شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٣

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

١
٢

الجزء الثالث

الباب الثالث عشر باب الأفعال الرّافعة الاسم النّاصبة الخبر (١)

[سردها وشروط عملها]

قال ابن مالك : (فبلا شرط : كان وأضحى وأصبح وأمسى وظلّ وبات وصار وليس ، وصلة لما الظّرفيّة : دام ، ومنفيّة بثابت النّفي مذكور غالبا متّصل لفظا أو تقديرا أو مطلق النّفي : زال ماضي يزال وانفكّ وبرح وفتئ وفتأ وأفتأ وونى ورام مرادفتاها).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : هذا شروع منه في أبواب نواسخ الابتداء أي نواسخ عمله وهي ثلاثة : باب كان وأخواتها ويتبعه ما جرى مجراها من أفعال المقاربة ، وما جرى مجرى ليس وهو ما ولا ولات وإنّ.

وباب إنّ وأخواتها ويتبعه ما جرى مجرى إنّ وهو لا التي لنفي الجنس. وباب ظننت وأخواتها ويتبعه ما جرى مجراها وهو قال على لغة من ينصب بها الجزأين.

وللأئمة سؤال هاهنا وهو أن يقال :

إن شأن العوامل أن تحدث العمل في المفردات السالم أواخرها من الحركات نحو زيد وعمرو وما أشبههما وليس للعوامل تأثير في الجمل فكيف نسخت هذه الأفعال حكم الابتداء أو المبتدأ فأزالت عملهما (٢) والجملة ليست محلّا لتأثير العوامل؟

ويجيبون عن ذلك : بأن كان وأخواتها لها شبه بالفعل المتعدي لواحد كضرب ووجه الشبه الذي ذكروه يحتاج إلى تقدير وهو أن الأفعال المذكورة في هذا الباب المقصود من وضعها الدلالة على تلبس الفاعل الذي أسندت هي إليه بصفة وتلك الصفة مقيدة بمعنى الفعل المسند من إثبات أو نفي أو صيرورة أو تقييد بزمان مخصوص ونحو ذلك.

فمعنى قولنا : أمسى زيد مسافرا أن زيدا متلبس بالسفر في وقت المساء ومن ثمّ ـ

__________________

(١) هذا أول الجزء الثاني من النسخة الثابتة بمعهد المخطوطات تحت رقم ٦٥ نحو مصنف غير مفهرس والمصورة عن بلاد المغرب وقد جعلتها أصلا ؛ لأنها كتبت في حياة المؤلف وصححت عليه فكانت بذلك أقدم النسخ وأفضلها ، أما نسخة (ب) فإن الباب الآتي داخل ضمن الجزء الأول.

(٢) أي عمل الابتداء في المبتدأ وعمل المبتدأ في الخبر.

٣

.................................................................................................

______________________________________________________

كان ذكر الخبر لازما ؛ لأنه هو المقصود.

ووجب رسم الأفعال المذكورة بالنقص فسميت ناقصة من حيث أنها لم تكتف بمرفوعها إذ ليس المقصود من قولنا كان زيد ذاهبا ، وأمسى زيد مسافرا نسبة الفعل إلى الفاعل لا باعتبار شيء آخر كما هو المقصود من الأفعال التامة إذا أسندت إلى فاعليها نحو : ضرب ، بل المقصود نسبتها إلى الفاعل باعتبار صفة اتصف بها وثبتت له مقيدة بمعنى ذلك الفعل (١) فبمقتضى هذا التقرير صار كل من هذه الأفعال من حيث إنه يستدعي صفة وصاحبها يشبه الفعل التام المتعدي إلى واحد لاستدعائه شيئين كضرب ، والفعل المتعدي إلى واحد يرفع الفاعل وينصب المفعول فكانت هذه الأفعال الناقصة كذلك ترفع المبتدأ تشبيها بالفاعل وتنصب الخبر تشبيها بالمفعول.

وحينئذ يقال : إنما عملت كان وأخواتها في الاسمين بعدها تشبيها بضرب [٢ / ٣] مثلا ، فلذلك أثرت في أجزاء الجملة.

وإذا تقرر هذا في كان وأخواتها فنقول : ستعرف في باب إن وأخواتها أن عملها إنما هو لشبهها بكان فهي إذن محمولة في العمل عليها (٢) وستعرف في باب ظن أنها إنما عملت هي وأخواتها لشبهها بالأفعال الطالبة مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر كأعطيت. فمن ثمّ ساغ تأثير إن وأخواتها وظننت وأخواتها في أجزاء الجملة (٣).

ثم اعلم أن المصنف أفاد بقوله في ترجمة الباب : بـ (الرّافعة النّاصبة) أن رفع ـ

__________________

(١) الصفة المشار إليها والتي اتصف بها الفاعل هي الخبر ، ومعنى الفعل المشار إليه والذي يقيد تلك الصفة هو معنى كان وأخواتها.

(٢) جاء في شرح التسهيل لناظر الجيش في باب إن وأخواتها نقلا عن ابن مالك جاء قوله : وسبب إعمال هذه الأحرف اختصاصها بمشابهة كان الناقصة في لزوم المبتدأ والخبر والاستغناء بهما ، وقال بعضهم : إن وجه الشبه هو سكون الوسط وفتح الآخر ، وقد رده بعضهم.

وقال الزجاجي : المشابهة المعتبرة اتصال هذه الأحرف بالضمائر المنصوبة.

وانظر شرح التسهيل لناظر الجيش (٢ / ٤٢ أ) المنسوب خطأ إلى أبي حيان. مخطوط بدار الكتب المصرية رقم : ٦٢ نحو.

(٣) قال ناظر الجيش في باب ظن وأخواتها : وحق هذه الأفعال ألا تعمل ، قالوا : ولكنها شبهت بأفعال باب أعطيت في أنها أفعال كما أن تلك أفعال وتطلب اسمين كطلبها فلذلك نصب المفعولين.

وانظر شرح التسهيل لناظر الجيش (٢ / ٨٢) منسوبا إلى أبي حيان.

٤

.................................................................................................

______________________________________________________

المبتدأ منسوخ بهذه الأفعال وأنها هي الرافعة للاسم كما أنها الناصبة للخبر ، وهذا هو المعروف والمشهور وهو الحق.

والمنقول على الكوفيين أنها إنما نصبت الخبر وأن المبتدأ باق على رفعه وليس هذا مما يعول عليه (١) ولا يشتغل به لأن الضمائر تتصل بها والضمير لا يتصل بغير عامل ولأنه لا أثر للعامل المعنوي مع وجود العامل اللفظي.

وقال الفراء : إن الاسم يرتفع لشبهه بالفاعل. وأما المنصوب فالجمهور على أنه خبر مشبه بالمفعول كما أن المرفوع اسم مشبه بالفاعل وعن الفراء أنه نصب تشبيها بالحال (٢).

