شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٤

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد أفهم كلامه لما حكم بإضمار «كان» حيث قال : فيكون المنصوب مفعولا معه ـ أنه مع إضمار المصدر الذي هو ملابسة لا يكون نصب على أنه مفعول معه ، وهو الحق ، بل يتعين كونه مفعولا به كما سيأتي الكلام في ذلك ، ومن منع تقدير المصدر هنا جعل تقدير سيبويه «وملابسة» تفسير معنى لا تفسير إعراب ، وجعلوا العامل المضمر كان (١) ، وقالوا : يدل على ذلك ترجمة الباب وهي قوله : هذا باب منه يضمرون فيه الفعل لقبح الكلام إذا حمل آخره على أوله ، وذلك قولك : ما لك وزيدا ، وما شأنك وعمرا (٢) ، فبنى الباب على إضمار الفعل. هذا مع ما تقرر من أن مذهب البصريين أنه لا يجوز حذف المصدر وإبقاء معموله لأنه موصول ، ولا يجوز حذف الموصول (٣) ، ويدل على ذلك منع سيبويه له في قوله : «إلا الفرقدان» (٤) ، وقال أبو الحسن بن الضائع : آخر ما أخذت عن الأستاذ أبي علي في ذلك هو أن الاسم هنا منصوب على أنه مفعول معه ، وأن تقدير سيبويه معنوي لا إعرابي بل تقدير الإعراب فيه : ما لك تلتبس وزيدا ، قال : ويدل على أنه عند سيبويه كذا ذكر هذه المسألة في باب المفعول معه ، ولو كان النصب على أنه [٣ / ١٧] مفعول به لم يذكرها «هنا». انتهى كلام ابن الضائع.

وما أشار إليه من أن تقدير المصدر في هذه المسألة لو كان [٢ / ٤٩٨] تقديرا إعرابيّا لكان المنصوب مفعولا به لا مفعولا معه ظاهر ، وقد تقدم أن كلام المصنف يفهم أنه مع تقدير المصدر يكون مفعولا به ، وحمل كلام سيبويه هنا على التفسير المعنوي أقرب ، بل متعين لتصريحه بمنع حذف المصدر في «إلا الفرقدان» ، وما استدل به المصنف ليس متعينا للدلالة على مطلوبه ، أما الآية الشريفة فقد ذكر هو فيها الوجوه المحتملة لغير ما ذكره ، كيف وقد أجاز هو العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار ، وقوى ذلك واستدل بشواهد كثيرة نثرا ونظما (٥) ، وأما البيتان فيمكن أن يكون المقدر فيهما فعلا مشتقّا من المصدر الملفوظ به ويكون المصدر دالّا عليه ، ومما يستدل به على أن سيبويه قصد تفسير المعنى لا تفسير الإعراب أن المفعول ـ

__________________

(١) ينظر : التذييل (٣ / ٤٦٤) ، وشرح التسهيل للدماميني (ص ١٦٨٠).

(٢) ينظر : الكتاب (١ / ٣٠٧).

(٣) ينظر : الأشموني (٢ / ٢٨٦).

(٤) ينظر : الكتاب (٢ / ٣٣٤ ، ٣٣٥).

(٥) ينظر : شرح التسهيل للدماميني (ص ١٦٨٠).

٥٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

معه حينئذ يكون نفس ملابسه ولا بد له من عامل ، فيحتاج إلى تقدير كان بعد «ما» فلم يكن تقدير ملابسه مغنيا عن تقدير الفعل إذ ذاك.

واعلم أن السيرافي ذهب إلى أن العامل فعل مقدر بعد الواو ، ووافقه ابن خروف وأوّل كلام سيبويه على هذا فقال في قوله : فكأنك قلت : ما شأنك وملابسة زيدا : إنما قدر بالمصدر حين أظهر ؛ ليكون محمولا على الشأن والمضمر الفعل ، لأنه لا يجوز أن يعمل المصدر مضمرا ، والكوفيون يعملونه مضمرا غير ملفوظ به ، ثم قال ابن خروف : يريد بهذا ما أراده بقوله : «من لد أن كانت شولا» ؛ لأنه لا يضمر الموصول مع بعض الصلة فكلامه هنا محمول على المعنى ، وجاز إضمار الفعل هنا وهو لا يحمل على الأول من حيث لم يصرح بظهوره ، فإن أظهرته على جهة التقدير جئت بالمصدر (١) ، هذا كلام ابن خروف وهو تخريج حسن ، غير أن نصب الاسم حينئذ إنما يكون نصبا على أنه مفعول به لا مفعول معه ، كما يلزم ذلك على قول من قدر المصدر تقديرا إعرابيّا. ولا شك أنّا إذا فعلنا ذلك وقدرنا الفعل بعد الواو والمصدر أحلنا المسألة وأخرجناها من باب المفعول معه إلى غيره ، وقد عرفت أن سيبويه ذكرها في باب المفعول معه ، فتعين القول بأن النصب ليس بعامل مقدر بعد الواو. وإلى رد هذا القول أشار المصنف بقوله : (لا بلابس خلافا للسيرافي وابن خروف).

وقال في الشرح : قلت : يكفي من الرد على ابن خروف اعترافه بأن الموضع لا يصلح للفعل ، واعترافه بأن سيبويه حمل قول الشاعر :

١٦٥١ ـ من لد شولا فإلى إتلائها (٢)

على أن أصله : من لد أن كانت شولا ، فحكم بحذف أن والفعل في هذا الرجز لقوة الدلالة ، وحكم بمنع ذلك في :

١٦٥٢ ـ لعمر أبيك إلّا الفرقدان (٣)

لضعف الدلالة (٤) ، واعلم أنه قد تقدمت الإشارة إلى أن المقتضي لوجوب النصب ـ

__________________

(١) لمراجعة رأي السيرافي وابن خروف ينظر : الارتشاف (٢ / ٢٨٨) ، والتذييل (٣ / ٤٦٤) ، والهمع (١ / ٢٢١) ، وشرح الكافية للرضي (١ / ١٩٧).

(٢ ، ٣) تقدم ذكرهما.

(٤) شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٢٥٧).

٥٠٢

 

______________________________________________________

في نحو : ما لك وزيدا وما شأنك [٢ / ٤٩٩] وعمرا ، إنما هو امتناع العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار ، ولكن ليس امتناع العطف مجمعا عليه ، فإن الكوفيين يجيزون ذلك ، ووافقهم بعض البصريين (١) ، فلذلك قيد المصنف وجوب النصب بكونه عند الأكثر ، وقال في الشرح : ونسبت وجوب النصب في نحو : ما لك وزيدا وما شأنك وعمرا إلى الأكثر ؛ لأن ابن خروف حكى عن الكسائي أنه قال : إذا أوقعت «ما بال» و «ما شأن» على اسم مضمر ، ثم عطف عليه اسم ظاهر كان الوجه في المعطوف النصب والخفض جائز ، فصرح الكسائي بجواز الجر ، وبه أقول لا على العطف ، بل على حذف مثل ما جرّ به الضمير لدلالة السابق عليه (٢). انتهى.

ومقتضى إجازته ذلك أن لا نقول بوجوب النصب في نحو هذين المثالين.

