شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٣

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

صدرا أو لا يكون.

وقول المصنف : وإن جعل «متى» خبرا يشير به إلى أنه إن جعل «متى» خبرا وظنك مبتدأ رفعته ووجب إعماله فيقال : متى ظنك زيدا قائما ، قال الشيخ : لأنه إذ ذاك ليس بمصدر مؤكد ، ولا يدل من اللفظ بالفعل ، وإنما هو مقدر بحرف مصدري والفعل كما تقول : متى ضربك زيد (١) انتهى.

وكونه مقدرا بحرف مصدري والفعل إنما هو مسوغ لإعماله والمقصود ذكر علة موجبة لإعماله ، والظاهر أن الموجب للإعمال حينئذ إنما هو تقدمه على المعمولين ولا شك أن الإلغاء مع كون العامل متقدما على الجزأين لا يجوز ، وقد يقال : قد جوز المصنف إلغاء الفعل متقدما وإن كان جعله قبيحا فليكن حكم المصدر حكم الفعل.

وأما قول المصنف : وأجاز الأخفش والفراء إعمال المنصوب في الأمر والاستفهام فقد شرحه هو بأن قال : وأجاز الأخفش والفراء النصب والإعمال في الأمر والاستفهام ، لأنهما يطلبان الفعل نحو : ظنك زيدا منطلقا ومتى ظنك زيدا منطلقا ، بمعنى ظن ظنك زيدا منطلقا ، ومتى ظننت ظنك زيدا منطلقا (٢) انتهى.

وهذا الكلام في المتن والشرح يشعر بأن هذه المسألة من متعلقات ما تقدم أعني كون المصدر هنا مؤكدا للجملة لقوله : إنهما أجازا إعمال المنصوب وقد تقدم له ذكر منصوب ، ومرفوع ، وأن المرفوع يجب إعماله ، وأن المنصوب يجب إلغاؤه (٣).

ولا شك أن اللام في «المنصوب» للعهد فتعين أن يكون المراد ما قلناه ، وإذا كان كذلك أشكل الأمر ، لأن ظنّا في المثالين اللذين ذكرهما إنما هو مؤكد للعامل لا للجملة أيضا ولو كان مؤكدا للجملة ما جاز تقديمه عليها ، ولا يلزم من كونه صار بدلا من الفعل أن يكون مؤكدا للجملة ، لأن المؤكد الذي جعل بدلا من فعله قسمان : قسم مؤكد للعامل كما في : ضربا زيدا ، وقسم مؤكد لمضمون الجملة ـ

__________________

(١) التذييل (٢ / ١٠١٠).

(٢) شرح التسهيل لابن مالك (٢ / ٨٨).

(٣) في حاشية الصبان (٢ / ٢٨٥) تعليقا على قول ابن مالك في إعمال المصدر : «إنما يعمل في موضعين : الأول : أن يكون بدلا من اللفظ بفعله نحو ضربا زيدا ... إلخ. قوله : «بدلا من اللفظ بفعله» اختلف فيه ، فقيل : لا ينقاس عمله ، وقيل : ينقاس في الأمر والدعاء والاستفهام فقط وقيل :والإنشاء نحو حمدا لله ، والوعد نحو : «قالت : نعم وبلوغا بغية ومنى» والتوبيخ نحو : وفاقا بني الأهواء والغي والهوى. اه.

٤٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

كما في زيد ابني حقّا (١) [٢ / ١٩١] فإن قيل : ليس في كلام المصنف تصريح بأن المصدر المشار إليه في المثالين يؤكد جملة ، فليحمل على أنه المؤكد للعامل ، أجيب بأنه إذا كان الأمر كذلك فلا حاجة إلى تخصيص الأخفش والفراء بإجازة ذلك ، إذ غيرهما لا يمنعه.

ثم إن كلام المصنف في شرح الكافية يخالف ظاهره هذا الذي ذكره هنا فإنه بعد أن ذكر المصدر على ضربين : ضرب يقدر بالفعل وحرف مصدري ، وضرب يقدر بالفعل وحده ، وأن هذا هو الآتي بدلا من اللفظ بفعله ـ قال مشيرا إلى هذا الضرب الثاني (٢) : وأكثر وقوعه أمرا أو دعاء بعد الاستفهام ، فالأمر كقول الشاعر (٣) :

١١٤٢ ـ فندلا زريق المال ندل الثّعالب (٤)

والدعاء كقول الآخر :

١١٤٣ ـ يا قابل التّوب غفرانا مآثم قد

أسلفتها أنا منها خائف وجل (٥)

ومثله وقوعه بعد الاستفهام قول الشاعر : ـ

__________________

(١) ينظر : شرح الرضي على الكافية (١ / ١٢٣) ، وشرح الألفية للمرادي (٢ / ٨٤) ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ١٠٥).

(٢) شرح الكافية الشافية لابن مالك : (٢ / ١٠٢٤).

(٣) هو الأحوص وقيل : أعشى همدان وقيل جرير (معجم الشواهد ١ / ٥٥).

(٤) عجز بيت وصدره :

على حين ألهى النّاس جلّ أمورهم

والبيت من الطويل وهو في الكتاب (١ / ١١٦) ، والخصائص (١ / ١٢٠) ، وشرح الكافية (٢ / ٦٦٣ ، ١٠٢٥) ، والإنصاف (١ / ٢٩٣) ، والعيني (٣ / ٤٦ ، ٥٢٣) ، والتصريح (١ / ٣٣١) ، والأشموني (٢ / ١١٦ ، ٢٨٥) ، وشرح الألفية للمرادي (٢ / ٨٢) ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ١٠٥) ، وأوضح المسالك (١ / ١٧٠) ، واللسان (ندل). والشاهد في قوله : (فندلا زريق المال) حيث ناب ، قوله «ندلا» مناب فعله وهو مصدر وعامله محذوف وجوبا والتقدير اندل يا زريق ندلا ، وقد نصب المصدر هنا وهو قوله «ندلا» للمفعول به وهو المال.

(٥) البيت من البسيط لقائل مجهول وهو في الأشموني (٢ / ٢٨٥) ، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (٢ / ١٠٢٥).

والشاهد قوله : (غفرانا مآثم) حيث نصب قوله «مآثم» بالمصدر الواقع بدلا من اللفظ بفعله.

وهو للمرادي الأسدي أو الفقعس.

٤٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

١١٤٤ ـ أعلاقة أمّ الوليد بعد ما

 ... (١)

ثم (قال) (٢) عقب هذا الكلام بأن قال : وهو مطرد عند الأخفش والفراء في الخبر والطلب ، ومما مثل به الأخفش : ظنك زيدا منطلقا ، وسمع أذني أخاك تقول :ذاك وبصر عيني أخاك (٣) انتهى.

وأفهم كلامه هذا أن الخلاف بين الأخفش والفراء وبين غيرهما إنما هو في الإطراد ، لا في الوقوع ، وفي وقوعه في الخبر ، أما وقوعه في الطلب فلا ، وإذا كان كذلك أشكل قوله في التسهيل وأجاز الأخفش والفراء إعمال المنصوب في الأمر والاستفهام ، لأن هذا يوهم أن غيرهما لا يجيز الإعمال ، وقد تبين من كلامه في شرح الكافية أن الخلاف بينهما وبين غيرهما إنما هو في الاطراد.

