شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٦

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٦

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

واعلم أنّ من لغته أن يقدم على الفاعل علامة تثنية وجمع ، فيقول : مررت برجلين حسنا غلامهما ، وبرجال حسنوا غلمانهم ، فإنه يقول : مررت برجلين حسنين غلاماهما ، وبرجال حسنين غلمانهم ، وإلى هذا أشار بقوله : وتجمع جمع المذكر السالم على لغة «يتعاقبون فيكم ملائكة» (١) ، وأشار بقوله : وقد تعامل غير الرافعة إلى آخره ؛ إلى أنّ الصفة إذا كان معناها لسببيّ موصوفها ولم ترفعه كان معمولها مقرونا بـ «أل» وقد يعامل معاملتها إذا رفعته ـ في عدم المطابقة لما قبلها ـ فيقال : مررت برجل حسنة العين ، كما يقال : حسنة عينه.

قال المصنف (٢) : حكى ذلك الفراء في سورة (ص وَالْقُرْآنِ)(٣). قال (٤) : والعرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة فيقولون : مررت برجل حسنة العين ، قبيح الأنف ، والمعنى : حسنة عينه ، قبيح أنفه (٥) ، قال المصنف : فعلى هذا يقال : مررت برجل حسان الغلمان ، وبرجل كريمة الأم ، وبامرأة كرام الآباء ، وكريم الأب ، كما يقال : مررت برجل حسان غلمانه ، وبرجل كريمة أمه ، وبامرأة كرام آباؤها ، وكريم أبوها ، ومنه قول الشاعر :

٢٢٥٣ ـ أيا ليلة خرس الدّجاج (٦) شهدتها

ببغداد ما كادت عن الصّبح تنجلي (٧)

__________________

(١) ينظر الحديث بهذه الرواية وروايات أخرى في : البخاري باب (١٦) من كتاب المواقيت ، وباب (٢٣ ، ٣٣) من كتاب التوحيد ، وموطأ مالك حديث (٨٢) من كتاب السفر ، وابن حنبل (٢ / ٢٥٧).

(٢) شرح المصنف (٣ / ١٠١).

(٣) سورة ص : ١.

(٤) يعني : قال الفراء.

(٥) هذا الكلام بنصه في معاني القرآن (٢ / ٤٨٠) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٩٠٠).

(٦) صحة ذلك أن يقال : خرساء دجاجها ، يراجع : شرح المصنف (٣ / ١٠١) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٩٠١).

(٧) البيت من الطويل ، ولم ينسب لقائل معين.

اللغة : ليلة خرس ، أي : لم يسمع فيها صوت ، وفي اللسان مادة «خرس» : خرس خرسا فهو أخرس ، وسحابة خرساء لا رعد فيها.

والشاهد فيه قوله : «خرس الدجاج» ؛ حيث إنّ العرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة ، فخرس الدجاج على معنى : خرساء دجاجها ، كما يقال : مررت برجل حسنة العين ؛ والمعنى : حسنة عينه ، ولذلك تعامل الصفة والمعمول بـ «أل» في الجر والنصب معاملتهما ، والمعمول مضاف إلى الضمير في الرفع ، فشبه ثم جمع الصفة ، وجعلها على حسب الثاني. ويجوز أن يقول : خرساء الدجاج ، لكنه حمله على المعنى من لفظ الدجاج حيث كان جمع دجاجة.

ينظر الشاهد أيضا : مجمع الأمثال (٢ / ١٦٥) ، وأمالي المرتضي (١ / ٤٣٤) ، وشرح الصفار (١٧١ / أ).

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

فقال : خرس الدجاج ، كما يقال : خرس دجاجها.

ومثله قول الآخر :

٢٢٥٤ ـ فناجت به غرّ الثّنايا مفلجا

وسيما جلا عنه الظّلال موشّما (١)

أراد : فما غرّ الثنية ، فجمع مع الألف واللّام ، كما يجمع مع الضمير إذا قيل : فناجت به فما غرّا ثناياه.

ومثله قول الآخر في وصف عقاب يأوي إلى قبّة :

٢٢٥٥ ـ حجن المخالب لا يغتاله الشّبع (٢)

فقال : حجن المخالب كما كان يقول : حجن مخالبها ، ثم بدأ ، بعد هذا أراد المصنف أن يستدلّ على مجيء «أل» خلفا من الضمير في غير باب الصفة المشبهة فقال (٣) : ومن وقوع الألف واللام خلفا عن الضمير في غير هذا الباب قول الله تعالى : (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى)(٤) ، (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى)(٥) ، ومنه قول الأعشى :

٢٢٥٦ ـ وأمّا إذا ركبوا فالوجو

ه في الرّوع من صدأ البيض حمّ (٦)

__________________

(١) البيت من الطويل ، ولم ينسب لقائل معين.

والشاهد فيه قوله : «غر الثنايا» حيث خلفت الألف واللام الإضافة إلى الضمير فجمع الصفة المشبهة كما يجمع مع الضمير ، فمعناه : فناجت به فما غرّا ثناياه ، وكان قياسه : أغر الثنايا.

ينظر الشاهد في شرح المصنف (٣ / ١٠١) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٩٠١) ، ومنهج السالك (ص ٣٥٨).

(٢) البيت من البسيط ولم ينسب لقائل معين.

اللغة : حجن المخالب : من قولهم : صقر أحجن المخالب ، أي : معوجها ، لا يغتاله الشبع : أي لا يغتاله فقد الشبع.

والشاهد فيه : قوله : «حجن المخالب» ؛ حيث جمع الصفة المشبهة ، مع الإضافة إلى ما فيه الألف واللام ، كما يقال : حجن مخالبها.

ينظر الشاهد في : التذييل والتكميل (٤ / ٩٠١) ، ومنهج السالك (ص ٣٥٨).

(٣) الكلام الآتي من شرح المصنف ، وينظر أيضا في : التذييل والتكميل (٤ / ٩٠٢).

(٤) سورة النازعات : ٣٩.

(٥) سورة النازعات : ٤١.

(٦) البيت من المتقارب ، ونسبه ابن مالك للأعشى وليس هذا البيت في ديوانه ط. دار صادر بيروت ، وفي الديوان قصيدة بهذا الوزن وهذه القافية ، ولعله سقط من هذه القصيدة.

حم : من الحمم مصدر الأحم والجمع الحم ، وهو الأسود من كل شيء ، والاسم الحمة.

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أي : فوجوههم (١) ، وقول الآخر :

٢٢٥٧ ـ ولكن نرى أقدامنا في نعالكم

وآنفنا بين اللّحى والحواجب (٢)

أي : بين لحاكم ، وقول ذي الرمّة :

٢٢٥٨ ـ تخلّلن أبواب الخدور بأعين

غرابيب والألوان بيض نواصع (٣)

أي : وألوانهنّ.

قال : وقد سوّى سيبويه بين : ضرب زيد ظهره وبطنه ، وضرب زيد الظهر والبطن ، وبين : مطرنا سهلنا وجبلنا ، ومطرنا السهل والجبل (٤) فالظاهر من قوله أنه موافق لقول ـ

__________________

والشاهد فيه قوله : «فالوجوه» ؛ حيث وقعت «أل» خلفا من الضمير ، والتقدير : وجوههم ، وهذا في غير باب الصفة المشبهة.

ينظر الشاهد في : شرح المصنف (٣ / ١٠٢) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٩٠٢) ، واللسان «حمم».

(١) وتقدير (هِيَ الْمَأْوى) هي مأواه.

(٢) البيت من الطويل ، وقد نسب لبعض بني عبس ، وقد روي في حماسة أبي تمام ، بشرح مختصر التبريزي (١ / ١٢٨) :

وإنا نرى أقدامنا في نعالهم

وآنفنا بين اللحى والحواجب

اللغة : آنفنا : جمع أنف ، وفي معاني القرآن للفراء (٢ / ٤٠٨) : ومعناه : ونرى آنفنا بين لحاكم وحواجبكم في الشبه.

