شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٤

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٦

١
٢

باب الثامن عشر

باب الفاعل

[تعريفه]

قال ابن مالك : (وهو المسند إليه فعل أو مضمّن معناه ، تامّ مقدّم فارغ غير مصوغ للمفعول).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : إنما قال : (المسند إليه) ، ولم يقل : الاسم المسند إليه ؛ لأن الفاعل يكون اسما نحو تبارك الله ، وغير اسم نحو قوله تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ)(١) ، و (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)(٢) ، وكقول الشاعر :

١١٩٢ ـ يسرّ المرء ما ذهب اللّيالي

وكان ذهابهنّ له ذهابا (٣)

[٢ / ٢٢٥] هكذا قال المصنف (٤) ، ولو قال : الاسم يشمل الأقسام أيضا ؛ لأن ما أوّل باسم فهو اسم ؛ لأن الاسم : إما صريح ، وإما مؤول ، ثم المسند إلى الفاعل : إما فعل ، أو مضمّن معناه ؛ فالفعل نحو : (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ)(٥) والمضمن معناه نحو : (مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ)(٦).

١١٩٣ ـ وهيهات هيهات العقيق وأهله (٧)

__________________

(١) سورة الحديد : ١٦. (٢) سورة فصلت : ٥٣.

(٣) البيت من الوافر لقائل مجهول وهو في شرح الفصل لابن يعيش (١ / ٩٧ ، ٨ / ١٤٢) ، والتذييل (٢ / ١١١٧) ، والتصريح (١ / ٢٦٨) ، والهمع (١ / ٨١) ، والدرر (١ / ٥٤).

والشاهد قوله : «يسر المرء ما ذهب الليالي» ؛ حيث جاء الفاعل مصدرا مؤولا من «ما والفعل» والتقدير : «ذهاب الليالي».

(٤) شرح التسهيل للمصنف (٢ / ١٠٥) تحقيق د / عبد الرحمن السيد ، ود / بدوي المختون.

(٥) سورة يوسف : ٩٢. (٦) سورة النحل : ١٣.

(٧) صدر بيت من الطويل لجرير عجزه :

وهيهات خلّ بالعقيق نواصله

وهو في الخصائص (٣ / ٤٢) ، وشرح المفصل لابن يعيش (٤ / ٣٥) ، والمقرب (١ / ١٣٤) ، وأوضح المسالك (٢ / ١٤٠) ، والإيضاح للفارس (١ / ١٦٥) ، وشذور الذهب (ص ٤٧٩) ، وقطر الندى (٢ / ١٠٦) ، والعيني (٣ / ٧) ، (٤ / ٣١١) ، والهمع (٢ / ١١١) ، والدرر (٢ / ١٤٥) ، والتصريح (١ / ٣١٨) ، (٢ / ١٩٩) ، وديوان جرير (ص ٤٧٩) ، وقد نسب البيت للمجنون أيضا

٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وقوله :

١١٩٤ ـ أمن رسم دار مربع ومصيف

لعينيك من ماء الشّؤون وكيف (١)

وقوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ)(٢) على أحد الوجهين (٣).

قال المصنف : وهو أحسنهما ، ثم لما كان المسند إليه يشمل الفاعل وغيره ذكر المصنف قيودا للمسند يخرج بها غير الفاعل ، والقيود التي ذكرها أربعة وهي : كونه (تامّا مقدما فارغا غير مصوغ للمفعول).

فاحترزنا بتام عن اسم كان ؛ فإنه ليس فاعلا لكون المسند إليه ناقصا ، وقد سماه سيبويه فاعلا والخبر مفعولا على سبيل التوسع (٤) ، واحترز بمقدّم من نحو زيد من : «زيد قائم» أو «زيد قام» ، فإن المسند فيهما إلى زيد ليس مقدما عليه فلا يكون فاعلا ، وسيأتي بيان كون كل من : «قائم وقام» مسندا إلى المبتدأ ، واحترز بفارغ عن المبتدأ إذا قدم خبره وفيه ضمير نحو : قائم زيد ، وقوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(٥) على القول بأن الذين ظلموا مبتدأ مقدم خبره (٦) ، واحترز بغير ـ

__________________

والشاهد قوله : «هيهات العقيق» ؛ حيث أسند «هيهات» إلى الفاعل وهو «عقيق» وهيهات مضمن معنى الفعل وليس فعلا.

(١) البيت من بحر الطويل وهو مطلع قصيدة للحطيئة في مدح سعيد بن العاص وهو وال على المدينة بدأها بالغزل.

اللغة : المربع والمصيف : وقت الربيع والصيف ، والشؤون : مجاري الدموع ، الوكيف : سقوط الدمع والقطر ، ويستشهد به على رفع مربع ومصيف فاعلا بالظرف. والبيت في : شرح التسهيل (٣ / ١١٨) ، وابن يعيش (٦ / ٦٢) ، وديوان الحطيئة (ص ٨١) (دار صادر).

(٢) سورة البقرة : ١٩.

(٣) أي على كون «صيب» صفة بمعنى نازل أو منزل وهو أحد الوجهين فيها ، والوجه الآخر هو كونها اسم جنس. ينظر : روح المعاني (١ / ١٤٤).

(٤) ينظر : الكتاب (١ / ٤٥). (٥) سورة الأنبياء : ٣.

(٦) هذا القول أحد الأقوال التي ذكرت في إعراب هذه الآية ، وقد ذكر العكبري هذه الأقوال مفصلة في كتاب : إملاء ما منّ به الرحمن (٢ / ١٣٠) يقول : «قوله تعالى : (الَّذِينَ ظَلَمُوا) في موضعه ثلاثة أوجه : أحدها : الرفع ، وفيه أربعة أوجه : أحدها : أن يكون بدلا من الواو في أسروا ، والثاني : أن يكون فاعلا ، والواو حرف للجمع لا اسم ، والثالث : أن يكون مبتدأ والخبر (هَلْ هذا ،) والتقدير : يقولون هل هذا ، والرابع : أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي : هم الذين ظلموا ، والوجه الثاني : أن يكون منصوبا على إضمار أعني ، والثالث : أن يكون مجرورا صفة للناس». اه وينظر : الكشاف (٢ / ٤٠) فقد ذكر

٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مصوغ للمفعول عن المفعول النائب عن الفاعل نحو : ضرب زيد منزوعا ثوبه ؛ لأنه ليس فاعلا عند أكثر النحويين (١).

قال المصنف : وقد اضطر الزمخشري إلى تسميته مفعولا بعد أن جعله فاعلا (٢) ، هذا آخر الكلام على الحد المذكور (٣).

وقد ناقش الشيخ المصنف في أمرين وهما :

١ ـ تقييد المسند بكونه مقدما وبكونه فارغا فقال في مقدم : هذا حكم من أحكام الفاعل فذكره في الحد لا يناسب ، إنما يحد بالأشياء الذاتية ، قال : ولكونه حكما وقع فيه الخلاف بين البصريين والكوفيين كما سيأتي (٤).

وقال في فارغ : إنه غير محتاج إليه ؛ لأن قائم من قولنا : «قائم زيد» ؛ لم يسند إلى زيد إنما أسند إلى ضميره ، وكذلك : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(٥).

وحاصله : أنه متى تقدم الخبر وهو اسم مضمن معنى الفعل وجب كونه مسندا إلى ضمير ذلك المبتدأ ، وإذا كان مسندا إلى الضمير يتعذر إسناده إلى الفاعل ، فإذا لا احتياج إلى قوله : (فارغ) (٦).

