شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٦

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٦

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فقد صح ما ذكرته أنها لا بد (لها) (١) من فعل تتعلق به [٤ / ٣٤] ولا بد أن يكون ظاهرا ، أو محذوفا ، وإذا كان محذوفا كان على وجهين :

أحدهما : أن يكون قد ناب منابه شيء فلا يظهر.

الثاني : أن لا يكون قد ناب منابه شيء ؛ فيجوز أن يظهر وأن لا يظهر ، ويكون ظاهرا إذا لم يكن معك ما يدل عليه ، وإذا كان معك ما يدل عليه ولم تكن الصفة تقوم مقامه ؛ فأنت بالخيار : إن شئت حذفته ، وإن شئت أظهرته ، وإذا كانت الصفة تقوم مقامه فلا يجوز إظهار الفعل.

فمثال ما أنت فيه بالخيار أن تسمع إنسانا يقول لك : ما لقيت رجلا عالما ؛ فتقول له : رب رجل عالم لقيت ، ولك أن لا تذكر «لقيت» فتقول : رب رجل عالم ، وتكتفي بكونه جوابا فإن كان ذلك منك ابتداء فلا بد من إظهار الفعل ، وأكثر ما تكون جوابا ، وإذا كانت غير جواب فهي على تقدير ذلك (٢) إلا أن الفعل يظهر ؛ لأن سامعك لا يعلم ذلك الفعل إذا حذفته.

ومثال ما يكون الفعل فيه لا يظهر لأن الصفة تقوم مقامه قولك : رب رجل يفهم هذه المسألة ؛ لمن يقول لك : قد فهمتها ، فالتقدير : رب رجل يفهم هذه المسألة (وجدت لكن مثل) (٣) هذا لا يظهر ، وبهذا كان الأستاذ أبو علي (يتأول) (٤) كلام سيبويه لأنه قال : «رب» وصلت «يفهم» إلى «رجل» ، أو ما هذا معناه فكان يقول : إن يفهم لا يصح أن يكون إلا صفة لـ «رجل» ؛ لأن فعل المضمر لا يتعدى إلى ظاهره. ألا ترى أنك لا تقول : بزيد افتخر ؛ تريد : بنفسه افتخر زيد ؛ لأن فاعل «افتخر» ضمير يعود إلى «زيد» فكذلك فاعل «يفهم» ضمير يعود إلى «رجل» فكيف يتعدى إلى رجل بحرف جر؟ فلا بد له من متعلق محذوف إلا أنه لا يظهر ، ونابت الصفة منابه ، فلما كان كذلك قال سيبويه (٥) رحمه‌الله تعالى : إن «رب» ـ

__________________

(١) بالأصل : له.

(٢) في هامش المخطوط حاشية : كأنه يريد بذلك أنها على تقدير كونها جوابا.

(٣) بالأصل : وجدت مثل لكن ، وهو تحريف واضطراب.

(٤) في الأصل : «تناول» ، وينظر : التذييل (٤ / ٤٠).

(٥) ينظر : الكتاب (٢ / ٣١٤ ، ٣١٥) ، (٣ / ١١٥).

٤٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

وصلت «يفهم» إلى «رجل» وإن كانت إنما وصلت «وجدت» ونابت «يفهم» منابه ، ولما كان قولك : رب رجل يفهم ؛ بمنزلة : أقل رجل يفهم ، وتنزّل منزلته ؛ صار بمنزلة المبتدأ والخبر ، وصارت «رب رجل» مبتدأ و «يفهم» خبره ، ولذلك أجراه بعض المتأخرين مجرى «بحسبك زيد» ، وهذا إنما يجري فيها في بعض وجوهها ، وأما الأصل فما ذكرته أولا. ومن هذا ـ والله تعالى أعلم ـ قول امرئ القيس :

٢٦٨٦ ـ فيا ربّ مكروب كررت وراءه

وعان فككت الغلّ عنه ففدّاني (١)

فإنك لا تقدر أن تعلق «رب مكروب» بـ «كررت» ، ولا تقدر أن تقدّر محذوفا يتعلق به فيجري مجرى ما ذكرته (٢). انتهى كلامه.

وأما الشيخ فإنه مقتف كلام هذين الرجلين ، ولم يظهر لي ما الذي هو مختاره في المسألة المذكورة ؛ فإنه قال : وفي قول المصنف : ولا مضيّ ما تتعلق به نصّ على أنها تتعلق كحروف الجر غير الزوائد (٣) قال : وهذا مسألة اختلاف [فيها] (٤). ذهب الرماني (٥) ، وابن طاهر إلى أنها لا تتعلق بشيء ، وحكاه شيخنا ابن أبي الربيع عن بعض المتأخرين (٦) ، وذهب الجمهور إلى أنها تتعلق ، واختلفوا [في موضع المجرور بها] ؛ فذهب الزجاج (٧) إلى أن مجرورها في موضع نصب أبدا ، وذهب الجرمي (٨) ، والأخفش إلى أنها تزاد في الإعراب ويحكم على موضع مجرورها بالنصب والرفع على حسب العوامل بعدها ويجوز [فيه] الاشتغال إذا كان العامل قد عمل في ضميره ، أو سببيه نصبا ، ويعطف على لفظه وعلى موضعه (٩).

وذكر حذف الفعل الواقع بعد «ربّ» فقال : وحذف الفعل الذي يكون خبرا لمجرور «رب» ، أو عاملا في موضعه ، أو مفسرا لعامل نادر وفاقا لسيبويه (١٠) والخليل ، لا كثير خلافا للفارسي (١١) ، والجزولي (١٢) ، ولا ممنوع خلافا للكذة ـ

__________________

(١) تقدم.

(٢) ينظر : التذييل (٤ / ٤٠) في إيجاز.

(٣) التذييل (٧ / ٩٠ أ).

(٤) زيادة من التذييل.

(٥) وانظر : الهمع (٢ / ٢٧).

(٦) التذييل (٤ / ٤٣) ، والهمع (٢ / ٢٨).

(٧) التذييل (٤ / ٤٣) ، والمغني (ص ١٣٧) ، والهمع (٢ / ٢٨).

(٨) المغني (ص ١٣٦ ، ١٣٧).

(٩) التذييل (٧ / ٩٠ ، ٩١) بتصرف.

(١٠) الكتاب (٣ / ١٠٣ ، ١٠٤) ، والهمع (٢ / ٢٨).

(١١) الهمع (٢ / ٢٨).

(١٢) عيسى بن عبد العزيز أبو موسى أندلسي لزم ابن بري وأخذ عنه الشلوبين وابن معط له : شرح

٤٤٢

[لولا .. حكم الجر بها]

قال ابن مالك : (فصل : قد يلي عند غير المبرّد «لولا» الامتناعيّة الضّمير الموضوع للنّصب والجرّ مجرور الموضع عند سيبويه مرفوعه عند الأخفش ، والكوفيّين).

______________________________________________________

الأصبهاني (١) ؛ إذ زعم أن ذكره واجب (٢) ، ثم ذكر كلام ابن أبي الربيع المقدم آنفا المشتمل على الذكر والحذف ، ثم قال : فصارت المذاهب في الفعل المقدر عاملا في «ربّ» بالنسبة إلى الحذف خمسة : الندور : وهو مذهب سيبويه ، والخليل ، والكثرة : وهو مذهب الفارسي ، والمنع : وهو مذهب لكذة ، ولزوم الحذف : نقله صاحب البسيط (٣) ، قال : لأنه معلوم كما حذف في باسم ، وتالله لأفعلن ، والتفصيل : وهو ما ذهب إليه ابن أبي الربيع (٤). انتهى.

وأقول : هذا الذي ذكرته ، وأوردته من الكلام على «ربّ» هو الذي وصلت القدرة إليه. ولا شك أن بعض المسائل ، وبعض المباحث المتقدمة لم تنجل عند النفس انجلاء خالصا. فسبحان من يعلم حقائق الأمور وخفاياها ، وهو حسبنا ، ونعم الوكيل.

