شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٤

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

عنده فاعل قام وقعد زيد مرفوع بالفعلين معا ؛ ولا يمتنع على مذهب البصريين أن يقال : أحسن وأعقل بزيد ، على أن يكون الأصل : أحسن به وأعقل بزيد ، ثم حذفت الباء لدلالة الثانية عليها ، ثم اتصل الضمير واستتر ، كما استتر في الثاني من قوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)(١) ؛ فإن الثاني يستدل به على الأول ، كما يستدل بالأول على الثاني ، إلا أن الاستدلال بالأول على الثاني أكثر من العكس (٢). انتهى (٣).

قال الشيخ : مذهب سيبويه منع التنازع بين فعلي التعجب (٤) ، ومذهب المبرد (٥) ، الجواز (٦) ، ثم إنه ناقش المصنف في كونه أجاز التنازع مع إيجابه ، إعمال الثاني ، فقال : هذا ـ يعني إيجاب العمل للثاني ـ ليس من باب الإعمال ؛ لأن شرط الإعمال جواز إعمال أيهما شئت (٧). انتهى.

واعلم أن البحث الذي تقدم عند ذكر مذهب الفراء في نحو : قام وقعد زيد يعاد هنا ، فيقال : المراد من تنازع العاملين صحة تسلط كل منهما من حيث المعنى على ذلك المعمول ، ثم إنه قد يعرض مانع لفظي يمنع من عمل أحدهما ، فيتعين إعمال الآخر ، كما في مسألة : ما أحسن وأعقل زيدا ؛ فإن كلّا منهما طالب لـ «زيد» من حيث المعنى ؛ ولكن يمنع من إعمال الأول ما يلزم من الفصل بين فعل التعجب ومعموله ، وعلى هذا يستقيم كلام المصنف ، وقد ختم الشيخ هذا الباب بذكر أشياء تركت إيرادها خشية الإطالة (٨) ، على أن من استحضر القواعد النحوية ، لا يكاد تخفى عليه الأحكام فيما أشار إليه.

__________________

(١) سورة مريم : ٣٨.

(٢) ينظر : الأشباه والنظائر (٤ / ١٥٠) ، وشرح الألفية للمرادي (٢ / ٦٠).

(٣) شرح التسهيل للمصنف (٢ / ١٧٧).

(٤) ينظر : الكتاب (١ / ٧٢ ، ٧٣).

(٥) ينظر : المقتضب (٤ / ١٨٤).

(٦) التذييل (٣ / ١٦٠).

(٧) التذييل (٣ / ١٦١).

(٨) ما ختم به الشيخ أبو حيان الكلام على هذا الباب هو ذكره : ما ينازع ، وما لا يتنازع فيه ، وأيضا ذكر سبع مسائل في ختام الباب ، فارجع إليها إن شئت. ينظر : التذييل (٣ / ١٦٢ ـ ١٧٠).

٢٤١
٢٤٢

الباب الثالث والعشرون

باب الواقع مفعولا مطلقا من مصدر وما يجري مجراه

[تعريف المصدر ـ وأسماؤه وأصالته]

قال ابن مالك : (المصدر اسم دالّ بالأصالة على معنى قائم بفاعل ، أو صادر عنه ، حقيقة أو مجازا ، أو واقع على مفعول ، وقد يسمّى فعلا وحدثا وحدثانا ، وهو أصل الفعل لا فرعه خلافا للكوفيّين ، وكذا الصّفة خلافا لبعض أصحابنا).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : لم يذكر المصنف حد المفعول المطلق ، مع أن هذا الباب إنما هو معقود له ، بل عدل إلى ذكر حد المصدر الذي إذا نصب بما سنذكره كان مفعولا مطلقا ، ولا شك أن المفعول المطلق أخص من المصدر ، ولا يلزم من تعريف الأعم تعريف الأخص (١). وأصح حدود المفعول المطلق ما ذكره ابن الحاجب رحمه‌الله تعالى ، فقال : «هو اسم ما فعله فاعل فعل مذكور بمعناه» (٢) فاحترز بقوله : اسم ما فعله فاعل ، عن اسم ما لم يفعله فاعل ، وهو ظاهر ، وبقوله : مذكور من نحو : أعجبني القيام ، فإن القيام اسم ما فعله فاعل ، ولكنه ليس فاعلا لفعل مذكور ، وبقوله : بمعناه من نحو : كرهت قيامي ، فإنه اسم ما فعله فعل مذكور ؛ لأن القيام [٢ / ٣٥٨] اسم لما فعله المتكلم وهو فاعل الفعل المذكور ، فلما قيل بمعناه وجعل وصفا للفعل خرج : كرهت قيامي ؛ لأن كرهت ليس بمعنى قيامي ، قال : وقلت ها هنا : اسم ولم أذكر لفظ اسم في غيره من الحدود ؛ لأنني لو لم أذكره لورد على الحد ضربت ؛ فإنه شيء فعله فاعل فعل مذكور غدا ، وقد أورد على هذا ضرب ضرب شديد ؛ فإنه اسم لما فعله فاعل فعل مذكور بمعناه ولفظه ، فيجب أن يدخل في الحد ، وإذا دخل في الحد فيجب أن ينصب ؛ لأنه إنما حدّ ليعرف فينصب ، كما أن الفاعل إنما حدّ ليعرف فيرفع ، وهو غير وارد ؛ لأنه عندنا داخل في الحد.

ولا شك أن ذكرنا تعريفه هنا لينتصب ، ولكن بعد أن عرفنا أنّ منه قسما يجب ـ

__________________

(١) ينظر : شرح الألفية للمرادي (٢ / ٥) ، وشرح الأشموني (٢ / ١٠٩).

(٢) شرح ابن الحاجب على كافيته (ص ٣٨٨) المسمى بشرح المقدمة الكافية : تحقيق د / جمال مخيمر رحمه‌الله (مكتبة نزار الباز) ، وشرح الكافية للرضي (١ / ١١٣).

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

رفعه ، وهو إذا قصد إقامته مقام الفاعل وجعله أحد الجزأين ، فإذا حصل الإعلام بذلك ثم حد المفعول المطلق باعتبار ما هو مفعول مطلق ، فيجب دخول المرفوع في الحد وإن كان الغرض من حدّه تعريف نصبه ؛ لأن ما تقدم يفيد تخصيصه ؛ لأنه خاص ، وقد ذكر أن حكمه الرفع فكأنه قيل هاهنا : ينصب هذا المحدود في غير المحل الخاص الذي عرفنا أن رفعه واجب فيما تقدم ، واستغني عن ذكره ها هنا ؛ لأنّ ذكره راجع إلى تكرير محض لا فائدة فيه زائدة ؛ لأنا لو ذكرناه ذكرنا عين ما تقدم ، فتبين أنه لا حاجة إلى الاحتراز منه ، ولزم وجوب أنه لو ذكر كان خطأ ، ألا ترى أنه يكون مخرجا من حد المفعول المطلق ، وقد قلنا : إن المفعول المطلق نفسه يرتفع إذا أقيم مقام الفاعل ، فيصير حاصل الأمرين هو مفعول مطلق ، وليس بمفعول مطلق من جهة واحدة ، وهذا ظاهر الفساد غير خاف بالنظر المستقيم (١). وهو كلام يشهد لصاحبه بأنه في الرتبة العليا من التحقيق.

