شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٦

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٦

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مدلول «أفعل» التفضيل فلمّا كان كذلك صحّ رفع «أفعل» التفضيل الظاهر في صورة المعنى ؛ لأنّ الفعل يعاقبه ومعنى التفضيل باق ، ولم يصحّ في صورة الإثبات لأنا إذا أوقعنا الفعل موقعه لا يبقى معنى التفضيل بل يصير لذلك التركيب معنى آخر.

الموضع الثاني : قول المصنف : فإن قيل : لا نسلم الالتجاء إليه ـ يعني إلى رفع «أفعل» التفضيل الاسم الظاهر فاعلا ـ بل نجعله مبتدأ ، ونقدّمه على «أحسن» ، وذلك بأن يقال : ما رأيت أحدا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيد ، فالجواب أنّ إمكان هذا اللفظ مسلم ، ولكن ليس بمسلم إفادته ما يفيده اللفظ الآخر من اقتضاء المزية والمساواة معا.

وإنما مقتضى : ما رأيت أحدا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيد ؛ نفي رؤية الزائد حسنه لا نفي رؤية المساوي ، وإذا لم يتوصل إلى ذلك المعنى إلا بالترتيب المنصوص عليه صحّ القول بالالتجاء إليه (١) ، وكان قد تقدم له قبل [٣ / ١٣٥] هذا أن قال معللا رفع أفعل التفضيل الظاهر ، في المثال المعروف ، وهو : ما رأيت أحدا أحسن في عينيه الكحل منه في عين زيد ، وذلك أنه حدث له ـ في الموقع المشار إليه ـ معنى زائد على التفضيل ، وبيانه أنك إذا قلت : ما الكحل في عين زيد أحسن منه في عين عمرو ، ولم يكن فيه تعرض لنفي المساواة ، وإنّما تعرض فيه لنفي المزية ، بخلاف قولك : ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ؛ فإنّ المقصود به نفي المساواة ، ونفي المزيّة.

ولهذا قدّره سيبويه بـ : ما رأيت أحدا يعمل في عينه الكحل ، كعمله في عين زيد (٢).

فقال الشيخ ـ في قوله : إنّه حدث في الموقع المشار إليه معنى زائد على التفضيل إلخ ـ : هذا الكلام فيه تكثير لا طائل تحته ، ودعوى أنّ قولك : ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ؛ قصد به نفي المساواة ونفي المزية ، لا دليل على ذلك ، بل لا فرق بين قولك : ما رأيت أحدا الكحل في عينه أحسن منه في ـ

__________________

(١) شرح المصنف (٣ / ٦٨).

(٢) شرح المصنف (٣ / ٦٧) والكتاب (٢ / ٣١).

١٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

عين زيد ، وبين المثال السابق ؛ كلاهما فيه نفي المزية لا نفي المساواة ، و «أفعل» التفضيل سواء أرفعت به المضمر أم المظهر ، وإنما يدلّ على الزيادة في ذلك الوصف فإن كان الكلام مثبتا كانت تلك الزيادة ثابتة ، وإن كان منفيّا كانت تلك الزيادة منفية ، ولا يدلّ انتفاء تلك الزيادة على انتفاء المساواة بوجه.

قال : وأما قول المصنف : ولهذا قدره سيبويه ... إلخ ؛ فليس على ما فهمه ، وإنما أراد سيبويه أن يبين أنّ رفع «الكحل» بـ «أحسن» هو على طريق الفاعلية ، وأنه جرى في ذلك مجرى الفعل فكما رفع الفعل الظاهر كذلك رفعه هنا «أفعل» التفضيل وأما أن يريد بذلك أنه انتفت المزية والمساواة فلا (١).

وقال (٢) أيضا ـ في قوله : فإن قيل : لا نسلم الالتجاء إليه ؛ لإمكان أن يقال : ما رأيت أحدا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيد ، فالجواب أنّ إمكان هذا اللفظ مسلم ، ولكن ليس بمسلم إفادته ما يفيده اللفظ الآخر ، من اقتضاء المزية والمساواة معا ... إلى آخره قد بيّنّا أنّ ذلك دعوى لا تصحّ البتة ولا فرق بين تقدم الوصف ورفع الاسم به أو تأخره وجعله خبرا للاسم.

ألا ترى أنه لا فرق بين : ما رأيت رجلا قائما أبوه ، ولا بين : ما رأيت رجلا أبوه قائم؟ (٣). هذا كلام الشيخ مع المصنف أولا وثانيا.

وأقول : أما قوله : إن «أفعل» التفضيل إنما يدلّ على الزيادة في ذلك الوصف فإن كان الكلام مثبتا كانت الزيادة ثابتة وإن كان منفيّا كانت الزيادة منفية ولا يدلّ انتفاء الزيادة على انتفاء المساواة ـ فكلام صحيح ، ولكن إنما يكون ذلك إذا سبق الكلام للدلالة على الإثبات فقط ، كقولك : زيد أفضل من عمرو ، أو على الانتفاء فقط كقولك : ليس زيد أفضل من عمرو ، وأما الكلام الذي قصد به نفي الزيادة عن شيء باعتبار ، وإثباتها لذلك الشيء باعتبار آخر نحو : ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ؛ فليس الأمر فيه كذلك. فإنّ إثبات الزيادة يلزم منه انتفاء المساواة ؛ إذ لو حصلت المساواة لم تكن الزيادة ثابتة فانتفاء المزية عن المفضول دلّ عليه بالمنطوق ، وانتفاء المساواة دلّ عليه باللزوم ، وإذا كان كذلك ثمّ قول ـ

__________________

(١) ينظر التذييل والتكميل (٤ / ٧٦٤ ، ٧٦٥).

(٢) أي : قال الشيخ أبو حيان.

(٣) التذييل والتكميل (٤ / ٧٦٦).

١٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المصنف : إنّ المقصود بهذا التركيب نفي المساواة ونفي المزية. ولا شكّ أنّ قولنا : ما الكحل في عين زيد أحسن منه في عين عمرو ؛ نفي محض لم يقصد فيه إلى إثبات شيء فهو إنما يدلّ على نفي الزيادة فتمّ أيضا قول المصنف فيه إن لم يكن فيه تعرض لنفي المساواة وإنّما تعرض فيه لنفي المزية ، وإدراك الفرق بين هذين التركيبين ـ أعني : ما الكحل في عين زيد أحسن منه في عين عمرو ، و : ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه في عين عمرو ظاهر ، ولعلّه لا يخفى على من له أدنى تحصيل.

وإذا تبين أنّ قول المصنف تمّ فيما ذكره ، تبين صحة قوله آخرا : فالجواب أنّ إمكان هذا اللفظ مسلم ـ يعني : ما رأيت أحدا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيد ـ ولكن ليس بمسلّم إفادته ما يفيده اللفظ الآخر من اقتضاء المزية والمساواة معا ، وإنّما مقتضى : ما رأيت أحدا الكحل في عينه منه في عين زيد ؛ نفي رؤية الزائد حسنه لا نفي رؤية المساوي ، واندفع كلام الشيخ حينئذ ، واعلم أنّ الذي ذكره المصنف في هذا المثال ـ من أنّ سبب العدول عنه إلى المثال المشهور في هذه المسألة أنّ هذا المثال مقتضاه نفي رؤية الزائد حسنه لا نفي رؤية المساوي ـ أحسن من قول الإمام بدر الدين فيه : إنّ المانع منه كراهية أن يقدّموا لغير ضرورة ما ليس بأهمّ كما تقدم لنا نقل ذلك عنه (١).

الموضع الثالث : قول المصنّف : ولم يرد هذا الكلام ، المتضمن ارتفاع الظّاهر بـ «أفعل» التفضيل إلا بعد نفي ، ولا بأس باستعماله بعد نهي ، أو استفهام ، فيه معنى النفي كقولك : لا يكن غيرك أحبّ إليه الخير منه إليك ، وهل في النّاس رجل أحقّ به الحمد منه بمحسن ، لا يمنّ (٢) ؛ فقال فيه الشيخ : وإذا كان لن يرد هذا الاستعمال إلا بعد نفي وجب اتباع السماع فيه ، والاقتصار على ما قالته العرب (٣). انتهى.