وقال بعض الكوفيين : إن انتصابه على الحال ولا يخفى ضعف هذه الأقوال (٣) والاشتغال بها استدلالا وإبطالا فيه إطالة مع قلة الجدوى.

ثم إن المصنف رحمه‌الله تعالى افتتح الكلام في هذا الباب بأن قال (٤) : «شرط الفعل المنسوب إلى هذا الباب أن يدخل على جزأي إسناد مباين ثانيهما للحالية بتمحّض تعريف أو بتحمض جمود أو بعدم الاستغناء عنه دون عارض (٥) كقولك صار الذي آمن أخانا بعد أن كان عدونا وكان مالك فضة فصار ذهبا ، ففي منصوب كان وصار من مباينة الحال ما ذكرته فمن ألحق بها فعلا لا يساويها في هذا الاعتبار (٦) فهو محجوج وسيأتي القول في ذلك مبسوطا إن شاء الله تعالى». ـ

__________________

(١) الإشارة إلى مذهب الكوفيين لا إلى الحديث في المسألة ، لأنه علل بعد ذلك للمذهب المعتمد والذي اختاره.

(٢) انظر رأي الفراء في التذييل والتكميل (٤ / ١١٦) تحقيق د / حسن هنداوي ، والهمع (١ / ١١١).

وهناك إشارة إلى هذا الرأي في كتاب الفراء المشهور : معاني القرآن (١ / ٢٨١).

(٣) انظر المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (٢ / ٨٢١) المسألة رقم ١١٩ علام ينتصب خبر كان وثاني مفعولي ظننت قال الإمام كمال الدين أبو البركات : ذهب الكوفيون إلى أن خبر كان والمفعول الثاني لظننت نصب على الحال وذهب البصريون إلى أن نصبهما نصب المفعول لا على الحال وثم احتج لكل من الفريقين ورجح رأي البصريين.

(٤) شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٣٣٣) تحقيق : د / عبد الرحمن السيد ، ود / محمد بدوي المختون.

(٥) إنما اشترط هذه الثلاثة ؛ لأن الأصل في الحال أن تكون نكرة منصرفة مستغنى عنها.

(٦) في الأصل : في هذا الباب ، وما أثبتناه من نسخة (ب) وهو أولى.

٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولأفعال هذا الباب انقسامات بنسب مختلفة :

فأول انقساماتها إلى ما يعمل بلا شرط أي موجب وغير موجب وصلة وغير صلة (١) وهو الثمانية الأول.

وإلى ما يعمل بشرط كونه صلة لما الظرفية أي المصدرية التي يقصد بها وبصلتها التوقيت وهو دام كقولك لا تجامل ما دام الله ملجأك.

قال الله تعالى : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا)(٢).

التقدير مدة دوامي حيّا فلو خلت دام من ما المصدرية لم يكن لها اسم ولا خبر ، فلو وقع بعدها مرفوع ومنصوب جعل المرفوع فاعلا والمنصوب حالا نحو دام زيد صحيحا (٣) وكذا لو كان معها ما المصدرية ولم تكن في موضع ظرف زمان نحو عجبت مما دام زيد صحيحا فزيد فاعل وصحيحا حال ولهذا لا يجوز تعريفه.

وقد تستعمل دام بعد ما المصدرية النائبة عن ظرف الزمان تامة تشبيها ببقى فلا يكون لها خبر كقوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ)(٤).

وإلى ما يعمل بشرط كونه منفيّا أو منهيّا عنه : وهي أربعة أفعال مشهورة ملحق [٢ / ٤] بها اثنان ، فالأربعة : زال ، وانفك ، وبرح ، وفتئ وقد يقال فقأ وأفقأ.

والملحقات بها : وني ورام التي مضارعها يريم.

ومعنى الستة إذا بقيت داخلة على الجملة الإعلام بلزوم مضمون الجملة في المعنى أو في الاستقبال نحو ما زال العلم حسنا ولن يزال الجهل قبيحا.

وقد تناول قولي : منفيّة (٥) المنفي بليس كقول الشاعر : ـ

__________________

(١) أشار بغير الموجب إلى الأربعة التي تعمل بشرط تقدم نفي أو شبهه وستأتي ، وأشار بالصلة إلى دام التي تعمل بشرط أن تكون صلة لما كما سيذكره ، إلا أنه لم يراع الترتيب في كلامه ، وكان الأولى أن يقدم الحديث عن الأربعة أو يقول في كلامه .. انقسامها إلى ما يعمل بلا شرط أي صلة وغير صلة وموجب وغير موجب.

(٢) سورة مريم : ٣١.

(٣) يوجد بياض صغير قدر كلمة أو كلمتين بين قوله : (حالا نحو) وبين قوله : (دام زيد صحيحا) في جميع النسخ : نسخة (ب) ، ونسخة تركيا ، ونسخة (أ) ، ومع ذلك فالكلام صحيح ولا نقص فيه ، ولكن هذا يشير إلى أن النسخ كلها نقلت ، وروجعت على أصل واحد.

(٤) سورة هود عليه‌السلام : ١٠٧ ، ١٠٨.

(٥) أي قول ابن مالك في المتن ونصه : فبلا شرط كان وأضحى ... ومنفية بثابت النفي مذكور غالبا متصل.

٦

.................................................................................................

______________________________________________________

٦٧٠ ـ ليس ينفكّ ذا غنى واعتزاز

كلّ ذي علّة مقلّ قنوع (١)

والمنفي بغير كقول الشاعر :

٦٧١ ـ غير منفكّ أسير هوى

كلّ وان ليس يعتبر (٢)

وكقول الآخر :

٦٧٢ ـ إن امرءا غير منفكّ معين حجا

على هوى فاتح للمجد أبوابا (٣)

والمنفي بقلّ نحو قلما يزال عبد الله يذكرك لأن قلما يزال بمعنى ما يزال.

وقال الشاعر :

٦٧٣ ـ قلّما يبرح اللّبيب إلى ما

يورث المجد داعيا أو مجيبا (٤)

__________________

(١) البيت من بحر الخفيف لم تذكر مراجعه قائله. ومعناه : أن كل صاحب عفة وإقلال وقناعة سيعيش عزيز النفس كريما غنيّا.

الإعراب : ليس : فعل ماض دال على النفي وهو هنا مهمل حملا على ما النافية ويحتمل أن يكون عاملا واسمه ضمير الشأن أو اسمه كل مؤخر وخبره فيهما جملة ينفك.

ينفكّ : من أخوات كان. ذا غنى : ذا خبر ينفك مقدم على اسمها منصوب بالألف وغنى مضاف إليه.