ثم ليعلم أن المفعول المطلق هو المفعول حقيقة ؛ لأنه هو الذي يحدثه الفاعل (٢) ، أما المفعول به فهو محل الفعل خاصة ، والزمان وقت يقع فيه الفعل ، والمكان محل الفاعل والمفعول ، ويلزم من ذلك أن يكون محلّا للفعل والمفعول لأجله علة لوجود الفعل ، والمفعول معه مصاحب للفاعل أو للمفعول (٣) ؛ وإذا قد عرفت هذا فلنرجع إلى مقصود الكتاب ، فنقول : أفادت ترجمة الباب أن الذي ينصب مفعولا مطلقا هو المصدر ، وما ينوب منابه ، وإلى ذلك أشار بقوله : (وما يجري مجراه) ، وقد ذكر في الباب ما يقوم مقام المصدر كما ستعرفه ، وقد حد المصدر بقوله : (المصدر اسم دال) إلى آخره ، فتقييد الدلالة بالأصالة مخرج لأسماء المصادر ، وهي عبارة عن كل اسم يساوي المصدر في الدلالة ، ويخالفه بعلميّة كجماد حماد (٤) ، أو بتجرده لفظا وتقديرا دون عوض من زيادة في فعله كاغتسل غسلا ، وتوضأ وضوءا ،

__________________

(١) شرح ابن الحاجب على كافيته (ص ٣٨٨ ، ٣٨٩) تحقيق د. جمال مخيمر رحمه‌الله.

(٢) ينظر شرح الكافية للرضي (١ / ١١٣) ، وشرح المفصل لابن يعيش (١ / ١١٠) ، وشذور الذهب (ص ٢٨٣) ، والمباحث الكاملية (ص ٤٢٥).

(٣) ينظر : المطالع السعيدة للسيوطي (ص ٢٩٨) ، والهمع (١ / ١٨٦).

(٤) في (ب): (حاد) وهو خطأ. والجماد : البخيل في اللسان (جمد ـ حمد) يقال للبخيل : جماد له أي لا زال جامد الحال ، وهو نقيض حماد في المدح. اه.

٢٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فهذه وأمثالها إذا عبر عنها بمصادر ، فإنما ذلك مجاز ، والحقيقة أن يعبر [٢ / ٣٥٩] عنها بأسماء المصادر (١) ، واحترز بقوله : دون عوض من نحو : عدة وتعليم ، فإنهما مصدران مع خلو «عدة» من واو «وعد» وخلو «تعليم» من تضعيف العين ، فهاء «عدة» عوض من الواو ، وياء «تعليم» عوض من التضعيف ، وأشار بقوله : لفظا وتقديرا إلى أن بعض ما في الفعل قد يخلو لفظ المصدر منه ، ويكون مقدرا ، فلا يضرّ زواله من اللفظ ، كقتال مصدر قاتل (٢) ، فإن أصله : قيتال كما سيأتي الكلام على ذلك في باب إعمال المصدر ـ إن شاء الله تعالى ـ والدال على معنى قائم بفاعل كحسن وفهم ، والدال على معنى صادر عن فاعل كخط وخياطة ، وقيام الحسن والفهم بالفاعل حقيقة ، وكذا صدور الخط والخياطة من فاعلهما بخلاف نسبة العدم للمعدوم ، والموت إلى الميت ؛ فإنهما مجاز ، والواقع على مفعول مصدر ، وما لم يسم فاعله نحو : ضرب زيد ضربا ، والمراد بالفاعل هنا الاصطلاحي ، وكذا المفعول. فبهذا يعم الحد مصدر كل فعل ، وإطلاق المصدر على ما تناوله الحد إطلاق متفق عليه ، وقد يعبر عنه بالفاعل الحدث والحدثان (٣) ، وهو من التعبير عن الشيء بلفظ مدلوله (٤). هذا كلام المصنف (٥) ، والظاهر أن قوله : (حقيقة أو مجازا) تقسيم لما هو صادر عن الفاعل خاصة ، لا إلى المعنى القائم بالفاعل.

ثم هاهنا بحثان :

الأول :

قد تبين من تقرير المصنف أن اسم المصدر موافق للمصدر في الدلالة على شيء واحد لا فرق بينهما بالنسبة إلى ما دلّا عليه من المعنى إلا في أمرين :

أحدهما : أن دلالة المصدر بالأصالة بخلاف دلالة اسم المصدر ، وكأنه يريد بالأصالة أن الكلمة موضوعة لذلك المعنى ، وهذا بخلاف دلالة اسم المصدر ؛ فكأن ـ

__________________

(١) ينظر : التذييل (٣ / ١٧٣).

(٢) ينظر : الأشموني بحاشية الصبان (٢ / ٢٨٧) ، وشرح الألفية للمرادي (٣ / ١٠).

(٣) ينظر : شرح المفصل لابن يعيش (١ / ١١٠).

(٤) التعبير عن المصدر بالحدث والحدثان هو مذهب سيبويه ، يقول : «وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء» اه. الكتاب (١ / ١٢) وينظر : المرجع السابق.

(٥) شرح التسهيل لابن مالك (٢ / ١٨٧) تحقيق د / محمد بدوي المختون ، د / عبد الرحمن السيد.

٢٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

دلالة على ذلك نائبة عن دلالة المصدر (١) ، ويحتاج تحقيق ذلك إلى نظر.

ثانيهما : أن اسم المصدر يخالف المصدر إما بعلمية ، وإما بالتجرد الذي ذكره (٢) ، وقد فرق بين المصدر واسم المصدر بغير ما ذكره المصنف ، فقيل : إن المصدر في الحقيقة هو الفعل الصادر عن الإنسان وغيره ، كقولنا : إن ضربا مصدر في قولنا : يعجبني ضرب زيد عمرا ، فيكون مدلوله معنى ، وسموا ما يعبر عنه مصدرا مجازا نحو ضرب في قولنا : إن ضربا مصدر منصوب إذا قلنا : ضربت ضربا ، فيكون مسماه لفظا واسم المصدر اسم للمعنى الصادر عن الإنسان وغيره كسبحان المسمى بالتسبيح الذي هو صادر عن المسبح ، لا لفظ (ت س بـ ي ح) بل المعنى المعبر عنه بهذه الأحرف ، ومعناه : البراءة والتنزيه (٣) ، واستؤنس لهذا القول بقول الزمخشري : وقد أجروا المعاني في ذلك مجرى الأعيان ، فسموا التسبيح بسبحان (٤).

فنص على أن المسمى هنا معنى لا لفظ ، وقال ابن يعيش : اسم المصدر مسماه لفظ نحو : سبحان ، عبارة عن التسبيح ، وقيل : إن المصدر يدل بالوضع ، واسم المصدر وهو الذي لا يكون بصيغ المصدر [٢ / ٣٦٠] المستعملة ، يوضع موضع المصدر في بعض المواضع ، فيستفاد منه ما يستفاد من المصدر ، لكن لا بالوضع بل بالاستعمال كما يوضع المصدر في موضع اسم الفاعل واسم المفعول (٥). انتهى.

قلت : وبهذا يشعر كلام المصنف حيث قال إنه احترز بقوله : دال بالأصالة عن اسم المصدر.

البحث الثاني :

إن قول المصنف : أو واقع على مفعول ؛ غير محتاج إليه ؛ لأنه إذا قيل : ضرب ـ

__________________

(١) ينظر حاشية الخضري على شرح ابن عقيل (١ / ١٨٦).

(٢) ينظر في الفرق بين المصدر واسم المصدر : التصريح (١ / ٣٢٥) ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ١٦٠) ، وشرح الألفية للمرادي (٣ / ١٠).

(٣) هذا النص الذي ذكره الشارح وفرق به بين المصدر واسم المصدر ذكره السيوطي في الأشباه والنظائر (٢ / ١٧٦) منسوبا إلى بهاء الدين بن النحاس. وينظر أيضا : المباحث الكاملية (ص ٢٦).

