شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٤

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وليس هذا بشيء ؛ فإن الحرف الذي يحصل به النقل ، إنما يجاء به لمجرد النقل ، فلا يفيد معنى آخر ، كما في : أقام زيد عمرا ، وأجلس بكر خالدا ، وأذهب الله الرجس ؛ ولا شك أن السين والتاء يفيدان معنى غير النقل ، وكذلك ألف المفاعلة جيء بها لمعنى مقصود والتحقيق في هذا أن استفعل غير فعل ؛ لأنه بناء مستقل صيغ الفعل عليه ؛ ليفيد أحد المعاني المقصودة منه ، وكذا فاعل أيضا ، فليس ذلك من باب النقل والتعدية في شيء.

* * *

٢٠١
٢٠٢

الباب الثاني والعشرون

باب تنازع العالمين فصاعدا معمولا واحدا

[تعريف التنازع ـ العامل في المتنازع فيه]

قال ابن مالك : (إذا تعلّق عاملان من الفعل وشبهه متّفقان لغير توكيد أو مختلفان بما تأخّر غير سببيّ مرفوع عمل فيه أحدهما لا كلاهما خلافا للفرّاء في نحو : قام وقعد زيد).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : قد يقال : أي موجب لإيراد باب التنازع في هذا الموضع ، حتى فصل به بين أبواب المفاعيل ، ولم لا أورد أبواب المفاعيل الخمسة مواليا بين بعضها ، والبعض الآخر ، كما فعل غيره ، والذي يظهر أن المقتضي لذلك أنه لما ذكر المفعول به ، وقد تقدمه ذكر الفاعل ، ومعلوم أن الفاعل يلزم ذكره ، وأن المفعول به من متعلقات الفعل ، وكان كلام العرب الجمع بين عاملين وأكثر ، ثم إنهم لا يذكرون بعد العاملين أو العوامل إلا شيئا واحدا ، فاعلا كان أو مفعولا ، وكل من العاملين ، أو العوامل يطلب ذلك الشيء من جهة المعنى ، فيسلطون عليه أحد العاملين أو العوامل ، ويحتاجون حينئذ إلى إضمار في أحد العاملين ، أو تقدير معه ، وذلك يحتاج إلى عمل ، فأفرد النحاة لذلك بابا سموه بالتنازع ، وقد يسمونه بالإعمال ، وناسب أن يورد الباب المذكور بعيد هذين البابين ـ أعني باب الفعل وباب المفعول به ـ ؛ لأن الحال يرجع إما إلى إضمار فاعل ، وإما إلى تقدير مفعول ، ولو أخر الباب المذكور أو قدم قلت المناسبة المذكورة.

وإذ قد عرف هذا فاعلم أن [٢ / ٣٣٧] المصنف لم يصرح بحد التنازع ، ولكن يعرف الحد من كلامه ؛ فإنه كما قال الشيخ : أبرزه في صورة شرطية (١) ، قلت : وهو نظير ما فعل في الاشتغال ؛ فإنه لم يحد الاسم المشتغل عنه ، وإنما أورد كلاما في صورة شرط وجواب يستفاد منه المقصود ، وليعلم أن المقتضي لذكر معمول واحد مع معمولين هو قصد الاختصار.

فالحاصل : أنه إن أريد الإطناب والتعظيم تعدّد المعمول ، كقوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(٢) وإن أريد الإيجاز وحّد المعمول مع تعدد العامل ، كقوله ـ

__________________

(١) التذييل (٣ / ١١٣).

(٢) سورة الفاتحة : ٥.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

تعالى : (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً)(١) ، ثم أنا أورد كلام المصنف أولا فإذا انتهى أتبعته بما يتعين الإشارة إليه ، والتنبيه عليه.

قال رحمه‌الله تعالى (٢) : العاملان من الفعل ، وشبهه يتناول المتنازعين بعطف ، وغير عطف ، فعلين كانا ، نحو : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً)(٣) ، أو فعلا واسما ، نحو : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ)(٤) ، أو اسمين ، نحو : أنا مكرم ومفضل زيدا (٥) ، والعاملان في هذه الأمثلة متفقان في العمل ، ومثال اختلافهما : أكرمت ويكرمني زيد ، ومثال اختلافهما اسمين : أنا مكرم ومحسن إلى زيد ، ومثال اختلافها اسما وفعلا ، هل أنت مكرم فيشكرك زيد؟ وهذا كله على إعمال الثاني ، ولو أعملت الأول لقلت : أكرمت ويكرمني زيدا ، وهل أنت مكرم فيشكرك زيدا؟ بإضمار فاعلي يكرم ويشكر ، ولو أعملت الأول في مسألة أنا مكرم ، لقلت : أنا مكرم ومحسن إليه زيدا (٦) ، ومن إعمال الأول والعاملان اسمان قول الشاعر (٧) :

١٣٤٨ ـ وإنّي وإن صدّت لمثن وصادق

عليها بما كانت إلينا أزلّت (٨)

فلو كان ثاني العاملين مؤكدا ؛ لكان في حكم الساقط ، كقول الشاعر :

١٣٤٩ ـ أتاك أتاك اللّاحقون احبس احبس (٩)

__________________

(١) سورة الجن : ٧.

(٢) شرح التسهيل (٢ / ٢٦٤).

(٣) سورة الكهف : ٩٦.

(٤) سورة الحاقة : ١٩.

(٥) ينظر : شرح الألفية لابن الناظم (ص ٩٨) ، وشرح الألفية للمرادي (٢ / ٥٨).

(٦) ينظر : شرح الكافية للرضي (١ / ٧٨ ، ٧٩).

(٧) هو كثير عزة وهو كثير بن عبد الرحمن الأسود بن خزاعة ، أحب عزة ، واشتهر بحبه لها ، وكثر شعره فيها (سبقت ترجمته).

(٨) البيت من الطويل وهو في : التذييل (٣ / ١١٥ ، ١٦٥) ، وشرح الصفار للكتاب (ق ١٦١ / أ) وديوانه (ص ١٠١) ، واللسان «زل» ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ٦٢٤) ط. العراق ، وأمالي القالي (٢ / ١٠٩).

اللغة : أزلت : يقال : زلت منه إلى فلان نعمة ، وأزلها إليه ، وأزللت إليه نعمة ، فأنا أزلها إزلالا.

والشاهد قوله : «لمثن وصادق» ؛ حيث تنازعا العمل وهما اسما فاعل.

(٩) عجز بيت وصدره : فأين إلى أين النجاة ببغلتي.