والمعنى : أنه يرى أقدامهم آنفهم تشبه أقدامهم وآنفهم للقرابة ، وأنه يرقّ لهم لذلك ؛ حيث هم قومه.

والشاهد في البيت قوله : «اللحى والحواجب» حيث وقعت «أل» خلفا من الضمير ، في غير باب الصفة المشبهة ، فتقديره : لحاكم ، وحواجبكم ، ينظر الشاهد في : معاني القرآن للفراء (٢ / ٤٠٨) ، ومجمع الأمثال (١ / ٢٨٨) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٩٠٢).

(٣) البيت من الطويل وقائله : ذو الرمة.

اللغة : تخللن : بأعينهن من وراء الستور ، غرابيب : سود ، يريد : سود الأعين ، بيض نواصع : شديدات البياض.

والشاهد في البيت قوله : «والألوان» ، حيث خلفت «أل» الضمير في غير باب الصفة المشبهة ، والتقدير : وألوانهن.

ينظر الشاهد في : ديوان ذي الرمة (٢ / ١٢٩) ، وشرح المصنف (٣ / ١٠٢) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٩٠٢).

(٤) في الكتاب (١ / ١٥٨) في باب من الفعل ، يبدل فيه الآخر من الأول : (فالبدل أن تقول : ضرب عبد الله ظهره وبطنه ، وضرب زيد الظهر والبطن ، وقلب عمرو ظهره وبطنه ، ومطرنا سهلنا وجبلنا ، ومطرنا السهل والجبل) اه. وينظر أيضا : التذييل والتكميل (٤ / ٩٠٣).

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الفراء (١) ، وليس هذا على تقدير «منه» ؛ إذ لو كان كذلك لاستوى وجود الألف واللام وعدمها ، كما استويا في مثل : البر الكر (٢) بستين ، فكان يجوز أن يقال : ضرب زيد ظهر وبطن ، ومطرنا سهل وجبل ، كما جاز أن يقال : البرّ كرّ بستّين ، والسمن منوان بدرهم ؛ لأنّ البعضية مفهومة مع عدم الألف واللام ، كما هي مفهومة مع وجودهما.

ومن الاستغناء عن الضمير بالألف واللام قوله تعالى : (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ)(٣) أي : مفتحة لهم أبوابها (٤). انتهى.

وقال الشيخ : وهذه نزعة كوفية (٥).

وتقدم الردّ على هذه المذاهب وقد تأول الفارسيّ قوله : «خرس الدجاج» ؛ على أنّ الليلة لطولها كالجمع ، فكأنّ كلّ جزء ليلة (٦) ، كقولهم : [٣ / ١٦٠] ثوب أخلاق (٧) ، ويحكى عن الأصمعي أنّ العرب تقول : ليلة خرس (٨) ؛ إذا لم يسمع فيها صوت ، ثم خفّف بسكون العين ، فهو مفرد وصف به مفرد (٩). انتهى.

والأدلة التي أوردها المصنف دالة على صحّة هذا الاستعمال فوجب القبول ، على أنّ الشيخ حكى في ذلك خلافا بين النحويين (١٠) ، ثمّ قال : وينبغي ألّا يمنع ذلك ، لكن في القياس على ما سمع منه نظر.

__________________

(١) معاني القرآن للفراء (٢ / ٤٠٨).

(٢) الكر : كيل معروف ، والجمع أكرار وهو ستون قفيزا ، والقفيز : ثمانية مكاكيك ، والمكوك : صاع ونصف ، ينظر : المصباح المنير «كرر».

(٣) سورة ص : ٥٠.

(٤) ينظر هذا في : شرح المصنف (٣ / ١٠٣).

(٥) ينظر : معاني القرآن للفراء (٢ / ٤٠٨) ويقصد بقوله : «نزعة كوفية» : قول الكوفيين بأن «أل» تخلف الضمير.

(٦) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٩٠٤) ، وفي شرح الصفار (١ / ١٧١) (أخرجه الفارسي على أن يكون جعل كلّ جزء من الليلة ليلة ، فجعل كل ليلة خرساء ، ثم جمع فقال : ليلة خرس ، كما قالوا : ثوب أسمال ، وبرمة أعشار ؛ لأن كل جزء منها كل ، فهذا وجه) اه. وينظر أيضا : منهج السالك (٣ / ٣٥٦).

(٧) خلق الثوب ـ بضم اللام ـ إذا بلي ، فهو خلق ـ بفتحتين ـ وأخلق لغة. ومثل «ثوب أخلاق» في هذا : برمة أعشار ، وبرد أسمال.

(٨) خرس ـ بضم الأول والثاني ـ بوزن «عنق».

(٩) ينظر ما حكي عن الأصمعي في : كتاب المذكر والمؤنث لابن الأنباري (ص ٦٨٦) ط. بغداد (١٩٧٨ م) ومنهج السالك (ص ٣٥٨).

(١٠) يراجع هذا الخلاف بين النحويين في : التذييل والتكميل (ص ٩٠٤ ، ٩٠٥).

٢٠٤

[ردّ الصّفة المشبّهة إلى اسم الفاعل]

قال ابن مالك : (وإذا قصد استقبال المصوغة من ثلاثيّ على غير فاعل ردّت إليه ما لم يقدّر الوقوع ، وإن قصد ثبوت معنى اسم الفاعل عومل معاملة الصّفة المشبّهة ، ولو كان من متعدّ إن أمن اللبس ، وفاقا للفارسيّ ، والأصحّ أن يجعل اسم مفعول المتعدّي إلى واحد من هذا الباب مطلقا ، وقد يفعل ذلك بجامد لتأوّله بمشتقّ ، ولا تعمل الصّفة المشبهّة في أجنبيّ محض ، ولا تؤخّر عن منصوبها).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : هذا الكلام مشتمل على خمس مسائل :

الأولى :

أنه إذا كانت الصفة المشبهة مصوغة من فعل ثلاثيّ ، وهي على غير زنة فاعل ، كـ : شريف ، وشجاع ، وحسن ، وفرح ، وما أشبهها ، وقصد استعمال معناها حولت إلى وزن فاعل ، فتقول : شارف ، وشاجع ، وحاسن ، وفارح ، ومقتضى كلام المصنّف أنّه لا يجوز التحويل إلى صيغة فاعل إلّا إذا قصد الاستقبال ، وقال ـ في الشرح ـ : قال الفراء (١) : العرب تقول ـ لمن لم يمت ـ : إنك مائت عن قليل ، ولا يقولون ـ لمن قد مات ـ : هذا مائت ، وإنّما يقال في الاستقبال ، وكذا يقال : هذا سيد قومه ، فإذا أخبرت أنه سيسودهم قلت : هذا سائد قومه عن قليل ، وكذا الشريف والمطمع وأشباههما إذا قصد بهما الاستقبال صيغت إلى «فاعل» (٢). انتهى.

فوقف المصنف مع ظاهر قول الفراء في شرط الاستقبال ، وقال الإمام بدر الدّين ـ في شرح الألفية ـ (٣) : إذا قصد بالصفة المشبهة معنى الحدوث حولت إلى بناء اسم الفاعل، واستعملت كلّ استعماله، كقولك: زيد فارح أمس ، وجازع غدا ، ـ

__________________

(١) ينظر قول الفراء الآتي في : معاني القرآن (٢ / ٧٢) ، (٢ / ٢٣٢) ، وفي النقل تصرف يسير.

(٢) ينظر : شرح المصنف (٣ / ١٠٣) وبعد ذلك قوله : (وإلى هذا أشرت بقولي : وإذا قصد استقبال المصوغة من ثلاثي على غير فاعل ردت إليه صيغة فاعل) اه.

(٣) الكلام الآتي من شرح الألفية لابن الناظم (ص ١٧٣) ، ولفظه «لو» بدل «إذا».