والجواب عن الأول : أن يقال : إن تعريف الأمور بحسب الاصطلاحات في كل فنّ ليس تعريفا ذاتيّا لها ، فيجب فيه ذكر الأمور الذاتية ، إنما هو تعريف لها بحسب الاسم ، والتعريف بحسب الاسم المعتبر فيه أن يذكر ما يعرف به ذلك الأمر بالنسبة إلى اصطلاح ذلك الفن المستعمل هو فيه ، ولا شك أن مما يعرف به الفاعل ويتميز به عن غيره تقدم [٢ / ٢٢٦] ما أسند الفعل إليه وقدم عليه. وقد ذكر قيد التقديم غير المصنف ؛ فقال ابن عصفور : الفاعل هو اسم مقدم عليه ما أسند إليه ، وقال ابن الحاجب : الفاعل ما أسند الفعل إليه (٧).

__________________

هذا الوجه الذي ذكره المصنف هنا فقال : أو هو مبتدأ خبره (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) قدم عليه. اه.

وتلحظ من نص العكبري أنه لم يذكر هذا الوجه الذي ذكره المصنف ضمن أوجه الرفع التي ذكرها في الآية.

(١) ينظر : شرح الألفية للمرادي (٢ / ٣). (٢) ينظر : المفصل للزمخشري (ص ٢٥٨).

(٣) شرح التسهيل للمصنف (٢ / ١٠٦). (٤) التذييل (٢ / ١١١٩).

(٥) سورة الأنبياء : ٣. (٦) التذييل (٢ / ١١٢٣).

(٧) من أول قوله : (وقد ذكر قيد التقديم) إلى قوله : (ما أسند الفعل إليه) ساقطة من (أ). ينظر : المقرب لابن عصفور (١ / ٥٣) ، وشرح الجمل (١ / ١٥٧) لابن عصفور أيضا ، وشرح الكافية للرضي (١ / ٧٠).

٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وعن الثاني : أن يقال : الإسناد كما يكون إلى الفاعل يكون إلى المبتدأ ، والذي يسند إلى المبتدأ هو الخبر ، وإذا كان الخبر مسندا فلفظ المسند صادق عليه ، وإذا كان كذلك ؛ فقول المصنف : (وهو المسند إليه فعل أو مضمّن معناه) يصدق على «زيد» من نحو : قائم زيد ، أنه مسند إليه ما ضمن معنى الفعل (١) وعلى (الَّذِينَ ظَلَمُوا)(٢) أنه مسند إليه فعل (٣) ، وقد قدم المسند عليهما ، فلو اقتصر على ما تقدم لزم أن يكون «زيد» و (الَّذِينَ ظَلَمُوا) فاعلين ، ولا شك في أنهما مبتدآن فوجب إخراجهما فأخرجهما بقوله : (فارغ) ؛ لأن قائما وإن كان مسندا مقدما فليس فارغا ، وكأن الشيخ قصر الإسناد على الإسناد إلى الفاعل فتوجهت له المناقشة.

ويدل على أن الموجب للمصنف الاحتراز بقوله : فارغ ، ما قلته تقييد ابن عصفور تقديم المسند على المسند إليه بقوله : (لفظا ورتبة) (٤) ، فأخرج بقوله : (ورتبة) نحو : منطلق زيد ؛ لأن منطلقا وإن تقدم لفظا مؤخر رتبة ؛ فلو لم يصدق على منطلق في هذا التركيب أنه مسند إلى زيد لم يحتج إلى قوله : (ورتبة).

لكن هاهنا بحث : وهو أنه قد ينازع في الفعل نحو : (وَأَسَرُّوا)(٥) فيقال : إنه ليس مسندا إلى المبتدأ إنما المسند إليه الجملة بتمامها وهو متجه.

وقد يقال في جوابه : إذا كانت الجملة مسندة صدق أن الفعل الذي هو جزء الجملة مسند أيضا وفيه نظر وبعد ، فإن تم هذا البحث فيكون الاحتراز حينئذ إنما هو عن نحو : قائم زيد ، لكن كلام المصنف شامل للاسم والفعل ، وقد مثل بهما فدل تمثيله على أنهما مرادان ، وإذا تقرر هذا فاعلم أن المصنف لما ذكر أن الفاعل يكون غير اسم وأنشد :

١١٩٥ ـ يسرّ المرء ما ذهب اللّيالي

 .... البيت (٦)

أنشد قول الشاعر :

١١٩٦ ـ ما ضرّ تغلب وائل أهجوتها

أم بلت حيث تلاطم البحران (٧)

__________________

(١) وهو «قائم» ؛ لأنه اسم فاعل. (٢) سورة الأنبياء : ٣.

(٣) وهو قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى).

(٤) ينظر : المقرب (١ / ٥٣).

(٥) سورة الأنبياء : ٣.

(٦) تقدم ذكره.

(٧) البيت من الكامل وهو للفرزدق ، وهو في : الأمالي الشجرية (١ / ٢٦٦) ، والتذييل (٢ / ١١١٧) ،

٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فحكم بأن «أهجوتها أم بلت» بمنزلة «ما ذهب الليالي» واقتضى هذا أن «أهجوتها» مؤول باسم هو الفاعل ، كما أن «ما ذهب الليالي» كذلك ، وحينئذ يحصل إشكال ؛ لأنه ليس معنا حرف مصدري ينسبك منه ومما بعده اسم يكون هو الفاعل ، حتى جعل الشيخ أن هذا من المصنف يدل على موافقته القائلين بأن الفاعل يصح أن يكون فعلا ، والظاهر أن المصنف لم يعرج على شيء من ذلك ، ولا يجيز أن يكون الفاعل غير اسم وإنما حكم المصنف على «أهجوتها» بما حكم به على «ما ذهب الليالي» من أجل أن الهمزة فيه للتسوية كما هي بعد ما أبالي ، ولا شك أن المصدر يصح حلوله محل الجملة الواقعة بعد الهمزة المذكورة كما في قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)(١) ؛ إذ المعنى سواء عليهم الإنذار وعدمه [٢ / ٢٢٧] وكذلك إذا قلت : ما أبالي أذهب زيد أم مكث ، المعنى : ما أبالي بذهاب زيد ومكثه (٢) ، وكذا المعنى في البيت : ما ضرّ تغلب وائل هجوك إياها وبولك ؛ إذ المعنى استواء الأمرين عندهما ، فكما أن قوله : حيث تلاطم البحران لا يضرها ، كذلك هجوه إياها لا يضرها أيضا (٣).

أما المسألة التي أشار إليها الشيخ فلم تجر للمصنف ببال ، غير أن المنقول أن من النحاة من يجيز ذلك ، قال ابن عصفور بعد أن ذكر أن الفاعل لا يكون إلا اسما : هذا مذهب الفارسي والمبرد وجمهور البصريين ؛ لأن وقوع الجملة عندهم في موضع الفاعل غير سائغ ، وهو الصحيح (٤).

وذهب جماعة من الكوفيين منهم هشام وأحمد بن يحيى إلى أن وقوعها في ـ

__________________

والخزانة (٢ / ٥٠١) عرضا ، والحيوان للجاحظ (١ / ١٣) ، والبيان والتبيين (٣ / ٢٤٨). وديوان الفرزدق (ص ٨٨٢).

والشاهد قوله : «ما ضر تغلب وائل أهجوتها أم بلت» ؛ حيث جاء الفاعل مصدر مؤولا بلا سابك لوقوع الجملة بعد همزة التسوية ، والتقدير : ما ضر تغلب وائل هجوك إيّاها وبولك حيث تلاطم البحران.

(١) سورة البقرة : ٦.