والبيت من الطويل ، وهو في : الأمالي الشجرية (١ / ٢٤٣) ، والتذييل (٣ / ١١٦) ، وابن القواس (ص ٥٣٨) ، وشرح الألفية للمرادي (٢ / ٦١) ، والتصريح (١ / ٣١٨) ، والخزانة (٢ / ٣٥٣) ، والعيني (٣ / ٩) ، والهمع (٢ / ١١١) ، (١٢٥) ، والدرر (٢ / ١٤٥ ، ١٥٨) ، والأشموني (٢ / ٩٨) ،

٢٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فـ «أتاك» الثاني توكيد للأول ؛ فلذلك لك أن تنسب العمل لهما لكونهما شيئا واحدا في اللفظ والمعنى ، ولك أن تنسبه للأول وتلغي الثاني ، لفظا أو معنى ، لتنزله منزلة حرف زيد للتوكيد ؛ فلا اعتداد به على التقديرين ؛ ولو لا عدم الاعتداد به ، لقيل : أتاك أتوك أو أتوك أتاك (١) ، وإلى هذا ونحوه أشرت بقولي : متفقان لغير توكيد ؛ وفي قولي : بما تأخر ؛ تنبيه على أن مطلوب المتنازعين لا يكون إلا متأخرا ؛ لأنك إذا قلت : زيد أكرمته ، ويكرمني ، وزيد هل أنت مكرمه فيشرك ، وزيد أنا مكرمه ومحسن إليه أخذ كل واحد من العاملين مطلوبه ، ولم يتنازعا (٢) ، ونبهت بقولي : غير سببي مرفوع ؛ على أن نحو : زيد منطلق مسرع أخوه ، لا يجوز فيه تنازع ؛ لأنك لو قصدت فيه التنازع لأسندت أحد العاملين إلى السببي ، وهو الأخ وأسندت [٢ / ٣٣٨] الآخر إلى ضميره ، فيلزم عدم ارتباطه بالمبتدأ ؛ لأنه لم يرفع ضميره ولا ما التبس بضميره ولا سبيل إلى إجازة ذلك ؛ فإن سمع مثله حمل على أن المتأخر مبتدأ مخبر عنه بالعاملين المتقدمين عليه ، وفي كل واحد منهما ضمير مرفوع ، وهما وما بعدهما خبر عن الأول ، ومنه قول كثير :

١٣٥٠ ـ قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه

وعزّة ممطول معنّى غريمها (٣)

__________________

وأوضح المسالك (١ / ١٦٣) ، والأشباه والنظائر (٤ / ١٥٠).

والشاهد قوله : «أتاك أتاك اللاحقون» ؛ حيث إن العامل الثاني هنا قد أتي به لتوكيد وتقوية العامل الأول ، فليس ذلك من باب التنازع.

(١) في شرح الألفية للمرادي (٢ / ٦٢) ذكر أن بعض النحويين أجاز أن يكون هذا البيت من باب التنازع ، فقال : «وأجاز بعضهم أن يكون منه ، ويكون قد أضمر في أحد الفعلين مفردا ، كما حكى سيبويه ضربني وضربت قومك» اه. وينظر : الكتاب (١ / ٧٩ ، ٨٠).

(٢) ينظر : شرح ابن عقيل (١ / ١٨٣) ، والأشموني (٢ / ٩٨).

(٣) البيت في الطويل ، وهو في : الإنصاف (١ / ٩٠) ، والارتشاف (٩٦٧) ، والتذييل (٣ / ١١٩ ، ١٢٠) ، وتعليق الفرائد (١٤٤٩) ، وابن يعيش (١ / ٨) ، وشذور الذهب (ص ٥٠١) ، والعيني (٣ / ٣) ، والأشموني (٢ / ١٠١) ، وأوضح المسالك (١ / ١٦٣) ، والتصريح (١ / ٣١٨) ، والأشباه والنظائر (٤ / ١٥١) ، والهمع (٢ / ١١١) ، وشرح الألفية للمرادي (٢ / ٦٣) ، واللسان «غرم».

والشاهد قوله : «وعزة ممطول معنى غريمها» ؛ حيث إن ابن مالك لم يعده من التنازع ؛ لأنه شرط في الاسم المتنازع فيه أن يكون غير سببي مرفوع.

ويستشهد البصريون بالشطر الأول من هذا البيت على أن إعمال الثاني أولى ؛ حيث إن «قضى» ـ

٢٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أراد : وعزة غريمها ممطول معنى ، وفي تقييد السببي بمرفوع (١) تنبيه على أن السببي غير المرفوع لا يمتنع من التنازع كقولك : زيد أكرم وأفضل أخاه ، وجعل الفراء الرفع في نحو : قام وقعد زيد بالفعلين معا (٢) ، والذي ذهب إليه غير مستبعد (٣) ؛ فإنه نظير قولك : زيد وعمرو منطلقان ، على مذهب سيبويه ؛ فإن خبر المبتدأ عنده مرفوع بما هو له (٤) ؛ فلزمه أن يكون «منطلقان» مرفوعا بالمعطوف والمعطوف عليه ؛ لأنهما يقتضيانه معا ، ويمكن أن يكون على مذهبه قول الشاعر :

١٣٥١ ـ إنّ الرّغاث إذا تكون وديعة

يمسي ويصبح درهما ممحوقا (٥)

فلو كان العطف بأو أو نحوهما ، ممّا لا يجمع بين الشيئين ، لم يجز أن يشترك العاملان في العمل ، كقول الشاعر :

١٣٥٢ ـ وهل يرجع التّسليم أو يكشف العمى

ثلاث الأثافي والدّيار البلاقع (٦)

__________________

و «وفّى» تنازعا غريمه وأعمل الثاني منهما.

(١) اعترض أبو حيان على ابن مالك في هذه المسألة ، فقال : «وهذا الذي ذهب إليه المصنف من تقييد المعمول بغير سببي مرفوع ؛ لم يذكره معظم النحويين ، ولا اشترطوه ؛ وإنما اتبع فيه ابن خروف ، وبعض متأخري أصحابنا» اه ، التذييل (٣ / ١٢٠).

(٢) ينظر : الارتشاف (٩٦٧) ، والتصريح (١ / ٣٢١) ، والهمع (٢ / ١٠٩) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ٦١٧).

(٣) في التذييل (٣ / ١٢٦) ، وقوله : «لا كلاهما خلافا للفراء في نحو : قام وقعد زيد» ، قال أبو علي : «هذا أقبح المذهبين ، يعني أن إعمال قام وقعد في زيد أقبح من مذهب الكسائي في إبقاء أحد الفعلين بلا فاعل ، والفراء رفعه بمجموعهما فكل واحد منهما ليس له فاعل» اه ، وينظر : المسائل الحلبيات للفارسي (١٩٠ ، ١٩١).

(٤) في : الكتاب (١ / ٤٠٦): «إذا قلت : عبد الله أخوك ؛ فالآخر قد رفعه الأول وعمل فيه ، وبه استغنى الكلام ، وهو منفصل منه» اه.

(٥) البيت من الكامل لقائل مجهول ، وهو في : التذييل (٣ / ١٢٧) ، وفي شرح التسهيل لابن مالك (١ / ١٦٦).

والشاهد في البيت ـ كما يرى ابن مالك ـ أن الفعلين «يمسي ويصبح» قد عملا في مكان واحد ، وقد ذكر ابن مالك هذا البيت تنظيرا لمذهب الفراء.

(٦) البيت من الطويل ، وهو لذي الرمة ، وهو في : المقتضب (٢ / ١٧٤) ، والمخصص (١٧ / ١٠٠ ، ١٢٥) ، والارتشاف (ص ٩٦٧) ، والبحر المحيط (١ / ٢٧٦) ، والتذييل (٣ / ١٢٧ ، ١٤٨) ، وابن يعيش (٢ / ١٢٢) ، ومنهج السالك لأبي حيان (ص ١٣٣) ، وشرح الدرة الألفية لابن القواس (ص ٨٧٢) ، وتعليق الفرائد (١٤٦٢) ، والأشموني (١ / ١٨٧) ، والهمع (٢ / ١٥٠) ، وديوان ذي الرمة (ص ٣٣٢) ، وجمل ابن عصفور (١ / ٦١٩) ، ويروى البيت برواية : «والرسوم البلاقع» مكان «والديار البلاقع».

اللغة : الأثافي : أحجار يوضع عليها القدور ، المفرد : أثفية. والبلاقع : جمع بلقع ، وهي الأرض المقعرة.