كل : اسم ينفك مرفوع ويحتمل أن يكون اسم ليس. مقلّ قنوع : أحسن الآراء فيهما بعد اجتهاد أن يرفعا على الوصفية لكل. والشاهد في البيت قوله : «ليس ينفكّ» ؛ حيث عملت ينفك عمل كان لاعتمادها على النفي وأداة النفي هنا ليس وهي فعل. والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٣٤) وفي التذييل والتكميل (٤ / ١١٩) وفي معجم الشواهد (ص ٢٣٤).

(٢) البيت من مجزوء المديد وقائله مجهول ومعناه : كل أسير لهواه لا يفكر بعقله سيظل بطيئا متأخرا. والشاهد في البيت قوله : «غير منفك أسير هوى كل وان» ؛ حيث أعمل اسم الفاعل من انفك عمل كان وقد سبقه نفي بالاسم وهو غير. وانظر البيت في التذييل والتكميل (٤ / ١١٩). وفي معجم الشواهد (ص ١٦٠).

(٣) البيت من بحر البسيط قائله غير معروف. ومعناه : كل امرئ لا يتبع هواه أبدا وإنما يفكر بعقله فإنه يفكر صحيحا ويفعل سليما ولا بد أنه سيصل في يوم ما إلى المجد. والشاهد فيه كالبيت السابق. والبيت ليس في شرح التسهيل لابن مالك ، ولا في معجم الشواهد ولا في التذييل والتكميل.

(٤) البيت من بحر الخفيف لم تذكر مراجعه قائله ولا عثرت عليه. ومعناه : أن العاقل الحكيم دائما يبحث عن المجد ويحققه لنفسه أو يدعو الناس إليه.

والشاهد فيه قوله : «قلّما يبرح اللّبيب» ؛ حيث أعمل يبرح عمل كان وقد تقدم عليه فعل دالّ على النفي وهو قلما. وإنما كان فيه معنى النفي ؛ لأن قلما خلع منه معنى التقليل وصير بمعنى ما النافية.

٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ودخل تحت «منفية» قول العرب : «لا ينشأ أحد ببلد فيزال يذكره» لأن معناه إذا أنشأ أحد ببلد لا يزال يذكره. ذكر ذلك كله الفراء في كتاب الحدود (١) ومن أمثلته : ما يعترينا أحد فنزال نعينه ، وقال : ألا ترى أن المعنى إذا اعترانا أحد لم نزل نعينه.

وقيدت زال بكون مضارعها يزال احترازا من زال بمعنى تحول فمضارعه يزول وهو فعل لازم واحترازا من زال الشيء بمعنى عزله فمضارعه يزيل.

وقيدت وني ورام الملحقين بهن بمرادفتهما لهن احترازا من ونى بمعنى فتر ومن رام بمعنى حاول وبمعنى تحول ومضارعها التي بمعنى حاول يروم ومضارع التي بمعنى تحول يريم وهكذا مضارع المرادفة زال.

وهي ووني بمعنى زال غريبتان ولا يكاد النحويون يعرفونها إلا من عني باستقراء الغريب (٢).

ومن شواهد استعمالهما قول الشاعر :

٦٧٤ ـ لا يني الخبّ شيمة الخبّ ما دا

م فلا تحسبنّه ذا ارعواء (٣)

__________________

والبيت في معجم الشواهد (ص ٣٢).

(١) هو من الكتب المفقودة للفراء وقيل في سبب تأليفه : أنّ الفراء عند ما اتصل بالخليفة العباسي المأمون ليؤدب بنيه اقترح عليه الخليفة أن يؤلف كتابا يجمع أصول النحو وأنه هيأ له دارا خاصة ، فيها وسائل النعيم كاملة فعكف الفراء على تأليف هذا الكتاب للمأمون وأخرجه بعد سنتين (نشأة النحو : ص ١٠٢).

وفي بغية الوعاة (٢ / ٣٣٣) أن كتاب الحدود ـ وهو للفراء ـ مشتمل على ستة وأربعين حدّا في الإعراب.

وذكره أبو حيان بالإفراد : كتاب الحد. التذييل والتكميل (١٤ / ١٢١). وفي نسخة (ب) : ذكر ذلك كله الفراء في كتاب الجد بالجيم وفي نسخة (أ) : كتاب الحدوث وكلاهما خطأ.

(٢) انظر لسان العرب (ريم) فقد جاء فيه المعنى الذي ذكره ابن مالك قال ابن منظور : الريم : البراح والفعل رام يريم ، يقال ما يريم يفعل كذا أي ما يبرح ، وأما مادة ونى فلم تأت بالمعنى المذكور وانظر اللسان والقاموس (ونى).

(٣) البيت من بحر الخفيف مجهول القائل.

اللغة : الخبّ ، بكسر الخاء : الخداع والخبث. شيمة : طبيعة وصفة. الخبّ : بفتح الخاء الخداع الخبيث وهو صفة مشبهة من خببت فأنت خب بفتح الخاء وكسرها (القاموس : خبب). ذا ارعواء : صاحب انتهاء وخوف. والمعنى : لا يزال الخداع شيمة المخادع أبدا ولا ينتهي عنه.

٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال الآخر في إعمال يريم العمل المشار إليه :

٦٧٥ ـ إذا رمت ممن لا يريم متيّما

سلوّا فقد أبعدت في رومك المرمى (١)

وأشرت بقولي فيها وفي أخواتها : منفية بثابت النّفي إلى أن نحو : ألست تزال تفعل وألم تزل تفعل لا يجوز إن قصد بالهمزة التقرير لأن التقرير إثبات ويجوز إن أريد مجرد الاستفهام عن النفي.

وأشرت بقولي : مذكور غالبا إلى أن نافيها قد يحذف ؛ كقوله تعالى : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ)(٢) أي لا تفتأ تذكر يوسف.

ومن حذف نافيها قول الشاعر :

٦٧٦ ـ تنفكّ تسمع ما حيي

ت بهالك حتّى تكونه (٣)

أي لا تنفك.

ومنه قول امرأة من العرب :

٦٧٧ ـ تزال حبالي مبرمات أعدّها

لها ما مشى يوما على خفّه الجمل (٤)

__________________

الشاهد فيه قوله : لا يني الخب شيمة الخب حيث استعمل لا يني استعمال لا يزال في المعنى والعمل.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٣٤) وهو في التذييل والتكميل (٤ / ١٢٥). وفي معجم الشواهد (ص ٢٥).

(١) البيت من بحر الطويل وهو في النصح. ومعناه : إذا طلبت من العاشق نسيان معشوقه ، والسلو عنه فقد طلبت مستحيلا وأردت بعيدا. والشاهد في البيت : استعمال لا يريم بمعنى لا يزال في المعنى والعمل. وانظر تعليق الشارح على هذا البيت والبيت الذي قبله مرة أخرى.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٣٤) وهو في التذييل والتكميل (٤ / ١٢٥) وفي معجم الشواهد (ص ٢٥).