وبعد فهذا الموضع مما أشكل على تحققه والشيخ لم يتعرض إلى شيء مما أشرت إليه غير أنه بعد نقله عبارة المصنف في الشرح قال : وهذا الذي حكاه المصنف عن الأخفش والفراء هو القياس فكم جاز ذلك في نحو ضربا زيدا أي اضرب زيدا وقوله :

١١٤٥ ـ أعلاقة أمّ الوليد ... (٤)

أي : أتعلق أم الوليد؟ جاز ذلك في باب «ظن» ، ثم قال : وقال صاحب الملخص (٥) : تقول : ظنّا زيدا منطلقا كما تقول : ضربا زيدا وتعمل ظنّا كما يعمل ظننت إذا تقدمت ، وكذلك لو وسطت ظنّا أو أخرته فالإعمال ولا يجوز الإلغاء لأنها في نية التقديم ، ولأن الأمر طالب بالفعل ومبني الكلام عليه ، فإن جئت بظنّا بعد ما بنيت الكلام على الإخبار بلا عمل لظن جاز ، كما تقول : زيد منطلق أظن هذا موجود أو تقول : أظنّا زيدا منطلقا ، ليس إلا الإعمال لتقدمها ، فإن توسطت ـ

__________________

(١) البيت من الكامل وهو في الكتاب (١ / ١١٦) ، (٢ / ١٣٩) ، والمقتضب (٢ / ٥٤) ، والأمالي الشجرية (٢ / ٢٤٢) ، وشرح المفصل لابن يعيش (٨ / ١٣١ ، ١٣٤) ، والتذييل (٢ / ١٠١٠) ، والمقرب (١ / ١٢٩) ، والخزانة (٤ / ٤٩٣) ، والمغني (١ / ٣١١) ، وشرح شواهده (٢ / ٧٢٢) ، وشرح الكافية الشافية (٢ / ١٠٢٦) ، والهمع (١ / ٢١٠) ، والدرر (١ / ١٧٦) ، وموصل الطلاب إلى قواعد الإعراب للأزهري (ص ٢٥١).

(٢) كذا بالأصل.

(٣) شرح الكافية الشافية لابن مالك (٢ / ١٠٢٦).

(٤) تقدم.

(٥) المقصود به ابن أبي الربيع فله كتاب في النحو يسمى الملخص (ينظر بغية الوعاة ٢ / ١٢٥) تحقيق محمد أبو الفضل.

٤٤٣

[التعليق وأحكامه في الأفعال القلبية في هذا الباب]

قال ابن مالك : (وتختصّ أيضا القلبيّة المتصرّفة بتعدّيها معنى لا لفظا إلى ذي استفهام ، أو مضاف إليه [٢ / ١٩٢] أو تالي لام الابتداء ، أو القسم أو «ما» أو «إن» النّافيتين أو «لا» ويسمّى تعليقا).

______________________________________________________

أو تأخرت جاز الإلغاء والإعمال ، كما يجوز في الخبر (١).

قال ناظر الجيش : قد تقدم أن التعليق عبارة عن إبطال العمل لفظا لا محلّا على سبيل الوجوب وأنه حكم مختص بالأفعال القلبية المتصرفة من أفعال هذا الباب ، وأنه قد يشاركها في ذلك أفعال أخر ، وتقدم أيضا ذكر السبب الموجب لاختصاصها بالتعليق.

قال المصنف (٢) : وسمي الإبطال على هذا الوجه تعليقا ، لأنه إبطال في اللفظ مع تعليق العامل بالمحل ، وتقدير إعماله فيه ، ويظهر ذلك في المعطوف نحو : علمت لزيد صديقك وغير ذلك من أمورك انتهى ، وكذا يجوز أن تقول : علمت لزيد منطلق وعمرا قائما نصبا على محل لزيد منطلق (٣) ، وقد فسر المصنف التعليق في متن الكتاب بقوله : بتعديها معنى لا لفظا ، وهو تفسير حسن ، قال المصنف : وسبب التعليق كون المعمول تالي الاستفهام أو مضمنا معناه أو مضافا إلى مضمنه ، أو تالي لام الابتداء أو القسم أو «لو» أو «ما» أو «إن» النافيتين أو «لا» نحو [قوله تعالى] : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ)(٤) ، (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ)(٥) ونحو : علمت غلام من أنت [وقوله تعالى] : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ)(٦) وكقول الشاعر : ـ

__________________

(١) التذييل والتكميل لأبي حيان (٢ / ١٠١٠ ـ ١٠١١).

(٢) شرح التسهيل لابن مالك (ج ٢ ص ٨٩).

(٣) في شرح الكافية للرضي (٢ / ٢٧٩): «الفرق بين التعليق والإلغاء مع أنهما بمعنى إبطال العمل : أن التعليق إبطال العمل لفظا لا معنى ، والإلغاء : إبطال العمل لفظا ومعنى ، فالجملة مع التعليق في تأويل المصدر مفعولا به للفعل المعلق كما كان كذلك قبل التعليق فلا منع من عطف جملة أخرى منصوبة الجزأين على الجملة المعلق عنها الفعل نحو : علمت لزيد قائم وبكرا فاضلا على ما قال ابن الخشاب وأما الإلغاء فالجملة معه ليست بتأويل المفرد فمعنى : زيد علمت قائم : زيد في ظني قائم ، فالجملة المغي عنها لا محل لها لأنه لا يقع مفرد موقعها والجملة المعلق عنها منصوبة المحل». اه. وينظر أوضح المسالك (١ / ١٢٢).

(٤) سورة الأنبياء : ١٠٩.

(٥) سورة طه : ٧١.

(٦) سورة البقرة : ١٠٢.

٤٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

١١٤٦ ـ ولقد علمت لتأتينّ منيّتي

إنّ المنايا لا تطيش سهامها (١)

وكقول الآخر :

١١٤٧ ـ وقد علم الأقوام لو أنّ حاتما

يريد ثراء المال أمسى له وفر (٢)

وكقوله تعالى : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ)(٣) وكقوله تعالى : (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً)(٤) ومن أمثلة ابن السراج : أحسب لا يقوم زيد (٥) انتهى (٦).

وعلم منه أن الموجب للتعليق إما نفس المعمول بأن يكون اسم استفهام أو مضافا إليه ، وإما أن يفصل بين العامل والمعمول أحد الأدوات التي ذكرها وهي : حرف استفهام «كالهمزة وهل» أو لام الابتداء أو القسم أو «لو» أو ما النافية ، أو إن «النافية ، أو «لا» فهي سبع أدوات منها الست التي ذكرها المصنف في متن الكتاب والتي ذكرها في الشرح وهي «لو».

وزاد الشيخ في الأدوات المعلقة «لعلّ» :

قال في شرح الألفية : ومما يظهر لي أنه من أسباب التعليق «لعل» وهو شيء أهمله ـ

__________________

(١) البيت من الكامل وهو للبيد بن عامر الجعفري وهو في الكتاب (٣ / ١١٠) ، والتذييل (٢ / ١٠١٤) ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ٧٨) ، وشرح المكودي (ص ٦٨) ، وشرح الألفية للمرادي (١ / ٣٨٣) ، وأوضح المسالك (١ / ١٢١) ، والخزانة (٤ / ١٣ ، ٣٣٢) ، والمغني (٢ / ٤٠١ ، ٤٠٧) ، وشرح شواهده (٢ / ٨٢٨) ، وشذور الذهب (ص ٤٣٨) ، والعيني (٢ / ٤٠٥) ، والتصريح (١ / ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، ٢٥٩) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ١٥٨) ، والهمع (١ / ١٥٤) ، والدرر (١ / ١٣٧) ، والأشموني (٢ / ٣٠) ، وديوان لبيد (ص ١٧٠ ، ١٧١).