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٥) : إذا ولي «لولا» الامتناعية مضمر فالمشهور كونه أحد المضمرات المرفوعة المنفصلة ؛ لأنه موضع ابتداء قال الله تعالى : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ)(٦) ، ومن العرب من يقول : لولاي ، ولولانا ، إلى لولاهنّ ، وزعم المبرد (٧) أن ذلك لا يوجد في كلام من يحتج بكلامه ، وما زعمه مردود برواية سيبويه والكوفيين. وأنشد سيبويه (٨) رحمه‌الله تعالى :

٢٦٨٧ ـ وكم موطن لولاي طحت كما هوى

بأجرامه من قنّة النيق منهوي (٩)

__________________

أصول ابن السراج والمقدمة وغيرهما (ت ٦٠٧ ه‍) وانظر : الأعلام (٥ / ٢٨٨) ، والهمع (٢ / ٢٨).

(١) الحسن بن عبد الله أبو الأصبهاني المعروف بلكذة كان إماما في النحو واللغة ، أخذ عن الباهلي والكرماني له : خلق الإنسان ، ونقض علل النحو ، والنوادر. وانظر : البغية (١ / ٥٠٩) ، والارتشاف (٢ / ٤٥٩) ، والهمع (٢ / ٢٧ ، ٢٨).

(٢) التذييل (٧ / ٩٣).

(٣) ضياء الدين محمد بن علي الإشبيلي بن العلج ، وكتابه هذا كتاب نفيس في عدة مجلدات.

وانظر : البحر المحيط (٨ / ٤٧).

(٤) التذييل (٧ / ٩٤).

(٥) شرح التسهيل (٣ / ١٨٥).

(٦) سورة سبأ : ٣١.

(٧) في الكامل (٨ / ٤٨) ، والمقتضب (٣ / ٧٣).

(٨) في الكتاب (٢ / ٣٧٤).

(٩) من الطويل ليزيد بن حكم ، طحت : هلكت ، والنيق : أعلى الجبل ، وانظر : أمالي الشجري (٢ / ٢٠٦) ، والخزانة (١ / ٤٩٦) ، والمقتضب (٣ / ٧٣) ، والمقرب (١ / ١٩٣) برواية : «قلة» بدل «قنة».

٤٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأنشد الفرّاء (١) :

٢٦٨٨ ـ أتطمع فينا من أراق دماءنا

ولولاك لم يعرض لأحسابنا حسن (٢)

ومذهب سيبويه في ياء «لولاي» ، وكاف «لولاك» وشبههما أنها في موضع جر (٣) بـ «لولا» ؛ لأن الياء وأخواتها لا يعرف وقوعه إلا في موضع نصب أو جر ، والنصب في «لولاي» ممتنع ؛ لأن الياء [٤ / ٣٥] لا تنصب بغير اسم إلا ومعها نون الوقاية وجوبا ، أو جوازا ولا تخلو منها وجوبا إلا وهي مجرورة وياء «لولاي» خالية منها وجوبا فامتنع كونها منصوبة وتعين كونها مجرورة ، وفي ذلك مع شذوذه استيفاء حقّ لـ «لولا» ؛ وذلك أنها مختصة بالاسم غير مشابهة للفعل ، ومقتضى ذلك أن تجر الاسم مطلقا لكن منع من ذلك شبهها بما اختص به الفعل من أدوات الشرط في ربط جملة بجملة. وأرادوا التنبيه على موجب العمل في الأصل فجروا بها المضمر المشار إليه. ومذهب الأخفش (٤) أن الياء وأخواتها في موضع رفع نيابة عن ضمائر الرفع المنفصلة ونظير ذلك نيابة المرفوع في : ما أنا كأنت ، وشبهه. انتهى كلام المصنف (٥).

وكلام ابن عصفور موافق له. وقد علمت في ما تقدم من كلام ابن عصفور أن «لولا» مع المضمر لا تتعلق بشيء كما أن «لعل» أيضا كذلك إذا جرت. ومن ثم قال ابن أبي الربيع : تنزلت «لولا» مع الضمير ـ في لغة من يقول : لولاك ، ولولاه ـ منزلة الباء في «بحسبك زيد» ؛ ألا ترى أن «حسبك» مرفوع بالابتداء دخلت عليه الباء فعملت عملها المعهود لها ، وهو الخفض ، فشبهت بها «لولا» ؛ لأن كل واحدة منها حرف مختص بالاسم قد دخل على المبتدأ فعملت في المبتدأ الخفض ؛ لذلك قال : وهذا لم تفعله العرب إلا مع الضمير قليلا ، ثم قال : ومذهب الأخفش معترض ؛ ـ

__________________

(١) في معانيه (٢ / ٨٥).

(٢) من الطويل لعمرو بن العاص مخاطبا معاوية في شأن الحسن بن علي رضي‌الله‌عنهم أجمعين ، وانظر : الأشموني (٢ / ٢٠٦) ، والإنصاف (٢ / ٦٩٣) ، وشرح المفصل (٣ / ١٢٠) ، والكافية الشافية (ص ٢٧٩) ، ومعاني الفراء (٢ / ٨٥) برواية «حسم» بدل «حسن».

(٣) الكتاب (٢ / ٣٧٣).

(٤) الارتشاف (٢ / ٤٧٠) ، وشرح الجمل (٢ / ٤٧٢).

(٥) انظر : شرح التسهيل (٣ / ١٨٦).

٤٤٤

[لعلّ ، ومتى .. هل يجر بهما]

قال ابن مالك : (ويجرّ بـ «لعلّ» ، و «علّ» في لغة عقيل ، وب «متى» في لغة هذيل).

______________________________________________________

لأن الضمير المخفوض لا يكون إلا متصلا ، ولا يتصل الضمير إلا بعامله ، و «لولا» عنده ليست بعامله ، وإنما الضمير عنده مرفوع بالابتداء والابتداء عامل معنوي (١).

وقال ابن عصفور : والذي ذهب إليه الأخفش فاسد ؛ لأن وقوع الضمير المتصل موقع المنفصل لا يجوز إلا في ضرورة شعر كقوله :

٢٦٨٩ ـ [وما نبالي إذا ما كنت جارتنا]

ألّا يجاورنا إلّاك ديّار (٢)

يريد : إلا إياك .. فإذا كان وضع المتصل موضع المنفصل قبيحا مع أنهما من قبيل واحد أي : منصوبان ؛ فبالأحرى إذا كانا من بابين مختلفين بأن يكون المتصل ضمير خفض ، والمنفصل الذي وقع موقع ضمير رفع (٣).

قال ناظر الجيش : قال المصنف : روى أبو زيد عن بني عقيل الجرّ بـ «لعل» (٤) ، وحكى الجر بها أيضا الفراء وغيره (٥) ، وروى في لامها الأخيرة الفتح ، والكسر ، وأنشد باللغتين قول الشاعر :

٢٦٩٠ ـ لعلّ الله يمكنني عليها

جهارا من زهير أو أسيد (٦)

وروى الفرّاء (٧) أيضا الجرّ بـ «لعلّ» ، وأنشد :

٢٦٩١ ـ علّ صروف الدّهر أو دولاتها

يدلننا اللّمّة من لمّاتها

فتستريح النّفس من زفراتها (٨)

__________________

(١) التذييل (٤ / ٤٣ ، ٤٤).

(٢) عجز بيت من البسيط ذكرنا صدره ، وانظر : الأشموني (١ / ١٠٩) ، والتصريح (١ / ٩٨ ، ١٩٢) ، والخصائص (١ / ٣٠٧) ، (٢ / ١٩٥) ، وشرح المفصل (٣ / ١٠١) ، والمغني (ص ٤٤١).