(٢) ينظر : الكتاب (٣ / ١٧٠).

(٣) ينظر : الأمالي الشجرية (١ / ٢٦٦).

(٤) لم يصرح ابن عصفور في المقرب ولا في شرح الجمل بنسبة هذا القول إلى الفارسي والمبرد وجمهور البصريين كما قال الشارح هنا ، وربما يكون قد قال هذا في كتاب آخر يقول ابن عصفور في المقرب (١ / ٥٣) : «الفاعل هو اسم أو ما في تقديره متقدم عليه ما أسند إليه لفظا أو نيّة على طريقة فعل أو فاعل».

ويقول في شرح الجمل (١ / ١٥٧) ـ طبعة العراق ـ : «الفاعل هو كل اسم أو ما هو في تقديره أسند

٧

.................................................................................................

______________________________________________________

موضع الفاعل سائغ وأجازوا : يعجبني يقوم زيد ، وظهر لي أقام زيد أم عمرو ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ)(١) ، ففاعل (بَدا) عندهم الجملة التي هي (لَيَسْجُنُنَّهُ).

وبقول الشاعر :

١١٩٧ ـ وما راعني إلّا يسير بشرطة

وعهدي به قينا يغشّ يكير (٢)

ففاعل راع عندهم الجملة التي هي : يسير بشرطة (٣) ، وذهب الفراء وجماعة من النحويين إلى أن وقوع الجملة في موضع الفاعل لا يسوغ إلا أن يكون في موضع فاعل فعل من أفعال القلوب ويكون الفعل إذ ذاك علق عليها ، فأجاز أن يقال : ظهر لي أقام زيد أم عمرو ، ولم يجيزوا : يعجبني يقوم زيد ، فإن جاء عندهم ما ظاهره ذلك تأولوه (٤) ، وقد نسب هذا القول إلى سيبويه (٥) ، والصحيح أن وقوع الجملة ـ

__________________

إليه فعل أو ما جرى مجراه وقدم عليه على طريقة فعل أو فاعل ـ ثم قال : فالفاعل إذن لا يكون إلا اسما ، و «أنّ» ، و «أن» ، و «ما» مع ما بعدهن ، خلافا لمن أجاز أن يكون الفاعل فعلا ، واحتج بقوله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) وهذا لا حجة فيه ؛ لأنه يحتمل أن يكون فاعل (بَدا) ضمير المصدر الدال عليه وهو البداء ، كأنه قال : ثم بدا لهم هو ، أي : البداء» اه.

من هذا النص الثاني يتضح لنا عدم تصريح ابن عصفور بنسبة هذا القول إلى الفارسي والمبرد والبصريين ، وربما يكون الشارح قد قال ذلك على قول ابن عصفور : خلافا لمن أجاز أن يكون الفاعل فعلا ؛ لأن هذا رأي الكوفيين ومن تبعهم.

(١) سورة يوسف : ٣٥.

(٢) البيت من الطويل وهو لمعاوية الأسدي ، وهو في : الخصائص (٢ / ٤٣٤) ، والتذييل (٢ / ١١١٦) ، والخزانة (٢ / ٤٤٢) ، والعيني (٤ / ٤٠٠) ، وابن يعيش (٤ / ٢٧) ، والمغني (٢ / ٤٢٨) ، وشرح شواهده (٢ / ٨٤٠) ، وحاشية الخضري (١ / ١٥٩).

والشاهد قوله : «وما راعني إلا يسير» ؛ حيث وقع الفعل في الظاهر مسندا لفعل آخر وهو «يسير» وقد أوله النحويون على تقدير «أن».

(٣) ينظر التذييل (٢ / ١١١٦) ، والمغني (٢ / ٤٢٨).

(٤) ينظر الارتشاف (٦٢١) ، والمغني (٢ / ٤٢٨) ، والتصريح (١ / ٢٦٨).

(٥) في الكتاب (٣ / ١١٠): «وقال : أظن لتسبقنّني ، وأظن ليقومنّ ؛ لأنه بمنزلة «علمت» وقال عزوجل : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ ؛) لأنه موضع ابتداء ألا ترى أنك لو قلت : بدا لهم أيّهم أفضل ، لحسن كحسنه في علمت ، كأنك قلت : ظهر لهم أهذا أفضل أم هذا» اه. وقد ذكر الأستاذ هارون في هامش (٣) من الصفحة نفسها أنه قد جاء في نسختين أخريين من نسخ الكتاب زيادة بعد بدا فقال : «بعده في كل من (أ، ب) : بدا لهم فعل ، والفعل لا يخلو من فاعل ، ومعناه عند النحويين أجمعين : بدا لهم بدوّ قالوا : ليسجننه ، وإنما أضمروا البدو ؛ لأنه مصدر يدل عليه قوله : بدا لهم ،

٨

.................................................................................................

______________________________________________________

موقع الفاعل لا يسوغ بدليل أنه لا يوجد في كلامهم : يعجبني يقوم زيد ، ولا صح : أقام زيد أم لم يقم ، يريد : يعجبني قيام زيد ، وصح ما كان من قيام زيد أو عدمه ، وما استدلوا به مؤول. أما فاعل (بَدا) من قوله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ)(١) فقال أبو عثمان : هو مضمر في الفعل ، المعنى : ثم بدا لهم بداء ؛ فأضمر الفاعل لدلالة فعله عليه ، وجاز هذا وحسن وإن لم يحسن أن يقول : ظهر لي ظهور ، وعلن لي علن ؛ لأن البداء والبدء قد استعملا على غير معنى المصدر.

قالوا : بدا لهم بدء ، أي : ظهر لهم رأي (٢) ، ويدل على ذلك قول الشاعر :

١١٩٨ ـ لعلّك والموعود حقّ لقاؤه

بدا لك في تلك القلوص بداء (٣)

والجملة التي هي (لَيَسْجُنُنَّهُ)(٤) تحتمل ثلاثة أوجه :

١ ـ أن تكون في موضع مفعول لقول مضمر والتقدير : قالوا : ليسجننه ، قاله أبو عثمان وذهب إليه المبرد.

٢ ـ وأن تكون مفسرة لذلك الضمير المستتر في (بَدا) ولا موضع لها من الإعراب (٥).

٣ ـ أن تكون جوابا للجملة التي هي (بَدا لَهُمْ ؛) لأن (بَدا) من أفعال القلوب ، وأفعال القلوب تجريها العرب مجرى القسم فتلقاها بما [٢ / ٢٢٨] يتلقى به القسم (٦) ، ومثل هذه الآية الشريفة قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ

__________________

وأضمر كما قال تعالى جده : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ولا يكون ليسجننه بدلا من الفاعل ؛ لأنه جملة والفاعل لا يكون جملة» اه.

وأعتقد أن ما جاء في هذا النص يبطل ما نسب سيبويه من أنه يجيز وقوع الجملة في موضع الفاعل إلا إذا كان فاعل فعل من أفعال القلوب. (١) سورة يوسف : ٣٥.

(٢) ينظر : إملاء ما منّ به الرحمن (٢ / ٥٣) ، والأمالي الشجرية (١ / ٣٠٥ ، ٣٠٦) ، والكشاف (١ / ٣٨٧ ، ٣٨٨).

(٣) البيت من الطويل وهو لمحمد بن بشير ، وهو في : الأغاني (١٤ / ١٥١) ، والخصائص (١ / ٣٤٠) ، والأمالي الشجرية (١ / ٣٠٦) ، والمغني (٢ / ٣٨٨) ، وشرح شواهده (٢ / ٨١٠) ، وشذور الذهب (ص ٢١٦) ، والخزانة (٤ / ٣٧) ، والتصريح (١ / ٢٨٦) ، والهمع (١ / ٢٤٧) ، والدرر (١ / ٢٠٤) ، وحاشية الخضري (١ / ١٥٩) ، وحاشية الصبان (٢ / ٤٣).