(٤) المفصل للزمخشري (ص ١٠) وينظر : شرح المفصل لابن يعيش (١ / ٣٧).

(٥) ينظر : شرح المفصل لابن يعيش (١ / ٣٧) بالمعنى.

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

زيد ضربا صدق على «ضربا» أنه دال على معنى صادر عن فاعل ، وكذا إذا قيل : فهمت المسألة فهما ، صدق أن «فهما» دال على معنى قائم بفاعل ، إلا أن تريد أن ذلك الفاعل يكون مذكورا ، وأن المفعول يكون مذكورا أيضا كما يشعر بذلك قوله : والمراد بالفاعل هنا الاصطلاحي ، وكذلك المفعول ، فربما يحتاج إلى ذكر ذلك.

ثم قال المصنف (١) : واتفق البصريون والكوفيون على أن الفعل والمصدر مشتق أحدهما من الآخر ، لكن البصريين جعلوا الأصالة للمصدر ، وجعلها الكوفيون للفعل ، والصحيح مذهب البصريين (٢) ، ويدل على صحته ستة أمور :

أحدها : أن المصدر يكثر كونه واحدا لأفعال ثلاثة : ماض ومضارع وأمر ، فلو اشتق المصدر من الفعل لم يخل من أن يشتق من الثلاثة أو من بعضها ؛ فاشتقاقه من الثلاثة محال ، واشتقاقه من واحد منها يستلزم ترجيحا دون مرجح ، فتعين اطّراح ما أفضى إلى ذلك.

الثاني : أن المصدر معناه مفرد ، ومعنى الفعل مركب من حدث وزمان ، والمفرد سابق المركب ، فالدال عليه أولى بالأصالة.

الثالث : أن مفهوم المصدر عام ومفهوم الفعل خاص ، والدال على عام أولى بالأصالة من الدال على خاص.

الرابع : أن كل ما سوى الفعل والمصدر من شيئين : أحدهما أصل والآخر فرع ؛ فإن في الفرع منهما معنى الأصل وزيادة كالتثنية والجمع بالنسبة إلى الواحد ، وكالعدد المعدول بالنسبة إلى المعدول عنه ، والفعل فيه معنى المصدر وزيادة تعين الزمان ، فكان فرعا والمصدر أصل.

الخامس : أن من المصادر ما لا فعل له لفظا ولا تقديرا ، وذلك نحو : ويح وويل ، وويش وويب. فلو كان الفعل أصلا لكانت هذه المصادر فروعا لا أصول لها ، وذلك محال ، وإنما قلنا : إن هذه المصادر لا أفعال لها تقديرا ؛ لأنها لو صيغ من بعضها فعل لاستحق فاؤه في المضارع من الحذف ما يستحق فاء «يعد» ـ

__________________

(١) شرح التسهيل لابن مالك (٢ / ١٧٨).

(٢) ينظر : الإنصاف في مسائل الخلاف (١ / ٢٣٥) وما بعدها ، وشرح المفصل لابن يعيش (١ / ١١٠) ، وشرح الألفية للمرادي (٢ / ٧٦) ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ١٠٢) ، واللمع لابن جني (ص ١٣١) ، والمباحث الكاملية (ص ٦٦١).

٢٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ولاستحق عينه من السكون ما استحق عين «تبيع» فيتوالى إعلال الفاء والعين ، وذلك مرفوض في كلامهم ، فوجب إهمال ما يؤدي إليه ، وليس في الأفعال ما لا مصدر له مستعمل إلا وتقديره ممكن كتبارك وفعل التعجب ، إذ لا مانع في اللفظ ، ويقابل تلك الأفعال مصادر كثيرة تزيد على الأفعال كالأبوة [٢ / ٣٦١] والبنوة والخؤولة والعمومة والعبودية واللصوصية وقعدك الله ، وبله زيد وبهله ، فبطلت المعارضة بتبارك ونحوه ، وخلص الاستدلال بويح وأخواته ، ولا حجة للكوفيين في أن المصدر يتبع الفعل في صحته وإعلاله نحو : لاوذ لواذا ، ولاذ لياذا ؛ لأن الشيئين قد يحمل أحدهما على الآخر وليس أحدهما أصلا للآخر كحمل يرضيان على رضيا ، وأعطيا على يعطيان. والأصل : يرضوان وأعطوا ؛ لأنّ حكم الواو بين فتحة وألف التصحيح ؛ لكن حمل ذو الفتحة على ذي الكسرة ليجريا على سنن واحد ، فكذلك فعل بالمصدرين من لاوذ ولاذ ، ولا حجة أيضا في توكيد الفعل بالمصدر ؛ لأن الشيء قد يؤكد بنفسه نحو : زيد قام قام. فلو دل التوكيد على فرعية المؤكّد لزم كون الشيء فرع نفسه ، وذلك محال ، ولا حجة أيضا في إعمال الفعل في المصدر ؛ لأن الحرف يعمل في الاسم والفعل ولا حظ له في الأصالة ، وببعض ما استدللنا على فرعية الفعل بالنسبة إلى المصدر يستدل على فرعية الصفة بالنسبة إليه ، لأن كل صفة تضمنت حروف الفعل فيها ما في المصدر من الدلالة على الحدث ، وتزيد بالدلالة على ما هي له كما زاد الفعل بالدلالة على الزمان المعين ؛ فيجب كون الصفة مشتقة من المصدر لا من الفعل ، إذ ليس فيها ما في الفعل من الدلالة على الزمان المعين (١). انتهى كلام المصنف (٢).

وذكر الشيخ أن ابن طلحة ذهب إلى أن المصدر والفعل كل منهما أصل ، وليس أحدهما مشتقّا من الآخر ، وكأن ابن طلحة (٣) نزع في هذه المسألة إلى مذهب من ـ

__________________

(١) ينظر في هذه الأدلة التي استدل بها المصنف على صحة مذهب البصريين : الإنصاف (١ / ٢٣٥ ـ ٢٤١) ، والهمع (١ / ١٨٦) وشرح الألفية لابن الناظم (ص ١٠٢ ، ١٠٣) ، والأشموني (٢ / ١١٢) ، والتذييل (٣ / ١٧٥) وشرح المفصل.

(٢) شرح التسهيل لابن مالك (١ / ١٨٠).

(٣) هو محمد بن طلحة بن محمد بن عبد الملك بن خلف بن أحمد الأموي الإشبيلى ، أبو بكر المعروف بابن طلحة ، كان إماما في صناعة العربية نظارا عارفا بعلم الكلام وغير ذلك ، تأدب بالأستاذ أبي إسحاق بن ملكون ، وزعيم وقته بإقراء الكتاب جابر بن محمد بن ناصر الحضرمي ، وأبي بكر بن صاف ، وأخذ عنه القراءات ، وأجاز له هو وأبو بكر بن مالك الشريش وجماعة.

توفي سنة ٦١٨ ه‍ ، بغية الوعاة (١ / ١٢١ ، ١٢٢) تحقيق محمد أبو الفضل.

٢٤٨

[المفعول المطلق : ناصبه ـ أنواعه ـ ما ينوب عنه]

قال ابن مالك : (وينصب بمثله أو بفرعه أو بقائم مقام أحدهما ، فإن ساوى معناه معنى عامله فهو لمجرّد التوكيد ، ويسمّى مبهما ، ولا يثنّى ولا يجمع ، وإن زاد عليه فهو لبيان النّوع أو العدد ، ويسمّى مختصّا ومؤقّتا ، ويثنّى ويجمع ، ويقوم مقام المؤكّد مصدر مرادف واسم مصدر غير علم ، ومقام المبيّن نوع أو وصف أو هيئة أو آلة أو كلّ أو بعض أو ضمير أو اسم إشارة ، أو وقت ، أو «ما» الاستفهاميّة أو الشّرطيّة).

