محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]
المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٦
.................................................................................................
______________________________________________________
وإن كان ما يليها «غدوة» جاز الجر على القياس ، والنصب على التمييز أو على إضمار كان مضمرا فيها اسمها كما قال سيبويه في قول الراجز :
١٥٩٧ ـ من لد شولا فإلى إتلائها (١)
وحكى الكوفيون رفع «غدوة» على تقدير : لدن كان غدوة (٢). وكل ذلك منبه عليه. ومثال نصب غدوة قول الشاعر : ـ
١٥٩٨ ـ وما زال مهري مزجر الكلب منهم |
|
لدن غدوة حتّى دنت لغروب (٣) |
ثم بينت أن «لدى» لا ترادفها بل ترادف «عند» صرّح بذلك سيبويه (٤) ، ثم بينت أن ألف «لدى» تنقلب «ياء» مع المضمر وتسلم مع الظاهر كما تفعل بألف على وإلى (٥) ، وقرنت بذلك غالبا ليعلم أن بعض العرب يستغني عن هذا القلب مع المضمر كما يستغني عنه الجميع مع الظاهر ، ومن ذلك قول الشاعر (٦) :
١٥٩٩ ـ إلاكم يا خناعة لا إلانا |
|
عزا النّاس الضّراعة والهوانا |
فلو برّت عقولكم بصرتم |
|
بأنّ دواء دائكم لدانا |
وذلكم إذا رافقتمونا |
|
على قصد اعتمادكم علانا (٧) |
__________________
(١) الرجز لقائل مجهول ، وهو في : الكتاب (١ / ٢٦٤) ، وأمالي الشجري (١ / ٢٢٢) ، وابن يعيش (٤ / ١٠١) ، (٨ / ٣٥) ، والارتشاف (٤٥٤ ، ٥٨٨) ، والتذييل (٣ / ٤٢١) ، والخزانة (٢ / ٨٤) ، والمغني (٢ / ٤٢٢) ، وشرح شواهده (٢ / ٨٣٦) ، والعيني (٢ / ٥١) ، والتصريح (١ / ١٩٤) ، والهمع (١ / ١٢٢) ، والدرر (١ / ٩١ ، ٢٨٣) ، والأشموني (١ / ٢٤٣).
اللغة : شولا : مصدر شالت الناقة بذنبها إذا رفعته للضراب ، وقيل : اسم جمع شائلة على غير قياس ، وهي الناقة التي خف لبنها وارتفع ضرعها. الإتلاء : أن تصير الناقة متلية أي يتلوها ولدها بعد الوضع.
والشاهد فيه : نصب (شولا) بعد (لدن) على إضمار كان كما قال سيبويه.
(٢) وقال ابن جني : لشبهه بالفاعل. شرح الألفية للمرادي (٢ / ٢٧٦).
(٣) البيت من الطويل وهو لأبي سفيان بن حرب قاله يوم أحد ، وهو في : التذييل : (٣ / ٤٢٠) ، وتعليق الفرائد (١٦٤٤) ، والعيني (٣ / ٤٢٩) ، والتصريح (٢ / ٤٦) ، والأشموني (٢ / ٢٦٣) ، والهمع (١ / ٢١٥) ، والدرر (١ / ١٨٤) ، والمطالع السعيدة (٣١٩).
والشاهد فيه : نصب «غدوة» بعد لدن وخرج النصب على التمييز.
(٤) ينظر : الكتاب (٤ / ٢٣٤) ، والمطالع السعيدة (٣١٧) ، وشرح الرضي (٢ / ١٢٣).
(٥) ينظر : شرح المفصل لابن يعيش (٢ / ١٢٦) ، (٣ / ٣٤) ، والمقرب (١ / ٢١٧).
(٦) لم يعلم.
(٧) الأبيات من الوافر ، وهي في : التذييل (٣ / ٤٢٣) ، وشرح التسهيل للمرادي ، والهمع (١ / ٢٠٣) ،
.................................................................................................
______________________________________________________
أراد : إليكم لا إلينا ولدينا وعلينا.
ومن الظروف العادمة التصرف «مع» (١) ، وهو اسم لمكان الاصطحاب أو وقته على حسب ما يليق بالمصاحب ، ويدل على اسميته دخول «من» عليه في قولهم :
ذهب من معه ، حكاه سيبويه (٢) ، ومنه قراءة بعض القراء (٣) : (هذا ذكر من مّعى وذكر من قبلى) (٤) وكان من حقه أن يبنى لشبهه بالحروف في الجمود المحض والوضع الناقص [٢ / ٤٦٣] إذ هو على حرفين بلا ثالث محقق العود ، والمراد بالجمود والمحض ملازمة وجه واحد من الاستعمال إلا أنه أعرب في أكثر اللغات لمشابهته «عند» في وقوعه خبرا وصفة وحالا وصلة ، ودالّا على حضور وعلى قرب (٥) ، فالحضور كـ (نَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ)(٦) ، والقرب كـ (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)(٧) وكقول الراجز (٨) : ـ
١٦٠٠ ـ إنّ مع اليوم أخاه غدوا (٩)
وهو وإن فاقه عند تمام الوضع فقد فاق هو بوجه من التمكن وهو الإفراد وتضمن ـ
__________________
والدرر (١ / ١٧٢).
اللغة : خناعة : قبيلة سموا باسم أبيهم خناعة بن سعد بن هذيل ، ويروى (خزاعة) مكان خناعة.
والشاهد في الأبيات : عدم قلب الألف ياء مع المضمر في (إلى ولدى وعلى) وهذه لغة لبعض العرب.
(١) انظر : شرح التسهيل لابن مالك (٢ / ٢٣٨).
(٢) ينظر : الكتاب (١ / ٤٢٠) ، والمطالع السعيدة (٣١٩ ، ٣٢٠) ، والمقرب (١ / ١٥١) ، ورصف المباني (ص ٣٢٨).
(٣) هو يحيى بن يعمر وطلحة بن مصرف والقراءة بتنوين «ذكر» وكسر ميم «من». ينظر : المحتسب (٢ / ٦١) ، والبديع في شواذ القراءات لابن خالويه (ص ٩١) ، والبحر المحيط (٦ / ٣٠٦).
(٤) سورة الأنبياء : ٢٤.
(٥) ينظر : المطالع السعيدة (٣٢٠) ، والهمع (١ / ٢١٧).
(٦) سورة الشعراء : ١١٨ ، والآية هي : (وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
(٧) سورة الشرح : ٦.
(٨) لم يعلم والرجز يجري مجرى المثل وقبله : ـ
لا تغلواها وادلواها دلوا
(٩) الرجز في : المقتضب (٢ / ٢٣٨) ، (٣ / ١٥٣) ، والمخصص (٩ / ٦٠) ، والمنصف (١ / ٦٤) ، (٢ / ١٤٩) ، وأمالي الشجري (٢ / ٣٥) ، والمستقصي (١ / ٤١٤) ، والتذييل (٣ / ٤٢٤) ، وابن القواس (١١٠٧) ، وشرح التسهيل للمرادي ، والشذور (٥٢٧) ، واللسان «دلا ـ غدا».
اللغة : غدوا : أي غد ، ردت لامه في الضرورة.
والشاهد فيه : مجيء «مع» للدلالة على القرب.
.................................................................................................