ولا شكّ أنّ ما ذكره المصنف لا مانع منه من حيث الصناعة النحويّة ، كيف ولا فرق في المعنى بين النّهي والاستفهام المراد به النفي ، وبين النفي الحقيقي. ـ

__________________

(١) شرح الألفية لابن الناظم (ص ٤٨٨).

(٢) شرح المصنف (٣ / ٦٨).

(٣) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٧٦٨) وبعده : (ولا يقاس عليه النهي ولا الاستفهام الذي يراد به النفي لا سيما ورفعه الظاهر إنما جاء في لغة شاذة فينبغي أن يقتصر في ذلك على مورد السماع ، على أنّ إلحاقهما بالنفي ظاهر في القياس ، ولكن الأولى اتباع السماع) ا ه.

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : أنّ المصنف ـ كما عرفت ـ قد حكم على (حيث) من قوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)(١) بأنها مفعول به [٣ / ١٣٦] وناصبه فعل مدلول عليه بـ (أعلم) وأن التقدير : الله أعلم ، يعلم مكان جعل رسالته (٢).

وقال الشيخ : قد خرّجنا نحن الآية الشريفة ، باقية فيها على بابها من الظرفيّة ؛ لأنّ (حيث) من الظروف التي لم يتصرف فيها بابتدائية ولا فاعلية ولا مفعوليّة فنصبها على المفعولية بفعل محذوف مخرج لها عن بابها (٣).

ومنها : أنّه قال : في قول المصنّف : وإن أوّل بما لا تفضيل فيه جاز على رأي أن تنصبه (٤) ، هذا الرأي ضعيف ؛ لأنّه ـ وإن أوّل بما لا تفضيل فيه ـ فلا يلزم تعدّيه كتعديه ، وللتركيب خصوصيات ألا ترى أنّ «فعولا» وأخواتها تعمل ، و «فعيل» لا يعمل ، نحو : شريب وطبيخ ، لا يقال : هذا شريب الماء ، ولا طبيخ الطعام ، وإن كان يقال : هذا شرّاب الماء ، وطبّاخ الطعام.

وناقش المصنف ـ في تمثيله ، بقوله : وعمرو أجمع للمال من زيد (٥) للأفعال التي تتعدّى بحروف الجرّ ـ فقال : ليس «أجمع للمال» من هذا الفصل ، بل من باب ما يتعدّى الفعل فيه إلى مفعول به تقول : جمع زيد المال ، فـ «أجمع للمال» من فصل : أضرب لزيد ، وأشرب للماء (٦) انتهى. وما ذكره في «أجمع» ظاهر وأما ما ذكره قبله فغير ظاهر ، ولا يتوجّه إلى منع «فعيل» العمل ، وقد قالت العرب : ـ

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٢٤.

(٢) تقدم ذلك ، وهو في شرح المصنف (٣ / ٦٩).

(٣) في التذييل والتكميل (٤ / ٧٧٠): (وقد خرجناه نحن في كتابنا في التفسير المسمى بالبحر المحيط على أن تكون حيث من الظروف التي لم يتصرف فيها بابتدائية ولا فاعلية ولا مفعولية ، فنصبها على المفعولية بفعل محذوف مخرج لها عن بابها ، والتخريج الذي خرجناه عليه هو إقرار (حيث) على الظرفية المجازية على أن تضمن (أعلم) معنى ما يتعدى إلى الظرف فيكون التقدير : الله أنفذ علما حيث يجعل رسالاته ، أي هو نافذ العلم في الموضع الذي يجعل فيه رسالته ..) إلى آخره.

(٤) وقد علل نصبه بأنه كاسم الفاعل وعلل منعه بأن صورته صورة «أفعل» التفضيل ، وينظر : المساعد لابن عقيل (ص ١٨٦ ، ١٨٧) تحقيق بركات.

(٥) في شرح المصنف (٣ / ٦٩): (فيقال : زيد أرغب في الخير من عمرو ، وعمرو أجمع للمال من زيد ، ومحمد أرأف بنا من غيره) ا ه.

(٦) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٧٧١).

١٠٤

الباب السادس والثلاثون

باب اسم الفاعل

[تعريفه ـ وزنه من الثلاثي المجرد ـ الاستغناء ببعض الأوزان عن بعض]

قال ابن مالك : (اسم الفاعل ، هو الصّفة الدّالّة على فاعل جارية في التّذكير والتّأنيث على المضارع من أفعالها لمعناه أو معنى الماضي ، ويوازن في الثّلاثّي المجرّد «فاعلا» وفي غيره المضارع مكسور ما قبل الآخر ، مبدوءا بميم مضمومة ، وربّما كسرت في «مفعل» أو ضمّت عينه ، وربّما ضمّت عين «منفعل» مرفوعا ، وربّما استغني عن «فاعل» بـ «مفعل» وعن «مفعل» بـ «مفعول» فيما له ثلاثيّ وفيما لا ثلاثيّ له ، وعن «مفعل» بـ «فاعل» ونحوه ، أو بـ «مفعل» ، وعن «فاعل» بـ «مفعل» أو «مفعل» ، وربما خلف «فاعل» «مفعولا» ، و «مفعول» «فاعلا»).

______________________________________________________

٢١٤٥ ـ فتاتان أما منهما فشبيهة

هلالا والأخرى منهما تشبه البدرا (١)

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٢) : ذكر «الصّفة» مخرج للأسماء الجامدة (٣) ، ومتناول لاسمي الفاعل والمفعول ، وأمثلة المبالغة ، والصفة المشبّهة ، وغير المشبهة ، وذكر (الدالة على الفاعل) مخرج لاسم المفعول ، والمؤدّي معناه ، وذكر (الجارية ـ

__________________

(١) هذا البيت من الطويل ، وهو لعبد الله بن قيس الرقيات.

والشاهد فيه قوله : «فشبيهة» ؛ حيث نصبت «هلالا» ؛ لأنها صيغة مبالغة فهي مؤنث (شبيه) مع كونه من (أشبه) كنذير من أنذر ، ويؤيد الشارح هذا الإعراب.

وفي التذييل والتكميل (٤ / ٧٩١): (وقد يقال : إنه على إسقاط حرف الجرّ ، أي : فشبيهة بهلال ؛ لأن «شبيها» يتعدى بالباء ، قالوا : ما زيد كعمرو ، ولا شبيها به) ا ه.

ينظر الشاهد أيضا في : منهج السالك (ص ٣٣٤) ، والعيني (٣ / ٤٥٢) ، والأشموني (٢ / ٢٩٧).

(٢) شرح التسهيل (٣ / ٧٠) بتحقيق د / عبد الرحمن السيد وصاحبه.

(٣) كالمصدر الموصوف به ، وفي التذييل والتكميل (٤ / ٧٧٣): (وما أدى معناه ، كالمصدر الموصوف به في نحو : هذا درهم ضرب الأمير) اه.

وفي شرح التسهيل للمرادي : (ف «ضرب» مصدر مؤول بالمشتق واقع صفة ، بمعنى : مضروب الأمير) ا ه.

وينظر : المساعد لابن عقيل (٢ / ١٨٨) تحقيق د / بركات.

١٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

على المضارع) مخرج للجارية على الماضي كـ : فرح ، وحسن ، ويقظ ، ولغير الجارية كـ : سهل ، وكريم ، ومتناول لاسم الفاعل ، ولنحو : ضامر الكشح (١) ، ومنطلق اللسان ، من الصفات الموافقة اسم الفاعل ، لفظا ، لا معنى ولنحو : أهيف (٢) ، وأعمى ، من الصفات التي على «أفعل» وفعلها على «فعل» فالنوعان جاريان على المضارع من أفعالهما ، أي : موافقان له ، في عدّة الحروف ، وتقابل الحركات ، والسكون فخرج باب «ضامر» بقولي : (لمعناه أو معنى الماضي) فإنّ «ضامرا» ، ونحوه لا يتعرّض به لاستقبال ، ولا مضيّ ، وإنّما يراد به معنى ثابت ، ولذلك أضيف إلى ما هو فاعل في المعنى ، كما تضاف الصفة التي لا تجاري المضارع؛ فيقال: ضامر الكشح، كما يقال: لطيف الكشح ، فخالف باب «ضامر» الفعل معنى ، وإن وافقه لفظا (٣).

