبو الحسن الأخفش على صحّة جعل «ما» التعجبية نكرة ، وأجاز كونها موصولة بفعل التعجّب ، مخبرا عنها بخبر لازم الحذف (١) ؛ فتحصّل أيضا بقوله هذا إفهام وإبهام ، فحصول الإفهام بذكر المبتدأ أو صلته ، وحصول الإبهام بالتزام حذف الخبر ، إلا أنّ هذا القول يستلزم مخالفة النظائر من وجهين (٢) :

أحدهما : تقدّم الإفهام ، وتأخّر الإبهام ، والمعتاد فيما تضمّن من الكلام إفهاما ، وإبهاما : تقدّم ما به الإبّهام ، وتأخّر ما به الإفهام ، كما فعل بضمير الشأن ومفسّره ، وبضميري «نعم» ، و «ربّ» ، وبالعموم والتخصيص ، وبالمميّز والتمييز ، وأشباه ذلك.

الثّاني : كون الخبر فيه ملتزم الحذف دون شيء ، يسدّ مسدّه ، والمعتاد في الخبر ، الملتزم الحذف ، أن يسدّ مسدّه شيء ، يحصل به استطالة كما كان بعد «لولا» ، وفي نحو : لعمرك لأفعلنّ ، فالحكم بموصوليّة «ما» وكون الخبر محذوفا ، دون استطالة حكم بما لا نظير له ؛ فلم يعول عليه ولا أجيب الدّاعي إليه ، وأيضا يقال لمن ذهب هذا المذهب : أخبرني عن الخبر الذي ادّعيت حذفه ، أمعلوم هو أم مجهول؟ فإن قال : هو معلوم ؛ فقد أبطل الإبهام المقصود ، وإن قال : هو مجهول ؛ لزمه حذف ما لا يصحّ حذفه ، فإنّ شرط صحة حذف الخبر ألا يكون مجهولا ، وهذا كاف في بيان ضعف القول بأن «ما» التعجبية موصولة بفعل التعجّب ، وأما كونها استفهامية وهو قول الكوفيين (٣) فليس بصحيح ؛ لأنّ قائل ـ

__________________

(١) ينظر : شرح فصول ابن معط (ص ١٣٨) ، والتذييل : (٤ / ٦٠٧) ، والمساعد (٢ / ١٤٨).

(٢) شرح المصنف (٣ / ٣١).

(٣) في التذييل والتكميل (٤ / ٦٠٤): (وذهب الفراء وابن درستويه إلى أنّ «ما» استفهامية دخلها معنى التعجب وتأوله ابن درستويه على الخليل رحمه‌الله قال : معنى قول الخليل «ما» في «ما أحسن زيدا» ، أنه استفهام دخله معنى التعجب كأنه هو الذي من حقه أن يقال فيه : أي شيء حسنه؟ واستدل عليه بإجماعهم على أنّ قولهم : أيّ رجل زيد؟ استفهام دخله معنى التعجب) اه ، وينظر : منهج السالك لأبي حيّان (٣٧٠) ، وشرح التسهيل للمرادي (١٨٩ / أ) ، والمساعد لابن عقيل (٢ / ١٤٨).

٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك إما أن يدّعي تجردها للاستفهام ، وأما أن يدعي كونها للاستفهام والتعجّب معا ، كما هي في قوله تعالى : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ)(١).

فالأول باطل بإجماع ، ولأنّ اللفظ المجرد للاستفهام لا يتوجّه ممّن يعلم إلى من يعلم ، و «ما أفعله» صالح لذلك ، فلم يكن لمجرد الاستفهام ، والثاني أيضا باطل ؛ لأنّ الاستفهام المشوب بتعجّب لا يليه ـ غالبا ـ إلا الأسماء ، نحو : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ)(٢) ، (وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ)(٣) ، (الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ)(٤) ، (الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ)(٥) ، ونحو قول الشاعر :

٢٠٦٤ ـ يا سيّدا ما أنت من سيّد

موطّأ الأكناف رحب الذّراع (٦)

ومثله :

٢٠٦٥ ـ يا جارتا ما أنت جارة (٧)

و «ما» المشار إليها مخصوصة بالأفعال ، فعلم أنّها غير المضمّنة استفهاما ، وأيضا : لو كان فيها معنى استفهام لجاز أن تخلفها «أيّ» كما يجوز أن تخلفها في نحو :

(... ما أنت من سيّد)

لأنّ استعمال «أيّ» في الاستفهام المضمّن تعجّبا كثير ، كقوله :

٢٠٦٦ ـ أيّ فتى هيجاء أنت وجارها (٨)

__________________

(١) سورة الواقعة : ٨. (٢) سورة الواقعة : ٢٧.

(٣) سورة الواقعة : ٤١.

(٤) سورة الحاقة : ١ ، ٢.

(٥) سورة القارعة : ١ ، ٢.

(٦) سبق تخريج هذا الشاهد في باب التمييز.

والشاهد هنا قوله : «ما أنت من سيّد» ؛ حيث إنّ «ما» الاستفهامية المشوبة بالتعجب جاء بعدها اسم هو «أنت».

(٧) سبق تخرج هذا الشاهد في باب التمييز أيضا.

والشاهد هنا قوله : «ما أنت جارة» ؛ حيث إنّ «ما» قد يقصد بها الاستفهام المشوب بالتعجب ، ويعقبها الاسم غالبا ، كما هنا.

(٨) هذا صدر بيت من الطويل ، وعجزه :

إذا ما رجال بالرّجال استقلّت

٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأيضا ، فإنّ قصد التعجّب بـ «ما أفعله» مجمع عليه ، وكونه مشوبا باستفهام ، أو ملموحا فيه الاستفهام زيادة لا دليل عليها ، فلا يلتفت إليها (١).

وفي «أفعل» المتعجّب به ، مع الإجماع (٢) على فاعليته قولان :

أحدهما : أنّه في اللفظ أمر ، وفي المعنى خبر إنشائي مسند إلى المتعجّب منه المجرور بالباء (٣).