______________________________________________________

ينفي الاشتقاق أصلا ؛ فإن الشيخ ذكر في ذلك مذاهب ثلاثة :

أحدها : مذهب الجمهور ، وهو أن من الكلمات ما هو مشتق ، ومنها ما ليس بمشتق.

ثانيها : أن كل لفظ مشتق ، قال : وعزاه جماعة إلى الزجاج (١).

ثالثها : أن شيئا ليس مشتقّا من شيء ، بل كل أصل بنفسه (٢). انتهى.

وليس هذا مما يتشاغل به ، ولا يضيع الزمان في ذكره.

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٣) : وينصب المصدر بمثله ، كقولك : عجبت [٢ / ٣٦٢] من قيامك قياما ونصبه بفرعه ، كقولك : طلبتك طلبا ، وأنا طالبك طلبا ، وأنت مطلوب طلبا ، ونصبه بقائم مقام أحدهما كقولك : عجبت من إيمانك تصديقا ، وأنا مؤمن تصديقا ، ولقاء الله مؤمن به تصديقا ، والمصدر المنصوب في جميع هذه الأمثلة قد ساوى معناه معنى عامله فهو لمجرد التوكيد ، ويسمى الواقع هكذا مبهما ولا يثنى ولا يجمع ؛ لأنه بمنزلة تكرير الفعل فعومل معاملته في عدم التثنية والجمع ، إذ هو صالح للقليل والكثير (٤) ، وإن زاد معناه على معنى عامله فهو لبيان النوع نحو : سرت خببا وعدوا ، ورجعت القهقرى (٥) ، وقعدت القرفصاء (٦) ، ـ

__________________

(١) ينظر : الزجاج وأثره في النحو (ص ٢٠٦).

(٢) التذييل (٣ / ١٧٤) ، وينظر في هذه المذاهب : الإيضاح للزجاجي (ص ٥٦ ـ ٦٣) ، وتوجيه اللمع لابن الخباز (ص ١١١) وشرح ابن عقيل (١ / ١٨٧).

(٣) شرح التسهيل لابن مالك (١ / ١٨٠).

(٤) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٣٢٦) طبعة العراق ، واللمع لابن جني (ص ١٣٢).

(٥) القهقرى : مصدر قهقر ، إذا رجع على عاقبتيه ، اللسان «قهقر».

(٦) القرفصاء : ضرب من القعود ، واللسان «قرفص».

٢٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أو لعدد المرات نحو : قمت قومتين ، وضربته ضربات. وقد يكون المبين للنوع بلفظ المؤكد ، فيستفاد التنويع بوصفه أو إضافته أو إدخال حرف التعريف عليه أو بتثنيته أو بجمعه (١) ، ويقوم مقام المؤكد مصدر مرادف نحو : جلست قعودا ، أو اسم مصدر غير علم نحو : اغتسلت غسلا وتوضأت وضوءا ، ولا يستعمل اسم المصدر العلم مؤكدا ولا مبيّنا فلا يقال : حمدت حماد ونحو ذلك ؛ لأن العلم زائد معناه على معنى العامل ، فلا ينزل منزلة تكرار الفعل ، ولأنه كاسم الفعل ، فلا يجمع بينه وبين الفعل ، ولا ما يقوم مقامه (٢). ومن قيام أحد المترادفين مقام الآخر قول امرئ القيس :

١٤٠٠ ـ ويوما على ظهر الكثيب تعذّرت

عليّ وآلت حلفة لم تحلّل (٣)

وقول رؤبة :

١٤٠١ ـ لوّحها من بعد بدن وسنق

تضميرك السّابق يطوى للسّبق (٤)

لوحها ضمرها ، والبدن السّمن ، والسنق البشم ، والسبق الخطر ، والخطر هو الذي يوضع بين أهل السابق ، ويقوم مقام المبين للنوع اسم نوع كالقهقرى ـ

__________________

(١) ينظر : شرح الكافية للرضي (١ / ١١٤) ، والمطالع السعيدة (ص ٢٩٩) ، والفصول الخمسون (ص ١٨٤) وابن يعيش (١ / ١١١).

(٢) ينظر : التذييل (٣ / ١٨٤).

(٣) البيت من الطويل وهو في : التذييل (٣ / ١٨٣ ، ١٩٠ ، ٢٦٣) ، والبحر المحيط (٨ / ٣٨) ، وتعليق الفرائد (١٤٨١) ، والهمع (١ / ١٨٧) ، والدرر (١ / ١٦١) ، وديوان امرئ القيس (ص ١٢) ، واللسان «حلل» والمثل شرح المقرب لابن عصفور.

اللغة : الكثيب : الرمل الكثير. التعذر : التشدد والالتواء. آلت : حلفت. لم تحلل : لم تستثن.

والشاهد قوله : «وآلت حلفة» ؛ حيث نصب حلفة على التوكيد بعد آلت ؛ لأنه مرادف لمصدره ، والناصب له «آلت» أو فعل محذوف.

(٤) البيتان من الرجز المشطور وهما لرؤبة في : الكتاب (١ / ٣٨٥) ، والتذييل (٣ / ١٩٠) ، وديوان رؤبة (ص ١٠٤) برواية :

لوح منه بعد بدن وسنق

تلويحك الضّامر يطوي للسبق

ولا شاهد في هذه الرواية.

اللغة : لوحها : أضمرها. البدن : السمن. السنق : التخمة.

والشاهد قوله : «تضميرك» ؛ حيث نصب على التوكيد بعد «لوحها» ؛ لأنه مرادف لمصدره والناصب له «لوحها» أو فعل محذوف.

٢٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والقرفصاء ، وكقوله تعالى : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً)(١) ، أو وصف نحو : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً)(٢) ، أو هيئة نحو : يموت الكافرون ميتة سوء ، ويعيش المؤمنون عيشة مرضية ، أو آلة نحو : ضرب المؤدب الصبيّ قضيبا أو سوطا ، أو كل نحو قوله تعالى : (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ)(٣) ، أو بعض كقوله تعالى : (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً)(٤) ، أو ضمير كقوله تعالى : (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ)(٥) ، أو اسم إشارة نحو : لأجدّنّ ذلك الجدّ ، ولا بد من جعل المصدر تابعا لاسم الإشارة المقصود به المصدرية ؛ ولذلك خطئ من حمل قول المتنبي :

١٤٠٢ ـ هذي برزت لنا فهجت رسيسا (٦)

على أنه أراد هذه البرزة برزت ؛ لأن مثل ذلك لا تستعمله العرب.

وقد يقام مقام المصدر المبين زمان [٢ / ٣٦٣] مضاف إليه المصدر تقديرا كقول الشاعر :

١٤٠٣ ـ ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا (٧)

__________________

(١) سورة النازعات : ١.

(٢) سورة آل عمران : ٤١.

(٣) سورة النساء : ١٢٩.

(٤) سورة هود : ٥٧.

(٥) سورة المائدة : ١١٥.

(٦) صدر بيت من الكامل للمتنبي وعجزه :

ثمّ انصرفت وما شفيت نسيسا

وهو في : المقرب (١ / ١٧٧) ، وشرح المفصل لابن يعيش (٢ / ١٦) ، والتذييل (٣ / ١٩٢) ، وتعليق الفرائد (١٤٨٩) ، والعيني (٣ / ٢٣٣) ، والمغني (٢ / ٦٤١) ، والأشموني بحاشية الصبان (٣ / ١٣٧) ، وحاشية يس (١ / ٣٢٧) ، وديوان المتنبي (٢ / ٣٠١).