وخرج باب «أهيف» بذكر التذكير والتأنيث ، فإنّ مؤنثه على فعلاء ، فلا مجاراة فيه ، إلا في حال التذكير ، بخلاف اسم الفاعل ، فإنّ تأنيثه لا يغيّر بنيته فيعرى عن المجاراة ، بل هو مستصحبها في حالة تذكيره وتأنيثه ؛ لأنّ تأنيثه بالتاء ، وهي في نية الانفصال ، ولزم من تقييد اسم الفاعل بكونه (صفة جارية) خروج أمثلة المبالغة ولم يكن في ذلك ضمير ؛ لأنّ اسم الفاعل غيرها ، وجريانها في العمل مجراه سينبّه عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.

ولمّا كمل الكلام على حدّ اسم الفاعل نبهت على كيفية صوغه من الأفعال :

فأعلمت أنه من الثلاثي المجرّد (٤) على زنة «فاعل» كـ : ضارب ، وشارب ، ومن ـ

__________________

(١) فضامر الكشح من الصفة المشبهة ، وإن كان لفظ «ضامر» اسم فاعل ، «والكشح» : مثال فلس ـ أي بفتح الكاف ، وإسكان الشين المعجمة ـ ما بين الخاصرتين إلى الضلع الخلفي.

ينظر : المصباح المنير مادة «كشح» ، والمساعد لابن عقيل (٢ / ١٨٨) تحقيق د / بركات.

(٢) في مختار الصحاح مادة «هيف» (الهيف : ضمور البطن والخاصرة ورجل أهيف ، وامرأة هيفاء) ا ه.

(٣) في المساعد لابن عقيل (٢ / ١٨٨) تحقيق د / بركات : (فخرج باب ضامر الكشح ، ومنطلق اللسان ، فلا ينوى به استقبال ، ولا مضي بل المراد معنى ثابت ، ولذا أضيف إلى الفاعل معنى ، كالصفة التي لا تجري على المضارع ، فيقال : ضامر الكشح ، كما يقال : لطيف الكشح) اه.

(٤) يعني : المجرد من حروف الزيادة.

١٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

غيره على زنة المضارع ، بكسر ما قبل الآخر ، وزيادة ميم مضمومة ، موضع حرف المضارعة ، كـ : مكرم ، ومعلّم ، ومتعلّم ، ومستخرج ، ومدحرج ، ومطمئن ، ومحرنجم ، قالوا : أنتن الشيء فهو منتن ، على القياس ، وقالوا ـ أيضا ـ : منتن ؛ بإتباع الميم العين ، ومنتن (١) ؛ بإتباع العين الميم (٢) ، وإليهما أشرت بقولي : (وربما كسرت في (مفعل) أو ضمّت عينه ، ومثل «منتن» قولهم في «المغيرة» (٣) : «مغيرة» (٤) ، ثمّ قلت : وربّما ضمّت عين «منفعل» مرفوعا ، فأشرت بذلك إلى قولهم : هو منحدر ، بضمّ الدال ، إتباعا للراء ، حكاه أبو الفتح بن جنّي وغيره (٥).

ثم قلت : وربّما استغنى عن «فاعل» بـ «مفعل» وعن «مفعل» بـ «مفعول» فيما له فعل ثلاثي ، فأشرت بالأول إلى «حبّ» فهو محبّ ، ولم يقولوا : حابّ ، وأشرت بالثاني إلى قولهم : أحزنه الأمر ، فهو محزون ، فأغناهم عن محزن ، وكذا : أحبّه ، فهو محبوب ، أغناهم عن محبّ ، وندر قول عنترة :

٢١٤٦ ـ ولقد نزلت فلا تظنّي غيره

منّي بمنزلة المحبّ المكرم (٦)

وأشرت بقولي : (فيما له فعل ثلاثي) إلى قول الشّاعر :

٢١٤٧ ـ معي ردينيّ أقوام أذود به

عن عرضهم وفريصي غير مرعود (٧)

__________________

(١) لمراجعة ما ورد في «منتن» ينظر : كتاب «ليس في كلام العرب» لابن خالويه (ص ١٣) ، والمخصص لابن سيده (١٤ / ١٤) ، والمساعد لابن عقيل (٢ / ١٨٩) تحقيق د / بركات.

(٢) يعني : كسرت الميم. ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٧٧٦).

(٣ و ٤) في الأصل : (المفسرة ، مغرة) والصواب ما أثبته.

(٥) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٧٧٧) ولمراجعة ما حكاه ابن جني ينظر : الخصائص (٢ / ٣٣٦) وفيه : (ومن حركات الإتباع قولهم : أنا أجؤك وأنبؤك وهو منحدر من الجبل ، ومنتن ومغيرة) ا ه.

(٦) هذا البيت من بحر الكامل ، وعنترة شاعر جاهلي ، تنظر ترجمته في الشعر والشعراء (١ / ٢٥٦).

والشاهد في البيت قوله : «المحبّ» فإنه اسم مفعول ، جاء على الأصل ، من أحب ، وأحببت ، والكثير عند العرب هو محبوب حيث أغناهم عن محبّ.

وفي الدرر اللوامع (١ / ١٣٤): (قال الكسائي : محبوب من حببت ، وكأنها لغة قد ماتت ، أي تركت) ا ه.

ينظر الشاهد أيضا في : ديوان عنترة (ص ١١٩) ، والأغاني (٨ / ١٢٩) ، والخصائص (٢ / ١٦) ، ودرة الغواص (ص ١٣) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٧٧٧).

(٧) هذا البيت من البسيط ، وقائله الشماخ بن ضرار الذبياني ، من قصيدة يهجو فيها الربيع بن علياء ، والبيت في ديوان الشماخ (ص ١١٩).

١٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ولم يقولوا : رعدت الفرائص ، وإنّما قالوا أرعدت ، ومثل «مرعود» بمعنى «مرعد» قولهم : مرقوق (١) بمعنى «مرقّ».

وأمّا قولي : وعن «مفعل» بـ «فاعل» ونحوه أو بـ «مفعل» ، فأشرت [٣ / ١٣٧] به إلى قولهم : أيفع الغلام إذا شبّ ؛ فهو يافع ، وأورس الزمت ـ وهو شجر ـ إذا اصفرّ ؛ فهو وارس ، وأقرب القوم ؛ فهم قاربون ، إذا كانت إبلهم قوارب ، ولا يقال : مقربون.

وأشرت بقولي : ونحوه إلى قولهم : أعقّت الفرس فهي عقوق ، إذا حملت ، وأحصرت الناقة إذا ضاق مجرى لبنها ، فهي حصور ، وأشرت بقولي : أو بـ «مفعل» إلى قولهم : أسهب الرجل في الكلام ، إذا أكثر ، فهو مسهب ، كذا إذا ذهب عقله من لدغ الحية ، وألفج الرجل إذا ذهب ماله ، فهو ملفج (٢) ، وقيل أيضا : يفع ، ودرس ، وعقت ، وحصرت ، وأسهب اللديغ ، وألفج ذو المال (٣) ، فاستغني باسم فاعل الثلاثي عن اسم فاعل الرباعي ، وبالمبني على أسهب اللديغ ، وألفج ذو المال عن المبني على أسهب وألفج ، ولم يرد في «أسهب» إلا فعل الفاعل ، هذا إذا كان بمعنى أكثر الكلام (٤) ، فأمّا «أسهب» بمعنى فصح (٥) وبمعنى بلغ الرّجل في حفره ، وبمعنى أكثر العطاء (٦) ، وبمعنى تغيّر وجهه (٧) ، وبمعنى نزل السهب ، أي : المكان السهل (٨) ، فاسم الفاعل الوصف منه بكسر الهاء على القياس ، وكذا من : أسهب الفرس ، إذا كان سابقا. ـ

__________________

اللغة : فريصي : من الفريصة ، وهي مضغة لحم ، عند منبض القلب ، أو بين الثدي والكتف ، وهما فريصتان ترتعدان عند الفزع.

والشاهد فيه قوله : «مرعود» ؛ فإنه اسم مفعول على غير قياس ؛ لأنه من قولهم : أرعدت فرائصه.

ينظر الشاهد أيضا في : التذييل والتكميل (٤ / ٧٧٧) رسالة.