(٢) سورة يوسف : ٨٥.

(٣) البيت من الكامل المجزوء وهو لشاعر يدعى خليفة بن براز. وذكرت مراجعه بيتا آخر بعده وهو :

والمرء قد يرجو الحيا

ة مؤمّلا والموت دونة

ومعنى البيتين : أن الإنسان يظل طوال حياته يسمع : مات فلان وهلك فلان حتى يكون هو الميت الهالك ، وهو يرجو الحياة دائما ، ولكن الموت يحول بينه وبين البقاء.

والشاهد في البيت هنا قوله : تنفكّ تسمع ما حييت حيث استعمل الشاعر تنفك دون نفي لفظي ولكنه قدره وأصله لا تنفك. والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٣٥) وفي التذييل والتكميل (٤ / ١١٩) وفي معجم الشواهد (ص ٣٨٩).

(٤) البيت من بحر الطويل وهو لليلى امرأة سالم بن قحفان كما ذكرت ذلك مراجعه (شرح المفصل :٧ / ١٠٩ حاشية).

٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أي لا تزال.

وأشرت أيضا بقولي : متّصل ، إلى أن النافي قد يوجد منفصلا كقول الشاعر :

٦٧٨ ـ ما خلتني زلت بعدكم ضمنا

أشكو إليكم حموّة الألم (١)

أراد خلتني ما زلت بعدكم.

وخلت هنا بمعنى أيقنت وهو أيضا غريب.

ومن الفصل بين النافي والمنفي في هذا الباب قول الآخر [٢ / ٥] :

٦٧٩ ـ ولا أراها تزال ظالمة

تحدث لي قرحة وتنكؤها (٢)

__________________

والبيت ثاني أبيات ثلاثة قالتها عند ما لامت زوجها على كرمه حين قال لها : «عليّ إعطاء الجمال وعليك إعداد الحبال لها» ثمّ ثابت إلى رشدها ووافقته على الكرم إلى أن خلعت خمارها وجعلته حبلا لبعضها وقالت :

حلفت يمينا يابن قحفان بالّذي

تكفّل بالأرزاق في السّهل والجبل

تزال حبالي مبرمات أعدّها

 ......

إلخ وبعده :

فأعط ولا تبخل إذا جاء سائل

فعندي لها عقل وقد زالت العلل

وقد روي البيت بتنكير حبالي وجعل مبرمات صفة لها وجملة أعدها هي الخبر وجاءت في المخطوطة بالإضافة إلى ياء المتكلم وعليه فمبرمات هي الخبر وجملة أعدها حال.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٣٥) وفي التذييل والتكميل (٤ / ١٢٠) وفي معجم الشواهد (ص ٢٥٩).

(١) البيت من بحر المنسرح لشاعر مجهول وهو من المعقدات حيث كثرت فيه الاعتراضات والفواصل.

اللغة : خلت : بمعنى أيقنت وهو شاهد آخر غير شاهدنا (التصريح : ١ / ٢٤٩) وقد ذكره شارحنا.

الضّمن : في اللسان (مادة ضمن) : الضمن : الذي به ضمان (مرض) في جسده من زمانة أو بلاء أو كسر أو غيره تقول منه : رجل ضمن.

قال الشاعر : ... ثم أنشد بيت الشاهد. حموّة الألم : بضم الحاء والميم وتشديد الواو أي شدته.

إعراب البيت : ضمنا : مفعول ثان لخلتني وبعدكم متعلق به وأشكو خبر زلت.

وشاهده : الفصل بين ما وزلت بفعل ناسخ ولكنهما متصلان تقديرا وتقدير البيت بعد هذا :خلت نفسي ضمنا بعدكم ما زلت أشكو شدة الألم.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٣٥) وفي التذييل والتكميل (٤ / ١٢١) وفي معجم الشواهد (ص ٣٧٧).

(٢) البيت من بحر المنسرح قاله إبراهيم بن هرمة من قصيدة همزية هذا مطلعها :

إنّ سليمى والله يكلؤها

ضنّت بشيء ما كان يزرؤها

أي ينقصها. وقيل : إن سبب إنشائه لها أنه قيل له : إن قريشا لا تهمز.

فقال : لأقولن قصيدة أهمزها كلها بلسان قريش. وانظر القصيدة في ديوان إبراهيم بن هرمة (ص ٤٨).

١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

أراد : وأراها لا تزال.

قال الفراء في كتاب الحدود : يجوز أن يقوّم نفي زال على ظنّ وأخواتها ، فيقال : لا أظنك تزال تقول ذلك.

قال : وكذلك ما أظنك تبالي بشدة معناه أظنك ما تبالي.

قلت : فالنفي المفصول بـ «ظنّ» وإحدى أخواتها متصل تقديرا وكذا المفصول بما الفعل ومعمولاه خبر كقولك : ما عبد الله زال محسنا ؛ لأن المعنى : عبد الله ما زال محسنا فالنفي متصل بزال تقديرا.

وكذا المنفصل بقسم كقوله :

٦٨٠ ـ فلا وأبي دهماء زالت عزيزة

على أهلها ما فتّل الزّند قادح (١)

__________________

وانظرها أيضا أو جزءا كبيرا منها في شرح شواهد المغني للسيوطي (٢ / ٨٢٦).

اللغة : القرحة : الجرح وروي مكانها : نكبة. تنكؤها : في القاموس (نكأ) نكأ القرحة قشرها قبل أن تبرأ فنديت.

والمعنى : أن حبيبته المذكورة لا تعطيه ما يريد بل تزيد في هجرانها وتشتد في جفائها وقد تعطي وعدا ولكنها لا تفي به.

وشاهده : الفصل بين لا النافية وتزال أخت كان في قوله : ولا أراها تزال ، وقيل : لا فصل ، وإنما هناك لا مقدرة قبل الفعل ولا الأولى زائدة.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٣٥). وفي التذييل والتكميل (٤ / ١٢١) وفي معجم الشواهد (ص ٢٢).

(١) البيت من بحر الطويل وهو لتميم بن أبي بن مقبل في الغزل.

اللغة : دهماء : اسم معشوقة الشاعر التي يتغزل فيها. فتّل الزّند : أداره بكفه ليشتعل فيه النار والقادح هو من يفعل ذلك.

والشاعر يقسم بأبي دهماء أن دهماء فتاة عزيزة في أهلها دائما.

والشاهد فيه قوله : «فلا وأبي دهماء زالت» حيث فصل بين لا النافية وزال بقسم ولكنه متصل تقديرا لأن الفصل بالقسم كلا فصل.