والشاهد قوله : «بدا لك بداء» ؛ حيث أسند الفعل إلى مصدر.

(٤) سورة يوسف : ٣٥.

(٥) ينظر : إملاء ما منّ به الرحمن (٢ / ٥٣) ، وحاشية الصبان (٢ / ٤٣) ، والتصريح (١ / ٢٦٨).

(٦) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور (١ / ١٥٧) طبعة العراق ، والمغني (٣ / ٤٠٠ ، ٤٠١).

٩

[من أحكام الفاعل : الرفع وتقديم الفعل]

قال ابن مالك : (وهو مرفوع بالمسند حقيقة إن خلا من «من» و «الباء» الزّائدتين ، وحكما إن جرّ بأحدهما أو بإضافة المسند ، وليس رافعه الإسناد ، خلافا لخلف. وإن قدّم ولم يل ما يطلب الفعل فهو مبتدأ ، وإن وليه ففاعل فعل مضمر يفسّره الظّاهر ، خلافا لمن خالف).

______________________________________________________

قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ)(١) ففاعل «يهدي» ضمير مضمر فيه عائد على المصدر المفهوم منه وكأنه قيل : أو لم يهد لهم هدايتنا ، وساغ ذلك ؛ لأن الهداية قد تستعمل استعمال الدلالة التي يراد بها الحجة على الشيء والبرهان ، فكأنه قيل : أو لم يتبين لهم حجتنا ، ويكون قوله تعالى : (كَمْ أَهْلَكْنا) في موضع نصب بما دل عليه (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) لأنه بمنزلة : أولم يعلموا (٢). وأما قول القائل :

١١٩٩ ـ وما راعني إلّا يسير بشرطة (٣)

فهو على إضمار «أن» ؛ التقدير : إلا أن يسير (٤). انتهى.

ويبعد في النظر والفعل كون الجملة فاعلة ، ولكن أقوال الأئمة لا تردّ وإنما ذكرت هذه المسألة استبعادي تصورها واعتقادي عدم صحتها ؛ لئلا يخلو الكتاب عن ذكرها ، فيظن عدم الاطلاع عليها.

قال ناظر الجيش : أما كون الفاعل مرفوعا فمعروف قالوا : وإنما رفع الفاعل للفرق بينه وبين المفعول (٥) ، فإن قيل : لو عكس ذلك لحصل الفرق؟

أجيب : بأن هذا السؤال يفضي إلى الدور ، وبأن الرفع أثقل من النصب ، والفاعل لا يكون إلا واحدا ، والمفعول متعدد ، فأعطي الأثقل للواحد ، والأخف للمتعدد ؛ ليتعادلا (٦) ، ثم إنه إما مرفوع حقيقة أي لفظا ومعنى نحو : صدق الله ، ـ

__________________

(١) سورة السجدة : ٢٦.

(٢) ينظر : المغني (١ / ١٨٣ ـ ١٨٤) ، والكشاف (١ / ٢٠٣) ، وحاشية الشيخ يس على التصريح (١ / ٢٦٨).

(٣) تقدم ذكره.

(٤) ينظر : حاشية الخضري (١ / ١٥٩) ، وشرح المفصل لابن يعيش (٤ / ٢٧).

(٥) ينظر : المقتضب (١ / ١٤٦) ، والمرتجل (ص ١١٨) تحقيق علي حيدر.

(٦) علل ابن عصفور في شرح الجمل (١ / ١٦٢) لهذه المسألة بما علل به الشارح هنا إلا أن تعليله هناك يختلف مع تعليل الشارح هنا في الجزء الأخير. يقول ابن عصفور : «وإنما رفع الفاعل ونصب المفعول تفرقة بينهما ، فإن

١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

أو مرفوع حكما ، أي : في المعنى دون اللفظ ، وذلك في ثلاثة مواضع (١) :

أحدها : إذا جرّ بمن الزائدة نحو : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(٢).

الثاني : إذا جرّ بالباء الزائدة نحو : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً)(٣).

الثالث : إذا أضيف إليه المسند نحو قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ)(٤).

وإنما قال المصنف : (بإضافة المسند) ولم يقل : بإضافة المصدر ؛ لأن المسند الصالح للإضافة قد يكون اسم مصدر كما يكون مصدرا ، فالمصدر قد ذكر ، وغير المصدر كقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قبلة الرّجل امرأته الوضوء» (٥) فالرجل مجرور اللفظ مرفوع المعنى بإسناد «قبلة» إليه فإنها قائمة مقام تقبيل ؛ لذا انتصب بها المفعول ، وكذا المجرور بـ «من» «والباء» مرفوع معنى ، ولو عطف أو نعت ؛ لجاز في المعطوف والنعت الجر باعتبار اللفظ ، والرفع باعتبار المعنى (٦).

وأما الرافع للفاعل فهو ما أسند إليه من فعل أو مضمن معناه ، هذا هو المذهب الصحيح وعليه التعويل وهو رأي سيبويه فإنه قال : يرتفع المفعول كما يرتفع الفاعل [٢ / ٢٢٩] لأنك لم تشغل الفعل بغيره ، وفرغته له كما فعلت ذلك بالفاعل (٧).

وهذا الكلام ظاهر في أن الرافع للفاعل هو : الفعل المسند إليه وهو الحق ؛ لأن ـ

__________________

قيل : فهلا كان الأمر بالعكس؟ فالجواب : أن الفعل لما كان يطلب جملة من المفعولين أقلها خمسة وهي : المفعول المطلق ، والمفعول معه ، وظرف الزمان ، وظرف المكان ، والمفعول من أجله ، وأكثرهم ثمانية ، وذلك إذا كان الفعل من باب ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولين ، ولا يطلب من الفاعلين إلا واحدا نصب طلبا للتخفيف ولم يرفع ولم يخفض ؛ لئلا يتوالى به الثقل ، فلما استحق المفعول النصب لم يبق للفاعل إلا الرفع أو الخفض فكان الرفع به أولى من الخفض ، حيث كان الرفع أولا والخفض ثانيا عنه ، والفاعل أولى من حيث مرتبته إن تقدم على المفعول ، فأعطى الأول للأول مناسبة» اه.

وينظر : شرح السيرافي في الكتاب (٢ / ٢٢٠) تحقيق دردير أبو السعود ، فتعليله متفق مع تعليل ابن عصفور ، وتعليل الشارح ، وينظر أيضا : المرتجل (ص ١١٨) حيث علل صاحبه بهذا التعليل أيضا.

(١) شرح التسهيل : (٢ / ١٠٦).

(٢) سورة الحجر : ١١.

(٣) سورة النساء : ١٦٦ ، وسورة الفتح : ٢٨.

(٤) سورة البقرة : ٢٥١ ، وسورة الحج ٤٠.

(٥) حديث شريف أخرجه الإمام مالك في الموطأ الحديث (٦٧) من كتاب الطهارة.

(٦) ينظر : الهمع (١ / ١٦٠) ، وأوضح المسالك (١ / ١٣٩) ، والتصريح (١ / ٢٧٠) ، والأشموني (٢ / ٤٤).

(٧) الكتاب (١ / ٣٣).

١١

.................................................................................................

______________________________________________________

العامل بما به يتقوم المعنى المقتضي.

وقد قيل في الرافع للفعل أقوال غير ذلك لا معول على شيء منها.