(١) في التذييل والتكميل (٤ / ٧٧٧): (قولهم : مرقوق من أرقه ، أي : ملكه) اه.

(٢) ينظر هذا في : كتاب «ليس في كلام العرب» لابن خالويه (ص ٥).

(٣) ألفج الرجل : ذهب ماله ، فهو ملفج ، ينظر : المساعد لابن عقيل (٢ / ١٩٠) تحقيق د / بركات.

(٤) ينظر : المرجع السابق ، الصفحة نفسها ، والتذييل والتكميل (٤ / ٧٧٨).

(٥) في اللسان مادة «سهب» : حضر القوم حتى أسهبوا ، أي : بلغوا الرحل.

(٦) ينظر هذا المعنى في : المخصص (١٤ / ٢٥٧) ، واللسان والقاموس مادة «سهب».

(٧) في اللسان مادة «سهب» والمسهب : المتغير اللون من حب أو فزع.

(٨) ينظر التذييل والتكميل (٤ / ٧٧٩).

١٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وحكى ابن سيده (١) أنه يقال : عمّ الرجل بمعروفه ، ولمّ متاع القوم فهو معمّ ، وملمّ ولم يقل بهذا المعنى عامّ ، ولا : لامّ ، ولا نظير لهما (٢) ، وإليهما أشرت بقولي : وعن «فاعل» بـ «مفعل» أو «مفعل» ، ثم قلت : (وربما خلف «فاعل» «مفعولا» ، و «مفعول» «فاعلا») فأشرت بالأول إلى نحو : كاس ، بمعنى مكسو ، وبالثاني إلى قولهم : قطّ السعر (٣) فهو مقطوط ، إذا غلا ، ولم يقولوا : قاطّ ، ذكره ابن سيده ، وهو نادر بمعنى مكسوّ.

وممّا خلف فيه فاعل مفعولا قول الشّاعر :

٢١٤٨ ـ لقد عيّل الأيتام طعنة ناشره

أناشر لا زالت يمينك آشره (٤)

أي : مأشورة ، والمأشورة : المقطوعة بمئشار (٥) ، والله تعالى أعلم.

هذا كلام المصنف (٦) ، وقد استفيد من قوله ـ في حدّ اسم الفاعل ـ : لمعناه ـ

__________________

(١) هو أبو الحسن علي بن إسماعيل الأندلسي المعروف بابن سيده صاحب المحكم والمخصص ، توفي سنة (٤٥٨ ه‍) سبقت ترجمته.

(٢) حكاية ابن سيده هذه في المحكم والمحيط الأعظم (١ / ٥٢) ط. مصطفى الحلبي (١٣٧٧ ه‍ ١٩٥٨ م): (ورجل معم ومعم كثير الأعمام) وفي (١ / ٥٤): (ورجل معم ، يعم القوم بخبره ، ورجل معم : يعم الناس بمعروفه ، أي : يجمعهم ، وكذلك : ملم ، يلمهم ، أي : يجمعهم ، ولا يكاد يوجد : فعل فهو مفعل غيرهما) اه وينظر : المساعد لابن عقيل (٢ / ١٩٠).

(٣) في الأصل «الشعر» بالشين المعجمة وهو تصحيف لا يستقيم معه المعنى ، والصواب : «السعر» ، بالسين المهملة ، كما أثبته ، وفي اللسان مادة «قطط» : (وشعر قط ، وقطط : جعد قصير ، ورجل قط الشعر وقططه ... وقط السعر : بالسين المهملة يقط بالكسر قطّا ، وقطوطا ، فهو قاط ، ومقطوط ، بمعنى فاعل : غلا ، ثم نقل عن الفراء قوله : سعر مقطوط ، وقد قط ، إذا غلا) ا ه.

وفي المحكم لابن سيده (٦ / ٧١) : مادة «قطط» : (قط السعر يقط قططا فهو قاط ومقطوط ، مفعول بمعنى فاعل : غلا) ا ه.

(٤) هذا البيت من الطويل ، وقائله : باكي همام بن مرة بن ذهل من بكر ، كما في الأغاني (٤ / ١٤٣) ، ونسب لأم همام ، فهي التي بكته ، حينما قتله ناشرة غدرا ، في حرب كانت بين بكر وتغلب.

اللغة : أناشر : هو ناشرة ، المذكور في صدر البيت ، ورخم بحذف التاء ، ترخيم المنادى.

والشاهد فيه قوله : «آشره» ؛ حيث استشهد به على مجيء فاعل بمعنى مفعول.

ينظر الشاهد في : الخصائص (١ / ١٥٢) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٧٧٩) ، وشرح المفصل لابن يعيش (٢ / ٨١) ، والمساعد لابن عقيل (٢ / ١٩٠) تحقيق د / بركات.

(٥) ينظر التذييل والتكميل (٤ / ٧٧٩).

(٦) شرح المصنف (٣ / ٧٢).

١٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أو معنى الماضي ما أراده غيره بقوله : إنّ اسم الفاعل العامل هو المذهوب به مذهب الزّمان ، فإنّ الذي لا يذهب به مذهبه يجري مجرى الأسماء الجامدة ، فلا يعمل أصلا ، نحو قول الحطيئة :

٢١٤٩ ـ ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة

فاغفر عليك سلام الله يا عمر (١)

فلم يرد بـ «كاسبهم» أنه كسب لهم ، ولا أنّه يكسب لهم في حال ولا استقبال ؛ فصار «كاسب» في البيت بمنزلة «والد» (٢) ، كأنّه قال : ألقيت والدهم ، فـ «والد» لا يعمل ، كما لا يعمل «أب» فكذلك «كاسبهم» إذا أريد به هذا المعنى ، وكذا يستفاد من قولي : (جارية في التذكير والتأنيث على المضارع من أفعالها) أنّ اسم الفاعل إذا لم يكن بهذه الصفة لا يعمل ، فلا يجوز أن يقال : هذه امرأة مرضع ولدها ؛ لأن اسم الفاعل ـ إذ ذاك ـ لا يذهب به مذهب الفعل ، بل مذهب السبب ، فمعنى «مرضع» : ذات إرضاع ، ولو ذهب به مذهب الفعل لم يكن بدّ من التاء ، كما قال :

٢١٥٠ ـ كمرضعة أولاد أخرى ..

 ... البيت (٣)

__________________

(١) البيت من البسيط ، وقائله : الحطيئة ، الشاعر المشهور ، من أبيات قالها لعمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه حينما سجنه ، إثر هجائه الزبرقان ، واستعداء الزبرقان عمر بن الخطاب على الحطيئة.

ومعنى البيت : إنك ألقيت كاسب الأولاد وأباهم في سجن مظلم ، وكانت السجون قبل آبارا.

والشاهد فيه : على ما ذكره الشارح. ينظر : ديوان الحطيئة (ص ١٦٤) ط. المؤسسة العربية بيروت.

(٢) في المساعد لابن عقيل (٢ / ١٩١) تحقيق د / بركات : (وأثبت بعضهم في «كاس» كونه بمعنى «مكسو» ، والأصح أنه اسم فاعل) اه.

(٣) هذا جزء بيت من الطويل ، وهو بتمامه :

كمرضعة أولاد أخرى وضيّعت

بني بطنها هذا الضلال عن القصد

وقائله : العديل بن الفرح العجلي ، كما نسبه أبو تمام في الحماسة (١ / ٣١٢) ، والعديل : شاعر إسلامي ، عاش في العهد الأموي ، من رهط أبي النجم العجلي.

اللغة : القصد : الصواب ، والمعنى : من قاطع أصدقاءه صار كمرضعة ضلت الصواب ، فأرضعت أولاد غيرها ، وتركت أولادها.

والشاهد فيه قوله : «كمرضعة أولاد أخرى» ؛ حيث عمل اسم الفاعل «مرضعة» في «أولاد» ؛ حيث أجري «مرضع» مجرى الفعل في تأنيثه ، وذهب به مذهب الفعل.

ينظر الشاهد في : التذييل والتكميل (٤ / ٧٨٣) ، ومنهج السالك (ص ٣٢٨).

