شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٦

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٦

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فتقول : والله إن زيد قائم ، أي : ما زيد قائم (١). قال : وذكر المصنف في شرح الكافية الشافية : أن الجواب المنفي ينفي بـ «ما» أو «إن» أو «لا» ، ولا فرق في ذلك بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية إلا أن الاسمية إذا نفيت بـ «لا» وقدم الخبر أو كان المخبر عنه معرفة لزم تكرارها في غير الضرورة نحو : والله لا زيد في الدار ولا عمرو ، ولعمري لا أنا هاجرك ولا مهينك (٢). ثم قال الشيخ : وكون الجملة الاسمية تنفى بـ «لا» غلط ووهم والثلاثة تنفى بها الجملة الفعلية (٣) ، ثم قال في قول المصنف : وقد تصدر بـ «لن» أو «لم» : إنه لا ينقاس على شيء من ذلك ألبتة وأن المصنف ليس له سلف فيمن أجاز ذلك إلا ما حكي عن ابن جني أنه زعم أنه قد يتلقى القسم بـ «لم» ، و «لن» في الضرورة ، ثم أورد ما أورده ابن عصفور ، وهو الذي ذكرناه عنه آنفا برمته (٤) ، ثم قال : وأما ما استدل به المصنف من قول العرب : نعم وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة فليس «لم تقم» جوابا للقسم ، بل جواب القسم محذوف يدل عليه سؤال السائل : ألك بنون؟ فقال : نعم وخالقهم لبنون لي ، ثم استأنف مدحهم وأخبر أنهم لم تقم عن مثلهم منجبة. فهذا الذي ذهب إليه المصنف من أنه قد يصدر في النفي بـ «لم» و «لن» لا سلف له فيه إلا ابن جني ؛ فإنه أجاز ذلك في الضرورة ، واستدل عليه بما ذكرناه وتقدم الرد عليه (٥). انتهى.

والكلام مع الشيخ فيما ذكره من وجوه :

أما أولا : فقوله : وكون الجملة الاسمية تنفى بـ «لا» غلط ؛ فإنه لم يبين وجه الغلط ما هو ، ولا أقام دليلا على ما ذكره.

وأما ثانيا : فقوله : في قول المصنف : وقد تصدر بـ «لن» ، أو «لم» : إنه لا يقاس على شيء من ذلك ألبتة ؛ فإن المصنف لم يدّع اطراد هذا الأمر فينسب إليه القول بالقياس ، وكيف يتوهم فيه أنه يقيس ذلك وهو لم يذكر هذين الحرفين مع الأحرف الثلاثة التي هي : «ما» ، و «لا» ، و «إن» ، بل بعد انقضاء الكلام قال : (وقد تصدر بـ «لن» أو «لم») ؛ فأفهم كلامه أن هذا قليل ، ولا شك أن النفي بـ «لن» و «لم» ورد في كلام العرب ، فأراد أن ينبه على هذا الأمر كيلا ـ

__________________

(١) التذييل (٣ / ١٤٧ ، ١٤٨).

(٢) الكافية الشافية (٢ / ٨٤٣).

(٣) التذييل (٧ / ١٤٨).

(٤) التذييل (٧ / ١٥٠).

(٥) التذييل (٧ / ١٥١).

٥٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

يخلو الكتاب منه.

وأما الثالثة : فقوله : إن المصنف ليس له سلف في ذلك سوى ابن جني ؛ فإن هذا الكلام مشعر بأن المصنف إنما قال ذلك تبعا لابن جني.

وأقول : لو كان ابن جني هو متبوع للمصنف في ذلك لاستشهد بما استشهد ابن جني به ، والمصنف لم يلم بشيء من ذلك إنما استشهد بما عرفته. وأما تخريجه «نعم وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة» فلا يخفى ضعفه ، وبيان ذلك أن الناطق بهذا الكلام قصد بإجابته المسائل [شيئين] : الإخبار بأن له بنين ، ثم الإخبار بمدح البنين المخبر بهم أنهم له [٤ / ٥٣] وأجلّ الأمرين عنده الإخبار بمدحهم ، والأمر الجليل هو الذي يقصد توكيده ، والقسم إنما يجاء به لتوكيد الأمر المخبر به وتقويته عند المخاطب ، فوجب أن يكون المؤكد هو الإخبار بالمدح ، وأما أن يقسم على أن له بنين فلا فائدة في ذلك ؛ لأنه لم ينازع فيه ولا نفي عنه حتى يحتاج إلى الإقسام عليه ، بل الذي يمكن أن ينازع فيه إنما هو قوله : «ولم تقم عن مثلهم منجبة» ؛ فهو الذي يحتاج إلى أن يقسم عليه.

وهب أن الشيخ يتم له الجواب الذي ذكره في «نعم وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة» فماذا يقول في قول أبي طالب :

٢٨٠٧ ـ والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتّى أوارى في التّراب دفينا (١)

وأبو طالب في الفصاحة والبلاغة أبو طالب؟!

ثم أيّ فساد يترتب على نفي القسم بـ «لن» أو بـ «لم» حتى يمنع ذلك ويردّ على من ادعاه؟! ولا وجه من حيث الصناعة لمنعه ؛ لأن الخبر المنفي المقسم عليه قد يكون مستقبلا فينفى بـ «لن» وقد يكون ماضيا فينفى بـ «لم». وغاية الأمر أن الغالب في لسان العرب أن ينفى الجواب ـ أعني جواب القسم ـ بثلاثة الأحرف التي هي «ما» و «لا» و «إن» ، وأنه قد ينفى بـ «لن» و «لم» لكن ذلك قليل ولا منازعة في وروده فوجب القبول.

ثم قد عرفت أن ابن عصفور ذكر أن الحرف الذي ينفى به الماضي في جواب ـ

__________________

(١) تقدم.

٥٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

القسم إنما هو «ما» ، وأن المصنف لم يخصصه بها ، بل قال : إنه ينفى بـ «لا» وب «إن». وأما نفيه بـ «إن» فمنه قوله تعالى : (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ)(١) ، وأما نفيه بـ «لا» فأنشد عليه قول الشاعر :

٢٨٠٨ ـ ردوا فو الله لا ذدناكم أبدا

ما دام في مائنا ورد لنزّال (٢)

فقال الشيخ عند ذكر هذه المسألة هنا : وقد بحثنا معه في تأويل هذا البيت في آخر الباب الأول من هذا الكتاب بما يوقف عليه هناك (٣). انتهى.

وأقول : إن البحث الذي تقدم له مع المصنف إنما هو بالنسبة إلى كون الماضي بعد «إن» و «لا» ينصرف إلى الاستقبال أو يبقى على مضيه لا في كون «لا» ينفى بها الفعل الماضي إذا وقع جواب قسم أو لا ينفى. وأما ما ذكره ابن عصفور في مسألة «أجدك» فهو كلام حسن وتقرير جيد. وقد تقدم الكلام على هذه الكلمة في «باب الواقع مفعولا مطلقا من مصدر وما يجري مجراه» من هذا الكتاب ونقلنا فيها كلاما لابن الحاجب (٤) وما ذكره الشيخ في شرحه وما نقله عن صاحب النهاية والجامع (٥) بين المذكور هنا والمذكور هناك يحصل (٦) له المقصود ، ويتلخص له ما يعتمد عليه (٧). وذكرنا في ذلك الباب أن المصنف نقل عن الشلوبين أن في «أجدك» معنى القسم (٨) ، وهذا من الشلوبين يعضد قول ابن جني ، ولكن الظاهر ما قاله ابن عصفور ، فينبغي التعويل عليه والرجوع إليه. ـ

__________________

(١) سورة فاطر : ٤١.