______________________________________________________
معنى جميع في نحو : جاء الزيدان معا ، ورأيت العمرين معا (١) ، واختلف في فتحة العين من «معا» قيل : هي فتحة إعراب كفتحة دال رأيت يدا ، فيكون الاسم ثنائي اللفظ في حالتي الإفراد والإضافة ، أو هي كفتحة ياء فتى ، فيكون الاسم قد جبر وقصر حين أفرد ، والأول مذهب سيبويه والخليل (٢) والثاني مذهب يونس والأخفش (٣) وهو الصحيح ، لأنهم يقولون : الزيدان معا والعمرون معا ، فيوقعون معا موقع رفع [توقع](٤) الأسماء المقصورة كقولك : هو فتى وهم عدى ، ولو كان باقيا على النقص لقيل : الزيدان مع كما يقال : هم يد واحدة على من سواهم ، وهم جميع ، ومن شواهد وقوع معا في موضع رفع قول الشاعر :
١٦٠١ ـ أفيقوا بني حرب وأهواؤنا معا |
|
وأرحامنا موصولة لم تقضّب (٥) |
ومثله قول الآخر (٦) :
١٦٠٢ ـ حننت إلى ريّا ونفسك باعدت |
|
مزارك من ريّا وشعبا كما معا (٧) |
وإلى نحو هذين البيتين أشرت بقولي : وغير حاليّتها حينئذ قليل ، وانتصر للمذهب الأول بأن قيل : لا نسلم بأن معا في البيتين في موضع رفع بل هو منصوب على الحال بعامل محذوف هو الخبر والتقدير : وأهواؤنا كائنة معا وشعبا كما كائنان معا. وهذا التقدير باطل للإجماع على بطلان نظيره ، وهو أن يقال : زيد قائما على ـ
__________________
(١) اعترض أبو حيان على المصنف في هذه المسألة ، وسوف يتناولها الشارح فيما سيأتي من أبحاثه.
(٢) ينظر : الكتاب (٣ / ٢٨٦ ، ٢٨٧).
(٣) ينظر : شرح الكافية للرضي (٢ / ١٢٧) ، والهمع (١ / ٢١٨).
(٤) كذا بالأصل.
(٥) البيت من الطويل ، وهو لجندل بن عمرو ، وهو في الغرة لابن الدهان (٢ / ٦١) ، والتذييل (٣ / ٤٢٧) ، والارتشاف (٥٩٠) ، والمغني (١ / ٣٣٣) ، وشرح شواهده (٢ / ٧٤٦) ، والهمع (١ / ٢١٨) ، والدرر (١ / ١٨٦) ، وديوان الحماسة (١ / ١١٣) ، برواية (بني حزن) مكان (بني حرب).
والشاهد فيه : وقوع (معا) في موضع رفع حيث إنها خبر للمبتدأ قبلها.
(٦) هو الصمّة بن عبد الله القشيري من شعراء الدولة الأموية.
(٧) البيت من الطويل وهو في : التذييل (٣ / ٤٢٧) ، وأمالي القالي (١ / ١٩٠) ، والعيني (٣ / ٤٣١) ، وديوان الحماسة (١٢١٥) ، والطرائف الأدبية (ص ٧٨).
والشاهد فيه أيضا : وقوع (معا) خبرا عن المبتدأ كما في البيت السابق.
اللغة : حنت : اشتاقت. شعباكما : اجتماعكما.
.................................................................................................
______________________________________________________
تقدير زيد كائن قائما (١) ، وانتصر له أيضا بأن قيل : القول بلزوم النقص هو الصحيح ؛ لأنه مستلزم لموافقة النظائر وأن حاصله حكم بنقصان اسم في الإفراد كما هو في الإضافة. ونظائر ذلك موجودة كيد ودم وغد ، والقول بكون معا مقصورا في الإفراد ثنائيّا في الإضافة مستلزم لما لا نظير له ، فلا يصار إليه ، فإن الثنائي المعرب إما منقوص في الإضافة والإفراد وإما متمم في الإضافة وحدها كأب ؛ فإن حكم بأنّ «معا» مقصور في الإفراد منقوص في الإضافة لزم عدم النظير ، وثبوت ما هو بالنفي جدير (٢). والجواب أن يقال (٣) : مقتضى الدليل [٢ / ٤٦٤] كون الإفراد مظنة جبر ما فات من الثنائيات في إحدى حالتيه ؛ لأن ثاني جزأي ذي الإضافة متمم لأولهما (٤) ولذلك عاقب التنوين ونوني التثنية والجمع ، بخلاف المنقوص المفرد فلا متمم له إلا ما يجبر به من رد ما كان محذوفا منه. فإذا جعلنا «معا» منقوصا في الإضافة مقصورا في الإفراد ، فقلنا بمقتضى الدليل وسلكنا سواء السبيل ، بخلاف باب «أب» فإن فيه شذوذا ، ولذلك لم تجر العرب فيه على سنن واحد ، فمنهم من يلزمه الجبر ويلحقه بباب عصا ، ومنهم من يلزمه النقص ويلحقه بباب «يد» وأيضا ففي الحكم بأن «معا» غير ملازم للنقص بيان لاستحقاقه الإعراب ؛ إذ لا يكون بذلك موضوعا وضع الحروف الثنائية ، بخلاف الحكم عليه بالنقص في حالي إفراده وإضافته ؛ فإنه يلزم منه استحقاق البناء كسائر الأسماء الثنائية دائما دون جابر (٥) ومع ذلك فقد ألغت ربيعة جبره في الإفراد ؛ لأنه جبر لم يتمحض ولذلك لم يتفق على الاعتراف به بخلاف جبر باب يد ، فيقال في اللغة الربعية : ذهبت مع أخيك ومع ابنك بالسكون قبل حركة وبالكسر قبل سكون ، وبعضهم يفتح قبل السكون ، هكذا روى الكسائي عن ربيعة (٦) ولو لا الكسر قبل السكون لأمكن أن يقال : إن السكون سكون تخفيف لا سكون بناء ، ومن الوارد ـ
__________________
(١) ينظر : التذييل (٣ / ٤٢٧).
(٢) ينظر : رصف المباني (ص ٣٢٨) ، والهمع (١ / ٢١٨).
(٣) شرح التسهيل لابن مالك (٢ / ٢٤٠).
(٤) ينظر : الغرة لابن الدهان (٢ / ٢٩٥).
(٥) ينظر : التذييل (٣ / ٤٢٦) ، وشرح الكافية للرضي (١٢٧) ، وحاشية الصبان (٢ / ٢٦٥).
(٦) ينظر : التذييل (٣ / ٤٢٥) ، والمغني (١ / ٣٣٣) ، وشرح الكافية للرضي (٢ / ١٢٧) ، والمطالع السعيدة (٣٢٠) ، واللسان مادة «مع».
.................................................................................................
______________________________________________________
بالسكون قول الشاعر (١) :
١٦٠٣ ـ فريشي منكم وهواي معكم |
|
وإن كانت زيارتكم لماما (٢) |
وقد خفي على سيبويه أن السكون لغة لأنه قال : وسألت الخليل رحمهالله تعالى عن «معكم» لأي شيء نصبتها؟ فقال : لأنها استعملت غير مضافة اسما كجميع ووقعت نكرة وذلك قولك : جاءا معا وذهبا معا ، وقد ذهبت معه ومن معه صارت ظرفا فجعلوها بمنزلة أمام وقدام ، قال الشاعر : فجعلها كهل ، حين اضطر وأنشد للراعي :
فريشي منكم ........ |
|
............ البيت |
فذكر سبب إعرابها أو تضمن كلامه أنها اسم على كل حال وأن نقصها لم يزل بالإفراد ، وذلك بيّن من كلامه الذي ذكرته ، وزعم قوم أن الساكن العين حرف (٣) ، وليس بصحيح ؛ لأن المعنى مع الحركة والسكون واحد ، فلا سبيل إلى الحرفية ، وزعم النحاس (٤) أن النحويين مجمعون على أن الساكن العين حرف (٥) ، وهذا منه عجيب ، فإن كلام سيبويه مشعر بلزوم الاسمية على كل حال وأن الشاعر إنما سكنها اضطرارا.
ومن الظروف العادمة التصرف «بين بين» كقول الشاعر (٦) : ـ
__________________
(١) هو جرير يمدح الخليفة هشام بن عبد الملك ، ونسب في الكتاب إلى الراعي وليس في ديوانه.