والشاهد قوله : «وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى» ؛ حيث إن الفعل «يكشف» عطف على الفعل الأول ـ

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وليس هذا من باب التنازع ؛ إذ لو كان منه لكان أحد الفعلين بتاء ؛ لأن فاعله على ذلك التقدير ضمير مؤنث ؛ وإنما يحمل على أنه أراد : وهل يرجع التسليم ما أشاهد واستغنى بالإشارة ، كما قالوا : إذا كان غدا فأتني ، أي : إذا كان ما نحن عليه فأتني (١) ، ثم أبدل ثلاث الأثافي من الضمير المنوي. انتهى كلام المصنف (٢).

وأما ما يشار إليه وينبه عليه فأمور :

الأول : أن كلام المصنف في ترجمة الباب وما افتتح الباب به اشتمل على ضوابطه التي ذكرها غيره ، فمنها : أن العوامل المتنازعة يجوز أن تزيد على اثنين ، كما سيأتي شواهد ذلك ؛ لكنهم ذكروا أنه لم يرد في كلام العرب أكثر من ثلاثة (٣).

ومنها : أن المعمول المتنازع فيه يجب أن يكون واحدا ، ومن الناس من لم يصرح بوجوب الوحدة ؛ فكان كلامه محتملا ، ومنهم من صرح ؛ بأن المعمول يجوز أن يزيد على واحد ؛ ولذا قال ابن عصفور لما ذكر التنازع ، هو أن يجتمع عاملان فصاعدا (٤) ، ويتأخر عنهما معمول فصاعدا ، وقرر الشيخ بهاء الدين بن النحاس كلامه ، ومثل له بنحو : ظننت وعلمت زيدا منطلقا ، حتى جعل الشيخ أثير الدين المسألة خلافية ، فقال : إن المصنف ذكر المجمع عليه في قوله في الترجمة : معمولا واحدا ، وذكر [٢ / ٣٣٩] المختلف فيه في آخر الباب (٥) ، يعني به قوله : ولا يمنع التنازع تعدّ إلى أكثر من واحد ، والذي يظهر أن المعمول إنما يكون واحدا ، وهو في قولنا : متى رأيت أو قلت زيدا منطلقا ، واحد لا متعدد ؛ لأن المراد بتوحد المعمول : أن يكون معمول أحد العاملين هو المذكور دون معمول العامل الآخر ، سواء أكان ذلك المعمول في نفسه واحدا أو أكثر ، وليس المراد توحده في نفسه ؛ بأن يكون واحدا فقط ، هكذا فهم من قوة كلامهم مع مساعدة المعنى.

ومنها : أن العوامل كما تكون أفعالا تكون غير أفعال كالأسماء العاملة عمل الفعل لا كالحروف ؛ فإنهم نصوا على أن لا مدخل لها في هذا الباب (٦) ، وقد ـ

__________________

بـ «أو» ولذلك لم يجعل ابن مالك مثل هذا من التنازع ؛ لأنه لا يجوز أن يشترك العاملان هنا في العمل.

(١) ينظر : الكتاب (١ / ٢٢٤).

(٢) ينظر : شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٨٦٧).

(٣) ينظر : التذييل (٣ / ١١٥) ، وشرح الألفية للمرادي (٢ / ٥٩).

(٤) المقرب (١ / ٢٥٠) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ٦١٣) طبعة العراق.

(٥) ينظر : التذييل (٣ / ١١٥).

(٦) ينظر : شرح الجمل لابن الصائغ (٢ / ٢٢٥) ، وشرح الألفية للمرادي (٢ / ٥٨).

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

استفيد عدم دخول الحرف من قوله : (عاملان من الفعل وشبهه) فإن الحروف العاملة ليست شبه الفعل ؛ وإنما هي مشبهة بالفعل ، وقيد ابن عصفور العوامل بكونها متصرفة تحرزا من «إنّ» وأخواتها ، كما قال (١) ، وليس بجيد ؛ لأن العامل في هذا الباب قد يكون اسم فعل ؛ قال الله تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ)(٢) ، ولا شك أن أسماء الأفعال لا تتصرف.

ومنها : أن المعمول يكون مؤخرا عن العاملين ، أو العوامل ؛ فلا يجوز تقدمه ولا توسطه وهذا هو المشهور المعروف ، وعليه إطباق النحاة ، ولعله إجماع (٣) ، وقد نقل عن الفارسي في قول الشاعر (٤) :

١٣٥٣ ـ مهما تصب أفقا من بارق تشم (٥)

إنّ «من» زائدة و «بارق» في موضع نصب بـ «تشم» ، ومفعول «تصب» ـ

__________________

(١) لم أعثر لابن عصفور على هذا التقييد الذي ذكره الشارح هنا في باب التنازع ، لا في المقرب ، ولا في شرح الجمل ؛ إنما الذي قيده ابن عصفور ؛ بكونه متصرفا ، أو ما جرى مجراه ، هو العامل في باب الاشتغال ، ينظر : المقرب (١ / ٨٧) ، وشرح الجمل (١ / ٣٦١) ط. العراق ، وقد ذكر أبو حيان أيضا أن ابن عصفور يشترط في العاملين ، كونهما متصرفين تحرزا من إنّ وأخواتها ، ينظر : التذييل (٣ / ١١٣).

وأقول : قد يكون ابن عصفور ذكر ذلك في موضع آخر ، لم أتمكن من الوصول إليه ، وقد يكون ناظر الجيش هنا ، قد اكتفى بالاطلاع على ما ذكره أستاذه أبو حيان ، فأثبته في كتابه الذي بين أيدينا ، وهذا ما أرجحه ؛ لأن ابن عصفور استدل على إعمال الثاني كما يرى البصريون بقوله تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ،) وهي الآية التي رد بهما الشارح هنا رأي ابن عصفور في تقييده العامل بالتصرف ، ينظر : شرح الجمل (١ / ٦١٥) طبعة العراق.

(٢) سورة الحاقة : ١٩.

(٣) ينظر : التصريح (١ / ٣١٨) ، والبهجة المرضية (ص ٥٦) ، وشرح ابن عقيل (١ / ١٨٣) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٥٨٨).

(٤) هو ساعدة بن جؤبة أخو كعب بن كاهل بن الحارث ، وهو شاعر مخضرم.

(٥) عجز بيت من البسيط وصدره :

قد أوبيت كلّ ماء وهي ظامية

وينظر : التذييل (٣ / ١١٨) ، والمغني (١ / ٣٣٠) ، وشرح شواهده (٢ / ٧٤٣) ، والتصريح (١ / ٣١٨) والهمع (٢ / ٥٧) ، والدرر (٣ / ٧٣) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٥٨٨) ، وقد استشهد الفارسي بهذا البيت على جواز توسط المعمول بين العاملين ، كما استشهد به على مجيء «مهما» حرفا ، واستشهد به بعض النحويين على مجيئها ظرفا للزمان ، ينظر : الإيضاح للفارسي (ص ١٧٣).

اللغة : البارق : السحاب ذو البرق. تشم : من شام البرق يشيمه ، أي : نظر إليه ليعرف أين يمطر.

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

محذوف وهو ضمير عائد على «بارق». قال الشيخ بعد نقله ذلك : والإعمال مع المتوسط غريب ، ويدل على أن التقدم في العاملين ليس بشرط. انتهى (١).