وروي البيت «لعمر أبي دهماء زالت» وعليه يكون النفي مقدرا قبل زال فيكون كقوله تعالى : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ)[يوسف : ٨٥] إلا أن الحذف في الآية مقيس لكون الناسخ مضارعا.

والبيت في التذييل والتكميل (٤ / ١٢١ ، ٢٩٠) وفي معجم الشواهد (ص ٨٤).

ترجمة الشاعر : هو تميم بن أبي بن مقبل أبو كعب من بني العجلان شاعر جاهلي أدرك الإسلام فهو من المخضرمين وكان يبكي أهل الجاهلية عاش مائة سنة وتوفي سنة (٣٧ ه‍) وقد رثى عثمان بن عفان.

(ترجمته في الأعلام : ٢ / ٧١).

١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وأشرت بقولي : أو مطلق النّفي إلى وقوعها مع نهي أو دعاء : فالنهي كقول الشاعر :

٦٨١ ـ صاح شمّر ولا تزل ذاكر المو

ت فنسيانه ضلال مبين (١)

والدعاء كقول الآخر :

٦٨٢ ـ ألا يا اسلمي يا دارميّ على البلا

ولا زال منهلّا بجزعائك القطر (٢)

وأنشد الفراء (٣) :

٦٨٣ ـ لن يزالوا كذالكم ثمّ لا زل

ت لهم خالدا خلود الجبال (٤)

 ... هذا آخر كلام المصنف رحمه‌الله تعالى (٥). ـ

__________________

(١) البيت من بحر الخفيف وهو في الوعظ وصاحبه مجهول.

اللغة : شمّر : من التشمير وهو الجد والاجتهاد في الأمور. ومعنى البيت وإعرابه واضحان.

والشاهد فيه قوله : «ولا تزل» ؛ حيث اقترنت تزل ـ وهي أخت كان ـ بلا الناهية والنهي أخ للنفي.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٣٤) وفي التذييل والتكميل (٤ / ١٢٢) ومعجم الشواهد (ص ٣٩٠).

(٢) البيت من بحر الطويل مطلع قصيدة طويلة لذي الرمة في الغزل وهي في ديوانه (ص ٤٠٦).

اللغة : ألا يا اسلمي : دعاء للدار وأصله يا هذه اسلمي. ميّ : اسم معشوقته. البلى : مصدر بلي الثوب ونحوه. منهلّا : منسكبا منصبّا. بجزعائك : الجرعاء رملة مستوية لا تنبت شيئا. القطر : المطر.

وللنحاة في هذا البيت شاهدان : أولهما : حذف المنادى قبل الدعاء ، وتقديره : ألا يا هذه اسلمى ، والثاني : اقتران زال بلا الدالة على الدعاء وهو المقصود هنا.

والبيت في شرح التسهيل (٣ / ٣٨٩) ، (٤ / ١٤) وفي التذييل والتكميل (٤ / ١٢٢ ، ١٢٤) وفي معجم الشواهد (ص ١٥٠).

(٣) بعد قوله : وأنشد الفراء إلى قوله : هذا آخر كلام المصنف (البيت) يوجد بياض قدر ثلاثة أسطر في نسخ المخطوطة كلها كذا في شرح التسهيل لابن مالك ، وقد نقلت البيت الذي أنشده الفراء من التذييل والتكميل (٤ / ١٢٢) بعد أن وجدته فيه.

(٤) البيت من بحر الخفيف من قصيدة طويلة للأعشى يمدح بها الأسود بن المنذر بن امرئ القيس بن النعمان أولها :

ما بكاء الكبير بالأطلال

وسؤالي وما تردّ سؤالي

وقد استشهد النحاة بكثير من أبياتها وبيت الشاهد آخرها. وانظر القصيدة في ديوان الأعشى (ص ١٦٣).

والشاهد في البيت قوله : «ثم لا زلت لهم» حيث أعمل زال عمل كان مع اقترانها بلا التي للدعاء.

والبيت ساقط من شرح التسهيل لابن مالك وهو في التذييل والتكميل (٤ / ١٢٢) وفي معجم الشواهد (ص ٣٢٣).

(٥) انظر شرح التسهيل (١ / ٣٣٥).

١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ونحن بعد هذا نشير إلى أمور :

الأول (١) : ذكر المصنف من الأفعال المنسوبة إلى هذا الباب خمسة عشر فعلا وسيذكر عشرة أفعال أخر معناها معنى صار فيكون المجموع خمسا وعشرين كلمة.

وبقيت أفعال أخر فيها خلاف.

منهم من ألحقها بأفعال هذا الباب ومنهم من لم يلحقها وهو اختيار المصنف وسنذكر ذلك كله بعد إن شاء الله تعالى.

إلا أن وني منهم من لم يجعلها من أفعال الباب.

قال ابن عصفور : «وزاد بعض البغداديين في هذا الباب ما وني لأنّ معناها معنى ما زال وهذا لا يلزم لأنّ الفعل قد يكون بمعنى فعل آخر ولا يكون حكمه كحكمه.

ألا ترى أن ظلّ زيد قائما معناه : أقام زيد قائما النّهار كلّه ولم تجعل العرب لأقام اسما ولا خبرا كما فعلت ذلك في ظلّ ويدل أيضا على أنها ليست من أفعال هذا الباب التزام تنكير الخبر فدلّ على أنه منتصب على الحال» انتهى (٢).

والبيت الذي أنشده المصنف وهو :

٦٨٤ ـ لا يني الخب شيمة الخب ...

فيه تعريف الخبر لكن الشيخ قال : «الّذي يظهر أن شيمة الخبّ منصوب على إسقاط حرف الجرّ لا على أنّه خبر ، التقدير لا يني الخبّ شيمة الخبّ وطبيعته أي لا يفتر عن التّحلّي بها» انتهى (٣).

فجعلها الشيخ فعلا تامّا ولهذا فسرها بلا يفتر ومعنى البيت ينبو عن تخريج الشيخ فالظاهر ما قاله المصنف (٤). ـ

__________________

(١) كلمات الأول والثاني والثالث : لا توجد في نسخة الأصل.

(٢) انظر شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٣٦٠) باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر بتحقيق فواز الشغار ومراجعة إميل يعقوب.

(٣) التذييل والتكميل (٤ / ١٢٦) وبقية كلامه يقول : ألا ترى أن شيمة الخب لا ينعقد منه والمرفوع قبله مبتدأ وخبر.