(٢) البيت من الوافر ، وهو في : الكتاب (٣ / ٢٨٧) ، وأمالي الشجري (١ / ٢٤٥) ، (٢ / ٢٥٤) ، وابن يعيش (٢ / ١٢٨) ، (٥ / ١٣٨) ، والتذييل (٣ / ٤٢٥) ، والعيني (٣ / ٤٣٢) ، والتصريح (٢ / ٤٨) ، والأشموني (٢ / ٢٦٥) ، وديوان جرير (٤١٠) ، ويروى أيضا برواية (وريشي) مكان (فريشي) كما في التذييل.
اللغة : الريش : هو اللباس الفاخر. لماما : يسيرا.
والشاهد فيه : تسكين «مع» عند سيبويه للضرورة.
(٣) هذا رأي أبي علي كما في الأمالي الشجرية (١ / ٢٤٥).
(٤) هو أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس أبو جعفر النحاس المرادي النحوي المصري ، مفسر وأديب رحل إلى بغداد وأخذ عن علمائها ثم عاد إلى مصر ، له من التصانيف : إعراب القرآن ، الكافي في العربية ، المقنع في اختلاف البصريين والكوفيين. اختلف في سنة وفاته فقيل سنة ٣٣٨ ه وقيل سنة ٣٣٧ ه.
بغية الوعاة (١ / ٣٦٢) وشذرات الذهب (٢ / ٣٤٦).
(٥) ينظر : التذييل (٣ / ٤٢٥) ، والمغني (١ / ٣٣٣) ، وشرح الألفية للمرادي (٢ / ٢٧٦) ، والأشموني (٢ / ٢٦٥).
(٦) هو عبيدة بن الأبرص من بني أسد ، من فحول شعراء الجاهلية وهو من المعمرين.
.................................................................................................
______________________________________________________
١٦٠٤ ـ نحمي حقيقتنا وبع |
|
ض القوم يسقط بين بينا (١) |
والأصل بين هؤلاء وبين هؤلاء ، فأزيلت الإضافة وركب الاسمان تركيب خمسة عشر ، فلو أضيف المصدر إلى العجز جاز بقاء الظرفية [٢ / ٤٦٥] وزوالها.
فبقاؤها كقولك : من أحكام الهمزة التسهيل بين بين وزوالها كقولك : بين بين أقيس من الإبدال ، فإن أضيف إليها تعين زوال الظرفية ، ولذلك خطّأ ابن جني رحمهالله تعالى من قال : همزة بين بين بالفتح ، وقال : الصواب أن يقال : همزة بين بين بالإضافة (٢) ، والأصل وقوع بين مفردا ظرفا ، فالتوسط في مكان أو زمان ملازما للإضافة إلى ما يتوسط (٣) [٣ / ١] فيه منهما ، وإذا خلا من التركيب والوصل بما والألف لم تلازم الظرفية ، وقد تقدم التنبيه على ذلك (٤).
ومن ظروف المكان العادمة التصرف الملازمة للإضافة «حوال» (٥) وتثنيته ، و «حول» وتثنيته وجمعه ، فالأول كقول الراجز (٦) :
١٦٠٥ ـ أهدموا بيتك لا أبا لكا |
|
وأنا أمشي الدّألى حوالكا (٧) |
والثاني كقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «اللهم حوالينا ولا علينا» (٨). ـ
__________________
(١) البيت من مجزوء الكامل وهو في : معاني القرآن للفراء (١ / ١٧٧) ، والتذييل (٣ / ٤٠٧) ، وما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج (ص ١٠٦) ، وسر صناعة الإعراب (١ / ٥٥) ، وابن يعيش (٤ / ١١٧) ، والشذور (١٠٦) ، والهمع (٢ / ٢٢٩) ، والدرر (٢ / ٢٤٠) ، واللسان «بين» ، والشعر والشعراء (٢٦٧) ، وديوانه (١٤١).
والشاهد فيه : تعين الظرفية في (بين بين).
(٢) ينظر : التذييل (٣ / ٤٠٨).
(٣) من هنا يبدأ الاعتماد على النسخة (ج) ومعها النسخة (أ) وهي الأصل.
(٤) قد تقدم الكلام على «بين» مفردا.
(٥) شرح التسهيل (٢ / ٢٤٢).
(٦) قيل : إنه للضّب أيام كانت الأشياء تتكلم فيما يزعم العرب ، والأحسن أن يقال : إنه مما وضعته العرب على ألسنة البهائم لضب يخاطب ابنه.
(٧) الرجز في : الكتاب (١ / ٣٥١) ، والتذييل (٣ / ٤٠٨) ، والحيوان للجاحظ (٦ / ١٢٨) ، والكامل (٢ / ١٩٨) ، وأمالي الزجاجي (١٣٠) ، والمخصص (١٣ / ٢٢٦ ، ٢٣٣) ، وشرح الجمل لابن الضائع ، وتعليق الفرائد (١٦٢٩) ، والهمع (١ / ٤١ ، ١٤٥) ، والدرر (١ / ١٥ ، ١٢٤) ، واللسان «بيت».
اللغة : الدألى : مشية فيها تثاقل. والشاهد : في نصب (حوالكا) على الظرف حيث جاء مفردا.
(٨) حديث شريف أخرجه مسلم في كتاب الاستسقاء (٦١٤) ، وابن حنبل (٣ / ١٠٤ ، ١٨٧ ، ١٩٤ ، ٢٦١ ، ٢٧١) ، (٤ / ٢٣٦).
.................................................................................................
______________________________________________________
والثالث كقوله تعالى : (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ)(١).
والرابع كقول الراجز (٢) : ـ
١٦٠٦ ـ يا إبلي ما ذامه فتأبيه |
|
ماء رواء ونصيّ حوليه (٣) |
والخامس كقول امرئ القيس :
١٦٠٧ ـ فقالت سباك الله إنّك فاضحي |
|
ألست ترى السّمار والنّاس أحوالي (٤) |
ومن ظروف المكان العادمة التصرف «بدل» لا بمعنى بديل كقولك : هذا بدل ذلك أي هذا مكان ذلك ، فلا يجوز حينئذ أن يستعمل غير ظرف ، وكذا مكان إذا أردت به بدل ، قال ابن خروف في شرح كتاب سيبويه : البدل والمكان إذا استعملا بمعنى واحد لا يرفعان ، فإن ذكر كل واحد منهما في موضعه ولم يحمل أحدهما على الآخر في المعنى رفعا نحو قولك : هذا مكانك تشير إلى المكان ، وهذا بدل من هذا ؛ فترفع لأنك أشرت بهذا إلى البدل وهو هو ، وإنما انتصب «البدل» هنا و «المكان» ولم يجز فيهما الاتساع حين أخرج كل واحد منهما عن موضعه فلزما طريقة واحدة (٥). هذا نص ابن خروف انتهى كلام المصنف (٦). ـ
وثم أبحاث نشير إليها : ـ
__________________
(١) سورة البقرة : ١٧.
(٢) هو الزفيان السعدي عطاء بن أسيد أحد بني عوانة ويكنى أبا المرقال ، شاعر محسن.
(٣) الرجز في نوادر أبي زيد (٣٣١) ، والخصائص (١ / ٣٣٢) ، وشرح التسهيل للمرادي ، والتذييل :
(٣ / ٤٠٨) ، والهمع (١ / ٢٠١) ، والدرر (١ / ١٧٠) ، واللسان «أبي».
اللغة : ما ذامه : ما عبه. النصيّ : نبت معروف يقال له نصي ما دام رطبا.
والشاهد فيه : نصب (حولي) على الظرف حيث يجب ذلك.
(٤) البيت من الطويل وهو في : التذييل (٣ / ٤٠٨) ، وشرح التسهيل للمرادي ، والهمع (١ / ٢٠١) ، والدرر (١ / ١٧٠) ، وديوان امرئ القيس (٣١) ، ويروى البيت أيضا برواية (يمين الله) مكان (سباك الله).