١١٠

[عمل اسم الفاعل غير المصغر والموصوف عمل فعله

قد يحول «فاعل» للمبالغة إلى الأمثلة الخمسة]

قال ابن مالك : (فصل : يعمل اسم الفاعل غير المصغّر والموصوف خلافا للكسائي ، مفردا وغير مفرد ، عمل فعله مطلقا ، وكذا إن حوّل للمبالغة من «فاعل» إلى «فعّال» أو «فعول» أو «مفعال» خلافا للكوفيّين ، وربّما عمل محوّلا إلى «فعيل» أو «فعل» وربّما وربّما بني «فعّال» و «مفعال» و «فعيل» و «فعول» من «أفعل» ، ولا يعمل غير المعتمد على صاحب مذكور أو منويّ ، أو على نفي صريح أو مؤوّل ، أو استفهام موجود أو مقدّر ، ولا الماضي غير الموصول به «أل» أو محكيّ به الحال خلافا للكسائيّ ، بل يدلّ على فعل ناصب لما يقع بعده من مفعول به يتوهّم أنّه معموله ، وليس نصب ما بعد المقرون بـ «أل» مخصوصا بالمضيّ ، خلافا للرّمّاني ومن وافقه ، ولا على التّشبيه بالمفعول به ، خلافا للأخفش ، ولا بفعل مضمر خلافا لقوم).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : قال المصنف (١) : قد تقدم أنّ اسم الفاعل هو الصفة الدالة على «فاعل» جارية في التذكير والتأنيث على المضارع ، وشرح ذلك ببيان (تامّ) (٢) ، ثم أشير ـ بعد ذلك ـ إلى عمله ، ليعلم أنّه يعمل عمل فعله ، إن أريد به الحال والاستقبال واعتمد على صاحب مذكور ، نحو : زيد مكرم رجلا طالبا العلم ، محققا معناه (٣) ، أو على صاحب منويّ كقول الشاعر :

٢١٥١ ـ وما كلّ ذي لبّ بمؤتيك نصحه

وما كلّ مؤت نصحه بلبيب (٤)

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل (٣ / ٧٣).

(٢) زيدت كلمة «تام» ليستقيم المعنى ، وهي في شرح المصنف (٣ / ٧٣).

(٣) قال ناظر الجيش في الهامش : «هذا المثال الذي مثل به غاية الحسن ؛ لأنه اشتمل على ما يقع خبرا وصفة ، وحالا ، يعني تمثيل المصنف بقوله : «زيد مكرم رجلا ، طالبا العلم محققا معناه».

(٤) البيت من الطويل ، وقائله : أبو الأسود الدؤلي ، ونسب إليه ، ولبشار بن برد في رسالة الغفران ، لأبي العلاء (ص ١٤٠) ط. هندية بالأزبكية (١٣٢١ ه‍).

والمعنى : ينبغي للعاقل أن يرتاد موضعا مستحقّا للنصحية.

والشاهد في البيت : اعتماد اسم الفاعل على الوصف المقدر ، مما يسوغ عمله.

والتقدير : ما كلّ رجل مؤت نصحه ، وبهذا المثال ساغ عمل اسم الفاعل ، فنصب المفعول به.

١١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وكقول الآخر :

٢١٥٢ ـ إنّي حلفت برافعين أكفّهم

بين الحطيم وبين حوضي زمزم (١)

وكقول الآخر :

٢١٥٣ ـ وكم مالئ عينيه من شيء غيره

إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمي (٢)

ويروى : «ومن مالئ».

وكقول الآخر :

٢١٥٤ ـ إنّ النّدى وأبا العبّاس فارتحلوا

مثل الفرات إذا ما موجه زخرا

إن تبلغوه تكونوا مثل منتجع

غيثا يمجّ ثراه الماء والزّهرا (٣)

أو على نفي صريح كقول الشّاعر :

٢١٥٥ ـ ما راع الخلّان ذمّة ناكث

بل من وفى يجد الخليل خليلا (٤)

__________________

ينظر الشاهد في : ديوان أبي الأسود الدؤلي (ص ١٩٩) ، والمؤتلف للآمدي (ص ٢٢٤) ، وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (٢ / ٢٧٣).

(١) البيت من الكامل ، وقائله : الفرزدق ، قاله للأسود بن الهيثم النخعي أبي العريان ، صاحب شرطة خالد بن عبد الله القسري ، وقيل : إنه قالها يمدح بها قيس بن الهيثم ، صاحب خراسان.

والشاهد فيه قوله : «برافعين أكفهم» ؛ حيث أعمل اسم الفاعل «رافعين» فنصب «أكفهم» لكونه معتمدا على موصوف محذوف ؛ إذ التقدير : حلفت برجال رافعين أكفهم ، والمحذوف المدلول عليه كالمذكور.

ينظر الشاهد في : ديوان الفرزدق (٢ / ٢٠٤) ، ومنهج السالك (ص ٣٣٠) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٨٠١) ، وقطر الندى (ص ٢٧٢).

(٢) سبق تخريجه في باب «كم وكأين وكذا».

والشاهد فيه هنا قوله : «وكم مالئ عينيه» ؛ حيث أعمل اسم الفاعل «مالئ» في «عينيه» لأنه نعت.

(٣) البيتان من البسيط وهما للفرزدق ، يمدح العباس بن الوليد بن عبد الملك ، المكنى بأبي الحارث ، ورواية الديوان : ويد العباس.

والشاهد فيه قوله : «منتجع غيثا» ؛ حيث أعمل اسم الفاعل «منتجع» هنا ، فنصب «غيثا» وساغ ذلك لأنه صفة لمحذوف مدلول عليه فهو كالمذكور.

ينظر الشاهد في : ديوان الفرزدق (١ / ٣٤١) ، ومنهج السالك (ص ٣٣٠) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٨٠٢).

(٤) هذا البيت من الكامل ، ولم ينسب لقائل معين.

والشاهد فيه قوله : «ما راع الخلان ذمة ناكث» ؛ حيث أعمل اسم الفاعل ، وهو قوله : «راع» في

١١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أو على نفي مؤوّل كقوله :

٢١٥٦ ـ وإنّ امرأ لم يعن إلّا بصالح

لغير مهين نفسه بالمطامع (١)

وعلى استفهام موجود كقول الشّاعر :

٢١٥٧ ـ أناو رجالك قتل امرئ

من العزّ في حبّك اعتاض ذلّا (٢)

أو على استفهام مقدّر كقوله :

٢١٥٨ ـ ليت شعري مقيم العذر قومي

لي أم هم في الحبّ لي عاذلونا (٣)

ولا يعمل اسم الفاعل ، إذا لم يقصد به معنى الفعل (٤) كـ «صاحب» في أكثر ـ

__________________

المفعول به الذي هو قوله : «ذمة ناكث» بعد أن رفع الفاعل المغني عن الخبر ، وإنما أعمل اسم الفاعل في المفعول به ؛ لكونه معتمدا على حرف النفي ، وهو «ما».

ينظر الشاهد في : التذييل والتكميل (٤ / ٨٠٢) ، وشرح شذور الذهب بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (ص ٣٨٨).

(١) البيت من الطويل ، ولم ينسب لقائل معين.

والشاهد فيه قوله : «لغير مهين نفسه بالمطامع» ؛ حيث أعمل اسم الفاعل «مهين» فنصب المفعول به «نفسه» ؛ لأنه مؤول بالنفي الصريح.

ينظر الشاهد في : منهج السالك (ص ٣٢٧) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٨٠٣) ، وشرح التسهيل للمرادي (١٩٨ / أ) ، والمساعد لابن عقيل (١٥٠ / أ).

(٢) البيت من المتقارب ، ولم ينسب لقائل معين. وقيل : هو لسيدنا حسان بن ثابت ، وليس في ديوانه ، وقد ذكر ذلك في هامش شذور الذهب (ص ٣٨٩) ، وقال : (لأنه قد صار إلى حالة الذل لا تظهر عليه مسحة شعر حسان رضي الله تعالى عنه) ا ه.

والشاهد في البيت : إعمال اسم الفاعل قد اعتمد على حرف الاستفهام.

ينظر الشاهد في : شرح المصنف (٣ / ٧٣) ، ومنهج السالك (ص ٣٢٦) ، وشواهد العيني (٣ / ٥٦٦) ، والهمع (٢ / ٩٥) ، والدرر (٢ / ١٢٨).