والشاهد قوله : (ولقد علمت لتأتين) حيث علقت (علمت) عن العمل بلام القسم.

(٢) البيت من الطويل وهو لحاتم الطائي وهو في التذييل (٢ / ١٠١٥) ، والبهجة المرضية (ص ٤٤) ، والهمع (١ / ١٥٤) ، والدرر (١ / ١٣٧) ، وشذور الذهب (ص ٤٤٠) ، والأشموني (٢ / ٣١) ، وديوان حاتم (ص ١١٨) ، ويروى البيت في شطره الثاني برواية : أراد ثراء المال كان له وفر والشاهد قوله فيما بعدها بسبب وجود «لو» بينهما.

(٣) سورة الأنبياء : ٦٥.

(٤) سورة الإسراء : ٥٢.

(٥) في أصول النحو لابن السراج (١ / ١٨٢) تحقيق د / عبد الحسين الفتلي : «إذا ولي الظن حروف الاستفهام ، وجوابات القسم بطل في اللفظ عمله وعمل في الموضع تقول : علمت أزيد في الدار أم عمرو ، وعلمت أن زيد في الدار لقائم ، وأخال لعمر أخوك ، وأحسب ليقومن زيد ، ومن النحويين من يجعل «ما» و «لا» و «كان» و «اللام» في هذا المعنى فيقول : أظن ما زيد منطلقا وأحسب لا يقوم زيد. اه.

(٦) شرح التسهيل لابن مالك (٢ / ٨٩).

٤٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

النحويون ولم أجد فيه نصّا لبصري ولا كوفي.

والدليل على صحة ما ذهب إليه وأنه مسموع من لسان العرب وإن لم ينبه النحويون عليه قوله تعالى : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ)(١) وقوله تعالى :(وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى)(٢) وقوله : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً)(٣) ودرى من الأفعال التي تعلق كما علقت في قوله تعالى : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ)(٤) وقوله تعالى : (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ)(٥) ، (وَما أَدْراكَ مَا [٢ / ١٩٣] الْقارِعَةُ)(٦) وإنما كانت من أسباب التعليق لشبهها بأدوات الاستفهام حتى إن بعض الكوفيين زعم أن «لعل» تكون استفهاما كما ذكر في باب «إنّ» قال صاحب الواضح : لعل من حروف الاستفهام ، يقول الرجل لمخاطبه : لعلك تسبني فأعاقبك؟ تريد : هل تسبني؟ وقد قال الله تعالى وله المثل الأعلى : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً)(٧) فجعل «لعل» في موضع الاستفهام مقرونا بدليل الاستفهام وهو «تدري» (٨).

وقال في شرح التسهيل بعد أن ذكر ما نقلته عنه من شرح الألفية : ورأيت نصب الفعل في هذه الآيات الشريفة على جملة الترجي ، فهي في موضع نصب بالفعل المعلق إلى أن وقعت لأبي علي الفارسي على شيء من هذا ، قال ـ وقد ذكر (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى)(٩) ، (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً)(١٠) ـ ما نصه :«والقول في لعل وموضعها وأنه يجوز أن يكون في موضع نصب وأن الفعل لما كان بمعنى العلم علق عما بعده ، وجاز تعليقه لأنه مثل الاستفهام ، ألا ترى أنه بمنزلته في أنه غير خبر ، وأن ما بعده منقطع مما قبله ولا يعمل فيه ، وإذا كان كذلك لم يمتنع أن يقع موقع المفعول ، كما يقع الاستفهام موقعه ، فعلى هذا تكون لعل وما بعدها بعد هذه الأفعال في موضع نصب» (١١). ـ

__________________

(١) سورة الأنبياء : ١١١.

(٢) سورة عبس : ٣.

(٣) سورة الطلاق : ١.

(٤) سورة الأنبياء : ١٠٩.

(٥) سورة الحاقة : ٣.

(٦) سورة القارعة : ٣.

(٧) سورة الطلاق : ١.

(٨) منهج السالك إلى ألفية ابن مالك لأبي حيان (ص ٩٤).

(٩) سورة عبس : ٣.

(١٠) سورة الأحزاب : ٦٣.

(١١) التذييل (٢ / ١٠١٧ ـ ١٠١٨) وينظر الأشموني (٢ / ٣١) بحاشية الصبان.

٤٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم ها هنا أمور ننبه عليها :

الأول : قال الشيخ : أكثر أصحابنا لم يذكروا لام القسم في أسباب التعليق ، قال : وهو الصحيح وذلك أن الجملة المعلق عنها الفعل لها موضع من الإعراب ، والجملة التي تقع جوابا للقسم لا موضع لها من الإعراب فتدافعا قال ذلك في شرح الألفية (١) ، والظاهر أن الذي ذكره هو الحق ، ولم يذكرها ابن عصفور في المعلقات غير أنه ذكر مسألة مستقلة بنفسها : وهي أنه قال : وانفردت أيضا أفعال القلوب بجواز تضمنها معنى القسم ، فإذا فعل ذلك بها تلقيت بما يتلقى به القسم ، تقول :علمت ليقومنّ زيد وظننت لقد قام عمرو ، كما تقول : والله ليقومن زيد ، وو الله لقد قام عمرو ، ثم إن كان الفعل غير متعد فلا موضع لجملة الجواب من إعراب نحو قولك : بدا لي ليقومنّ زيد ، قال الله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ)(٢) وإن كان الفعل متعديا نحو : علمت ليقومن زيد ، وعرفت ليخرجن عمرو : فمن النحاة من يجعل الجملة نائبة مناب معمول الفعل ، فإن كان الفعل يتعدى إلى مفعولين نحو : «علمت» كانت الجملة في موضعهما ، وإن كان يتعدى إلى واحد نحو : «عرفت» كانت الجملة في موضع ذلك المفعول ، ومنهم من يجعل الجملة لا موضع لها من الإعراب ، لأن الفعل وإن كان متعديا ، قد ضمن [٢ / ١٩٤] معنى ما لا يتعدى ، فلذلك لا يتعدى كما أن «نبئت» وإن كانت في الأصل لا تتعدى لما ضمنت معنى ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولين تعدت تعديته وهذا هو الصحيح (٣) انتهى. وهو كلام حسن مذوق مقبول.

الثاني : في شرح الشيخ : ذهب ابن كيسان وثعلب وحكي عن المبرد : لا يعلق من أفعال القلوب إلا العلم ، وأما الظن ونحوه فلا يعلق وجعله الشلوبين هو الوجه ، وزعم أنه رأى سيبويه على ما فهم عنه لأنه ما مثل به في في أبواب التعليق قال الشلوبين : والذي يدل عليه أن آلة التعليق بالأصل حرف الاستفهام وحرف التأكيد ، أما التحقيق فلا يكون بعد الظن لأنه نقيضه ، ولذلك قال ثعلب : فإذا قلت : ظننت ـ

__________________

(١) منهج السالك لأبي حيان (ص ٩٤) ، وينظر الارتشاف (٩٥١ ـ ٩٥٢) ، والمطالع السعيدة للسيوطي (ص ٣٠١).