الثاني : أنّه أمر باستدعاء التعجّب من المخاطب ، مسند إلى ضميره ، وهو قول الفرّاء واستحسنه الزمخشريّ ، وابن خروف (٤) والأول هو الصحيح ، لسلامته ممّا يرد على الثاني من استشكالات :

أحدها : أنّه لو كان الناطق بـ «أفعل» المذكور آمرا بالتعجّب لم يكن متعجّبا ، كما لا يكون الآمر بالحلف ، والنّداء ، والتشبيه ، حالفا ، ولا مناديا ، ولا مشبها ، ولا خلاف في كون الناطق بـ «أفعل» المذكور متعجّبا ، وإنما الخلاف في انفراد التعجّب ، ومجامعة الأمريّة (٥).

الثاني : أنّه لو كان أمرا مع الإجماع على فعليّته لزم إبراز ضميره في التأنيث ، والتثنية والجمع ، كما يلزم في كلّ فعل أمر ، متصرفا كان أو غير متصرّف ، ـ

__________________

ولم ينسب لقائل معين ، وهو من أبيات سيبويه التي جهل قائلها.

اللغة : أي فتى هيجاء أنت وجارها : يريد : أي فتى حرب ، وأي جار حرب أنت ، والجار : الكافي لها ، استقلت : نهضت.

والشاهد هنا : أي فتى هيجاء وجارها ، حيث استعملت «أي» للاستفهام المتضمن تعجبا.

ينظر الشاهد في : الكتاب (٢ / ٥٥) ، وشرح المصنف (٣ / ٣٣) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٦٠٥).

(١) ينظر : شرح المصنف (٣ / ٣٣).

(٢) في التذييل والتكميل (٤ / ٦٠٩): (لا خلاف في فعلية «أفعل» إذ هذا الوزن لا يوجد في الأسماء إلا قليلا جدّا ، نحو : أصبع ، إحدى لغات الإصبع ، هكذا نقلوا ، وفي كلام ابن الأنباري ما يدل على أنّ «أفعل» اسم ، لا فعل) ا ه.

(٣) ينظر : شرح المصنف (٣ / ٣٣) والتذييل والتكميل (٤ / ٦٠٥).

(٤) تنظر هذه الآراء في : معاني القرآن للفراء (٢ / ١٣٩) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٦١٢) ، والمفصل (ص ٢٧٦).

(٥) ينظر : منهج السالك (ص ٣٧١) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٦١٢) ، وشرح التسهيل للمرادي (١٨٩ / ب).

٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يعتذر [٣ / ١١٣] عن ذلك بأنه مثل أو جار مجرى المثل (١) ، لأنّ المثل يلزم لفظا واحدا دون تبديل ، ولا تغيير ، نحو : أطرّي فإنّك ناعلة (٢) :

٢٠٦٧ ـ ...

خلالك الجوّ فبيضي واصغري (٣)

والجاري مجرى المثل يلزم لفظا واحدا مع اغتفار بعض التغيير ، نحو : حبّذا ولله درّك ، فالتزم لفظ «حبّذا» ، و «لله» أن تختم الجملتان بما كان للناطق بهما غرض في الختم به ، و «أفعل» المذكور لا يلزم لفظا واحدا ، أصلا ، فليس مثلا ، ولا جاريا مجرى المثل ، فلو كان فعل أمر مسند إلى المخاطب لبرز ضميره في التأنيث ، والتثنية ، والجمع ، كما برز مع غيره ، من أفعال الأمر العارية من المثلية ، وقيدت أفعال الأمر بالعارية من المثلية احترازا من نحو : «خذ ما صفا ، ودع ما كدر» (٤) و «زر غبّا تزدد حبّا» (٥) على أنّ قولهم : «اذهب بذي تسلم» أشبه بالأمثال ، ـ

__________________

(١) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٦١٠ ، ٦١٧) ، ومنهج السالك (٣٧١) ، والمساعد لابن عقيل (١٤١ / ب).

(٢) أطرّي : خذي طرر الوادي ، وهى نواحيه ، فإنّك ناعلة : فإن عليك نعلين ، وقيل : عنى بالنعلين غلظ في جلد قدميها ، ويضرب لمن يؤمر بارتكاب الأمر الشديد ، لاقتداره عليه ، يستوي فيه خطاب المذكر والمؤنث ، والمفرد والمثنى والجمع.

ينظر هذا المثل في : الكتاب (١ / ٢٩٢) ، جمهرة الأمثال لأبن لأبي هلال العسكري (١ / ٥٠) ، برقم (٢٤) ، ومجمع الأمثال (١ / ٤٣٠) ، وشرح المفصل لابن يعيش (٣ / ٤٢٨) اللسان «طرر».

(٣) هذا عجز بيت من الرجز ، جرى مجرى المثل ، وقائله طرفة بن العبد ، الشاعر المشهور ، وذلك أنه كان في سفر مع عمه ، فذهب طرفة بفخ له ، بمكان اسمه معمر ، فنصبه للقنابر ، وظل طوال يومه لم يصد شيئا ، ثم حمل فخه ، وعاد إلى عمه ، فرحلا من هذا المكان ، فرأى القنابر يلقطن ما كان نثر لهن ، فقال أبياتا منها هذا الشاهد ، وصدره :

يا لك من قنبرة بعنبر

 ...

وينسب الشاهد أيضا لكليب ابن أخي المهلهل ، ويضرب المثل في الحاجة يتمكن منها صاحبها.

والشاهد : لزوم المثل لفظا واحدا دون تغيير.

ينظر الشاهد في : ديوان طرفة بن العبد (ص ٤٦) ، ومجمع الأمثال (١ / ٢٣٩) ، والفاخر (١٧٩) ، وجمهرة الأمثال للعسكري (ص ٤٢٢).