(٣) شرح الجمل (١ / ٣٣٠).

(٤ و ٥) ينظر : الارتشاف (٢ / ٤٦٩) ، والتذييل (٧ / ١٠٣) ، ومعاني الفراء (٣ / ٩ ، ٢٣٥) ، والهمع (٢ / ٣٣).

(٦) من الوافر ، وهو في التصريح (٢ / ٣).

(٧) في المعاني له (٣ / ٩ ، ٢٣٥) والهامش قبل السابق.

(٨) ينظر : شرح شواهد المغني (١ / ٤٥٤) ، ومعاني الفراء (٣ / ٩ ، ٢٣٥).

٤٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما «متى» فهي في لغة هذيل حرف جر بمعنى «من» ، ومنه قول الشاعر :

٢٦٩٢ ـ شربن بماء المزن ثمّ ترفّعت

متى لجج خضر لهنّ نئيج (١)

ومن كلامهم : أخرجها متى كمه ، أي : من كمه. انتهى.

وقد أنكر بعض الناس الجرّ بـ «لعل» ، ومنهم ابن عصفور وخرج قول الشاعر :

٢٦٩٣ ـ [فقلت ادع أخرى وارفع الصّوت جهرة]

لعلّ أبي المغوار منك قريب (٢)

على أن «لعل» ناصبة لضمير شأن محذوف ، وأن «أبي المغوار» مجرور بلام محذوفة و «قريب» صفة لمحذوف التقدير : لعل لأبي المغوار منك جواب قريب (٣).

وقال : إنه ارتكب في البيت ضرورتان : حذف ضمير الشأن ، والجر بحرف محذوف. ولا يخفى ما في هذا التخريج مع بعده من التكلف. وإذا نقل الأئمة أن الجر بـ «لعل» لغة لقوم من العرب ؛ فكيف يسوغ إنكار ذلك ، وقد رواه أبو زيد عن بني عقيل ، وكذلك رواه الفراء أيضا كما ذكر المصنف؟!

وقال الشيخ : والصحيح ثبوت ذلك لغة وحكاها الأخفش والفراء (٤) ، ثم إن الشيخ ذكر (٥) احتمالا في ما استدل به على الجر بـ «متى» ، وذلك بأن يكون «متى» في البيت الذي أنشده المصنف ، وفي قول الآخر :

٢٦٩٤ ـ متى ما تعرفونا تنكرونا

متى أقطارها علق مصب طرفا (٦)

بمعنى «وسط» فتبقى على ما استقر فيها من الظرفية وإن لم تكن شرطا ، ولا استفهاما.

وأقول : ما المحوج إلى هذا التخريج البعيد المتكلف بعد أن ثبت أن ذلك لغة بنقل الأئمة المعتبرين؟!

__________________

(١) من الطويل لأبي ذؤيب. ديوان الهذليين (١ / ٥١).

(٢) عجز بيت من الطويل ذكرنا صدره ، وهو لكعب بن سعد الغنوي ، وانظر : التصريح (١ / ١٥٦ ، ٢١٣) ، والدرر (٢ / ٣٣) ، والعيني (٣ / ٣٤٧) ، والمغني (ص ٢٨٦) ، والهمع (٢ / ٣٣ ، ١٠٨).

(٣) هو أيضا قول أبي علي الفارسي ـ راجع : الدرر (٢ / ٣٣) والمصادر السّابقة.

(٤) التذييل (٧ / ١٠٢) ، وانظر : الهمع (٢ / ٣٣).

(٥) في التذييل (٧ / ١٠٣).

(٦) هذا البيت أنشده أبو سعيد السكري ، قاله أبو حيان في التذييل (٧ / ١٠٣).

٤٤٦

[مواضع الجر بحرف محذوف ، أحكامه ،

حكم الفصل بين الجار والمجرور]

قال ابن مالك : (فصل في الجرّ بحرف محذوف. يجرّ بـ «ربّ» محذوفة بعد الفاء كثيرا ، وبعد الواو أكثر ، وبعد «بل» قليلا ، ومع التجرد أقلّ ، وليس الجرّ بالفاء و «بل» باتّفاق ، ولا بالواو خلافا للمبرّد ، ومن وافقه ، ويجرّ بغير «ربّ» أيضا محذوفا في جواب ما تضمّن مثله ، أو في معطوف على ما تضمنه بحرف متّصل أو منفصل بـ «لا» أو «لو» ، (أو) (١) في مقرون بعد ما تضمنه بالهمزة ، أو «هلّا» ، أو «إن» ، أو الفاء الجزائيتين.

ويقاس على جميعها خلافا للفراء في جواب [نحو] : بمن مررت؟ وقد يجر بغير ما ذكر محذوفا. ولا يقاس منه إلّا على ما ذكر في باب «كم» و «كان» و «لا» المشبهة بـ «إنّ» ، وما يذكر في باب القسم ، وقد يفصل في الضّرورة بين حرف جرّ ومجرور بظرف أو جارّ ومجرور وندر في النّثر الفصل بالقسم بين حرف الجرّ والمجرور ، والمضاف والمضاف إليه).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : اعلم أن الذي أشار إليه المصنف في هذا الفصل من جواز حذف حرف الجر وبقاء عمله مخالف لما يراه المغاربة ؛ وذلك أنهم لا يجوزون الجر بحرف محذوف غير «رب» إلا إذا عوض عن ذلك الحرف غيره ، وذلك إنما هو في باب «كم» ، وباب القسم ، والجر بحرف محذوف غير «ربّ» في غير هذين [٤ / ٣٦] البابين معدود عندهم من النادر الشاذ ؛ فلا يقاس عليه. أما المصنف فإنه يرى أن الجر بحرف محذوف غير «رب» جائز مقيس في غير هذين البايين كما هو جائز فيهما ولكن إنما يجوز ذلك في مواضع خاصة ، والمواضع التي تضمنها كلامه سبعة :

فالأول : كونه في جواب كلام تضمن مثل ذلك الحرف.

والثاني : كونه في معطوف على ما تضمنه.

والثالث : كونه في مقرون بأحد أربعة أحرف مذكور بعد ما تضمنه ، وأربعة الأحرف هي : الهمزة ، و «هلّا» ، و «إن ، والفاء» الجزائيتان. ـ

__________________

(١) في الأصل : و.

٤٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والرابع : في باب «كم».

والخامس : في باب «كان».

والسادس : في باب «لا» المشبهة بـ «إنّ».

والسابع : القسم ، فزاد على ما ذكره المغاربة خمسة مواضع ، ولا يبعد ما قاله عن الصواب. وكم له من استدراكات. فرحمه‌الله تعالى ، وأحسن جزاءه بمنّه ، وكرمه.

وهذا الذي ذكرناه إنما هو في حكم غير «ربّ». أما إذا كان الحرف «ربّ» فهم متفقون على عملها محذوفة. وإذ قد تقرر هذا فلنرجع إلى تصوير المسائل ، وذكر أمثلتها وإلى ما يتعلق بلفظ الكتاب.

فنقول : قد ذكر المصنف (١) أن الجر بـ «رب» محذوف بعد الواو كثير ، وأن الجر بها محذوفة بعد الفاء أقل من ذلك وأن فعل ، وأن فعل ذلك بعد «بل» أقل من فعله بعد الفاء ، وأن فعله مع التجرد أقل من فعله بعد «بل» ، ومثاله بعد الواو قول امرئ القيس :

٢٦٩٥ ـ وليل كموج البحر أرخى سدوله

عليّ بأنواع الهموم ليبتلي (٢)

وقد أكثر المصنف من ذكر الشواهد على ذلك ، ولا حاجة إلى إيرادها ؛ لأن هذا كما قال الشيخ : لا يحتاج إلى مثال ؛ لأن دواوين العرب ملأى منه (٣). ومثاله بعد الفاء قول امرئ القيس :

٢٦٩٦ ـ فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعا

فألهيتها عن ذي تمائم محول (٤)

وقول الآخر :

٢٦٩٧ ـ فإن أهلك فذي حنق لظاه

تكاد عليّ تلتهب التهابا (٥)

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل (٣ / ١٨٧) وما بعدها.

