شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٣

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثله قول الآخر :

٧١٢ ـ لا يوئسنّك سؤل عيق عنك فكم

بؤس تحوّل نعمى أنست النّقما (١)

ومثال ارتد : قول الله سبحانه وتعالى : (أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً)(٢).

وإنما استحق ارتد أن يكون بمعنى صار لأنه مطاوع رد بمعنى صير كقوله تعالى : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً)(٣).

ومنه قول الشاعر :

٧١٣ ـ فردّ شعورهن السّود بيضا

وردّ وجوههنّ البيض سودا (٤)

ومثال جاء وقعد : ما أشار إليه بقوله : وندر الإلحاق بصار في : ما جاءت حاجتك وقعدت كأنّها حربة.

أما ما جاءت حاجتك (٥) فيروى برفع حاجتك على أن ما خبر جاءت قدم لأنه اسم استفهام والتقدير أية حاجة صارت حاجتك ويروى بالنصب على أن تكون خبر ـ

__________________

والتكميل (٤ / ١٦٣) وفي معجم الشواهد (ص ١٩٥).

(١) البيت من بحر البسيط مجهول القائل.

اللغة : لا يوئسنك : أي لا تيأس ولا تجزع. سؤل : مطلب وحاجة. عيق عنك : لم يصبك. النّقما :المصائب والبلايا.

ومعناه : لا تيأس إذا حيل بينك وبين النجاح أو أصابك بؤس فكل شيء إلى تغيير وتأتي النعم بعد النقم.

والشاهد فيه قوله : «فكم بؤس تحوّل نعمى» حيث استعمل تحول بمعنى صار في المعنى والعمل.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٤٧) وفي التذييل والتكميل (٤ / ١٦٣) وليس في معجم الشواهد.

(٢) سورة يوسف : ٩٦.

(٣) سورة البقرة : ١٠٩.

(٤) البيت من بحر الوافر من مقطوعة عدتها أربعة أبيات نسبت في شرح ديوان الحماسة (٢ / ٩٤١) إلى عبد الله بن الزبير الأسدي (كوفي أموي مات في خلافة عبد الملك بن مروان).

ونسبت هذه الأبيات في الأمالي لأبي علي (٣ / ١٢٨) إلى الكميت بن معروف الأسدي وبيت الشاهد ثانيهما وقبله :

رمى الحدثان نسوة آل حرب

بمقدار سمدن له سمودا

والسمود : الغفلة عن الشيء وذهاب القلب عنه ، والشاعر يدعو على هؤلاء النسوة بما ترى.

وشاهده : استعمال رد بمعنى صير في المعنى والعمل فرفعت فاعلا ونصبت مفعولين والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٤٧) وفي معجم الشواهد (ص ٩٧).

(٥) في التذييل والتكميل (٤ / ١٦٣) قال أبو حيان : أما ما جاءت حاجتك فقيل أول من قالها الخوارج قالوها لابن عباس حين أرسله على كرم الله وجهه إليهم.

٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

جاءت واسمها مستتر فيها عائد على معنى ما ، والتقدير أية حاجة صارت حاجتك وما مبتدأ والجملة بعده خبر (١).

وأما قعدت كأنها حربة ، فأصل التركيب الوارد من كلام العرب : أرهف شفرته حتّى قعدت كأنها حربة أي حتى صارت ، فاسم قعد ضمير الشفرة وخبرها كأنها حربة.

واعلم أن جاء بمعنى صار وقعد أيضا لم يستعملا من هذا الباب إلا في الموضعين المذكورين ومن ثم لم يتصرفا فلا يستعملان إلا بلفظ المضي لا غير لأنهما جريا مجرى المثل والأمثال لا تغير عما وضعت عليه.

وقد نقل الشيخ عن بعضهم : أن جاء تستعمل بمعنى صار في غير المثل المذكور مستدلا بقولهم : جاء البرّ قفيزين وصاعين ، ورد ذلك بأن قفيزين وصاعين منصوبان على الحال (٢).

والفراء يرى أيضا اطراد قعد بمعنى صار (٣) كما نبه على الخلاف في ذلك المصنف بقوله : والأصحّ أن لا يلحق بها آل ولا قعد مطلقا.

أما آل فقد عرفت أنه ذكرها في جملة الملحقات بصار [٢ / ١٧] لكنه اختار بعد ذلك أنها لا تعد من هذا الباب فلا تكون ملحقة بصار. وما استشهد به من أنها من أفعال هذا الباب ، وهو قول الشاعر : ثم آلت لا تكلمنا ... يمكن الجواب عنه بأن آلت بمعنى حلفت ولا تكلمنا جواب القسم.

وأما قعد فالمنقول عن الفراء أنه يرى استعمال قعد بمعنى صار مطردا وجعل منه ـ

__________________

(١) في كتاب سيبويه (١ / ٥٠) : ومثل قولهم : من كان أخاك قول العرب ما جاءت حاجتك كأنه قال : ما صارت حاجتك ولكنه أدخل التأنيث على ما حيث كانت الحاجة كما قال بعض العرب من كانت أمك حيث أوقع من على المؤنث. وإنما صير جاء بمنزلة كان في هذا الحرف وحده لأنه بمنزلة المثل ... ومن يقول من العرب ما جاءت حاجتك (بالرفع) كثير كما يقول : من كانت أمك.

(٢) انظر التذييل والتكميل (٤ / ١٦٤) وانظر في المثل شرح الرضي على الكافية (٢ / ٢٩٢). وفي قوله : إن قفيزين وصاعين منصوبان على الحال قال الرضى : ليس بشيء لأنه لا يراد أن البر جاء في حال كونه قفيزين ولا معنى له.

(٣) في معاني القرآن للفراء (٢ / ٢٧٤) عند تفسير قوله تعالى : (لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً)[الفرقان : ٧٣] جاء قوله : يقال إذا تلي عليهم القرآن لم يقعدوا على حالهم الأولى كأنهم لم يسمعوه فذلك الخرور وسمعت العرب تقول : قعد يشتمني وأقبل يشتمني وأنشدني بعض العرب : لا يقنع الجارية الأبيات الآتية في الشرح.

قال الفراء : يقال لموضع المذاكير ركب ، ويقصد كقولك يصير.

٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

قول الراجز :

٧١٤ ـ لا يقنع الجارية الخضاب

ولا الوشاحان ولا الجلباب

من دون أن تلتقي الأركاب

ويقعد الأير له لعاب (١)

وحكى الكسائي : قعد لا يألو حاجة إلّا قضاها بمعنى صار (٢).

وجعل الزمخشري من ذلك قوله تعالى : (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً)(٣).

ويمكن أن يكون من ذلك قول الشاعر :

٧١٥ ـ ما يقسم الله أقبل غير مبتئس

منه وأقعد كريما ناعم البال (٤)

ذكر ذلك كله المصنف ثم قال (٥) : «وألحق قوم منهم الزمخشري وأبو البقاء بأفعال ـ

__________________

(١) الأبيات من بحر الرجز المشطور وهي لامرأة مجهولة.

اللغة : لا يقنع : من القناعة وهي الرضا. الخضاب : الحناء. الوشاح : ما تشده المرأة على عاتقيها وكشحيها مرصعا باللؤلؤ والجواهر. الأركاب : في اللسان (ركب) أصلا الفخذين اللذان عليهما لحم الفرج من الرجل والمرأة. الأير : ذكر الرجل ويروى مكانه الهن.

والمعنى : أن المرأة لا يكفيها قضاء حاجتها من لباس وزينة وغيرها ولكنها في حاجة إلى لقاء الرجل ومجامعته.

وشاهده قوله : «ويقعد الأير له لعاب» حيث استعملت يقعد بمعنى يصير كما قال الفراء.

وانظر الأبيات في شرح التسهيل (١ / ٣٤٨) وفي التذييل والتكميل (٤ / ١٦٤) وفي معاني القرآن للفراء :(٢ / ٢٧٤) وفي لسان العرب (ركب ـ قعد) وفي البحر المحيط (٦ / ٢٢) وليست في معجم الشواهد.