وقد ذكر أبو حيان في الارتشاف أن ابن الدهان قد ذكر لام القسم في أسباب التعليق.

(٢) سورة يوسف : ٣٥.

(٣) شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٣٢٣) ط. العراق.

٤٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أنك لقائم تريد ما غلب عليك من اليقين فتكون «ظننت» بمعنى «علمت» فهو جائز ، وإن أردت الشك كنت كالكذاب ، وأما الاستفهام فالمراد الإبقاء مع إنك قد زال ترددك فإذا دخلت ظننت بمعنى التردد ، فلا فائدة في التسوية ، لأنك شاك مثله فلا تدخلها على الاستفهام قال هذا القائل : وظننت في تمثيل سيبويه ظننت زيدا أبو من هو ، إنما هو بمعنى العلم ، قال في البسيط : وهذا تكلف في التأويل ولو سلم ذلك لقيل فما المانع من أن تعلق الظن بغيره هذه من الحروف كما ولا؟ (١) انتهى.

ولا يخفى ضعف ما ذهب إليه ابن كيسان وثعلب من ذلك وضعف ما استدل به الشلوبين (٢). والحق خلاف ذلك كله ، وقد يفهم من كلام صاحب البسيط أن الأمر كما قلت.

الأمر الثالث : قد أشكل على الناس في نحو : علمت أيهم أخوك ، وعلمت أزيد في الدار أم عمرو ، وتعلق إحدى الجملتين بالجملة الأخرى ، وللعلماء في ذلك كلام (٣).

وقد أورد الشيخ هذا البحث في شرح الألفية إيرادا حسنا فقال بعد ذكر مسائل التعليق :

فإن قلت : الجملة التي يعلق عنها هذه الأفعال على قسمين : خبرية وغير خبرية.

فالخبرية : تعلق هذه الأفعال عنها في نحو : علمت لزيد قائم ، لأن العلم قد يتعلق بالوجود وقد يتعلق بالعدم. وأما غير الخبرية نحو : علمت أيهم في الدار ، فإنه يشكل انعقاد هذه الجملة الاستفهامية بالجملة الخبرية التي هي علمت ، لأن علمت يفيد حصول العلم ، وأيهم في الدار معناه طلب الإعلام بمن في الدار ، فهذا الكلام يدافع أوله آخره ، لأن حصول العلم ينافي طلب العلم فمن حصل له العلم لا يطلب تحصيل العلم ، ولا يعقل أن يكون طلب الإعلام لذلك متعلقا لنفي العلم أو إثباتة ، وهل ينفي أو يثبت إلا النسب الخبرية لا النسب التي ليست [٢ / ١٩٥] بخبرية.

فالجواب : أن هذا مما صورته الاستفهام ، وليس معناه معنى الاستفهام ، فإذا قلت :علمت أيهم في الدار ، فمعناه : علمت الذي هو في الدار ، وكذلك جميع الاستفهام ـ

__________________

(١) التذييل : (٢ / ١٠١٢).

(٢) ينظر الهمع (١ / ١٥٤).

(٣) ينظر التذييل : (٢ / ١٠١٤).

٤٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي علق الفعل ليس معناه على الاستفهام ، ولذلك لا يكون له جواب البتّة ، بخلافه إذا لم يعلق عنه الفعل ، فإذا قيل : أيهم في الدار ، استدعى جوابا (١) ، وقد قال سيبويه ما نصه : كما أنك إذا قلت : قد علمت أزيد ثم أم عمرو أردت أن تخبر أنك قد علمت أيهما ثم (٢). انتهى.

فقول سيبويه : أردت أن تخبر أنك قد علمت أيهما ثم ـ نصّ على أنه لا يراد معنى الاستفهام البتة وجميع المثل التي أوردها سيبويه في الباب الذي ذكر فيه هذا النص مما صورته صورة الاستفهام ليس المعنى على الاستفهام أصلا (٣) وقد نصّ الإمام أبو الحسن بن الباذش (٤) على ذلك أيضا : قال ما نصه : علمت أزيد عندك أم عمرو و (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ)(٥) ليس حرف الاستفهام لأنه يستحيل أن يستفهم عما أخبر أنه يعلمه. انتهى.

وقال بعض حذاق شيوخنا ـ في قول الزجاجي : قد علمت أزيد عندك أم عمرو ـ ما نصه : واعلم أن أدوات الاستفهام استعملت في هذه المواضع مجردة من معنى الاستفهام ، ثم قال : بعد كلام كثير وذلك أن القائل : قد علمت أزيد ثم أم عمرو ، قائما ـ أراد أن يبين له أنه قد عرف الذي منهما وأراد أن لا يبينه للمخاطب ، فجاء بلفظ الاستفهام تسوية بينهما في الإبهام على المخاطب (٦) فهذه النصوص متظافرة من أئمة العربية على أنه لا يراد به حقيقة الاستفهام.

وحكى أبو أحمد حامد بن جعفر البلخي عن أبي عثمان المازني أن مروان (٧) سأل ـ

__________________

(١) منهج السالك لأبي حيان (ص ٩٤).

(٢) الكتاب (١ / ٢٣٦).

(٣) في شرح الألفية للمرادي (١ / ٣٨٤ ـ ٣٨٥): «فإن قلت : ما معنى تعلق العلم بالاستفهام في نحو : علمت أزيد عندك أم عمرو؟ قلت : هذا كلام صورته الاستفهام ، وليس المراد به الاستفهام ، لأنه مستحيل الاستفهام عما أخبر أنه يعلمه ، وإنما المعنى : علمت الذي هو عندك من هذين الرجلين». اه.

(٤) سبقت ترجمته.

(٥) سورة الكهف : ١٢.

(٦) أورد أبو حيان هذا النص بتمامه في كتابه منهج السالك (ص ٩٥).

(٧) هو مروان بن سعيد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة المهلبي النحوي ، أحد أصحاب الخليل المتقدمين في النحو : المبرزين ، ذكر ياقوت في معجم الأدباء أنه سمع بعض النحويين ينسب إليه هذا البيت وهو :

ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله

والزّاد حتّى نعله ألقاها

ينظر في ترجمته معجم الأدباء (١٩ / ١٤٦) ، والبغية (٢ / ٢٨٤) تحقيق : محمد أبو الفضل.

٤٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أبا الحسن الأخفش فقال : إذا قلت : قد علمت أزيد عندك أم عمرا فليس قد علمت أن ثم كونا ثابتا ، ولكن لا تدري من أيهما هو؟ قال : بلى ، قال : فلم جئت بالاستفهام قال : جئت به لألبس على المخبر من علمت ، فقال له مروان : إذا قلت : قد علمت من أنت وأردت أن تلبس عليه ، لأنه لا يعرف نفسه ، قال : فسكت ، يعني الأخفش ، قال أبو عثمان : عندي أنه إذا قال : قد علمت من أنت فهو لا يريد أن يلبس عليه لأنه يعرف نفسه ، ولكنه أراد : قد علمت من أنت أخيرا أمرك أم شر كما تقول : قد علمت أمرك (١) انتهى.