(٢) من الطويل ، والسدول : الستور ، وانظر : ديوانه (ص ١٨) ، والأشموني (٢ / ٢٣٣) ، والتصريح (٢ / ٢٢) ، وشذور الذهب (ص ٣٢١) ، والمغني (ص ٣٦١).

(٣) التذييل (٧ / ١٠٤) وفيه : «مليء».

(٤) من الطويل : والتمائم : معاذات تعلق على الصبي ، والبيت في ديوانه (ص ١٢) ، والتصريح (٢ / ٢٢) ، والدرر (٢ / ٣٨) ، والعيني (٣ / ٣٣٦) ، والكتاب (١ / ٢٩٤) ، واللسان «غيل» والمغني (ص ١٣٦ ، ١٦١) هذا : ورواية الديوان :

فمثلك ... مغيل

(٥) من الوافر لربيعة بن مقروم الضبي ، وانظره في التذييل (٧ / ١٠٣) ، والخزانة (٤ / ٢٠١) والمغني (ص ١٦٤).

٤٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وقول الآخر :

٢٦٩٨ ـ إن يثن سلمى بياض الفود عن صلتي

فذات حسن سواها دائما أصل (١)

وقول الآخر :

٢٦٩٩ ـ فإمّا تعرضنّ أميم عنّي

وينزعك الوشاة أولو النّباط

فحور قد لهوت بهنّ عين

نواعم في المروط وفي الرّياط (٢)

قال الشيخ : وقول المصنف : يجر بـ «رب» محذوفة بعد الفاء كثيرا ، ليس بكثير ، بل هو قليل يكاد ألا يوجد منه إلا هذا الذي أنشده (٣). ومثاله بعد «بل» قول الراجز :

٢٧٠٠ ـ بل بلد ملء الفجاج قتمه

لا يشترى كتّانه وجهرمه (٤)

ومثال الجر بها محذوفة دون واحد من الثلاثة قول الراجز :

٢٧٠١ ـ رسم دار وقفت في طلله

كدت أقضي الحياة من جلله (٥)

قال المصنف (٦) : ولا خلاف في أن الجر في : فذي حنق ، وبل بلد ، ورسم ـ

__________________

(١) البيت من البسيط ، وينسب لبعض الطائيين وانظر : التذييل (٧ / ١٠٣).

(٢) من الوافر للمتنخل الهذلي في قصيدتهما قال الأصمعي : أجود طائية قالتها العرب ، وينزعك بالعين المهملة والمعجمة : يودونك. النباط : الذين ستنبطون الأخبار ، والمروط : جمع مرط وهو إزار له علم ، والرياط : جمع ريطة : الملاءة التي لم تلفق ، وانظر ديوان الهذليين (٢ / ١٩) ، والأشموني (٢ / ٢٣٢) ، وأمالي الشجري (١ / ١٤٣ ، ١٤٤ ، ٣٦٦) ، وشرح السكري (٣ / ١٢٧٦) ، والعيني (٣ / ٣٤٩).

(٣) التذييل (٧ / ١٠٤) وفيه أنشدناه.

(٤) الرجز لرؤبة ، والفجاج : الطرق ، القتم : الغبار ، والجهرم : بسط من شعر تنسب إلى جهرم قرية بفارس ، وانظر ديوانه (ص ١٥٠) ، والإنصاف (ص ٥٢٩) ، والدرر (٢ / ٣٨) ، وشرح المفصل (٨ / ١٠٥) ، واللسان «جهرم» والمغني (ص ١٢٠) هذا وفي الأصل : «متمه» بدل «قتمه» ، و «كنانه» بدل «كتانه».

(٥) من الخفيف لجميل العذري والرسم : ما لصق من آثار الديار كالرماد ونحوه ، والطلل : ما شخص من آثارها كالوتد وغيره ، وطلله : طلل داره ، والجلل : عظم الشيء ، وانظر : ديوانه (ص ٥٢) ، والأشموني (٢ / ٢٣٣) والخصائص (١ / ٢٨٥) ، (٣ / ١٥٠) ، والسمط (ص ٥٥٦) ، والهمع (١ / ٢٥٥) ، (٢ / ٣٧ ، ٧٢).

(٦) شرح التسهيل (٣ / ١٨٩).

٤٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

دار ، وأشباهها بـ «ربّ» المحذوفة ، وزعم المبرد أن الجر بعد الواو بالواو نفسها (١).

ولا يصح ذلك ؛ لأن الواو أسوة «الفاء ، وبل» في إضمار «رب» بعدهما ، ولأنها عاطفة لما بعدها من الكلام على ما قبلها ، والعاطف ليس بعامل ولا يمنع كونها عاطفة افتتاح بعد الأراجيز بها ؛ (لإمكان) (٢) إسقاط الراوي شيئا من الأرجوزة متقدما ، ولإمكان عطف الراجز ما افتتح به على بعض ما في نفسه. انتهى.

وقال ابن أبي الربيع: العرب تحذف «رب» وتبقي عملها بعد واو العطف ولا يجوز إظهارها بعده ، نحو قول امرئ القيس:

٢٧٠٢ ـ وفرع يغشّي المتن أسود فاحم

أثيث كقنو النّخلة المتعثكل (٣)

وهذا إذا كانت الواو عاطفة جملة على جملة ، وأما إذا كانت معطوفة على «رب» نحو : ربّ مكروب ، وربّ أسير ؛ فتكون ظاهرة ، وإنما يلزم حذفها في ما ذكرت لك. وقد أجرت العرب الفاء مجرى الواو فحذفت بعدها «ربّ» نحو :

٢٧٠٣ ـ فمثلك حبلى ...

 ... البيت

ونحو :

٢٧٠٤ ـ فإن أهلك فذي حنق ... البيت الآخر

وقد حذفت قليلا بعد «ثمّ» والأصل في هذا كله الواو.

ولا أعلم خلافا بين النحويين في ما ذكرته إلا أبا العباس المبرد فإنه قال : إن الواو بمنزلة «رب» وإن الواو تأتي على ثلاثة أقسام : عاطفة ، وللحال ، وبمنزلة «رب».

وقال في مثل قول امرئ القيس :

وفرع يغشّي المتن ...

إن الخفض في «فرع» بالواو ، وليست عاطفة ، وكأنه قال : ربّ فرع فوضعت العرب الواو موضعها ، وبمعناها. واستدل على ذلك بقول الشاعر :

٢٧٠٥ ـ وقائم الأعماق خاوي المخترق

[مشتبه الأعلام لمّاع الخفق] (٤)

__________________

(١) المقتضب (٢ / ٣١٩ ، ٣٤٧) ، (٣ / ٢٥٦).

(٢) في الأصل : لأنه كان ، وهو تحريف.

(٣) من الطويل ، والفرع : الشعر الطويل ، والأثيث : الكثير النبات ، والقنو : العذق ، كياسة النخلة ، والمتعثكل : المتداخل لكثرته ، وانظر ديوانه (ص ١٦).