وحكايته ذلك عن الأكثر لا يلزم منها أن يكون المحكي مذهبه. والعجب من المصنف أنه لم يوجب النصب في نحو : ذهبت وزيد بل جعله مختارا كما سيأتي ، وقد جعله ابن عصفور واجبا ، فمثل لهذا القسم ـ أعني ما يجب فيه نصب الاسم ـ بنحو : ما لك وزيدا وما شأنك وعمرا ، وجعل ضابطه أن يتقدم الواو جملة اسمية مضمنة معنى جملة فعلية وضمير خفض ، وبنحو : ما صنعت وأباك ، وجعل ضابطه أن يتقدم الواو جملة فعلية وضمير متصل مرفوع غير مؤكد ولا مفصول (٣) ، وتسوية ابن عصفور بين هذين التركيبين في وجوب النصب ظاهر ويلزم المصنف التسوية بينهما ، بل يلزمه أن يكون الحكم عنده بوجوب النصب مع الضمير المرفوع أولى منه مع الضمير المجرور ؛ لأنه قد حكم في باب العطف من كتاب التسهيل بضعف العطف على ضمير الرفع المتصل دون فصل ، ولم يشترط إعادة الجار في العطف على ضمير الجر ، بل جعل ذلك مختارا (٤) ، وقال في الألفية : ـ

__________________

(١) ينظر : شرح الكافية للرضي (١ / ١٩٧) ، وشرح عمدة الحافظ (١ / ٤٠٧) ، حيث قال ابن مالك فيه : وأجاز الأخفش والكوفيون على ضعف. اه. فالمقصود بقول الشارح هنا «ووافقهم بعض البصريين» هو الأخفش.

(٢) انظر : شرح التسهيل لابن مالك (٢ / ٢٥٧).

(٣) ينظر : المقرب (١ / ١٥٩).

(٤) ينظر : التسهيل (ص ١٧٧).

٥٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن على ضمير رفع متّصل

عطفت فافصل بالضّمير المنفصل

أو فاصل ما وبلا فصل يرد

في النّظم فاشيا وضعفه اعتقد

وعود خافض لدى عطف على

ضمير خفض لازما قد جعلا

وليس عندي لازما إذ قد أتى

في النّظم والنثر الصّحيح مثبتا

فجعل العطف على ضمير الجر دون إعادة الجار واردا في النظم وفي النثر. وأشار بالصحيح إلى المقطوع بصحته وهو القرآن العزيز ، وجعل العطف على الضمير المتصل المرفوع واردا في النظم وضعفه مع ذلك ، فكان الواجب إجراء هذين التركيبين مجرى واحدا إما في وجوب النصب أو رجحانه ، وهو [٢ / ٥٠٠] قد فرق بينهما إلا أن يقال : قد أشير إلى أنه لا يلزم من حكايته لوجوب النصب في : «ما لك وزيدا» [٣ / ١٨] عن الأكثر أن يكون المحكي مذهبا له ، وإذا لم يلزم ذلك وهو قد أجاز العطف على الضمير المجرور إما بتقدير محذوف أو دونه فينبغي أن لا يكون قائلا بوجوب النصب ، وحينئذ يكون النصب راجحا وقد صرح هو برجحانه في نحو : ذهبت وزيدا (١) ، فعلى هذا استوى الموضعان عنده في رجحانية النصب ، وارتفع الإشكال عن كلامه ، ولزم أن يكون لوجوب النصب عنده سبب واحد وهو المعنوي وسيذكره ، فيكون موجب النصب عنده على هذا منحصرا في الأمر الراجع إلى المعنى ، ثم إذا كان المجرور باللام أو الشأن بعد «ما» الاستفهامية اسما ظاهرا نحو : ما لزيد وأخيك ، وما شأن عبد الله وعمرو ، رجح العطف لانتفاء المحذور حينئذ ولم يمتنع النصب ، لكنه مرجوح لعدم عامل ملفوظ به والاحتياج إلى تقدير عامل ، ومنع بعض النحاة المتأخرين النصب في هذا (٢) مستندا في ذلك إلى قول سيبويه : فإذا ظهر الاسم فقال : ما شأن عبد الله وأخيه يشتمه فليس إلا الجر (٣) ، ولا شك أن هذا الكلام من سيبويه يدل دلالة صريحة على أن ـ

__________________

(١) لأنه لو رفع يكون قد عطف على الضمير المرفوع المتصل بغير توكيد أو فصل وهذا ضعيف.

ينظر : شرح الألفية للمرادي (٢ / ٩٩).

(٢) ينظر : شرح عمدة الحافظ (١ / ٤٠٨) ، والمقرب (١ / ١٦٠).

(٣) الكتاب (١ / ٣٠٩).

٥٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

النصب ممتنع (١).

قال المصنف : وهو لا يريد ذلك لأنه قال بعد هذا بقليل : ومن قال : ما أنت وزيدا قال : «ما شأن عبد الله وزيدا ، كأنه قال : ما كان شأن عبد الله وزيدا» (٢) ، فعلم بهذا أن مذهبه جواز النصب لكنه غير الوجه المختار ، ويتبين أنه أراد بقوله أولا : «فليس إلا الجر» ما أريد بنحو : «لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار» (٣) قال : ولو قرأ ـ يعني مانع النصب ـ ما بعد الكلام الأول من كلام سيبويه لم يقع فيما وقع ، ومثل هذا اتفق للزمخشري في انته أمرا قاصدا حين جعله من المنصوبات اللازم إضمار عاملها (٤) ؛ لأن سيبويه ذكره بعد أمثلة التزم إضمار ناصبها ، ثم بين بعد ذلك بقليل أن الذي نصب أمرا قاصدا يجوز إظهاره (٥) ، وغفل الزمخشري عن ذلك (٦).

واعلم أن المصنف لما ذكر وجوب تقدير عامل في هذه المسألة أعني مسألة «ما لك وزيدا» و «ما شأنك وعمرا» أتبع ذلك بذكر مواضع شاركت المسألة المذكورة في تقدير العامل ، لكنها خالفتها في أن العطف فيها ممتنع بخلاف ما ذكره أولا ، ولكون العطف في هذه المواضع لا مانع منه ، والنصب يحتاج معه إلى تقدير عامل كان العطف أولى فلا جرم أن المصنف قال : (وربما نصب بفعل مقدر بعد «ما» أو «كيف») إلى آخره ، فنبه بذلك على مرجوحيته ، وعلى هذا فالرفع في «ما أنت ـ

__________________

(١) علق أبو حيان على رأي بعض المتأخرين الذين يمنعون النصب في هذه المسألة فقال : وهذا وهم منه ، نظر إلى كلام سيبويه أولا ولم ينظر إليه آخرا ، فقول سيبويه : فليس إلا الجر يعني في الأفصح ، ويدل على هذا التقييد بالأفصح قول سيبويه بعد ذلك : ومن قال : ما أنت وزيدا قال : ما شأن عبد الله وزيدا ، وحمله على كان ، لأن كان تقع هاهنا والرفع أجود وأكثر ، والجر في قولك : ما شأن عبد الله وزيد أحسن وأجود كأنه قال : ما شأن عبد الله وشأن أخيه ، ومن نصب أيضا قال : ما لزيد وأخاه. اه. فهذا نص من سيبويه على ترجيح العطف وتجويز النصب على أنه مفعول معه. اه التذييل (٣ / ٤٦٦).

(٢) الكتاب (١ / ٣٠٩).

(٣) ذكر في (أبو عثمان المازني المجدد) (ص ١٩٣) على أنه بيت من الكامل ولم أجده في غيره بهذا التخريج.