(٢) تقدم.

(٣) التذييل (٧ / ١٤٨) ، وسيأتي بيان ذلك.

(٤) هو عثمان بن عمر بن أبي بكر جمال الدين (ت : ٦٤٦ ه‍) ـ هذا : وقال الناظر في التمهيد (٢ / ٣٠) : (قال ابن الحاجب في شرح المفصل : «أجدك لا تفعل كذا» أصله : لا تفعل كذا جدّا. لأن الذي ينفى الفعل عنه يجوز أن يكون بجد منه ويجوز أن يكون من غير جد فإذا قال : جدّا ، فقد ذكر أحد المحتملين ثم أدخلوا همزة الاستفهام إيذانا بأن الأمر ينبغي أن يكون كذلك على سبيل التقرير فقدم لأجل الاستفهام فقيل : أجدك لا تفعل كذا ، ثم استدل ببيت أبي طالب هذا) ـ وراجع الإيضاح شرح المفصل (ص ١٧٠).

(٥) هو ابن الأثير ، وهو : المبارك بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري أبو السعادات محدث لغوي أصولي توفي بالموصل (٦٠٦ ه‍) وله : النهاية في غريب الحديث ، وجامع الأصول في أحاديث الرسول ، وغيرهما ـ الأعلام (٦ / ١٥٢) ، والوفيات (١ / ٤٤١).

(٦) في هامش المخطوط : خبر.

(٧) التذييل (٧ / ١٤٨ ، ١٤٩).

(٨) الهمع (٢ / ٤١).

٥٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المبحث الثالث :

إنما قيد المصنف المضارع المثبت بكونه مستقبلا ؛ تنبيها على أن المضارع إذا لم يكن مستقبلا لم يثبت له هذا الحكم ، ولهذا قال في الشرح : فإن أريد به الحال قرن باللام ولم يؤكد بالنون ؛ لأنها مخصوصة بالمستقبل ، وهذا يدل منه على أن الإقسام على فعل الحال جائز. وقد عرفت من كلام ابن عصفور أن المضارع المثبت المقصود به الحال لا يقسم عليه وهو باق على صورته ، بل إذا قصد ذلك بني من الفعل اسم فاعل وجعل خبر مبتدأ فتعود الجملة المقسم عليها اسمية وأنه لا يرد الفعل بصورته مقرونا باللام وحدها إلا في الشعر ، لكنه في «شرح الإيضاح» خالف هذا الكلام فإنه قال : فإن كان الفعل المقسم عليه حالا فإن كان موجبا دخلت عليه اللام وحدها ، ومن ذلك قراءة قنبل (١) لأقسم بيوم القيامة (٢) قال : والأكثر فيه إذ ذاك أن يجعل خبرا لمبتدأ فتصير الجملة اسمية ويتلقى القسم إذ ذاك بـ «إن» وحدها أو بـ «إن» واللام نحو : والله إن زيدا يقوم ، وو الله إن زيدا ليقوم. وكلام ابن أبي الربيع يقتضي جواز الأمرين أيضا ، وإن كان الأكثر أن تصير الجملة اسمية.

فالحاصل : أن الذي ذكره المصنف من الإقسام على فعل الحال ليس مسمعا عند الجماعة غير أن المصنف يقسم عليه باقيا على حاله ، والجماعة مع تجويزهم ذلك يرون أن الأكثر أن يقدم فاعل الفعل عليه وتصير الجملة اسمية فيقسم عليها كما يقسم على الجملة الاسمية. وقد استثنى المصنف من الفعل المثبت الذي يجب اقترانه باللام وبنون التوكيد : الفعل المقرون بحرف تنفيس ، والفعل المقدم معموله ؛ فقال : إنهما يلتقيان باللام وحدها. وبقي عليه أن يستثني الفعل المقرون بـ «قد» أيضا ، فإن النون لا تقترن به وإنما يكتفي باللام.

قال ابن عصفور في «شرح الإيضاح» بعد ذكر الاستقبال : فإن كان موجبا ـ

__________________

(١) محمد بن عبد الرحمن المكي المخزومي ، انتهت إليه مشيخة الإقراء بالحجاز في عصره ، وولي الشرطة بمكة (ت : ٢٩١ ه‍) ـ الأعلام (٧ / ٦٢) ، والنشر (١ / ١٢٠).

(٢) سورة القيامة : ١ ، وانظر الإتحاف (ص ٤٢٨) ، والبحر (٨ / ٢١٣) ، وابن زنجلة (ص ٧٣٥) ، والكشاف (٤ / ٥٢٧) ، وابن مجاهد (ص ٦٦١) ، والمحتسب (٢ / ٣٤١).

٥٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

تلقيت القسم باللام وحدها إذا دخلت عليه السين أو «سوف» أو «قد» أو تقدم معموله عليه قال الله تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ)(١) ، وعبارته في «المقرب» شاملة للصور كلها مع الاختصار ؛ فإنه قال : إن اللام تدخل على المضارع المثبت وحدها إن فصل بينها وبين الفعل (٢) ، فلو قال المصنف ذلك لخلص من إيراد الفصل بـ «قد» عليه. ثم قال ابن عصفور : ولم يسمع دخول اللام على السين إلا أن البصريين أجازوا ذلك بالقياس على «سوف». قال : ولم يجز الفراء دخول اللام عليها ؛ لأن اللام كالجزء مما تدخل عليه ، ودخولها على السين يؤدي إلى توالي أربعة أحرف بالتحريك فيما هو كالكلمة الواحدة وهو مرفوض في كلامهم (٣). ثم قال : والصحيح عندي أن ذلك [٤ / ٥٤] جائز بدليل قول العرب : والله لكذب زيد كذبا ما أحسب أن الله يغفره ، فكما جاز ذلك يجوز أن يقال : والله لسيقوم زيد. ثم ذكر ابن عصفور عن أبي علي الفارسي أنه قال (٤) : وإنما لم تدخل إحدى النونين مع السين و «سوف» ؛ لأن النون إنما تدخل في اللغة لتخلص المستقبل من الحال فاستغني عن النون بدخول السين أو «سوف» لإفادتهما الاستقبال. قال ـ يعني أبا علي ـ : ولم تدخل في (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ)(٥) ؛ لأن اللام التي أدخلت إحدى النونين معها غير لام الابتداء ، وإنما دخلت ليحاول بها الفصل بين اللامين لام الابتداء واللام التي تدخل على الفعل المستقبل وتدخل النون معها في أكثر الأمر ؛ يعني أنك إذا قلت : إن زيدا ليقوم ؛ علم أن هذه اللام لام ابتداء وأن الفعل الذي دخلت عليه فعل حال ، وإنما أخرت إلى الخبر والنية بها التقديم ؛ كراهية الجمع بينها وبين «إنّ» لما كانتا لمعنى واحد وهو التوكيد ، ولذلك علقت الفعل في نحو : علمت أن زيدا ليقوم ، وإذا قلت : إن زيدا ليقومن ؛ علم أن اللام جواب لقسم محذوف ، وأن الفعل الذي دخلت عليه مستقبل ، وليست إذ ذاك منويّا بها التقديم ؛ بل هي واقعة في محلها ولذلك لم تعلق الفعل به في نحو قوله : علمت أن زيدا ليقومن ، قال : فلما كان دخول إحدى النونين المقصود به الفرق بين اللامين لم يحتج إليها إذا دخلت على الجار والمجرور في نحو : (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) ؛ ـ

__________________

(١) سورة النحل : ١٠٣.