(٤) بيت من الرجز لرؤبة ، والقتمة : الغبرة ، والخاوي : الخالي ، والمخترق : مكان الاختراق من الخرق ،

٤٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

قال : لأن الواو فيه ليست عاطفة ؛ لأن هذا أول الأرجوزة فليس ثم ما يعطف عليه ، فإذا صح أنها ليست عاطفة صح أنها بمنزلة «ربّ» (١). قال ابن أبي الربيع : والحجة لقول الجمهور أن العرب لم تدخل عليها حرف العطف فلو كانت بمنزل «ربّ» لقالوا : وفرع ، كما تقول : ورب فرع ، إذا تقدم قبل ذلك «ربّ» لا يقال : كرهوا ذلك لاتفاق اللفظين ؛ لأنهم قد قالوا : والله ، وو الله ، ويقول العرب : جاء زيد ووجهه حسن. وأما الجواب عن :

٢٧٠٦ ـ وقاتم الأعماق خاوي المخترق

فالجواب عنه : أن العرب عادتها أن تستفتح قصائدها بما يكون فيه تأنيس للخاطر ، فتتغزل كثيرا. فكأنّ هذا لمّا أخذ في أرجوزته قام في نفسه ما جرت العادة به فقدره مقولا موجودا ، فعطف عليه : «وقاتم الأعماق» ، وينظر إلى هذا ما روي في قصيدة زهير :

٢٧٠٧ ـ دع ذا وعدّ القول في هرم

[خير البداة وسيّد الحضر] (٢)

ولا يعرفون قبلها شيئا وكان منهم من ينشدها :

٢٧٠٨ ـ لمن الديار تعنه البحر

لكن الحجة في رواية من روى أولها :

دع ذا وعدّ القول ...

فإن «ذا» إشارة إلى شيء ، ولم يذكر قبل ذلك شيئا فتكون إشارة ـ والله أعلم ـ ما جرت العادة أن تستفتح القصائد به من الغزل ، ووصف الأطلال ، وغير [٤ / ٣٧] ذلك مما يجري في أول قصائدهم (٣). انتهى كلام ابن أبي الربيع.

ومثال الجر بغير «رب» محذوفا في جواب ما تضمن مثله نحو : «زيد» في ـ

__________________

وهو الشق ، وانظر : ديوانه (ص ١٠٤) ، والخصائص (١ / ٢٢٨ ، ٢٦٠) ، وشرح المفصل (٢ / ١١٨) ، (٩ / ٢٩) ، والكتاب (٢ / ٣٠١) ، والهمع (٢ / ٣٦).

(١) ينظر : التذييل (٤ / ٤٤ ، ٤٥).

(٢) بيت من الكامل ، عدّ القول : اصرفه ، البداة : البدو والواحد باد ، وانظر : ديوانه (٢٧) ، والدرر (٢ / ٣٩) وشرح السيرافي (٢ / ١٤٩ أ) برواية : «خير الكهول» ، والهمع (٢ / ٣٦).

(٣) ينظر التذييل (٤ / ٤٤ ، ٤٥).

٤٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

جواب من قيل له : بمن مررت؟ وكقوله عليه الصلاة والسّلام إذ قيل له : فإلى أيّهما أهدي؟ قال : «أقربهما [منك] بابا» (١) بالجر على إضمار «إلى». ومن الجواب نحو : بلى زيد بالجر لمن قال : ما مررت بأحد ، أو : هل مررت بأحد؟ ومثال ذلك بعد عطفه على الوجه المذكور قوله تعالى : (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(٢) فجر (اخْتِلافِ اللَّيْلِ) بـ «في» مقدرة مع اتصاله بالواو لتضمن ما قبلها إياها ، وقرأ عبد الله بإظهارها (٣). ومثل ما في الآية قول الشاعر :

٢٧٠٩ ـ ألا يا لقومي كلّ ما حمّ واقع

وللطّير مجرى والجنوب مصارع (٤)

ومثله :

٢٧١٠ ـ حبّب الجود للكرام فحمدوا

ولناس فعل اللّئام فلئموا (٥)

ومثله :

٢٧١١ ـ أخلق بذي الصّبر أن يحظى بحاجته

ومدمن القرع للأبواب أن يلجا (٦)

ومثله :

٢٧١٢ ـ كالمرّ أنت إذا ما حاجة عرضت

وحنظل كلّما استغنيت خطبان (٧)

ومثال ذلك مع الفصل بـ «لا» قول الراجز :

٢٧١٣ ـ ما لمحبّ جلد أن [ي] هجرا

ولا حبيب رأفة فيجبرا (٨)

__________________

(١) أخرجه البخاري في الشفعة (٣) ، والهبة (١٦) ، وابن حنبل (٦ / ١٧٥ ، ١٨٧ ، ١٩٣ ، ٢٣٩) ، وانظره كذلك في الهمع (٢ / ٣٧).

(٢) سورة الجاثية : ٤ ، ٥.

(٣) ينظر : البحر المحيط (٨ / ٤٢) وما بعدها ، وحجة ابن زنجلة (ص ٦٥٩) ، والكشاف (٤ / ٢٢٥).

(٤) من الطويل لقيس بن ذريح ، وانظره في الدرر (٢ / ١٩٢) برواية : «كلّما» ، والعيني (٣ / ٣٥٢) ، والهمع (٢ / ١٣٩) وفي الأصل : «يجري» بدل «مجرى».

(٥) البيت في التذييل (٧ / ١٠٦).

(٦) من البسيط وانظره في الأشموني (٢ / ٢٣٤).

(٧) من البسيط ، وصدره في الأصل وفي التذييل : «كالنمر» ، وانظر التذييل (٧ / ١٠٦).

(٨) من الرجز ، يريد : ليس له قوة على الهجر ولا لحبيبه رأفة به فيجبره بوصله ، وانظر : الأشموني (٢ / ٢٣٤) ، والدرر (٢ / ٤٠) ، والعيني (٣ / ٣٥٣) ، والهمع (٢ / ٣٧).

٤٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثال ذلك مع الفصل بـ «لو» ما حكى أبو الحسن في المسائل (١) من أنه يقال : جيء بزيد ، أو عمرو ، ولو كليهما. وأجاز في «كليهما» الجرّ على تقدير : ولو بكليهما ، والنصب بإضمار ناصب ، والرفع بإضمار رافع.

قال المصنف : وأجود من هذا المثال الذي ذكره الأخفش أن يقال : جيء بزيد وعمرو ولو أحدهما ، كما قال الشاعر :

٢٧١٤ ـ متى عذتم بنا ولو فئة منّا

كفيتم ولم تخشوا هوانا ولا وهنا (٢)

لأن المعتاد في مثل هذا النوع من الكلام أن يكون ما بعد «لو» أدنى مما قبلها في كثرة ، وغيرها كقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «التمس ولو خاتما من حديد» (٣) ، وكقولهم : ائتني بدابة ولو حمارا ، ومن شواهد إضمار الجار في العطف بغير الواو قول الشاعر :

٢٧١٥ ـ أيّه بضمرة أو عوف بن ضمرة أو

أمثال ذينك إيّه تلف منتصرا (٤)

قال المصنف : (أراد : أو) (٥) بأمثال ذينك إيه.

قال الشيخ : ولا يتعين ما قاله ؛ إذ يحتمل أن يكون «أو مثال ذينك» معطوفا على ما قبله ، و «إيه» توكيد لقوله «إيه» المتقدمة (٦). ثم قال المصنف : ومنها ـ أي : ومن شواهد إضمار الجار في العطف بغير الواو ـ قول القائل :

٢٧١٦ ـ لك ممّا يداك تجمع ما تن

فقه ثمّ غيرك المخزون (٧)

أراد : ثم لغيرك المخزون ، ومثال جر المقرون بهمزة الاستفهام ، وب «هلّا» على الوجه المذكور ما حكى الأخفش في المسائل من أنه يقال : مررت بزيد ، فتقول : أزيد ابن عمرو؟ ، ويقال : جئت بدرهم ، فيقال : هلا دينار؟ قال أبو الحسن : وهذا كثير (٨). ومثال الجر ـ

__________________

(١) ينظر : الارتشاف (ص ٧٤٧) ، والتذييل (٤ / ٤٥).

(٢) من الطويل وانظر : الأشموني (٢ / ٢٣٤) ، والدرر (٢ / ٤٠) ، والهمع (٢ / ٣٧).