٢٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال الشّاعر :

٢٢٥٩ ـ وما أنا من زرء وإن جلّ جازع

ولا بسرور بعد موتك فارح (١)

فلم يقيد ذلك باستقبال ولا غيره ، قال المصنف ـ بعد كلامه المتقدم ـ : «ومن هذا الردّ ـ يعني ردّ غير فاعل إلى فاعل ـ قوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ)(٢) ، وعلى هذا المعنى قراءة بعض السلف : (إنك مائت وإنهم مائتون) (٣) والمعنى ـ على قراءة الجماعة ـ إنك وإياهم ، وإن كنتم أحياء فأنتم في عداد الموتى ؛ لأنّ ما هو كائن فكأنّه قد كان (٤) ، وعلى هذا نبّهت بقولي : (ما لم يقدّر الوقوع) (٥)». انتهى.

يعني أنه إذا قصد الاستقبال ردّت إلى صيغة فاعل ما لم يقدر الوقوع فإن الصفة لا تردّ ، كما في : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)(٦) ، ثمّ قال (٧) : ومن الردّ إلى «فاعل» بقصد الاستقبال قول الحكم بن صخر : ـ

__________________

(١) البيت من الطويل ، وقائله : أشجع السلمي ، من شعراء العصر العباسي ، وقيل : هو لمطيع بن إياس ، يرثي يحيى بن زياد ، ولعل هذه النسبة أصحّ ؛ لأن أشجع السلمي من المولدين الذين لا يحتج بشعرهم.

اللغة : الرزء : المصيبة.

والمعنى : مصيبتي فيك عظيمة ، لست أجزع لما يصيبني بعدها ، وإن عظم ، ولا أفرح بما أنال من المسرات. اه.

والشاهد في قوله : «فارح» ؛ حيث ردت الصفة المشبهة «فرح» ردت إلى فاعل ، على صيغة اسم الفاعل ، واستعملت استعماله ؛ لإفادة معنى الحصول في المستقبل.

ينظر الشاهد في : العيني (٣ / ٥٧٤) ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ١٧٢) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٩٠٧) ، منهج السالك (ص ٣٥٠).

(٢) سورة هود : ١٢.

(٣) سورة الزمر : ٣٠.

(٤) في البحر المحيط (٧ / ٤٢٥) : وقرأ ابن الزبير ، وابن أبي إسحاق ، وابن محيصن ، وعيسى ، واليماني ، وابن أبي غوث ، وابن أبي عبلة : (إنك مائت وهم مائتون) وهي تشعر بحدوث الصفة.

(٥) من شرح المصنف (٣ / ١٠٣).

(٦) وهذه قراءة الجمهور ، في البحر المحيط (٧ / ٤٢٥): (والجمهور : (ميت) و (ميتون ،) وهي تشعر بالثبوت واللزوم) اه.

وقال الدماميني في شرحه على التسهيل (٣ / ٣٢) : وهذه القراءة ، وهي قراءة السبعة ، أبلغ من قراءة بعضهم : (إنك مائت وإنهم مائتون) اه.

(٧) الكلام الآتي من شرح المصنف (٣ / ١٠٣).

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

٢٢٦٠ ـ أرى النّاس مثل السّفر والموت منهل

له كلّ يوم وارد ثمّ وارد

إلى حيث يشقي الله من كان شاقيا

ويسعد من في علمه هو ساعد (١)

ومثله قول قيس بن العيزارة :

٢٢٦١ ـ فقلت لهم شاء رغيب وجامل

فكلّكم من ذلك المال شابع (٢)

المسألة الثانية :

أنه إذا قصد معنى اسم الفاعل عومل معاملة الصفة المشبهة ، وهذه كأنها عكس المسألة الأولى ؛ لأنه في الأولى إذا لم يقصد الثبوت تحول الصيغة إلى صيغة «فاعل» ، وتعامل معاملته ، إمّا مع قصد الاستقبال ، أو مطلقا ، على ما تقدّم من كلام المصنف وولده في الثانية ، يقصد بالصيغة الدالة على الحدوث معنى الثبوت ، فيترتب على ذلك أحكام الصفة المشبهة ، فعلى هذا إذا قصد ثبوت معنى اسم الفاعل ساغت إضافته إلى ما هو فاعل في المعنى ، ونصبه إياه على التمييز إن كان نكرة ، وعلى التشبيه به إن كان معرفة ، فتقول : زيد قائم الأب ، وقائم الأب ، وقائم أبا ، قال ابن رواحة :

٢٢٦٢ ـ تباركت إنّي من عذابك خائف

وإنّي إليك تائب النّفس ضارع (٣)

__________________

(١) البيتان من الطويل ، وقائلهما الحكم بن صخر ، كما هنا ، وكما في شرح المصنف (٣ / ١٠٥) ، وكما في التذييل والتكميل (٤ / ٩٠٧).

والشاهد في قوله : «شاقيا ، وساعد» ؛ حيث ردت الصفة ، وهي : «شقي ، وسعيد» ، إلى وزن «فاعل» ، لقصد الاستقبال ؛ لأن الصفة مصوغة من ثلاثي.

ينظر الشاهد أيضا في : تعليق الفرائد للدماميني (٣ / ٣٢).

(٢) البيت من الطويل ، وقائله قيس بن العيزارة من شعراء بني هذيل ، وعيزارة أمه ، وبها يعرف ، وهو قيس بن خويلد ، أخو بني صاهلة ، تنظر ترجمته في ديوان الهذليين (٣ / ٧٦).

اللغة : الرغيب : الكثير ، أي : خذوا مالي ، ودعوني ، وجامل : جمع جمال.

والشاهد في البيت قوله : «شابع» ؛ حيث ردّت الصفة المشبهة من الثلاثي «شبع» إلى وزن فاعل ، لقصد استقبال الصفة.

ينظر الشاهد في : شرح المصنف (٣ / ١٠٣) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٩٠٨) ، وتعليق الفرائد للدماميني (٣ / ٣٢).

(٣) سبق تحقيق هذا الشاهد قريبا.

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال رجل من طيئ :

٢٢٦٣ ـ ومن يك منحلّ العزائم تابعا

هواه فإنّ الرّشد منه بعيد (١)

هذا إذا كان متعديا فقد جوز المصنف فيه ذلك أيضا ، بشرط السلامة من اللبس ، قال : فيقال : زيد ظالم العبيد خاذلهم ، وراحم الأبناء ناصرهم ، إذا كان له عبيد ظالمون خاذلون ، ثمّ قال : قال أبو عليّ في التذكرة : من قال : زيد الحسن عينين ؛ فلا بأس أن يقول : زيد الضارب أبوين ، والضارب الأبوين ، والضارب الأبوان ، والأبوان فاعل على قولك : الحسن الوجه ، ومثله : الضارب الرجل ، إذا أردت الضارب رجله (٢).

قال المصنف : هكذا قال أبو عليّ ، ولم يقيد بأمن اللّبس ، والأصحّ (٣) أن جواز ذلك متوقف على أمن اللبس ، إلّا أنه قال : ويكثر أمن اللبس في اسم فاعل غير المتعدي. انتهى.

فدلّ هذا الكلام منه على أن قوله ـ في المتن ـ : إن أمن اللبس ، لا يرجع إلى المتعدي فقط ، بل إلى اسم الفاعل مطلقا ، ولا يتصور لي وجود اللبس في اللازم ؛ لأنّ اللبس إنما جاز حصوله في المتعدّي لأن له منصوبا ، فربما يظنّ أنّ المعمول المقرون به هو مفعوله الأصلي ، إذا لم يكن قرينة تبين أنه غيره ، وأما اللازم فلا يتأتّى فيه ذلك ، وأنشد المصنف شاهدا على المصوغ من متعدّ : ـ

__________________

والشاهد فيه ـ هنا ـ : «تائب النفس ضارع» ؛ حيث قصد ثبوت معنى اسم الفاعل ، ولذلك يعامل معاملة الصفة المشبهة حيث أمن اللبس ؛ لأن اسم الفاعل فيهما مصوغ من غير المتعدي ، فيضاف اسم الفاعل ـ هنا ـ إلى ما هو فاعل في المعنى ، أو ينصب على التشبيه به ؛ لأنه معرفة ، ولو كان نكرة نصب على التمييز.