(٤) قال محقق التذييل والتكميل (د / سيد تقي) (٢ / ٢٨٨) موضحا ذلك ناصرا ابن مالك على أبي حيان : «بنى الشيخ كلامه على أن الخب الأولى في البيت بفتح الخاء ومعناها المخادع وأن الثانية بكسر الخاء ومعناها الخداع والخبث فيكون المعنى لا يفتر المخادع عن شيمة الخداع ، وعلى هذا التقدير لا ينعقد

١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم إن الشيخ كأنه لا يرى عد رام من أفعال هذا الباب أيضا فإنه قال : وأما ما استدل به يعني المصنف على أن رام ناقصة من قول الشاعر :

٦٨٥ ـ إذا رمت ممّن لا يريم متيّما

 ... البيت

فلا حجة فيه لتنكير متيما واحتمال أن يكون حالا (١).

[٢ / ٦] الأمر الثاني : أن الكلمات المذكورة في هذا الباب مما نسب إليه العمل المذكور أفعال بلا خلاف إلا ليس فإن فيها خلافا ؛ منهم من قال بحرفيتها مستدلّا على ذلك بأنها لا مصدر لها ولا تتصرف وأنها ليست على وزن الأفعال ولا دليل لهم في ذلك فإن كثيرا من الأفعال لا يتصرف ، وقد وجد منها ما لا مصدر له كفعل التعجب.

وأما كونها ليست على وزن الفعل فالجواب عنه أنها مخففة وأن الأصل فعل كصيد وفعل مخفف كما عرفت في موضعه ولكنهم التزموا هذا التخفيف فيها لنقل الكسرة في الياء.

والدليل على فعليتها اتصال ضمائر الرفع البارزة بها واتصال تاء التأنيث أيضا (٢).

الأمر الثالث : أن أفعال هذا الباب منها ما لازمه النقص وهو قليل.

وأكثرها قد يستعمل تامّا وحينئذ يصير حكمها في العمل حكم ما هي بمعناه.

وسيذكر المصنف معاني كل فعل إذا أريد به التمام (٣).

أما معانيها حال استعمالها ناقصة : فلم يتعرض إلى ذكره المصنف ولكن النحاة تعرضوا لذلك وها أنا أذكر ما ذكروه لتتبين دلالة كل منها : ـ

__________________

من مرفوع يني ، ومن شيمة الخب كلام لا يقال المخادع شيمة المخادع ، ولكن المصنف بنى استدلاله على أن الخب الأولى بكسر الخاء والثانية بفتحها فيكون المعنى : لا يزال الخداع والخبث شيمة المخادع فيستقيم استدلاله ولا يتوجه ما قاله الشيخ».

(١) التذييل والتكميل (٤ / ١٢٦) وبقية كلامه يقول : وهو أظهر إذ رام لم يستقر فيها أن تكون ناقصة في غير هذا البيت المتنازع فيه فيحمل هذا البيت عليه بل الثابت من لسان العرب أنها تامة كما قال (من الوافر).

لمن طلل براقة لا يريم

عفا وخلاله حقب قديم

وأقول : إن الظاهر في معنى لا يريم أي لا يبرح فتكون ناقصة. ومعنى البيت إذا أردت سلوا ممن لا يبرح متيما فقد طلبت محالا وقد سبق أن نقلنا نصّا عن لسان العرب : أن معنى ما يريم يفعل كذا أي ما يبرح والريم معناه البراح.

(٢) انظر في تعليل فعلية ليس بالتفصيل : المقتضب (٤ / ٨٧).

(٣) سبق شرحه.

١٤

[المبتدآت والأخبار التي لا تدخل عليها]

قال ابن مالك : (وكلّها تدخل على المبتدأ إن لم يخبر عنه بجملة طلبيّة ولم يلزم التّصدير أو الحذف أو عدم التّصرّف أو الابتدائية لنفسه أو مصحوب لفظيّ أو معنويّ وندر : وكوني بالمكارم ذكّريني).

______________________________________________________

أما كان : فتغير الدلالة على اقتران مضمون الجملة بالزمان (الماضي) (١) هذا إن لم تكن بمعنى صار وإن كانت بمعنى صار فتفيد ما تفيده صار وسيأتي (٢).

وأما أصبح وأمسى وأضحى : فهي للدلالة على اقتران مضمون الجملة بالزمان الذي يشاركها في الحروف وإن كانت بمعنى صار فمعناها معناها.

وأما ظل : فللدلالة على مصاحبة الصفة للموصوف نهاره كما أن بات لمصاحبته إياه ليله وإن كانت بمعنى صار فمعناهما معناها.

وأما صار : فللدلالة على تحول الموصوف عن صفته التي كان عليها إلى صفة أخرى.

وأما ليس : فلانتفاء الصفة عن الموصوف.

وأما ما دام : فللدلالة على مقارنة الصفة للموصوف في الحال.

وأما ما زال وأخواتها : فللدلالة على ملازمة الصفة للموصوف مذ كان قابلا لها على حسب ما قبله.

وقد قال المصنف : إن معناها الإعلام بلزوم مضمون الجملة في المضي أو في الاستقبال (٣).

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٤) : «جرت عادة النحويين بإطلاق القول في كون هذه الأفعال تدخل على المبتدأ فلا يبينون امتناع بعض المبتدآت من دخولها عليها وقد تعرض لذلك بعضهم دون حصر وقد بينت ما أغفلوه من ذلك فإن الحاجة داعية إلى معرفته.

فمن ذلك المبتدأ المخبر عنه بجملة طلبية نحو زيد اضربه وعمرو لا تصحبه وبشر ـ

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة من عندنا يتطلبها المقام غير موجودة في النسخ.

(٢) سبق شرحه.

(٣) شرح التسهيل (١ / ٣٣٣).

(٤) شرح التسهيل (١ / ٣٣٥).

١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

هل أتاك لا تدخل عليه هذه الأفعال ولا غيرها من العوامل اللفظية وقول من قال :

٦٨٦ ـ وكوني بالمكارم ذكّريني

[ودلّي دلّ ما جدة صناع](١)

نادر لأن الخبر فيه جملة طلبية.

ومن المبتدآت التي لا تدخل عليه هذه الأفعال : كل مبتدأ تضمن معنى الاستفهام أو الشرط فللمستحق لذلك أن يكون مصدرا نحو أي القوم أفضل وأيهم يأتي فله حق وكذا المبتدأ [٢ / ٧] المضاف إلى ما تضمن ذلك.

ومما يجب تصديره فيمتنع دخول هذه الأفعال عليه : المقرون بلام الابتداء لأن لها صدر الكلام فلا يعمل فيما اقترنت به غير الابتداء.

ومما لا يدخل عليه هذه الأفعال : ما لزم حذفه كالمبتدأ المنوي قبل النعت المقطوع كقولك الحمد لله الحميد بالرفع وقد تقدم الإعلام بما يحذف من المبتدآت على سبيل اللزوم.