(٢) المقرب (١ / ٢٠٦).

(٣) وانظر : الهمع (٢ / ٤٢).

(٤) ينظر : الإغفال (١ / ٧٩) ، والتذييل (٤ / ٦١).

(٥) سورة آل عمران : ١٥٨.

٥٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

إذ كانت داخلة على فضلة ولام الابتداء لا تدخل في موضع من مواضعها على فضلة. فأما «إنّ زيدا لطعامك آكل» ؛ فليس تقديره الدخول على الفضلة ، وإذا كان كذلك علم أنها ليست التي للابتداء فلم يحتج إلى النون. يعني أن اللام في قولك : إن زيدا لطعامك آكل ؛ منوي بها التأخير ، والأصل : إن زيدا طعامك لآكل ؛ إلا أنها قدمت اتساعا. وليس كذلك قوله سبحانه : (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ)(١) ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال : إلى الله لتحشرون ؛ لأن اللام التي يتلقى بها القسم لا يجوز أن يتقدم عليها معمول الفعل الذي دخلت عليه. ثم قال : قال أبو علي : وإنما لم تدخل النون مع «قد» كما لم تدخل مع السين من حيث كانت حرفا مثله غير عامل وإن كانت قد خالفت السين في أنها لا تدلّ على الاستقبال يعني أنها حكم لها بحكم السين ؛ لشبهها بها في أن كل واحد منهما حرف قد اختص بالفعل وجعل كالجزء منه بدليل أن اللام التي تدخل عى الفعل المضارع في القسم تدخل عليها. هذا آخر كلام ابن عصفور.

المبحث الرابع :

أطلق المصنف القول في نافي المضارع حيث قال : (ويحذف نافي المضارع) ، وقد عرفت أن ابن عصفور إنما ذكر من حروف النفي «لا» حيث قال : وأما المستقبل فإن كان منفيا نفي بـ «لا» ومن أجل ذلك قال الشيخ : وإن كان النافي «ما» فمن النحويين من أجاز حذفها ؛ حملا على «لا» ومنهم من منع ذلك ؛ لما فيه من اللبس ؛ لأنه لا يعلم إذا حذف هل القسم على النفي في الحال أو على المستقبل (٢). انتهى.

ثم إن ابن عصفور لم يذكر حذف نافي الجملة الاسمية وقد ذكره المصنف مستدلّا عليه. قال الشيخ : ونصوص أصحابنا على أن «ما» و «إن» النافية إذا دخلتا على الجملة الاسمية لا يجوز حذف واحدة منهما (٣). انتهى.

ولا يخفى أن قول من حفظ ونقل حجة على من لم يحفظ وينقل. وأما قول المصنف : (وقد يكون الجواب قسما) مستدلّا بقوله تعالى : (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى)(٤) ـ [وقد] قال المصنف : كأنه قيل : والله ليحلفن المنافقون إن أردنا ـ

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٥٨.

(٢) التذييل (٧ / ١٥٧).

(٣) التذييل (٧ / ١٥٩).

(٤) سورة التوبة : ١٠٧.

٥٠٦

[تلقي جواب القسم الماضي]

قال ابن مالك : (ولا يخلو دون استطالة الماضي المثبت المجاب به من اللّام مقرونة بـ «قد» أو «ربّما» أو «بما» مرادفتها إن كان متصرّفا وإلّا فغير مقرونة وقد يلي «لقد» أو «لبما» المضارع الماضي معنى ، ويجب الاستغناء باللّام الدّاخلة على ما تقدّم من معمول الماضي كما استغني بالدّاخلة على ما تقدّم (من) (١) معمول المضارع).

______________________________________________________

إلا الحسنى ـ فظاهر الأمر ما قاله ، ولكن قد يقال : (ليحلفن) (٢) جواب قسم ، والجواب جملة خبرية والقسم جملة إنشائية ؛ فكيف يكون الخبر إنشاء؟ وما برحت أستشكل قولهم : إن (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) جواب لـ (مِيثاقَكُمْ) في قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ)(٣) ، وكذا قولهم في (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ :) إنه جواب لـ (مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) في قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ)(٤) ؛ لأن الميثاق معمول للفعل الذي هو «أخذ» من (أخذنا) ومن (أَخَذَ اللهُ) فإن كان القسم هو الجملة بتمامها أشكل من جهة أن القسم لا يكون مفردا إنما يكون جملة ويقع في النفس شيء هو أن يقال : (إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى) معمول لقول محذوف ؛ التقدير : وليحلفن قائلين : والله إن أردنا إلا الحسنى ، أو وليحلفن ويقولون : والله إن أردنا إلا الحسنى.

وبعد : فلم يتحقق لي هذا البحث وأما قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ ،) [و] (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ ؛) فيحتاج إلى أن يحرر القول في القسم ما هو؟ ، وهل (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) و (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ) جواب لما قبله ، أو القسم مقدر؟!!.

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٥) : إن كان صدر الجملة المجاب بها القسم فعلا ماضيا مثبتا وخلا القسم من استطالة وجب اقترانه باللام وحدها إن كان الفعل غير متصرف وباللام مع «قد» أو «ربما» أو «بما» بمعنى «ربما» إن كان متصرفا ، فإن وجدت استطالة جاز إفراد الفعل كقوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢)

__________________

(١) من المطبوع.

(٢) سورة التوبة : ١٠٧.

(٣) سورة البقرة : ٨٤.

(٤) سورة آل عمران : ١٨٧.

(٥) انظر : شرح التسهيل : (٣ / ٢١٣).