(٤) ينظر هذا المثل في المستقصى للزمخشري (٢ / ٧٢) ، برقم (٢٥٨) ، والشاهد فيه لزوم الأمر لفظا واحدا ، لأنه ليس عاريا من المثلية.

(٥) هذا الحديث أورده ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر (٣ / ١٤٦) مادة «غبب» وذكره

٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأحق بأن يجرى مجراها ، ولم يمنع ذلك من بروز فاعل الفعلين في التثنية والجمع ، والتأنيث ، فلو كان المذكور جاريا مجرى المثل لعومل معاملة : «اذهب» و «تسلم» (١).

الثالث من الإشكالات : أن «أفعل» المذكور لو كان مسندا إلى المخاطب لم يجز أن يليه ضمير المخاطب ، نحو : أحسن بك ؛ لأنّ في ذلك إعمال فعل واحد في ضميري فاعل ومفعول ، لمسمّى واحد (٢).

الرابع من الإشكالات : أنّ «أفعل» المشار إليه لو كان بمعنى الأمر ، لا بمعنى «أفعل» تالي «ما» لوجب له من الإعلال ـ إذا كانت عينه ياء ، أو واوا ـ ما وجب لـ : أبن ، وأقم ، ونحوهما ، ولم يقل : أبين ، وأقوم ، فيلزم مخالفة النظائر ، فإذا جعل مخالفا لـ : أبن ، وأقم ، ونحوهما في الأمريّة ، موافقا لأبين وأقوم ، من : ما أبينه ، وما أقومهّ في التعجّب ، سلك به سبيل الاستدلال ، وأمن الشذوذ من التصحيح والإعلال (٣) ، وقد تبين بعد ما ذكرت فاعليته ما بعد «أفعل» من المجرور بالباء ، وهو نظير المجرور بعد (كفى) في نحو : (كَفى بِاللهِ شَهِيداً)(٤) إلا أنّ بينهما فرقا من وجهين :

أحدهما : أنّ الباء في : (كَفى بِاللهِ) ونحوه قد يحذف ، ويرتفع مصحوبه كقول الشاعر :

٢٠٦٨ ـ عميرة ودّع إن تجهّزت غازيا

كفى الشّيب والإسلام للمرء ناهيا (٥)

__________________

السيوطي في الجامع الكبير (١ / ٥٣٧) ، وهذا الحديث من الأمثال ، وتمثل به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي مجمع الأمثال للميداني (١ / ٣٢٢) برقم (١٧٣٢) : قال المفضل : «أول من قال ذلك معاذ بن حزم الخزاعي ، وكانت أمه من عك ، وكان فارس خزاعة ، وكان يكثر زيارة أخواله ... إلخ».

(١) ينظر : شرح المصنف (٣ / ٣٤) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٦١٨).

(٢) يراجع هذا الإشكال في : شرح المصنف (٣ / ٣٤) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٦١٩) وتوضيح المقاصد للمرادي (٣ / ٥٧) ، والهمع (٢ / ٩).

(٣) ينظر : شرح المصنف (٣ / ٣٤) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٦١٩).

(٤) سورة الرعد : ٤٣ ، وسورة الإسراء : ٩٦.

(٥) البيت من الطويل ، وقائله سحيم عبد بني الحساس ، الشاعر المشهور ، وهو في طبقات الشعراء لابن سلام (ص ٧٠) :

 ...

إن تجهّزت غاديا

وفي اللسان مادة «نهى» :

١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والباء الجارّة ما بعد «أفعل» لا تحذف ، إلّا إذا كان مصحوبها «أن» والفعل كقول الشاعر :

٢٠٦٩ ـ وقال نبيّ المسلمين تقدّموا

وأحبب إلينا أن تكون المقدّما (١)

ولو اضطرّ شاعر إلى حذف الباء المصاحبة غير أن بعد «أفعل» ، لزمه أن يرفع ، وعلى مذهب الفراء يلزم النصب (٢) ، ولا حجة له في قول الشاعر :

٢٠٧٠ ـ ألا طرقت رجال القوم ليلى

فأبعد دار مرتحل مزارا (٣)

لإمكان جعل «أبعد» دعاء ، على معنى : أبعد الله دار مرتحل عن مزار محبوبته ، كأنّه يحرّض نفسه على الإقامة في منزل طروق ليلى ، لأنه صار طروقها مزارا (٤) ، ولا حجة له في قول الآخر : ـ

__________________

سميّة ودع ...

اللغة : عميرة : اسم امرأة ، تصغير عمرة ، وفي ديوان سحيم : قال أبو عبيدة : كانت حبيبته التي شغف بها تسمى : غالية ، وهي من أشراف تميم بن مر ، ولم يتجاسر على ذكر اسمها ، ودّع : اترك التودد إليها.

والشاهد في البيت قوله : «كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا» ؛ حيث أتى الشاعر بفاعل «كفى» الشيب وما عطف عليه غير مجرور بالباء الزائدة ، وهذا دليل على جواز حذف هذه الباء.

ينظر هذا الشاهد في : ديوان سحيم (ص ١٦) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٦١١) ، والإنصاف (١ / ١١٠) ، وقطر الندى (٣٢٣) ، وشواهد المغني للسيوطي (٣٢٥) ، والأشموني (٣ / ١٩).

(١) البيت من الطويل ، وقائله : العباس بن مرداس الصحابي ، في غزوة حنين.

والشاهد في البيت قوله :

«وأحبب إلينا أن تكون المقدما»

فقد استشهد به على جواز حذف الباء التي تجر المتعجب منه بعد «أنّ ، وأن» المصدرتين ؛ وذلك لاطراد حذف الجار منهما.

وينظر الشاهد في : ديوان العباس بن مرداس (ص ١٠٢) ، وشرح المصنف (٣ / ٣٥) ، والمساعد لابن عقيل (٢ / ١٥٠) ، والدرر (٢ / ١٢١) ، الأشموني (٣ / ١٩).

(٢) ينظر : منهج السالك (٣٧٢) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٦٢١).

(٣) لم يعرف قائله ، وهو من بحر الوافر.