(١) سبق تحقيق هذا الشاهد قريبا.

والشاهد فيه ـ هنا ـ قوله : «منحلّ العزائم» على أنّ الصفة المشبهة «منحل» موازنة للمضارع كـ : منطلق اللسان ، مع أنها صيغت من فعل لازم ، ولذلك أمن اللبس ، و «منحل» اسم فاعل قصد به ثبوت معناه ، فعومل كالصفة المشبهة.

(٢) التذكرة من كتب أبي علي المفقودة ، ولمراجعة ما قاله فيها ينظر : شرح المصنف (٣ / ١٠٥) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٩٠٩) ، ومنهج السالك (ص ٣٥٨).

(٣) في شرح المصنف (٣ / ١٠٤) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٩٠٩): «والصحيح».

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

٢٢٦٤ ـ ما الرّاحم القلب ظلّاما وإن ظلما

ولا الكريم بمنّاع وإن حرما (١)

فقال الشيخ (٢) : عبارة المصنف في المتعدّي مطلقة ، والقول في ذلك : إنّه إن تعدّى بنفسه إلى أكثر من واحد فلا خلاف أنّه لا يجوز تشبيهه ، فإذا قلت : مررت برجل معطى أبوه درهما ، أو معلم أبوه زيدا قائما ؛ لا يجوز : معطى الأب درهما ، ولا : معلم الأب زيدا قائما ، وإن تعدّى [٣ / ١٦١] لواحد بحرف جر فجوزه الأخفش ، وصححه ابن عصفور (٣) ، فتقول : مررت برجل بارّ الأب بزيد ، بنصب «الأب» أو بجرّه ، ويستدل بقولهم : هو حديث عهد بالوجع (٤) ، فـ «الوجع» متعلق بـ (حديث) وهو صفة مشبهة ، ومنع ذلك الجمهور فقالوا : «بالوجع» متعلق بـ (عهد) لا بالصفة (٥).

وإن تعدّى إلى واحد بنفسه فمنعه الأكثرون (٦) ، وأجازته طائفة ، وفصل آخرون ، فقالوا : إن حذف المفعول اقتصارا جاز ، وإلّا لم يجز ، وهو اختيار ابن عصفور ، وابن أبي الربيع ، قال : وهو تفضيل حسن ؛ لأنه إن لم يحذف المفعول ، أو حذف اختصارا فهو كالمثبت ، فيكون الوصف ـ إذ ذاك ـ مختلف التعدّي والتشبيه ، وهو واحد ، وذلك لا يجوز (٧). انتهى.

وتمثيل المصنف ، والمثال الذي ذكره عن أبي عليّ والبيت الذي أنشده يشعر بأنه لا يجوز إلا فيما تعدّى إلى واحد بنفسه ، وقد حذف اقتصارا ، ونقل الشيخ عن الصّفار أنه أنشد : ـ

__________________

(١) البيت من البسيط ، ولم ينسب لقائل معين ، وفي العيني (٣ / ٦١٨): (ما الراحم القلب بذي ظلم ، وليس بذي منع ، وليس المراد به المبالغة) اه.

والشاهد فيه : «ما الراحم القلب» ؛ فقد قصد ثبوت المعنى في اسم الفاعل المصوغ من المتعدي ، فعومل معاملة الصفة المشبهة.

ينظر الشاهد في : شرح التصريح (٢ / ٧١) ، والأشموني (٢ / ٢٠٢) ، والدرر (٢ / ١٣٦).

(٢) الكلام الآتي في التذييل والتكميل (٤ / ٩١٠ ، ٩١١) ، والنقل هنا بتصرف.

(٣) لمراجعة رأي الأخفش وابن عصفور ينظر : منهج السالك (ص ٣٥٨) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٩١٠).

(٤) ينظر : الكتاب (١ / ١٩٧) ، وشرح الصفار (١٧٣ / أ) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٩١٠).

(٥) ينظر : منهج السالك (ص ٣٥٨) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٩١٠).

(٦) ينظر : منهج السالك (ص ٣٥٨) ، وشرح التسهيل للمرادي (٢٠٣ / أ) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٩١١).

(٧) أي : انتهى كلام الشيخ أبي حيان ، وهو في التذييل والتكميل (٤ / ٩١٠ ، ٩١١).

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

٢٢٦٥ ـ الحزن بابا والعقور كلبا (١)

وقال : هو من : عقر الرجل غيره ، وعقر كلبه غيره فتكون الصفة متعدية ، وحذف مفعولها رأسا ، ولم يرد ، ثم شبهت ، ولا خلاف في تشبيه هذا ، وإنّما الخلاف فيما يتعدّى عند ذكر مفعوله (٢).

المسألة الثالثة :

أنّ اسم مفعول الفعل المتعدّي إلى واحد يصحّ أن يجعل من هذا الباب ، وعنى بقوله : مطلقا أنه يرفع السببيّ ، وينصبه ، ويجرّه ، بشروطه المعتبرة على ما تقرر في غير اسم المفعول ، فيجيء فيه ما هو قويّ وما هو ضعيف.

قال المصنف (٣) : وأقل مسائل الصفة استعمالا نحو : حسن وجهه ، وحسن وجهه ، وحسن وجه ، ولها مع ذلك تطابق في مسائل اسم المفعول ونظير حسن وجهه قول الشاعر :

٢٢٦٦ ـ تمنى لقاي الجون مغرور نفسه

 ... البيت المتقدم الإنشاد

ونظير «حسن وجهه» قول الآخر :

٢٢٦٧ ـ لو صنت طرفك لم ترع بصفاتها

لمّا بدت مجلوّة وجناتها (٤)

ونظير «حسن وجه» قول الآخر :

٢٢٦٨ ـ بثوب ودينار وشاة ودرهم

فهل أنت مرفوع بما ههنا رأس (٥)

قال الشيخ : قول المصنّف : (والأصح) يدلّ على خلاف في المسألة ، ولا نعلم أحدا منعها (٦). ـ

__________________

(١) سبق تحقيق هذا الشاهد قريبا.

والشاهد فيه : «العقور كلبا» ؛ فقد استعمل الصفة المشبهة ، وهي من المتعدي الذي حذف مفعوله ، ولا خلاف في هذا ، وإنما الخلاف فيما يتعدى ، وذكر مفعوله.

(٢) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٩١٢).

(٣) ينظر الآتي في : شرح المصنف (٣ / ١٠٥).

(٤) البيت من بحر الكامل وهو لعمرو بن لجأ التميمي في القرى.

وشاهده : قوله : «مجلوة وجناتها» ؛ حيث إن هذا يشبه : «هذا حسن وجهه» بالنصب ، والبيت في : التصريح (٢ / ٧٢) ، والدرر (٢ / ١٣٤) ، والمساعد (٢ / ١٨).

(٥) سبق الاستشهاد به قريبا.

(٦) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٩١٣).

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

المسألة الرابعة :

أنه قد يؤول الجامد بمشتقّ ، فيعامل معاملة الصفة المشبهة ، فيقال : وردنا منهلا عسلا ماؤه ، أو عسل الماء ، ونزلنا بقوم أسد أنصارهم ، وأسد الأنصار ، ومررنا بحيّ أقمار نساؤهم ، وأقمار النساء ، على تأويل «عسل» بـ «حلو» ، و «أسد» بـ «شجعان» ، و «أقمار» بـ «حسان» (١) ومنه قول الشاعر :

٢٢٦٩ ـ فراشة الحلم فرعون العذاب

وإن تطلب نداه فكلب دونه كلب (٢)

فعامل «فراشة» و «فرعون» معاملة «طائش» و «مهلك» ومثله قول الآخر :

٢٢٧٠ ـ فلولا الله والمهر المفدّى

لأبت وأنت غربال الإهاب (٣)

فعامل «غربال» معاملة «مثقب».