٥٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وَشاهِدٍ [٤ / ٥٥] وَمَشْهُودٍ (٣) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ ،) وكقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والّذي نفسي بيده وددت أن أقاتل في سبيل الله فأقتل ثمّ أحيا ثمّ أقتل ثمّ أحيا ثمّ أقتل» أخرجه البخاري (١). واقترانه بـ «قد» وحدها كقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها)(٢) وإن لم توجد الاستطالة والفعل غير متصرف وجب الاقتران باللام مفردة كقول الشاعر :

٢٨٠٩ ـ لعمري لنعم الفتى مالك

إذا الحرب أصلت لظاها رجالا (٣)

وإن كان الفعل متصرفا فالأكثر أن يقترن باللام مع «قد» كقوله تعالى : (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا)(٤) ، أو «ربما» كقول الشاعر :

٢٨١٠ ـ لئن نزحت دار لسلمى لربّما

غنينا بخير والدّيار جميع (٥)

أو «بما» مرادفة «ربما» كقول عمر بن أبي ربيعة :

٢٨١١ ـ [ف] لئن بان أهله

لبما كان يؤهل (٦)

وقد يستغني باللام الفعل الماضي المتصرف في النثر والنظم ، ومن الاستغناء بها في النثر قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ)(٧) ، وفي الحديث عن امرأة من غفار أنها قالت : «والله لنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الصّبح فأناخ» (٨) ، وفي حديث سعيد بن زيد (٩) : أشهد لسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من أخذ شبرا من الأرض ظلما ..» (١٠) الحديث ، ومن الاستغناء بها في النظم قول ـ

__________________

(١) عن أبي هريرة ـ البخاري : أيمان (٢٦) والجهاد (٧) والتمني (١) ، وابن حنبل (٢ / ٤٦٤) ، ومالك في الموطأ : جهاد (٢٧ ، ٤٠) ، والنسائي : جهاد (٣ ، ١٨ ، ٣٠).

(٢) سورة الشمس : ٩.

(٣) من المتقارب ، وانظره في الكافية الشافية (٢ / ٨٤٠).

(٤) سورة يوسف : ٩١.

(٥) من الطويل لقيس بن ذريح. التصريح (٢ / ١٢٣) ، والدرر (٢ / ٤٧) ، والهمع (٢ / ٤٢).

(٦) من مجزوء الخفيف : ديوانه (ص ٣٤٠) برواية «فيما» بدل «لبما» والدرر (٢ / ٤٧) ، والهمع (٢ / ٤٢).

(٧) سورة الروم : ٥١.

(٨) قال ابن مالك في شواهد التوضيح (ص ١٦٩): (ذكره أبو الفرج في الجامع : «فو الله لترك») وانظر : الخزانة (٤ / ٢٢١) ، وشرح المفصل (٩ / ٢١) ، والكافية الشافية (٢ / ٨٤٠).

(٩) ابن عمرو بن نفيل القرشي صحابي من خيارهم شهد المشاهد إلا بدرا ، أحد العشرة المبشرين بالجنة له في الصحيحين (٤٨) حديثا (ت : ٥١ ه‍). الأعلام (٣ / ١٤٦) ، والحلية (١ / ٩٥) ، والرياض النضرة (٢ / ٣٠٢ ـ ٣٠٦) ، وفيه وفاته سنة (٥٠ ه‍).

(١٠) أخرجه البخاري : بدء الخلق (٢) ، وابن حنبل (٢ / ٩٩) ، ومسلم : مساقاة (١٣٧ ، ١٣٩).

٥٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

امرئ القيس :

٢٨١٢ ـ حلفت لها بالله حلفة فاجر

لناموا فما إن من حديث ولا صال (١)

وقد يجاب القسم بمضارع ماضي المعنى فيقترن بـ «لقد» ، أو بـ «لبما» فاقترانه بـ «لقد» كقول الشاعر :

٢٨١٣ ـ لئن أمست ربوعهم يبابا

لقد تدعو الوفود لها وفودا (٢)

واقترانه بـ «لبما» كقول الآخر :

٢٨١٤ ـ فلئن تغيّر ما عهدت وأصبحت

صدقت فلا بذل ولا ميسور

لبما يساعف في اللقاء وليّها

فرح بقرب مزارها مسرور (٣)

وإذا قدم معمول الماضي المجاب به القسم قرن باللام وأغنت عن «قد» «ربما» كما أغنى اقترانها بمعمول المضارع المؤخر عن توكيده بالنون. ومن شواهد اقترانها بمعمول الماضي المؤخر قول أم حاتم :

٢٨١٥ ـ لعمري لقد ما عضّني الجوع عضّة

فآليت أن لا أمنع الدّهر جائعا (٤)

وقد اجتمع في قول عامر بن قدامة (٥) :

٢٨١٦ ـ فلبعده لا أخلدن وما له

بذل إذا انقطع الإخاء فودّعا (٦)

شذوذان :

أحدهما : عدم الاستغناء بتقديم اللام عن النون.

والثاني : دخولها على جواب منفي ، فلو كان مثبتا لكان دخولها عليه مع تقدم اللام أسهل. انتهى كلامه رحمه‌الله تعالى (٧).

__________________

(١) تقدم.

(٢) من الوافر. الدرر (٢ / ٤٨) ، والهمع (٢ / ٤٢).

(٣) من الكامل لعمر بن أبي ربيعة. ديوانه (ص ١٣١) ، والخزانة (٤ / ٢٢٣) ، والدرر (٢ / ٤٨) ، والهمع (٢ / ٤٢).

(٤) من الطويل. تعليق الفرائد (ص ٤٠) ، والخزانة (٤ / ٢٢٣).

(٥) لعله ابن قداد ، وانظر : الأعلام (٤ / ٢٤).

(٦) من الكامل. التذييل (٧ / ١٦٢).

(٧) انظر : شرح التسهيل (٣ / ٢١٥).

٥٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ويتعلق به أبحاث :

الأول :

أن ظاهر قوله في متن الكتاب : ولا يخلو الماضي المثبت من اللام مقرونة بـ «قد» ، أو «ربما» أو «بما» أن اللام لا تنفرد ؛ بل لا بد أن يقرن بها أحد الثلاث التي هي «قد» و «ربما» والأمر ليس كذلك ، وقد قال هو في الشرح : وإن كان الفعل متصرفا فالأكثر أن يقترن باللام مع «قد» أو «ربما» أو «بما» ، وقد يستغنى باللام في النثر والنظم ، ثم استشهد على ذلك بما تقدم ذكره. والذي ذكره في الشرح هو الحق.

وقد قال ابن عصفور : وإن كان الفعل ماضيا موجبا تلقيت القسم باللام وحدها ويجوز أن تصل اللام بـ «قد» إذا كنت مخاطبا لمن يتوقع خبرك ، لكن المصنف لا يختلف المراد عنده ذكرت «قد» مع اللام أم لم تذكر ، وأما ابن عصفور فقد تقدم قوله إن القريب من زمن الحال يتلقى باللام و «قد» ، وإن البعيد يتلقى باللام وحدها.

الثاني :

قال الشيخ مشيرا إلى قول المصنف : دون استطالة : ولا يحتاج إلى هذا القيد ؛ فقد جاء في كلام الفصحاء حذف هذه اللام وإبقاء «قد» ؛ قال زهير :

٢٨١٧ ـ تالله قد علمت قيس إذا قذفت

ريح الشّتاء بيوت الحيّ بالعنن

أن نعم معترك الحيّ الجياع إذا

خبّ السّفير ومأوى البائس البطن (١)

وقال أيضا :

٢٨١٨ ـ تالله قد علمت سراة بني

ذبيان عام الحبس والأصر

أن نعم معترك الجياع إذا

خبّ السّفير وسابئ الخمر (٢)

انتهى. ـ

__________________

(١) من البسيط ـ ديوان زهير (ص ٢٨) باختلاف في الرواية ، والدرر (٢ / ٤٨) ، والهمع (٢ / ٢) هذا : ومعترك الجياع : موضع اجتماعهم والعنن : جمع عنة وهي حظيرة من شجر حول البيت.