ومما لا تدخل عليه هذه الأفعال : ما لا يتصرف نحو : طوبى للمؤمن وسلام عليك وويل للكافر ، وما لزم الابتدائية لنفسه نحو : قولك : أن تفعل أقاموه مقام ينبغي لك أن تفعل فلم تدخل الأفعال عليه كما لا تدخل على ما أقيم مقامه وكذا قولهم أقل رجل يقول ذلك إلا زيد أقاموه مقام ما يقول ذلك الرجل إلا زيد فعاملوه معاملته في امتناع دخول الفعل عليه ومجيء إلا بعده. ومما لزم الابتدائية لمصحوب لفظي المبتدأ الواقع بعد لو لا الامتناعية والواقع بعد إذا المفاجأة.

ومما لزم الابتدائية لمصحوب معنوي : ما التعجبية وما بعد لله في التعجب نحو لله درك.

ومن اللازم الابتدائية لمصحوب معنوي : ما جرى مثلا نحو قولهم الكلاب على ـ

__________________

(١) البيت من بحر الوافر وهو لبعض بني نهشل كما في مراجعه. وقد سبق الاستشهاد به عند الحديث عن خروج الجمل الطلبية إلى الخبرية.

وشاهده هنا : وقوع الجملة الطلبية خبرا لكان وهو نادر.

والبيت رواه أبو حيان كما أثبتناه في المخطوطة بترتيبه وقافيته وذكر أن قبله بيتا آخر وهو قوله :

ألا يا أمّ فارع لا تلومي

على شيء رفعت به سماعي

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٣٦) وفي التذييل والتكميل (٤ / ١٣٠). وفي معجم الشواهد (ص ٢٣٢).

١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

البقر (١) والعاشية تهيج الآبية (٢) والإيناس قبل الإبساس (٣) فهذه وأمثالها من المبتدآت التي وردت أمثالا لا تفارقها الابتدائية لأن الأمثال لا تغير» انتهى (٤).

وقد نوقش (٥) في تمثيله بقولهم : نولك أن تفعل لما لزم الابتدائية فقيل إنه لم يلزمها وقد استعمل اسما لكان.

قال النابغة :

٦٨٧ ـ فلم يك نولكم أن تشقذوني

ودوني عازب وبلاد حجر (٦)

وأنشد الزمخشري في كتاب أساس البلاغة (٧) :

٦٨٨ ـ أأن حنّ أجمال وفارق جيرة

عنيت بنا ما كان نولك تفعل (٨)

يريد أن تفعل فحذف أن وارتفع الفعل.

ونص ابن هشام على جواز دخول كان على نولك ، قال : فيقال : ما كان نولك ـ

__________________

(١) مثل من أمثال العرب يضرب عند تحريش بعض القوم على بعض من غير مبالاة يعني لا ضرر عليك فخلهم. ونصب الكلاب على معنى أرسل الكلاب. (وانظر المثل في مجمع الأمثال ٣ / ٢٢).

(٢) مثل من أمثال العرب (مجمع الأمثال : ٢ / ٣٢٩) والعاشية من عشوت بمعنى تعشيت والآبية الممتنعة عن تناول الطعام وغيره. وأصله أن رجلا سأل ولده : هل عشيت الإبل فقال الولد : إنّها أبت العشاء ، فقال الأب : «العاشية تهيج الآبية» فذهب قوله مثلا.

وكنت أقرؤها الغاشية (بالغين المعجمة بمعنى المغشية) تهيج الآبية بمعنى أن الممتنعة عن طرق الفحل إياها إذا رأت الأخرى التي يطرقها حنت ورضيت.

(٣) مثل من أمثال العرب (مجمع الأمثال : ١ / ٣٧٦).

الإيناس : مصدر آنسه أوقعه في الأنس وهو نقيض أوحشه.

الإبساس : الرفق بالناقة عند الحلب وهو أن يقول لها : بس بس قال الشاعر :

ولقد رفقت فما رجعت بطائل

لا ينفع الإبساس بالإيناس

والمثل يضرب في المداراة عن الطلب.

(٤) شرح التسهيل (١ / ٣٣٧) وهو بنصه.

(٥) الذي ناقشه هو أبو حيان. وانظر التذييل والتكميل (٢ / ١٢٨).

(٦) البيت من بحر الوافر قائله النابغة الذبياني من مقطوعة قصيرة له يرد بها على قوم رووا شعرا له في هجائه وبيت الشاهد رابعها وآخرها. وانظر المقطوعة في ديوان النابغة (ص ٧٦).

(٧) انظر (ص ٩٩٦) من الكتاب المذكور طبعة كتاب الشعب مادة (نول).

(٨) البيت من بحر الطويل أنشده الزمخشري في كتابه أساس البلاغة (مادة نول : ص ٩٩٦) ولم ينسبه ، وهو في العتاب بين الأحباب.

واستشهد به هنا على ما في البيت السابق من عدم لزوم لفظ النول الابتدائية بل يجوز عمل النواسخ فيه.

١٧

[عملها في الجملة الاسمية]

قال ابن مالك : (فترفعه ويسمّى اسما وفاعلا وتنصب خبره ويسمّى خبرا ومفعولا ويجوز تعدّده خلافا لابن درستويه).

______________________________________________________

أن تفعل أي ما كان الواجب أن تفعل (١).

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٢) : الشائع في عرف النحويين التعبير عن مرفوع هذا الباب ومنصوبه باسم وخبر وعبر سيبويه عنهما باسم الفاعل واسم المفعول فقال قاصدا هذا الباب (٣) : هذا باب الفعل الذي يتعدى اسم الفاعل إلى اسم المفعول والمفعول فيه لشيء واحد. وكذا فعل المبرد فإنه ذكر هذه الأفعال في بابها ثم قال (٤) : وهذه الأفعال صحيحة كضرب ولكننا أفردنا لها بابا إذ كان فاعلها ومفعولها يرجعان إلى معنى واحد (٥). فأي التعبيرين استعمل النحوي أصاب لكن الاستعمال الأشهر أولى.

وإذا دخل شيء من هذه الأفعال على خبر متعدد نصب الجميع كما ينصب الخبر الذي لم يتعدد فيقال في هذا حلو [٢ / ٨] حامض كان هذا حلوا حامضا وذلك أن ارتفاع الخبرين فصاعدا أثبت فعامل كان وأخواتها أقوى منه ولذلك انتسخ عمله بعملها فكما جاز للعامل الأضعف أن يعمل في خبرين فصاعدا كذلك يجوز للعامل ـ

__________________

والبيت في التذييل والتكميل (٤ / ١٢٨) وليس في معجم الشواهد.