فمنها : أنه الإسناد ، وهو الذي ذكر المصنف أنه مذهب خلف (١) ، ورده بأن الإسناد نسبة بين المسند والمسند إليه وليس عملهما في أحدهما بأولى من عملها في الآخر ، وبأن العمل لا ينسب إلى المعنى إلا إذا لم يوجد لفظ صالح للعمل ، والفعل موجود فلا عدول عنه.

ومنها : أن الرافع هو شبهه بالمبتدأ ، وذلك أنه يخبر عنه بفعله كما أن المبتدأ يخبر عنه بالخبر ، ويرد هذا بأن الشّبه معنى ، والعمل لا ينسب إلى المعنى مع وجود لفظ يمكن عمله كما تقدم على أن هذا القول إنما يتم على قول من يقول : إن المبتدأ أصل في المرفوعات.

ومنها : أن الرافع له كونه فاعلا في المعنى ، وهذا في غاية الوهن بدليل أن نحو «زيد» في «ما قام زيد» فاعل وهو لم يفعل شيئا (٢) ، ومثل هذه الأقوال لا ينبغي التشاغل بها.

وأما قول المصنف : (وإن قدم ولم يل ما يطلب الفعل فهو مبتدأ) إلى آخره ، فاعلم أنه قد عرف من جعله تقديم المسند إلى الفاعل قيدا في الحد أن الفاعل لا يتقدم ، فعلى هذا إذا أتي باسم مقدم على شيء صالح أن يكون الاسم فاعلا له أخّر عنه ، وجب أن لا يكون ذلك الاسم مبتدأ ، ولا شك أن هذا عرف من التقييد بالتقديم في الحد ، لكن إنما أعاد المصنف ذكره لفائدتين.

إحداهما : التنبيه على خلاف الكوفيين ، وأنهم يجيزون تقديم الفاعل على ـ

__________________

(١) هو خلف الأحمر البصري أبو محرز بن حيان مولى بن أبي برده ، كان رواية ثقة علامة يسلك مسلك الأصمعي وطريقه ، حتى قيل : هو معلم الأصمعي ، وهو والأصمعي فتقا المعاني وأوضحا المذاهب وبينا المعالم ، قيل : إنه كان يختم القرآن كل ليلة.

من تصانيفه : جبال العرب وما قيل فيها من الشعر ، وله ديوان شعر حمله عنه أبو نواس ، توفي خلف في حدود الثمانين ومائة. بغية الوعاة (١ / ٥٥٤) تحقيق محمد أبو الفضل.

(٢) ينظر هذه الأقوال في شرح الجمل لابن عصفور (١ / ١٦٥ ، ١٦٦) طبعة العراق ، وشرح الرضي على الكافية (١ / ٧١) ، والتصريح (١ / ٢٦٩) ، والهمع (١ / ١٥٩) ، وشرح الألفية للمرادي (٢ / ٨).

١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ما أسند إليه.

الثانية : أن الاسم الذي أشير إليه بأنه إذا قدم يكون مبتدأ ، إنما يكون كذلك إذا لم يل ما يطلب الفعل ، أما إذا ولي الاسم ما يطلب الفعل فإنه يتعين فيه كونه فاعلا لفعل مضمر على المذهب المختار (١).

قال المصنف (٢) : وإن قدم الاسم على الفعل أو ما ضمن معناه صار مرفوعا بالابتداء ، وبطل عمل ما تأخر فيه ؛ لأنه تعرض بالتقديم لتسلط العوامل عليه كقولك في زيد قائم : إن زيدا قائم ؛ فتأثر «زيد» بـ «إنّ» دليل على أن الفعل شغل عنه بفاعل مضمر ، وأنّ رفع «زيد» إنما كان بالابتداء وهو عامل ضعيف ، فلذلك انتسخ عمله بعمل «إن» ؛ لأن اللفظ أقوى من المعنى ، ولو كان الفعل غير مشغول بمضمر حين أخر ، كما كان حين قدم لم يلحقه ألف الضمير ولا واوه ولا نونه في نحو : الزيدان قاما ، والزيدون قاموا [٢ / ٢٣٠] ، والهندات قمن. كما لا تلحقه في نحو : قام الزيدان ، وقام الزيدون ، وقامت الهندات إلا في لغة ضعيفة (٣) ، وإن كان الاسم المتقدم على الفعل مسبوقا بما يطلب الفعل فهو فاعل فعل مضمر يفسره الظاهر المتأخر نحو : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ)(٤) ، وكقول الشاعر :

١٢٠٠ ـ فمتى واغل ينبهم يحيّو

ه وتعطف عليه كأس السّاقي (٥)

__________________

(١) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (١ / ١٥٩) ، والبهجة المرضية للسيوطي (ص ٤٦) ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ٨٣) ، وشرح الألفية للمرادي (٢ / ٤ ، ٥) ، وشرح الألفية للمكودي (ص ٧١) ، وأوضح المسالك (١ / ١٣٠) ، والتصريح (١ / ٢٧١) ، وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (١ / ١٦١) ، والأشموني (٢ / ٤٦) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٨٥).

(٢) انظر : شرح التسهيل لابن مالك (٢ / ١٠٧).

(٣) يقصد لغة «أكلوني البراغيث».

(٤) سورة التوبة : ٦. في معاني القرآن للأخفش (١ / ٢١٧) : («وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) فابتدأ بعد إن ، وأن يكون رفع أحدا على فعل مضمر أقيس الوجهين ؛ لأن حروف المجازاة لا يبتدأ بعدها إلا أنهم قالوا ذلك في «إن» وحسنها إذا وليتها الأسماء وليس بعدها فعل مجزوم في اللفظ» اه.

(٥) البيت من الخفيف وهو لعدي بن زيد العبادي ، وهو في : الكتاب (٣ / ١١٣) ، والمقتضب (٢ / ٧٤) ، والأمالي الشجرية (١ / ٣٣٢) ، والإنصاف (٢ / ٦١٧) ، وابن يعيش (٩ / ١٠) ، وأصول النحو لابن السراج (٢ / ٢٤٢) ، والتذييل (٢ / ١١٢٧) ، والخزانة (١ / ٤٥٦) ، (٣ / ٦٣٩) ، والهمع (٢ / ٥٩) ،

١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وزعم بعض الكوفيين (١) أن تأخر المسند لا يخل برفعه المسند إليه ، واستدل من ذهب إلى هذا بقول امرئ القيس :

١٢٠١ ـ فقل في مقيل نحسه متغيّب (٢)

ويقول الزباء :

١٢٠٢ ـ ما للجمال سيرها وئيدا (٣)

وزعم أن التقدير : فقل في مقيل متغيب نحسه ، وما للجمال وئيدا سيرها ، والجواب عن الأول من وجهين :

أحدهما : أن يكون قائله أراد بنحسه متغيّبي بياء المبالغة كقولهم في أحمر : أحمري ، ودوار : دواري ، وخفف الباء في الوقف كما قال الآخر في إحدى الروايتين : ـ

__________________

والدرر (٢ / ٧٥) وملحقات ديوانه (ص ١٥٦).

والشاهد قوله : «فمتى واغل ينبهم» ؛ حيث تقدم الاسم وهو قوله : «واغل» وولي اسم الشرط وهو «متى» فأعرب فاعلا لفعل محذوف يفسره المذكور.

(١) شرح التسهيل لابن مالك (٢ / ١٠٨).

(٢) عجز بيت من الطويل وصدره :

فظلّ لنا يوم لذيذ بنعمة

والبيت في مجالس العلماء للزجاجي (ص ٣١٩) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ١٦٠) وديوانه (ص ٤٠) طبعة السندوبي ، وشرح المقرب لابن عصفور (ص ٤).