اللغة : برزت : ظهرت. هجت : من هاجه إذا أثاره. الرسيس : مس الحمى أو الهم. النسيس : بقية النفس.

والشاهد في البيت : أن ابن مالك لا يجوز أن يكون اسم الاشارة نائبا عن المصدر ؛ لأنه لا يشار إلى المصدر إلا إذا ذكر بعده المصدر تابعا له. وقد جوز ذلك أبو حيان حملا على ما ورد من كلام العرب.

(٧) صدر بيت من الطويل للأعشى وعجزه :

وبت كما بات السّليم مسهّدا

وهو في : الخصائص (٣ / ٣٢٢) ، وشرح المفصل لابن يعيش (١ / ١٠٢) ، والارتشاف (ص ٥٣٧) ، والتذييل (٣ / ١٩٣) ، وشرح التسهيل للمرادي وتعليق الفرائد (١٤٨٩) ، والمغني (٢ / ٦٢٤) ، والهمع (١ / ١٨٨) والدرر (١ / ١٦١) وحاشية يس (١ / ٣٤٤).

والشاهد قوله : «ألم تغتمض .... ليلة أرمدا» ؛ حيث ناب الزمان وهو : ليلة أرمدا عن المصدر والأصل : اغتماض ليلة أرمدا.

٢٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

أراد : ألم تغتمض عيناك اغتماض ليلة أرمد ، فحذف المصدر وأقام الزمان مقامه كما عكس من قال : كان ذلك طلوع الشمس ، إلا أن ذلك قليل وهذا كثير ، أو (١) «ما» الاستفهامية نحو : ما تضرب زيدا ، المعنى : أي ضرب تضرب زيدا ، قال الشاعر (٢) :

١٤٠٤ ـ ماذا يغير ابنتي ربع عويلهما

لا ترقدان ولا بؤس لمن رقدا (٣)

أو «ما» الشرطية نحو قولك : ما شئت فقم ، كأنك قلت : أي قيام شئت فقم ، قال الشاعر وهو جرير :

١٤٠٥ ـ نعب الغراب فقلت بين عاجل

ما شئت إذ ظعنوا لبين فانعب (٤)

ومن قيام النوع مقام المصدر قول الشاعر :

١٤٠٦ ـ على كلّ موّار أفانين سيره

شؤوّا لأبواع الجمال الرّواتك (٥)

ومن قيام الصفة قول ليلى الأخيلية :

١٤٠٧ ـ نظرت ودوني من عماية منكب

وبطن الرّكاء أيّ نظرة ناظر (٦)

__________________

(١) من أول قوله : أو «ما» الاستفهامية إلى آخر كلام ابن مالك غير موجود بشرح التسهيل المطبوع.

(٢) هو عبد مناف بن ربع الجوبي شاعر جاهلي من شعراء هذيل.

(٣) البيت من البسيط وهو في : المخصص (١٤ / ٢٠) ، والتذييل (٣ / ١٩٣) ، والبحر المحيط (٤ / ٤٨) ، وشرح التسهيل للمرادي وتعليق الفرائد (١٤٩٠) ، وديوان الهذليين (٢ / ٣٨).

اللغة : العويل : البكاء.

والشاهد قوله : «ماذا يغير؟» ؛ حيث نابت «ما» الاستفهامية عن المصدر.

(٤) البيت من الكامل وهو لجرير ، وهو في : التذييل (٣ / ١٩٣) وشرح التسهيل للمرادي وتعليق الفرائد (١٤٩٠) ، والمغني (٢ / ٦٢٤) ، وديوان جرير (ص ٢٢).

والشاهد قوله : «ما شئت إذ ظعنوا لبين فانعب» ؛ حيث نابت «ما» الشرطية عن المصدر.

(٥) البيت من الطويل لذي الرمة وهو في : التذييل (٣ / ١٩١) ، وديوانه (ص ٤١٧) واللسان مادتي «رتك ـ جدا».

اللغة : موار : متحرك من صار. الأفانين : ضروب من السير. شؤوّا : طلقا. أبواع : جمع باع وهو رمد اليدين. الرواتك : جمع راتكة وهي الناقة التي تمشي وكأن برجلها قيدا ، وتضرب بيديها.

ويروى البيت برواية (الجوازي) مكان (الجمال).

والشاهد قوله : «شؤوّا» ؛ حيث نصب بعد ما ليس من لفظه ؛ لأنه نوع من أنواع السير.

(٦) البيت من الطويل وهو في : التذييل (٣ / ١٩١) ، وديوان ليلى الأخيلية (ص ٧٧) برواية :

نظرت وركن من ذقانين دونه

مفاوز حوضي أيّ نظرة ناظر

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثله قول الآخر :

١٤٠٨ ـ وضابع أن جرى أيّا أردت به

لا الشّدّ شدّ ولا التّقريب تقريب (١)

أي لا الشد شد معتاد ولا التقريب تقريب معتاد ، بل هما خارقا العادة ، والصحيح في المصدر الموافق معنى لا لفظا كونه معمولا لموافقة معنى ، فحلفة من قوله :

١٤٠٩ ـ وآلت حلفة لم تحلّل (٢)

منصوب «بآلت» لا بحلفت مقدرا (٣) ، لعدم الحاجة إلى ذلك ؛ لأنه لو كان المخالف لفظا لا ينتصب إلا بفعل من لفظه لم يجز أن يقع موقعه ما لا فعل له من لفظه نحو : حلفت يمينا و (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ)(٤) و (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً)(٥) ، (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً)(٦) ؛ فهذه وأمثالها لا يمكن أن يقدر لها عامل من لفظها ، بل لا بد من كون العامل فيما وقع منها ما قبله مما هو موافق معنى لا لفظا ، ووجب اطراد هذا الحكم في ما له فعل من لفظه ، ليجري الباب على سنن واحد ، وهذا الذي اخترته هو اختيار المبرد (٧) والسيرافي (٨) ، ومن شواهد ذلك قراءة محمد بن السميفع (٩) : (فتبسّم ضحكا مّن قولها) (١٠) ذكرها ابن جني في ـ

__________________

اللغة : عماية : موضع. الركاء : واد بنجد.

والشاهد فيه : أن قوله : «أي نظرة ناظر» وصف نائب عن المصدر المحذوف.

(١) البيت من البسيط لقائل مجهول وهو في : التذييل (٣ / ١٩١).

والشاهد في قوله : «أيّا» ؛ حيث ناب وصف المصدر عن المصدر.

(٢) تقدم ذكره.

(٣) أجاز ابن عصفور في «حلفة» النصب على الوجهين أي إما أن يكون منصوبا بآلت أو بحلفت مضمرا وهو بذلك يخالف ابن مالك. ينظر : شرح الجمل لابن عصفور (٢ / ٣٤٠) رسالة بجامعة القاهرة.

(٤) سورة النساء : ١٢٩.

(٥) سورة النور : ٤.

(٦) سورة هود : ٥٧.

(٧) ينظر رأي المبرد في : المقتضب (١ / ٢١١ ، ٢١٢).

(٨) ينظر : شرح السيرافي (٣ / ١٤٤) ، وشرح الرضي على الكافية (١ / ١٢٦).

(٩) هو أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن السميفع اليماني ، له اختيار في القراءة ينسب إليه شذ فيه ، ينظر : غاية النهاية (٢ / ١٦١ ، ١٦٢).

(١٠) سورة النمل : ١٩.

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المحتسب (١) ، انتهى كلامه (٢) رحمه‌الله تعالى.