قال المصنف : وأكثر ما يجيء هذا الاستعمال في أسماء النسب ، كقولك : مررت برجل هاشميّ أبوه ، تميمة أمّه ، وإن أضفت قلت : هاشميّ الأب ، تميميّ ـ

__________________

(١) ينظر : شرح المصنف (٣ / ١٠٥) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٩١٣).

(٢) البيت من البسيط ، وقائله الضحاك بن سعيد ، أو سعيد بن العاص ، أو رجل من ولده ، كما في معجم الشواهد (ص ٤٥).

اللغة : فراشة الحلم : بمعنى طائش ، فرعون : بمعنى مهلك ، أو أليم العذاب ، كلب ـ بكسر اللام ـ : داء يصيب الكلب ، يشبه الجنون ، فإذا عض هذا الكلب إنسانا صار مثله.

والشاهد في البيت : تضمن الجامد فيه وهو «فراشة» معنى طائش ، و «فرعون» معنى «مهلك» أي تأويلهما بمشتق ، وإعطاؤهما حكم الصفة المشبهة فأضيفا إلى المعمول.

ينظر الشاهد في : الأشموني (٣ / ١٦) ، وشرح التصريح (٢ / ٧٢) ، والهمع (٢ / ١٠١) ، والدرر (٢ / ١٣٦).

(٣) البيت من الوافر ، ونسب لعفيرة بن طرافة الكليبية ، كما في الوحشيات (ص ٨) كما نسب لمنذر ابن حسان في المقاصد النحوية للعيني (٣ / ١٤٠) ، ونسب في معجم الشواهد العربية (ص ٦٣) لحسان بن ثابت ، وليس في ديوانه.

اللغة : المهر المفدى : القوي الجري ، غربال : الآلة المعروفة ، والمراد : مثقب الجلد من وقع الأسنة.

والشاهد في البيت قوله : «غربال الإهاب» فإنّ «غربال» جامد مضمن معنى المشتق ، تأويله : مثقب الجلد ، أو مخرق ، فأجري الصفة المشبهة ، وأضاف «غربال» إلى معموله ، الذي هو فاعل في المعنى.

وفي الأشموني (٣ / ١٦): (ولو رفع بها أو نصب جاز ، والله أعلم) اه.

ينظر الشاهد في : الخصائص (٢ / ٢٢١) ، والأشباه والنظائر (١ / ٣٠٧) ، والهمع (٢ / ١٠١) ، والدرر (٢ / ١٣٦).

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

الأمّ ، وكذلك ما أشبهه (١).

المسألة الخامسة :

أنّ معمول الصفة لا يكون أجنبيّا محضا ، وأنّ منصوبها لا يتقدم عليها ، وقد تقدم الكلام على هذين الحكمين في أوائل الباب ، على أنّ المصنف لم يتعرض إلى شرح ذلك ، ولا الشيخ أيضا ، إما لوضوحه ، وإما لأنه غير ثابت في الأصل.

وختم الشيخ الباب بمسألة : وهي : أنهم اختلفوا في تشبيه الفعل اللازم بالفعل المتعدّي كما شبّه وصفه بوصفه ، فأجاز ذلك بعض المتأخرين ، فتقول : زيد تفقأ الشحم ، أصله : تفقأ شحمه (٢) ؛ فأضمرت في «تفقأ» ، ونصبت «الشحم» ؛ تشبيها بالمفعول به ، واستدل بما روي في الحديث : «كانت امرأة تهراق الدماء» (٣) ومنع من ذلك الأستاذ أبو علي ، وقال : لا يكون ذلك إلا في الصفات ، وأسماء الفاعلين والمفعولين (٤). وقد تأولوا الأثر على أنه على إسقاط حرف الجرّ ، أو على إضمار فعل ، أي : بالدماء ، أو : يهريق الله الدماء منها ، قال : وهذا هو الصحيح (٥).

__________________

(١) ينظر : شرح المصنف (٣ / ١٠٥).

(٢) ينظر التذييل والتكميل (٤ / ٩١٥) ، وفي منهج السالك (ص ٣٦٨) توضيح لهذه المسألة حيث قال : (فرع نختم به هذا الباب ، وهو : هل تغفل العرب هذا النوع ، والتشبيه بالفعل اللازم ، فتشبه بالفعل المتعدي ، كما شبهت الوصف باسم الفاعل المتعدي؟ في ذلك خلاف ؛ ذهب بعض المتأخرين إلى أن العرب تفعل ذلك فأجاز : زيد تفقأ الشحم ، والتقدير عنده : زيد تفقأ شحمه ، ثم جعل الضمير فاعلا ، ونصب «الشحم» تشبيها بالمفعول به ، واستدل على هذا بقولهم ـ في الأثر ـ «كانت امرأة على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تهراق الدماء» ، على التشبيه بالمفعول ، وكان الأستاذ أبو علي يذهب إلى أن النصب على التشبيه بالمفعول لا يكون في الأفعال ، وإنما يكون في الصفات ، وأسماء الفاعلين والمفعولين على الشروط المذكورة ويتأول الحديث على حذف حرف الجر) ا ه.

(٣) هذا جزء من حديث شريف ، سبق تخريجه وهو في التذييل والتكميل (٤ / ١٠٧ ، ٩١٥).

(٤) يراجع قول الأستاذ أبي علي في التذييل والتكميل (٤ / ٩١٥).

وفي ارتشاف الضرب (١١٠٨): (ومنع من ذلك الأستاذ أبو علي ، وهو الصحيح ؛ إذ لم يثبت ذلك من لسان العرب ، ولا حجة في : «تهراق الدماء» ـ إن صح ـ ؛ لاحتماله التأويل) ا ه.

(٥) في منهج السالك (ص ٣٦٨): (والذي يظهر لي ما ذكر ، وأن هذا لا يكون في الأفعال ، ويدل على ذلك أنك لا تقول : زيد حسن الوجه ، ولا : تصبب العرق ؛ فإن ادعى أنه يقال هذا فقد ادعى ما لم يسمع ، وإنما قاله بالقياس على ما جاء في الأثر ـ «تهراق الدماء» ـ وقد مضى تأويله ، ولا تقوم الحجة بمتأول ، ويكون هذا بمنزلة : ذهبت به ، وأذهبته) ا ه.

٢١٢

الباب الثامن والثلاثون

باب إعمال المصدر

[علة إعمال المصدر ـ أحوال إعماله]

قال ابن مالك : (يعمل المصدر مظهرا ، مكبّرا ، غير محدود ، ولا منعوت قبل تمامه ، عمل فعله).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : لمّا أنهى المصنف الكلام على المشتقّات الأربعة المحمولة في أصل عملها على الفعل ، شرع في ذكر عمل المصدر ، والذي هو أصلها ، وأصل الفعل.

فقال المصنف (١) : إنّ المصدر يعمل ، لا لشبهه بالفعل ، بل لأنّه أصل ، والفعل فرع ، ولذلك لم يتقيد عمله بزمان ، دون زمان ، بل يعمل مرادا به المضيّ ، أو الحال ، أو الاستقبال ؛ لأنه أصل لكل من الأفعال الثلاثة الدّالة على هذه الأزمنة ، بخلاف اسم الفاعل ، فإنّه يعمل لشبهه بالفعل المضارع ، فاشترط كونه حالا ، أو مستقبلا ؛ لأنهما مدلولا المضارع ، انتهى.

ولذلك لم يشترط في عمله الاعتماد أيضا ، بخلاف المشتقات التي تعمل لشبه الفعل.

ثم قال المصنف (٢) : ولما ترتب عمل المصدر على الأصالة ، اشترط في كونه عاملا بقاؤه على صيغته الأصلية ، التي اشتقّ منها الفعل ، فلزم من ذلك ألا يعمل إذا غير لفظه ، بإضمار ، ولا بتصغير ، ولا بردّه إلى فعله ، قصدا للتوحيد ، ولا بنعت ، قبل تمام مطلوبه انتهى.