اللغة : سباك الله : بمعنى باعدك الله وفضحك ، وقيل : معناه : أذهب عقلك. السمار : جمع سامر وهو من يسمر ليلا.
والشاهد فيه : قوله : «أحوالي» ؛ حيث نصب على الظرف.
(٥) ينظر : التذييل (٣ / ٤٠٩).
(٦) شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٢٣٠ ـ ٢٤٣).
.................................................................................................
______________________________________________________
الأول :
إن المصنف قد أشار إلى أن غير «فوق وتحت» من أسماء الجهات من المتوسط التصرف ، وذلك نحو «أمام وقدام ووراء وخلف وأسفل وأعلى» وليعلم أن الكلمات المذكورة إذا تصرف فيها لا فرق بين أن لا يتجوز فيها نحو قولك :
خلفك مجدب و «وراءك أوسع لك» (١) وبين أن يتجوز فيها نحو قولك : زيد خلفك برفع خلف فجعله خبرا عن زيد ، فزيد ليس بخلفك في الحقيقة وإنما الخلف مكان لزيد ، وطريق المجاز فيه أن يقدر مضاف إلى المبتدأ محذوف ، التقدير : مكان زيد خلفك أو أن يجعل الخلف زيد لما كان [٢ / ٤٦٦] حالّا فيه كما جعل النهار صائما من قولهم : نهاره صائم لما كان الصوم واقعا فيه (٢) وليس هذا الذي ذكر مخصوصا بأسماء الجهات ، بل يجوز ذلك في غيرها فتقول : مكانك مرتفع وعمرو مكانك ، برفع مكانك على التقديرين اللذين ذكرا في زيد خلفك (٣). أشار إلى ذلك كله ابن عصفور في شرح المقرب.
بقي أن يقال : إن قول المصنف : (كغير فوق وتحت من أسماء الجهات) يدخل فيه يمين وشمال ، وعلى هذا يكونان من المتوسط التصرف ، لكن المصنف قد عدهما مع الكثير التصرف ، وقد يجاب عن هذا بأن نحو «يمين وشمال» لا يدخلان تحت قوله : (كغير فوق وتحت) ، لأنه قد ذكرهما قبل فيما يكثر تصرفه ، فكان ذكرهما أولا مخصصا لما أفهمه قوله : (كغير فوق وتحت من أسماء الجهات).
الثاني :
قد عرفت أن «حيث» من الكلمات النادرة التصرف وأن مما استدل به المصنف على تصرفها قول الشاعر :
__________________
(١) سبق تخريج هذا المثل في باب تعدي الفعل ولزومه ، ولكن الاستشهاد به هنا يختلف عنه فيما سبق ، فالشارح أورده هنا على أن «وراء» استعمل اسما لا ظرفا حيث وقع مبتدأ.
(٢) مذهب البصريين التسوية في ذلك بين المعرفة والنكرة ، وأما الكوفيون فلا يكون ظرف المكان عندهم إلا معرفة بالإضافة أو مشبها للمعرفة بها نحو : خلفك وخلف الحائط ؛ فإن قيل : وراء وقداما وخلفا فليس بظرف. اه. التذييل (٣ / ٣٩٨).
(٣) ينظر : التذييل (٣ / ٣٩٨).
.................................................................................................
______________________________________________________
١٦٠٨ ـ إنّ حيث استقرّ من أنت راعي |
|
ه حمى فيه عزّة وأمان (١) |
وقد جعل الشيخ هذا الاستدلال خطأ ، قال : لأن كون (حيث) اسما لإن فرع عن كونها تكون مبتدأ ، ولم يسمع ذلك فيها ، قال : ولا دليل في هذا البيت ؛ لأن اسم إنّ هو حمى ، وحيث في موضع خبر إنّ ؛ لأنه ظرف ، نحو : إنّ حيث زيد قائم عمرا ، التقدير : إن حمى فيه عزة وأمان حيث استقر من أنت راعيه (٢). انتهى.
ولا أعرف كيف يتوجه الخطأ على المصنف ؛ لأن الغرض أن تصرف «حيث» نادر ، واتفق أن التصرف النادر الذي حصل لها هو أن وردت اسما لإنّ ، فكيف يقال : إن هذا موقوف على ورودها مبتدأة وهي لا يتصرف فيها إلا بما سمع ، ثم إن هذه الكلمة إذا ندر وقوعها اسما لإن ؛ فقد ندر وقوعها مبتدأة ، وأما تخريجه البيت على أن «حمى فيه عزة وأمان» هو اسم إن ، وحيث هو الخبر ينافي مراد الشاعر ؛ لأن مقصوده أن يحكم على مكان من يرعاه الممدوح بأنه حمى فيه عزة وأمان ، لا أن يحكم على حمى المذكور بأنه كائن حيث استقر من يرعاه الممدوح ، وحاصله أن هذا التخريج يعكس النسبة المقصودة للشاعر من كلامه.
الثالث :
فقد عرفت أن المصنف أنشد البيت الذي أوله :
١٦٠٩ ـ وسطه كاليراع .......... |
|
........................... (٣) |
وأنه حكم فيه بأن وسطه في رواية من رواه مرفوعا تصرف فيه يجعله مبتدأ وأن ذلك نادر ، وقد كان ذكر أن «وسطا» بسكون السين ظرف لا اسم ، وكلام ابن عصفور يقتضي أن «وسطه» في البيت المذكور اسم لا ظرف وأن سينه سكنت ـ
__________________
(١) تقدم ذكره.
(٢) التذييل (٣ / ٤٠١).
اعترض ابن هشام على المصنف في جعله «حيث» اسما لإن ، فقال : ولم تقع ـ أي حيث ـ اسما لإن خلافا لابن مالك ولا دليل له في قوله :
إن حيث استقر من أنت راعيه ... البيت
لجواز تقدير حيث خبرا وحمى اسما ، فإن قيل : يؤدي إلى جعل المكان حالّا في المكان ، قلنا : هو نظير قولك : إن في مكة دار زيد ا. ه. المغني (١ / ١٣٢) ، والهمع (١ / ٢١٢).
(٣) تقدم ذكره.
.................................................................................................
______________________________________________________
ضرورة ؛ فإنه بعد أن ذكر وسطا الساكن السين وأنه ظرف [٢ / ٤٦٧] قال : فإن أخرجوه عن الظرفية فتحوا السين فقالوا : وسط الدار أحر ، ولا يجوز تسكينها إذ ذاك إلا في ضرورة نحو قول الفرزدق : ـ
١٦١٠ ـ أتته بمجلوم كأنّ جبينه |
|
صلاءة ورس وسطها قد تفلّقا (١) |
وقول عدي بن زيد :
١٦١١ ـ وسطه كاليراع ...... |
|
......... البيت |
قال : فاستعمل «وسط» في حال إخراجه عن الظرفية ، وجعله مرفوعا بالابتداء ساكن السين لما اضطروا إلى ذلك (٢). انتهى.
وما قاله ابن عصفور أظهر مما قاله المصنف ، ثم اعلم أن الفراء (ومن تبعه) (٣) من الكوفيين قالوا : إنّ «وسط» إذا كانت ظرفا ، وكانت بمعنى «بين» كانت ساكنة السين ، وإذا لم تكن بمعناها كانت مفتوحة السين ، فأجازوا أن يقال : احتجم زيد وسط رأسه بفتح السين ، وإن كانت ظرفا [٣ / ٢] لأنها ليست بمعنى «بين» إذ لا يقال : احتجم بين رأسه ، والبصريون لا يجيزون في مثل هذا المثال إلا إسكان السين ؛ لأن الكلمة ظرف ، ولا يفرقون بين ما يصلح فيه «بين» وما ليس كذلك (٤). فعلى هذا قول الشاعر أنشده الفراء : ـ
__________________
(١) البيت من الطويل وهو في : نوادر أبي زيد (٤٥٣) ، والتذييل (٣ / ٤٠٢ ، ٤٠٣) ، والخصائص (٢ / ٣٦٩) ، وأمالي الشجري (٢ / ٢٥٨) ، وشرح التسهيل للمرادي ، والخزانة (١ / ٤٧٨) ، والهمع (١ / ٢٠١) ، والدرر (١ / ١٦٩) ، وشرح الجمل لابن الضائع (ق ٣٥) ، وديوان الفرزدق (٥٩٦) ، واللسان «وسط» ، وشرح الرضي (١ / ١٨٩).