ولكن لا بد من التنبيه على أمور :

١ ـ منها : أن المصنف جعل ما ينتصب في هذا الباب وهو غير مصدر من الأشياء التي ذكرها قائما مقام المصدر ، ومقتضى كلام ابن عصفور أنه يطلق عليها المصدر ؛ فإنه قال : فأما المصدر هو اسم الفعل أو عدده أي ما قام مقامه (٣) ، وعبارة المصنف أولى ، غير أن المصنف لم يذكر اسم العدد في ما يقوم مقام المصدر ، ولا شك أنك إذا قلت : ضربته عشرين ضربة ، فقد أقمت اسم العدد [٢ / ٣٦٤] مقام المصدر المبين ، فكان ذكره متعينا.

٢ ـ ومنها : أن المصنف جعل الآلة قائمة مقام المصدر في نحو : ضربته سوطا.

وقرر الشيخ بهاء الدين بن النحاس بأن الأصل : ضربته ضربة بسوط ، فحذف الموصوف الذي هو ضربة ، وأقيمت الصفة التي هي بسوط مقامه ، فصار : ضربته بسوط ، ثم أسقط حرف الجر ، ووصل الفعل إليه فنصبه فقيل : ضربته سوطا (٤).

وأما ابن عصفور فإنه جعل ذلك من قيام المضاف إليه مقام المضاف ، فقال : الأصل : ضربته ضربة سوط ، فحذف المصدر وأقيم الاسم الذي كان مضافا إليه مقامه ، فأعرب بإعرابه (٥). ثم قال : ولا يجوز حذف المصدر وإقامة ما كان مضافا إليه مقامه بقياس إلا أن يكون ذلك (٦) له نحو : ضربته سيفا ورشقته سهما وطعنته رمحا ، الأصل : ضربة سيف ورشقة سهم وطعنة رمح ، ولو قلت : ضربته خشبة أو رميته آجرّة (٧) لم يجز ، لأنه الخشبة ليست آلة للضرب ، ولا الآجرة آلة للرمي (٨) ، فإن جاء شيء في غير أسماء ـ

__________________

(١) ينظر : المحتسب لابن جني (٢ / ١٣٩).

(٢) هذا الجزء غير موجود بنسخ شرح التسهيل المطبوع ، وهو في مخطوط دار الكتب ورقة ٩٦.

(٣) المقرب (١ / ١٤٤) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ٣٢٤) طبعة العراق.

(٤) ينظر : التذييل (٣ / ١٩٢) ، وشرح الكافية للرضي (١ / ١١٥) ، والهمع (١ / ١٨٨) ، والتصريح (١ / ٣٢٨).

(٥) شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٣٢٤) طبعة العراق.

(٦) زاد في (ب) بعد قوله (ذلك): (الاسم الذي كان المصدر مضافا إليه قبل حذفه اسما للآلة التي يوقع بها الفعل الناصب له). اه.

(٧) الآجرّة : طبيخ الطين أو ما يبنى به ، والجمع أجر وآجر. اللسان «أجر».

(٨) ينظر التذييل (٣ / ١٩٢).

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الآلات التي يوقع بها الفعل الناصب للمصدر حفظ ولم يقس عليه نحو قوله :

١٤١٠ ـ حتّى إذا اصطفّوا لنا جدارا (١)

وقول الآخر :

١٤١١ ـ ولم يضع ما بيننا لحم وضم (٢)

الأصل : اصطفاف جدار وإضاعة لحم وضم ، والجدار ليس آلة للاصطفاف ، ولحم وضم ليس آلة للإضاعة.

٣ ـ ومنها : أن المصنف ذكر أن ما يقوم مقام المصدر وصفه ، وأطلق ولم يقيد ومثل لذلك بقوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً)(٣). وأما ابن عصفور فإنه ذكر الوصف أيضا ومثل له بقوله : سرت قليلا أي سرت سيرا قليلا (٤) إلا أنه قال : ولا يجوز إقامة صفة المصدر مقامه إلا إذا كانت من قبيل الصفات التي تستعمل استعمال الأسماء كقليل (٥) ، ألا ترى أن العوامل تباشره كما تباشر الأسماء التي ليست بصفات ، فيقال : جئت قبل فلان بقليل ، قال الله تعالى : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ)(٦) ومن ثم قال الشيخ بعد أن ذكر استشهاد المصنف بقوله تعالى : (وَاذْكُرْ

__________________

(١) البيت للعجاج بن عبد الله بن رؤبة الراجز المشهور ، وهو من بحر الرجز ، وبعده :

وكان ما بينهم طوارا

وينظر في : الخصائص (٣ / ٣٢٢ ، ٣٢٣) ، والمحتسب (٢ / ١٢١) ، والارتشاف (٥٣٧) ، والتذييل (٣ / ١٩٤) ، وديوان العجاج (ص ٤١٤) ، واللسان «لحم».

والشاهد في قوله : «اصطفوا جدارا» ؛ حيث أقيم اسم العين مقام المصدر وهو الجدار ، والأصل : اصطفاف الجدار.

(٢) البيت من بحر الرجز المشطور وهو للعجاج أيضا وهو في : التذييل (٣ / ١٩٤) وديوان العجاج (ص ٢٧٨) وهو في الديوان هكذا مع بيت قبله :

وجعل الجيران أستار الحرم

ولم يكن جاركم لحم الوضم

فرواية الديوان مختلفة عن رواية البيت هنا.

اللغة : الوضم : كل شيء يوضع عليه اللحم من خشب أو غيره.

والشاهد في قوله : «ولم يضع .. لحم وضم» ؛ حيث أقيم اسم العين وهو (لحم وضم) مقام المصدر ، والأصل : إضاعة لحم وضم.

(٣) سورة آل عمران : ٤١.

(٤) ينظر : المقرب (١ / ١٤٤).

(٥) ينظر : المقرب (١ / ١٥٠).

(٦) سورة المؤمنون : ٤٠.

٢٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

رَبَّكَ كَثِيراً)(١) وبما أنشده من قول ليلى الأخيلية :

١٤١٢ ـ نظرت ودوني من عماية منكب

 ...... البيت (٢)

وقول الآخر :

١٤١٣ ـ وضائع أيّ جري ما أردت به (٣)

مذهب سيبويه أن نصب هذا الوصف على الحال (٤) ، لأنه صفة غير خاصة بالموصوف ، وإذا حذف الموصوف خرج الوصف عن أن يكون وصفا لعدم التبعية فكان حالا ؛ إذ شأنها عدم الإتباع (٥). انتهى.

وفي كل من الكلامين بحث ، أما قول ابن عصفور : إنه لا يجوز إقامة الصفة إلا إذا كانت من قبيل الصفات التي تستعمل استعمال الأسماء فقد يمنع ؛ لأن النحاة إنما اشترطوا في حذف المنعوت وإقامة النعت مقامه أن يكون النعت صالحا لمباشرة العامل (٦) وأما ما ذكره الشيخ فإنه يقتضي أن الموصوف لا يحذف ويقام الوصف مقامه إلا إذا كانت الصفة خاصة بالموصوف ، وليس [٢ / ٣٦٥] الأمر كذلك ، بل الشرط أن يعلم جنس المحذوف ، والعلم بذلك ليس منحصرا في الاختصاص ، بل قد يكون بسبب اختصاص الوصف به كقولك : مررت بمهندس ولقيت كاتبا ، وقد يكون بسبب مصاحبة ما يعيّنه كقوله تعالى : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ)(٧) أي دروعا سابغات ، وسابغات ليس وصفا مختصّا بالدروع ، وإنما علم أن الموصوف المحذوف هو الدروع بسبب مقارنة ما ذكر قبله وهو الحديد ، والحاصل أن المقصود حصول الدلالة على المحذوف من حيث الجملة ، ولا شك أن بمقارنة «اذكر» في قوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً) علم الموصوف المحذوف ، وإذا كان كذلك فلا حاجة إلى دعوى الحالية ، إذ لا ضرورة تدعو إلى ذلك (٨).