(٢) انظر فيما حكاه الكسائي ورأيه : التذييل والتكميل (٤ / ١٦٤) والبحر المحيط (٦ / ٢٢). وقد جاء فيها : قعد لا يسأل حاجة.

(٣) سورة الإسراء : ٢٢. في تفسير الكشاف (٢ / ٦٥٧) جاء قول الزمخشري : فتقعد من قولهم : شحذ الشّفرة حتى قعدت كأنها حربة بمعنى صارت يعنى فتصير جامعا على نفسك الذّم وما يتبعه من الهلاك من الذل والعجز عن النصرة ممن جعلته شريكا له.

وفي المفصل (ص ٢٦٣) قال الزمخشري : وقد جاء بمعنى صار ونظيره قعد.

(٤) البيت من بحر البسيط وهو في الرضا والقناعة ، قاله حسان بن ثابت رضى الله عنه محدثا به نفسه من قصيدة في ديوانه (ص ١٤٧).

ومعناه : لا أحزن ولا أكتئب من أي شيء فالله سبحانه وتعالى هو الذي يقدر ويقسم وإذا كنت كذلك عشت كريما خالي الفؤاد من الهم.

وشاهده قوله : «وأقعد كريما» حيث جاء أقعد بمعنى أصير في المعنى والعمل والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٤٨) وفي التذييل والتكميل (٢ / ٣٤٣) وفي أساس البلاغة (ص ٧٨) مادة بئس وليس في معجم الشواهد.

(٥) انظر شرح التسهيل (١ / ٣٤٨).

٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا الباب : غدا وراح (١) ، وقد يستشهد على ذلك بقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : «اغد عالما أو متعلّما ولا تكن إمّعة». ويقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لو توكلتم على الله حقّ توكّله لرزقكم كما يرزق الطّير تغدو خماصا وتروح بطانا» (٢).

والصحيح أنهما ليسا من الباب وإنما المنصوب بعدهما حال إذ لا يوجد إلا نكرة (٣).

وذكر الفراء في كتاب الحدود : أن أسحر وأفجر وأظهر مساوية لأصبح وأمسى وأضحى ولم يذكر على ذلك شاهدا (٤). انتهى (٥).

وقد ألحق الكوفيون بأفعال هذا الباب ثلاثة أشياء :

أحدها : مررت : إذا لم يرد به المرور الذي هو انتقال الخطا ، بل تكون بمنزلة كان وذلك نحو قولك : مررت بهذا الأمر صحيحا أي كان هذا الأمر صحيحا عندي.

الثاني : الفعل المكرر : في قولك لئن ضربته لتضربنه الكريم ولئن أكرمته لتكرمنه العاقل فجعلوا الكريم والعاقل وأمثالهما منتصبة على أنها أفعال للفعل المكرر. ـ

__________________

(١) قال الزمخشري في المفصل (ص ٢٦٣) : وممّا يجوز أن يلحق بكان عاد وآض وغدا وراح وقد جاء جاء بمعنى صار ونظيره قعد. وعند تفسير قوله تعالى : (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ)[سورة ن : ٢٥] ذكر أن قوله : على حرد خبر غدا وليس بصلة قادرين وعليه فقادرين حال وقال إن معنى الآية : وغدوا حاصلين على الحرمان مكان الانتفاع قادرين على ما عرفوا عليه من حرمان المساكين. (تفسير الكشاف : ٤ / ١٤٤).

(٢) الحديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل (١ / ٣٠ ، ٥٢) ونصه مرويّا عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لو أنكم توكلتم على الله ..» إلخ.

وهو أيضا في سنن ابن ماجه (٢ / ١٣٩٤) في كتاب الزهد باب التوكل واليقين مرويّا عن عمر أيضا وكذلك في سنن الترمذي (٤ / ٥٧٣) في كتاب الزهد باب التوكل على الله ونصه : «لو أنكم كنتم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا».

(٣) قال الرضي (شرح الكافية : ٢ / ٢٩٢) : ونقص ابن مالك من أخوات أصبح غدا وراح وقال هما تامان. ثم قال الرضي : وأقول : «إن كان غدا بمعنى مشى في الغداة أو دخل فيها ، وكذلك راح بمعنى رجع في الرواح وهو ما بعد الزّوال إلى الليل فلا ريب في تمامهما.

وإن كان بمعنى يكون في الغداة والرواح فلا منع إذن من كونهما ناقصتين». ثم مثل لكلّ.

(٤) انظر في رأي الفراء : التذييل والتكميل (٤ / ١٦٧) والهمع (١ / ١١٢) ، ولم تذكر كتب اللغة شاهدا على ورود هذه الأفعال ناقصة :ففي لسان العرب (سحر) : أسحر القوم صاروا في السحر كقولك أصبحوا وأسحروا واستحروا خرجوا في السحر واستحرنا أي صرنا في ذلك الوقت. وفي مادة (ظهر) : يقال أظهرت يا رجل إذا دخلت في حد الظهر وأظهرنا دخلنا في وقت الظهر كأصبحنا وأمسينا في الصباح والمساء. وبذلك يظهر لنا أن هذه الأفعال تستعمل تامة فقط.

(٥) شرح التسهيل (١ / ٣٤٨).

٤٤

[أحوال الخبر في جملة هذه الأفعال من التوسط أو التقديم]

قال ابن مالك : (وتوسيط أخبارها كلّها جائز ما لم يمنع مانع أو موجب ، وكذا تقديم خبر صار وما قبلها جوازا ومنعا ووجوبا. وقد يقدّم خبر زال وما بعدها منفية بغير ما ، ولا يطلق المنع خلافا للفرّاء ، ولا الجواز خلافا لغيره من الكوفيين. ولا يتقدّم خبر دام اتّفاقا ، ولا خبر ليس على الأصحّ).

______________________________________________________

الثالث : اسم الإشارة : في نحو هذا زيد قائما وجعلوا هذا تقريبا وزيدا اسم التقريب وقائما خبر التقريب واستدلوا على ذلك بأنك تقول هذا زيد قائما لن يقطع بأنه قد علم أن المشار إليه زيد فلو كان هذا مبتدأ وزيد خبره لم يقل ذاك إلا لمن يجهل أن المشار إليه زيد لأن الخبر إنما يكون مجهولا عند المخاطب وحينئذ يكون مفيدا. ولم يقبل من الكوفيين ما ذكروه.

أما مررت بهذا الأمر صحيحا فالمرور هنا متجوز فيه كأنه قال : مر خاطري بهذا الأمر صحيحا ، ويكون انتصاب صحيحا على أنه حال.

وأما لئن أكرمته لتكرمنه الكريم فالاسم المنصوب بدل من منصوب الفعل.

وأما هذا زيد قائما فاستدلالهم به فاسد لأن هذا اسم فلا بد أن يكون له موضع من الإعراب وعلى مذهبهم لا موضع له.

فإن قيل : فكيف جعلتم اسم الإشارة مبتدأ وما بعده خبر وليس الونى على ذلك؟

فالجواب : إن الكلام إذ ذاك محمول على معناه وذلك أنك إذا قلت : هذا زيد قائما ، فاللفظ على الإخبار على المشار إليه بزيد.

والكلام محمول على [٢ / ١٨] معنى تنبه ورب كلام صورة لفظه على خلاف معناه نحو : غفر الله لزيد وكذلك : اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه اللفظ على الخبر والمعنى في الأول على الدعاء وفي الثاني على الأمر.

وهكذا هذا زيد لفظه لفظ الإخبار عن هذا بزيد ومعناه الأمر بالتنبيه إلى زيد في حال ما ويدل على أن المنصوب حال التزام التنكير.

قال ناظر الجيش : الخبر في هذا الباب إما أن يقدم على الاسم وإما أن يقدم على العامل وقد عبر المصنف عن القسم الأول بالتوسيط وعن القسم الثاني بالتقديم.

فأما توسيطه فينقسم ثلاثة أقسام : ـ

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ممتنع ، وجائز ، وواجب :قال المصنف (١) : توسيط الخبر كقوله تعالى : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا)(٢) والاستشهاد بهذا أولى من الاستشهاد بقوله تعالى : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(٣) لأن بعض القراء أجاز الوقف على حقّا ناويا في كان ضميرا (٤).