وكان الأستاذ أبو علي الشلوبين يروي عن بعض المتأخرين أن هذا الكلام على حذف مضاف ، وأن المراد منه : قد علمت جواب هذا الكلام. وكان يعنى به ويراه في بعض أقرائه (٢) والأحسن ما قدمناه أولا من نصوص الأئمة ، وكثير في لسان العرب أن يكون الكلام لفظه مخالفا لمعناه ؛ ألا ترى [٢ / ١٩٦] مجيء الأمر بصورة الخبر ومجيء الخبر بصورة الأمر ، وكلام العرب في تركيبه على ثلاثة أقسام :

القسم الأول : مطابقة اللفظ للمعنى نحو : زيد قائم ، وما قام زيد ، وشبه ذلك.

[القسم] الثاني : غلبة اللفظ على المعنى نحو قولهم : أظن أن يقوم أجمعوا على صحتها وأبطل أكثر النحويين : أظن قيامك ، ومعنى أن تقوم ، قيامك. وإنما جاز ذلك لأن الظن لا يكتفي بكلمة واحدة وأن تقوم كلمتان في اللفظ ؛ فقد اشتمل «أن تقوم» على مسند ومسند إليه بخلاف قيامك فإنه كلمة واحدة ولا إسناد فيه.

والقسم الثالث : غلبة المعنى على اللفظ نحو : ليت شعري زيدا ما صنع ، حذف من «ليت» اسم المتكلم ، ولم يظهر لليت خبر ، ولا يجوز ذلك في غير ليت من أخواتها ، لا يقال : إن شعري أباك ما صنع ، والمعنى ليتني أشعر بما صنع زيد فهذا مما غلب فيه المعنى على اللفظ ، ومن هذا القسم مسألتنا التي نحن نتكلم فيها وهو أن صورته صورة الاستفهام ، ومعناه على غير الاستفهام ، فهو مما غلب فيه المعنى على ـ

__________________

(١) ينظر : مجالس العلماء للزجاجي (ص ٨٧) ، وأبو عثمان المازني المجدد وأثره (ص ٥٠٣) ، تأليف د / عبد العزيز فاخر ، ومنهج السالك لأبي حيان (ص ٩٥).

(٢) ينظر : منهج السالك لأبي حيان (ص ٩٥) ، وشرح الألفية للمرادي (١ / ٣٨٥).

٤٥٠

[التعليق في بعض الأفعال غير القلبية]

قال ابن مالك : (ويشاركهنّ فيه مع الاستفهام «نظر» و «أبصر» و «تفكّر» و «سأل» وما وافقهنّ أو قاربهنّ ، لا ما لم يقاربهن ، خلافا ليونس ، وقد يعلّق «نسي»).

______________________________________________________

اللفظ (١) ، وإذا أتوا بما صورته الاستفهام ومعناه على غير الاستفهام ولم يدخلوا عليه ما يغيره من العوامل اللفظية فلأن لا يغيروه مع العوامل اللفظية أولى وأخرى ، لأن في اللفظ المتقدم ما يرشد إلى المعنى ، ويدل عليه لتعلقه به. بخلاف ما لم يتقدم عليه لفظ يطلب المعنى ويستدعيه ، مثال ذلك : أنهم يقولون في معنى التعظيم والتعجب : أي رجل أنت؟ المعنى : ما أكملك رجلا ، فصورته صورة الاستفهام ومعناه ليس معناه ، ولذلك لايجاب مثل هذا الاستفهام فقد عدوه عن الاستفهام إلى غيره ، ولم يدخلوا عليه عاملا ، فإذا أدخلوا عليه العامل كان أجدر أن يغير ، وكان قياس العامل كما غيره معنى أن يغيره لفظا ويؤثر فيه النصب ، لكن راعوا صورة الاستفهام فلم يعملوا فيه ما قبله لفظا وإن كان عاملا فيه من جهة المعنى ، فموضعه نصب ، ولذلك إذا عطفوا على موضع المعلق عنه نصبوا فيقولون : ظننت لزيد قائم عمرا شاخصا ، وعلمت ما زيد قائم وعمرا منطلقا (٢) هذا آخر ما ذكره الشيخ في هذه المسألة.

قال ناظر الجيش : أي : ويشارك القلبية المتصرفة في التعليق ، لكن مع الاستفهام خاصة دون بقية المعلقات ما ذكره من [٢ / ١٩٧] الأفعال والذي ذكره نصّا في متن الكتاب أربعة أفعال ، وأرد بما وافقهن ، أي : وافق الأربعة معنى :رأى البصرية ، واستنبأ ، وبما قاربهن بـ «لأبلو» (٣) كما أشار إلى ذلك في الشرح فيكون المجموع سبعة. ـ

__________________

(١) ينظر : شرح الألفية للمرادي (١ / ٣٨٥) فقد أورد فيه هذه الأقسام على هذه الصورة التي أوردها ناظر الجيش هنا.

(٢) ينظر : أوضح المسالك (١ / ١٢٢) ، وشذور الذهب (ص ٤٤١) ، والتصريح (١ / ٢٥٧) ، والبهجة المرضية (ص ٤٤).

(٣) ينظر الأشموني بحاشية الصبان (٢ / ٣٢ ـ ٣٣) ، والهمع (١ / ١٥٥) ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ٧٨).

٤٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

قال في الشرح (١) : وعلق أيضا مع الاستفهام «نظر» بالعين أو القلب وأبصر ، وتفكر وسأل نحو : (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً)(٢) و (فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ)(٣) و (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ)(٤) و (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ)(٥) وكقول الشاعر :

١١٤٨ ـ حزقّ إذا ما القوم أبدوا فكاهة

تفكّر آإيّاه يعنون أم قردا (٦)

وكقوله تعالى : (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ)(٧) ، وأشرت بما وافقهن إلى نحو : أما ترى أي برق ها هنا بمعنى أما تبصر ، حكاه سيبويه (٨) ، وإلى نحو : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ)(٩) وأشرت بما قاربهن إلى نحو : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)(١٠) وأجاز يونس تعليق ما يوافقهن ولم يقاربهن وجعل من ذلك قوله تعالى : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ)(١١) فضمة الياء عنده ضمة إعراب (١٢) ، وعند سيبويه ضمة بناء ، وأي موصولة (١٣) وقد مضى ذلك ، وعلق «نسي» لأنه ضد علم ، والضد قد يحمل على الضد ، ومنه قول الشاعر :

١١٤٩ ـ ومن أنتم إنّا نسينا من أنتم

وريحكم من أيّ ريح الأعاصر (١٤)

__________________

(١) شرح التسهيل لابن مالك (٢ / ٨٩).

(٢) سورة الكهف : ١٩.

(٣) سورة النمل : ٣٣.

(٤) سورة القلم : ٥ ، ٦.

(٥) سورة الأعراف : ١٨٤.

(٦) البيت من الطويل وهو لجامع بن عمرو في شرح المفصل لابن يعيش (٩ / ١١٨) ، والتذييل (٢ / ١٠٢٢) ، وشرح شواهد الشافية (ص ٣٤٩) ، والهمع (١ / ١٥٥) ، والدرر (١ / ١٣٧).

والشاهد فيه : تعليق (تفكر) بهمزة الاستفهام في قوله (تفكر آإياه).

اللغة : الحزقّ : القصير يقارب الخطو.