(٣) البيت من الخفيف ، ولم ينسب لقائل معين.

اللغة : ليت شعري : ليت علمي حاصل.

والشاهد فيه قوله : «مقيم العذر قومي لي» ؛ حيث أعمل اسم الفاعل ، وهو قوله : «مقيم» فرفع الفاعل ، وهو «قومي» ونصب المفعول به ، وهو «العذر» لكونه معتمدا على همزة الاستفهام المحذوفة.

والتقدير : أمقيم العذر. ينظر الشاهد في : شرح المصنف (٣ / ٧٤) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٨٠٣) ، والهمع (٢ / ٩٥) ، والدرر (٢ / ١٢٨).

(٤) في شرح فصول ابن معط (١ / ٣٥٠) رسالة : (وإنما عمل ـ يعني اسم الفاعل ـ عمل الفعل ؛

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستعمال ؛ لعدم الاعتماد على صاحب مذكور ، أو منويّ ، ولا إذا صغّر أو وصف ، أو قصد به المضي ، ولم يوصل به الألف واللام ، ولا حكيت به حال [٣ / ١٣٨] فلا يقال : هذا ضويرب زيدا ، ولا : هذا ضارب عنيف زيدا ، ولا : هذا ضارب أمس زيدا ، لا اليوم ، وإنّما امتنع العمل بالتصغير والوصف ؛ لأنّهما من خصائص الأسماء ، فيزيلان شبه الفعل معنى ولفظا.

ولم ير الكسائيّ ذلك مانعا ؛ لأنّه حكى عن بعض العرب : أظنّني مرتحلا وسويئرا فرسخا ، وأجاز أن يقال : أنا زيدا ضارب ، أي ضارب (١) ، ولا حجة فيما حكاه ، لأنّ فرسخا ظرف ، والظرف يعمل فيه رائحة الفعل ، وأما إجازته : أنا زيدا ضارب ، أيّ ضارب ؛ فلا حجة فيه ؛ لأنّه لم يقل : سمعته عن العرب ، بل ذكره تمثيلا ، ولو رواه عن العرب لم يكن فيه حجّة ؛ لأنّه كان يحمل على أنّ «زيدا» منصوب بـ «ضارب» و «ضارب» خبر «أنا» ، وأي ضارب خبر ثان ، وهذا توجيه سهل موافق للأصول المجمع عليها ، فلا يعدل عنه ، وقد احتجّ الكسائي بقول الشاعر :

٢١٥٩ ـ إذا فاقد خطباء فرخين رجّعت

ذكرت سليمى في الخليط المزايل (٢)

ولا حجّة في هذا أيضا ؛ لإمكان تخريجه على جعل «فرخين» منصوبا ـ

__________________

لشبهه بالفعل المضارع في اللفظ والمعنى ، أما اللفظ فلأن كل واحد منهما في الغالب على عدة حروف الآخر ، وكل منهما متحرك الأول ساكن الثاني ، وأما المعنى فلاشتراكهما في وقوعهما نعتا ، وحالا ، وفي لحوق حروف التثنية والجمع لهما ، واتصال الظروف بهما ، ودخول لام الابتداء عليهما) ا ه.

وفيه أيضا : (فإن كان للمضي لم يعمل فلا تقول : مررت بضارب زيدا أمس ؛ لأنه إنما عمل لما ذكرناه من الشبه بينه وبين المضارع ، وأما الماضي ، فلم تقو مشابهته له ، فلا يعمل إذا كان بمعناه) ا ه.

(١) ينظر مذهب الكسائي في : التذييل والتكميل (٤ / ٨٠٦).

(٢) هذا البيت من الطويل ، ونسبه العيني لبشر بن أبي خازم ، ولم أجده في ديوانه ط. دمشق (١٩٦٠ م) تحقيق د / عزة حسن ، وروي «المباين» في التذييل (٤ / ٧٨٢).

اللغة : إذا فاقد : أي إذا رجعت امرأة فاقد ، وهي التي تفقد ولدها ، خطباء : بينة الخطب ، أي : الكرب ، فرخين : ولدين ، رجعت : قالت : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) ، والخليط : المخالط.

والشاهد في البيت قوله : «فاقد خطباء فرخين» ؛ حيث استدل به الكسائي على جواز إعمال اسم الفاعل الموصوف ؛ إذ «فرخين» معمول لفاقد بعد ما وصف بـ «خطباء».

ينظر الشاهد في : المقرب (١ / ١٢٤) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٧٨٢) ، ومنهج السالك (ص ٣٢٨) ، اللسان مادة «فقد» وهو عنده «في الخليط المباين».

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بـ «رجّعت» على إسقاط حرف الجرّ ، وأصله : رجّعت على فرخين ، فحذف «على» وتعدّى الفعل بنفسه فنصب ، ويجوز نصب «فرخين» بـ «فقدت» مقدرا (١) ، مدلولا عليه باسم الفاعل الموصوف ، فإنّ ما لا يعمل يجوز أن يدلّ على ما يعمل.

وقد يحتجّ الكسائيّ أيضا بقول الشاعر :

٢١٦٠ ـ وقائلة تخشى عليّ : أظنّه

سيودي به ترحاله ومذاهبه (٢)

فإنّ «تخشى» صفة «قائلة» وقد وقعت قبل المقول ، الذي هو «أظنّه» والجواب أن يقال : إنّ «أظنّه» محكيّ بـ «قالت» أو «تقول» ، مقدرا ، فبطل الاحتجاج (٣).

ووافق (٤) بعض أصحابنا الكسائيّ في إعمال الموصوف قبل الصفة ؛ لأنّ ضعفه يحصل بعد ذكرها ، لا قبله ، فأجاز : أنا زيدا ضارب أيّ ضارب ، ومنع : أنا ضارب ، أي ضارب زيدا ، واستدلّ صاحب هذا الرأي بقول الشاعر :

٢١٦١ ـ وولّى كشؤبوب العشيّ بوابل

ويخرجن من جعد ثراه منصّب (٥)

فرفع «ثراه» بـ «جعد» ثم نعته بـ (منصّب) (٦). ـ

__________________

(١) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٧٨٣).

(٢) هذا البيت من الطويل ، وقائله : ذو الرمة ، غيلان بن عقبة ، صاحب مية. والبيت في ديوانه (٢ / ٨٥٨).

اللغة : سيودي به : سيهلكه.

والشاهد في البيت : «وقائلة تخشى عليّ أظنه» فإن «أظنه» معمول لـ «قائلة» مع وصفه «تخشى عليّ».

ينظر الشاهد أيضا في : منهج السالك (ص ٣٢٨) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٧٨٢) ، وحاشية الأمير على اللبيب (٢ / ٧٤).

(٣) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٧٨٤).

(٤) الكلام الآتي ـ إلى قوله : «منصب» ـ في التذييل والتكميل (٤ / ٧٨٤) منسوبا إلى المصنف ، ولكنه غير موجود في شرحه ، وهذا الكلام أيضا في تعليق الفرائد للدماميني (٣ / ٦) ، وتوضيح المقاصد للمرادي (٣ / ١٧).

(٥) البيت من الطويل ، وقائله : امرؤ القيس ، من قصيدة أولها :

خليليّ مرّا بي على أمّ جندب

نقض لبانات الفؤاد المعذب

وبيت الشاهد في ديوانه (ص ٦٩).

والشاهد في البيت قوله : «جعد ثراه منصب» ؛ حيث أعمل اسم الفاعل الموصوف ، قبل استكماله الصفة.

ينظر الشاهد أيضا في : التذييل والتكميل (٤ / ٧٨٤) ، والهمع (٢ / ٩٦) ، والدرر (٢ / ١٢٩).

(٦) في الأصل : منصف ، والصحيح ما أثبته.

١١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وأجاز الكسائيّ أيضا إعمال اسم الفاعل المقصود به المضي ، مع كونه عاريا من الألف واللّام ، ومذهبه في هذه المسألة ضعيف ؛ لأنّ اسم الفاعل الذي يراد به المضيّ لا يشبه الفعل الماضي إلا من قبيل المعنى ، فلا يعطى ما أعطي المشابه لفظا ومعنى ، أعني الذي يراد به معنى المضارع ، كما لم يعط الاسم من منع الصرف بعلة واحدة ما أعطي ذو العلتين ، وأيضا فإنّ الفعل المضارع محمول على اسم الفاعل في الإعراب فحمل اسم الفاعل عليه في العمل ، ولم يحمل الفعل الماضي على اسم الفاعل في إعراب فلم يحمل اسم الفاعل عليه في العمل (١).