وأمثلة التوسيط في غير كان من أخواتها سهلة فاستغنى عن ذكرها.

والتوسيط أيضا جائز مع ليس ودام وإن كانا لا يتصرفان لأن الأقل محمول على الأكثر.

ومثال ذلك مع ليس : قول الشاعر :

٧١٦ ـ سلي إن جهلت النّاس عنّا وعنهم

فليس سواء عالم وجهول (٥)

__________________

(١) انظر شرح التسهيل له (١ / ٣٤٨).

(٢) سورة النمل : ٥٦ ، والعنكبوت : ٢٤ ، ٢٩.

(٣) سورة الروم : ٤٧.

(٤) قال أبو حيان (البحر المحيط : ٧ / ١٧٨): «والظاهر أن حقّا خبر كان ونصر المؤمنين الاسم وأخر لكون ما تعلق به فاصلة للاهتمام بالجزاء إذ هو محط الفائدة».

وقال الزمخشري : «وقد يوقف على حقّا ومعناه : وكان الانتقام منهم حقّا ثم يبتدئ : علينا نصر المؤمنين» انتهى.

قال أبو حيان : «وفي الوقف على (وكان حقّا) بيان أنه لم يكن الانتقام ظلما بل عدلا لأنه لم يكن إلا بعد كون بقائهم غير مفيد إلا زيادة الإثم وولادة الفاجر الكافر فكان عدمهم خيرا من وجودهم الخبيث».

(٥) البيت من بحر الطويل من قصيدة في الفخر للسموأل بن عادياء اليهودي وهي مشهورة تناولتها كتب الأدب ومختارات الشعر. انظر الأمالي لأبي علي القالي (١ / ٣١٩) ، شرح ديوان الحماسة (١ / ١٢٣).

وهي أيضا في ديوان عروة بن الورد والسموأل (ص ٩٠) وقبل بيت الشاهد قوله :

وأيّامنا مشهورة في عدوّنا

لها غرر معلومة وحجول

وأسيافنا في كلّ غرب ومشرق

بها من قراع الدّار غين قلول

والشاهد في البيت قوله : «فليس سواء عالم وجهول» حيث توسط خبر ليس بينها وبين اسمها.

قال ابن مالك : هو جائز بإجماع ، أقول : ولكن خرج من هذا الإجماع ابن درستويه فمنع توسط الخبر وانظر الشرح قريبا.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٤٩) وفي التذييل والتكميل (٤ / ١٧٠) وفي معجم الشواهد (ص ٢٨٥).

ترجمة السموأل : هو السموأل بن غريض بن عادياء اليهودي الأزدي شاعر جاهلي حكيم من سكان خيبر في شمال المدينة كان يتنقل بينها وبين حصن له سماه الأبلق أشهر شعره لاميته التي منها بيت الشاهد وأولها :

إذا المرء لم يدنس من اللّؤم عرضه

فكلّ رداء يرتديه جميل

وهو الذي كانت له قصة وفاء مع امرئ القيس. وشعره مطبوع في ديوان واحد مع عروة بن الورد.

وانظر ترجمته في الأعلام (٣ / ٢٠٤).

٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثال ذلك مع دام : قول الآخر :

٧١٧ ـ لا طيب للعيش ما دامت منغّصة

لذّاته بادّكار الموت والهرم (١)

ومثله قول الآخر :

٧١٨ ـ ما دام حافظ سرّي من وثقت به

فهو الّذي لست عنه راغبا أبدا (٢)

وإنما خصصت ليس ودام بالاستشهاد على توسيط خبريهما لأنهما ضعيفان لعدم تصرفهما في أنفسهما فربما اعتقد عدم تصريفهما في العمل مطلقا.

وقد وقع في ذلك ابن معط (٣) رحمه‌الله تعالى فضمن ألفيته منع توسيط خبر ليس ومادام (٤) وليس له في ذلك متبوع بل هو مخالف للمقيس والمسموع. ـ

__________________

(١) البيت من بحر البسيط وهو في الزهد والموعظة. ومعناه : أن الإنسان لا يطيب له عيش ولا يهنأ بحياة ووراءه الهرم والطعن في السن ثم بعد ذلك الموت والهلاك. وقائل هذا المعنى مجهول.

والشاهد في البيت قوله : «ما دامت منغصة لذاته» حيث توسط خبر دام بينها وبين اسمها وهو جائز ومنعه ابن معط وقد وهم في ذلك وخطأه النحاة بعد وانظر ذلك في الشرح والتعليق قريبا. والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٤٩) وهو في التذييل والتكميل (٤ / ١٧١) وفي معجم الشواهد (ص ٣٦٨).

(٢) البيت من بحر البسيط وقائله غير معروف. ومعناه : أن من يحفظ سري فهو صديق حميم فلا يجوز أن أتركه وأزهد فيه.

والشاهد في الشطر الأول : حيث تقدم خبر دام على اسمها وذلك لأن حافظ سري هو الخبر ومن وثقت به هو الاسم والمعنى على ذلك. والبيت في التذييل والتكميل (٤ / ١٧١). وفي معجم الشواهد (ص ٦٩).

(٣) هو أبو الحسين يحيى زين الدين بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي ، ولد بالمغرب من قبيلة زواوة ، عام (٥٦٤ ه‍) كان إماما في العربية أديبا شاعرا وكان أحد أئمة عصره في النحو واللغة وكان يحفظ كثيرا وقد رحل ابن معط إلى دمشق وكان له تلاميذ كثيرون انتفعوا بعلمه في دمشق ومصر أيضا حيث استقدمه إليها الملك الأيوبي فتصدر بالجامع العتيق لدراسة النحو والأدب وقد صنف كتبا كثيرة ونظم كتابا أخرى إلا أنها ضاعت ولم يبق منها إلا ثلاثة فقط هي الألفية والفصول الخمسون والبديع في صناعة الشعر. توفي بالقاهرة سنة (٦٢٨ ه‍). انظر ترجمته في نشأة النحو (ص ١٨٤) وبغية الوعاة (٢ / ٣٤٤).

(٤) يقول ابن معط في ألفيته :

ولا يجوز أن تقدّم الخبر

على اسم مادام وجاز في الأخر

وفي كتابه : الفصول الخمسون (ص ١٨١) يقول في الفصل الثامن : في الأفعال الناقصة الداخلة على المبتدأ والخبر : «والسبعة الأول يجوز تقديم خبرها على اسمها ويجوز تقديم خبرها عليها. والأربعة التي في أولها ما النافية يجوز تقديم خبرها على اسمها ولا يجوز تقدمه عليها ، وأما ليس فيجوز تقدم خبرها على اسمها وعليها في الأشهر ، ثم قال : «وأما مادام فلا يجوز تقدم خبرها عليها ولا على اسمها

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أما مخالفته للمقيس : فبينة لأن توسيط خبر ليس جائز بإجماع مع أن فيها ما في دام من عدم التصرف وتفوقها ضعفا لأن منع تصرفها لازم ومنع تصرف دام عارض ولأن ليس تشبه ما النافية معنى وتشبه ليت لفظا ولأن وسطها ياء ساكنة سالمة ومثل ذلك مفقود في الأفعال فثبت بهذا زيادة ضعف ليس على ضعف دام وتوسيط خبر ليس لم يمتنع توسيط خبر دام لنقصان ضعفها أحق وأولى» انتهى (١).

وقد نسب إلى ابن درستويه منع توسط خبر ليس تشبيها لها بما (٢) [٢ / ١٩] ولهذا نوقش المصنف في قوله : إنّ توسيط خبر ليس جائز بإجماع.

ولا شك أن المانع لذلك محجوج بالقراءة الثابتة في السبع ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب (٣) بنصب البر. ـ

__________________

ولا تنفصل عنها ما بخلاف أخواتها».