ولا معول على هذا ، ولا ينبغي التشاغل به ، ويكفي أنه قول مخالف للإجماع وقد رأيت لبعض الفضلاء الشارحين لهذا الكتاب بحثا في هذا الموضع ، وهو أنه قال : الذي يظهر أن تأخير المعمول ليس بشرط في جواز التنازع ؛ بل حيث يقدّم المعمول أو يوسط ، وجاز عمل كل من العاملين مع تقدمه أو توسطه ، جاز فيه التنازع ، وحيث امتنع عملهما ، أو عمل أحدهما فيه فليس من باب التنازع ؛ فإذا قلت : زيد ضارب مكرم عمرا فـ «ضارب» و «مكرم» صالحان للعمل في «عمرو» إذا تقدم أو توسط فلا مانع من التنازع إذا تقدم أو توسط ، نحو : زيد عمرا ضارب مكرم ، وزيد ضارب عمرا مكرم ، و «ضارب» و «مكرم» خبران ؛ فإن امتنع عملهما ، أو عمل أحدهما لمانع ؛ لم يكن من باب التنازع ، كقولك : زيد قام وقعد ؛ لأن الفاعل لا يتقدم على رافعه ، وكذلك قام زيد وقعد فـ «زيد» فاعل «قام» [٢ / ٣٤٠] ولا يجوز أن يرتفع بـ «قعد» لما ذكر ، وكذلك لو قلت : زيدا ضربت وأكرمت ، لم يجز التنازع ؛ وإن كان المفعول يجوز تقديمه على عامله ؛ بل يتعين نصب زيد بضرب ؛ لأن أكرمت لا يعمل فيه لكونه تابعا ، ومعمول التابع لا يتقدم على المتبوع على الصحيح ، قال : وإذا علم هذا ؛ فما أجازه الفارسي في البيت يعني :

١٣٥٤ ـ مهما تصب أفقا .... (٢)

فيه نظر من جهة أن جواب الشرط لا يتقدم عليه معموله عند الجمهور (٣).

ومنها : أن لا يكون أحد العاملين مؤكدا للآخر ، وذلك إذا اتفقا لفظا ومعنى (٤) كما تقدم.

ومنها : أن يكون المعمول غير سببي مرفوع ، وقد عرفت العلة الموجبة لذلك (٥) ، وعلم من تقييد السببي بمرفوع أن السببي المنصوب يجوز كونه متنازعا فيه ؛ فإن قيل : كيف جاز التنازع في السببي المنصوب دون المرفوع ، نحو قولك : زيد أكرم وأفضل أباه ، فالجواب : أن المانع الذي منع التنازع في المرفوع هو خلو أحد العاملين ـ

__________________

(١) التذييل (٣ / ١١٨).

(٢) تقدم ذكره.

(٣) شرح التسهيل للمرادي (١ / ٥٨٨ ، ٥٨٩).

(٤ ، ٥) سبق شرحه.

٢٠٩

           

______________________________________________________

الواقع خبرا من رابط يربطه بالمبتدأ ، إذا قلت :

١٣٥٥ ـ وعزّة ممطول معنّى غريمها (١)

لأن الضمير المستكن ؛ إنما يعود على المضاف ، وهو غريم دون المضاف إليه ، وهذا المانع مفقود ، إذا كان السببي منصوبا ، وذلك أنك إذا قلت : زيد أكرم ، وأفضل أخاه وأعملت الثاني مثلا ، أو الأول : كنت قد حذفت من الآخر ، والمحذوف مقدر ، وإذا كان مقدرا قدر المضاف ، والمضاف إليه معا ، فلا يذهب الربط بخلاف ما إذا كان مضمرا (٢).

ومنها : أن يكون كل من العاملين ، أو العوامل طالبا لذلك المعمول من حيث المعنى ، وهذا يستفاد من قول المصنف : (إذا تعلق عاملان بما تأخر) ؛ لأن العامل إنما يتعلق بشيء إذا كان طالبا له ، ومن ثم لم يكن قول امرئ القيس :

١٣٥٦ ـ فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة

كفاني ـ ولم أطلب ـ قليل من المال (٣)

من هذا الباب قال سيبويه رحمه‌الله تعالى : فإنما رفع ؛ لأنه لم يجعل القليل مطلوبا ؛ وإنما المطلوب عنده الملك ، ولو لم يرد ذلك ونصب فسد المعنى (٤) ، يريد إن جعل «أطلب» عاملا في «قليل» يفسد المعنى ، وتقرير ذلك أن «لو» تدل على امتناع ـ

__________________

(١) تقدم ذكره.

(٢) ينظر : التذييل (٣ / ١٢٠).

(٣) البيت من الطويل ، وهو في : الكتاب (١ / ٧٩) ، وشرح السيرافي لأبياته (١ / ٣٨) ، وشرح الصفار للكتاب (ق ٩٢ / ب) ، والإنصاف (١ / ٨٤) ، والإفصاح للفارقي (ص ٣١٣) ، والخصائص (ص ٢ / ٣٨٧) ، وابن يعيش (١ / ٧٨ ، ٧٩) ، والمقرب (١ / ١٦١) ، وشرح الدرة الألفية لابن القواس (ص ٤٣٨) والارتشاف (ص ٤٩٩ ، ٥٥٣) ، والبحر المحيط (١ / ٣٥٥ ، ٣٩٨) ، (٢ / ١١٥) ، والتذييل (٣ / ١٦١ ، ١٦٤) ، والمقتضب (٤ / ٧٦) ، والخزانة (١ / ١٥٨ ، ٢٢١) ، وشذور الذهب (ص ٢٨٥) والمغني (١ / ٢٥٦) ، (٢ / ٥٠٨) ، وشرح شواهده للسيوطي (١ / ٣٤٢) ، (٢ / ٦٤٢) ، والعيني (٣ / ٣٥) ، وشرح الألفية للمرادي (٢ / ٦٠) ، والهمع (٢ / ١١٠) ، والأشموني (٢ / ٩٨) ، (٤ / ٤٠) ، وديوانه (ص ٣٩) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ٦٢٢) ط. العراق.

والشاهد قوله : «كفاني ... أطلب ـ قليل» ؛ حيث إن الفعلين وجها على «قليل» وأعمل الأول مع إمكان إعمال الثاني ، وهذا ليس من باب التنازع ، كما بين الشارح ؛ لأن الواو عاطفة ، وذهب أبو علي إلى أنه يجوز أن يكون من باب التنازع على جعل الواو للحال ، ويكون التقدير : لو كان سعيي لأدنى معيشة كفاني قليل من المال حال كوني غير طالب له. ينظر : العيني (٣ / ٣٥).

(٤) الكتاب (١ / ٧٩).

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الشيء لامتناع غيره ، وإذا كان ما بعدها مثبت كان منفيّا في المعنى ، وإذا كان منفيّا كان مثبتا ؛ لأنها تدل على امتناعه ، وامتناع النفي إثبات ، وإذا ثبت ذلك فقوله :

١٣٥٧ ـ فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة

فيه نفي للسعي لأدنى المعيشة فلو وجه «ولم أطلب .. إلى قليل» ، أوجب فيه أن يكون فيه إثبات لطلب القليل ؛ لأنه في سياق [٢ / ٣٤١] جواب «لو» ، فيكون نافيا للسعي لأدنى معيشة مثبتا لطلب القليل من المال ، وهو غير ما ثبت نفيه ، فيؤدي إلى أن يكون نافيا مثبتا لشيء واحد في كلام واحد ، وهو فاسد (١) ، وإذا كان كذلك سقط استدلال الكوفيين بهذا البيت على أن إعمال الأول هو الأفصح ؛ لأنهم قالوا : الشاعر فصيح ، وكان يمكنه إعمال الثاني ، فلما أعمل الأول من غير ضرورة دل على أن إعمال الثاني ليس بالأفصح ، وإذا لم يكن الأفصح ثبت أن الأول أفصح ؛ إذ لا قائل بغير ذلك ، ويقوى ذلك بأنه أعمل الأول مع ارتكاب ما يلزمه من حذف المفعول من الثاني ، ولو أعمل الثاني لم يلزمه ارتكاب أمر محذور ، قالوا : وذلك ظاهر في أن إعمال الأول أفصح ، وأجاب البصريون : بأن هذا البيت ليس من باب الإعمال في شيء ، كما تقدم تقريره (٢) ، قال ابن عصفور : فإن قيل : لأي شيء جعلت ، ولم أطلب جوابا لـ «لو» وعطفته على كفاني حتى لزم هذا، وهلا جعلت الجملة من قوله : «ولم أطلب» معطوفة على قوله:

فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة

كفاني .....