٤ ـ ومنها : أن قول المصنف : (أو هيئة) قد يقال فيه : إنه غير محتاج إليه ؛ ـ

__________________

(١) سورة آل عمران : ٤١.

(٢ ، ٣) تقدم.

(٤) ينظر : الكتاب (١ / ٢٢٨) ، والمغني (٢ / ٦٥٢).

(٥) التذييل (٣ / ١٩١ ، ١٩٢).

(٦) ينظر : شرح الكافية للرضي (١ / ٣١٧).

(٧) سورة سبأ : ١٠ ، ١١.

(٨) ينظر : مغني اللبيب (٢ / ٦٥٢) حيث إن رأي ابن هشام في هذه المسألة يتفق ورأي ناظر الجيش.

٢٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لأن الهيئة نفسها مصدر ، وهو ذكرها على أنها قائمة مقام المصدر ، وواقعة موقعه.

٥ ـ ومنها : أن ابن عصفور لم يذكر «كلّا وبعضا» ، بل قال : أو ما أضيف إليه يعني إلى المصدر ، بشرط أن يكون ذلك المضاف هو المضاف إليه في المعنى ، أو بعضه ، فالأول نحو : سرت كل السير ، لأن كل السير هو السير ، والثاني نحو : سرت أشد السير (١) ، فإن أشد السير سير ، فقد يقال : شملت عبارة ابن عصفور : سرت بعض السير (٢) ، ولم تشمل عبارة المصنف سرت أشد السير ، فترجّح عبارة ابن عصفور ، وليس كذلك ؛ لأن المصنف لم يرد لفظ (بعض) ، بل ما كان بعضا ؛ ولذا مثّل بقوله تعالى : (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً)(٣).

٦ ـ ومنها : أنه قد فهم من كلام المصنف في المتن والشرح أن الناصب للمصدر ولما يقوم مقامه هو العامل المذكور معه سواء أوافق لفظه أم لم يوافق ، وقد نبّه على أن في ذلك خلافا بقوله : وهذا الذي اخترته هو اختيار المبرد (٤) والسيرافي (٥).

وقد تعرض ابن عصفور إلى ذكر ذلك مفصلا ، فقال : وإذا كان المصدر منصوبا بعد فعل من لفظه ، فإن كان جاريا على الفعل كان منصوبا به ، وإن لم يكن جاريا ـ

__________________

(١) ينظر : المقرب (١ / ١٤٤).

(٢) مثل ابن عصفور بكل وبعض في شرح الجمل (١ / ٣٢٥) فقال : «أو ما أضيف إليه إذا كان المضاف هو المضاف إليه في المعنى نحو : ضربت كلّ الضرب ـ أو بعضه نحو : ضربت بعض الضرب» اه.

(٣) سورة هود : ٥٧.

(٤) ذكر الشيخ عضيمة في تحقيقه لهذه المسألة أنه ليس هناك خلاف بين المبرد وسيبويه ، فقال : ماذا يراه المبرد في ناصب (تبتيلا) و (نباتا) في الآيتين؟ وهل بينه وبين سيبويه خلاف في هذا؟

الذي أراه أن المبرد يرى أن الناصب فعل محذوف بدليل قوله هنا : فكأن التقدير ـ والله أعلم ـ والله أنبتكم فنبتّم نباتا ، وقوله في الجزء الثالث : ولكن المعنى ـ والله أعلم ـ : أنه إذا أنبتكم نبتم نباتا.

ويشهد لهذا أيضا سياق الحديث في الجزء الثالث ، فقد ذكر آيات وشواهد شعرية حذف فيها الفعل الناصب للمصدر (صنع الله) ثم قال : ومثل هذان إلّا أن اللفظ مشتق من فعل المصدر من قوله عزوجل : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)[المزمل : ٨] وليس بين سيبويه والمبرد خلاف في هذه المسألة» اه.

انظر : المقتضب.

وينظر في هذه المسألة : شرح المفصل لابن يعيش (١ / ١١٢) وشرح الكافية للرضي (١ / ١١٦).

(٥) وهو رأي أبي عثمان المازني أيضا ، ينظر : أبو عثمان المازني (ص ١٦٤) ، وشرح الكافية للرضي (١ / ١١٦) ، وشرح السيرافي (٣ / ١٤٤) ، والهمع (١ / ١٨٧).

٢٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه نحو قوله تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً)(١) وقول القطامي :

١٤١٤ ـ وخير الأمر ما استقبلت منه

وليس بأن تتبّعه اتّباعا (٢)

ففي الناصب له خلاف ، منهم من نصبه بفعل مضمر يجري عليه المصدر ، ويدل عليه الفعل الظاهر ، وهو مذهب المبرد وابن خروف (٣) ، وزعم أنه مذهب سيبويه (٤) ، ومنهم من ذهب إلى أنه منصوب بالفعل الظاهر ، وإن لم يكن جاريا عليه (٥) ، ومنهم من فصّل فجعل ما كان معناه مغايرا لمعنى مصدر ذلك الفعل الظاهر منصوبا بفعل مضمر يدل عليه الظاهر كقوله تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) فنباتا منصوب بنبت مضمرا ، أي فنبتّم نباتا ، ودل نبت عليه ، لأنهم إذا أنبتوا فقد نبتوا ، وما [٢ / ٣٦٦] كان معناه غير مغاير لمعنى مصدر الفعل الظاهر جعله منصوبا بالفعل الظاهر ؛ إذ لا موجب لتكلف الإضمار ، وذلك نحو قول القائل :

١٤١٥ ـ وقد تطوّيت انطواء الخصب (٦)

__________________

(١) سورة نوح : ١٧.

(٢) البيت من الوافر وهو للقطامي وهو في : الكتاب (٤ / ٨٢) ، والمقتضب (٣ / ٢٠٥) ، والخصائص (٢ / ٣٠٩) ، والأمالي الشجرية (٢ / ١٤١) ، وابن يعيش (١ / ١١١) ، والتذييل (٣ / ١٨٠) ، والخزانة (١ / ٣٩٢) والشعر والشعراء (ص ٧٢٤) وما يجوز للشاعر في الضرورة (١٣١) والمباحث الكاملية (ص ٤٣٠) ، وطبقات ابن سلام (٥٣٩) ، واللسان «تبع» ، وديوانه (٣٥).

والشاهد في قوله : «تتبعه اتباعا» ؛ حيث وقع قوله اتباعا مصدرا لغير فعله الجاري عليه وهو (تتبعه) ؛ لأن المعنى واحد.

(٣) ينظر : التذييل (٣ / ١٨٠) ، والهمع (١ / ١٨٧).

(٤) الذي في كتاب سيبويه (٤ / ٨١) هو قوله : «هذا باب ما جاء المصدر فيه على غير الفعل ؛ لأن المعنى واحد وذلك قولك : اجتوروا تجاورا وتجاوروا اجتوارا ؛ لأن معنى اجتوروا وتجاوروا واحد ، وقال الله تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) لأنه إذا قال : أنبته فكأنه قال : قد نبت ، وقال عزوجل : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)[المزمل : ٨] لأنه إذا قال : تبتّل فكأنه قال : «بتّل». اه.