وفيما ذهب إليه ابن معط من منع توسط خبر مادام يقول محقق كتابه السابق (ص ٥٥): «وهذا الذي ذهب إليه ابن معط قد أثار عليه ثائرة جمهور النحاة فيقول ابن إياز : أما امتناع تقدم خبرها عليها فليس فيه خلاف لأنه قد تقدم القول على أن ما فيه مصدرية ولا يجوز أن يتقدم ما في صلة المصدر عليه وأما تقديم خبرها على اسمها فجائز كقولك : لا أكلمك مادام قائما زيد وما وقفت في تصانيف أهل العربية متقدمهم ومتأخرهم على نص يمنع ذلك.

وقال ابن جمعة الموصلي (توفي سنة ٦٧٢ ه‍) شارح ألفية ابن معط عند شرح هذا البيت : وهذا مما انفرد به المصنف ويبطله : وأحسبها مادام للزّيت عاصر ولأنها فعل كسائر أخواتها ولأنها أولى من ليس بالجواز لكون جمودها عرض بالتركيب. ولهذا إذا زال التركيب عادت إلى الأصل كقوله :ما خير ودّ لا يدوم (مجزوء الكامل).

وقد اعتذر له بأنها لما لزمت طريقة واحدة وهي الماضي جرت مجرى الأمثال ، والأمثال لا تغير ولأن ما معها مصدرية وهي وما في حيزها صلتها وكأنه يريد الترتيب في آخر الصلة ، ولأنها لما لم تكن مصدرا صريحا كانت فرعا عليه فلم يتصرف فيها بالتقديم كما تصرف في المصدر. (شرح ألفية بن معط (٢ / ٨٦١) تحقيق د / علي موسى الشوملي (نشر مكتبة الخريجي بالرياض).

(١) انظر شرح التسهيل (١ / ٣٤٩).

(٢) انظر في نسبة هذا الرأي إلى ابن درستويه : التذييل والتكميل (٤ / ١٧٠) ، والهمع (١ / ١١٧) والتصريح على التوضيح (١ / ١٨٦) ويقصد بما ما الحجازية التي لا يتوسط فيها الخبر بل يجب تأخيره حتى تعمل فيه النصب.

(٣) سورة البقرة : ١٧٧. وفي القراءات التي وردت في هذه الآية قال أبو حيان (البحر المحيط ٢ / ٢) :«قرأ حمزة وحفص : ليس البر بنصب الراء وقرأ باقي السبعة برفعها».

«أما قراءة النصب فعلى أن يجعل البر خبر ليس وأن وصلتها الاسم وهو أولى لأن أن وصلتها أقوى في التعريف من المعرف بأل وقراءة الجمهور أولى من وجه وهو أن توسيط خبر ليس بينها وبين اسمها قليل. وقد

٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

واعلم أن المنقول عن الكوفيين أنهم لا يجيزون كان قائما زيد كما لا يجيزون قائما كان زيد فيمنعمون توسيط الخبر كما يمنعون تقديمه وستذكر هذه المسألة بعد (١).

ثم قال المصنف (٢) : ونبهت بقولي : ما لم يعرض مانع على أن توسيط الخبر قد يمتنع وذلك إما لسبب يقتضي وجوب تقديمه نحوكم كان مالك وأين كنت وإما لسبب يقتضي وجوب تأخيره نحو : كان فتاك مولاك وما كان زيد إلا في الدار (٣).

ونبهت بقولي : أو موجب على أن توسيط الخبر قد يجيب وذلك إذا كان الاسم مقصود الحصر نحو قوله تعالى : (ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا)(٤) وقد يحمل الموجب على موجب تقديم أو توسيط على سبيل التخيير وذلك إذا اشتمل الاسم على ضمير ما اشتمل عليه الخبر نحو كان شريك هند أخوها ووليها كان أبوها فواجب في هذه المسألة وشبهها تقديم الخبر أو توسيطه وممتنع تأخيره لئلا يتقدم الضمير على مفسر مؤخر رتبة ولفظا ، فلو كان في مثل هذه المسألة قبل الفعل ما له صدر الكلام تعين التوسيط نحو هل كان شريك هند أخوها» انتهى (٥).

وقد اقتصر المصنف على بعض الصور التي يمتنع فيها التوسيط أو يجب اتكالا منه على ما يذكره في باب النائب عن الفاعل من بيان صور تقديم المفعول على الفاعل منعا ووجوبا لأن الاسم والخبر في هذا الباب شبههما بالفاعل والمفعول غير خفي كما عرفت.

ولكن هنا مسألتين لا بد من التعرض إليهما لعدم انطواء الكلام في باب النائب عن الفاعل عليهما : ـ

__________________

ذهب إلى المنع من ذلك ابن درستويه تشبيها لها بما ، أراد الحكم عليها بأنها حرف كما لا يجوز توسيط خبرها وهو محجوج بهذه القراءة المتواترة وبورود ذلك في كلام العرب ومنه قول الشاعر (من الطويل).

سلي إن جهلت النّاس عنّا وعنهم

فليس سواء عالم وجهول

وانظر القراءتين أيضا في كتاب السبعة في القراءت لابن مجاهد (ص ١٧٦).

(١) ملخص المسألة : أنه إذا تقدم قائما على زيد كان قائما خبر كان وزيد مرفوعا به واسم كان ضمير الأمر والشأن هذا مذهب الكسائي وذهب الفراء إلى أن قائما خبر كان أيضا وزيد مرفوع بكان وقائم وقد أبطل الشارح هذا المذهب بنقل طويل عن ابن عصفور.

(٢) انظر شرح التسهيل (١ / ٣٤٩).

(٣) أما سبب تقديم الخبر في الأول فلأنه اسم استفهام وأما سبب تأخيره في الثاني ففي المثال الأول لخفاء الإعراب ، وفي المثال الثاني لإرادة الحصر في الخبر.

(٤) سورة الجاثية : ٢٥.

(٥) شرح التسهيل (١ / ٣٥٠) وسيعود الشارح إلى المثال الأخير ليذكر نقدا فيه قريبا.

٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الأولى : أن الخبر يجب توسيطه إذا كان ظرفا أو مجرورا والاسم نكرة لا مسوغ للإخبار عنها إلا كون الظرف والمجرور متقدمين عليهما نحو كان في الدار رجل.

الثانية : اختلف في الخبر إذا كان فعلا لفاعل مضمر هل يجوز توسيطه نحو : كان يقوم زيد على أن يقوم الخبر (١) منهم من منع ذلك قياسا على المبتدأ والخبر فكما لا يجوز أن يقوم الخبر في نحو زيد يقوم فكذلك هنا لأن أفعال هذا الباب داخلة على المبتدأ والخبر ومنهم من أجازه محتجّا بأن المانع من ذلك في باب المبتدأ والخبر كون الفعل المتقدم عاملا لفظيّا والابتداء عامل معنوي والعامل اللفظي أقوى من العامل المعنوي ولا شك أن كان وأخواتها من العوامل اللفظية فإذا تقدم الفعل على الاسم من هذه الأفعال لم يكن إعماله إعمالها فيه لأن العرب إذا قدمت عاملين لفظيين قبل المعمول ربما أعملت الأول وربما أعملت الثاني كما سنبين ذلك [٢ / ٢٠] في باب الإعمال (٢).

قال ابن عصفور بعد إيراد هذا الكلام (٣) : «فالصّحيح إذن جواز تقديم الخبر على الاسم».

واعلم أن في إيجاب المصنف توسيط الخبر في مسألة : (هل كان شريك هند أخوها) نظرا ولم يتوجه لي امتناع التقديم في هذه المسألة. هذا بالنسبة إلى تقديم مفسر الضمير عليه إلا أن يكون التقديم على نفس كان لشيء آخر وهو أن هل إذا كان بعدها اسم وفعل وجب أن يليها الفعل ويتأخر عنه الاسم فيقال هل عرفت زيدا ، ولا يقال هل زيدا عرفت (٤). هذا آخر الكلام على توسيط الخبر على الاسم. ـ

__________________

(١) ليس الأمر كما ذكر لأن يقوم هو الخبر قدمته أو أخرته وإنما المراد على أن يكون زيد هو الاسم مؤخرا.