وكأنه قال : وأنا لم أطلب قليلا ؛ فيتصور توجيهه عليه ؛ فيكون من باب الإعمال بهذا الطريق؟ فالجواب : أن هذا لا يتصور ، وقد كان الأستاذ أبو علي جعله من الإعمال بهذا الطريق ووجه بطلانه أن العاملين في هذا الباب ، لابد أن يشتركا ، وأدنى ذلك بحرف العطف حتى لا يكون الفصل معتبرا ، أو يكون الفعل الثاني معمولا للأول ، وذلك نحو قولك : جاءني يضحك زيد ، فجعل في «جاءني» ضميرا ، أو في «يضحك» حتى لا يكون هذا الفعل فاصلا ، وأقل ذلك حرف العطف حتى تكون الجملتان قد اشتركتا أدنى اشتراك فيسهل الفصل ، وأما إذا ـ

__________________

(١) ينظر : المقتصد شرح الإيضاح للجرجاني (ص ٢٨٦) رسالة بجامعة القاهرة.

(٢) ينظر : الإنصاف في مسائل الخلاف (١ / ٨٤ ـ ٩٣) ، وشرح الكافية للرضي (١ / ٨١ ، ٨٢).

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

جعلت «ولم أطلب» معطوفا على «فلو أن ما أسعى» ؛ فإنك تفصل بجملة أجنبية ليست محمولة على الفعل الأول ، فتكون إذ ذاك بمنزلة : أكرمت أهنت زيدا ، والعرب لا تتكلم بهذا أصلا (١). انتهى.

قال الشيخ : هذا الذي ذكره ابن عصفور من انحصار التشريك بين جملتي التنازع في العطف ، وأن يكون الفعل معمولا للأول ؛ وأنه لا يقع الإعمال إلا على هذين الوجهين ، ليس كما ذكر ألا ترى ؛ أنهم جعلوا من التنازع قوله :

١٣٥٨ ـ لو كان حيّا قبلهنّ ظعائنا

حيّا الحطيم وجوههنّ وزمزم (٢)

فتنازع «حيّا» الأول ، وهو خبر كان ، و «حيّا» الثاني ، وهو جواب «لو» ولا اشتراك بينهما بحرف عطف ، ولا الثاني معمول للأول ، وقول الآخر [٢ / ٣٤٢] :

١٣٥٩ ـ بعكاظ يعشي النّاظري

ن إذا هم لمحوا شعاعه (٣)

تنازع «يعشي» و «لمحوا» ، وليس ثم عطف ، ولا عمل للفعل الأول في الثاني ، وقول الآخر : ـ

__________________

(١) شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٦٢٣) طبعة العراق.

(٢) البيت من الكامل ، وهو لكثير عزة أو العرجي ، وهو في : المقرب (١ / ٢٥٢) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ٦١٩) ، ومنهج السالك لأبي حيان (ص ١٣٣) ، والتذييل (٣ / ١٤٨ ، ١٦٦) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٥٩٨) ، وشرح الصفار للكتاب (ق ٨٩ / أ) ، وديوان كثير (ص ٥٠٨) ، وملحقات ديوان العرجي (ص ١٩١).

اللغة : الظعائن : جمع ظعينة ، وهي الهودج ، أو المرأة ما دامت فيه ، والحطيم : جدار الكعبة.

والشاهد : إعمال «حيّا» الثاني في الظاهر ، وحذف فاعل «حيّا» الأول ؛ إذ لو كان مضمرا لقال : لو كان حيّيا قبلهن ، لعوده على مثنى.

(٣) البيت من مجزوء الكامل ، وهو لعاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو في شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٦١٦) طبعة العراق ، والارتشاف (ص ١١٥١) ، والتذييل (٣ / ١٤١) ، وتعليق الفرائد (ص ١٤٥٧) ، وشرح الألفية للمرادي (٢ / ٦٦) ، والمغني (٢ / ٦١١) ، والعيني (٣ / ١١) ، والتصريح (١ / ٣٢٠) ، وشذور الذهب (ص ٥٠٤) ، وشرح ابن عقيل (١ / ١٨٤) ، وشرح شواهده (ص ١١٥) ، والهمع (٢ / ١٠٩) ، والبهجة المرضية (ص ٥٧) ، والأشموني (٢ / ١٠٦) ، وديوان الحماسة (١ / ٣١٠).

اللغة : عكاظ : موضع بقرب مكة مشهور كانت تقام فيه سوق في الجاهلية ، يعشي : من العشاء ، وهو سوء البصر بالليل.

والشاهد فيه : حذف معمول (لمحوا) المضمر المنصوب وقد أعمل الفعل الأول في الظاهر.

٢١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

١٣٦٠ ـ ولم أمدح لأرضيه بشعري

لئيما أن يكون أفاد مالا (١)

وكذا قول الآخر :

١٣٦١ ـ علّموني كيف أبكيهم

 ..... البيت (٢)

وقول الآخر :

١٣٦٢ ـ ألا هل أتاها على نأيها

 ...... البيت (٣)

وكذا قوله تعالى : (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً)(٤). انتهى (٥).

وأقول : إن ابن عصفور ؛ إنما قال : لابد أن يشترك العاملان وأدنى ذلك بحرف العطف ، أو يكون الفعل الثاني معمولا للأول ؛ ولا شك أن هذه العبارة تعطي عدم الانحصار ، والذي ادعاه ابن عصفور إنما هو أن يشترك العاملان ، والاشتراك أعم من أن يكون بعطف وعمل وبغيرهما ، وكيف يدعي ابن عصفور الانحصار في هذين الأمرين ، وقد ذكر أكثر الأبيات التي رد بها الشيخ عليه شواهد على التنازع في هذا الباب؟! والذي استشهد به الشيخ على ابن عصفور قد حصل الاشتراك فيه كله بين العاملين ؛ ففي البيت الأول : أحد المتنازعين في حيز الشرط ، والآخر هو جواب الشرط ، وفي البيت الثاني : الأول دليل جواب الشرط ، والثاني هو الشرط ، ـ

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لذي الرمة ، وهو في الأمالي الشجرية (١ / ١٧٦) ، والتذييل (٣ / ١٤٢ ، ١٦٧) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ٦١٥) ، ودلائل الإعجاز (ص ١٨٨) ، والغرة المخفية (ص ٣٢١) ، والإيضاح في علوم البلاغة للقزويني (ص ٦٢) ، وديوانه (ص ٤٤١).

والشاهد قوله : «ولم أمدح لأرضيه .... لئيما» ؛ حيث نصب «لئيما» بأمدح ، وأضمر في «لأرضيه».

(٢) صدر بيت من الرمل مجهول القائل وعجزه :

إذا خفّ القطين

وهو في : المقرب (١ / ٢٥١) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ٦١٦) والتذييل (٣ / ١٤٤ ، ١٦٧).

والشاهد فيه : أنه أعمل «خف» في الظاهر ، وأعمل «أبكي» في ضميره ولم يحذفه مع أنه ضمير نصب.

(٣) صدر بيت من المتقارب لقائل مجهول ، وعجزه :

بما فضحت قومها غامد

وينظر في : التذييل (٣ / ١٤٤ ، ١٦٧) ، واللسان «غمد».