اللغة : المجلوم : هو المحلوق. الصلاءة : مدق الطيب. الورس : نبت أصفر.
والشاهد فيه : وقوع «وسط» مبتدأ.
(٢) ينظر : شرح الجمل لابن الضائع (ق ٣٥) ، حيث أورد رأي ابن عصفور مفصلا ، وينظر : المقرب (١ / ١٥١) ، ففيه إشارة إلى هذا الرأي.
(٣) في (ج): (ومن معه).
(٤) ينظر : فصيح ثعلب (ص ٦٨) ، والتذييل (٣ / ٤٠٣) ، والهمع (١ / ٢٠١) ، وحاشية الصبان (٢ / ١٣١) ، وابن يعيش (٢ / ١٢٨) ، وشرح الجمل لابن الضائع (ق ٣٥).
.................................................................................................
______________________________________________________
١٦١٢ ـ فوسط الدار ضربا واجتماعا (١)
غير ضرورة عند البصريين ؛ لأن وسط الدار ظرف ، وهو عند الفراء ومن تبعه في ذلك ضرورة ؛ لأن وسطا فيه لا يتقدر «ببين».
الرابع :
قد عرفت أيضا أن المصنف حكم بأن كلمة «دون» إذا لم تكن بمعنى رديء ، من النادر التصرف ، ومراده أنها إذا كانت ظرفا ، وذاك إطلاقه على أنه لا فرق أن تكون ظرفيتها حقيقة نحو : جلست دون زيد ، أو مجازا نحو : زيد دون عمرو في الشرف ، وهذا هو الظاهر بل المتعين ، لكن في كلام ابن عصفور أن كلمة «دون» التي يراد بها نقصان الرتبة في صفة من الصفات لا تتصرف (٢) ، وعلل ذلك بأنه لم يرد بالكلمة حينئذ المكان ، فالظرفية فيها مجاز ، فلم يتصرف فيها كما يتصرف في الظروف الحقيقية ، وأما «دون» التي يراد بها الظرف فإنها تتصرف إلا أن ذلك قليل ، وأنشد قول الشاعر : ـ
١٦١٣ ـ ألم تريا أني حميت حقيقتي |
|
... البيت (٣) |
فكأنه جعل ما يراد بها نقصان الرتبة عادمة التصرف ، وما يراد بها المكان هي النادرة التصرف وهو غير ظاهر ، ويدفعه قول سيبويه : «وأما دونك فإنه لا يرفع أبدا ، وإن قلت : هو دونك في الشرف» (٤) ، فقول سيبويه : وإن قلت : هو دونك في الشرف ، يقتضي أن دلالة «دون» على النقصان في الرتبة لا تقتضي عدم التصرف ، بل قد تنافيه ، ولهذا قال: وإن قلت هو دونك في الشرف ، ثم إن كلمة «دون» في البيت الذي أنشده شاهدا على تصرفها وهو قوله: ـ
١٦١٤ ـ وباشرت حدّ الموت والموت دونها (٥)
إنما المراد بها نقصان الرتبة لا الظرف الحقيقي. ـ
__________________
(١) لم أهتد إليه وبحثت عنه في معاني القرآن للفراء فلم أجده.
(٢) ينظر : المقرب (١ / ١٥٠).
(٣) تقدّم ذكره.
(٤) الكتاب (١ / ٤٠٩).
(٥) تقدم ذكره.
.................................................................................................
______________________________________________________
البحث الخامس :
تقدم لنا ذكر ما نقله المصنف عن الأخفش من أن العرب تقول : فوقك رأسك وتحتك رجلاك [٢ / ٤٦٨] بنصب فوق ، لا يختلفون في ذلك ، وبعد قول الأخفش ذلك لا يلتفت إلى ما ذكره الشيخ عن ابن الأنباري (١) ، إنما هو رأي رآه من رآه (٢) ، واعلم أنه كما ندر جر «فوق» بعلى في البيت الذي أنشده المصنف ندر جرها بالباء أيضا في قول الآخر : ـ
١٦١٥ ـ كلّفوني الذي أطيق فإني |
|
لست رهنا بفوق ما أستطيع (٣) |
وليس من ذلك قول الآخر : ـ
١٦١٦ ـ وشبّهني كلبا ولست بفوقه |
|
ولا مثله إن كان غير قليل (٤) |
لأن الباء زائدة فلا عبرة بدخولها ، وأما جرّ «فوق» و «تحت» بمن في قوله تعالى : (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ)(٥) و (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)(٦) فقد عرفت أن الجر «بمن» لا يخرج الكلمة عن الظرفية ، وقد فصل ابن عصفور الأمر في كلمة «فوق» كما فصل ذلك في كلمة «دون» فقال لما عدد الظروف التي لا تتصرف : «وفوقك إذا أريد بها علو المرتبة في صفة من الصفات» (٧) ، وعلل ذلك بما علل به كلمة دون ، ومقتضى كلامه أنها إذا أريد بها العلو الحسي قد ـ
__________________
(١) زاد في (ج) بعد قوله : (ما ذكره الشيخ عن ابن الأنباري) قوله : (أن بعض العرب يجيز الرفع في نحو فوقك رأسك وتحتك رجلاك ، بخلاف فوقك قلنسوتك وتحتك نعلاك ، فإنه يوجب النصب ؛ لأن الأخفش أخبر عن لغة العرب والذي ذكره ابن الأنباري).
(٢) ينظر : التذييل (٣ / ٤٠٦).
(٣) البيت من الخفيف لقائل مجهول وهو في : التذييل (٣ / ٤٠٧) ، وشرح التسهيل للمرادي ، والهمع (١ / ٢١٠) ، والدرر (١ / ١٧٨).
والشاهد فيه : جر «فوق» بالباء ، وهذا نادر كما ذكر الشارح.
(٤) البيت من الطويل وهو لسحيم بن وثيل عبد بني الحسحاس قاله في نفسه. وهو في : التذييل (٣ / ٤٠٧) ، والشعر والشعراء (٤٠٨) ، والعقد الفريد (٢ / ٣١٦).
والشاهد فيه : دخول الباء الزائدة على «فوق».
(٥) سورة النحل : ٢٦.
(٦) سورة البقرة : ٢٥ ، ٢٦٦ ، وسورة آل عمران : ١٥ ، ١٣٦ ، ١٩٥.
(٧) المقرب (١ / ١٥٠).
.................................................................................................
______________________________________________________
تتصرف ، وهذا خلاف ما قد عرف أنه من لغة العرب ، وذكر ابن عصفور من الظروف التي لا تتصرف «سواك» و «سواك وسواك» ، قال : لأنها بمعنى مكانك الذي يدخله معنى عوضك (١) يعني بذلك ، والمصنف يرى أن هذه الكلمة بمعنى غير ، ويجيز تصرفها ؛ فلهذا لم يذكرها وقد ذكرها في باب المستثنى وأشبع الكلام عليها (٢) ، قال الشيخ : ومما أهمل أكثر النحويين ذكره من الظروف التي لا تتصرف «شطر» بمعنى نحو ، قال تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(٣) وقال تعالى : (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)(٤) ومنه : ـ
١٦١٧ ـ ألا من مبلغ عني رسولا |
|
وما تغني الرسالة شطر عمرو (٥) |
أي نحو عمرو ، وقول الآخر : ـ
١٦١٨ ـ أقول لأمّ زنباع أقيمي |
|
صدور العيس شطر بني تميم (٦) |
قال : والشطر أيضا نصف الشيء ، والشطر أيضا الجزء من الشيء ؛ فهو مشترك بين هذين وبين الجهة (٧).