(٢) يقصد باب تنازع العاملين معمولا واحدا وهو خلاف مشهور بين النحاة : فالبصريون أعملوا الثاني لقربه والكوفيون أعملوا الأول لسبقه ، وانظر المسألة بالتفصيل ودليل كل فريق في كتاب الإنصاف (١ / ٨٣).

(٣) هذا أول الجزء الثاني من النسخة (ج) الثابتة بدار الكتب المصرية تحت رقم : ٣٤٩ نحو ، الموجود منه ورقتان فقط في الأول والآخر ، وأما الجزء كله فهو ثابت تحت رقم : ٦٢ نحو بعنوان : التذييل والتكميل وهو منسوب لأبي حيان خطأ.

(٤) توضيح المسألة : أنه لا مانع من تقديم الخبر على كان واسمها لأن الذي جوز التقديم على الاسم وحده وهو أن الضمير عائد على متأخر في اللفظ متقدم في الرتبة ثابت في تقديم الخبر على كان أيضا ، ولكن المانع هنا لشيء آخر وهو اقتران الفعل. بأداة الاستفهام : (هل) ، التي لها الصدارة في الكلام.

وأما خصوصية الفعل بهل دون الاسم فلأن السؤال بها عن التصديق وهو النسبة وقعت أم لا وذلك من شأن الأفعال فوجب دخولها عليها.

٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما تقديمه على العامل نفسه : فاعلم أن الأفعال المذكورة تنقسم بالنسبة إلى ذلك ثلاثة أقسام : قسم يجوز فيه التقديم وقسم يمتنع فيه التقديم دون خلاف فيهما.

وقسم اختلف فيه ؛ فمنهم من أجاز التقديم ومنهم من منع.

فالقسم الأول : سبعة أفعال : وهي كان وأضحى وأصبح وأمسى وظل وبات وصار.

والقسم الثاني : دام.

والقسم الثالث : ليس وكذا زال وأخواتها إذا كانت منفية بغير ما ، فإن منهم من يمنع التقديم كما أن منهم من أجاز التقديم إذا كانت منفية بما.

ثم إن القسم الأول وهو الذي يجوز فيه التقديم قد يعرض له ما يوجب فيه تقديم الخبر وقد يعرض له ما يوجب فيه تأخيره فيعمل بموجب كل من الأمرين.

وقد أشار المصنف إلى هذا بقوله : وكذا تقديم خبر صار وما قبلها جوازا ومنعا ووجوبا.

قال رحمه‌الله تعالى (١) : وأشرت بقولي : وكذا تقديم خبر صار وما قبلها جوازا ومنعا ووجوبا إلى أنه يجوز تقديم الأخبار المذكورة إن لم يعرض مانع ولا موجب.

فمن أسباب عروض المانع : خوف اللبس نحو كان فتاك مولاك فمثل هذا لا يتميز فيه الاسم إلا بالتقديم ولا الخبر إلا بالتأخير فالتزم وكان غيره ممنوعا (٢) وهكذا نحو : صار عدوي صديقي.

ومن أسباب عروض المانع : حصر الخبر نحو إنما كان زيد في المسجد فتأخير الخبر في مثل هذا ملتزم وغيره ممنوع لأن حصر الخبر مقصود ولا يفهم إلا بالتأخير.

ومن أسباب عروض المانع : اشتمال الخبر على ضمير ما اشتمل عليه الاسم نحو كان بعل هند حبيبها فتأخير الخبر في مثل هذا ملتزم ، وغيره ممنوع لأنه لو وسط أو قدم لزم عود الضمير على متأخر لا يتعلق به العامل (٣). ـ

__________________

(١) انظر شرح التسهيل (١ / ٣٥٠).

(٢) يقصد بغيره : توسيط الخبر وتقديمه.

(٣) وهو الاسم الظاهر المضاف إليه في المثال المذكور والعامل فيه هو المضاف والجائز أن يعود الضمير على متأخر لفظا متقدم رتبة إذا كان العامل واحدا مثل : كما أتى ربه موسى على قدر ، وقد جوز آخرون هذا المثال الممنوع وعللوه ، وانظره بعد ذلك مباشرة.

٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

وبعض النحويين لا يلتزم تأخير الخبر في مثل هذا لأن المضاف والمضاف إليه كشيء واحد فلو وسط الخبر فقيل كان حبيبها بعل هند لم يضر لأن الضمير عائد على ما هو كجزء من مرفوع الفعل ومرفوع الفعل مقدر التقديم وما هو كجزئه مقدر التقديم معه إذ لا يتم معناه إلا به.

ويلزم من جواز هذا جواز كان حبيبها الذي خطب هندا ؛ لأن ما يتم به المضاف بمنزلة ما يتم به الموصول [٢ / ٢١] وهذا يجوز فكذلك ما أشبهه.

وأما عروض موجب تقديم الخبر : فإذا كان فيه معنى الاستفهام نحو : كم كان مالك ، وكيف كان زيد.

ولا حظّ لزال وما بعدها في وجوب تقديم الخبر لأنهن لا يدخلن على مبتدأ مخبر عنه بأداة استفهام ولا مضاف إليها وقد تقدم التنبيه على ذلك (١) انتهى (٢).

ولا يخفى أن ما فيه معنى الشرط والمضاف إلى ما تضمن معنى المذكور وكم الخبرية حكم ذلك كله حكم ما فيه معنى الاستفهام ؛ لأن لهذه المذكورات صدر الكلام.

ثم إن الأفعال السبعة ، أعني التي يجوز تقديم أخبارها عليها في الأصل قد يصحبها أدوات لها صدر الكلام فيمتنع تقديم الخبر على تلك الأدوات وهي أدوات الشرط كلها وأدوات الاستفهام كلها وما النافية ولام التوكيد. نحو : إن كان زيد قائما قام عمرو ، وهل كان زيد قائما ، وما كان زيد قائما ، وليكونن زيد قائما ؛ لا يجوز تقديم الخبر في شيء من هذا وكذا إذا كان الفعل صلة لموصول أو صفة لموصوف فإنه لا يتقدم الخبر على الموصول ولا على الموصوف نحو : يعجبني أن يكون زيد قائما ، ويعجبني رجل يكون قائما فحكم الموصول والموصوف في عدم التقديم عليهما حكم الأدوات التي ذكرت لأن الصلة والصفة لا يتقدم منهما شيء على الموصول ولا على الموصوف إلا من الذي ذكر ما يجوز فيه الفصل بينه وبين ما باشره من الأفعال المذكورة ، فيجوز تقديم الخبر في مثل ذلك على الفعل نفسه دون الذي باشر الفعل. وذلك ما النافية وأدوات الاستفهام ، فيجوز أن يقال في ما كان ـ

__________________

(١) سبق قبل قول المصنف في المتن : وتختص دام والمنفي بما بعدم الدخول على ذي خبر مفرد طلبي.

(٢) انظر شرح التسهيل (١ / ٣٥١).

٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

زيد قائما : ما قائما كان زيد ، وفي هل كان زيد قائما : هل قائما كان زيد ، ولا فرق في ذلك بين كان وغيرها فيجوز أن يقال ما قائما زال زيد ، وبعضهم يمنع ذلك في زال وأخواتها قال : لملازمتها النفي والأصح خلافه.

وبقية ما ذكر لا يجوز فيه الفصل فلا يجوز التقديم وذلك أدوات الشرط ولام التوكيد وكذا إذا كان الموصول حرفا فلا يجوز أن يقال : إن قائما كان زيد قام عمرو ولا لقائما يكونن زيد ولا يعجبني أن قائما يكون زيد لأن هذه الأحرف لا يليها إلا الفعل. على إن الذي أشير إليه لا يختص بهذا الباب الذي نحن فيه بل هو أمر محكوم به بالنسبة إلى سائر الأفعال.

وأما القسم الثاني : وهو الذي يمتنع فيه تقديم الخبر إجماعا فهو دام كما تقدم وسبب ذلك أن ما موصولة ومعمول الصلة لا يتقدم على الموصول ، وهل يتقدم على دام خاصة دون ما؟أما على رأي المصنف فلا يجوز لأنه لا يجيز الفصل بين الحرف الموصول وصلته مطلقا.