(٧) سورة الذاريات : ١٢.

(٨) ينظر الكتاب : (١ / ٢٣٦).

(٩) سورة يونس : ٥٣.

(١٠) سورة الملك : ٢.

(١١) سورة مريم : ٦٩.

(١٢) ينظر الكتاب (٢ / ٤٠٠) ، والهمع (١ / ١٥٥).

(١٣) في الكتاب (٢ / ٣٩٨): «وسألت الخليل رحمه‌الله عن قولهم : اضرب أيهم أفضل؟ فقال : القياس النصب كما تقول : الذي أفضل ، لأن أيّا في غير الجزاء والاستفهام بمنزلة الذي» ا ه وقيل ذلك في الصفحة نفسها قال سيبويه : اعلم أن «أيا» مضافا وغير مضاف بمنزلة «من».

(١٤) البيت من الطويل قائله زياد الأعجم ونسب في المحتسب لحطان بن عبد الله. وهو في المحتسب (١ / ١٦٨) ، والخصائص (٣ / ٨٩ ، ١٦٧) ، والتذييل (٢ / ١٠٢٤) ، والعيني (٢ / ٤٢٠) ، وشرح الحماسة للمرزوقي (٤ / ١٥٣٩) ، وشرح التبريزي (٤ / ١٠٧) ، وشواهد النحو في الحماسة

٤٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثله على أحد الوجهين قول الآخر :

١١٥٠ ـ لم أر مثل الفتيان في عين ال

أيّام ينسون ما عواقبها (١)

انتهى. ويتعلق بهذا الموضع مباحث :

الأول :

ناقش الشيخ المصنف في قوله فيما تقدم : وتختص أيضا القلبية المتصرفة بتعديها معنى لا لفظا. قال : لأن الاختصاص ينافي قوله هنا ويشاركهن فيه كذا وكذا ، قال : فالمشاركة والاختصاص لا يجتمعان (٢) والجواب عن ذلك من وجهين :

الأول : أن المراد أن القلبية اختصت بالتعليق دون بقية الأفعال التي ذكرت معها وهي ما أفاد التحويل ، فقد انفردت القلبية عن أخواتها بذلك ، وحينئذ يصدق أنها مختصة به دون أخواتها ، ومشاركة غير أخواتها لها في التعليق لا يخرجها عن الاختصاص ، لأنه اختصاص مفيد ، لا اختصاص مطلق ، وهذا كما تقول في الحصر في نحو : ما كاتب إلا زيد ، جوابا لمن قال : الكاتب زيد وعمرو ، فإن القصد إلى حصر الكتابة في زيد لا مطلقا بل بالنسبة إلى عمرو ، لأن غير عمرو يشارك زيدا في الإنصاف بالكتابة لا محالة (٣).

الثاني : أن مشاركة غير الأفعال المذكورة لها في التعليق لا يزيل اختصاصها لأن المشارك المذكور الآن إنما يعلق بالاستفهام خاصة ، وأما الأفعال المشاركة فإنها تعلق بغير الاستفهام كما تعلق بالاستفهام ، وعلى هذا فالذي اختصت به تلك [٢ / ١٩٨] الأفعال لم يشارك فيه إنما شوركت في بعضه ، والمشاركة في بعض الأمور لا ينافي ـ

__________________

(ص ٢٩٦) ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ٧٨).

والشاهد قوله : (نسينا من أنتم) حيث علق الفعل (نسي) بالاستفهام ، والجملة من اسم الاستفهام وخبره في محل نصب مفعوله.

(١) البيت من المنسرح وهو في شرح المفصل لابن يعيش (٣ / ١٥٢) ، والأغاني (١٣ / ١١٥) ، والتذييل (٢ / ١٠٢٥) ، وأمالي الشجري (١ / ٧٤) ، والمغني (١ / ١٤٢) ، والخزانة (٢ / ٢١) ، وديوانه (ص ٥٤).

والشاهد قوله : (ينسون ما عواقبها) حيث علق «ينسون» بما الاستفهامية. وانظر شرح التسهيل لابن مالك (٢ / ٩٠).

(٢) التذييل (٢ / ١٠١٢).

(٣) ينظر : دلائل الإعجاز (ص ٢٢٠ ـ ٢٢١) تحقيق : محمد رشيد رضا.

٤٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

اختصاص المشارك بكلها ، وناقش الشيخ المصنف أيضا في ذكره «تفكر» هنا ، قال : لأنها من أفعال القلوب ، فقد اندرجت في قوله : وتختص أيضا القلبية المتصرفة (١) ، وهذا أمر عجيب ، فإن المراد بالقلبية المتصرفة إنما هو الذي يتعدى إلى مفعولين ، لأن الباب معقود لذلك و «تفكر» إن كان قلبيّا فعل لا يتعدى بنفسه ، فكيف يندرج مع الأفعال المتعدية إلى اثنين.

المبحث الثاني :

قد علمت أن الأفعال التي أشار إليها الآن سبعة فما هو منها قلبي وهو «تفكر» وبلا كان في تعليقه محمولا على أفعال القلوب المتعدية إلى اثنين ، وما هو منها غير قلبي ، وهو نظر وأبصر وسأل ورأى البصرية واستنبأ ، فالمسوغ لتعليقه كونه سببا للفعل القلبي ، لأن السؤال مثلا سبب من أسباب العلم ، فأجري السبب مجرى المسبب ، ولم يذكر ابن عصفور من هذه الأفعال إلا فعلين ، قال في المقرب :«ولم يعلق من غير أفعال القلوب إلا السؤال والرؤية من كلامهم : سل أبو من زيد ، وأما ترى أي برق ها هنا (٢) لكنه في شرح الجمل قال : إن تعليق رأى البصرية هو قول المازني ، وأنه استدل بقولهم : أما ترى أي برق ها هنا ، قال : ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون «ترى» بمعنى «تعلم» (٣) انتهى.

وكون ترى في هذا المثال بمعنى «تعلم» فيه بعد ، والظاهر بل الراجح أنها البصرية وإذا ثبت أن «سأل» تعلق فلا يبعد أن تعلق «استنبأ» لأنه بمعناه ، وأما نظر وأبصر فلا شك أنهما بمعنى رأى ، وقد قيل إن رأى يعلق ، فليكن نظر وأبصر كذلك (٤) وقد قال الشيخ نقلا عن شيخه ابن الزبير : إن أحدا لم يذهب إلى تعليق انظر سوى ابن خروف ، قال : وقد ذكر سيبويه تعليق انظر وحمل الناس ذلك على النظر بمعنى التفكر (٥) انتهى.

قلت : وهذا عدول عن ظاهر كلام سيبويه من غير دليل (٦) ، ومن أقوى ـ

__________________

(١) التذييل : (٢ / ١٠٢٢).

(٢) المقرب لابن عصفور (١ / ١٢٠).

(٣) شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٣٢٠) ط العراق ، وشرح الجمل (١ / ٢٠٠) رسالة بجامعة القاهرة.

(٤) ينظر : الهمع (١ / ١٥٥).

(٥) التذييل (٢ / ١٠٢١) ، وينظر أبو حيان النحوي (ص ٣٥٣).

(٦) ينظر : الكتاب (١ / ٢٣٦).