وروي : «الحي» بدل «القوم».

الشاهد فيه : «فأبعد دار مرتحل» حيث نصب الاسم بعد «أفعل» لما حذفت الباء وهذا دليل على أن المجرور بعد أفعل في موضع نصب على المفعولية.

وهو من شواهد المصنف (٣ / ٣٥) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٦٢١) ، ومنهج السالك (٣٧٢) ، وشرح التسهيل للمرادي (١٨٩ / ب) ، وتعليق الفرائد (٢ / ٤٣٥) ، والدرر (٢ / ١٢٠) ، والمساعد (٢ / ١٥٠) ، والهمع (٢ / ٩١).

(٤) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٦٢١).

١١

.................................................................................................

______________________________________________________

٢٠٧١ ـ فأجدر مثل ذلك أن يكونا (١)

لاحتمال أن يكون «أجدر» فعل أمر ، عاريا من التعجّب بمعنى : اجعل مثل ذلك جديرا بأن يكون ، أي : حقيقا بالكون (٢) ، يقال : جدر بكذا جدارة ، أي : صار به جديرا (٣) ، وأجدرته به ، أي : جعلته جديرا به ، أي : حقيقا (٤) ، ويحتمل أن يكون «أجدر» فعل تعجّب ، مسندا إلى «مثل ذلك» ، ثم حذفت الباء اضطرارا واستحقّ مصحوبها الرفع على الفاعلية لكنه بني ، لإضافته إلى مبني ، كما بني في قوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(٥) على قراءة غير أبي بكر ، وحمزة والكسائي (٦).

والثاني من جهتي الفرق : أن «كفى» قد تسند إلى غير المجرور بالباء فيكون هو في موضع نصب ، ولا يفعل ذلك بـ «أفعل» ، أصلا ، ومن المواضع التي أسند فيها «كفى» إلى غير المجرور بالباء قول الشاعر :

٢٠٧٢ ـ فكفى بنا فضلا على من غيرنا

حبّ النّبيّ محمّد إيّانا (٧)

ونظير ما جاء في التعجّب من لفظ الأمر مرادا به الخبر ما جاء من ذلك في جواب ـ

__________________

(١) هذا عجز بيت من الوافر لم أهتد إلى قائله ، ولم أعرف تتمته فيما قرأت من المراجع.

والشاهد فيه قوله :

«فأجدر مثل ذلك أن يكون» ؛

حيث نصب «مثل» الذي كان مجرورا بعد «أجدر» ونصب على إسقاط الخافض ، وهذا دليل على أنّ موضعه نصب على المفعول به.

ينظر الشاهد في : شرح التسهيل (٣ / ٣٥) ، والهمع (١ / ٩١) ، الدرر (٢ / ١٢٠).

(٢) ينظر هذا التأويل في : التذييل والتكميل (٤ / ٦٢١) ، ومنهج السالك (٣٧٢) ، وشرح التسهيل للمرادي (١٨٩ / ب) وهو بحروفه في الدرر (٢ / ١٢٠ ، ١٢١).

(٣) في اللسان مادة «جدر» (٥ / ١٨٩): (هو جدير بكذا ، ولكذا ، أي خليق له ، وقد جدر جدارة) ا ه.

(٤) لمراجعة ذلك ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٦٢٢) ، وشرح المصنف (٣ / ٣٥) وتعليق الفرائد للدماميني (٢ / ٤٣٥).

(٥) سورة الذاريات : ٢٣.

(٦) القراءة في النشر (٣ / ٢١٣) وتحبير التيسير (ص ١٧٩) ، والإتحاف (ص ٣٩٩) ، والكشاف (٤ / ١٧) ، والبحر المحيط (٨ / ١٣٦ ، ١٣٧) ، وإملاء ما من به الرحمن (٢ / ٢٤٤) ، والبيان في غريب القرآن (٢ / ٣٩١) ، وفي كتاب السبعة لابن مجاهد (٦٠٩): (قوله : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ، وحفص عن عاصم : مثل مآ نصبا) اه.

وفي الحجة لابن خالويه (٣١٢): (والحجّة لمن نصب أنه بناه مع «ما» بناء : «لا رجل عندك») ا ه.

(٧) سبق تخريج هذا الشاهد في (باب الاستثناء) ، والشاهد فيه هنا قوله : «فكفى بنا حبّ النبيّ محمّد» ؛ حيث أسند «كفى» إلى «حب» والجار والمجرور في موضع نصب.

١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الشرط : كقوله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا)(١) ، وكقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» (٢) ، وإلى هذا النوع أشرت بقولي : (واستفيد الخبر من الأمر هنا ، وفي جواب الشرط).

ثم قلت : (كما استفيد الأمر من مثبت الخبر ، والنهي من منفيّه) فمثال الأوّل (٣) : قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)(٤) ومثال الثاني : قوله تعالى : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها)(٥) بضمّ الراء ، وهي قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو (٦).

ثم قلت : (وربما استفيد الأمر من الاستفهام) مشيرا إلى قوله تعالى : (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ)(٧) ، وقوله تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)(٨) ثمّ قلت : (ولا يتعجّب إلّا من مختصّ) (٩) فنبهت بذلك على أنّ المتعجّب منه مخبر عنه في المعنى ، فلا يكون إلا معرفة ، أو نكرة مختصة ، فيقال : ما أحسنك وما أكرم زيدا ، وما أسعد رجلا اتقى الله ، ولا يقال : ما أحسن غلاما ، ولا : ما أسعد رجلا من الناس ؛ لأنه لا فائدة في ذلك (١٠) ، ثمّ قلت : وإذا علم جاز حذفه ، أي : إذا علم المتعجب منه ، والمقصود به ، جاز حذفه ، معمول «أفعل» ـ

__________________

(١) سورة مريم : ٧٥ ، والأمر في الآية معناه الخبر ، فهى من نظائر أفعل ، كما في شرح المصنف ، والتذييل والتكميل (٤ / ٦٢١ ، ٦٢٣).