وابن عصفور يجيز الفصل مع الحرف الذي هو غير عامل نحو ما فيجيز أن تقول : عجبت مما زيدا [٢ / ٢٢] يضرب عمرو (١) ، وعلى هذا فهل يجوز ذلك هنا أعني ما دام فيقال : لا أصحبك ما طالعة دامت الشمس؟ فيه نظر. والظاهر أن ذلك لا يجوز على رأي من يجيز ذلك لعدم تصرف دام (٢) ، وقد ذكر ابن عصفور مع مادام قعد أيضا (٣) وهو صحيح غير أن ذكر ذلك غير محتاج إليه لأن قعد إنما استعملت هذا الاستعمال في مكان واحد وهو جار مجرى المثل ولا شك أن الأمثال ـ

__________________

(١) انظر المقرب (١ / ٥٥ ـ ٥٦). وكذلك (ص ١٥٦).

(٢) قال ابن عصفور في المقرب (١ / ٩٥): «وأفعال هذا الباب كلها متصرفة إلا ليس ومادام وقعد في المثل. وهي بالنظر إلى تقديم إخبارها عليها قسمان :قسم لا يجوز تقديم خبره عليه. وهو مادام وقعد في المثل ، وما زال وأخواتها منفية بما أو بلا في جواب قسم ، وقسم يجوز تقديم خبره عليه وهو ما بقي من الأفعال».

وفي شرح الجمل له كان صريحا في منع تقدم خبر مادام عليها وعلله : «بأن ما مصدرية فهي من قبيل الموصولات ولا تتقدم الصلة على الموصول فلا يجوز أن تقول : أقوم قائما مادام زيد ، تريد : أقوم مادام زيد قائما. (شرح الجمل : (١ / ٣٧٣) ـ فواز الشغار).

(٣) في نسخة الأصل : وقد ذكر ابن عصفور مع مادام قعد أيضا .. وهما سواء.

٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لا تغير بل تستعمل على حسب ما وردت (١).

وقد أشار المصنف إلى هذا القسم بقوله : ولا يتقدّم خبر دام اتّفاقا.

وأما القسم الثالث : فقد عرفت أنه ليس وزال وأخواتها.

أما ما زال فقال المصنف (٢) : ويشارك زال وأخواتها إذا نفيت بغير ما صار وأخواتها في جواز تقديم الخبر نحو قائما لم يزل زيد وفي التخيير بين تقديمه وتوسيطه عند امتناع تأخيره نحو : في الدار لم يبرح صاحبها ولا ينفك مع هند أخوها (٣).

فلو كان النفي بما لم يجز لأن ما لها صدر الكلام ولذلك جرت مجرى حرف الاستفهام في تعليق أفعال القلوب. وقياس إن النافية أن تجري مجراها في غير التعليق كما جرت فيه مجراها (٤) كقوله عزوجل : (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً)(٥).

وأجاز ابن كيسان التقديم مع النفي بما (٦) مع أنه موافق للبصريين في أنّ ما لها صدر الكلام لكنه نظر إلى أن ما زال زيد فاضلا بمنزلة كان زيد فاضلا في المعنى فاستويا في جواز تقديم الخبر.

وهذا الذي اعتبره ضعيف لأن عروض تغيير المعنى لا يغير له الحكم ولذلك استصحب الاستفهام في نحو : علمت أزيد قام (٧) أم عمرو ما كان له من التزام التصدير مع أن معنى الاستفهام قد تغير.

وأجاز الكوفيون إلا الفراء ما أجازه ابن كيسان لأن ما عندهم ليس لها تصدير ـ

__________________

(١) نص ما قاله ابن عصفور في شرح الجمل له (١ / ٢٧٣): «وأما قعد فلأنها لم تستعمل إلا في كلام جرى مجرى المثل فلا يغير عما استعمل عليه من تأخير الخبر وذلك : شحذ شفرته حتى قعدت كأنها حربة».

(٢) انظر نصه في شرح التسهيل (١ / ٥١٣).

(٣) في هذين المثالين وجب تقديم الخبر على الاسم لاتصال الاسم بضمير يعود على بعض الخبر فلو أخر الخبر لزم عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة وهو لا يجوز.

(٤) أي كما جرت إن في التعليق مجرى ما ، ومعناه : امتناع تقديم الخبر على زال ـ وأخواتها إن نفيت بإن لأن إن تجري مجرى ما في هذا وفي غيره كالتعليق والإعمال.

(٥) سورة الإسراء : ٥٢. وشاهده : تعليق تظنون عن العمل في المفعولين بسبب دخول إن ، ويقال في إعرابها : إن جملة لبثتم سدت مسد مفعولي تظنون.

(٦) انظر في إسناد هذا الرأي لابن كيسان : التصريح (١ / ١٨٩). والتذييل والتكميل (٤ / ١٧٦) قال أبو حيان : غير الفراء من الكوفيين أجاز تقديم الخبر مطلقا سواء نفي بما أو بغيره فتقول : قائما ما زال زيد وهذا المذهب مشهور نقله عن ابن كيسان.

(٧) في النسخ : أزيد ثم أم عمرو ولا معنى له.

٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مستحق حكى ذلك ابن كيسان (١).

ومنع الفراء (٢) مطلقا تقديم خبر زال وأخواتها فلا يجيز عالما لم أزل ولا عالما مازلت وكذا لو نفيت بلن أو أن ذكر ذلك في كتاب الحدود (٣). ودليله على ذلك ضعيف انتهى.

وثبت أن في جواز تقديم خبر زال وأخواتها ثلاثة مذاهب :

الجواز مطلقا (٤) ، المنع مطلقا (٥) ، التفصيل بين أن يكون النافي ما فيمتنع ، أو غيرها من أدوات النفي فيجوز وهو الصحيح (٦) وعبارة متن الكتاب معطية ما ذكرناه دون إشكال.

فأما ليس : فقال المصنف (٧) : اختلف في تقديم خبر ليس عليها فأجازه سيبويه على ما زعم من أخذ بظاهر من قول لا يلزم الأخذ به (٨) وممن أخذ به السيرافي (٩) والفارسي (١٠) ـ

__________________

(١) انظر المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (١ / ١٥٥) المسألة رقم (١٧) هل يجوز تقديم خبر ما زال وأخواتها عليهن؟.

يقول أبو البركات كمال الدين الأنباري : ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز تقديم خبر ما زال عليها وما كان في معناها من أخواتها وإليه ذهب أبو الحسن ابن كيسان ، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز ذلك وإليه ذهب أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء من الكوفيين ، وأجمعوا على أنه لا يجوز تقديم خبر ما دام عليها.

(٢) سقط من شرح التسهيل من أول قوله : ومنع الفراء مطلقا حتى آخر كلام ابن مالك.

(٣) في نسخة (ب) : في كتاب الحد وكثيرا ما يعبر عنه بذلك وهو خطأ. انظر حديث هذا الكتاب (ص ١٠٢) من نشأة النحو.

(٤) هو مذهب الكوفيين وابن كيسان.

(٥) هو مذهب الفراء من الكوفيين.

(٦) هو مذهب البصريين ورجحه صاحب كتاب الإنصاف.

(٧) انظر شرح التسهيل (١ / ٣٥١).

(٨) قال أبو حيان في مذهب سيبويه : وقد اختلف في ذلك عن سيبويه فنسب بعضهم إليه الجواز وبعضهم قال : ليس في كلامه ما يدل على ذلك. (التذييل والتكميل : ٤ / ١٧٩).

وقال صاحب الإنصاف عن سيبويه (١ / ١٦٠) في مسألة : هل يجوز تقديم خبر ليس عليها :وزعم بعضهم أنه مذهب سيبويه وليس بصحيح ، والصحيح أنه ليس في ذلك نص.

(٩) انظر في نسبة هذا الرأي إلى هؤلاء الأعلام ، التذييل والتكميل (٤ / ١٧٩) قال أبو حيان : واختاره ابن عصفور.