اللغة : المقيل : اسم مكان من القيلولة وهي الظهيرة ، قل : فعل أمر من : قال ، يقيل.

والشاهد قوله : «نحسه متغيب» ؛ حيث تأخر المسند ومع ذلك رفع المسند إليه وذلك على رأي بعض الكوفيين الذين يزعمون أن تأخر المسند لا يخل برفعه المسند إليه ، والتقدير عندهم : متغيب نحسه.

(٣) البيت من الرجز وقد نسبه العيني في شرح الشواهد للخنساء وبعده :

أجندلا يحملن أم حديدا

وينظر في أمالي الزجاجي (ص ١٦٦) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ١٥٩) طبعة العراق ، والكامل للمبرد (ص ٢٧٩) ، ومجمع الأمثال للميداني (١ / ٢٣٦) ، والمغني (٢ / ٥٨٢) ، وشرح شواهده للسيوطي (٢ / ٧١٨ ، ٩١٢) ، والعيني (٢ / ٤٤٨) ، ومعاني القرآن للفراء (٢ / ٧٣ ، ٤٢٤) ، والتذييل (٢ / ١١٢١) ، والخزانة (٣ / ٢٧٢) ، والتصريح (١ / ٢٧١) ، والأشموني (٢ / ٤٦) ، والهمع (١ / ١٥٩) ، والدرر (١ / ١٤١).

والشاهد قوله : «سيرها وئيدا» على رواية من رفع «سيرها» ، وأصله : «وئيدا سيرها» ، فـ «سيرها» فاعل بقوله : «وئيدا» ثم قدم وبقي على فاعليته ، وهذا على مذهب الكوفيين.

١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

١٢٠٣ ـ زعم الغداف بأنّ رحلتنا غدا

وبذاك خبّرنا الغراب الأسود

لا مرحبا بغد ولا أهلا به

إن كان تفريق الأحبّة في غد (١)

ويروى الغراب الأسود ، على الإقواء.

والثاني : أن مقيلا اسم مفعول من قلته بمعنى أقلته أي : فسخت عقد مبايعته فاستعمله موضع متروك مجازا (٢) ، وهو قول ابن كيسان.

والجواب عن الثاني : بأن يجعل سيرها مبتدأ ويضمر خبر ناصب وئيدا كأنه قيل : ما للجمال سيرها ظهر وئيدا ، أو ثبت وئيدا ؛ فيكون حذف الخبر هنا والاكتفاء بالحال نظير قولهم : حكمك مسمطا (٣) ، وقد ينتصر لمجيز ارتفاع الفاعل بعامل متأخر بمثل قول الشاعر :

١٢٠٤ ـ فمتى واغل ينبهم يحيّو

ه وتعطف عليه كأس السّاقي (٤)

فيقال : واغل إما مرفوع بمضمر يدل عليه المتأخر أو بالمتأخر ، وارتفاعه بمضمر ممتنع لاستلزامه إعمال أداة الشرط في فعلين قبل الجواب ، وليس الثاني تابعا للأول فتعيّن ارتفاعه بالمتأخر.

والجواب : أن المحذوف في مثل هذا لما التزم حذفه وجعل المتأخر عوضا منه صار نسيا منسيّا ، فلم يلزم من نسبة العمل إليه وجود جزمين قبل الجواب.

على أنه لو جمع بينهما على سبيل التوكيد لم يكن في ذلك محذور ؛ فأن لا يكون محذور في تعليق الذهن بهما وأحدهما غير منطوق به ولا محكوم بجواز ـ

__________________

(١) البيتان من الكامل وهما للنابغة الذبياني وينظر فيهما الخصائص (١ / ٢٤٠) ، والتذييل (٢ / ١١٢١) ، برواية «البوارح» مكان «الغداف» ، والهمع (١ / ٩٩) ، والدرر (١ / ٧٥) وديوانه (ص ٣٨) طبعة بيروت.

والشاهد قوله : «خبرنا الغراب الأسود» ؛ حيث خفف ياء النسب لأجل الوقف وياء النسب هذه دخلت الصفة لأجل المبالغة وذلك على إحدى الروايتين في البيت ، والرواية الأخرى هو أنه يروى «الغراب الأسود» بضم الدال ، وقيل : إن الشاعر غير هذه الرواية إلى «وبذلك تنعاب الغراب الأسود» ولا شاهد على هذه الرواية.

(٢) خرج ابن عصفور هذا البيت في شرح الجمل (١ / ١٦٠) فقال : «فنحسه مرفوع بمقيل ، ومقيل مصدر وضع موضع اسم الفاعل ، كأنه قال : قائل نحسه ، ويكون معناه ومعنى متغيب واحد» اه.

(٣) فحكمك مبتدأ حذف خبره ؛ لسد الحال مسده أي : حكمك لك مثبتا. التصريح (١ / ٢٧١).

(٤) تقدم ذكره.

١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

النطق به أحق وأولى ، وأجاز الأعلم وابن عصفور رفع وصال بيدوم في قول الشاعر (١) :

١٢٠٥ ـ ..... وقلّما

وصال على طول الصّدود يدوم (٢)

لا بفعل مضمر ويكون هذا من الضروريات (٣) ، وأجاز الأخفش رفع المقدم بعد إن ، وأن يكون رفع [٢ / ٢٣١] أحد على فعل مضمر أقيس الوجهين (٤) ، قال : وقد زعموا أن قول الشاعر (٥) :

١٢٠٦ ـ أتجزع نفسي إن أتاها حمامها (٦)

__________________

(١) نسب البيت في سيبويه (١ / ٣١) ، (٣ / ١١٥) لعمر بن أبي ربيعة وقد نسبه الأعلم الشنتمري والبغدادي للمرار الفعقسي.

(٢) البيت من الطويل وهو في الكتاب (١ / ٣١) ، (٣ / ١١٥) ، وشرح أبياته للسيرافي (١ / ١٠٥) ، والمقتضب (١ / ٢٢٢) ، والمنصف (١ / ١٩١) ، (٢ / ٦٩) ، والمحتسب (١ / ٩٦) ، والأمالي الشجرية (٢ / ١٣٩) ، والإنصاف (١ / ١٤٤) ، وابن يعيش (٤ / ٤٣) ، (٧ / ١١٦) ، (٨ / ١٣٢) ، (١٠ / ٧٦) ، والتذييل (٢ / ١١٢٩ ، ١١٣٠) ، وأصول النحو لابن السراج (٢ / ٢٤٣) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ١٦٠) ، والمغني (١ / ٣٠٧) ، وشرح شواهده للسيوطي (٢ / ٧١٧) ، والخزانة (٤ / ٢٨٧) ، والتصريح (١ / ٢١٩) ، والهمع (٢ / ٨٣) ، والدرر (٢ / ١٠٧ ، ٢٤٠) وملحقات ديوان عمر بن أبي ربيعة (ص ٤٩٤). وصدر البيت : صددت فأطولت الصدود.

والشاهد قوله : «وقلما وصال ... يدوم» ؛ حيث رفع وصال وهو فاعل «يدوم» مقدم عليه ، والأصل : وقلما يدوم وصال ، وهذا على رأي الأعلم وابن عصفور اللذين جعلا ذلك من الضروريات ، وقد أجاز الكوفيون ذلك مطلقا.

(٣) ينظر تحصيل عين الذهب بهامش الكتاب (١ / ١٢) طبعة الأميرية ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ١٦٠) طبعة العراق.