قال سيبويه : وإذا أخبر أنّ الفعل قد وقع وانقطع ، فهو بغير التنوين البتة ؛ لأنه إنما أجري مجرى الفعل المضارع له ، كما أشبهه الفعل المضارع في الإعراب ، فكلّ واحد منهما داخل على صاحبه (٢) ، هذا نصّه ، قلت (٣) : فالمسوي في العمل بين اسم الفاعل المقصود به معنى الماضي ، وبين اسم الفاعل المقصود به معنى المضارع كالمسوي بين الفعل الماضي والفعل المضارع في الإعراب وهذا لا يصحّ ، فلا يصحّ ما هو بمنزلته ، فإن وقع الذي بمعنى الماضي صلة للألف واللام استوى هو والذي بمعنى المضارع في استحقاق العمل ؛ لأنّه وقع موقعا يجب تأويله فيه بالفعل ، كما يجل تأول الألف واللام بالذي ، أو أحد فروعه ، فقام تأويله بالفعل مقام ما فاته من الشبه اللفظي ، كما قام لزوم التأنيث في المؤنث بالألف ، وعدم التكسير (٤) في الجمع مقام سبب ثان ، في منع الصّرف ، وإذا كان في وقوع الذي بمعنى الماضي صلة تصحيح لعمله ، بعد أن لم يكن عاملا ؛ كان في وقوع الذي بمعنى المضارع صلة توكيد لاستحقاق ما كان له من العمل.

والحاصل : أنّ اسم الفاعل الموصول به الألف واللام يعمل في المضيّ ، والحضور ، والاستقبال ، وقد ظنّ قوم منهم الرماني (٥) أنّه لا يعمل إلا في الماضي ، وحملهم على ـ

__________________

(١) من قوله : «وأجاز الكسائي» إلى هنا في شرح المصنف (٣ / ٧٥).

وينظر : شرح فصول ابن معط للقاضي الخوي (١ / ٣٥٠) ، وقد سبق نقل كلامه.

(٢) ينظر : الكتاب (١ / ١٧١) تحقيق هارون.

(٣) القائل هو : ابن مالك ، في شرحه على التسهيل.

(٤) في المرجع السابق «النظير» بدل «التكسير» وما هنا أدق وأنسب.

(٥) يراجع مذهب الرماني ومن معه ، في الكتاب (١ / ١٢٧) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٨١٨).

١١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك أنّ سيبويه ـ حين ذكر إعمال اسم الفاعل المقرون بالألف واللام لم يقدره إلا بالذي فعل ، فقال : هذا (١) باب من الاستفهام ، يكون فيه الاسم رفعا ـ : وممّا لا يكون فيه إلا الرفع : أعبد الله أنت الضاربه؟ (٢) لأنك إنما تريد معنى : أنت الذي ضربه (٣).

وقال (٤) ـ بعد هذا الباب بأبواب يسيرة ـ : هذا باب صار فيه الفاعل بمنزلة الذي فعل في المعنى (٥) ، ثمّ قال بعد ذلك : قولك : هذا الضارب زيدا ، فصار في معنى : هذا الذي ضرب زيدا ، وعمل عمله (٦) ، هذا نصّه ، ثم تمادى على مثل هذا في جميع الباب ، ولم يتعرّض للذي بمعنى المضارع ؛ لأنّه قد صحّ له العمل دون الألف واللّام ، فعمله عند اقترانه بهما ، على معنى الذي أحقّ وأولى ، للعلّة السابق ذكرها ، ولو لم يكن إعمال الذي بمعنى المضارع مسموعا عند وصل الألف واللّام ، لوجب الحكم بجوازه ؛ للأولوية المشار إليها ، فكيف وقد ثبت إعماله في القرآن العزيز وغيره؟.

فمن إعماله في القرآن العزيز قوله تعالى : (وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ)(٧) ، ومن إعماله في غير القرآن قول الشاعر :

٢١٦٢ ـ فبتّ والهمّ تغشاني طوارقه

منّ خوف رحلة بين الظّاعنين غدا (٨)

ومنه قول عمرو بن كلثوم [٣ / ١٣٩] :

٢١٦٣ ـ وأنّا المنعمون إذا قدرنا

وأنّا المهلكون إذا أتينا

وأنّا الشّاربون الماء صفوا

ويشرب غيرنا كدرا وطينا (٩)

__________________

(١) في الأصل : (في) بدل (هذا) والصواب ما أثبته.

(٢) في الأصل (الضارب) والصواب ما أثبته.

(٣) انتهى النقل من كتاب سيبويه ، وهو بنصه في (١ / ١٣٠).

(٤) أي : قال سيبويه.

(٥) ينظر : الكتاب (١ / ١٨١).

(٦) المرجع السابق (١ / ١٨١ ، ١٨٢).

(٧) سورة الأحزاب : ٣٥.

(٨) البيت من بحر البسيط ، ولم ينسب لقائل معين.

والشاهد فيه قوله : «الظاعنين غدا» استشهد به على إعمال اسم الفاعل ، الواقع صلة لـ «أل» حالة كونه دالّا على الاستقبال ، وفي هذا رد على الرماني ، ومن معه ، لقولهم : إنه لا يعمل في هذه الحالة إلا إذا كان للماضي.

(٩) هذان البيتان من الوافر ، وقائلهما ـ كما ذكر الشارح ـ عمرو بن كلثوم التغلبي ، من بني عتاب ، وهو جاهلي قديم. تنظر ترجمته في : الشعر والشعراء (١ / ٢٤٠) ، وخزانة الأدب (٣ / ١٨٣).

١١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنه قول الآخر :

٢١٦٤ ـ إذا كنت معنيّا بمجد وسؤدد

فلا تك إلّا المجمل القول والفعلا

ولا تلف إن أوذيت يوما مكافئا

فمن كافأ الباغين لم يكمل الفضلا (١)

ومذهب الأخفش أن النصب بعد مصحوب «أل» ، على التشبيه بالمفعول به ، وأصحابه يقولون : إن قصد بـ «أل» العهد ، فالنصب على التشبيه بالمفعول ، وإن قصد معنى الذي فالنصب باسم الفاعل (٢) ، وقال قوم : النصب بفعل محذوف بعد ما قرن بـ «أل» من اسم فاعل ، أو مصدر ، وكلّ ذلك تكلف ، لا حاجة إليه ، وقد نبه على ذلك كله ، في متن الكتاب ، وإذا أضيف اسم الفاعل ، الذي بمعنى الماضي ، واقتضى بعد الإضافة ـ من جهة المعنى ـ مفعولا به ، جيء به منصوبا ، كقولك : هذا معطي زيد (أمس) (٣) درهما ، ونصبه عند الجمهور بفعل مقدر مدلول عليه باسم الفاعل ؛ لأنّ الدلالة يكتفى فيها بالمعنى المجرّد فأن يكتفى فيها بمعنى ولفظ يتضمن حروف المدلول عليه أحقّ وأولى.

وأجاز السيرافي نصبه باسم الفاعل ، وإن كان بمعنى الماضي (٤) ؛ لأنّه اكتسب ـ

__________________

والشاهد في قوله : «المنعمون إذا قدرنا ، المهلكون إذا أتينا» ؛ حيث أعمل اسم الفاعل المحلى بـ «أل» مع دلالته على الاستقبال.

ينظر الشاهد أيضا في : شرح معلقة ابن كلثوم (ص ١٠٨) ، تحقيق د / محمد إبراهيم البنا ، وجمهرة أشعار العرب (١ / ٣٦٣) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٨١٨).

(١) البيتان من الطويل ، ولم ينسب لقائل معين وكلمة الباغين رويت في الأصل : البالغين وهو خطأ.

والشاهد في قوله : «المجمل القول والفعلا» ؛ فقد استشهد به على إعمال اسم الفاعل الواقع صلة لـ «أل» حال كونه دالّا على الاستقبال ، كما في الشاهد الذي قبله.