البحث السادس :
ذكر الشيخ في شرحه أن الجملة التي يضاف إليها «حيث» شرطها أن تكون خبرية اسمية أو فعلية مصدرة بماض أو مضارع مثبتين أو منفي بلم أو لا ، قال : وأما قوله :
١٦١٩ ـ من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور (٨)
__________________
(١) ينظر : المقرب (١ / ١٥٠ ، ١٥١).
(٢) انظر باب المستثنى في هذا الكتاب.
(٣) سورة البقرة : ١٤٤ ، ١٤٩ ، ١٥٠.
(٤) سورة البقرة : ١٤٤.
(٥) البيت من الوافر لقائل مجهول وهو في : التذييل (٣ / ٤١٠) ، والبحر المحيط (١ / ٤١٨).
والشاهد فيه : استعمال «شطر» ظرفا بمعنى نحو.
(٦) البيت من الوافر وهو لأبي زنباع الجذامي وهو في : التذييل (٣ / ٤١٠) ، والبحر المحيط (١ / ٤١٨) ، والهمع (١ / ٢٠١) ، والدرر (١ / ١٧٠) ، والظروف المفردة والمركبة (ص ٣٥٠).
اللغة : العيس : الإبل البيض التي يخالط بياضها شيء من الشقرة وواحدها : أعيس.
والشاهد فيه : كالذي قبله حيث وقعت (شطر) ظرفا بمعنى نحو.
(٧) التذييل : (٣ / ٤١٠ ، ٤١١).
(٨) عجز بيت ، قيل : لابن هرمة ، وقيل : لغيره وصدره :
وإنني حيثما يدني الهوى بصري
والبيت من البسيط وهو في التذييل (٣ / ٤١٣) ، والارتشاف (٥٨٤ ، ١١٢٨) ، والمحتسب
.................................................................................................
______________________________________________________
فما مصدرية على رأي من يجر بحيث المفرد ، ومن لم يجز ذلك قال : إنما جاز ذلك ضرورة ، أو يجعل «ما» زائدة أي من حيث سلكوا ، وقد ذكروا أنها قد تجر بالباء أو بإلى أو بفي ، فالباء كقولك : ـ
١٦٢٠ ـ كان منّا بحيث يعلى الإزار (١)
وإلى كقوله :
١٦٢١ ـ إلى حيث ألقت رحلها أمّ قشعم (٢)
في رواية من رواه بإلى ، وفي نحو [٢ / ٤٦٩].
١٦٢٢ ـ فأصبح في حيث التقينا شريدهم (٣)
وكقول الآخر :
١٦٢٣ ـ على فتخاء يعلم حيث تنجو |
|
وما في حيث تنجو من الطّريق (٤) ، (٥) |
__________________
(١ / ٢٥٩) ، والإنصاف (١ / ٢٤) ، وابن يعيش (١٠ / ١٠٦) ، وابن القواس (٧٥) ، والروض الأنف للسهيلي (١ / ٣٨) ، والخزانة (١ / ٥٨) ، (٣ / ٤٧٧ ، ٥٤٠) ، والمغني (٢ / ٣٦٨) ، وشرح شواهده (٢ / ٧٨٥) ، والفصول الخمسون (٢٧١) ، وأمالي الشجري (١ / ٢٢١) ، والاقتراح (٤١) ، والهمع (٢ / ١٥٦) ، والدرر (٢ / ٢٠٧) ، وملحقات ديوان ابن هرمة (٢٣٩).
والشاهد فيه : إضافة «حيث» إلى شيء لم تتوفر فيه الشروط التي ذكرها أبو حيان.
(١) شطر بيت من الخفيف لم يعلم له تتمة ولا قائل ، وهو في : التذييل (٣ / ٤١٣) ، والارتشاف (٥٨٤) ، وشرح التسهيل للمرادي ، والخزانة (٣ / ١٥٧) ، والهمع (١ / ٢١٢) ، والدرر (١ / ١٨١) ، واللسان (أزر).
والشاهد فيه : جر «حيث» بالباء.
(٢) تقدم ذكره.
(٣) صدر بيت من الطويل وهو للفرزدق وعجزه :
طليق ومكتوف اليدين ومزعف
وهو في : الكتاب (٢ / ١٠) ، والتذييل (٣ / ٤٠١ ، ٤١٤) ، والبحر المحيط (٥ / ٤٦١) ، والخزانة (٢ / ٢٩٩) ، وجمهرة القرشي (١٦٧) ، وديوانه (٥٦٢).
اللغة : الشريد : الطريد. الطليق : هو الأسير الذي أطلق عنه إساره ، والمكتوف : المشدود بالكتاف.
المزعف : بفتح العين وكسرها ، الصريع المقتول.
والشاهد فيه : جر (حيث) بفي شذوذا.
(٤) البيت من الوافر وهو لأبي ذؤيب الهذلي. وهو في التذييل : (٣ / ٤١٤) ، وديوان أبي ذؤيب (ص ٢٦) ، وديوان الهذليين : (١ / ٨٨).
اللغة : الفتخاء : المراد بها يده التي فيها فتخ أي لين. والشاهد فيه : جر (حيث) بفي.
(٥) ينظر نص أبي حيان في : التذييل (٣ / ٤١٢ ـ ٤١٤).
.................................................................................................
______________________________________________________
ثم إنك قد عرفت أن المصنف جعل حيث في قول الشاعر :
١٦٢٤ ـ إذا ريدة من حيث ما نفخت له (١)
مضافة إلى جملة مقدرة ، التقدير : إذا ريدة نفخت من حيث ما هب.
فقال الشيخ : يحتمل أن تكون «حيث» مضافة إلى الجملة التي بعدها وهي :
نفخت له ، و «ريدة» مرتفعة بفعل محذوف يفسره المعنى ، التقدير : إذا نفخت ريدة (٢) ... انتهى.
قلت : وصحة التخريجين دون الآخر متوقفة على المعنى المراد من البيت ؛ فإن كان المعنى المراد منه يعطيه تخريج الشيخ وجب الوقوف عنده ، وإلا فيتعين تخريج المصنف ، [٣ / ٣] والذي يظهر أن المصنف لم يتعسف التخريج الذي ذكره إلا لأنه رأى أنه معنى البيت ، والله سبحانه أعلم.
ومما يتعين ذكره هنا أن الفارسي أجاز وقوع حيث مفعولا بها (٣) ، وجعل من ذلك قوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)(٤) ؛ لأن المعنى أن الله تعالى يعلم المكان المستحق لوضع الرسالة فيه ، وليس المراد أنه تعالى يعلم شيئا في المكان ، قال : وناصبها يعلم محذوفا مدلولا عليه بأعلم ، لا «أعلم» نفسه لأن أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به (٥) .. انتهى.
ومن الناس من يؤول «أعلم» بعالم ، فقد ينسب العمل إليه بهذا الطريق ، ولا يحتاج إلى تقدير عامل غيره (٦).
البحث السابع :
قال ابن عصفور : إنما لم تتصرف «عند» لأنها شديدة التوغل في الإبهام ؛ إذ ـ
__________________
(١) تقدم ذكره.
(٢) التذييل (٣ / ٤١٥).
(٣) يرى أبو البقاء العكبري أن (حيث) في قوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) وقعت مفعولا به ، وهو بذلك يتفق مع ما قاله الفارسي في الآية نفسها. ينظر : إملاء ما من به الرحمن (١ / ٢٦٠) ، وبقولهما أيضا قال ابن هشام في أوضح المسالك (١ / ١٧٧).
(٤) سورة الأنعام : ١٢٤ ، وفي (أ) (رسالاته) مكان (رسالته) وهو خطأ.
(٥) ينظر : المغني (١ / ١٣١ ، ١٣٢) ، والهمع (١ / ٢١٢ ، ٢١٣).