(٣) عن سهل بن سعد رضي‌الله‌عنه ، أخرجه البخاري في : النكاح (١٤ ، ٣٢) ، فضائل القرآن (٢١ ، ٢٢) ، واللباس (٤٩) ، والترمذي : نكاح (٢١) ، وابن ماجه : نكاح (١٧) ، ومالك في الموطأ : نكاح (٨) ، ومسلم : النكاح (٧٦) ، والنسائي : النكاح : (١ ، ٤١).

(٤) من البسيط وانظره في التذييل (٧ / ١٠٦).

(٥) التذييل (٧ / ١٠٦).

(٦) بالأصل : أرادوا.

(٧) من الخفيف لأبي طالب ـ ديوانه (ص ٧) ، والخزانة (٤ / ٣٨٦) ، والكتاب (٢ / ٣٢).

٤٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بمضمر بعد «إن والفاء» الجزائيتين ما حكى يونس من قولهم : مررت برجل صالح إن لا صالح فطالح ؛ على تقدير : إن لا أمر بصالح فقد مررت بطالح ، وأجاز امرر بأيهم هو أفضل إن زيد وإن عمرو ، على معنى : إن مررت بزيد ، أو مررت بعمرو (١).

قال المصنف : وجعل سيبويه إضمار الباء بعد «إن» لتضمن ما قبلها إياها أسهل من إضمار «رب» بعد الواو (٢) ، فعلم بذلك اطراده عنده. وشبيه بما روى يونس ما في البخاري من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ، وإن أربعة فخامس أو سادس» (٣) ، ويجوز رفع «أربعة» على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، وجرها على حذف المضاف ، وبقاء عمله ونظائر الرفع أكثر.

قال : والقياس على هذه الأوجه كلها جائز ، ومنعه الفراء (٤) في نحو : زيد ، لمن قال : بمن مررت؟ والصحيح جوازه لقوله عليه الصلاة والسّلام : «أقربهما منك بابا» بالجر ؛ إذ قيل له : فإلى أيّهما أهدي.

وكقول العرب : خير ، لمن قال : كيف أصبحت؟ (٥) بحذف الباء وإبقاء عملها ؛ لأن معنى «كيف» : بأي حال؟ فجعلوا معنى الحرف دليلا ، فلو لفظ به لكانت الدلالة أقوى وجواز الجر أولى. وقد يجر بحرف محذوف في غير ما ذكر مقيسا ، ومسموعا.

فالمقيس نحو : بكم درهم؟ ولا سابق شيئا ، وألا رجل جزاه الله خيرا ، وقد ذكرت هذه الأنواع الثلاثة في أبوبها. ومن المقيس نحو : ها الله لأفعلن ، مما يذكر في باب القسم.

والمسموع كقول الشاعر :

٢٧١٧ ـ سألت الفتى المكّيّ ذا العلم ما الّذي

يحلّ من التّقبيل في رمضان

فقال لي المكّيّ إمّا لزوجة

فسبع وإمّا خلّة فثمان (٦)

__________________

(١) الارتشاف (ص ٧٤٧).

(٢) الأشموني (٢ / ٢٣٥) ، والكتاب (٢ / ١٦٣) وما بعدها.

(٣) ينظر : الكتاب (١ / ١٠٦ ، ٢٦٣ ، ٢٦٤) ، (٣ / ٩ ، ١٠٤ ، ١٢٨ ، ٤٩٨).

(٤) عن أبي هريرة ـ البخاري : مواقيت الصلاة (٤١) ، والترمذي : أطعمة (٢١) ، والموطأ : صفة النبي (٢٠).

(٥) الأشموني (٢ / ٢٣٤) ، والتصريح (٢ / ٢٢ ، ٢٣) ، والهمع (٢ / ٣٧).

(٦) راجع : الأشموني (٢ / ٢٣٣) ، والتصريح (٢ / ٢٣) ، والهمع (٢ / ٣٧).

(٧) انظرهما في التذييل (٤ / ١٧٧) ، وفيه أنه أنشدهما أبو العباس ، وشرح السيرافي (١ / ١٧٥) وفيه : «سل المفتي».

٤٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أراد : وإما لخلة ، وكقول الآخر :

٢٧١٨ ـ وكريمة من آل قيس ألفته

حتّى تبذّخ فارتقى الأعلام (١)

أراد : في الأعلام ، والأول أجود ؛ لأن فيه حذف حرف (ثابت) (٢) مثله في ما قبله ، ولكن لا يقاس عليه لكون العاطف مفصولا بـ «إما» ، وهي تقتضي الاستئناف ، ومثل «فارتقى الأعلام» قول الآخر :

٢٧١٩ ـ إذا قيل أيّ النّاس شرّ قبيلة

أشارت كليب بالأكفّ الأصابع (٣)

أراد : أشارت إلى كليب وفي صحيح البخاري قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة الرّجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه خمس وعشرين ضعفا» (٤) بخفض «خمس» على تقدير الباء. ومثله في جامع المسانيد على أحد الوجهين قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم المحجّل ثلاث» (٥) [٤ / ٣٨] على أن يكون المراد : المحجل [في] ثلاث. والأجود أن يكون أصله : المحجل محجل ثلاث ، فحذف البدل ، وبقي مجروره كما فعل بالمعطوف في نحو : ما كلّ سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة (٦). هذا كلام المصنف رحمه‌الله تعالى ، ولا مزيد عليه في الحسن واللطف.

وإذا تحققت كلامه عرفت أنه لو قال في متن الكتاب : وقد يجر في غير ما ذكر بحرف محذوف كان أولى من قوله فيه : وقد يجر بغير ما ذكر محذوفا ، فإن كلامه السابق لم يتضمن أن الحرف الذي يجر به محذوفا حرف خاص حتى يقول : ـ

__________________

(١) من الكامل وانظر الأشموني (٢ / ٢٣٤) ، والدرر (٢ / ٦٧) ، والعيني (٣ / ٣٤١) ، واللسان «ألف» ، والهمع (٢ / ٣٦).

(٢) في الأصل : نائب ، وما أثبته من شرح التسهيل لابن مالك.

(٣) من الطويل للفرزدق ـ ديوانه (١ / ٤٢٠) ، والخزانة (٣ / ٦٦٩) ، (٤ / ٢٠٨) ، والعيني (٢ / ٥٤٢) ، والمغني (ص ١١ ، ٦٤٣) ، والهمع (٢ / ٣٦ ، ٨١) ، هذا وفي هامش المخطوط : عصابة موضع قبيلة.

(٤) عن أبي سعيد الخدري ، أخرجه البخاري في : الأذان (٣٠ ، ٣٩) ، بيوع (٤٩) ، ومالك في الموطأ : جماعة (١ ، ٢) ، ومسلم : مساجد (٢٤٥ ، ٢٤٧ ، ٢٧٢). والنسائي : فضل صلاة الجماعة (١) ، والنهاية (٣ / ٨٩).

(٥) عن أبي قتادة الأنصاري أخرجه ابن حنبل (٥ / ٢٠٠) ، وابن ماجه : جهاد (ص ١٤).

(٦) من أمثال العرب ، وبتقديم «بيضاء» على «سوداء» ، وهو يضرب في موضع التهمة. راجع مجمع الأمثال (٢ / ٢١٠ ، ٢١١) بتقديم «بيضاء».

٤٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد يجر بغيره وإنما تضمن أن ثمّ مواضع يحذف فيها الجار ، ويبقى جره وهذا يوجب له أن يقول : وقد يجر في غير ما ذكر بحرف محذوف كما قدمنا.

ثم إن المصنف لما انقضى كلامه على الجر بحرف محذوف ذكر مسألة الفصل بين حرف الجر والمجرور فقال : وقد يفصل في الضرورة بين حرف الجر ، ومجرور .. إلى آخره.