وقال في بيت القطامي : لأن تتبعت واتبعت في المعنى واحد. اه. الكتاب (٤ / ٨٢) فليس في نص سيبويه ما يؤيد هذا الزعم ، وينظر التذييل (٣ / ١٨١). ا. ه.

(٥) الذي ذهب إلى ذلك هو المازني. ينظر : أبو عثمان المازني (ص ١٦٤) ، والتذييل (٣ / ١٨٠) ، والهمع (١ / ١٨٧) ، والارتشاف (ص ٥٣٥).

(٦) هذا رجز لرؤبة بن العجاج وهو في : الكتاب (٤ / ٨٢) ، وشرح الأبيات للسيرافي (١ / ٢٩١) ، والمخصص (١ / ١١٠) ، وأمالي الشجري (٢ / ١٤١) ، وابن يعيش (١ / ١١٢) ، والمقرب (٢ / ١٣٥) ،

٢٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فانطواء منصوب بتطويت ؛ لأن الانطواء والتطوي بمعنى واحد ، وقول الآخر :

١٤١٦ ـ يلوح بجانب الجبلين منه

رباب يحفر التّرب احتفارا (١)

فاحتفار منصوب بتحفر ؛ لأن الاحتفار والحفر بمعنى واحد ، ومنه بيت القطامي المتقدم ؛ لأن الاتباع والتتبع بمعنى واحد ، قال ابن عصفور : والصحيح في المغاير أنه يجوز أن يكون منصوبا بالفعل ، وأن يكون منصوبا بالفعل المضمر المدلول عليه بالظاهر ، وهو الذي يعطيه كلام سيبويه ، فإن عمل الظاهر راجح من حيث إنه لم يتكلف الإضمار ، مرجوح من حيث المغايرة ، وعمل المضمر راجح من حيث الموافقة لمعنى المصدر ، مرجوح لتكلف الإضمار (٢) ، وإذا كان المصدر منصوبا بعد فعل من معناه ، فإن لم يكن له فعل من لفظه كان منصوبا بذلك الفعل الذي هو من معناه نحو شيء من قول الهذلي (٣) :

١٤١٧ ـ فعدّيت شيئا والدّريس كأنّه

يزعزعه ورد من الموم مردم (٤)

فإنه مصدر منصوب بعاديت ؛ لأنه واقع موقع معاداة ، وكأنه قال : فعاديت ـ

__________________

والتذييل (٣ / ١٨١) ، والبحر المحيط (٦ / ٤٩٦) ، والكافي شرح الهادي (ص ٣٦٣) ، والهمع (١ / ١٨٧) ، وديوانه (ص ١٦) ، واللسان «خصب ـ طوي».

اللغة : الخصب : الذكر الضخم من الحيات ، أو حية دقيقة.

والشاهد في البيت : وقوع الانطواء بعد تطويت وإن كان غير جار عليه ؛ لأن المعنى واحد.

(١) البيت من الوافر لقائل مجهول ، وهو في : الارتشاف (ص ٥٣٥) ، والتذييل (٣ / ١٨١) ، والبحر المحيط (٢ / ٤٢٤)

اللغة : الرباب : بجمع ربى على وزن فعلى ، وهي الشاة التي ولدت حديثا ، ويروى في البيت برواية (ركام) مكان (رباب) والركام : هو الرمل المتراكم وكذلك السحاب.

والشاهد قوله : «يحفر الترب احتفارا» ؛ حيث وقع المصدر بعد فعل غير جار عليه ، ولكن معنى الفعلين واحد.

(٢) ينظر : التذييل (٣ / ١٨١ ، ١٨٢).

(٣) هو أبو خراش الهذلي ، واسمه خويلد بن مرة ، أحد بني هذيل ، وهو من فرسان العرب وشاعر مخضرم ، أسلم يوم حنين وهو شيخ كبير وحسن إسلامه ، وكان ممن يعدو على رجليه فيسبق الخيل ، ينظر : الشعر والشعراء (٢ / ٦٦٣) ، وأسد الغابة (٥ / ١٧٨) ، والإصابة (٢ / ١٥٢) ، والخزانة (١ / ٤٣٣) وقد تقدمت ترجمته مفصلة.

(٤) البيت من الطويل وهو في : المسائل الشيرازيات للفارسي (ص ٣٤٩) تحقيق علي جابر منصور ، والمسائل والأجوبة لابن السيد (ص ٤٥٩) إعداد محمد سعيد الحافظ رسالة بجامعة القاهرة ، والأغاني (٢١ / ٢٠٧) ، وديوان الهذليين (١٢١٧) ، واللسان «غرر».

٢٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

معاداة ، قال : ومن هذا القبيل تعدي الفعل إلى الضمير العائد على المصدر المفهوم منه نحو قولك : ظننته زيدا قائما ، تريد ظننت ظنّا زيدا قائما ، وإن كان له فعل من لفظه نحو : حلفة من قول امرئ القيس :

١٤١٨ ـ وآلت حلفة لم تحلّل (١)

ففيه خلاف : منهم من ذهب إلى أنه منصوب بالفعل الظاهر ، وهو رأي المبرد والسيرافي ، قال ابن عصفور : وإلى هذا المذهب عندي ذهب سيبويه بدليل جعله القهقرى من رجع زيد القهقرى منصوبا برجع لما كان ضربا من المرجوع وإن لم يكن من لفظ رجع ، وذهب الفارسي وابن جني إلى أنه منصوب بفعل مضمر من لفظه (٢) ، وقد نص ابن جني في الخاطريات (٣) له على امتناع انتصاب جلوس بقعد من قولك : قعد زيد جلوسا ، وذكر ابن عصفور استدلاله على ذلك ، واستدلال الفارسي أيضا ، ثم أبطله ، ثم قال : وقد نسب جماعة هذا المذهب إلى سيبويه ، قالوا : ولذلك جعل المصادر التي هي «دأب بكار» من قول القائل :

١٤١٩ ـ إذا رأتني سقطت أبصارها

دأب بكار شايحت بكارها (٤)

و «طي المحمل» من قول أبي كبير الهذلي :

١٤٢٠ ـ ما إن يمسّ الأرض إلّا منكب

منه وحرف السّاق طيّ المحمل (٥)

__________________

اللغة : الدريس : الثوب الخلق. المردم : الملازم. وعديت : صرفت عنهم.

والشاهد فيه : نصب «شيئا» بعاديت ؛ لأنه واقع موقع معاداة.

(١) تقدم ذكره.

(٢) ينظر : التذييل (٣ / ١٨٢ ، ١٨٣) ، والارتشاف (ص ٥٣٥ ، ٥٣٦) ، والهمع (١ / ١٨٧) ، والخصائص (٢ / ٣٠٩).

(٣) هو كتاب لابن جني لم أتمكن من العثور عليه ، وأغلب الظن أنه مفقود.

(٤) رجز لقائل مجهول وهو في : الكتاب (١ / ٣٥٧) ، والمقتضب (٣ / ٢٠٤) ، والتذييل (٣ / ١٩٦ ، ٢٦٤) ، وشرح السيرافي (٣ / ١٤٣ ، ١٤٤).

اللغة : سقطت أبصارها : خشعت. الدأب : العادة. البكار : جمع بكر وبكرة وهو الفتي من الإبل.

شايحت : أي جدت ومضت.

والشاهد فيه : أن «دأب بكار» منصوب بإضمار فعل على الحال وعلى المصدر لعدم وجود فعل من لفظه. ذكر ذلك سيبويه.

(٥) البيت من بحر الكامل وهو في : الكتاب (١ / ٣٥٩) ، والمقتضب (٣ / ٢٠٤ ، ٢٣٢) ،

٢٦٠