(٤) ينظر : المفصل للزمخشري (ص ٤٩).

(٥) ينظر : الكتاب (١ / ٢٨٤).

(٦) شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٢٥٨).

٥٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وزيد» ، و «كيف أنت وقصعة من ثريد» هو الجيد الراجح لعدم الفعل وما يعمل عمله (١) ، وقد قال سيبويه : وزعموا أن ناسا يقولون : كيف أنت وزيدا وما أنت وزيدا ، وهو قليل [٢ / ٥٠١] في كلام العرب ، ولم يحملوا الكلام على «ما» و «كيف» ، (لكنهم) (٢) حملوه على الفعل ؛ لأن كنت وتكون يقعان هنا كثيرا وأنشد سيبويه (٣) :

١٦٥٣ ـ وما أنت والسّير في متلف

يبرّح بالذّكر الضّابط (٤)

وأنشد :

١٦٥٤ ـ أتوعدني بقومك يا ابن حجل

أشابات يخالون العبادا

بما جمّعت من حضن وعمرو

وما حضن وعمرو والجيادا (٥)

ثم قال : وزعموا أن الراعي كان ينشد هذا البيت :

١٦٥٥ ـ أزمان قومي والجماعة كالّذي

لزم الرّحالة أن تميل مميلا (٦)

__________________

(١) ينظر : المطالع السعيدة (ص ٣٣٦) ، والمقرب (١ / ١٦٠).

(٢) في (ج) (ولكنهم) وهو الصواب لموافقته نص سيبويه.

(٣) الكتاب : (١ / ٣٠٣).

(٤) البيت من المتقارب قائله أسامة بن الحارث بن حبيب الهذلي ويكنى أبا سهم وهو في : الكتاب (١ / ٣٠٣) ، وشرح أبياته للسيرافي (١ / ١٢٨) ، وشرح عمدة الحافظ (١ / ٤٠٤) ، والتذييل (٣ / ٤٦٦) ، وابن يعيش (٢ / ٥١ ، ٥٢) ، وتعليق الفرائد (ص ١٦٨٢) ، والعيني (٣ / ٩٣) ، وابن الناظم (ص ١١٠) ، والدرر (١ / ٩٠). واللسان «عبر».

ويروى البيت برواية (وما أنا) مكان (وما أنت).

اللغة : المتلف : القفر الذي يتلف فيه من سلكه ، الضابط : القوي.

والشاهد فيه : قوله : «والسير» ؛ حيث نصب على رأي بعضهم والجمهور على عطف مثل هذا.

(٥) البيتان من الوافر لقائل مجهول وهما في : الكتاب (١ / ٣٠٤) ، والمحتسب (١ / ٢١٥) ، (٢ / ١٤) ، وأمالي الشجري (١ / ٦٦).

اللغة : الأشابات : الأخلاط من الناس وهو جمع أشابة ، حضن : بطن من القين.

والشاهد في قوله : «والجيادا» ؛ حيث نصب حملا على معنى الفعل أي وملابستها الجيادا.

(٦) البيت من الكامل وهو للراعي النميري وهو في : الكتاب (١ / ٣٠٥) ، والتذييل (٣ / ٤٦٩) ، وجمهرة القرشي (ص ١٧٦) ، وطبقات ابن سلام (ص ٥٠٨) ، والغرة لابن الدهان (٢ / ٨١) ، والمقرب (١ / ١٦٠) ، وشرح عمدة الحافظ (٢ / ٤٠٥) ، وابن الناظم (ص ١١١) ، والارتشاف

٥٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كأنه قال : أزمان (كان) (١) قومي والجماعة ، فحملوه على كان لأنها تقع في هذا الموضع كثيرا (٢).

وعلل سيبويه إضمار الفعل في نحو : ما أنت وزيدا ، وكيف أنت وقصعة ، بأن العرب يستعملون الفعل مع الاستفهام كثيرا فيقولون : ما كنت وكيف تكون ، إذا أرادوا معنى مع ، قال : من ثم قالوا :

١٦٥٦ ـ أزمان قومي والجماعة

لأنه موضع يدخل فيه الفعل كثيرا فيقولون : أزمان كان قومي ، وحين كان (٣) ، هذا نصه ، وقد ذكر المصنف ثلاثة المواضع التي ذكرها سيبويه ، وضم إليها رابعا وهو الذي أشار إليه بقوله : (أو قبل خبر ظاهر) ، وتبع في ذلك ابن خروف فإنه قال في شرح الكتاب يشير إلى سيبويه : ولم يذكر في قولهم : أنت وشأنك ، وكل رجل وضيعته ، وما أشبهه إلا الرفع ، ثم قال ابن خروف : وبعض العرب تنصب إذا كان معه خبر (٤) ، وجعل من ذلك قول عائشة رضي‌الله‌عنها : «كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينزل عليه الوحي وأنا وإيّاه في لحاف» (٥) ، (٦).

قال المصنف : ويجوز عندي أن يكون «إيّاه» في موضع رفع عطفا على «أنا» على سبيل النيابة عن ضمير الرفع ، كما ناب عن ضمير الجر فيما حكى الفراء من قول العرب : مررت بإياك ، قال : وأنشد الكسائي : ـ

__________________

(ص ٤٥٤ ، ١١٥٠) ، والخزانة (١ / ٥٠٢) ، والتصريح (١ / ٢٩٥) ، والهمع (١ / ١٢٢) ، (٢ / ١٥٦) ، والدرر (٢ / ٢١١).

اللغة : الرحالة : سرج من الجلد ليس فيه خشب كانوا يتخذونه للركض الشديد.

والشاهد فيه : نصب «والجماعة» على إضمار كان.

(١) سقطت كلمة (كان) من (أ، ج) وما أثبته من الكتاب.

(٢) الكتاب (١ / ٣٠٣ ـ ٣٠٥). وينظر : شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٢٥٩).

(٣) الكتاب (١ / ٣٠٦).

(٤) ينظر : التذييل (٣ / ٤٧٠ ، ٤٧١).

(٥) الحديث في المستدرك (٤ / ١٠) برواية : وكان يأتيه الوحي وأنا وهو في لحاف واحد ، وهذه الرواية لا شاهد فيها ولم يتيسر لي العثور عليه في غير هذا الكتاب بهذه الرواية التي هنا.

(٦) زاد في نسخة (ج): (كأنها قالت : وكنت وإياه في لحاف أو وأنا كائنة وإياه في لحاف).

٥٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

١٦٥٧ ـ فأحسن وأجمل في أسيرك إنّه

ضعيف ولم يأسر كإيّاك آسر (١)

وكما ناب ضمير الرفع عن ضمير الجر في قول بعض العرب وقد سئل عن الصعلوك : هو الغداة كأنا ، وليس هذا ببدع لأن أصل المبني أن لا يختص بموضع من الإعراب دون موضع ، والمضمرات من المبنيات فلا يستبعد ذلك فيها إلا أن حمل «أنا وإياه في لحاف» على باب المفعول معه أولى ؛ لأنه قد روي في حديث آخر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أبشروا فو الله لأنا وكثرة الشّيء أخوف عليكم من قلّته» (٢) بنصب «وكثرة» ذكره الشلوبين وعضده بما حكاه الصيمري (٣) من جواز النصب في أنت وشأنك ، وكل رجل وضيعته (٤) ، (٥) انتهى.