٤٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ما يستدل به على تعليق النظر الذي بمعنى البصر ، قوله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)(١) لأنه عدي بإلى ، ولا يعدى إلا ما كان بمعنى الإبصار (٢) ، وقصد الشيخ تخريج ما استدل به المصنف على التعليق ، فقال في قوله تعالى : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ)(٣) يحتمل أن يكون «أيكم» موصولة لا استفهامية ويكون مفعولا ، والباء زائدة ، وصدر الجملة محذوف ، التقدير : فستبصر وتبصرون الذي هو المفتون منكم (٤) انتهى.

ولا يخفى بعد هذا التخريج (٥) ثم قال : وقد جاء تعليق «تبصر» بمعنى انظر وتأمل قال الشاعر :

١١٥١ ـ تبصّر خليليّ هل ترى من ظعائن

سوالك نقبا بين حزمي شعبعب (٦)

[٢ / ١٩٩] قال : والأظهر أنها هنا من الإبصار بالعين (٧) ، وقال : في قوله ـ

__________________

(١) سورة الغاشية : ١٧.

(٢) في المفردات في غريب القرآن (ص ٤٩٧) كتاب النون ، يقول الراغب الأصفهاني : «ويقال :نظرت إلى كذا إذا مددت طرفك إليه ، رأيته أو لم تره ، ونظرت فيه إذا رأيته وتدبرته قال : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ.) اه.

وفي اللسان (نظر) وتقول : نظرت إلى كذا وكذا من نظر العين ونظر القلب. اه.

(٣) سورة القلم : ٥ ، ٦.

(٤) التذييل (٢ / ١٠٢١).

(٥) هذا الرأي الذي خرج به أبو حيان الآية وهو كون الباء في قوله : (بأيكم) زائدة (وأيكم) موصولة لا استفهامية ، هو أحد الوجوه التي ذكرها النحاة والمفسرون فيها وقد ضعف هذا الوجه ، يقول الشيخ سليمان الجمل في حاشيته على الجلالين (٤ / ٤٢٣) : قوله : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) فيه أربعة أوجه :

أحدها : أن الباء مزيدة في المبتدأ والتقدير : أيكم المفتون ، فزيدت الباء كزيادتها في نحو : بحسبك زيد ، وإلى هذا ذهب قتادة وأبو عبيدة ، إلا أنه ضعيف من حيث أن الباء لا تزاد في المبتدأ إلا في بحسبك فقط.

الثاني : أن الباء بمعنى في ظرفية.

والثالث : أنه على حذف مضاف أي بأيكم فتن المفتون وإليه ذهب الأخفش وتكون الباء سببية.

والرابع : أن المفتون مصدر جاء على مفعول كالمعقول. اه.

وينظر : معاني الفراء (٣ / ١٧٣) ، وو إملاء ما من به الرحمن (٢ / ٢٦٦).

(٦) البيت من الطويل وهو في التذييل (٢ / ١٠٢١) ، والعيني (٤ / ٣٦٨) ، والأشموني (٣ / ٢٧٤) ، وديوانه (ص ٤٣).

اللغة : ظغائن : النساء في الهوادج. النقب : الطريق في الجبل. الحزم : ما غلظ من الأرض. شعبعب : اسم ماء.

والشاهد قوله : (تبصر خليلي هل ترى) حيث علق (تبصر) التي بمعنى انظر وتأمل بأداة الاستفهام «هل».

(٧) التذييل (٢ / ١٠٢١ ـ ١٠٢٢).

٤٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)(١) فجوز «أيكم» أن تكون موصولة حذف صدر صلتها فبنيت وهي بدل ضمير المخاطب بدل بعض من كل ، والعائد محذوف والتقدير : ليبلوكم الذي هو أحسن عملا منك (٢) انتهى.

وانظر إلى ما آل إليه هذا التخريج ، وما يلزمه من البعد عن الفصاحة ، واعلم أن دعوى التعليق في قوله تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) مشكلة فإن الفعل قد عمل في ضمير المخاطبين فكيف يكون معلقا مع كونه معملا ، ولا يقال عدم تسلطه على الجملة التي هي (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) دليل تعليقه (٣) عنها ، لأن الجملة الواقعة في موضع المفعول الثاني ، ولو لم يكن فيها ما يوجب التعليق لا تسلط للعامل عليها نحو أن تقول : علمت زيدا أبوه قائم ، فشأن الجملة الواقعة بعد أن يأخذ العامل معمولا ذلك ، فلا فرق بين المشتملة على ما يوجب التعليق ، وبين ما لم تكن مشتملة على ذلك.

المبحث الثالث :

قد عرفت أن يونس قد علق (لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ ،) وأن مذهب سيبويه والخليل عدم القول بالتعليق وهو الحق (٤). قال ابن أبي الربيع : قد علم أن مذهب البصريين أنه لا يعلق إلا ما هو من الأفعال القلبية ، وإلا ما هو من سببها ، وزاد الكوفيون فقالوا : وإلا ما كان مسببا عنها ، وذكر الآية الشريفة ثم قال : وهذا الذي قالوه يلزم عنه أن «أضرب» أزيد في الدار أم عمرو ، على تقدير أعلم أزيد في الدار أم عمرو فاضربه ، وهذا مما لا يثبت بدليل لا يحتمل تأويلا انتهى. ثم إن الشيخ ناقش المصنف في قوله في الشرح : وعلق «نسي» لأنه ضد علم ، فقال : ليس ضد العلم النسيان ولكن ضده الجهل ، وضد النسيان الذكر بالقلب (٥) انتهى.

والذي يظهر أن المصنف عبر عن المتلازمين بالآخر ، إذ لا يخفى التلازم بين ـ

__________________

(١) سورة الملك : ٢.

(٢) التذييل (٢ / ١٠٢٣ ـ ١٠٢٤).

(٣) ينظر معاني القرآن للفراء (٣ / ١٦٩).

(٤) ينظر الكتاب (٢ / ٣٩٨).

(٥) التذييل (٢ / ١٠٢٤).

٤٥٦

[مسألة علمت زيدا أبو من هو]

قال ابن مالك : (ونصب مفعول نحو : علمت زيدا أبو من هو ، أولى من رفعه ، ورفعه [٢ / ٢٠٠] ممتنع بعد «أرأيت» بمعنى «أخبرني» وللاسم المستفهم به ، والمضاف إليه ممّا بعدهما ما لهما دون الأفعال المذكورة).

______________________________________________________

الذكر ، وإنما احتاج إلى ذلك لأن «علم» قد ثبت أنه يعلق ولم يثبت أن «ذكر» يعلق ، وهو قد جعل «نسى» إنما هو بالجمل على غيره ، فوجب أن يذكر فعلا دون فعل لم يعلق ، وأما قول المصنف : ومثله على أحد الوجهين قول الآخر وإنشاده البيت الذي أوله :

١١٥٢ ـ لم أر مثل الفتيان ...

 ... (١)

فإنه عنى بأحد الوجهين أن تكون «ما» في موضع رفع استفهاما ، وعلق «ينسون» (٢) وارتفع عواقبها على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هي عواقبها ، والجملة صلة لما ، قال الشيخ : وهذا الذي جوزه يعني المصنف في هذا البيت يجوز في البيت الذي قبله يعني :

١١٥٣ ـ ... إنّا نسينا من أنتم (٣)

التقدير : من هم أنتم «فمن» موصولة ، ومع هذا الاحتمال يسقط الاستدلال فلا يثبت تعليق «نسى» (٤).