(٢) من الكامل لزهير ـ ديوانه (ص ٢٨) ، والدرر (١ / ١١٩) ، والهمع (١ / ١٤٣) ، وخبّ السفير : اشتد الزمان ، وسابئ الخمر : مشتريها. وانظر البيتين السابقين ، والتذييل (٧ / ١٥٩).

٥١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والذي ذكره ابن عصفور موافق لما ذكره المصنف ، فإنه بعد أن ذكر دخول اللام على الفعل الماضي قال (١) : ويجوز حذف اللام إذا طال الكلام ومن ذلك قوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ)(٢) ، وقوله جلّ وعلا : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها)(٣) ، ثم قال تعالى في الجواب : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها)(٤). انتهى.

وعلى هذا ، فالذي أنشده الشيخ لزهير مستدلّا به على الحذف دون استطالة محمول على القلة ، والمصنف لا ينفي أن يجيء مثل ذلك في الشعر أو في قليل من الكلام.

الثالث :

قال الشيخ في قول المصنف : أو «بما» مرادفتها واستشهاده على ذلك بقول ابن أبي ربيعة :

٢٨١٩ ـ فلئن بان أهله

لبما كان يؤهل

تقدم لنا الكلام في نظائر هذا البيت في حروف الجر عند قوله : وكذا بعد «رب» والباء ويحدث في الباء المكفوفة معنى التقليل. وملخص ما ذكرناه : أن بعد اللام فعلا محذوفا لدلالة ما قبله عليه وتقديره في هذا البيت : لبان بما كان يؤهل ؛ فاللام دخلت على ذلك الفعل المحذوف والباء سببية و «ما» مصدرية ، فعلى هذا لا يكون «لبما» بمعنى «رب» (٥). انتهى.

ولا شك أن ما ذكره الشيخ ممكن ولا تأباه القواعد ، ولكن بعيد أن يكون مراد الشاعر كما تقدم لنا التنبيه على ذلك ، ولكن المشكل قول المصنف هناك ـ أعني في باب حروف الجر ـ : إن اتصال «ما» بالياء أحدث فيها معنى [٤ / ٥٦] التقليل ؛ فإن المعنى في قول الشاعر :

٢٨٢٠ ـ لبما قد ترى وأنت خطيب

__________________

(١) في شرح الإيضاح المفقود كما سبق ذكره قريبا.

(٢) سورة البروج : ١ ـ ٤.

(٣) سورة الشمس : ١ ، ٢.

(٤) سورة الشمس : ٩.

(٥) التذييل والتكميل (٧ / ١٦٠).

٥١١

.................................................................................................

______________________________________________________

إنما هو على التكثير ، وكذا في قول كثير :

٢٨٢١ ـ بما قد أرى تلك الدّيار

فإن المعنى : أنك رؤيت خطيبا كثيرا وأن رؤيتي تلك الديار وأهلها وهن جميعات الأنيس عوامر كان كثيرا ، على أن المصنف عند إنشاده هذين البيتين في الشرح لم يتعرض إلى ذكر التقليل. نعم ذكر التقليل في متن الكتاب (١) وقال في شرح الكافية أيضا : وقد تحدث زيادة «ما» بعد الباء تقليلا ، وهي لغة هذيلية (٢) ، والعجب أنه جعل في هذا الباب ـ أعني باب القسم ـ «بما» مرادفة «ربما».

ولا شك أن «ربّ» للتكثير عنده ، فكيف ذكر في باب حروف الجر أن «بما» تفيد التقليل؟! والمسألة تحتاج إلى نظر.

الرابع :

قد عرفت أن ابن عصفور فرّق بين تلقي القسم في الجواب المفتتح بفعل ماض مثبت بين الإتيان باللام وحدها أو باللام و «قد» ؛ فجعل الأول للماضي البعيد من زمن الحال ، وجعل الثاني للماضي القريب من زمن الحال ، وأن المصنف لم يتعرض إلى ذكر هذا الفرق ؛ فهو يسوّي بين الصورتين.

قال ابن عصفور : ومن النحويين من ذهب إلى أنها ـ يعني اللام ـ لا بد أن تصحبها «قد» ظاهرة أو مقدرة ؛ قياسا على اللام الداخلة على خبر «إن» ، ورد ذلك بأن اللام في خبر «إن» أصلها للدخول على المبتدأ ؛ فعلى هذا لا تدخل إلا على ما هو المبتدأ في المعنى نحو : إن زيدا لقائم ، أو على ما هو مشبه به نحو : إن زيدا ليقوم ، واللام التي في جواب القسم ليست كذلك (٣).

الخامس :

ناقش الشيخ المصنف في قوله : ويجب الاستغناء باللام الداخلة على ما تقدم من ـ

__________________

(١) قال في متن التسهيل عن «رب» : (وهي حرف تكثير وفاقا لسيبويه والتقليل بها نادر). تسهيل الفوائد (ص ١٤٧).

(٢) شرح الكافية الشافية (٢ / ٨١٧) تحقيق د / عبد المنعم هريدي.

(٣) شرح الجمل (١ / ٥٢٧).

٥١٢

[توالي القسم والشرط غير الامتناعي]

قال ابن مالك : (فصل : إذا توالى قسم وأداة شرط غير امتناعيّ استغني بجواب الأداة مطلقا إن سبق ذو خبر وإلّا فبجواب ما سبق منهما ، وقد يغني حينئذ جواب الأداة مسبوقة بالقسم. وقد يقرن القسم المؤخّر بفاء فيغني جوابه وتقرن أداة الشّرط المسبوقة بلام مفتوحة تسمّى الموطّئة ، ولا تحذف والقسم محذوف إلّا قليلا ، وقد يجاء بـ «لئن» بعد ما يغني عن الجواب فيحكم بزيادة اللّام).

______________________________________________________

معمول الماضي فقال : ليس هذا باستغناء بل هذه اللام هي الداخلة على الماضي فصل بينهما بمعموله (١). انتهى. وهي مناقشة لفظية.