وبقي الكلام ها هنا في أمرين :

أحدهما : أنهم اختلفوا في «كان» هذه المضمرة ، فمنهم من جعلها التامة وهو رأي الفارسي ، وهو قول مبني على أن الناقصة لا عمل لها في غير الاسم والخبر ، لكونها سلبت الدلالة على الحدث (٦) ، قال الشيخ : وهو اختيار الشلوبين (٧) فعلى هذا [٣ / ١٩] كيف [٢ / ٥٠٢] في موضع نصب على الحال ، ولكن يشكل أمر «ما» ؛ لأنها لا تكون حالا ، لأنها سؤال عن الذات لا عن أحوال الذات ، حتى زعم بعضهم أنها مخرجة هنا عن أصلها إلى السؤال عن الحال (٨) ، قلت : ودعوى ـ

__________________

(١) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في : مجالس ثعلب (١ / ١٣٣) ، والخزانة (٤ / ٢٧٤) ، والهمع (٢ / ٣١) ، والدرر (٢ / ٢٧).

والشاهد في قوله : «كإياك» حيث ناب عن ضمير الجر.

(٢) الحديث في المصنف للحافظ أبي بكر عبد الرزاق الصنعاني برواية «لأنا للغنى أخوف عليكم من الفقر» وهذه الرواية لا شاهد فيها.

(٣) هو أبو محمد عبد الله بن علي بن إسحاق ، سبقت ترجمته.

(٤) ينظر : تبصرة المبتدي وتذكرة المنتهي للصيمري (١ / ٢٥٧) تحقيق د / فتحي أحمد مصطفى (جامعة أم القرى) ، وينظر أيضا : شرح عمدة الحافظ (١ / ٤٠٦) ، والتصريح (١ / ٣٤٣).

(٥) شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٢٦٠).

(٦) ينظر : الارتشاف (٢ / ٢٨٩) ، والمطالع السعيدة (ص ٣٣٦) ، والهمع (١ / ٢٢١) ، والتصريح (١ / ٣٤٣).

(٧) التذييل (٣ / ٤٦٨) ، وينظر : المطالع السعيدة (ص ٣٣٦).

(٨) ينظر : التصريح (١ / ٣٤٣).

٥٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الابتدائية فيها ممكن فتقدير ما أنت وزيدا : ما كان شأنك وزيدا ، المعنى : أي شيء وقع شأنك مع زيد ، ثم بعد حذف «كان» حذف المضاف الذي هو شأن ، وأقيم المضاف إليه وهو ضمير المخاطب مقامه. ومنهم من جعلها الناقصة وهم الذين يصححون عمل الناقصة في غير الاسم والخبر ، ووجه تصحيحهم ذلك أن دلالتها على الحدث عندهم باقية ، وهذا المذهب هو أصح المذهبين (١) ، فعلى هذا تكون «كيف» في موضع الخبر ، وكذا «ما» أيضا التقدير : على أي حال تكون مع قصعة من ثريد ، وأي شيء تكون مع زيد (٢).

الأمر الثاني : أن سيبويه قدر مع «ما كنت» ومع «كيف» تكون (٣) فاختلفوا : هل ذلك مقصود لسيبويه أو لا ، فقال السيرافي : إنه غير مقصود ، ولو عكس لأمكن (٤) ، وقال بعضهم : إن ذلك مقصود من سيبويه ، وذلك أن قولهم : ما أنت وزيدا ، إنما يقال لمن أنكر عليه أن قال : خالطت زيدا أو لابسته ، فيقال له : ما كنت وزيدا ، ولا يقال له إذا قال ما لابسته : ما أنت وزيدا لأنه لا ينكر ما لم يقع إنما ينكر الواقع ، وأما كيف أنت وقصعة ، فإنما يقال على معنى كيف تكون ، كذا يستعمل عندهم ، ولم ينقل خلاف هذا ، فهذا النصب إنما يقال منه ما سمع (٥). انتهى.

ولا يخفى ضعف هذا التقدير ، فالحق ما قاله السيرافي.

واعلم أنه قد تبين مما تقدم أن العطف راجح في صور خمس وهي : ما لزيد وأخيه ، وما أنت والسير ، وكيف أنت وقصعة ، و:

١٦٥٨ ـ أزمان قومي والجماعة (٦)

و «أنا وإياه في لحاف» ، وضابطها : أن لا يكون ثم فعل ملفوظ به ، ولكن في ـ

__________________

(١) اختار أبو حيان هذا المذهب في التذييل (٣ / ٤٦٨) ، فاختيار الشارح إذن لهذا المذهب موافق لما اختاره شيخه أبو حيان.

(٢) ينظر : المطالع السعيدة (ص ٣٣٦).

(٣) ينظر : الكتاب (١ / ٣٠٣).

(٤) شرح السيرافي (٣ / ٦٩).

(٥) ينظر : الهمع (١ / ٢٢١) ، حيث ذكر ذلك عن ابن ولاد ، وينظر : التذييل (٣ / ٤٦٩).

(٦) تقدم ذكره.

٥٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الجملة ما يدل عليه لو قدر ، وليس ثم مانع يمنع من العطف (١) ، وإذا كان العطف في هذه الصور راجحا ، لوجود ما يصح العطف عليه دون مانع ، فالنصب على المعية مرجوح حينئذ للاحتياج إلى تقدير عامل ، وينبغي أن تذكر هذه الصور فيما ترجح عطفه على أنها داخلة في الضابط الذي ذكره لما ترجح فيه العطف على النصب كما سيجيء الإشارة إليه ، وإنما قدم ذكرها قبل الشروع في ذكر راجح العطف لأنها فروع مسألة : «ما لك وزيدا» فنبه بذكرها على أنها شاكلت ما قبلها في تقدير العامل ، إلا أنها خالفته بكون النصب فيها مرجوحا.

القسم الثالث : ما ترجح فيه العطف ، واعلم أن المصنف أشار إلى هذا القسم وإلى القسم الرابع وهو ما ترجح فيه النصب على المعية ، ووقعت الإشارة أيضا في كلامه هنا إلى الضرب الثاني من القسم الذي يجب فيه النصب لسبب [٢ / ٥٠٣] معنوي ، وهو الذي تقدم الوعد بأنه سيأتي ذكره ، غير أن المصنف مزج الكلام في إيراد ذلك ، ودل ما ذكره على شيء بالمنطوق وشيء بالمفهوم ، وذلك أنه ذكر قيودا لما ترجح عطفه ، تلك القيود منها ما ترجح النصب مع انتفائه ، ومنها ما يجب مع انتفائه النصب ، فنشير أولا إلى كل من القسمين على سبيل الإجمال ، ثم نعود إلى تطبيق ذلك على لفظ الكتاب.

أما رجحان العطف فله سببان :

أحدهما : يرجع إلى المعنى وهو انتفاء التكلف أي إذا كان تصحيح الكلام يحتاج إلى تقدير متكلف لو عطفنا ، فحينئذ لا يكون العطف راجحا كما سيتبين.

وثانيهما : يرجع إلى اللفظ وهو انتفاء الموهن أي المضعف للعطف ، فإذا انتفى الأمران فيما لا يمتنع العطف فيه لأمر خارجي ، كان العطف راجحا على النصب على المعية ، وذلك نحو : جئت أنا وزيد ، وقام زيد وعمرو (٢) ، ومن أمثلة النحاة : كنت أنا وزيدا كالأخوين (٣) ، ويدخل في هذا الضابط الذي ترجح العطف معه ، أعني انتفاء التكلف ، وانتفاء الموهن ـ ما تقدمت الإشارة إليه آنفا وهو خمس ـ

__________________

(١) ينظر : المقرب (١ / ١٦٠) حيث ذكر مثل هذا الضابط لهذه المسألة.