وقال في الشرح : وقد يفصل بين حرف جر ومجرور بظرف ، أو مفعول به ، أو جار ومجرور ، ولا يكون ذلك إلا في ضرورة الشعر كقول الشاعر :

٢٧٢٠ ـ يقولون في الأكفاء أكثر همّة

ألا ربّ منهم من يعيش مالكا (١)

أراد : ربّ من يعيش مالك منهم ، وكقول الآخر :

٢٧٢١ ـ ربّ في النّاس موسر كعديم

وعديم يخال ذا إيسار (٢)

أراد : ربّ موسر كعديم في الناس ، وكقول الفرزدق :

٢٧٢٢ ـ وإنّي لأطوي الكشح من دون من طوى

وأقطع بالخرق الهيوع المراجم (٣)

أراد : وأقطع الخرق بالهيوع المراجم ، ففصل بالمفعول به بين الباء ومجرورها ، وأنشد أبو عبيدة (٤) :

٢٧٢٣ ـ إنّ عمرا لا خير في اليوم عمرو

وإنّ عمرا مخيّر الأحوال (٥)

أراد : لا خير اليوم في عمرو ، وحكى الكسائي في الاختيار الفصل بين الجار والمجرور بالقسم نحو : اشتريت بو الله درهم ، والمراد : بدرهم والله ، أو : والله بدرهم وحكى الكسائي أيضا : هذا غلام والله زيد (٦) ، وحكى أبو عبيدة : إنّ الشّاة تعرف ربّها حين تسمع صوت والله ربّها (٧) ، ففصل بالقسم بين المضاف والمضاف إليه.

__________________

(١) من الطويل ، وفي الارتشاف (ص ٧٤٨) الشطر الأخير وحده : «بمالكا».

(٢) من الخفيف وانظره في الدرر (٢ / ٤٠) ، والهمع (٢ / ٣٧) هذا : «وإيسار» من هامش المخطوط.

(٣) من الطويل ، وليس هذا البيت في ديوان الفرزدق ، وانظره في الدرر (٣ / ٤٠) ، والكافية الشافية (ص ٣٠٠) واللسان «هبع» قال : أنشده ابن الأعرابي ، والهمع (٢ / ٣٧).

(٤) معمر بن المثنى النحوي البصري أخذ عن يونس ، وأبي عمرو ، وعنه أخذ أبو حاتم ، والمازني ، والأثرم (ت ٢٠٩ ه‍) راجع : الأعلام (٨ / ١٩١) ، والإنباه (٣ / ٢٧٦) ، والنزهة (ص ١٠٤).

(٥) من الخفيف ، وانظر : الأشموني (٢ / ٢٣٦) ، والهمع (٢ / ٣٧).

(٦) الأشموني (٢ / ٢٣٦).

(٧) المصدر السابق (ص ٢٣٧).

٤٥٦

الباب الأربعون

باب القسم (١)

[القسم : تعريفه ، أقسامه ، أساليبه]

قال ابن مالك : (وهو صريح ، وغير صريح وكلاهما جملة فعليّة أو اسميّة ، فالفعليّة غير الصّريحة في الخبر كعلمت ووثقت مضمّنة معناه ، وفي الطّلب كنشدتك ، وعمرتك ، وأبدل من اللّفظ بهذه عمرك الله بفتح الهاء وضمّها وقعدك الله ، وقعيدك الله كما أبدل في الصّريحة من فعلها المصدر أو ما بمعناه).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : الكلام في هذا الباب يتعلق بأمور خمسة : وهي : القسم ، والمقسم به ، والمقسم عليه ، وحروف القسم ، والحروف التي تربط المقسم به بالمقسم عليه.

وقد ذكر المصنف ثلاثة منها : وهي : المقسم عليه ، وحروف القسم ، والحروف الروابط بين المقسم به والمقسم عليه وأما القسم فذكر له تعريفا ، ولم يتعرض إلى ذكر حده. وأما المقسم به فإنه لم يتعرض إلى ذكره ؛ إذ لا تعلق للصناعة النحوية به.

وبعد : فأنا أشير إلى ذكر هذين القسمين أولا ، ثم الكلام على بقية الأقسام يورد في ضمن شرح كلام المصنف إن شاء الله تعالى.

أما القسم : فقد حده الجزولي ، وغيره من المغاربة بأنه : جملة يؤكد بها جملة أخرى كلتاهما خبرية. وهو حد ظاهر غني عن التفسير غير أن قولهم فيه : كلتاهما خبرية ؛ لا يظهر ؛ لأن جملة القسم إنشائية ، فكيف يحكم عليها بأنها خبرية؟ وقد ذكروا أن المراد بقولهم : كلتاهما خبرية ؛ أن جملة القسم والجواب إذا اجتمعتا حصل منهما كلام محتمل للصدق والكذب. ولا يخفى ضعف هذا الاعتذار ؛ فإن التصديق والتكذيب إنما يرجع كل منهما إلى مضمون جملة الجواب ، وأما جملة القسم فلا يرجع إليها تصديق ولا تكذيب. ـ

__________________

(١) ينظر في هذا الباب : الأصول (١ / ٥٢٣ ـ ٥٣٢) ، والتذييل (٤ / ق ٤٧ ـ ٦٨) ، والتصريح (٢ / ٢٠٣ ـ ٢٠٦) ، والرضي (٢ / ٣٣٧ ـ ٣٤١) ، (٢ / ٣٩١ : ٣٩٥) شرح الجمل (١ / ٥٢٠ ـ ٥٣٣) شرح اللمع (ص ٤٩٤ ـ ٥٠٤) شرح المفصل (٩ / ٩٠ ـ ١٠٧) الكافية الشافية لابن مالك (٢ / ٨٣٥ ـ ٨٩٧) تحقيق د / عبد المنعم هريدي الكتاب (١ / ٥٩ ، ٤٢١) ، (٣ / ٨٤ ، ١٠٠ ، ١٠٤ ، ١٠٦ ، ١٤٦ ، ٤٩٦ ـ ٥٠٢ ، ٥٠٤ ، ٥٠٩) ، (٤ / ٢١٧) ، والهمع (٢ / ٤٠ ـ ٤٥) ارتشاف الضرب (٢ / ٤٧٥).

٤٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والحق أن يقال في حد القسم : إنه جملة إنشائية يؤتى بها لتوكيد جملة خبرية. وذكر الشيخ عن النحاة حدّا قيد فيه الخبرية بكونها غير تعجبية (١) ، وهذا لا يحتاج إليه ؛ إذ التعجبية لا يصح وقوعها جوابا ؛ لأن الجواب إذا كان جملة اسمية وجب اقترانها بـ «إن واللام» ، أو بإحداهما. ولا شك أن الجملة التعجبية لا يجوز أن تغير عن هيئتها. وإذا كان كذلك امتنع أن يكون التعجب جواب قسم بذاتها فلا يحتاج إلى أن يحترز عنها. ويرادف القسم ثلاث كلمات أخر : وهي : الحلف والإيلاء واليمين. أما القسم فالفعل المستعمل منه إنما هو «أقسم» ، وهو غير جار على القسم ، ونظير ذلك في عدم الجريان على المصدر : أشبه وأثنى ؛ فإنهما من الشبه والثناء ، وأما الحلف والإيلاء فاستعمل منهما فعل جار قالوا : حلف وآلى ، وأما اليمين فلم يستعمل منه فعل ؛ لأنه ليس بمصدر في الأصل فيشتق منه وإنما هو اسم للجارحة ، ثم سمي القسم يمينا ؛ لأنهم كانوا إذا تحالفوا أكدوا بأيمانهم فيضرب كل واحد منهم بيمينه على يمين صاحبه تأكيدا للعقد حتى سمي الحلف يمينا.

وأما المقسم به : فهو كل اسم معظم ، إما لعظمته في ذاته ، وإما لكونه عند المقسم عظيما.