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٢) : إذا اجتمع في كلام واحد قسم وأداة شرط ولم تكن الأداة «لو» ، ولا «لولا» استغني بجواب ما تقدم منهما عن جواب متأخر إن لم يتقدم عليهما ذو خبر. فالاستغناء بجواب القسم لتقدّمه نحو : والله إن جئتني لأكرمتك ، والاستغناء بجواب الشرط نحو : إن جئتني والله أكرمك. فلو تقدم عليهما ذو خبر استغني بجواب الشرط ؛ تقدم على القسم ، أو تقدم القسم عليه ، وكان الشرط حقيقا بأن يغني جوابه مطلقا ؛ لأن تقدير سقوطه مخل بالجملة التي هو منها وتقدير سقوط القسم غير مخل ؛ لأنه مسوق لمجرد التوكيد ، والاستغناء عن التوكيد سائغ ففصل الشرط ؛ فلزم الاستغناء بجوابه مطلقا إذا تقدم عليه وعلى الشرط ذو خبر ، فإن لم يتقدم عليها ذو خبر وأخر القسم وجب الاستغناء عن جوابه بجواب الشرط ، وإن أخر الشرط استغني في أكثر الكلام عن جوابه بجواب القسم ؛ كقوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ)(٣) ، ولا يمتنع الاستغناء بجواب الشرط مع تأخره. ومن شواهد ذلك قول الفرزدق : ـ

__________________

(١) التذييل (٧ / ١٦٢).

(٢) انظر : شرح التسهيل لابن مالك (٣ / ٢١٥) تحقيق د / عبد الصمد السيد ، ود / محمد بدوي المختون.

(٣) سورة النور : ٥٣.

٥١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

٢٨٢٢ ـ لئن بلّ لي أرضي بلال بدفقة

من الغيث في يمنى يديه انسكابها

أكن كالّذي أصاب الحيا أرضه الّتي

سقاها وقد كانت جديبا جنابها (١)

ومنها قول ذي الرمة :

٢٨٢٣ ـ لئن كانت الدّنيا عليّ كما أرى

تباريح من ميّ فللموت أروح (٢)

ومنها قول الأعشى :

٢٨٢٤ ـ لئن منيت بنا عن غبّ معركة

لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل (٣)

فلو كانت أداة الشرط «لو» استغنى بجوابها عن جواب القسم مطلقا نحو : والله لو فعلت لفعلت ، ولو فعلت والله لفعلت ، وكذا لو تقدم عليها ذو خبر أو كان بدل «لو» «لولا» ومن أجل هذا قلت : (أداة شرط غير امتناعي). وقد يقرن القسم المؤخر بفاء فيجب الاستغناء بجوابه ؛ لأن الفاء تقتضي الاستئناف وعدم تأثر ما بعدها بما قبلها ، ومنه قول قيس بن العيزارة (٤) :

٢٨٢٥ ـ فإمّا أعش حتّى أدبّ على العصا

فو الله أنسى ليلتي بالمسالم (٥)

وأجاز ابن السراج أن تنوى هذه الفاء فيعطى القسم المؤخر بنيتها ما أعطي بلفظها فأجاز أن يقال : إن يقم يعلم الله لأزورنك ، على تقدير : فيعلم الله لأزورنك ، ولم يذكر عليه شاهدا ، فلو لم تنو الفاء لألغي القسم ؛ فقيل : إن يقم يعلم الله لأزرك ، وتقارن أداة الشرط المسبوقة بقسم لام مفتوحة تسمى الموطئة ، وأكثر ما يكون ذلك مع «إن» كقوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها)(٦) ، وقد ـ

__________________

(١) من الطويل. ديوانه (١ / ٥٠ ، ٥١) ، والخزانة (٤ / ٥٣٦) ، وشرح العمدة (ص ١٥١) هذا : والدفقة هنا : كالغرفة وزنا ومعنى ، والجناب : الجانب والناحية ، والجديب : المحل من الجدب.

(٢) من الطويل ديوانه (ص ٨٦) ، والكافية الشافية (٢ / ٨٩٠) ، والمغني (ص ٢٣٦) برواية «ليلى» بدل «مي».

(٣) البيت من بحر الطويل وهو للأعشى في ديوانه (ص ٢٧٧) (الكتاب العربي) ، وفي العيني (٣ / ٢٨٣) ، والأشموني (٤ / ٢٩).

(٤) من شعراء هذيل ، والعيزارة أمه وهو قيس بن خويلد ، والعزور : الديوث ، قاله الصاغاني في التكملة.

وراجع ديوان الهذليين (٣ / ٧٢ ، ٧٦) ، وفي الأصل : «الواردة» شرح التسهيل لابن مالك.

(٥) من الطويل تعليق الفرائد (ص ٤٠) ، والدرر (٢ / ٥٠) ، والهمع (٢ / ٤٣) ، والأصل : «أعيش» وبه ينكسر ، وتحريف.

(٦) سورة الأنعام : ١٠٩.

٥١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يكتفى بنيتها عن لفظها كقوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)(١) ، والأصل ولئن لم تغفر لنا وترحمنا ، ولو لا ذلك لم يقل في الجواب : (لَنَكُونَنَ) بل كان يقال : وإن لم تغفر لنا وترحمنا نكن من الخاسرين ، كما قيل : (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٢).

قال سيبويه رحمه‌الله : ولا بد من هذه اللام مظهرة أو مضمرة (٣) ، يعني اللام التي تقارن أداة الشرط وتسمى الموطئة [٤ / ٥٧] ومن مقارنتها غير «إن» من أخواتها قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ)(٤) ، ومثله قول القطامي (٥) :

٢٨٢٦ ـ ولما رزقت ليأتينّك سيبه

جلبا وليس إليك ما لم ترزق (٦)

وقوله :

٢٨٢٧ ـ لمتى صلحت ليقضين لك صالح

ولتجزينّ إذا جزيت جميلا (٧)

وقد يستغنى بـ «لئن» عن جواب لتقدم ما يدل عليه ؛ فيحكم بأن اللام زائدة ، فمن ذلك قول عمر بن أبي ربيعة :

٢٨٢٨ ـ [ألمم بزينب] (٨)إنّ البين قد أفدا

قلّ الثّواء لئن كان الرّحيل غدا (٩)

ومثله :

٢٨٢٩ ـ ولا يدعني قومي صريحا لحرّة

لئن كنت مقتولا ويسلم عامر (١٠)

انتهى كلامه رحمه‌الله تعالى (١١). ـ

__________________

(١) سورة الأعراف : ٢٣.

(٢) سورة هود : ٤٧.

(٣) الكتاب (٣ / ٦٦).

(٤) سورة آل عمران : ٨١.

(٥) عمرو بن شييم يلقب بالقطامي ، وصريع الغواني (ت : ١٣٠ ه‍) الأعلام (٥ / ٢٦٤) ، والسمط (١ / ١٣١).

(٦) من الكامل. ديوانه (ص ٣٦) ، والدرر (٢ / ٥٠) ، والهمع (٢ / ٤٤).

(٧) من الكامل. الدرر (٢ / ٥١) ، والمغني (ص ٢٧٢) ، والهمع (٢ / ٤٤).

(٨) من الديوان.

(٩) من البسيط. ديوانه (ص ٣٩١) ، والمغني (ص ٢٣٦).

(١٠) من الطويل لقيس بن زهير. الكتاب (١ / ٤٢٧) ، ومعاني الفراء (١ / ٦٧) ، والمقتضب (٤ / ٩٣) ، والهمع (٢ / ١٦).

(١١) انظر : شرح التسهيل (٣ / ٢١٨).