(٢) ينظر : شرح الألفية للمرادي : (٢ / ٩٩) ، حيث أشار إلى ذلك.

(٣) ينظر : شرح عمدة الحافظ (١ / ٤٠١) ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ١١٢) ، حيث مثلا بهذا المثال.

٥١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

المسائل التي ذكر أن النصب فيها على المعية مرجوح وهي : ما شأن عبد الله وأخيه ، وما أنت وزيد ، وكيف أنت وقصعة؟ و:

أزمان قومي والجماعة

و «أنا وإياه في لحاف».

وأما رجحان النصب فعند وجود أحد الأمرين المشروط انتفاؤهما فيما تقدم ، فيكون له سببان أيضا :

أحدهما : يرجع إلى المعنى وهو حصول التكلف لو عطفنا ، والآخر : يرجع إلى اللفظ وهو حصول الموهن للعطف ، وسيأتي أمثلة ذلك في كلام المصنف.

إذا عرف هذا فاعلم أن المصنف اشترط لرجحان العطف ثلاثة أمور وهي : انتفاء التكلف ، وانتفاء المانع ، وانتفاء الموهن ، فأشار بالأول إلى نحو قول الشاعر :

١٦٥٩ ـ فكونوا أنتم وبني أبيكم

مكان الكليتين من الطّحال (١)

قال : فإن العطف فيه حسن من جهة اللفظ وفيه تكلف من جهة المعنى لأن مراد الشاعر : كونوا لبني أبيكم ، فالمخاطبون هم المأمورون ، وإذا عطف يكون التقدير :

كونوا لهم ، وليكونوا لكم ، وذلك خلاف المقصود وكذا قول الآخر :

١٦٦٠ ـ إذا أعجبتك الدّهر حال من امرئ

فدعه وواكل أمره واللّياليا (٢)

معناه : وواكل أمره لليالي ، وتقدير العطف فيه تكلف بيّن. ـ

__________________

(١) البيت من الوافر لقائل مجهول وهو في : الكتاب (١ / ٢٩٨) ، وابن يعيش (٢ / ٤٨) ، والتذييل (٣ / ٤٤٦) ، والغرة لابن الدهان (٢ / ٧٣) ، وابن القواس (ص ٣٧٨) ، والعيني (٣ / ١٠٢) ، والتصريح (١ / ٣٤٥) ، والأشموني (٢ / ١٣٩) ، والهمع (١ / ٢٢٠) ، والدرر (١ / ١٩٠) ، ومجالس ثعلب (١ / ١٠٣) ، وأوضح المسالك (١ / ١٨٠).

ويروى البيت برواية (وكونوا) مكان (فكونوا).

والشاهد فيه : ـ على مذهب الجمهور ـ جعل «فكونوا» ناقصة وهي عاملة النصب في المفعول معه وهو «بني أبيكم» وقوله : «مكان الكليتين» خبر لها ، ومن ذهب إلى منع عمل «كان» الناقصة في المفعول معه جعل قوله : «مكان الكليتين» حالا والراجح من هذين المذهبين هو مذهب الجمهور.

(٢) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في : معاني القرآن للفراء (٢ / ٥٧) ، والتذييل (٣ / ٤٧١) ، والعيني (٣ / ٩٩) ، وابن الناظم (ص ١١٢) ، والأشموني : (٢ / ١٣٩ ، ١٦٩).

والشاهد فيه : قوله : «واللياليا» ؛ حيث يترجح نصبه مفعولا معه لأن العطف فيه تكلف من جهة المعنى.

٥١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وأشار بالثاني إلى نحو : لا تنه عن القبيح وإتيانه ، أي مع إتيانه ، فالعطف هنا بيّن الامتناع (١) ، وكذا في : استوى الماء والخشبة ، وما زلت أسير والنيل (٢) ، قلت : وهذا هو السبب المعنوي الموجب للنصب الذي تقدم الوعد بذكره ، وأشار بالثالث إلى نحو : ما صنعت وأباك ، فإن نصبه على المعية مختار وعطفه جائز على ضعف ؛ لأن المعطوف عليه ضمير رفع [٢ / ٥٠٤] متصل غير مفصول بينه وبين العاطف ، وما كان كذلك فعطفه ضعيف ، وأكثر ما يكون في الشعر كقول الشاعر :

١٦٦١ ـ ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه

ما لم [٣ / ٢٠] يكن وأب له لينالا (٣)

فلو نصب الأب لكان أجود لما تبين من ضعف العطف ، هذا آخر كلام المصنف (٤) في تقرير هذا الموضع ، وقد تبين منه أن رجحان العطف متوقف على انتفاء كل من الأمور الثلاثة ، أما إذا لم ينتف ما ذكر ، وذلك بأن يوجد التكلف أو المانع أو الموهن فإن رجحان العطف ينتفي حينئذ ، ولكن إذا انتفت رجحانية العطف فقد يكون العطف جائزا ولكنه يكون مرجوحا ؛ لأن النصب على المعية هو الراجح إذ ذاك كما إذا وجد التكلف أو الموهن وقد يكون العطف ممتنعا كما إذا وجد المانع منه ، وإنما احتاج إلى ذكر انتفاء المانع ، لأنه لو اقتصر على قوله : (بلا تكلف ولا موهن) لورد عليه نحو : لا تنه عن القبيح وإتيانه ، لانتفاء التكلف والموهن فيه ، مع أن العطف لا غير راجح ، بل هو ممتنع ، فإن قيل : كيف يصدق انتفاء رجحانية العطف على الصورة التي يمتنع فيها العطف؟ فالجواب : أن انتفاء رجحانيته أعم من جوازه مع مرجوحيته ، ومن (امتناعه) (٥) أصلا ، ولا شبهة في ـ

__________________

(١) ينظر : التذييل (٣ / ٤٧٢).

(٢) لأنه لا يصح مشاركة ما بعد الواو هنا لما قبلها في حكمه.

ينظر : الأشموني (٢ / ١٣٩ ، ١٤٠).

(٣) البيت من الكامل وهو لجرير وهو في : المقرب (١ / ٢٣٤) ، والعيني (٤ / ١٦٠) ، والتصريح (٢ / ١٥١) ، والإنصاف (٢ / ٤٧٦) ، والأشموني (٣ / ١١٤) ، والهمع (٢ / ١٣٨) ، والدرر (٢ / ١٩١) ، وديوان جرير (ص ٤٥١).

والشاهد فيه قوله : «وأب» ؛ حيث رفع على العطف ولو نصب كما ذكر المصنف لكان أجود.

(٤) شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٢٦٠ ، ٢٦١).

(٥) في (أ): (انتفائه).