وسيتبين أنّ امتناع نعته ، قبل تمامه إنّما هو لعلّة أخرى ، لا لترتبه على الأصالة ، وقد ذكر المصنف لإعمال المصدر شروطا أربعة ، ويؤخذ من كلامه في الشرح شرط خامس ومجموع الشروط ستّة :

الأول : أن يكون مظهرا ، فلا يقال : ضربك المسيء حسن ، وهو المحسن [٣ / ١٦٢] قبيح ، أي : ضربك المحسن ؛ فإنّ الضمير مباين للصيغة التي هي أصل الفعل ، وهو إنما عمل بالأصالة ، كما تقدّم ، وكذا لو كان المتعلق مجرورا ، أو ظرفا فلا يقال : مرورك بزيد حسن ، وهو بعمرو قبيح ، هذا مذهب البصريّين (٣) ، وأمّا الكوفيون ـ

__________________

(١) انظر شرح التسهيل لابن مالك (٣ / ١٠٦).

(٢) المرجع السابق.

(٣) يراجع مذهب البصريين في منع إعمال ضمير المصدر في : التذييل والتكميل (٤ / ٩١٨) ، منهج السالك (ص ٣١٨).

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فضمير المصدر عندهم كظاهره في العمل (١) ، قال ابن عصفور : فأجازوا : «ضربي زيدا حسن ، وهو عمرا قبيح». انتهى.

وذكر الشيخ في شرحه أنّ الفارسيّ ، وابن جنّي أجازا عمل الضمير في المجرور (٢) ، واستدلّ الكوفيون بقول زهير :

٢٢٧١ ـ وما الحرب إلّا ما علمتم وذقتم

وما هو عنها بالحديث المرجّم (٣)

فإنّ ظاهره تعلّق «عنها» بـ «هو» الذي هو ضمير «الحديث» ، وخرّج ذلك على أن يكون «عنها» معلّقا بـ «المرجّم» ، وقدّم عليه ضرورة ، وعلى أن يكون متعلقا بفعل مضمر ، كأنه قال : أغنى عنها ، وعلى أن يكون تقديره : وما هو مرجّما عنها ، وحذف «مرجّما» الأول ، لدلالة الثّاني عليه (٤) ، وجعل المصنف ذلك شاذّا.

ثمّ قال (٥) : وقد يخرج على أن يكون التقدير : وما هو الحديث عنها ، فيتعلق «عن» بـ «الحديث» ، ويجعل «الحديث» بدلا من «هو» ثم حذف البدل ، وترك المتعلق به دالّا عليه ، قال : ولا يخفى ما في هذا التقدير من التكلّف ، مع أنّ البدل هو المقصود بالنسبة ، ولا يذكر متبوعه ـ غالبا ـ إلا توطئة له ، قيل : والذي يقطع بالكوفيين أنه ـ

__________________

(١) ينظر مذهب الكوفيين في جواز إعمال ضمير المصدر في : منهج السالك لأبي حيان (ص ٣١٨) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٩١٨).

(٢) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٩١٨ ، ٩١٩) ؛ حيث قال أبو حيان رحمه‌الله ما نصه :

(وحكى عاصم بن أيوب عن الفارسي أنه أجاز أن يعمل المكنى في المجرور وذكر ابن ملكون أنه وقف على إجازة ذلك من كلام أبي علي ، وأجاز ذلك الرماني وابن جني في خصائصه) انتهى.

وفي الإيضاح العضدي للفارسي (١ / ٢٠٠ ، ٢٠١) ما نصه : (لم يجيزوا : مروري بزيد حسن ، وهو بعمرو قبيح ، وإن كان «هو» ضمير «مروري» ؛ لأنّ «هو» لا دلالة على لفظ الفعل فيه ، كما في لفظ المصدر على لفظه) انتهى.

(٣) البيت من الطويل ، لزهير بن أبي سلمى الشاعر الجاهلي المشهور ، والبيت من معلقته وهو في ديوانه (ص ٢٥) ط. المكتبة الثقافية بيروت (١٩٦٨ م).

اللغة : المرجم من الحديث : المقول بطريق الظن.

والشاهد في قوله : «وما هو عنها» فهو ضمير المصدر على رأي الكوفيين والتقدير : وما الحديث عنها ؛ فـ «هو» ضمير «الحديث» واستشهد به الكوفيون على إعمال ضمير المصدر في الجار والمجرور.

(٤) ينظر ذلك في : التذييل والتكميل (٤ / ٩١٨).

(٥) ينظر : شرح المصنف (٣ / ١٠٦).

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يحفظ من كلام العرب : أعجبني ضرب زيد عمرا ، وهو بكرا ، أي : وضربه بكرا.

الشّرط الثّاني : أن يكون مكبّرا ، فلا يقال : عرفت ضريبك زيدا ، ونحوه ؛ لأنّ التصغير يزيل المصدر عن الصيغة التي هي أصل الفعل ، زوالا يلزم منه نقص المعنى (١).

الشرط الثالث : أن يكون مفردا ، فلا يعمل المثنّى ، فلا يقال : عجبت من ضريبك زيدا ، وأما المجموع ففيه خلاف ؛ منهم من أجاز عمله ومنهم من منع (٢).

واختلف مختار المصنف ، فاختار ـ في شرح هذا الكتاب ـ أنّ المجموع يعمل ؛ ولذا لم يشترط ـ في المتن ـ عدم جمعيته ، وعلّلّ الجواز بأنّ صيغة الجمع ـ وإن زالت معها الصيغة الأصلية كما زالت في التصغير ـ المعنى معها باق ، ومضاعف بالجمعية ؛ لأنّ جمع الشيء بمنزلة ذكره متكرر العطف ، فلذلك منع التصغير إعمال المصدر ، وإعمال اسم الفاعل ، ولم يمنع الجمع إعمالهما ، إلّا أنّ جمع اسم الفاعل كثير ، وجمع المصدر قليل ، فقلّت شواهد إعماله مجموعا (٣) ، ومنها قول علقمة :

٢٢٧٢ ـ وقد وعدتك موعدا لو وفت به

مواعد عرقوب أخاه بيثرب (٤)

فنصب «أخاه» بـ «مواعد» وهي جمع موعد ، بمعنى : وعد ، ويروى : كوعد عرقوب ، ويروى : مواعيد عرقوب ، جمع ميعاد ، بمعنى وعد.

قال ابن الزبير الأسدي : ـ

__________________

(١) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٩١٩).

(٢) في المرجع السابق (٤ / ٩٢٠ ، ٩٢١): (أما المصدر إذا كان مجموعا ففي إعماله خلاف ؛ ذهب قوم إلى جواز ذلك كله ، كما ذهب إليه المصنف ، وهو اختيار ابن عصفور ، وذهب قوم إلى منع إعماله مجموعا ، وإلى ذلك ذهب أبو الحسن بن سيده ... ومن منع إعمال المصدر مجموعا تأول السماع على أن المنصوب في ذلك ينتصب بإضمار فعل) ا ه.

(٣) ينظر : شرح المصنف (٣ / ١٠٧) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٩١٩).

(٤) البيت من الطويل ، وقائله علقمة من قصيدة يعارض بها امرأ القيس ، وهو في ديوان علقمة (ص ٢٩).

اللغة : وعدتك : من الوعد ، ومواعد هنا : جمع موعد ، و «عرقوب» فاعله مجرور بإضافته إليه ، و «أخاه» مفعوله ، وفيه شاهد على جواز إعمال المصدر المجموع مكسرا ، ويروى : كموعود ، مصدر على مفعول ، وعرقوب : هو عرقوب بن صخر ، أو ابن معبد من العمالقة ، أو من الأوس ، يضرب به المثل في خلف الوعد ، ويثرب : اسم المدينة المنورة بمقدم الرسول عليه الصلاة والسّلام قبل الإسلام.

ينظر الشاهد في : التذييل والتكميل (٤ / ٩٢٠) ، والأشباه والنظائر (١ / ٣٠٠) ، والمساعد لابن عقيل (٢ / ٢٢٧).