اللغة : غامد : حي من اليمن.

والشاهد في البيت : إعمال الفعل الثاني ، وهو «فضحت» في «غامد» ، وإظهار ضمير المفعول في الفعل الأول ، وهو «أتاها» ، وهذه ضرورة عند بعض النحويين المنسوبين.

(٤) سورة الجن : ٧.

(٥) التذييل (٣ / ١٦٦ ، ١٦٧).

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي البيت الثالث : الفعل الثاني علة للأول ، وفي البيت الرابع : ما قيل في البيت الثاني ، وفي البيت الخامس الفعل الواحد صلة لسبب الفعل الآخر ؛ فالاشتراك بين العاملين حاصل ، وذلك هو مقصود ابن عصفور رحمه‌الله تعالى.

ثم قال الشيخ : وذهب بعضهم إلى أن البيت من الإعمال على تقدير أن يكون «لم أطلب» معطوفا على «كفاني» ؛ وأنه يصح أن يكون جوابا لـ «لو» لو أفرد دون كفاني ، ويكون التقدير : لو سعيت لأدنى معيشة ، لم أطلب قليلا من المال ؛ لأن قليل المال يمكنني دون طلب (١) ، قال : وهذا معنى حسن سائغ يصح معه الإعمال ، ثم قال وعلى هذا المعنى يكون أيضا الإعمال جائزا على وجه آخر ، وهو أن تكون الواو في «ولم أطلب» واو الحال ، ويكون التقدير : لو كان سعيي ، لأدنى معيشة كفاني قليل من المال غير طالب له لحصوله عندي (٢). انتهى.

وأقول : أما التخريج الأول : فلم أتحققه ، ولم أفهم قوله : إنّ لم أطلب يكون جوابا لـ «لو» ، لو أفرد دون كفاني ، ثم لازم قوله أن يكون ما سعى لأدنى معيشة ؛ وأنه يطلب القليل لما عرفت أن المثبت بعد «لو» منفي ، والمنفي مثبت.

وأما التخريج الثاني : فقد قال ابن خروف : إن الحال فاسدة ، ووجه الشيخ جمال الدين بن عمرون فساد الحال ؛ بأن قال : إنما كانت فاسدة ؛ لأنها تكون مقيّدة للكفاية ؛ لأن المعمول يقيد العامل ، يعني أن «لم أطلب» حينئذ يكون حالا من فاعل كفاني أو من مفعوله ، والعامل [٢ / ٣٤٣] في الحال ، هو العامل في صاحب الحال ؛ فيكون كفاني عاملا في لم أطلب مقيدا للكفاية ، قال ابن عمرون : ولا يلزم من انتفاء المقيد انتفاء المطلق ، فلا يعطي حينئذ مراد الشاعر من حيث يصير المعنى : أنه لو سعى لأدنى معيشة لكفاه القليل مقيدا بعدم الطلب ، وليس مراده ؛ بل مراده أنه لو سعى لأدنى معيشة لكفاه القليل ، سواء أطلبه أم ترك طلبه ، قال ابن عمرون : وهذا يحتمل أن يكون سر قول سيبويه : لو نصب لفسد المعنى (٣).

قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس رحمه‌الله تعالى (٤) : فإن قيل : فلم ذكر أبو علي ـ

__________________

(١) التذييل (٣ / ١٦٧).

(٢) التذييل (٣ / ١٦٨).

(٣) الكتاب (١ / ٧٩).

(٤) انظر : التعليقة لبهاء الدين بن النحاس ورقة (١١٣ ، ١١٤) مخطوط بمكتبة الأزهر رواق المغاربة (٤٩٤٧).

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والمبرد هذا البيت في باب التنازع؟ فالجواب : ما ذكره المازني رحمه‌الله تعالى وهو : أنه لو لم يكن إعمال الأول جائزا ، لما وضع هذا في هذا الموضع ، بيان هذا الكلام يعني : أنك إذا أعملت الأول في باب التنازع ، تكون قد فصلت بين الأول ومعموله بجملة كما فصلت هنا بين «كفاني» وبين «قليل» الذي هو معمول بـ «لم أطلب» ، وهو جملة حملا على باب التنازع ، وقال ابن عصفور : فإن قيل : فكيف جابه الفارسي على الإعمال؟ فالجواب : أنه أراد بقوله : من الإعمال ؛ أنه يشبه الإعمال ؛ لتداخل الجملتين بالعطف ، ونظير هذا ما أنشده في التذكرة على أنه من شبه الإعمال :

١٣٦٣ ـ وإنّي وإن صدّت لمثن وقائل

عليها بما كانت إلينا أزالّت

فما أنا بالدّاعي لعزّة بالرّدى

ولا شامت إن نعل عزّة زلّت (١)

لأنه لما عطف فعل بين العامل ومعموله ؛ وذلك أن معمول «مثن» إنما هو «عليها» وقد فصل بينهما بقوله : «وقائل» ومعمول «قائل» إنما هو :

فما أنا بالدّاعي لعزّة بالرّدى

وفصل بينهما بمعمول «مثن» ؛ فإذا قد جعل هذا بشبه الإعمال لتداخل الجملتين بالعطف حتى يسوغ ذلك الفصل ، فكذلك يكون مذهبه في بيت امرئ القيس.

هذا كلامه في شرح الجمل (٢) ، إلا أنه قال بعد ذلك : فإن قيل : إذا لم يكن من الإعمال ، فكيف أجزتم الفصل بجملة أجنبية؟ فالجواب : أنها غير أجنبية ، لأنا إنما جعلنا معمول «لم أطلب» «الملك» ، وإذا كان كذلك كانت مشتركة ؛ لأنها في معنى «كفاني القليل» ، ألا ترى أن «لم أطلب الملك» يكون جوابا لـ «لو» وما ذاك إلا لأن المعنى واحد (٣). انتهى.

وظاهر قوله في الجواب : إن «لم أطلب الملك» يكون جوابا لـ «لو» ، لأن «لم أطلب الملك» في معنى كفاني القليل ، يقتضي أن طلبه للملك منتف ، كما أن كفاية القليل منتفية أيضا ، وليس كذلك ؛ لأن طلبه للملك ثابت لوقوعه منفيّا في ـ

__________________

(١) البيتان لكثير عزة ، وهما من الطويل ، وهما في : الجمل لابن عصفور (١ / ٦٢٤) طبعة العراق ، والأمالي لأبي علي القالي (٢ / ١٠٩) ، والتذييل (٣ / ٦٥) ، وديوانه (ص ١٠١) ، وشرح الصفار للكتاب (ق ٩٣ / أ).

(٢) شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٦٢٣ ، ٦٢٤) طبعة العراق.

(٣) شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٦٢٤).

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

جواب «لو» وإذا كان كذلك ، فكيف يكون معنى الجملتين واحدا؟! (١).