٥١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

جواز صدق الأعم على الأخص ، فعند امتناع العطف يصدق أنه غير راجح ، واعلم أن الذي يعطيه كلام المصنف ظاهرا أنه عند وجود التكلف أو الموهن تنتفي رجحانية العطف ، ولكن لا يلزم من انتفائها كون العطف مرجوحا ، فجاز أن يستوي الأمران أعني العطف والنصب على المعية ، وليس هذا بمراد له وإنما يقصد أن العطف يكون مرجوحا حينئذ ، والذي يدفع هذا الظاهر أن يقال : إنه تقدم أن أقسام مسائل هذا الباب عند المصنف أربعة :

أحدها : ما ترجح نصبه : وهو لم يتقدم له ذكر هذا القسم ، وقد قلنا آنفا : إنه مزج ذكره بذكر ما ترجح عطفه ، وإن كلامه دلّ على أحدهما بالمنطوق وعلى الآخر بالمفهوم ، والذي دلّ عليه بالمنطوق هو رجحان العطف ، فيتعين أن يكون المدلول عليه بالمفهوم هو رجحان النصب ، وإذا كان كذلك انتفت الدلالة على الاستواء ، وإذا تقرر هذا ، فمن الأمور الثلاثة التي ذكرها أمران إذا وجدا كان النصب على المعية راجحا على العطف وهما التكلف والموهن ، وقد عرفت أن الأول يرجع إلى المعنى ، وأن الثاني يرجع إلى اللفظ ، وتقدم لك ذكر أمثلتهما ، لكن قول المصنف في :

١٦٦٢ ـ فكونوا أنتم وبني أبيكم (١)

وإذا عطفت يكون التقدير : كونوا لهم وليكونوا لكم ، وذلك خلاف المقصود يقتضي أن يكون النصب فيه واجبا لا راجحا ، أما عبارة متن الكتاب أعني التسهيل فلا تقتضي ذلك.

وأما الأمر الثالث من الأمور الثلاثة وهو المانع فلا شك أنه إذا وجد [٢ / ٥٠٥] كان النصب على المعية واجبا نحو : لا تنه عن القبيح وإتيانه ، واستوى الماء والخشبة ، وهذا هو أحد السببين الموجبين للنصب على المعية وهو المعنوي ، فقد دل هذا الكلام أعني كلام المصنف بمفهومه على ما يجب نصبه على المعية وإلى ما يرجح فيه ذلك ، ثم إن المصنف ذكر صورة أخرى ترجح النصب على المعية فيها على العطف ، وإليها أشار بقوله : (فإن خيف فيه فوات ما يضر فواته رجح النصب على المعية) (٢) ، وهذا ـ

__________________

(١) تقدم ذكره.

(٢) التسهيل (ص ١٠٠) ، وينظر : شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٢٦١).

٥١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الكلام من تتمة ما قبله ، وكأنه لما قال : إن العطف يرجح عند انتفاء كل من الأمور الثلاثة ـ وكانت هذه الصورة التي سيمثل لها داخلة تحت هذا الضابط لانتفاء الأمور المذكورة عنها ، مع أن العطف فيها مرجوح ـ أفردها بالذكر ونص عليها بخصوصها ، قال في الشرح : وأشرت بقولي : فإن خيف به أي بالعطف فوات ما يضر فواته رجح النصب على المعية ـ إلى نحو : لا تغتد بالسمك واللبن ولا يعجبك الأكل والشبع بمعنى لا تغتد بالسمك مع اللبن ، ولا يعجبك الأكل مع الشبع ، فالنصب في هذين المثالين وأشباههما على المعية يبين مراد المتكلم والعطف لا يبينه (١) فتعين رجحان النصب للسلامة من فوات ما يضر فواته ، وضعف العطف إذ هو بخلاف ذلك (٢). انتهى.

وعلى هذا صار لمرجح النصب على العطف ثلاثة أمور وهي : التكلف والموهن والخوف من فوات المعنى المقصود ، إلا أنه قد تتوجه المنازعة للمصنف في إدراجه هذه الصورة في قسم ما ترجح نصبه ، ويدعى أن العطف فيها ممتنع لإفهامه غير المراد ، ويقال : إن هذين المثالين وما أشبههما داخلة في قسم ما يجب نصبه ويكون قد شملها مفهوم قوله : (ولا مانع) فنقول : كما استفدنا من قوله : (ولا مانع) أن النصب واجب في : لا تنه عن القبيح وإتيانه لوجود مانع يمنع من العطف ، هكذا نستفيد منه وجوب النصب في نحو : لا تغتد بالسمك واللبن لوجود المانع من العطف أيضا ، ومما يدل على أن النصب واجب في مثل هذا وجوب نصب الفعل بإضمار «أن» في نحو : لا تأكل السمك وتشرب اللبن إذا لم يقصد العطف ولا الاستئناف ، وإذ قد انتهى القول في الأقسام الأربعة أعني : ما يجب عطفه وما يجب نصبه وما ترجح عطفه وما ترجح نصبه ، وكنت قد عرفت أن القسم الرابع منها وهو ما ترجح نصبه لم يتضمنه كلام ابن عصفور ، وأنه ذكر قسما لم يتضمنه كلام المصنف وهو ما يتساوى فيه الأمران أعني العطف والنصب على المعية (٣) ، وأنه ينتظم من كلام الرجلين خمسة أقسام ، فلنذكر الأقسام المذكورة الآن منتظمة كي يسهل ضبطها على ـ

__________________

(١) ينظر : التذييل (٣ / ٤٧٢) ، والمطالع السعيدة (ص ٣٣٦).

(٢) شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٢٦١).

(٣) ينظر : المقرب (١ / ١٥٩) ، وشرح الجمل لابن عصفور (٢ / ٣٦٧).

٥١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الناظر [٢ / ٥٠٦].

أما وجوب العطف فله سبب واحد لفظي وهو أن تكون الواو المفيدة للمعية بعد ذي خبر لم يذكر أو ذكر وهو أفعل التفضيل نحو : كل رجل وضيعته ، وأنت أعلم ومالك.

وأما وجوب النصب فله سببان لفظي ومعنوي كما عرفت :

أما اللفظي فمقتضيه أن يكون ثم جملة آخرها واو المصاحبة ، وتاليها وأوّلها «ما» المستفهم [٣ / ٢١] بها على سبيل الإنكار قبل ضمير مجرور باللام أو الشأن أو ما يؤدي ما يؤديانه نحو : ما لك وزيدا ، وما شأنك وعمرا. هذا هو الضابط الذي ذكره المصنف ؛ لأنه قصر السبب اللفظي الموجب للنصب على ما ذكره ، وأما ابن عصفور فلم يقصر الأمر على ذلك ، بل عداه إلى نحو : ما صنعت وأباك فأوجب فيه النصب أيضا ، ولهذا جعل الضابط لما يجب نصبه أن يكون ثم جملة فعلية وقبل الواو ضمير خفض (١) ، وقد تقدم البحث مع المصنف في كونه أوجب النصب في : ما لك وزيدا ، ورجحه في : «ما صنعت وأباك» مع أنه يجيز العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار ، ويجيز إضمار الجار مع المعطوف أيضا ، وأنه كان يجب عليه بمقتضى مذهبه في العطف على الضمير المجرور أن يسوّي المسألتين إما في الوجوب أو في الرجحان ، أما كونه يوجب في إحدى المسألتين ويرجح في الأخرى فغير ظاهر ، ولكن تقدم أيضا ذكر ما يصلح أن يكون جوابا عن إيجابه النصب في نحو : ما لك وزيدا ، وهو أن ذلك قد لا يكون اختياره ، وإنما حكاه حكاية لكونه مذهب الأكثرين ، وأما المعنوي فالمقتضي له أن لا يصلح العطف من حيث المعنى ، مع أنه ليس في اللفظ ما يمنع منه ، وموجب عدم صحة العطف انتفاء مشاركة ما بعد الواو لما قبلها في الحكم المذكور نحو : لا تنه عن القبيح وإتيانه ، واستوى الماء والخشبة ، وسار زيد والنيل.