(٢) هذا الحديث أخرجه البخاري ولفظه (١ / ٣١) باب : إثم من كذب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رواه أبو هريرة : «تسمّوا باسمي ، ولا تكتنوا بكنيتي ، ومن رآني في المنام فقد رآني ، فإنّ الشيطان لا يتمثل في صورتي ، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده في النار».

(٣) وضع الأمر موضع الخبر.

(٤) سورة البقرة : ٢٢٨. والمعنى : ليتربصن. ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٦٢٣) ، وشرح المصنف (٣ / ٣٦).

(٥) سورة البقرة : ٢٢٣.

(٦) في كتاب السبعة لابن مجاهد (ص ١٨٣): (فقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبان عن عاصم : (لا تضارّ والدة) رفعا) ا ه.

وفي الإتحاف (ص ١٥٨): (واختلف في (لا تُضَارَّ) فقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وكذا يعقوب ، برفع الراء مشددة ؛ لأنه مضارع ، لم يدخل عليه ناصب ، ولا جازم ، فرفع ، فلا نافية ، ومعناه النهي للمشاكلة ، من حيث إنه عطف جملة خبرية على مثلها ، من حيث اللفظ ، ووافقهم ابن محيصن واليزيدي) اه.

(٧) سورة آل عمران : ٢٠. والمعنى : أسلموا.

(٨) سورة المائدة : ٩١. والمعنى : انتهوا.

(٩) ينظر : المرجع السابق في التعليق الأول الصفحة نفسها.

(١٠) ينظر : شرح المصنف (٣ / ٣٦) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٦٢٤).

١٣

كان ، أو معمول «أفعل» (١) ، فمثال حذف معمول «أفعل» قول الشاعر :

٢٠٧٣ ـ جزى الله عنّا بحتريّا ورهطه

بني عبد عمرو ، ما أعفّ وأمجدا (٢)

أراد : ما أعفّهم ، وأمجدهم ، فحذف لكون المراد معلوما.

ومثال حذف معمول «أفعل» قول الآخر :

٢٠٧٤ ـ فذلك إن يلق المنيّة يلقها

حميدا ، وإن يستغن يوما فأجدر (٣)

أراد : فأجدر به ، فحذف مع كونه فاعلا ؛ لأن لزومه الجرّ كساه صورة الفضلة ، ولأنه كمعمول «أفعل» في المعنى ، وزعم قوم أنّه ليس محذوفا ، لكن استتر في الفعل ، حين حذفت الباء ، كما يستتر ضمير «زيد» ، إذا حذفت الباء من قولك: زيد كفى به فارسا (٤) فتقول : زيد كفى فارسا ، وهذه [٣ / ١١٤] الدعوى لا تصحّ ، لأنّ صحتها تستلزم أن يبرز الضمير في التثنية والجمع ، كما يبرز في «كفى» إذا قيل في الزيدان كفى بهما فارسين ، و : الزيدون كفى بهم فرسانا : الزيدان كفيا فارسين ، والزيدون كفوا فرسانا (٥) ، ومعلوم أنّه لا يبرز ضمير مع ـ

__________________

(١) أجاز ذلك الجمهور ، ومنعه الفراء ، يراجع ذلك في المرجع الثاني الصفحة نفسها ، ومنهج السالك (ص ٣٨٤ ، ٣٨٥) ، وهمع الهوامع (٢ / ٩١).

(٢) هذا البيت من الطويل وقائله الحصين بن القعقاع ، كما في لسان العرب «بحتر» و «بختر».

والشاهد في البيت قوله : «ما أعف وأمجدا» حيث حذف المتعجب منه جوازا ، للعلم به ، بعد «أفعل» والتقدير : ما أعفهم ، وأمجدهم.

ينظر الشاهد في : شرح المصنف (٣ / ٣٧) ، ومنهج السالك (ص ٣٧٢) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٦٢٦).

(٣) هذا البيت من الطويل ، وقائله : عروة بن الورد ، الملقب بعروة الصعاليك ، وكان شاعرا جوادا ، من شعراء بني عبس المعدودين في الجاهلية ، توفي سنة (٦١٦ م). تنظر : مقدمة ديوانه (ص ٧ ـ ٩).

والشاهد في البيت قوله : «فأجدر» ؛ حيث حذف المتعجب منه بعد «أفعل» والتقدير : فأجدر به ، كما ذكره.

ينظر الشاهد في : ديوانه (ص ٣٧) ط. دار بيروت ، والأصمعيات (ص ٤٦) ، وشرح المصنف (٣ / ٤٧) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٦٢٠) ، والهمع (٢ / ٩٠) ، والدرر (٢ / ١٢٠).

(٤) لمراجعة هذا الزعم ، ينظر : منهج السالك (ص ٣٧٣) ، وشرح التسهيل للمرادي (١٩٠ / أ) ، وفي التذييل والتكميل (٤ / ٦٢٨): (وزعم الفارسي ، وقوم من النحويين أنه لم يحذف الفاعل في «أفعل» بل لما حذف حرف الجر استتر الفاعل في «أفعل». اه.

(٥) ينظر هذا الرد في : شرح المصنف (٣ / ١٣٧) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٦٢٨) ، وهذا الرد أيضا في منهج السالك (ص ٣٧٣) وزيد عليه : (وأجيب بأن الضمير استتر في الفعل ، فلم يظهر ، وسواء أكان ضمير جمع أو تثنية ، أو مفرد ؛ لأنه أجري مجرى الأمثال ، وفي بقائها على صورة واحدة) اه.