الثاني (٢) : أن المصنف وابن عصفور ، وأكثر المصنفين ، أطلقوا القول في المتنازع فيه ، فلم يقيدوه بشيء ، وقيد ابن الحاجب بأن يكون اسما ظاهرا (٣) ؛ وعلل ذلك بأن العاملين إذا وجها لمضمر استويا في صحة الإضمار فيهما ؛ لأنهما إن كانا لمتكلم قلت : ضربت وأكرمت ونحوه ، وإن كانا لمخاطب قلت : ضربك وأكرمك ونحوه ، وإن كانا لغائب قلت : زيد ضرب وأكرم ؛ فلم يتنازعا شيئا ؛ لأن كل واحد منهما يجب له مثل ما يجب للآخر ، ثم قال : فإن قلت فما تصنع بمثل ما ضرب وأكرم إلا أنت أو إلا أنا أو إلا هو ، ونحوه ؛ فإنهما فعلان وجها إلى مضمر تنازعاه ؛ لأنه يصلح أن يكون لكل واحد منهما كالظاهر ، قلت : قد ذكر ذلك بعض المتأخرين وهو غلط ؛ لأنه لو كان من هذا الباب لوجب أن يكون في أحدهما المضمر ؛ لأنه فاعله ، فيقال : ما ضربت وأكرم إلا أنا ، وما ضرب وأكرمت إلا أنت ، وعند ذلك يفسد المعنى ؛ وإنما هذا كلام محمول على الحذف ، وتقديره : ما ضرب إلا أنت ، وما أكرم إلا أنت ؛ فحذف ذلك من أحدهما تخفيفا (٤). انتهى.

والحق ما قاله ابن الحاجب ، فليكن كون المتنازع فيه ظاهر شرطا منضمّا إلى الشروط التي ذكرها المصنف.

الأمر الثالث : لا فرق في العاملين بين أن يكونا متعديين أو لازمين يتعديان بالحرف ، أو أحدهما متعديا ، والآخر لازما ، وعليه قوله (٥) :

١٣٦٤ ـ إذا هي لم تستك بعود أراكة

تنحّل فاستاكت به عود إسحل (٦)

__________________

(١) أشار في هامش (ب) إلى أنه قد سقط بعد ذلك قدر سطرين ، وأرى أنه سقط غير مخل بالعبارة ؛ فالكلام هنا قد تم.

(٢) في (ب) (الأمر الثاني).

(٣) ينظر : شرح الكافية للرضي (١ / ٧٧).

(٤) شرح الكافية لابن الحاجب (٣٣٩ ، ٣٤٠).

(٥) قيل : إنه عمر بن أبي ربيعة ، أو طفيل ، أو المقنع الكندي ، أو امرؤ القيس.

(٦) البيت من الطويل ، وهو في : الكتاب (١ / ٧٨) ، وابن يعيش (١ / ٧٨ ، ٧٩) ، وشرح الدرة الألفية لابن القواس (ص ٤٣٧) ، والتذييل (٣ / ١٣٥ ، ١٣٧) ، وتعليق الفرائد (١٤٦٦) ، والعيني (٣ / ٣٢) ، وإصلاح الخلل (ص ٢١٨) ، والهمع (١ / ٦٦) ، والأشموني (٢ / ١٠٥) ، وديوان طفيل (ص ٣٧) ، وملحقات ديوان امرئ القيس (ص ٤٧٣) برواية : «فتسحل» مكان «تنحل».

والشاهد في البيت : اختلاف العاملين المتنازعين من حيث التعدي واللزوم ، وهما «تنحل واستاكت».

٢١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فتنازع في البيت «تنحل» ، وهو متعدّ و «استاكت» وهو لازم.

الأمر الرابع : لم أتحقق المقتضي لإخراج المصنف ، نحو :

١٣٦٥ ـ وهل يرجع التّسليم أو يكشف العمى

ثلاث الأثافي ..... البيت (١)

من باب التنازع ؛ فإن كان من أجل أن العطف ليس بحرف جامع مشرك ، كما يعطيه ظاهر قوله : فلو كان العطف بأو ، أو نحوها ، مما لا يجمع بين الشيئين ، ولم يجز أن يشرك العاملان في العمل ، فليس بظاهر ؛ لأن مبنى الباب على أن كل عامل من العاملين يطلب معمولا ، وليس معنا إلا واحد ، ولا نظر إلى كون العاطف يجمع بين الشيئين ، أو لا يجمع ؛ وإن كان من أجل أنه لو كان من هذا الباب ، لكان أحد العاملين بناء سهل الخطيب ؛ لأننا ندعي أنه من هذا الباب ، ونعتذر عن عدم التاء في أحد الفعلين بما سنذكره ، وإذا تم هذا فلا معول حينئذ على قوله : فلو كان العطف بأو أو نحوها ، مما لا يجمع بين الشيئين ، لم يجز أن يشترك العاملان في العمل ، إذ قد تبين أن ذلك لا أثر له ، وقد أنشد ابن عصفور هذا البيت على إنه من الإعمال ؛ وأنه قد يستدل به للكسائي في جواز حذف الفاعل ، كما استدل له [٢ / ٣٤٤] بغير ذلك ، وأنشد البيت الذي أوله :

١٣٦٦ ـ لو كان حيّا قبلهنّ (٢)

والبيت الذي أوله :

١٣٦٧ ـ تعفّق بالأرطى

 ..... البيت (٣)

ثم أجاب عن الجميع ؛ بأن الضمير يكون عائدا على الجمع ، أو التثنية بلفظ المفرد ، فاستتر كما استتر في حال الإفراد (٤) ، ثم إن المصنف جعل ما ورد في ـ

__________________

(١) تقدم ذكره.

(٢) تقدم ذكره.

(٣) جزء من صدر بيت لعلقمة بن عبدة : بن قيس الشاعر الجاهلي المعروف بعلقمة الفحل والبيت بتمامه :

تعفق بالأرطى لها وأرادها

رجال فبذّت نبلهم وكليب

والبيت من الطويل ، وهو في : المقرب (١ / ٢٥١) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ٦١٩) ، ونوادر أبي زيد (ص ٢٨١) برواية «وأدارها» مكان «وأرادها» ، ومنهج السالك لأبي حيان (ص ١٣٣) ، والتذييل (٣ / ١٤٨) ، والمفضليات (ص ٣٩٣) ، وتعليق الفرائد (ص ١٤٦١) ، والأشموني (٢ / ١٠٢) ، والعيني (٣ / ١٥) ، وديوان علقمة (ص ٢٣) ، وقد ذكر ابن عصفور في شرح الجمل أن البيت للنابغة ؛ ولكنه ليس له.

(٤) ينظر : المقرب (١ / ٢٥١ ، ٢٥٢) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ٦١٩ ، ٦٢٠) طبعة العراق.

٢١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الحديث الشريف : «إنّ الله لعن ، أو غضب على سبط من بني إسرائيل» (١) من المتنازع كما سيأتي مع أن العطف فيه بأو.

الأمر الخامس : تقدم إنشاد المصنف (٢) قول الشاعر :

١٣٦٨ ـ وإنّي وإن صدّت لمثن وصادق

عليها بما كانت إلينا أزلّت (٣)

وأنه جعله من الإعمال حيث قال : ومن إعمال الأول ، والعاملان اسمان قول الشاعر ، وأنشد البيت المذكور ، والكلام معه في هذا البيت من وجهين :

أحدهما : أن العامل الأول الذي هو «مثن» طالب للضمير المجرور بـ «على» متسلط عليه ، ولم يكن العامل الآخر الذي هو «صادق» متسلطا عليه ؛ لأنه لا يطلبه ؛ لأن مطلوبه شيء آخر ، التقدير : وصادق فيما أذكره ، وإذا كان كذلك ؛ فلا تنازع في البيت حينئذ.

الثاني (٤) : أن ابن عصفور أنشد البيت المذكور «لمثن وقائل» ، وجعل معمول «قائل» : «فما أنا بالداعي لعزة بالردى».