واعلم أن ابن عصفور لم يتعرض إلى ذكر السبب المعنوي الموجب للنصب ، وكأن المقتضي عنده لعدم التعرض إليه ما أذكره ، أما نحو : استوى الماء والخشبة ، وسار زيد والنيل ، فيظهر من كلامه وكلام غيره أنه لا يجب فيه النصب ، ومن ثم ـ

__________________

(١) المقرب (١ / ١٥٩).

٥١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

غلطوا الزجاجي في ادعائه وجوب النصب في استوى الماء والخشبة وقالوا : إن لم يصح العطف حقيقة فإنه يصح مجازا (١) ، ولا شك أن هذا القول هو جار على مقتضى ما يقال : إن أصل المفعول معه العطف ، وإن الواو هي العاطفة في الأصل وقد عرفت أنه قول الأكثرين ، وأما نحو : لا تنه عن القبيح وإتيانه فقد يقول أعني ابن عصفور : إن العطف في هذا ممتنع لأن تشريك ما بعد الواو لما قبلها في الحكم [٢ / ٥٠٧] لا يجوز أن يكون مرادا هنا والمعية مرادة قطعا ، وحينئذ يكون النصب متعينا بنفسه والعطف ممتنع من أصله لفساد المعنى إذا عطف ، وإذا كان العطف غير متصور فهو منتف من الأصل ، فليس النصب في مثل هذا إلا لأن الكلام لا يتصور فيه غير المعية ، وإذا كان كذلك فلا نذكر هذه المسألة مع مسائل هذا الباب ؛ لأنها إنما يقال فيها : يجب العطف أو يرجح أو يجب النصب أو يرجح ، ألا وقد تصورنا صحة كل من العطف والمعية في تلك المسألة لكن منع من أحد الأمرين مانع أو جعله مرجوحا.

وأما رجحان العطف فله سببان أيضا معنوي ولفظي كما تقدم :

فالمعنوي هو انتفاء التكلف ، وضابطه أن الكلام لا يكون فيه مانع من العطف من جهة اللفظ ، ولا يحتاج فيه إلى تقدير فيه تكلف ؛ لأنه إذا احتيج في العطف إلى ما فيه تكلف يكون النصب على المعية هو الراجح حينئذ ، فيكون العطف مرجوحا لا محالة ، واللفظي هو انتفاء الموهن أي المضعف للعطف ، وضابطه أن يكون ثم ما لا يضعف العطف عليه ، ثم قد لا يوجد عامل لفظا يصح توجهه إلى نصب المفعول معه ، فيحتاج في النصب على المعية إلى تقدير عامل نحو : ما لزيد وأخيك ، وما أنت والسير ، وكيف أنت وقصعة ، و:

١٦٦٣ ـ أزمان قومي والجماعة (٢)

و «أنا وإياه في لحاف» ، وقد يوجد عامل نحو : جئت أنا وزيد ، هذا عند المصنف. وأما عند ابن عصفور ، فإنما ترجح العطف عنده في الأول أعني الذي لم ـ

__________________

(١) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور (٢ / ٣٦٧) ، والتذييل (٣ / ٤٥٣) ، وقد سبق فصل القول في هذه المسألة.

(٢) تقدم ذكره.

٥١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

يذكر فيه عامل ، وأما الثاني وهو الذي ذكر العامل فيه فهو من قبيل ما يستوي فيه الأمران عنده أعني العطف والنصب على المعية ؛ ولهذا جعل ضابط ما ترجح عطفه أن تكون الجملة اسمية متضمنة معنى الفعل ، وأن يتقدم الواو اسم لا يتعذر العطف عليه (١) ، وكأنه يعني بقوله : لا يتعذر : لا يضعف ، ثم قال : وإذا كانت الجملة فعلية وتقدم الواو اسم يسوغ العطف عليه نحو : جاء البرد والطيالسة ، استوى الأمران (٢) ، وما جنح إليه ابن عصفور هو الظاهر ، وقد تقدم ما يدل على أرجحية رأيه في هذه المسألة ، وأما رجحان النصب فله سببان أيضا لفظي ومعنوي وهما الأمران اللذان قلنا : إن انتفاءهما موجب لأرجحية العطف ، فإذا وجدا كان العطف مرجوحا كما تقدم ، وحينئذ يكون النصب على المعية هو الراجح ، فاللفظي هو وجود موهن للعطف نحو : ما صنعت وأباك ، والمعنوي هو وجود التكلف لو عطفنا نحو :

١٦٦٤ ـ فكونوا أنتم وبني أبيكم (٣)

والخوف من فوات المعنى المقصود [٢ / ٥٠٨] لو عطفنا أيضا نحو : لا تغتد بالسمك واللبن ، وقد تقدم البحث مع المصنف في إيراده هذا الضرب في قسم ما يرجح نصبه ، وكونه لم يورده في قسم الواجب النصب ، وقد تقدمت الإشارة إلى أن ابن عصفور لم يتضمن كلامه هذا القسم أعني ما يرجح نصبه على عطفه ، والموجب لأن لم يذكره أنه في نحو : ما صنعت وأباك يوجب النصب لعدم تجويزه العطف ، وأما في :

فكونوا أنتم وبني أبيكم

فقد تقدم أنه ربما يدعى فيه وجوب النصب ، وأما في نحو : لا تغتد [٣ / ٢٢] بالسمك واللبن فإنه إن ادعي أن النصب واجب في :

فكونوا أنتم وبني أبيكم

وجب أن يدعى وجوبه في : لا تغتد بالسمك واللبن بطريق الأولى ، هذا آخر الكلام ـ

__________________

(١) ينظر : المقرب (١ / ١٥٩ ، ١٦٠).

(٢) ينظر : المقرب (١ / ١٥٩).

(٣) تقدم ذكره.

٥١٧

[تعقيب على أقسام المفعول معه السابقة]

قال ابن مالك : (فإن لم يلق الفعل بتالي الواو جاز النصب على المعيّة وعلى إضمار الفعل اللّائق إن حسن «مع» موضع الواو وإلّا تعين الإضمار).

______________________________________________________

على تقرير أقسام مسائل هذا الباب ، وإذا تأملت ما أتى به المصنف من نظم مسائله وتقرير أحكامها والإشارة إلى القيود الراجعة إلى قسم قسم ، منها المدلول عليها من كلامه بالمنطوق والمفهوم من حسن الترتيب والتنقيح والتهذيب ، علمت أنه قد رزق من التوفيق النصيب الأكمل وأن رتبته دونها رتبة السماك الأعزل ، وقد ذكر الشيخ أبو عمرو بن الحاجب تقسيما فيه اختصار ولطافة بأن قال بعد ذكره حد المفعول معه : الذي قدمنا ذكره عنه المشتمل على أن المصاحب معمول فعل لفظا أو معنى ، فإن كان العامل لفظيّا وجاز العطف فالوجهان ، مثل : جئت أنا وزيدا ، وإن لم يجز العطف تعيّن النصب مثل : جئت وزيدا ، وإن كان العامل معنويّا وجاز العطف تعين مثل : ما لزيد وعمرو ، وإلا تعين النصب مثل : ما لك وزيدا ، وما شأنك وعمرا ؛ لأن المعنى : ما تصنع؟ (١). انتهى.