١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

«أفعل» ، كقوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)(١) فعلم بذلك عدم صحة الدعوى المذكورة ، ومما يدلّ على عدم صحتها أنّ من الضمائر ما لا يقبل الاستتار ، كـ «نا» من نحو : أكرم بنا ، وأحلم بنا ؛ لأنّ «نا» لا تقبل الاستتار ، والمقبول إنّما هو : أكرم ، وأحلم ، ونحو ذلك (٢) ، كما قال الراجز :

٢٠٧٥ ـ أعزز بنا واكف إن دعينا

يوما إلى نصرة من يلينا (٣)

وقد يتوهم أنّ «أفعل» خوطب به المصدر على سبيل المجاز ، كأنّ من قال : أحسن به ، قال : يا حسن به ، فلهذا لزم الإفراد والتذكير ، أشار إلى هذا أبو علي في البغداديات ، منفرا منه ، وناهيا عنه (٤) ، ومما يبين فساده أنّ من الضمائر المصوغ منها «أفعل» ما لا يكون إلّا مؤنثا ، كالسهولة والنجابة ، فلو كان هذا الأمر على ما توهمه صاحب الرأي لقيل في أسهل به ، وأنجب به : أسهلي ، وأنجبي به ، لكنّه لم يقل ؛ فصحّ بذلك فساد ما أدّى إليه (٥) ، ولشبه «أفعل» بفعل الأمر جاز أن يؤكد بالنون كقول الشاعر :

٢٠٧٦ ـ ومستبدل من بعد غضبى صريمة

فأحر به من طول فقر وأحريا (٦)

وهذا من إلحاق شيء لمجرد شبه لفظيّ ، وهو نظير تركيب النكرة مع «لا» الزائدة ، لشبهها بـ «لا» النافية للجنس ، ونظيره زيادة «أن» بعد «ما» الموصولة ، لشبهها بـ «ما» النافية (٧) ، وقد تقدم الاستشهاد على ذلك ، ولما كان فعل ـ

__________________

(١) سورة مريم : ٣٨.

(٢) في التذييل والتكميل (٤ / ٦٢٨): (ولأنّ من الضمائر ما لا يمكن استتاره ، نحوا ضمير المتكلم ، تقول : أكرم بي ، وأعزز بنا ، فلو حذف الباء وحدها لقيل : أكرمنا ، وأعززنا ، ولم يقل ، إنما قالوا : أكرم ، وأعزز ؛ فدل ذلك على أنّ المحذوف هو حرف الجر ، ومعموله).

(٣) البيت من الرجز ، ولم ينسب لقائل معين.

والشاهد فيه قوله : «واكف» ؛ حيث حذف المتعجب منه بعد «أفعل» والتقدير كما ذكر : واكف بنا.

ينظر : الشاهد في : شرح المصنف (٣ / ١٣٧) ، ومنهج السالك (ص ٣٧٣) ، والدرر (٢ / ١٢٠) ، والتذييل (٤ / ٦٢٧).

(٤) ينظر : منهج السالك (ص ٣٧٣) ، وشرح التسهيل للمرادي (١٩٠ / أ).

(٥) ينظر : شرح المصنف (٣ / ١٣٨).

(٦) سبق تخريج هذا الشاهد.

والشاهد هنا قوله : «أحريا» ؛ حيث أكد «أفعل» بنون التوكيد.

(٧) ينظر : شرح المصنف (٣ / ١٨٣) والتذييل والتكميل (٤ / ٦٢٩).

١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

التعجب دالّا على المبالغة والمزيّة استغني عن توكيده بالمصدر ، وكذلك أفعل التفضيل ، وعلى ذلك نبهت بقولي : (ولا يؤكد مصدر فعل تعجّب ولا أفعل تفضيل) ، انتهى كلام المصنف رحمه‌الله تعالى ، وهو كلام من زرق التوفيق وهدي في أداء مقاصده السنية إلى أحسن طريق ولنتبعه بذكر أمرين :

أحدهما : أنّ ابن عصفور حدّ التعجب بأنه استعظام زيادة في وصف الفاعل خفي سببها ، وخرج بها المتعجب منه عن نظائره ، أو قلّ نظيره (١) فذكر الاستعظام تنبيها على أنّ التعجب لا يجوز من الله ، والتعجب الوارد في القرآن الكريم مصروف إلى المخاطب (٢) ، أما ذكر الزيادة ، وكون الوصف لفاعل فسيأتي التعرض لها في كلام المصنف ، وأما ذكر خفاء السبب فقال هو في شرحه : إنّ التعجّب لا يكون إلا من خفيّ السّبب ؛ ألا ترى أنّ الإنسان لا يعجب إلا ممّا كان يعلمه ولا يقدر وقوعه ، فيتعجب كيف وقع مثله ، وأمّا ذكر خروج المتعجّب منه بالزيادة عن نظائره ، وأن يقلّ نظيره ، فقال في شرحه أيضا : الزيادة المستعظمة في وصف الفاعل لا يتعجب منها إلا إذا بلغت هذا المبلغ.

الثّاني : أنّ ابن عصفور أيضا وهو يذكر الصيغتين اللتين هما : ما أفعل ، وأفعل به قال : إلا أنّ فيها خلافا ، منهم من ألحقها بباب التعجّب ، كالأخفش ومن معه ومنهم من ألحقها بباب «نعم» ثم صحح أنها من صيغ التعجّب قال : بدليل أنّ العرب لا تبني الفعل الثلاثي على «فعل» ، وتضمنه معنى المدح أو الذّمّ ، إلّا بشرط أن يكون ذلك الفعل يمكن التعجب منه بقياس ، قال : ولو لم يكن معناه التعجب لما لزم ذلك فيه ، إلّا أنّ منهم من يجريه مجرى «نعم» ، رعيا لما تضمنته من معنى المدح أو الذّم ، ومن ذلك قوله تعالى : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ)(٣) ، وهذه الآية الشريفة على حدّ : نعم رجلا زيد ، ومنهم من لا يجريه مجرى «نعم» ؛ ـ

__________________

(١) ينظر : هذا التعريف في : المقرب (١ / ٧١) ، وهو بحروفه ـ كما هنا ـ في الشرح الكبير (١ / ٥٧٦) بتحقيق أبو جناح ، والتذييل والتكميل (٤ / ٥٩٩).