(٦) ينظر : المغني (١ / ١٣٢) ، والهمع (١ / ٢١٣).
.................................................................................................
______________________________________________________
تصدق على الجهات الست فبعدت من المختص ، فلم تستعمل استعمال الأسماء (١) ، قلت : وقد تكون العلة في عدم تصرف «لدن» هي شدة التوغل في الإبهام أيضا ، ثم إنك قد عرفت أن معنى «لدن» مخالف «عند» ، ويدل على ذلك قول المصنف وليست لدى بمعناها بل بمعنى «عند» على الأصحّ ، وقد اشتمل كلام المصنف في المتن والشرح على التفرقة بين «لدن» و «عند» من ستة أوجه : ـ
أولها : أن لدن مخصوصة بما هو مبدأ غاية زمان أو مكان ؛ فهي لا تفارق هذا المعنى بخلاف «عند» فإنها قد تكون لابتداء الغاية وقد لا تكون ، وقد تقدم التمثيل لذلك في كلام المصنف.
ثانيها : أنها لا تستعمل إلا مصحوبة بمن ، واستعمالها غير مصحوبة بها في غاية القلة و «عند» ليست كذلك.
ثالثها : أن «لدن» مبنية وإنما أعربت في اللغة القيسية ، وقد أشار المصنف فيما تقدّم إلى علة بنائها ، وأما «عند» فمعربة في جميع اللغات.
رابعها : أن «لدن» تضاف إلى الجملة كما تضاف إلى المفرد ، وقد أشار المصنف إلى ذلك بقوله : ويجر ما يليها بالإضافة لفظا إن كان مفردا ، وتقديرا إن كان جملة (٢) وأما «عند» فلا تضاف إلا إلى مفرد.
خامسها : أن «لدن» قد لا يذكر بعدها مضاف إليه ، وذلك إذا نصبت غدوة [٢ / ٤٧٠] بعدها أو رفعت بخلاف «عند» فإنها لا تذكر دون مضاف إليه أبدا.
سادسها : وهو الذي ذكره في الشرح دون المتن أن «لدن» يمتنع الإخبار بها وعنها ، أي كما يمتنع الإخبار عنها يمتنع الإخبار بها ، فلا يقال : الخروج من لدن الكوفة ولا السفر من لدن المسجد ، وأما «عند» وإن امتنع الإخبار عنها فلا يمتنع الإخبار بها ، وقد تقدمت أمثلة الإخبار بها ، وبلدى من الكتاب العزيز ، وهذا الوجه السادس هو الذي يعبر عنه بأن «لدن» لا تقع إلا فضلة (٣) ، واعلم أنه لا يضاف ـ
__________________
(١) ينظر : المقرب (١ / ١٥١) ، والتذييل (٣ / ٤١٦).
(٢) التسهيل (٩٧).
(٣) ينظر : شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٢٣٦) ، والهمع (١ / ٢١٥) ، والمغني (١ / ١٥٦ ، ١٥٧) ، والأشموني (٢ / ٢٦٤).
.................................................................................................
______________________________________________________
إلى الجمل من ظروف المكان إلا «لدن» و «حيث» لكن «حيث» تضاف إليها وجوبا و «لدن» تضاف جوازا (١).
البحث الثامن :
قد عرفت من كلام المصنف أن نصب «غدوة» بعد «لدن» إما على التمييز وإما على إضمار كان واسمها مضمر فيها ، ومن نصب على التمييز قال : شبهت نون «لدن» وإن كانت من بنية الكلمة بالتنوين ؛ إذ صارت هذه النون تثبت تارة وتحذف تارة أخرى فأشبهت «ضاربا» ؛ فكما قالوا : ضارب زيدا ، قالوا : لدن غدوة (٢) ، هكذا ذكروا فيؤخذ عن الأئمة تقليدا ، وقد قال بعضهم في نصب «غدوة» تمييزا : إنه إعراب يعسر تعقله (٣) ، ثم إذا انتصب «غدوة» بعد «لدن» فالمحفوظ أنها منونة قبل. وكان من حقها أن تمنع من الصرف ، وإنما صرفوها لأنهم لما عزموا على إخراجها عن النظائر في حالها غيروها في ذاتها بالصرف ، وأيضا لو لم يصرفوها لفتحوها فلم يعلم أمنصوبة هي أم مجرورة لأنها لا تتصرف ، فلما عزموا على نصبها وإخراجها لكثرة الاستعمال عن حال نظائرها صرفوها ، لكون ظهور التنوين مع الحركة يحقق قصدهم ، فإن قلت : الذي رفع غدوة أو جرها ما دعاه إلى الصرف ولا إشكال فيه كما في النصب. فالجواب : أنهم لما أوجبوا ضروبا منصوبة ، وهو الأكثر من أحوالها ، حملوا الجر عليه ، لأنه أخوه فصار لها تنوين في الحالين ، فحملوا الرفع عليهما والرفع هنا دخيل على النصب ، لأن «غدوة» ظرف وأصله النصب ، فلما كان فرعا في هذا الموضع حمل على النصب في التنوين (٤). هذا ما لخصه الشيخ من كلام ابن جني في هذه المسألة ، ولا شك أنه كلام من أوتي تفقّها في علمه وتصرفا في فنه ، وإذا عطفت على «غدوة» المنصوبة بعد «لدن» فقلت : لدن ـ
__________________
(١) يرى ابن الدهان أنه لا يضاف من ظروف المكان إلى الجمل إلا «حيث» وحدها ومنع إضافة «لدن» إلى الجملة وأوّل ما ورد من ذلك على تقدير «أن» المصدرية ، ينظر : التذييل (٣ / ٤١٩) ، والمطالع السعيدة (٣١٨) ، والهمع (١ / ٢١٥).
(٢) ضعف المرادي في شرحه على الألفية (٢ / ٢٧٥) هذا الرأي فقال : وضعف ـ أي تشبيه لدن باسم الفاعل ـ لسماع النصب بعد «لد» المحذوفة النون ، وبهذا الذي قاله المرادي ضعف الأشموني هذا الرأي أيضا. ينظر : الأشموني (٢ / ٢٦٣).
(٣) ينظر : التذييل (٣ / ٤٢٢).
(٤) التذييل (٣ / ٤٢٢).
.................................................................................................
______________________________________________________
غدوة وعشية ، فقد أجاز أبو الحسن الجر في المعطوف والنصب ، أما النصب فوجهه ظاهر (١) ، وأما الجر فقالوا : لأن «غدوة» وإن لم تجر لفظا فهي في موضع جر (٢) ، قال المصنف ـ في شرح الكافية الشافية ـ : والنصب في المعطوف بعيد عن القياس (٣) ، قال الشيخ : والذي أختاره أنه لا يجوز في المعطوف إلا النصب ، لأن «غدوة» عند من نصب ليس في موضع جر ، فليس من باب [٢ / ٤٧١] العطف على الموضع وهو نصب صحيح ؛ فإذا عطف عليه ، ولا سيما على مذهب من جعل «غدوة» منصوبة بكان مضمرة فلا يتخيل فيه إذ ذاك جرّا البتة ، فإن قلت : يلزم من ذلك أن تكون «لدن» قد انتصب بعدها ظرف غير «غدوة» ولم يحفظ نصب بعدها إلا في غدوة ، فالجواب : أنه يجوز في الثواني ما لا يجوز في الأوائل (٤). انتهى.
وأما الرفع بعد «لدن» فعلى تقدير «كان» أي لدن كانت غدوة ، قال الشيخ : وظاهر كلام ابن جني أنها مرفوعة بلدن فإنه قال : وقد شبهه بعضهم بالفاعل فرفع فقال : لدن غدوة كما تقول في اسم الفاعل : ضارب زيد. انتهى (٥). ولا يخفى بعد القول بأنها مرفوعة (٦) [٣ / ٤] بلدن ، وكلام ابن جني ليس صريحا في ذلك.