(٤) ينظر : معاني القرآن للأخفش (١ / ٢١٧).

(٥) نسب البيت في ذيل الأمالي لرجل من محارب ، وفي شرح شواهد المغني لزيد بن رزبن بن الملوح المحاربي أخي بني بكر.

(٦) صدر بيت من الطويل وعجزه :

فهلّا الّتي عن بين جنبيك تدفع

والبيت في المحتسب (١ / ٢٨١) ، والتذييل (٢ / ١١٢٨) ، وذيل الأمالي (ص ١٥٠) ، والمغني (١ / ١٤٩) ، وشرح شواهده للسيوطي (١ / ٤٣٦) ، وسمط اللآلئ (ص ٤٩) ، والتصريح (٢ / ١٦) ، والهمع (٢ / ٢٢) ، والدرر (٢ / ١٥) ، ومعاني القرآن للأخفش (١ / ٢١٧).

ويروي البيت :

١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لا ينشد إلا رفعا وقد سقط الفعل على شيء من سببه ، وهذا قد ابتدئ بعد «إن» ، وإن شئت جعلته رفعا بفعل مضمر هذا نصه (١) ، وقد أشرت إلى هذا وغيره بقولي في آخر الفصل : خلافا لمن خالف. انتهى كلام المصنف (٢).

والمخالف هم الكوفيون ؛ لأنهم أجازوا كون الاسم المقدم على الفعل فاعلا لذلك الفعل المؤخر كما عرفت ، والأخفش ؛ لأنه أجاز كون الاسم المرفوع الواقع بعد أدوات الشرط مبتدأ كما نقل المصنف وغيره عنه. واعلم أن الذي نسبه المصنف إلى الأعلم وابن عصفور في :

١٢٠٧ ـ ..... وقلّما

وصال على طول الصّدود يدوم (٣)

هو قول سيبويه ؛ لأنه جعله من باب (٤) الاستقامة والإحالة بقوله : كي زيد يأتيك (٥) ، ولا وجه لهذا إلا تقديم الفاعل على الفعل فكذلك هذا ، ولما ذكر سيبويه الحروف التي لا يليها إلا الفعل وذكر قلّما قال : وقد يقدّمون الاسم في الشعر ، قال :

١٢٠٨ ـ صددت فأطولت الصّدود وقلّما

وصال على طول الصّدود يدوم (٦)

انتهى. وقلّما إذا لحقتها «ما» وكان معناها على النفي المحض لا على مقابلة كثر ، اختصت بالفعل ولا يليها غيره إلا في الضرورة كما تقدم وهل هي حرف أو فعل ، لهم في ذلك نظر ، قالوا : والأظهر أنها فعل ؛ لثبوت ذلك فيها قبل لحوق «ما» واستعمالها للنفي المحض لكنها لما استعملت استعمال ما لا يحتاج إلى فاعل لم يكن لها فاعل (٧).

__________________

فهل أنت عمّا بين جنبيك تدفع

والشاهد قوله : «إن نفسي أتاها حمامها» ؛ حيث رفع «نفسي» بعد «إن» بالابتداء وهو مذهب الأخفش ويمكن أن تقدر فعلا موافقا في المعنى للفعل المفسر وتكون «نفسي» فاعلا به.

والتقدير : إن ماتت نفسي أتاها حمامها.

(١) معاني القرآن للأخفش (١ / ٢١٧).

(٢) ينظر : شرح التسهيل (٢ / ١١٠).

(٣) تقدم ذكره.

(٤) زاد في (ب) بعد قوله : لأنه جعله من «المستقيم القبيح الذي في غير موضعه ، وقد مثل سيبويه المستقيم القبيح في باب الاستقامة».

(٥) ينظر : الكتاب (١ / ٣١).

(٦) الكتاب (٣ / ١١٥).

(٧) ينظر : شرح المفصل لابن يعيش (٨ / ١٣٢).

١٧

[من أحكام الفاعل : تأنيث الفعل وجوبا وجوازا]

قال ابن مالك : (ويلحق الماضي المسند إلى مؤنّث أو مؤوّل به أو مخبر به عنه أو مضاف إليه مقدّر الحذف تاء ساكنة ، ولا تحذف غالبا إن كان ضميرا متّصلا مطلقا ، أو ظاهرا متّصلا حقيقيّ التّأنيث غير مكسّر ولا اسم جمع ولا جنس ، ولحاقها مع الحقيقيّ المقيّد المفصول بغير «إلّا» أجود ، وإن فصل بها فبالعكس. وحكمها مع جمع التّكسير وشبهه ، وجمع المذكّر بالألف والتّاء ، حكمها مع الواحد المجازيّ التّأنيث ، وحكمها مع جمع التّصحيح غير المذكور آنفا حكمها مع واحده ، وحكمها مع البنين والبنات حكمها مع الأبناء والإماء ، ويساويها في اللّزوم وعدمه تاء مضارع الغائبة ونون التّأنيث الحرفيّة).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : قال المصنف (١) : تاء التأنيث الساكنة مختصة من الأفعال بالماضي وضعا (٢) ؛ لأن الأمر مستغن بالياء والمضارع مستغن بها إن أسند إلى مخاطبة (٣) ، وبتاء المضارعة إن أسند إلى غائبة أو غائبين وكان حق تاء فعلت أن لا تلحق الفعل ؛ لأن معناها للفاعل إلا أنه كجزء من الفاعل فجاز أن تدل على معنى فيه ما اتصل بما هو كجزء منه كما جاز أن يتصل بالفاعل [٢ / ٢٣٢] علامة رفع الفعل في يفعلان ويفعلون وتفعلين (٤) ؛ ولأن تأنيث لفظ الفاعل غير موثوق به ، لجواز اشتراك المؤنث والمذكر في لفظ واحد كجنب ، وربعة ، وهمزة ، وضحكة ، وفروقة وراوية ، وصبور ، ومذكار ، وقتيل ؛ ولأن المذكر قد يسمى به مؤنث وبالعكس (٥) ، فاحتاطت العرب في الدلالة على تأنيث الفاعل بوصل الفعل بالتاء المذكورة ؛ ليعلم ـ

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل لابن مالك (٢ / ١١٠).

(٢) ينظر : شرح الألفية للمرادي (١ / ٤٠) ، وحاشية يس على التصريح (١ / ٤٠) ، وشرح ابن عقيل (١ / ٢٥).

(٣) ينظر : البهجة المرضية للسيوطي (ص ٤٧) ، والهمع (٢ / ١٧٠).

(٤) ينظر : شرح الألفية لابن الناظم (ص ٨٥) ، وسر صناعة الإعراب لابن جني (١ / ٢٢٤ ، ٢٢٥).

(٥) في المذكر والمؤنث للفراء (ص ١١٨): «وقد ينعت العرب الرجل والمرأة فقالوا : رجل ربعة ، وامراة ربعة ، ورجل ملّة وامرأة ملّة للملول ، ويقال : رجل ملولة ، وامرأة ملولة ، ورجل نظورة قومه ، ونظيرة قومه ، وكذلك المرأة ، ورجل صرورة للذي لم يحج وامرأة صرورة ، ورجل فروقة وفرّقة وفاروقة ، والمرأة كذلك ، ورجل هذرة ، وامرأة هذرة ، ورجل همزة لمزة ، والمرأة كذلك إلخ». اه.