وهذا الذي ذكره أقرب إلى ضبط مسائل الباب من كلام أكثر المصنفين ، وما ذكره هو أصل قواعد الباب ، والفروع الزائدة ممكن بناؤها عليه ، فرحمه‌الله تعالى وجزاه الجنة بمنّه وكرمه.

قال ناظر الجيش : اعلم أن المصنف لما ذكر المسائل التي يجوز فيها العطف راجحا تارة ومرجوحا أخرى ، ودخل في عموم الصور ما إذا ذكر بعد الواو منصوب ، وكان ثم منصوب فعل مذكور قبلها ، وكان مثل هذا لا يجوز فيه العطف إلا بشرط أن يكون الفعل صالحا للعمل فيما بعد الواو ـ نبّه على اشتراط ذلك بقوله : (فإن لم يلق الفعل بتالي الواو) إلى آخره ، ودلّ هذا الكلام بمنطوقه على أن النصب إذا لم يكن الفعل لائقا إما على المعية أو على إضمار الفعل أو على الإضمار خاصة ، وبمفهومه [٢ / ٥٠٩] على أن النصب على العطف في هذه الصورة غير جائز وكأنه ـ

__________________

(١) شرح ابن الحاجب على كافيته (ص ٤٩٧ ـ ٤٩٩) تحقيق د / جمال مخيمر (طبعة نزار الباز).

٥١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد أن ذكر العطف والنصب على المعية قال : إنما يجوز الأمران إن كان الفعل لائقا بتالي الواو ، فإن لم يكن الفعل لائقا امتنع النصب على جهة العطف وحينئذ فإن حسن مع موضع الواو جاز أن يكون النصب على المعية وعلى أن يكون العامل فعلا لائقا مقدرا بعد الواو ويصير الكلام إذ ذاك جملتين ، وإن لم يحسن مع موضع الواو تعين أن يكون النصب بفعل مقدر.

قال المصنف : إن كان الفعل الذي قبل الواو غير صالح للعمل فيما بعدها ، وحسن في موضعها «مع» جاز فيما بعدها أن يجعل مفعولا معه وأن ينصب بفعل صالح للعمل فيه ، ومثاله قوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ)(١) فلا يجوز أن يجعل «شركاءكم» معطوفا ؛ لأن «أجمع» لا ينصب الأمر والكيد ونحوهما ولك أن تجعل «شركاءكم» مفعولا معه ، وأن تجعله مفعولا بـ «أجمعوا» مقدرا كأنه قيل :

فأجمعوا أمركم وأجمعوا شركاءكم ، ومثله : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ)(٢) فلك أن تجعل «الإيمان» مفعولا معه ، ولك أن تنصبه باعتقدوا مقدرا (٣) ، فإن كان الفعل غير صالح للعمل فيما بعد الواو ولم تصلح «مع» في موضعها تعين إضمار فعل صالح للعمل ، فمن ذلك قول الشاعر :

١٦٦٥ ـ إذا ما الغانيات برزن يوما

وزجّجن الحواجب والعيونا (٤)

فنصب العيون بكحلن مقدرا ، ولا يجوز غير ذلك ؛ لأن زججن غير صالح للعمل في العيون ، وموضع الواو غير صالح لـ «مع» (٥). انتهى.

وتجويزهم النصب على المعية فيما لا يكون الفعل فيه لائقا بتالي الواو ـ دليل على أن الواو في هذا الباب ليس أصلها العطف ، وقد أورد ابن عصفور على نفسه قوله ـ

__________________

(١) سورة يونس : ٧١.

(٢) سورة الحشر : ٩.

(٣) لمراجعة هذه المسألة ينظر : المقرب (١ / ١٥٨ ، ١٥٩) ، وشرح الجمل لابن عصفور (٢ / ٣٦٥ ، ٣٦٦) ، وشرح الكافية للرضي (١ / ١٩٨) ، وشرح الألفية للمرادي (٢ / ١٠١) ، وإملاء ما من به الرحمن (٢ / ٣١) ، وابن عقيل (١ / ٢٠٢) ، والإيضاح للفارسي (ص ١٩٤ ، ١٩٥).

(٤) تقدم ذكره.

(٥) شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٢٦١ ، ٢٦٢).

٥١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) فقال : قد زعمتم أن واو «مع» لم تستعمل إلا حيث يسوغ العطف وعطف الشركاء على الأمر غير سائغ في مشهور اللغة ، فكيف أجزتم أن تكون الواو هنا بمعنى «مع»؟ وأجاب عن ذلك بأنه قال : وإن امتنع عطف الشركاء على الأمر بالنظر إلى مشهور اللغة لم يمتنع عطفه على الضمير المرفوع في «أجمعوا» ، ألا ترى أنه لو لا أن القراءة سنة متبعة لأمكن «وشركاؤكم» بالعطف على الضمير المرفوع لحصول الفصل بالمفعول (١) انتهى.

وهو كلام عجيب ؛ لأن العطف على الضمير وإن كان لا مانع منه لفظا يغير المعنى المقصود من الآية الكريمة ، وينقلب به الكلام إلى معنى آخر ، ثم الظاهر من كلامهم حيث شرطوا صحة العطف في مسائل هذا الباب أن مرادهم أن يكون العطف يصح على ما من شأنه أن يكون مصاحبا لما بعد [٢ / ٥١٠] الواو على تقدير نصبه على المعية لا أن يصح العطف على أي شيء كان في الجملة.

ثم اعلم أن الذي ذكره المصنف في نحو :

١٦٦٥ م ـ ....

وزجّجن الحواجب والعيونا

من أنه يقدر فيه فعل بعد الواو ناصب لما ذكر بعدها هو أحد القولين في هذه المسألة ، وهو رأي الفراء والفارسي وجماعة من البصريين والكوفيين (٢) ، فكما يقدر «كحّلن» في هذا البيت يقدر «يفقأ» في قول الشاعر :

١٦٦٦ ـ تراه كأنّ الله يجدع أنفه

وعينيه إن مولاه ثاب له وفر (٣)

__________________

(١) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور (٢ / ٣٦٥ ، ٣٦٦) ، بالمعنى رسالة بجامعة القاهرة.

(٢) ينظر : معاني القرآن للفراء (١ / ١٤ ، ١٢١ ، ٤٠٥ ، ٤٧٣) ، والإيضاح للفارسي (ص ١٩٣) ، والشيرازيات (ص ٧١) ، والارتشاف (٢ / ٢٩٠) ، والتذييل (٣ / ٤٧٥) ، والتصريح (١ / ٣٤٦) ، والأشموني (٢ / ١٤١) ، وأوضح المسالك (١ / ١٨٢).

(٣) البيت من الطويل وهو لخالد بن الطيفان وهو في : الخصائص (٢ / ٤٣١) ، والتذييل (٣ / ٤٧٤) ، ومجالس ثعلب (٢ / ٣٩٦) ، والغرة لابن الدهان (٢ / ٧٨) ، والإنصاف (٢ / ٥١٥) ، والحيوان (٦ / ٤٠) ، والمؤتلف والمختلف (ص ١٤٩) ، والعيني (٤ / ١٧١) ، والهمع (٢ / ١٣٠) ، والدرر (٢ / ١٦٩) ، واللسان «جدع».

والشاهد فيه : نصب «عينيه» بفعل مقدر والتقدير (يفقأ).

٥٢٠