ولكن الرواية لا تدفع برواية ، والمصنف معتمد على قوله ونقله وروايته ؛ لأنه الإمام الذي لا يدافع ، والمتبوع الذي لا يمانع ، والذي يظهر أن رواية «وصادق» مرجحة من حيث المعنى على رواية «وقائل» ؛ لأن مراد الشاعر أن يخبر عن صدقه فيما يورد من الثناء على هذه المرأة ، ثم أخبر عن نفسه بعد ذلك ، بأنه غير داع عليها بالردى ، ولا شامت بها إن زلت فعلها يعني بذلك أن هذا وظيفته أبدا وشأنه ، وليس يريد أن يخبر أنه يقول ذلك ؛ لأنه لا يلزم من قوله ذلك أن يكون متصفا به ، ولكن ليس هذا البيت من التنازع في شيء.

الأمر السادس : قد تقدم ذكر مذهب الفراء في نحو : قام وقعد زيد ، وقول المصنف فيه : إنه غير مستبعد ، وقوله : إنه نظير زيد وعمرو منطلقا ، على مذهب سيبويه ؛ فإن المبتدأ عنده هو العامل في الخبر ، وقوله : فيلزمه أن يكون «منطلقا» ـ

__________________

(١) جزء من حديث شريف أخرجه مسلم في كتاب الصيد والذبائح ، وابن حنبل (٣ / ٦٢).

(٢) زاد في (ب) (رحمه‌الله تعالى).

(٣) تقدم ذكره.

(٤) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٦٢٤) طبعة العراق.

٢١٨

[خلاف البصريين والكوفيين في العامل]

قال ابن مالك : (والأحقّ [٢ / ٣٤٥] بالعمل الأقرب لا الأسبق خلافا للكوفيّين).

______________________________________________________

مرفوعا بالمعطوف والمعطوف عليه (١) ، وهذا الكلام من المصنف غير مرض ؛ فإن المبتدأ الطالب وقوع «منطلقان» خبرا عنه ؛ إنما هو «زيد وعمرو» معا ، ولا استقلال لأحد الاسمين بالابتدائية دون الآخر ، وإذا كان كذلك فلم يتعدد العامل في الخبر ؛ إنما العامل واحد ، ويكفي دليلا على ما قلناه مع وضوحه ، قول المصنف : لأنهما يقتضيانه معا ؛ لأنه أبان أن أحدهما بمفرده لا يقتضي الخبر المذكور (٢).

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٣) : مذهب البصريين ترجيح إعمال الثاني على إعمال الأول ، ومذهب الكوفيين العكس ، وما ذهب إليه البصريون هو الصحيح ؛ لأن إعمال الثاني أكثر في الكلام من إعمال الأول ، وموافقة الأكثر أولى من موافقة الأقل ، ومما يبين لك أن إعمال الأول قليل ، قول سيبويه : ولو لم تجعل الكلام على الآخر لقلت : ضربت وضربوني قومك ؛ وإنما كلامهم ضربت وضربني قومك (٤).

وهذا حكاية عن العرب بالحصر بإنما ، وظاهره أنهم يلتزمون ذلك دون إجازة غيره ، لكنه قال في الباب بعد هذه العبارة بأسطار : وقد يجوز ضربت وضربني زيدا ؛ لأن بعضهم قد يقول : متى رأيت أو قلت : زيدا منطلقا ، والوجه : متى رأيت أو قلت : زيد منطلق (٥) ؛ فدل نقل سيبويه مجردا عن الرأي على أن إعمال الثاني هو الكثير في كلام العرب ، وأن إعمال الأول قليل ، ومع قلته لا يكاد يوجد في غير الشعر ، بخلاف إعمال الثاني ؛ فإنه كثير الاستعمال في النثر والنظم ، وقد تضمنه القرآن المجيد في مواضع كثيرة ، منها قوله تعالى : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ)(٦) ، وقوله تعالى : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً)(٧) ، وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا)(٨) ، وقوله تعالى : (تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ ـ

__________________

(١) سبق شرحه.

(٢) ينظر : التذييل (٣ / ١٢٧).

(٣) شرح التسهيل لابن مالك (١ / ١٦٧).

(٤) الكتاب (١ / ٧٦).

(٥) الكتاب (١ / ٧٩).

(٦) سورة النساء : ١٧٦.

(٧) سورة الكهف : ٩٦.

(٨) سورة المائدة : ١٠ ، ٦٨ ، سورة الحج : ٥٧ ، سورة التغابن : ١٠.

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

لَكُمْ رَسُولُ اللهِ)(١) ، وقوله تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ)(٢) ، وقوله تعالى : (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً)(٣) ، فهذا كله من إعمال الثاني ، ولو كان من إعمال الأول ؛ لقيل : قل الله يفتيكم فيها في الكلالة ، وآتوني أفرغه عليه قطرا ، والذين كفروا وكذبوا بها بآياتنا ، وتعالوا يستغفر لكم إلى رسول الله ، وهاؤم اقرؤوه كتابيه ؛ وأنهم ظنوه كما ظننتموه أن لن يبعث الله أحدا ؛ لأن المعمول مقدر الاتصال بعامله ؛ فيلزم من ذلك تقدير تقديمه على العامل الثاني ، ولو كان في اللفظ كذلك ، لاتصل به ضمير المعمول على الأجود ، نحو : آتوني أفرغه عليه ، فإذا نوي ذلك كان إبراز الضمير أولى ؛ لأن الحاجة إليه أدعى ، وفي الحديث : «إن الله لعن أو غضب على سبط من بني إسرائيل فمسخهم» (٤) ، وهذا من أفصح الكلام ، وقد أعمل فيه الثاني ، ولو عمل فيه الأول لقيل : إن الله لعن أو غضب عليهم سبطا ، ومما يدل على ترجيح إعمال الأقرب إذا كان ثانيا التزام إعماله ، إذا كان ثالثا ، أو فوق ذلك بالاستقراء ، ولا يوجد إعمال غيره ، ومن أجازه فمستنده الرأي ، ومنه اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد ، وارحم محمدا وآل محمد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت ورحمت وباركت على آل إبراهيم (٥) ، ولو أعمل الأول لقيل : كما صليت ورحمتهم وباركت عليهم على آل إبراهيم ، ومثله قول الشاعر :

١٣٦٩ ـ جئ ثمّ حالف وثق بالقوم إنّهم

لمن أجاروا ذرى عزّ بلا هون (٦)

__________________

(١) سورة المنافقون : ٥.

(٢) سورة الحاقة : ١٩.

(٣) سورة الجن : ٧.

(٤) سبق تخريج الحديث الشريف.

(٥) حديث شريف أخرجه البخاري في كتاب الدعوات (٨ / ٧٧) ، وتفسير سورة الأحزاب (٦ / ١٢٠ ، ١٢١) ، وكتاب بدء الخلق (٤ / ١٤٦) ، ومسلم في كتاب الصلاة (٣٠٥) والترمذي في باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢ / ٣٥٣) ، وابن حنبل (١ / ١٦٢) ، (٣ / ٤٧) ، (٤ / ١١٨ ، ٢٤١ ، ٢٤٣ ، ٢٤٤) ، (٥ / ٢٧٤ ، ٣٧٤ ، ٤٢٤) ، وموطأ الإمام مالك في باب ما جاء في الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ج ١ ، رقم ٧٠) ، وذكره الصفار في شرح الكتاب (ق ١٨٧ / ب).

(٦) البيت من البسيط لقائل مجهول ، وهو في : التذييل (٣ / ١١٤ ، ١٥٦) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٦٠٠) ، وتعليق الفرائد للدماميني (١٤٦٩) ، والأشموني (٢ / ١٠٢) ، واللسان «هون».

ويروى البيت أيضا برواية «وقف» مكان «وثق».

اللغة : الهون : الخزي ، وهو نقيض العز أيضا.

والشاهد في البيت : تنازع ثلاثة عوامل هي : «جئ» ، و «حالف» ، و «ثق» ، وإعمال الثالث منها.

٢٢٠