(٢) في التذييل والتكميل (٤ / ٥٩٥): (لا يجوز ـ يعني التعجب ـ من الله تعالى ؛ لعلمه بجميع الأمور سبحانه تعالى فلا يتأثر بشيء ؛ لأنه قديم لا يقبل الحوادث) ا ه.

(٣) سورة الكهف : ٥.

١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

رعيا لما تضّمنته من معنى التعجّب ، ولا يلزم إذا أن يكون فاعله كفاعل «نعم» قال : والدليل على ذلك قوله :

٢٠٧٧ ـ فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها

وحبّ بها مقتولة حين تقتل (١)

وقول الآخر : ـ

٢٠٧٨ ـ لم يمنع النّاس منّي ما أردت ولا

أعطيهم ما أرادوا حسن ذا أدبا (٢)

ففاعل «حبّ» في البيت الأول ضمير عائد على ما تقدّم ، وفاعل «حسن» في البيت الثاني اسم إشارة ، والضمير العائد على ما قبله واسم الإشارة لا يكونان فاعلي «نعم» (٣). انتهى.

وقد تقدم ذكر هذه المسألة في باب «نعم» وأشار المصنف إلى أنّ «فعل» يستعمل استعمال «نعم» و «بئس» متضمنا تعجبا ، وذكر انجرار فاعله بالباء ، واستغناءه ، عن الألف واللّام ، وإضماره ، على وفق ما قبله ، لكون الصيغة مضمنة معنى التعجب ، مع أنّ المدح أو الذّمّ بها مقصود ، ومقتضى كلام ابن عصفور أنّ إرادة التعجّب بها منفصلة عن إرادة المدح أو الذمّ ، وأنّ أحد الاستعمالين لا يدخل في الآخر ، بل قد تستعمل مرادا بها هذا المعنى ، وقد تستعمل مرادا بها المعنى الآخر (٤) ، واعلم أنّ الشيخ ذكر مسائل سبعا ، عند شرحه قول المصنف : «ولا ـ

__________________

(١) سبق تخريج هذا الشاهد في أفعال المدح والذم.

(٢) هذا البيت من البسيط ، وقائله : سهم بن حنظلة الغنوي.

اللغة : قال الجوهري في الصحاح : «حسن» : قد حسن الشيء ، إن شئت خففت الضم فقلت : حسن الشيء ، ولا يجوز أن تنقل الضم إلى الحاء ، وإنما يجوز إذا كان بمعنى المدح أو الذم ، تشبيها بـ «نعم ، وبئس» ، إذ أصلهما : نعم وبئس.

والشاهد في البيت قوله : «حسن» ؛ حيث خففت الكلمة ، بنقل ضمة العين إلى الفاء ، وهذا جائز.

ينظر الشاهد في : التذييل والتكميل (٤ / ٥٦٤) ، واللسان «حسن» ، والأشباه والنظائر (٣ / ١٧٥) ، والخزانة (٩ / ٤٣١).

(٣) هذا النص ليس في شرح الكبير والصغير ولا في مثل المقرب فلعله في شرح الإيضاح المفقود لابن عصفور.

(٤) في الشرح الكبير لابن عصفور (١ / ٦٠٧): (وكل فعل ثلاثى يجوز فيه أن يبنى على وزن «فعل» يراد به معنى المدح ، أو الذم ، ويكون حكمه إذ ذاك كحكم «نعم وبئس» في الفاعل وفي التمييز ، وفي ذكر اسم الممدوح).

١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

يتعجّب إلّا من مختصّ» :

الأولى :

إذا كان المتعجب منه معرفا بـ «ال» العهد ، نحو : ما أحسن الابن ، تعني به ابنا معهودا بينك وبين المخاطب ، قال : الجمهور على الجواز ، ومنها الفراء (١).

الثانية :

إذا كان «أيّا» الموصولة بفعل ماض ، هو صلتها ، نحو : ما أحسن أيّهم قال ذلك ، منعها الكوفيّون والأخفش (٢) وأجازها غيرهم ، فإن كانت صلتها مضارعا جاز عند الجميع ، نحو : ما أحسن أيّهم يقول ذلك.

الثالثة :

ما أحسن ما كان زيد ، أجازها هشام ومنعها غيره من الكوفيين ، قال النحاس (٣) : وهي على أصل البصريين جائزة (٤) ، أي : ما أحسن ما كانت كينونة زيد ، فالأولى في موضع نصب ، والثانية في موضع رفع.

[٣ / ١١٥] الرابعة :

ما أحسن ما كان زيد ضاحكا ، إذا كانت «كان» ناقصة ، أجاز ذلك الفراء وجماعة ، ومنعها البصريّون ، فإن جعلت «كان» تامة ، ونصبت «ضاحكا» على الحال جاز ذلك عند الجميع.

الخامسة :

ما أحسن ما ظننت عبد الله قائما ، قال الفراء : إن شئت لم تأت بقائم ؛ لأنه ـ

__________________

(١) ينظر : منهج السالك (ص ٣٨٤ ، ٣٨٥) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٦٢٤) ، والهمع (٢ / ٩١).

(٢) ينظر : المراجع المذكورة في التعليق السابق بنفس الصفحات.

(٣) هو الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد المصري ، المعروف بالنحاس ، تعلم في مصر ، ثم رحل إلى العراق ، وأخذ عن الأخفش الصغير ، والزجاج ونفطويه وابن الأنباري ، وغيرهم ، وناظر ابن ولاد.

من مصنفاته : إعراب القرآن ، وكتاب المقنع في اختلاف البصريين والكوفيين ، والتفاحة ، والكافي ، وغير ذلك ، توفي سنة (٣٣٨ ه‍).

تنظر ترجمته في : طبقات القاضي ابن شهبة (٢ / ٣٧٥) ، ونشأة النحو (ص ١٥٧).

(٤) لمراجعة ما قاله ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٦٢٥) ، ومنهج السالك (ص ٣٨٥).