٥١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ويتعين التعرض إلى التنبيه على أمور تشتمل على مباحث :

منها :

أنه استثنى من الشرط الذي يجامع القسم الشرط الامتناعي وهو الذي الأداة فيه «لو» أو «لو لا» ، وقال : إن الجواب حينئذ يتحتم أن يكون للشرط لا للقسم سواء تقدم القسم أم تأخر ، وسواء تقدمهما ذو خبر أم لم يتقدم ، وهذا معنى قوله في الكافية :

وبجواب لو ولو لا استغنيا

حتما إذا ما تلوا أو تليا (١)

وأنشد في شرح الكافية قول الشاعر :

٢٨٣٠ ـ فأقسم لو أبدى النديّ سواده

لما مسحت تلك المسالات عامر (٢)

وقول الآخر :

٢٨٣١ ـ والله لو لا الله ما اهتدينا

ولا تصدّقنا ولا صلّينا (٣)

ولا شك أن هذين البيتين شاهدان لما ذكره ، لكن كلام ابن عصفور يقتضي خلاف ذلك ، فإنه قال (٤) : وإذا توسطت «لو» أو «لولا» بين القسم والفعل الواقع جوابا له لزم أن يكون الفعل الواقع جوابا ماضيا ؛ لأنه مغن عن جواب «لو» و «لولا» المحذوف ودالّ عليه ، وجواب «لو» و «لولا» لا يكون إلا ماضيا ؛ فوجب أن يكون الدالّ عليه كذلك فتقول : والله لو قام زيد لقام عمرو ، وو الله لو قام بكر ما قام خالد ، وو الله لو لا زيد لقام عمرو ، وو الله لو لا زيد ما قام بكر. انتهى.

ومن هنا قال الشيخ عند ذكر هذه المسألة : وقول بعض أصحابنا إنه إذا تقدم القسم على «لو» أو «لولا» فالجواب للقسم ، وجواب «لو» و «لولا» محذوف ـ

__________________

(١) الكافية الشافية (٢ / ٨٩٣).

(٢) من الطويل. الأشموني (٤ / ٢٨) وشرح الكافية الشافية (٢ / ٨٩٣) ، والعيني (٤ / ٤٥٠) ، واللسان : «سيل» ، ومسالات : جمع مسالة وهي جانب اللحية ، والندي : مجلس القوم.

(٣) رجز لعامر بن الأكوع ، وقيل : لغيره. الدرر (٢ / ٤٩) ، وشرح المفصل (٣ / ١١٨) ، والهمع (٢ / ٤٣). هذا ، والبيتان في شرح الكافية الشافية (٢ / ٨٩٤).

(٤) شرح الإيضاح المفقود.

٥١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لدلالة جواب القسم عليه (١). ثم قال ابن عصفور : وقد يدخلون «أن» على «لو» توطئة لجعل الفعل الواقع بعدها جوابا للقسم كما يدخلون اللام على «إن» الشرطية فيقال : أقسم أن لو قام زيد قام عمرو ، ومن ذلك قوله :

٢٨٣٢ ـ فأقسم أن لو التقينا وأنتم

لكان لكم يوم من الشّرّ مظلم (٢)

انتهى.

هذا كلامه في «شرح الإيضاح» وهو يناقض كلامه في «شرح الجمل» الذي تقدم لنا نقله عنه ، فإنه لما أنهى الكلام على روابط الجملة الواقعة جواب قسم قال : إلا أن يكون جواب القسم «لو» وجوابها فإن الحرف الذي يربط المقسم به بالمقسم عليه إذ ذاك إنما هو «أن» نحو : والله أن لو قام زيد لقام عمرو ، ولا يجوز الإتيان باللام كراهة الجمع بين لام القسم ولام «لو» فلا يجوز : والله للو قام زيد قام عمرو (٣). انتهى.

فكلامه في «شرح الإيضاح» يقتضي أن الفعل الواقع بعد فعل الشرط الذي تقدم القسم عليه هو جواب القسم ، وأن جواب «لو» و «لولا» محذوف دل عليه الجواب الذي للقسم ويقتضي أيضا أن «أن» الداخلة على «لو» توطئة لجعل الفعل الواقع بعدها جوابا للقسم. وكلامه في شرح الجمل يقتضي أن جواب «لو» مذكور ، وأن «لو» وجوابها جواب القسم ، ولا يخفى ما بين الكلامين من المباينة.

وأما كلام المصنف ؛ فظاهره يعطي أن المذكور بعد فعل الشرط المقرون بـ «لو» وبعد الاسم المقرون بـ «لولا» هو جواب الشرط ، وأن جواب القسم محذوف ؛ فحكم بأن لكل من القسم والشرط جوابا ، وأن أحدهما محذوف وهو جواب القسم ، والآخر مذكور وهو جواب «لو» أو «لولا» وكأن جملة «لو» معترضة بين القسم وجوابه وكذا جملة «لولا».

وأقول : يبعد أن يكون للقسم جواب مقدر في نحو : والله لو قام زيد لقام عمرو ، ـ

__________________

(١) التذييل (٧ / ١٣٦).

(٢) من الطويل للمسيب بن علس. التصريح (٢ / ٢٣٣) ، والخزانة (٤ / ٢٢٤) ، والكتاب (١ / ٤٥٥) ، والمغني (ص ٣٣).

(٣) شرح الجمل (١ / ٥٢٩).

٥١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ولو لا زيد لقام عمرو ، بل ربما يستحيل ذلك ؛ لأن المقسم عليه إنما هو «قيام عمرو» المعلق على «قيام زيد» أو على وجوده ، وإذا كان المقسم عليه ذلك ؛ فكيف يتجه تقدير جواب غير الشرط المذكور وجوابه ؛ إذ لو قدر جواب غير ذلك لكان شيئا غير معلق على غيره؟! والغرض أن المقسم عليه إنما هو أمر معلق على شيء لا أمر مستقل بنفسه ، وإذا كان الأمر كذلك اتجه كلام ابن عصفور في «شرح الجمل» حيث قال : إلا أن يكون جواب القسم «لو» وجوابها. فصرح بأن الشرط وجوابه هو جواب القسم ، واضمحل كلامه في «شرح الإيضاح» حيث قال : وإذا توسطت «لو» أو «لولا» بين القسم والفعل الواقع جوابا له لزم أن يكون الفعل الواقع جوابا ماضيا ؛ لأنه مغن عن جواب «لو» و «لولا» المحذوف ودال عليه ، إلى آخر كلامه.

ثم هذا الذي قررته من أن الشرط الامتناعي وجوابه يكون جواب القسم وأن ليس شيء محذوفا ، وقد يفهم من قول المصنف في أوائل الفصل : وتصدر في الشرط الامتناعي بـ «لو» أو «لولا» فإنه قد تقدم لنا أن هذا الكلام يقتضي أن جملة الشرط المصدرة لكل من الحرفين المذكورين هي جواب القسم ؛ لأن معنى كلامه : المقسم عليه جملة مؤكدة تصدر في الإثبات بكذا ، وفي الشرط الامتناعي بكذا ، ويمكن حمل كلام المصنف في «الكافية» عليه أيضا ، وذلك بأن يحمل قوله :

وبجواب لو ولو لا استغنيا

حتما إذا ما تلوا أو تليا

على أنا نستغني [٤ / ٥٨] بجواب «لو» و «لولا» عن تقدير جواب للقسم فلا تقدر جوابا للقسم محذوفا ، بل نجعل المذكور بعد القسم هو الجواب له ، ولا نحمله على أنا نستغني به عن ذكر جواب القسم ، وكلامه في شرح التسهيل يمكن أن يحمل على ذلك أيضا لكن بتكلف ما.