(١٠) انظر رأي أبي علي في المسائل الشيرازيات (ص ٣٢ ، ٣٣) وتقريره أن ليس تشبه الحرف ولو كانت كالفعل لدخل بينها وبين أن حاجز في قوله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى)[النجم : ٣٩] كما دخل الحاجز في قوله تعالى (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ)[المزمل : ٢٠] ثم قال : فإن قلت فقد جاء : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ)[هود : ٨] فقد تعلق الظرف بها؟ قيل : إن الظرف متعلق بقوله مصروفا وفي هذا تقوية لقول من أجاز تقديم خبر ليس عليها ويمكن أن يتعلق الظرف بمحذوف يدل عليه ما بعد ليس.

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وابن برهان (١) والزمخشري (٢).

ومنعه الكوفيون (٣) وأبو العباس (٤) وابن السراج (٥) والجرجاني (٦). ـ

__________________

وليس فيما نقلته عن أبي علي صراحة كاملة لرأيه في تقديم خبر ليس عليها ، ولكنه صرح بذلك في كتاب الإيضاح يقول : «ويستقيم أن تقدم الخبر على الاسم فتقول : كان منطلقا زيد. ويجوز أيضا : منطلقا كان زيد وشاخصا صار بكر لأن العامل متصرف وهكذا خبر ليس في قول المتقدمين من البصريين وهو عندي القياس فتقول : منطلقا ليس زيد. انظر الإيضاح مشروحا للإمام عبد القاهر الجرجاني في كتابه المسمى المقتصد في شرح الإيضاح (١ / ٤٠٧) تحقيق كاظم بحر المرجان (مجلدان ـ بغداد).

(١) صرح بذلك في كتابه : شرح اللمع (ص ٥٢) يقول في جواز تقديم خبر ليس عليها : ولنا في جوازه رواية ودراية : أما الرواية فقوله تعالى (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) وتقدم معمول الخبر لتقدم عامله.

وأما الدراية فإن إن إذا كان خبرها غير ظرف لم يصح تقدمه لا على اسمها ولا عليها وكان يصح تقدم خبرها على اسمها وعليها فلما كانت ليس بمثابتها في أحد الوجهين كانت كذلك في الوجه الآخر.

(٢) انظر رأي الزمخشري في المفصل (ص ٢٦٩) وهو دقيق في فهمه. يقول : وهذه الأفعال في تقديم خبرها على ضربين فالتي في أوائلها ما ـ يتقدم خبرها على اسمها لا عليها ، وما عداها يتقدم خبرها على اسمها وعليها وقد خولف في ليس فجعل من الضرب الأول ، والأول هو الصحيح.

شرحه ابن يعيش فقال (شرح المفصل ٧ / ١١٤) قوله : والأول هو الصحيح يريد الأول من القولين وهو جواز تقديم خبرها عليها وهو الذي أفتى به ، والثاني ما حكاه من قول المخالف وهو عدم جواز تقديمه.

(٣) انظر الإنصاف في مسائل الخلاف (١ / ١٦٠) مسألة هل يجوز تقدم خبر ليس عليها؟ قال ابن الأنباري : ذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز تقديم خبر ليس عليها وإليه ذهب أبو العباس المبرد من البصريين وزعم بعضهم أنه مذهب سيبويه وليس بصحيح ، والصحيح أنه ليس في ذلك نص. وذهب البصريون إلى أنه يجوز تقديم خبر ليس عليها كما يجوز تقديم خبر كان عليها. وانظر في إسناد المنع إلى الكوفيين في التذييل والتكميل (٤ / ١٧٨) والهمع (١ / ١١٧) وشرح الكافية (٢ / ٢٩٧).

(٤) انظر في نسبة المنع إلى المبرد الكتب الآتية : التذييل والتكميل (٤ / ١٧٨) ، الهمع (١ / ١٧٧) شرح الرضي (٢ / ٢٩٧) ، شرح المفصل (٧ / ١١٤) ، وليس هناك نص صريح في المقتضب يدل على مذهبه وقال محقق التذييل والتكميل : أما المبرد فلم أعثر له على رأي في هذه المسألة لا في المقتضب ولا في الكامل.

(٥) انظر رأيه في كتابه : الأصول في النحو (١ / ١٠٢) تحقيق د / عبد الحسين الفتلي ، يقول :ولا يتقدم خبر ليس قبلها لأنها لم تتصرف تصرف كان لأنك لا تقول فيها يفعل ولا فاعل وقد شبهها بعض العرب بما فقال : ليس الطيب إلا المسك فرفع وهذا قليل.

(٦) قال الإمام عبد القاهر الجرجاني : وإذا كان ليس أضعف تصرفا من كان وأقوى أمرا من ما وجب أن يكون لها مرتبة بينهما ، فلا يجوز فيها تقديم المنصوب عليها نفسها نحو منطلقا ليس زيد كما يجوز منطلقا كان زيد لتنحط درجة عن كان ويجوز تقديم المنصوب على المرفوع نحو ليس منطلقا زيد كقوله عزوجل :(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) وإن لم يجز ذلك في نحو ما منطلقا زيد ليرتفع درجة عن ما لأنها أقوى ، فقد أخذت ليس شبها من كان وشبها من ما وصار لها منزلة بين المنزلتين (المقتصد في شرح الإيضاح لعبد القاهر (١ / ٩). تحقيق : كاظم المرجان ـ بغداد).

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وبه أقول. لأن «ليس» فعل لا يتصرف في نفسه فلا يتصرف في عمله كما وجب لغيره من الأفعال التي لا تتصرف كعسى ونعم وبئس وفعل التعجب مع أن ليس شبيهة في المعنى بحرف لا يشبه الأفعال وهو ما بخلاف عسى لأنها تشبه حرفا يشبه [٢ / ٢٣] الأفعال وهو لعل ، والوهن الحاصل بشبه حرف لا يشبه الأفعال أشد من الوهن الحاصل بشبه حرف يشبه الأفعال.

وكان مقتضى شبه ليس بما وعسى بلعل امتناع توسيط خبريهما كما امتنع توسيط خبري شبيههما لكن قصد ترجيح ما له فعلية على ما لا فعلية له ، والتوسط في ذلك لم يجز فلم تجز الزيادة عليه تجنبا لكثرة مخالفة الأصل.

قال السيرافي : «بين ليس وفعل التعجب ونعم وبئس فرق لأن ليس تدخل على الأسماء كلها مظهرها ومضمرها ومعرفتها ونكرتها ويتقدم خبرها على اسمها ونعم وبئس لا يتصل بهما ضمير المتكلم ولا العلم ، وفعل التعجب يلزم طريقة واحدة ولا يكون فاعله إلا ضمير ما فكانت ليس أقوى منها» (١).

قلت : فعلية نعم وبئس أظهر من فعلية ليس بثلاثة أوجه (٢) :

أحدها : أن معنى نعم وبئس يستقل باسم واحد لأن معنى نعم الرجل مدح الرجل أو كمل الرجل إلا أن الرجل مبهم والمراد تعيين ممدوح فاحتيج إلى مخصوص بعد الفاعل أو إلى ما يدل عليه قبل نعم.

فالحاصل : أن مطلوب نعم إنما هو الفاعل والمخصوص بالمدح إنما يطلبه الفاعل لأنعم لأنها غير عاملة فيه بإجماع بخلاف الجزء الثاني من مصحوبي ليس فإنه معمول لها فمعنى ليس لا يستقل إلا بجز أين مسند ومسند إليه فكانت أشبه بالحروف وكانت نعم وبئس أشبه بالأفعال. ـ

__________________

(١) قال السيرافي في شرحه لكتاب سيبويه (٢ / ٢٩٥) (رسالة دكتوراه بكلية اللغة بالقاهرة تحقيق د / دردير أبو السعود) : في حديث عن كان وأخواتها : وما الدليل على أن ليس فعل؟ قيل الدليل على ذلك اتصال الضمائر بها التي لا تتصل إلا بالأفعال كقولنا : لسنا ولستم والقوم ليسوا قائمين. وقال في (ص ٤٢٢) من الجزء نفسه مبينا ضعف أفعل التعجب : باب ما يعمل عمل الفعل ولم يجر مجراه ولم يتمكن تمكنه وذلك قولك : ما أحسن عبد الله ... إلخ.