١٨

[همزة (أفعل) و (أفعل) وأحكام هاتين الصيغتين]

قال ابن مالك : (فصل : همزة «أفعل» في التّعجّب لتعدية ما عدم التّعدّي في الأصل أو الحال ، وهمزة «أفعل» للصّيرورة ، ويجب تصحيح عينيهما ، وفكّ «أفعل» المضعّف ، وشذّ تصغير «أفعل» مقصورا على السّماع ، خلافا لابن كيسان ، في اطّراده ، وقياس «أفعل» عليه ، ولا يتصرّفان ، ولا يليهما غير المتعجّب منه ، إن لم يتعلّق بهما ، وكذا إن تعلّق بهما ، وكان غير ظرف أو حرف جرّ ، وإن كان أحدهما فقد يلي ، وفاقا للفرّاء والجرميّ والفارسي ، وابن خروف ، والشّلوبين ، وقد يليهما عند ابن كيسان «لولا» الامتناعيّة).

______________________________________________________

نصب على الحال ، لا غير ، وهو عند البصريّين خبر ، ولا يجوز حذفه.

السادسة :

ما أحسن أحدا يقول ذلك ، أجازها الكسائي ، ومنعها الفراء والبصريّون ، وألزمه الفراء أن يقول : اضرب أحدا يقول ذلك ، ولتضربنّ أحدا يقول ذلك ، وعليك بأحد يقول ذلك ، وهو إلزام صحيح لأنّ الكسائي شبه «أحدا» بـ «أيهم» من جهة الإبهام ، وهو يجيز ما ألزمه في «أيهم» ، فإن جعلت «أحدا» في معنى «واحد» صحت المسألة (١).

المسألة السابعة :

ما أحسن ما ليس يذكرك زيد ، أجازها بعضهم.

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٢) : يدلّ على كون همزة «أفعل» المتعجّب به معدية حدوث التعدّي بزيادتهما على ما لا يتعدّى له ، كقولك في : حسن زيد ، وجزع بكر ، وصبر خالد : ما أحسن زيدا ، وما أجزع بكرا ، وما أصبر خالدا ، وإلى هذه الأفعال الثلاثة أشرت بعدم التعدّي في الأصل. ـ

__________________

(١) تنظر هذه المسألة ، ورأي الكسائي ، والفراء ، والبصريين في : منهج السالك (ص ٣٨٥) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٦٢٥).

(٢) انظر : شرح التسهيل لابن مالك (٣ / ٣٨).

١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأشرت بعدم التعدّي في الحال إلى نحو : ما أعرف زيدا بالحقّ ، فإنّ «عرف» ـ قبل التعجّب ـ متعدّ بنفسه إلى الحقّ ، فلما قصد به التعجّب ضمّن ما لا يتعدى من أفعال الغرائز ، كقوي ، وضعف ، وكمل ، ونقص ؛ فقصر عن نصب ما كان منصوبا به وعدي إليه بالباء ، كما تعدّى قصر ونحوه ، مما هو في أصله غير متعدّ ، وصار ما كان فاعلا ـ قبل ـ مفعولا ، كما يصير فاعل «ظهر» من قولك : ظهر الحقّ ، مفعولا ، إذا أدخلت الهمزة ، فقلت : أظهرت الحقّ ، ولا يصحّ قول من قال : زعم أنّ «أفعل» المتعجب به لا يكون إلا من «فعل» ، موضوعا ، أو مردودا إليه ، لوجهين :

أحدهما : أنّ «فعل ، وفعل» اللازمين ، كجزع ، وصبر ، مساويان «فعل» ، في عدم التعدّي ، وقبول همزة التعدية ، فتقدير ردّهما إلى الفعل لا حاجة إليه.

الثاني : أنّ من الأفعال ما رفضت العرب صوغه على «فعل» : وهو المضاعف واليائيّ العين أو اللام ، فإن قصد بالمضاعف معنى غريزي دلّوا عليه في غير شذوذ ، بـ «فعل» نحو : جلّ يجلّ ، وعزّ يعزّ ، وخفّ يخفّ ، وقلّ يقلّ ، ونسب إلى الشذوذ نحو : لببت وبذلك استغنوا في اليائيّ العين عن «فعل بـ «فعل» نحو : طاب يطيب ، ولان يلين ، وضاق يضيق ، أما اليائيّ اللام فاستغنوا فيه عن «فعل» بـ «فعل» ، نحو : حيي ، وعمي ، وغني ، فإذا قصد تعجب بشيء من هذه الأنواع أدخلت الهمزة عليها ، ولم تردّها إلى «فعل» ؛ لأنّ «فعل» فيها مرفوض (١) ، وهمزة «أفعل».

المتعجّب به للصيرورة ، أي لتجعل فاعله ذا كذا ، فأصل قولك : أحسن بزيد : أحسن زيد ، أي : صار ذا حسن تام ، وهو نظير : أثر الرجل : صار ذا أثرة ، وأترب : صار ذا مال كالتراب ، وأنجب وأظرف : صار ذا ولد نجيب وذا ولد ظريف وأخلأت الأرض وأكلأت وأكمأت ، أي : صارت ذات خلأ وكلأ وكمأة ، وأورقت الشجرة وأثمرت ـ

__________________

(١) قال أبو حيان : (ولا يلزم قوله : لأن هذا التحويل هو أمر تقديري ، لا وجودي ، والمقدرات ليست كالموجودات ، فقد يكون الشيء مقدرا ، ولا ينطق به ، ولا يلفظ ، وهذا كثير في هذه الصناعة ، ألا ترى إلى المنصوب على الاشتغال ، وإلى المرفوع ، أو المنصوب ، من النعوت المقطوعة ، كيف يحكم بعواملها ، وتقدّر ، وليست موجودة ولا يلفظ بها ، ولا ينطق في لسان العرب) اه. التذييل والتكميل (٤ / ٦٣٥) ، ومنهج السالك (ص ٣٧٧).

٢٠