١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

من أول وهلة أن الفاعل أو ما جرى مجراه مؤنث ، كقولك : ظهرت الجنب وكانت الربعة حائضا وثبتت الهمزة وجعلوا لحاقها في اللغة المشهورة لازما إن كان المسند إليه ضميرا متصلا حقيقي التأنيث أو مجازيّه كهند قامت ، والدار حسنت ، أو كان ظاهرا متصلا حقيقي التأنيث مفردا أو مثنى أو مجموعا جمع تصحيح ، كقامت هند ، وقعدت بنتاها ، وذهبت عماتها (١).

وأشرت بقولي : (أو مؤول به) إلى نحو أتته كتابي ؛ على تأويل كتاب بصحيفة (٢) ، وأشرت بـ (مخبر عنه) إلى نحو قول الشاعر (٣) :

١٢٠٩ ـ ألم يك غدرا ما فعلتم بشمعل

وقد خاب من كانت سريرته الغدر (٤)

فوصل كان بالتاء وهي مسندة إلى الغدر ؛ لأن الخبر مؤنث فسري منه التأنيث إلى المخبر عنه ؛ لأن كلّا منهما عبارة عن الآخر ، ومثله قراءة نافع وأبي عمرو وأبي بكر (٥) ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا (٦) فألحقت تاء التأنيث بالفعل وهو مسند إلى القول ؛ لأن الخبر مؤنث. وأشرت بـ (مضاف إليه مقدر الحذف) ـ إلى نحو قول الشاعر :

١٢١٠ ـ مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت

أعاليها مرّ الرّياح النّواسم (٧)

فألحق التاء بتسفهت وهو مسند إلى «مر» لإضافته إلى مؤنث مع استقامة الكلام ـ

__________________

(١) ينظر : شرح الألفية لابن الناظم (ص ٨٥) ، وشرح الألفية للمرادي (٢ / ٩) ، وشرح المكودي (ص ٧٢) ، وشرح الأشموني (٢ / ٥١) ، وأوضح المسالك (١ / ١٣٥).

(٢) ينظر : الخصائص (١ / ١٤٩) ، (٢ / ٤١٦).

(٣) هو أعش تغلب ويسمى يحيى بن معاوية من بني تغلب ، شاعر أموي مشهور ، توفي سنة (٩٢ ه‍).

ينظر : معجم الأدباء (٤ / ٢٠٧).

(٤) البيت من الطويل وهو في التذييل (٢ / ١١٣٢) ، وشرح التسهيل للمصنف (٢ / ١١١) ، والأمالي الشجرية (١ / ١٢٩).

والشاهد قوله : «من كانت سريرته الغدر» ؛ حيث أنث الفعل المسند إلى الغدر وهو مذكر ، ولكن لما أخبر عنه بمؤنث وهو قوله : «سريرة» سرى التأنيث من الخبر إلى المخبر عنه ؛ لأن كلّا منهما عبارة عن الآخر.

(٥) ينظر : الحجة في القراءات السبع لابن خالويه (ص ١٣٦) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص ٢٠٦) وإملاء ما منّ به الرحمن (١ / ٢٣٨).

(٦) سورة الأنعام : ٢٣.

(٧) البيت من الطويل وهو لذي الرمة وهو في الكتاب (١ / ٥٢ ، ٥٦) ، والمقتضب (٤ / ١٩٧) ، والخصائص (٢ / ٤١٧) ، والمحتسب (١ / ٢٣٧) ، والتذييل (٢ / ١١٣٤) ، والعيني (٣ / ٣٦٧) ، ومعجم مقاييس اللغة (٣ / ٧٩) ، والأشموني (٢ / ٢٤٨) ، واللسان «سفه» ، وديوانه (ص ٦١٦) برواية :

١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بحذفه فلو لم يستقم الكلام بالحذف لم يجز التأنيث نحو : قام غلام هند.

واحترزت بقولي : ولا تحذف غالبا من قول بعض العرب : قال فلانة ، وذهب فلانة حكاهما سيبويه (١) ، وعلى هذه اللغة جاء قول لبيد :

١٢١١ ـ تمنّى ابنتاي أن يعيش أبوهما

وهل أنا إلّا من ربيعة أو مضر (٢)

لأن الإسناد إلى المثنى كالإسناد إلى المفرد بلا خلاف ، واحترزت أيضا من حذف بعض الشعراء التاء من المسند إلى ضمير المؤنث كقول الشاعر (٣) :

١٢١٢ ـ فلا مزنة ودقت ودقها

ولا أرض أبقل إبقالها (٤)

وكقول الآخر :

١٢١٣ ـ فإمّا تريني ولي لمّة

فإنّ الحوادث أودى بها (٥)

__________________

رويدا كما اهتزت ...

والشاهد قوله : «تسفهت مر الرياح» ؛ حيث أنث الفعل ؛ لأن الفاعل وهو قوله : «مر» اكتسب التأنيث من المضاف إليه وهو «الرياح». (١) ينظر : الكتاب (٢ / ٣٨ ، ٤٥).

(٢) البيت من الطويل وهو في : شرح المفصل لابن يعيش (٨ / ٩٩) ، وشرح التسهيل (٣ / ١١١) ، والتذييل (٢ / ١١٤٥) ، والخزانة (٤ / ٤٢٤) ، والمغني (٢ / ٥٦٩ ، ٦٧٠) ، وشرح شواهده للسيوطي (٢ / ٩٠٢) ، وشذور الذهب (٢١٨) ، وديوانه (ص ٢١٣).

والشاهد قوله : «تمنى ابنتاي» ؛ حيث لم يلحق الفعل تاء التأنيث فيقول : «تمنّت» ، وهذا من غير الغالب والاستشهاد بالبيت مبني على أن «تمنى» فعل ماض وهو يحتمل أن يكون مضارعا حذفت منه إحدى التاءين والأصل : «تتمنى». (٣) هو عامر بن جوين الطائي.

(٤) البيت من المتقارب وهو في : التوطئة (ص ٩٥) ، والكتاب (٢ / ٤٦) ، وشرح أبيات الكتاب للسيرافي (١ / ٥٥٧) ، ومعاني القرآن للأخفش (١ / ٢٠٠) ، والمذكر والمؤنث للفراء (ص ٨١) ، ومعاني القرآن للفراء (١ / ١٢٧) ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة (٢ / ٦٧) ، والتذييل (٢ / ١١٤٦) ، والأمالي الشجرية (١ / ١٥٨) ، والمحتسب (٢ / ١١٢) ، والخصائص (٢ / ٤١١) ، وابن يعيش (٥ / ٩٤) ، والمقرب (١ / ٣٠٣) ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ٨٦) ، وشرح الألفية للمرادي (٢ / ١١) ، والاقتراح للسيوطي (ص ٧٧) ، والمغني (٢ / ٦٥٦) ، والخزانة (١ / ٢١) ، (٣ / ٣٣٠) ، والعيني (٢ / ٢٦٤) ، والتصريح (١ / ٢٧٨) ، والهمع (٢ / ١٧١) ، والدرر (٢ / ٢٢٤) ، والأشموني (٢ / ٥٣) ، وحاشية يس (٢ / ٣٢) ، واللسان «ودق ، وبقل» ، والمخصص (١٦ / ٨٠).

والشاهد قوله : «ولا أرض أبقل إبقالها» ، حيث حذفت التاء من الفعل مع أنه مسند لضمير المؤنث وهذه ضرورة.

(٥) البيت من المتقارب وهو للأعشى وهو في : الكتاب (٢ / ٤٦) ، والأمالي الشجرية (٢ / ٣٤٥) ، والتذييل (٢ / ١١٤٦) ، وشرح المفصل لابن يعيش (٥ / ٩٥) ، (٩ / ٦ ، ٤١) ، والخزانة (٤ / ٥٧٨) ،

٢٠