(٢) انظر شرح التسهيل (١ / ٣٥٢) قال أبو حيان : وقد طول المصنف بما لا حاجة إليه في هذه المسألة من إبداء فروق بين ليس وفعل التعجب ونعم وبئس وعسى (التذييل والتكميل : ٤ / ١٨١).

٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : أن نعم وبئس يقوم كل واحد منهما مقام فعل صريح ويقوم الفعل الصريح مقامه ، فمن كلام العرب الفصيح علم الرجل فلان بمعنى نعم العالم فلان وليس لا تقوم إلا مقام حرف ولا يقوم مقامها إلا حرف.

الثالث : أن ليس ونعم وبئس مشتركة في مفارقة الأصل لأن أصل كل منها فعل ولكن «ليس» فارقت أصلها فراقا لازما على وجه عدم به النظير في الأفعال وثبت به شبه الحرف ونعم وبئس بخلاف ذلك لأنهما لم يفارقا أصلهما فراقا لازما ، بل أصلهما مستعمل فلم يعدم بما فعل بهما النظير في الأفعال ولا ثبت به شبه الحرف لأن الذي فعل بهما من كسر الفاء وسكون العين مطرد في كل فعل على فعل ثانيه حرف حلق وفعلية ما روعي أصله وسلك به سبيله مطردة في الأفعال أقوى من فعلية ما لم يعامل بهذه المعاملة.

وأما تفضيل ليس على نعم وبئس بإعمالها في الظاهر والمضمر والمعرفة والنكرة فشيء ثبت على خلاف الأصل لأن شبهها في اللفظ والمعنى بالحرف أقوى من شبهها بالفعل فأن يسلك بها سبيل الأشبه بها أولى ولكن فعل بها ذلك لم يبق ما يدل على فعليتها فرفعت الضمائر المتصلة لذلك وإذا كان هذا التفضيل محوجا إلى اعتذار فلا يجعل سببا لتفضيل آخر فيستباح من أجله تقديم الخبر لأن ذلك تكبير لمخالفة الأصل ومحوج إلى اعتذار ثان ومع هذا فقد شاركها نعم وبئس في رفع الضمير [٢ / ٢٤] مستترا وبارزا فإن الكسائي روى عن (بعض) (١) العرب : الزّيدان نعما رجلين والزّيدون نعموا رجالا (٢).

وقال الأخفش : ناس من العرب يرفعون النّكرة بنعم مفردة ومضافة (٣).

وأما فعل التعجب فيفوق ليس بأربعة أوجه (٤) : ـ

__________________

(١) ما بين القوسين من شرح التسهيل وليس في النسخ وثبوته أفضل.

(٢) انظر فيما رواه الكسائي : الهمع (٢ / ٨٤).

(٣) انظر فيما رواه الأخفش : الهمع (٢ / ٨٦).

(٤) انظر : شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٣٥٣) وفيه : وأما فعل التعجب فهو وإن لزم طريقة واحدة راجح على ليس من أربعة أوجه ... إلخ.

٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدها : تمكنه في الفعلية لفظا ومعنى لأنه على وزن أفعل (١) وهمزته مقدمة كأكرم وغيره من الأفعال المعداة بهمزة وهو مع ذلك متضمن لحروف مصدر ودال على معناه و «ليس» بخلاف ذلك.

الثاني : أن فعل التعجب يلزم نون الوقاية مع ياء المتكلم كما يلزم سائر الأفعال المتعدية و «ليس» بخلاف ذلك.

الثالث : أن لفعل التعجب صيغتين :

إحداهما كصيغة الماضي والأخرى كصيغة الأمر وذلك ضرب من التصرف وليس بخلاف ذلك.

الرابع : أن فعل التعجب يعمل في الظرف والحال والتمييز بخلاف ليس فإنها لا تعمل إلا في جزأي الإسناد.

وأما عسى : فتشارك ليس في إعمالها في الأسماء كلها مظهراتها ومضمراتها ومعارفها ونكراتها وتفوقها بأشياء :

منها : أن فعليتها مجمع عليها وفعلية ليس مختلف فيها.

الثاني : أن ليس من الأفعال المعتلة العين وعسى من الأفعال المعتلة اللام وهي جارية على ما يجب لنظائرها من الإعلال بالقلب كرمى وليس جارية على خلاف ما يجب لنظائرها من إعلال بالقلب كهاب وسلامه كسلامة صيد البعير (٢).

الثالث : أن عسى وإن لم تتصرف بأن يجعل لها مضارع وأمر واسم فاعل فقد جعل لها حظ من التصرف بأن أجيز في عينها الفتح والكسر فقيل عسيت وعسيت وبنوا منها فعل التعجب فقالوا ما أعساه بكذا وأعسى به أن يكون وقالوا : هو عسي بكذا أي حقيق به وبالعسي أن تفعل وهو مصدر عسيت (٣) وهذا كله موجب للمزية على ليس فلو قدم خبر ليس مع كون هذه الأفعال لا يقدم عليها شيء مما ـ

__________________

(١) قال السيوطي في الهمع (٢ / ٩٠) : قال الفراء : إن صيغة أفعل في ما أفعله اسم لكونه لا يتصرف ولتصغيره ولصحة عينه. وقد ردوا عليه.

(٢) في القاموس (صيد) : الصاد والصيد بالكسر داء يصيب الإبل فتسيل أنوفها فتسمو برأسها.

(٣) في القاموس (٤ / ٣٦٤) : هو عسيّ بكذا وعس : خليق ، وبالعسي أن تفعل أي بالحري.

٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يتعلق بها لكان ذلك مفضلا للأضعف على الأقوى فوجب الاقتصار عليه.

وعضد قوم (١) جواز تقديم خبر ليس بـ (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ)(٢) قالوا : لأن يوم معمول مصروفا ولا يقع المعمول إلا حيث يقع العامل.

ولنا أربعة أجوبة (٣) :

أحدها : أن المعمول قد يقع حيث لا يقع العامل نحو أما زيدا فاضرب وعمرا لا تهن وحقك لن أضيع فكما لم يلزم من تقديم معمول الفعل بعد أما تقديم الفعل ولا من تقديم معمول المجزوم والمنصوب على لا ولن تقديمهما عليهما كذلك لا يلزم من تقديم معمول خبر ليس تقديم الخبر.

الثاني : أن يجعل يوم منصوبا بفعل مضمر لأن قبله (ما يَحْبِسُهُ)(٤) فيوم يأتيهم جواب كأنه قال يعرفون يوم يأتيهم وليس مصروفا جملة حالية مؤكدة أو مستأنفة.

الثالث : أن يكون يوم مبتدأ مبني لإضافته إلى الجملة فذلك شائع مع المضارع كشيوعه مع الماضي.

وللاحتجاج على بناء المضاف إلى المضارع موضع آخر.

الرابع : أن نسلم أن انتصاب يوم بمصروفا لأن الظروف يتوسع فيها بما لا يتوسع في غيرها ولذلك جاز ما غدا زيد ذاهبا ولم يجز ما طعامك زيد آكلا (٥).

[٢ / ٢٥] وجاز : أغدا تقول : زيدا منطلقا ، ولم يجز : أنت تقول : زيدا منطلقا. هذا آخر كلام المصنف رحمه‌الله تعالى (٦). ـ

__________________

(١) هم الذين أجازوا تقديم خبر ليس عليها وهم السيرافي والفارسي وابن برهان والزمخشري.

(٢) سورة هود : ٨ ، وهي : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.)

(٣) انظر شرح التسهيل (١ / ٣٥٤) وفيه الأجوبة الثلاثة الأولى فقط وأما الرابع فلا يوجد في هذه النسخة اليتيمة بدار الكتب.

(٤) أي في الآية وهو قوله : (لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ ...)

(٥) في المثال الأول فصل بين ما واسمها بالظرف المتعلق بالخبر وفي الثاني فصل بينهما بمفعول الخبر.

(٦) انظر : شرح التسهيل (١ / ٣٥٤) ما عدا الوجه الرابع.

٦٠