قال ابن عصفور : هذا إذا كان المقسم يريد تحقيق ما أقسم عليه ويثبته ، فإن كان مقصوده الحنث فيما أقسم عليه ؛ فإنه لا يقسم إلا بغير معظم وذلك نحو قوله :

٢٧٢٤ ـ وحياة هجرك غير معتمد

إلّا ابتغاء الحنث في الحلف

ما أنت أحسن من رأيت ولا

كلفي بحبّك منتهى كلفي (٢)

فأقسم بحياة هجرها ، وهو غير معظم عنده ؛ رغبة في أن يحنث فيموت هجرها (٣). قال : إلا أن القسم على هذا الطريق [٤ / ٣٩] يقل ، فلا يلتفت إليه (٤).

إذا تقرر هذا فنقول : قسم المصنف القسم إلى صريح وغير صريح قال (٥) : أما الصريح : فهو ما يعلم بمجرد لفظه كون الناطق به مقسما كـ : أحلف بالله ، وأنا حالف بالله ، ولعمر الله ، وايمن الله ، وغير الصريح : ما ليس كذلك نحو : علم ـ

__________________

(١) في التذييل (٧ / ١١٣): (فأما القسم فهو جملة يؤكد بها أخرى خبرية غير تعجبية).

(٢) البيتان من الكامل ، وانظرهما في : الارتشاف (٢ / ٤٧٦) وشرح الجمل (١ / ٥٢٣).

(٣) شرح الجمل (١ / ٥٢٣) بالنص.

(٤) المصدر السابق.

(٥) انظر : شرح التسهيل لابن مالك (٣ / ١٩٥) تحقيق د / عبد الرحمن السيد ود / محمد بدوي المختون.

٤٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الله ، وعاهدت ، وواثقت ، وعليّ عهد الله ، وفي ذمتي ميثاق ؛ فليس بمجرد النطق بشيء من هذا الكلام يعلم كونه قسما ، بل بقرينة كذكر جواب بعده نحو : عليّ عهد الله لأنصرنّ دينه ، وفي ذمتي ميثاق لا أعين ظالما ، كقوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)(١) ، ومنه قول الشاعر :

٢٧٢٥ ـ إنّي علمت على ما كان من خلقي

لقد أراد هواني اليوم داود (٢)

وقول الآخر :

٢٧٢٦ ـ أرى محرزا عاهدته ليوافقن

فكان كمن أغريته بخلاف (٣)

ومثله في واثق :

٢٧٢٧ ـ واثقت ميّة لا تنفكّ ملية

قول الوشاة فما ألفت لهم قيلا (٤)

ومن ذلك قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ)(٥) ، و [من القسم غير الصريح] : (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ)(٦) ، ويدل على أنه قسم كسر «إن» بعده وتسميته يمينا في قوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً)(٧) ، ومنه قراءة ابن عبّاس (٨) :

(شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ)(٩) ، وقال الفراء في (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ)(١٠) : صار قوله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) يمينا (١١) ومن القسم غير الصريح : نشدتك وعمرتك ؛ فللناطق بها أن يقصد القسم ، وألا يقصد ؛ فليس مجرد النطق بها يدل على كونه قسما لكن يعلم كونه قسما بإيلاء «الله» نحو : نشدتك الله ، ـ

__________________

(١) سورة البقرة : ١٠٢.

(٢) من البسيط وانظر التذييل (٧ / ١١٤) وتعليق الفرائد (ق / ٣٠) ، والكافية الشافية (٢ / ٨٥٧).

(٣) من الطويل وهو من شواهد الكافية الشافية (٢ / ٨٥٨) ، والمغني (ص ٤٠٤).

(٤) من البسيط وانظره في التذييل (٧ / ١١٤) ، والكافية الشافية (٢ / ٨٥٨).

(٥) سورة آل عمران : ١٨٧.

(٦) سورة المنافقون : ١.

(٧) سورة المنافقون : ٢.

(٨) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي حبر الأمة لازم رسول الله ، وأخذ عنه الأحاديث الصحيحة وشاهد مع عليّ «الجمل» «وصفين» وكفّ بصره آخر عمره له في الصحيحين (١٦٦٠) حديثا (ت : ٦٨ ه‍) ـ راجع : الأعلام (٤ / ٢٢٨) صفة الصفوة (١ / ٣١٤) ، ونكت الهميان (ص ١٨٠).

(٩) سورة آل عمران : ١٨ ، وانظر : الإتحاف (ص ١٧٢) ، والبحر (٢ / ٤٠٣).

(١٠) سورة هود : ١١٩.

(١١) معاني الفراء (٢ / ٣١).

٤٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أو بالله ، وعمرتك الله ، ولا يستعملان إلا في قسم فيه طلب نحو : نشدتك الله إلا أعنتني ، وعمرتك الله لا تطع هواك ، ومنه قول الشاعر :

٢٧٢٨ ـ عمرتك الله إلّا ما ذكرت لنا

هل كنت جارتنا أيّام ذي سلم (١)

ومعنى قول القائل : نشدتك الله : سألتك مذكرا الله ، ومعنى «عمرتك الله» : سألتك الله تعميرك ، ثم ضمّنا معنى القسم الطلبي ، واستعملوا «عمرك الله» بدلا من اللفظ بـ «عمرتك الله» ، ومنه قول الشاعر :

٢٧٢٩ ـ عمرك الله يا سعاد عديني

بعض ما أبتغي ولا تؤيسيني (٢)

وقال الآخر :

٢٧٣٠ ـ يا عمرك الله إلّا قلت صادقة

أصادقا وصف المجنون أم كذبا (٣)

وكان الأصل أن يقال : تعميرك الله ؛ لكن خففوا بحذف الزوائد ، وروى بعض الثقات عن أعرابي : عمرك الله ؛ برفع «الله» (٤). قال أبو علي : والمراد : عمّرك الله تعميرا ؛ فأضيف المصدر إلى المفعول ورفع به الفاعل (٥) ، وقال الأخفش في كتابه الأوسط : أصله : [أسألك] بتعميرك الله ، وحذف زوائد المصدر والفعل والباء فانتصب ما كان مجرورا بها. وأما «قعدك الله ، وقعيد [ك] الله» فقيل : هما مصدران بمعنى : المراقبة كالحس والحسيس وانتصابهما بتقدير «أقسم» أي : أقسم بمراقبتك الله ، وقيل : قعد وقعيد بمعنى : الرقيب الحفيظ من قوله تعالى : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ)(٦) أي : رقيب حفيظ.

ونظيرهما : خلّ ، وخليل ، وندّ ، ونديد ، وإذا كانا بمعنى الرقيب الحفيظ فالمعنيّ بهما الله تعالى ونصبهما بتقدير «أقسم» (معدّى) (٧) بالباء. ثم حذف الفعل ـ

__________________

(١) من البسيط للأحوص ، وذي سلم : موضع قرب المدينة ـ ديوانه (ص ٢٠١) ، والخزانة (١ / ٢٣١) ، والدرر (٢ / ٥٣) ، وشرح السيرافي (١ / ٢٧٥) ، والكتاب (١ / ١٦٣) ، والمقتضب (٢ / ٣٢٩) ، والهمع (٢ / ٤٥).

(٢) من الخفيف. وراجع : الدرر (٢ / ٥٤) ، والهمع (٢ / ٤٥).

(٣) من البسيط للمجنون ـ ديوانه (ص ٨٣) ، والأغاني (٢ / ٣) ، والدرر (٢ / ٥٤) ، والكافية الشافية (٢ / ٨٦٩) ، والهمع (٢ / ٤٥) ـ هذا ، وفي الدرر (٢ / ٥٤) نقل عن ناظر الجيش كلاما حسنا في هذه المسألة.

(٤) التذييل (٤ / ٤٩).

(٥) المصدر السابق.

(٦) سورة ق : ١٧.

(٧) في الأصل : معبرا ، وما أثبته من شرح التسهيل لابن مالك.

٤٦٠