(١) انظر التذييل والتكميل (٤ / ١٢٨) وانظر هناك إعرابين لهذا المثال رآهما أبو حيان وملخصهما : (مع رفع نولك) يكون اسما لكان وأن تفعل هو الخبر ومعناه ما كان الواجب أن تفعل كما يجوز أن يكون اسم كان ضمير الشأن ونولك أن تفعل جملة الخبر المفسرة لضمير الشأن. و (مع نصب نولك) يكون خبرا مقدما لكان وأن تفعل هو الاسم.

(٢) شرح التسهيل (١ / ٣٣٧) وهو بنصه.

(٣) نصه في كتاب سيبويه (١ / ٤٥).

(٤) انظر نص عبارته في المقتضب (٤ / ٨٦) يقول :«هذا باب الفعل المتعدّي إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد ، وذلك الفعل كان وصار وأصبح وأمسى وظل وبات وأضحى ومادام ومازال وليس وما كان في معنا هنّ».

«وهذه أفعال صحيحة كضرب ...» إلخ.

(٥) هذا آخر كلام المبرد وما بعده لابن مالك.

١٨

[ما تختص به دام وأفعال الاستمرار الماضية]

قال ابن مالك : (وتختصّ دام والمنفي بما بعدم الدّخول على ذي خبر مفرد طلبيّ) (١).

______________________________________________________

الأقوى بل هو بذلك أولى (٢).

وذهب ابن درستويه إلى منع تعدد الخبر في هذا الباب (٣) لأنه شبيه بمفعول ما يتعدى إلى مفعول واحد فكما لا يتعدى (٤) الفعل المتعدي إلى واحد إلى أكثر من واحد كذلك لا ينصب بأفعال هذه الباب الأخير واحد وهذا منع لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه (٥).

قال ناظر الجيش : لما أفهم قول المصنف المتقدم : وكلها تدخل على المبتدأ إن لم يخبر عنه بجملة طلبية أنه لا يمتنع دخولها على المبتدأ المخبر عنه بمفرد طلبي نحو أين كان زيد ومتى صار القتال وكيف كان لقاء عمرو ، وكان بعض هذه الأفعال لا يجوز فيه ذلك إما لذاته وإما لأجل شيء باشره ـ أشار بهذا الكلام إلى ما يمتنع فيه ذلك وهو ما دام وما ينفى بما من بقية أفعال الباب ، فلا يقال أين ما دام زيد ولا أين ما كان زيد ولا كيف ما أصبح عمرو ولا متى ما صار القتال والعلة في ذلك أن المفرد الطلبي إذا وقع خبرا وجب تقديمه وأنه ممتنع فيما ذكره.

أما في ما دام فلأن ما في حيز الصلة لا يتقدم على الموصول وأما في ما نفي بما ـ

__________________

(١) هذا المتن ساقط من شرح التسهيل لابن مالك المخطوط والمطبوع وبالتالي سقط الشرح أيضا ، وذلك مما يجعل قيمة لشرحنا.

وقد شرحه أبو حيان أيضا دون أن ينقل نصوصا عن ابن مالك.

(انظر التذييل والتكميل : ٤ / ١٣٢).

(٢) معناه أن الابتداء وهو عامل معنوي ضعيف يعمل الرفع في الخبر أو الأخبار (هو قول الأخفش والرماني وابن السراج وأبطله ابن مالك) فمن باب أولى أن يعمل العامل اللفظي الأقوى وهو كان وأخواتها عمله في المبتدأ والخبر بحالتيه : الإفراد والتعدد.

(٣) انظر رأي ابن درستويه في التذييل والتكميل (٤ / ١٣١) والهمع (١ / ١١٤).

قال أصحابهما : وممن منعه أيضا أبو الحسن بن أبي الربيع.

(٤) في نسخة الأصل : فكما لا يعدى وهما سواء في المقصود.

(٥) شرح التسهيل (١ / ٣٣٨).

١٩

[علة تسميتها أفعالا ناقصة]

قال ابن مالك : (وتسمّى نواقص لعدم اكتفائها بمرفوع لا لأنّها تدلّ على زمن دون حدث فالأصحّ دلالتها عليهما إلّا ليس).

______________________________________________________

فلأن ما النافية لها الصدر فيتدافع الأمر بينهما وبين المفرد الطلبي.

قال المصنف : «ولا يمتنع دخول غير دام ما لم ينف بما على ذي خبر مفرد طلبي نحو أين كان زيد وأين لم يزل زيد إذا أردت أنه في كل مكان وهذا ينبني على جواز تقديم الخبر.

وأما ما دام فلا يدخل على نحو : أين زيد ؛ لأن خبرهما صلة وكذا زال وأخواتها إذا نفيت بما لا إذا نفيت بغيرها لأن ما وحدها لها صدر الكلام» انتهى.

وحاصل الأمر : أن ما دام يمتنع دخولها على ما خبره مفرد طلبي. وأما غيرها فحكمه حكمها في ذلك إن نفيت بما وإن لم تنف بما بأن كانت غير منفية أو منفية بغير ما من أدوات النفي فلا يمتنع دخولها على المبتدأ الذي خبره كذلك نحو أين كان زيد وأين لم يكن زيد وأين لم يزل عمرو.

قال ناظر الجيش : قال المصنف (١) : «زعم جماعة منهم ابن جني (٢) وابن برهان (٣) والجرجاني (٤) أن كان وأخواتها تدل على زمن وقوع الخبر ولا تدل على ـ

__________________

(١) انظر شرح التسهيل (١ / ٣٣٨) وقد نقل فيه الشارح نصّا.

(٢) يقول في كتابه اللمع في العربية (ص ١١٩) : باب كان وأخواتها وهي كان وصار ... وما تصرف منهنّ وما كان في معناهنّ مما يدل على الزمان المجرّد من الحدث.

(٣) يقول في كتابه شرح اللمع (ص ٤٩) تحقيق د / فائز فارس (طبعة أولى ـ الكويت) «العرب جعلت من كان الدلالة على المصدر وألزمتها الخبر جبرا لكسرها ورتقا لفتقها فصار كان زيد قائما بمنزلة قام زيد وقام زيد وقع قيام زيد في الزّمان الماضي فمن كان يعلم الزمان فقط ومن خبرها يعلم المصدر ومن كان التامة يعلم المصدر والزمان جميعا كما يعلم ذلك من ضرب». ثم كرر هذا الكلام بأسلوب آخر في (ص ٥٠).

(٤) يقول في كتابه المقتصد في شرح الإيضاح (١ / ٣٩٨) :«وهي أفعال غير حقيقة ومعنى ذلك أنها سلبت الدلالة على الحدث وإنما تدلّ على الزمان فقط فإذا قلت كان زيد قائما كان بمنزلة قولك : قام زيد في أنّه يدل على قيام في زمان خاص فلما سلبت هذه الأفعال

٢٠