البحث التاسع :
قال الشيخ : قول المصنف : وتفرد ـ يعني مع ـ فتساوي جميعا معنى ليس بصحيح ، قال : وهذه المسألة جرت بين أحمد بن يحيى (٧) وأحمد بن قادم (٨) ، وهما من شيوخ الكوفة ، سأل أحمد بن يحيى عنها ابن قادم قال : فلم يزل يركض ـ
__________________
(١) وهو مراعاة اللفظ ، ينظر : الأشموني (٢ / ٢٦٣).
(٢) ينظر : المطالع السعيدة (ص ٣١٩) ، والهمع (١ / ٢١٥) ، والأشموني (٢ / ٢٦٣) ، وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (٢ / ١٤).
(٣) الكافية الشافية لابن مالك (٢ / ٩٥٣) تحقيق د / عبد المنعم هريدي.
(٤) التذييل (٣ / ٤٢٢).
(٥) التذييل (٣ / ٤٢٣).
(٦) لأن «لدن» حينئذ تكون بمنزلة الفعل ، وقد أشار إلى ذلك ابن يعيش فقال : «وقد شبه بعضهم غدوة بالفاعل فرفعها فقال : لدن غدوة كما تقول : قام زيد». اه. شرح المفصل لابن يعيش (٤ / ١٠٢).
(٧) هو المشهور بثعلب زعيم الطبقة الخامسة الكوفية.
(٨) هو أحمد بن عبد الله بن قادم أبو جعفر ، كان من أعيان أصحاب الفراء ، وأخذ عنه ثعلب ، وله من التصانيف : الكافي في النحو والمختصر فيه ، وغرائب الحديث ، توفي سنة ٢٥١ ه ببغداد. ينظر : بغية الوعاة (١ / ١٤٠ ، ١٤١) ، وطبقات ابن شهبة (١ / ١٣٧).
.................................................................................................
______________________________________________________
فيها إلى الليل وفرق أحمد بن يحيى بأن جميعا تكون للقيام في وقتين وفي وقت واحد ، إذا قلت : قام زيد وبكر معا (١) ، ثم قد عرفت أن المصنف اختار مذهب يونس والأخفش في أن «معا» كفتى لفظا لا كيد إذا نصبت ، واستدل لصحة ذلك بأنك تقول : الزيدان معا والعمرون معا ، فتوقع معا في موضع رفع كما توقع الأسماء المقصورة كقولك : هو فتى وهم عدى ، ولو كان باقيا على النقص لقيل : الزيدون مع ، كما يقال : هم يد واحدة على من سواهم ، لكن قد قال الشيخ : ما ذكره المصنف من أنه لو كان الأمر كما ذهب غير يونس والأخفش ، لكان يلزم الرفع في مثل قولنا : الزيدون معا خطأ فاحش ؛ لأن «مع» قد تقرر أنها ظرف لا يتصرّف ، وقد ذكر هو ذلك ، فقولك : الزيدون معا ، هو منصوب على الظرف الواقع خبرا كما تقول : الزيدون عندك ، وإذا كان ظرفا لا يتصرف فلا يرفع (٢). انتهى.
ولك أن تجيب عن المصنف فتقول : إن الظرف الذي لا يتصرف إنما هو «مع» الملازمة للإضافة ، أما المفردة عن الإضافة فليست كذلك ، بل تقول : إن الظرفية لا يتعقل فيها حالة الإفراد ، وإنما يتعقل ظرفيتها حال إضافتها ، وإذا لم يحكم عليها بالظرفية حال الإفراد فمعناها في نحو : جاء الزيدان أو الزيدون معا ، إما معنى جميعا كما رأى المصنف ومن وافقه ، وإما معنى مصطحبين أو مصطحبين فالظرفية منفية عن كل من المعنيين ، والنصب في كلتا الكلمتين أعني جميعا ومصطحبين لو صرح بهما إنما هو على الحال فكذلك نصب معا إذا وقعت هذا الموقع إنما هو على الحال لا على الظرف ، وكذا يكون المعنى في قول الشاعر :
١٦٢٥ ـ وشعباكما معا (٣) [٢ / ٤٧٢]
وقول الآخر :
١٦٢٦ ـ وأهواؤنا معا (٤)
والتقدير : وشعبا كما مصطحبان أي مقترنان ، وأهواؤنا مصطحبة أي مقترنة ، فمعا مرفوعة في هذين البيتين على الخبرية ، وليست منصوبة على الظرف ، إذ قد بينا أنه لا ظرفية حينئذ ، وإذا كان كذلك فلو كانت «مع» حال إفرادها «كيد» ـ
__________________
(١) التذييل (٣ / ٤٢٥ ، ٤٢٦) وينظر : مجالس ثعلب (٢ / ٣٨٦).
(٢) التذييل (٣ / ٤٢٧) بتصرف يسير.
(٣ ، ٤) تقدم ذكرهما.
[التوسع في الظرف المتصرف]
قال ابن مالك : (ويتوسّع في الظّرف المتصرف فيجعل مفعولا به مجازا ويسوغ حينئذ إضماره غير مقرون بفي والإضافة والإسناد إليه ، ويمنع من هذا التّوسّع على الأصحّ تعدّي الفعل إلى ثلاثة).
______________________________________________________
لوجب الرفع ، فكان يقال : «مع» فصح كلام المصنف بهذا التقدير وانتفى عنه الخطأ الفاحش والحمد لله.
قال ناظر الجيش : قال المصنف رحمهالله تعالى (١) : من ضروب المجاز التوسع بإقامة الظرف المتصرف مقام فاعل الحدث الواقع فيه ومقام المفعول الموقع به الحدث ، فالأول : كقوله تعالى : (اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ)(٢) وقوله تعالى : (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً)(٣) وكقول الشاعر (٤) :
١٦٢٧ ـ أقول للحيان وقد صفرت لهم |
|
وطابي ويومي ضيّق الحجر معور (٥) |
والثاني : كقولهم : ولد له ستون عاما (٦) ، وصيد عليه الليل والنهار (٧) ، وكقول الشاعر :
١٦٢٨ ـ أمّا النّهار ففي قيد وسلسلة |
|
واللّيل في جوف منحوت من السّاج (٨) |
__________________
(١) شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٢٤٣).
(٢) سورة إبراهيم : ١٨.
(٣) سورة الإنسان : ١٠.
(٤) هو تأبط شرّا واسمه ثابت وكنيته أبو زهير بن جابر بن سفيان أحد لصوص العرب.
(٥) البيت من الطويل وهو في : شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٢٤٣) ، وشرح التسهيل للمرادي ، والتذييل (٣ / ٤٣٦) ، والمستقصي (٢ / ٤١).
اللغة : لحيان : بطن من هذيل. صفرت : بمعنى خلت. الوطاب : جمع وطب وهو سقاء العسل. ضيق الحجر : كناية عن ضيق المنفذ. المعور : المنكشف العورة.
والشاهد فيه : التوسع في ظرف الزمان وهو «يومي» بإقامته مقام فاعل الحدث الواقع فيه.
(٦) مثل به سيبويه في الكتاب (١ / ١٧٦).
(٧) مثّل به سيبويه في الكتاب (١ / ١٦٠).
(٨) قيل : إن البيت من الخمسين المجهولة القائل ونسبه المبرد في الكامل إلى رجل من أهل البحرين من اللصوص.
والبيت من البسيط وهو في الكتاب (١ / ١٦١) ، والكامل (٣ / ٤٢٠) ، والمقتضب (٤ / ٣٣١) ، والمحتسب (٢ / ١٨٤) ، والغرة لابن الدهان (٢ / ١١٢) ، وشرح التسهيل للمصنف (٢ / ٢٤٣) ، والتذييل (٣ / ٤٣٦) ، والبحر المحيط (٤ / ٣١٥) ، والإفصاح للفارقي (ص ١٣٤).
اللغة : الساج : شجر من شجر الهند.