ينظر الشاهد في : منهج السالك (ص ٣٣١) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٨١٨) ، والهمع (٢ / ٩٦) ، والدرر (٢ / ١٢٩).

(٢) لمراجعة مذهب أصحاب الأخفش ينظر : منهج السالك (ص ٣١٣) ، والمساعد لابن عقيل (٢ / ١٩٩) تحقيق د / بركات.

(٣) زدت كلمة «أمس» من شرح المصنف (٣ / ٧٨) ، ليستقيم الكلام ، ويصح المراد بذكرها.

(٤) في شرح السيرافي (٢ / ٥٨٦ ، ٥٨٧): (فإذا قلت : هذا معطي زيد درهما أمس ، وهذا ظان زيد منطلقا أمس ، فكثير من أصحابنا يزعمون أن الثاني منتصب بإضمار فعل آخر ، كأنه قال : هذا معطي زيد ، أعطاه درهما أمس ، وهذا ظان زيد ، ظنه منطلقا أمس ، والأجود عندي أن يكون منصوبا بهذا

١١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بالإضافة إلى الأول شبها بمصحوب الألف واللام ، ولأنّ ارتباطه بما يقتضيه لا بدّ منه ، والارتباط إما بالإضافة ، وإما بنصبه إياه ، امتنعت الإضافة ؛ لأنّ شيئا واحدا لا يضاف إلى شيئين ، فتعيّن الارتباط بنصبه إياه ، ونزّل هذا منزلة رفع «أفعل» التفضيل الظاهر في مسألة الكحل ، ونظائرها ، وإن كان أصله المنع ، وقوى أبو علي الشلوبين (١) مذهب السيرافي بقولهم : هو ظانّ زيد أمس فاضلا ، فإنّ «فاضلا» يتعين نصبه بـ «ظان» ؛ لأنّه إن أضمر له ناصب لزم حذف أول مفعوليه ، وثاني مفعولي «ظان» ، وذلك لا يجوز ؛ لامتناع الاقتصار على أحد مفعولي ظنّ ، والصحيح قول الجمهور والتعليل بشبه المضاف بذي الألف واللّام ضعيف ؛ لأنّ عمل ذي الألف واللّام إنما صحّ لوقوعه صلة ، ووجوب تأويله لذلك بفعل ، والمضاف بضد ذلك.

وأمّا الارتباط بزائد على المضاف إليه ، فيكفي فيه شعور الذهن به ، وأما : هو ظانّ زيدا أمس فاضلا ، فليس إلا حذف أول مفعولي «ظنّ» المدلول عليه بـ «ظان» ، وذلك شبيه بحذف ثاني مفعولي «ظنّ» المحذوف في : أزيدا ظننته فاضلا؟ (٢) ، وأمّا «ظان» فليست إضافته على نية العمل ، فيطلب مفعولا ثانيا ، ولكن إضافته كإضافة اسم جامد ، وكاستعماله غير مضاف في نحو ، هذا ظانّ أمس زيدا فاضلا ، على نصب زيد ، وفاضل بـ «ظنّ» مدلولا عليه باسم الفاعل فهذا وأمثاله لا خلاف في جوازه ، وبه يتخلص من إعمال اسم الفاعل الماضي ، غير موصول به الألف واللام ، ولا يمنع التثنية ، ولا الجمع مطلقا إعمال اسم الفاعل ، المستوفي شروط العمل ، ولا فرق في ذلك بين جمع التكسير ، وجمعي التصحيح ، فإن قيل : ـ

__________________

الفعل بعينه ؛ وذلك لأن الفعل الماضي فيه بعض المضارعة ، ولذلك بني على حركة ، فبذلك الجزء من المضارعة يعمل الاسم الجاري عليه عملا ما ، دون الاسم الجاري على الفعل المضارع ، فعمل في الاسم الثاني لما لم يمكن إضافته إليه ؛ لأنه لا يضاف إلى اسمين ، فأضيف إلى الاسم الذي قبله ، وصارت إضافته بمنزلة التنوين له ، وعمل في الباقي بما فيه من معنى الفعل والتنوين) ا ه.

(١) في التوطئة لأبي علي الشلوبين (ص ٢٤١ ، ٢٤٢): (وإذا وجهت الإضافة ، واتفق أن كان الفعل له أكثر من مفعول واحد ، وانتصب ما زاد على الواحد بإضمار فعل نحو : هذا معطي زيد درهما ، أن هذا مذهب الأكثر ، وأجاز بعضهم نصبه باسم الفاعل ، واحتج بقولهم هذا ظان زيد منطلقا أمس) انتهى.

ويراجع أيضا مذهب الشلوبين وأصحابه في التذييل والتكميل (٤ / ٨١٠ ، ٨١١) ومنهج السالك (ص ٣٢٨).

(٢) ينظر: شرح المصنف (٣/ ٧٣ ـ ٨٢) فقد نقل عنه ناظر الجيش هذا الموضوع كله حتى قوله : (هذا آخر كلام المصنف ، رحمه‌الله تعالى، وهو كلام شاف).

١١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

هلّا امتنع بجمع التكسير العمل ، كما امتنع بالتصغير ، لاستوائهما في تغيير نظم الواحد ، فالجواب : أنّ التصغير لم يمنع العمل ، لتغيير نظم الواحد فحسب ، بلّ لكونه مغيرا نظم الواحد ، ومحدثا فيه معنى غير لائق بالفعل وهو معنى الوصفية ، فإنّ معنى قولك : ضويرب : ضارب صغير ، والجمع ـ وإن غير نظم الواحد ـ ليس محدثا (١) في المجموع معنى لا يليق بالفعل ؛ لأن الجمع بمعنى العطف ، فإنّ معنى قولك : ضرّاب : ضارب ، وضارب ، وضارب والعطف لائق بالفعل ، فلذلك امتنع عمل اسم الفاعل بالتصغير دون التكسير ، وأما التثنية وجمع التصحيح فحقيقان بأن يبقى العمل معهما ؛ لأنّهما يساويان جمع التكسير في تضمّن معنى العطف ، ويفوقانه بأنهما لم يغيرا نظم الواحد ، ويساوي اسم الفاعل ـ في العمل بالشروط المذكورة ، في إفراده وغيره ـ ما قصد به المبالغة ، من موازن : فعّال ، ومفعال ، وفعول ، كقول من سمعه سيبويه : أما العسل فأنا شرّاب (٢) ، وكقول الشاعر :

٢١٦٥ ـ أخا الحرب لبّاسا إليها جلالها

وليس بولّاج الخوالف أعقلا (٣)

وكقول رؤبة :

٢١٦٦ ـ كم رامنا من ذي عديد مبز

حتّى وقفنا كيده بالرّجز

برأس دمّاغ رؤوس العزّ (٤)

__________________

(١) في الأصل : فليس تحدثا ، والصواب ما أثبته.

(٢) ينظر : الكتاب (١ / ١١١) والشاهد في هذا القول : نصب «العسل» بصيغة المبالغة «شراب».

(٣) هذا البيت من الطويل ، وقائله : القلاح بن حزن بن خباب التميمي ، في ردّه على سوار بن حنان المنقري.

اللغة : أخا الحرب : الملازم للحرب المستعدّ لها ، جلالها : جمع جل ـ بضم الجيم ـ ما يلبسه الفارس من السلاح ، ولاج : دخال ، أي : كثير الدخول ، الخوالف : جمع خالفة ، وهي عمود في مؤخرة البيت ، أعقلا : الذي يضرب في مشيه من خوف أو وجع.

والمعنى : إذا حضر البأس والخوف ، لم ألج البيت مستترا ، بل أجاهر بالحرب ، وأمضي ثابت القدم ، غير مضطرب ، ولا أتزعزع.

والشاهد فيه قوله : «لباسا إليها جلالها» ؛ حيث أعمل «لباسا» ـ وهي صيغة مبالغة ـ عمل الفعل.

ينظر الشاهد في : العين للخليل (ص ١٨٢) ، والكتاب (١ / ١١١) ، والمقتضب (٢ / ١١٢) ، والأشموني (٢ / ٢٩٦) ، والدرر (٢ / ١٢٩).

(٤) هذه الأبيات من مشطور الرجز ، وقائلها : رؤبة بن العجاج ، كما نسبه المصنف (ابن مالك) وهو

١٢٠