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

٢٢٧٣ ـ كأنّك لم تنبأ ولم تك شاهدا

بلائي ، وكرّاتي الصّنيع بيبطرا (١)

فـ : «كراتي» جمع «كرّة» ونصب به «الصنيع» وهو اسم فرسه.

وقول أعشى قيس ـ يمدح هوذة بن عليّ الحنفيّ (٢) :

٢٢٧٤ ـ قد حمّلوه فتيّ السّنّ ما حملت

ساداتهم ، فأطاق الحمل واضطلعا

وجرّبوه فما زادت تجاربهم

أبا قدامة إلّا الحزم والقنعا (٣)

فـ «تجاربهم» جمع «تجربة» ونصب بها أبا قدامة ، وقول أعشى قيس أيضا :

٢٢٧٥ ـ إنّ عداتك إيّانا لآتية

حقّا وطيّبة ما نفس موعود (٤)

فـ «عداتك» جمع «عدة» وقد نصب بها «إيانا».

ومن ذلك قول العرب : تركته بملاحس البقر أولادها (٥) ، أي : بموضع ـ

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو منسوب هكذا أيضا في : التذييل والتكميل : (٤ / ٩٢١ ، ٩٢٣).

وابن الزبير الأسدي ، وهو عبد الله بن الزبير الأسدي ، بفتح الزاي ، كما في جمهرة أنساب العرب ، وهو ابن الزبير بن الأشيم بن الأعشى بن بجرة ، من ولد منقذ بن طريف ، وهو شاعر مشهور ، ينتهي نسبه إلى الحارث بن ثعلبة بن دودان ، تنظر ترجمته في : جمهرة أنساب العرب (ص ١٩٥).

والشاهد فيه قوله : «وكراتي الصنيع» ؛ حيث أعمل المصدر المجموع «كراتي» فنصب المفعول به «الصنيع».

ينظر الشاهد في : التذييل والتكميل (٤ / ٩٢١) ، ومنهج السالك (ص ٣١٩).

(٢) هو هوذة بن علي بن ثمامة بن عمرو ، ينتهي نسبه إلى بني مرة بن الدول بن حنيفة ، وقد مدحهم الأعشى ، تنظر ترجمته في : جمهرة أنساب العرب (ص ٣١٠).

(٣) البيتان من ديوان الأعشى ميمون بن قيس (ص ١٠٩) وهما من البسيط.

اللغة : قنعا : فضلا.

والشاهد في قوله : «زادت تجاربهم أبا قدامة» ؛ حيث أعمل المصدر المجموع «تجارب» فنصب المفعول «أبا قدامة».

ينظر الشاهد في : التذييل والتكميل (٤ / ٩٢١) ، والدرر : (٢ / ١٢٣) ، والأشموني (٢ / ٢٨٧).

(٤) البيت من البسيط ، وهو في ديوان الأعشى (ص ٥٣).

اللغة : طيبة ما نفس موعود : تطيب نفس الذي وعدته ، و «ما» زائدة.

والشاهد في البيت قوله : «عداتك إيانا» ؛ حيث أعمل المصدر المجموع «عداتك» فنصب المفعول به «إيانا».

ينظر الشاهد في : التذييل والتكميل (٤ / ٩٢١) ، ومنهج السالك (ص ٣١٩).

(٥) في كتاب المستقصى للزمخشري (٢ / ٢٥): (تركته بملاحس البقر أولادها أي : بالمواضع التي

٢١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ملاحس ، فحذف المضاف ، وأقام المضاف إليه مقامه ، و «الملاحس» جمع «ملحس» ، بمعنى «لحس».

قال الشيخ : ومن منع ذلك جعل المنصوب ـ في هذه الشواهد ـ منصوبا بإضمار فعل ، تقديره : وعد أخاه ، وكررت الصنيع ، وجربوا أبا قدامة ، وإيّانا تعد ، ولحست أولادها ، ويحتمل في قوله : «أبا قدامة» أن يكون منصوبا بـ «زادت» ووضع الظاهر موضع المضمر ؛ تفخيما.

وأما في شرح الكافية ، فاختار المصنف أنّه لا يعمل ، قال : فإن ظفر بإعماله قبل ولم يقس عليه (١) ، وقال في الكافية :

وربّ محدود ، ومجموع عمل

وبسماع ، لا قياس قد قبل (٢)

ثمّ في إنشاد المصنّف قول الشاعر :

٢٢٧٦ ـ ...

 ... وكرّاتي الصّنيع ... (٣)

وقول الآخر :

٢٢٧٧ ـ عداتك إيّانا ...

 ... (٤)

إشعار بأنه لا فرق في عمل المجموع ، بين جمع التكسير ، وجمع التصحيح ، وهو الظاهر.

وقيّد الشيخ الجمع بكونه مكسرا ، ذكر ذلك في ارتشاف الضرب ـ له ـ فأمّا أن يكون هذا التقييد لإخراج جمع التصحيح من حكم الجواز ، وإمّا لإدخاله في حكمه ، دون جمع التكسير.

الشرط الرابع : أن يكون غير محدود ، قال المصنف : ولا يعمل المحدود ، وهو ـ

__________________

تلحس فيها بقر الوحش أولادها ، ويروى : بملحس البقر أولادها ، والملحس : مصدر بمعنى اللحس ، وقيل : هو اسم مكان محذوف ، تقديره : موضع ملحس البقر ، ولا يجوز أن تجعل الملحس اسم مكان له ؛ لأنه لا يعمل حينئذ النصب في أولادها ، وهو يضرب لمن ترك بمكان لا أنيس به) اه. وينظر : أيضا الهمع (٢ / ٩٧).

(١) في شرح الكافية (٢ / ١٠١٥) ، تحقيق د / عبد المنعم هريدي ، ونصه (فإن ظفر بإعماله مجموعا قبل ، ولم يقس عليه) اه.

(٢) ينظر : الكافية بشرحها : (٢ / ١٠١١) ، تحقيق د / عبد المنعم هريدي.

(٣) سبق تخريجه قريبا.

(٤) سبق تخريجه قريبا.

٢١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المردود إلى فعله ؛ قصدا للتوحيد ، والدلالة على المرة ؛ لأنّه غير عن الصفة التي اشتقّ منها الفعل وعللّ ذلك ـ في شرح الكافية ـ بأنّه بالتاء صار بمنزلة أسماء الأجناس التي لا تناسب الأفعال فلا يقال : عرفت ضربتك زيدا ، ونحو ذلك ، قال : فإن روي مثله عمّن يوثق بعربيته حكم بشذوذه ، ولم يقس عليه (١) ، فمن ذلك ما أنشده الفارسيّ ـ في التذكرة ـ (٢) من قول الشاعر :

٢٢٧٨ ـ يحايي به الجلد الذي هو حازم

بضربة كفّيه الملا نفس راكب (٣)

فنصب «نفس راكب» بـ «يحابي» ومعناه يحيي ، ونصب «الملا» بـ «ضربة كفّيه» ومراد قائل البيت : وصف مسافر معه ماء ، فتيمّم ، وأحيا بالماء نفس راكب كاد يموت عطشا ومنه قول كثيّر (٤) :

٢٢٧٩ ـ وأجمع هجرانا لأسماء أن دنت

بها الدّار لا من زهدة في وصالها (٥)

__________________

(١) في شرح الكافية لابن مالك (٢ / ١٠١٤ ، ١٠١٥) ، تحقيق د / هريدي : (ولذا لا يعمل المصدر إذا حد بالتاء ؛ لأن دخول التاء عليه دالة على المرة يجعله بمنزلة أسماء الأجناس التي لا تناسب الأفعال ، فلا يقال : عجبت من ضربتك زيدا ، فإن سمع ذلك قبل ولم يقس عليه) اه.

(٢) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٩٢٣) ، والتذكرة من كتب أبي علي الفارسي المفقودة.