فإن قيل : أنت قررت أن الشرط وجوابه هو جواب القسم ، وكذا «لولا» وجوابها ، وقول المصنف :

وبجواب «لو» و «لولا» استغنيا

إذا أريد بالاستغناء الاستغناء عن التقدير كما قرر ـ يقتضي أن جواب كل منهما بمفرده هو جواب القسم؟! ـ

٥١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فالجواب : أن جواب القسم إنما هو «لو» وجوابها و «لولا» وجوابها ، وإنما لو كان المقصود بالإخبار عنه هو جوابهما أسند الأمر إليه مع أن الجواب لا بد له من شيء يكون هو جوابا له ؛ فكان لزوم ذكره جاريا مجرى ذكره ، فلهذا لم يحتج إلى التعرض إليه. فإن قيل : كيف يصح أن يعلل منع أن يكون للقسم جواب مقدر في نحو : والله لو قام زيد لقام عمرو ، ولو لا زيد لقام عمرو ـ بأن المقسم عليه إنما هو «قيام عمرو» المعلق على «قيام زيد» مع «لو» وعلى «وجود زيد» مع «لولا» وهذا بعينه موجود في الشرط غير الامتناعي ؛ لأن المقسم عليه أيضا في نحو : والله إن قام زيد ليقومن عمرو ؛ إنما هو «قيام عمرو» والمعلق على «قيام زيد» ، ومع هذا فقد أتى للقسم بجواب يخصه ؛ فلم لا يقال : إن الشرط وجوابه يكون جوابا للقسم في الشرط غير الامتناعي كما قيل : إن الشرط وجوابه هو جواب القسم في الشرط الامتناعي؟!

فالجواب : أن يقال : إن الجواب في الشرط الامتناعي ممتنع الوقوع ، أما إذا كان حرف الشرط «لو» فلأنه علق على حصول أمر قد ثبت أن وجوده ممتنع وأما إذا كان حرف الشرط «لولا» فلأن الامتناع معها معلق على وجود شيء مقطوع بأنه موجود ، وإذا كان جواب الشرط الامتناعي ممتنع الوقوع لما ذكرنا ؛ امتنع تقدير جواب للقسم ، إذ يلزم من تقديره أن يكون المقدر ممتنع الوقوع لتطابق جواب الشرط والقسم ؛ لأن جملة القسم إنما هي مؤكدة بجملة الشرط فيتعين اتفاق المدلولين. ولا شك أن جواب القسم ـ إذا قدرناه ـ ليس ثم ما يدل على أنه ممتنع فيلزم من تقديره حينئذ تخالف الجوابين من حيث إن أحدهما مقطوع بامتناعه ، والآخر ليس كذلك.

وأما جواب الشرط غير الامتناعي ؛ فليس ممتنع الوقوع ، وإذا لم يكن ممتنع الوقوع ؛ فجواب القسم مساو له في احتمال الوقوع وعدمه ، فلذلك جاز أن يقدر مدلولا عليه بجواب الشرط ؛ لأن المتساويين يجوز دلالة كل منهما على الآخر. هذا ما أدى إليه النظر في هذه المسألة ، والله تعالى أعلم بالصواب.

وأما قول ابن عصفور : إن «أن» حرف يربط المقسم به بالمقسم عليه في نحو : والله أن لو قام زيد لقام عمرو ؛ فلا يتحقق ؛ لأن الرابط لا يجوز الإخلال به ، بل يجب المحافظة عليه. ولا شبهة في جواز قولنا : والله لو قام زيد لقام عمرو. وقد تقدم إنشاد المصنف :

٢٨٣٣ ـ فأقسم لو أبدى النديّ سواده

٥١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والحق أن : «أن» في نحو : والله أن لو قام زيد لقام عمرو ؛ زائدة. ويذكر الدليل على زيادتها في باب إعراب الفعل (١) إن شاء الله تعالى.

ومنها :

أن ابن عصفور لمّا ذكر مسألة اجتماع القسم والشرط ، وأن الجواب الذي يذكر يكون للمتقدم فيها ، وأن المتأخر منها يحذف جوابه ـ أتبع ذلك بذكر مسألة فقال (٢) : فإن تقدم على القسم ما يطلب خبرا ، أو ما يطلب صلة فإنه يجوز أن يبنى الجواب على القسم ، وقد يجوز أن يبنى على المبتدأ والموصول فتقول : زيد والله يقوم ، وإن شئت : زيد والله ليقومن ، ويعجبني الذي والله يقوم ، وإن شئت : يعجبني الذي والله ليقومن ، فإن بنيت على الأول حذفت جواب القسم ؛ لدلالة ما تقدم عليه ، وإن بنيت على القسم كان القسم وجوابه في موضع خبر المبتدأ ، أو صلة الموصول ، ولذلك جاز في هذين الموضعين البناء على الثاني ؛ لأنه لا يؤدي ذلك إلى حذف مع تأخير الدليل (٣). انتهى.

وأشار بقوله : لأنه لا يؤدي ذلك إلى حذف مع تأخير الدليل» إلى ما هو كالجواب عن سؤال قد يسأل وهو أن يقال : لم لا يمتنع في هذه المسألة أن يبنى الكلام على المتأخر كما امتنع في مسألة اجتماع القسم والشرط؟

والجواب عن ذلك : أن كلّا من القسم والشرط لا بد له من جواب ، والشرط لا يصلح جواب قسم والقسم لا يصلح جواب شرط ، ولا بد من ذكر أحدهما وحذف الآخر ؛ فلزم أن يكون المذكور دالّا على المحذوف ، فلو دل على المتقدم بالمتأخر بأن يحذف الأول لدلالة الثاني عليه ؛ لكنت قد حذفت شيئا قبل ذكر ما لا يدل عليه ، وقد قال : إن الباب في المحذوفات التي يفسرها اللفظ ألا يحذف شيء منها إلا لتقدم الدليل عليه.

وأما المسألة التي أشار إليها : فإنك إن بنيت على الأول ـ أعني المبتدأ ، أو الموصول ـ حذفت جواب القسم الذي هو الثاني ؛ لدلالة المتقدم عليه ، وإن بنيت ـ

__________________

(١) يقول ابن مالك في زيادة «أن» : (والزائدة هي التي دخولها في الكلام كخروجها ، وتقع بعد لما الحينية نحو : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) وبين القسم و «لو» مثل : أما والله أن لو قام زيد قام عمرو). من شرح التسهيل (٤ / ٥١).

(٢) شرح الجمل (١ / ٥٢٩).

(٣) المرجع السابق (١ / ٥٣٠).

٥٢٠