(٣) البيت من الطويل ، وقد نسب لذي الرمة ، وهو في ملحقات ديوانه (٣ / ١٨٦٤) ، في القسم الرابع المجهول من شعره ، تحقيق د / عبد القدوس أبو صالح ، مطبعة طرين بدمشق (١٣٩٢ ه‍ ـ ١٩٧٢ م).

اللغة : يحايي ، بمعنى : يحيي ، ومصدره الإحياء ، الجلد : القوي ، الملا مقصور ، وبفتح الميم به : التراب.

المعنى : يصف الشاعر مسافرا معه ماء فتيمم، وأحيا بالماء نفس راكب كاد يموت عطشا، وهكذا فسره المرادي في: توضيح المقاصد والمسالك (٣/٧).

والشاهد في البيت قوله : «بضربة كفّيه الملا» ؛ فإن «ضربة» مصدر محدود ، أضيف إلى فاعله ، ونصب «الملا» وهو مفعوله ، وهذا شاذ ، لكنه سمع من موثوق به.

ينظر الشاهد أيضا في : العيني : (٣ / ٥٢٧) ، والأشموني (٢ / ٢٨٦) ، والدرر (٢ / ١٢٢).

(٤) هو كثير بن عبد الرحمن بن أبي جمعة ، والمعروف بكثير عزة ، وقد سبقت ترجمة مفصلة له.

(٥) البيت من الطويل ، وهو في ديوان كثير (ص ٩٢) تحقيق د / إحسان عباس ، ط. بيروت (١٣٩١ ه‍ ـ ١٩٧١ م).

اللغة : الزهدة : كالزهد ، الإعراض عن الشيء لقلة الرغبة فيه.

والشاهد هنا في قوله : «من زهدة في وصالها» ؛ حيث أعمل المصدر المحدود وهو «زهدة».

ينظر الشاهد في : الشعر والشعراء (١ / ٥٢٠) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٩٢٣).

٢١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي قول ابن الزّبير :

٢٢٨٠ ـ ...

 ... وكرّاتي الصّنيع ... (١)

شاهد على إعمال المصدر المحدود ؛ لأنّ «الكرات» [٣ / ١٦٣] جمع «كرّة» ، وقد نصب بالجمع ، فواحده أحقّ بذلك ؛ لأنّ الواحد أقرب إلى اللفظ الأصليّ ، وهو الكرّ.

فلو كان فعله مصدرا غير مقصود به التحديد كـ «رهبة» تساوى العاري منها في صحّة العمل ، وذلك نحو قول الشاعر :

٢٢٨١ ـ فلولا رجاء النّصر منك ورهبة

عقابك قد كانوا لنا كالموارد (٢)

الشرط الخامس : أن يكون غير منعوت قبل تمامه ، أي قبل استيفائه ما تعلّق به ، من مفعول ومجرور ، وغير ذلك.

قال المصنف (٣) : ولا يتقدم نعت المصدر على معموله ، فلا يقال : عرفت سوقك العنيف فرسك ؛ لأنّ معمول المصدر منه بمنزلة الصلة من الموصول ، فلا يتقدم نعت المصدر على معموله ، كما لا يتقدم نعت الموصول على صلته.

قال الشيخ (٤) : وفي قول المصنف : (ولا منعوت) قصور ، وكان ينبغي أن يقول : ولا متبوع بتابع ؛ ليشمل : النعت ، والتوكيد ، والعطف ، والبدل ؛ فلا يجوز : عجبت من ضربك الكثير زيدا ، ولا : من شربك وأكلك اللبن ، ولا : ـ

__________________

(١) سبق تخريجه قريبا جدّا.

(٢) البيت من الطويل ، وهو من شواهد سيبويه التي لم يعرف قائلها.

وروي : «ولولا» ، «وخيفة» بدل «ورهبة» ، «قد صاروا» بدل «قد كانوا».

اللغة : الموارد : الطرق إلى الماء ، الواحدة : موردة.

المعنى : لو لا أنهم يرجون أن تنصرهم علينا إن حاربناهم ، ورهبتنا لعقابك لنا إن قتلناهم ، لقد صاروا لنا أذلاء ، نسير فوقهم كما نسير على الطريق.

الشاهد : قوله : «ورهبة عقابك» أعمل المصدر المنون عمل الفعل ، فنصب «عقابك» بـ «رهبة» ، ولم يذكر الفاعل.

ينظر : الكتاب (١ / ١٨٩) ، وابن يعيش (٦ / ٦١) ، والبحر المحيط (٢ / ٢٤٥).

(٣) شرح التسهيل (٣ / ١٠٨).

(٤) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٩٢٤) ، وفي النقل تصرف.

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

من قيامك نفسه إلى زيد ، ولا: من إتيانك مشيك إلى عمرو، فلو أخرت هذه التوابع عن متعلقات المصدر جاز كقول الشاعر:

٢٢٨٢ ـ إنّ وجدي بك الشّديد أراني

عاذرا من عهدت فيك عذولا (١)

وإن ورد ما يوهم خلاف ما تقدم قدّر فعل بعد التابع ، ليتعلق به المعمول المتأخر (٢) ، فمن ذلك قول الحطيئة :

٢٢٨٣ ـ أزمعت يأسا مبينا من نوالكم

ولا ترى طاردا للحرّ كالياس (٣)

فلا يتعلق «من نوالكم» بقوله : «يأسا» ، بل بفعل مقدّر ، أي : يئست من نوالكم (٤).

الشرط السادس : ألّا يكون مؤكّدا ، فإنّ المؤكد لا يعمل ، وسيأتي في كلام المصنف ما يدلّ على هذا لكنه قرن بالمؤكّد المبين للنوع ، والهيئة وقال ابن عصفور ـ في شرح الجمل (٥) ـ : فأما المصدر المؤكد والمبين فلا يعملان أصلا ، نحو : ضربت ضربا ، وضربت ضرب شرطيّ ؛ فوافق كلامه كلام المصنف ، وعلى هذا فلا يكفي أن يقال : شرطه ألا يكون مؤكّدا ، بل يقال : شرطه ألا يكون مفعولا مطلقا ؛ لأنّ ـ

__________________

(١) البيت من الخفيف ، ولم ينسب لقائل معين ، وفي الدرر : (٢ / ٥٦) «وجدت فيك» بدل «عهدت فيك».

والشاهد في قوله : «وجدي بك» على أن المصدر يشترط في إعماله ألا يتبع قبل أن يستوفي معموله ، أو متعلقاته ، ولذلك جاز هنا أن يوصف المصدر ، فـ «الشديد» صفة له ، و «بك» في محل نصب مفعوله ، وسبق الصفة.

ينظر الشاهد في : التذييل والتكميل (٤ / ٩٢٤) ، والعيني (٣ / ٣٦٦) ، وشرح التصريح (٢ / ٢٧) ، والهمع (٢ / ٩٣) ، والدرر (٢ / ١٢٤) ، والأشموني (٢ / ٢٤٢).

(٢) هذا تابع كلام الشيخ أبي حيان. ينظر : التذييل والتكميل : (٤ / ٩٢٤).

(٣) البيت من البسيط ، وقائله الحطيئة ، الشاعر المشهور ، وهذا البيت من سينيته التي يهجو بها الزبرقان ابن بدر ، وروي «مريحا» بدل «مبينا».

والشاهد في البيت قوله :

«يأسا مبينا من نوالكم»

على أن المصدر يشترط في إعماله ألا يتبع قبل أن يستكمل عمله ، فإذا ورد خلاف ذلك ـ كما هنا ـ أول بإضمار عامل محذوف ، فـ «يأسا» مصدر ، و «مبينا» صفة له ، و «من نوالكم» متعلق بـ «يئست» محذوفا بـ «يأسا» المذكور.

ينظر الشاهد في : ديوان الحطيئة (ص ١٠٧) ، والكامل (١ / ٢٨٤) ، والدرر (٢ / ١٢٤).

(٤) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٩٢٤).

(٥) انظر : الكتاب المذكور (٢ / ٢٤) تحقيق صاحب أبو جناح.

٢٢٠