قال ناظر الجيش : هاتان مسألتان مرتبطتان بالكلام الذي تقدمهما :

المسألة الأولى : مشتملة على شيء يجوز أن يعلق الفعل عنه وأن لا يعلق : وهي التي يعبر عنها النحاة بأن يكون الاسم فيها مستفهما عنه في المعنى ، والمراد بذلك أن يذكر المفعول قبل الاستفهام نحو : علمت زيدا أبو من هو ، فيما يتعدى إلى اثنين ، وعرفت زيدا أبو من هو ، فيما يتعدى إلى واحد ، وحكم هذا المفعول أنه يجوز فيه النصب والرفع كما أشار إليه ، ووجه الرفع : أنك إذا قلت : علمت أو عرفت زيدا أبو من هو ، كان المعنى : علمت أزيد أبو عمرو أم أبو غيره ، فمن حيث كان ـ

__________________

(١) تقدم.

(٢) زاد في (ب) بعد قوله ينسون : والوجه الآخر : أن تكون «ما» موصولة مفعولة «بينسون».

(٣) تقدم.

(٤) التذييل (٢ / ١٠٢٥).

٤٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

مستفهما عنه معنى جاز رفعه ، ولكن النصب أولى ، لأن مراعاة اللفظ إذا لم يخل بالمعنى أولى من مراعاة المعنى (١) : قال المصنف (٢) : وإن تقدم الاستفهام على أحد المفعولين نحو : علمت زيدا أبو من هو اختير نصبه لأن العامل مسلط عليه بلا مانع ، ويجوز رفعه لأنه هو والذي بعد الاستفهام شيء واحد في المعنى فكأنه في حيز الاستفهام والاستفهام مشتمل عليه (٣) وهو نظير قولهم : إن أحدا لا يقول ذلك وأحد هذا لا يقع إلا بعد نفي ولكن لما كان هذا هو والغير المرفوع بالقول المنفي شيئا واحدا في المعنى نزل منزلة واقع بعد النفي ومثله قول الشاعر :

١١٥٤ ـ ولو سئلت عنّي نوار وأهلها

إذا أحد لم ينطق الشّفتان (٤)

ومثال علمت زيد أبو من هو بالرفع قول الشاعر :

١١٥٥ ـ فو الله ما أدري غريم لويته

أيشتدّ إن قاضاك أم يتضرّع (٥)

الرواية عنهم بالرفع لما ذكرته ولو نصب لكان أجود (٦). اه.

واعلم أن سيبويه نص على جواز الرفع وإن كان المختار عنده النصب (٧) ، ومنع ـ

__________________

(١) ينظر الكتاب : (١ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧) ، والمقرب (١ / ١٢٠ ـ ١٢١) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ٣٢٠ ـ ٣٢١) ط العراق ، والهمع (١ / ١٥٥).

(٢) شرح التسهيل لابن مالك : (٢ / ٩٠).

(٣) في المقرب (١ / ١٢٠) يقول ابن عصفور بعد أن ذكر أسباب التعليق «أو يكون الاسم مستفهما عنه في المعنى فتكون في التعليق بالخيار نحو قولك : علمت زيد أبو من هو وإن شئت نصبت زيدا ألا ترى أن المعنى : علمت أزيد أبو عمرو أم أبو غيره». اه.

وينظر شرح الجمل لابن عصفور أيضا (١ / ٣٢٠) ط العراق ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ٧٨).

(٤) البيت من الطويل للفرزدق وهو في الإفصاح للفارقي (ص ٣٠٤) وديوانه (٢ / ٨٧٠) ط الصاوي برواية :

ولو سئلت عني النوار وقومها

إذا لم توار الناجذ الشفتان

وروي في الإفصاح «ورهطها» مكان «وأهلها».

والشاهد قوله : (إذا أحد لم ينطق الشفتان) حيث نزل ما قبل «لم» وما بعدها منزلة الواقع بعد النفي لأنهما شيء واحد في المعنى.

(٥) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في التذييل (٢ / ١٠٢٦) ، والهمع (١ / ١٥٥) ، والدرر (١ / ١٣٧) برواية «إن لاقاك» مكان «إن قاضاك».

والشاهد قوله : (.. ما أدري غريم لويته .. أيشتد) حيث تقدم على الاستفهام أحد المفعولين وهو «غريم» فجاز رفعه كما في البيت هنا جاز نصبه وهو الأرجح.

(٦) شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٩١).

(٧) ينظر الكتاب (١ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧).

٤٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ابن كيسان جواز الرفع وخالفه الناس في ذلك وانتصروا لمذهب سيبويه بما تقدم من القياس والسماع وبجواز التعليق في المسألة المذكورة (١).

اعترض الشيخ على قول المصنف : إن التعليق عبارة عن إبطال العمل لفظا لا محلّا على سبيل الوجوب (٢) والذي يرفع هذا الاعتراض أن التعليق ذكرت أسبابه ولا شك أنه متى وجد سبب منها كان التعليق واجبا.

وأما هذه المسألة أعني : «علمت زيدا أبو من هو؟» فلم يوجد فيها السبب على الوجه المخصوص الذي يجب لأجله التعليق ، وإنما جاز التعليق فيها بالتأويل كما تقدم تقديره ثم لما كان رفع مثل هذا الاسم أعني المستفهم عنه معنى يمتنع في صور أشار إليها المصنف بقوله : ورفعه ممتنع بعد أرأيت بمعنى [٢ / ٢٠١] أخبرني ، وقال في شرح ذلك بعد كلامه الذي قدمناه : فلو كان الاسم المتقدم على الاستفهام بعد أرأيت بمعنى أخبرني تعين نصبه نحو : أرأيت زيد أبو من هو لأنه بمعنى ما لا يعلق ، قال أبو علي في التذكرة : أنبأ ونبّأ ضمّنا معنى أعلم فيوافقانه ، ولا يمتنع مع التضمين تعديتهما بحرف الجر على الأصل كما لا يمتنع الحكاية بمتى ، تقول : وكما لا يمتنع أرأيت بمعنى أخبرني عن نصب مفعولين لكن منع من التعليق لا تقول : أرأيت زيد أبو من هو ، لأنه بمعنى أخبرني فحفظ له من الحكمين أقواهما وهو الإعمال (٣). اه (٤).

وقال سيبويه : وتقول : أرأيتك زيدا أبو من هو وأرأيتك عمرا أعندك هو أم عند فلان ؛ لا يحسن فيه إلا النصب في زيد ألا ترى أنك لو قلت : أرأيت أبو من أنت أو أرأيت أزيد ثم أم فلان لم يحسن لأن فيه معنى أخبرني عن زيد (٥) (الظاهر أن هذا ـ

__________________

(١) في التذييل (٢ / ١٠٢٦) والصحيح ما ذهب إليه سيبويه للقياس والسماع أما القياس فهو ما ذكرناه من أن الشيء تجري عليه أحكام الشيء إذا كان إياه من حيث المعنى كما ذكرنا في إن أحدا لا يقول ذلك وأما السماع بقول الشاعر :

فو الله ما أدري غريم لويته

أيشتد إن قاضاك أم يتضرع

هكذا روي برفع غريم وإن كان نصبه أجود. اه. وقد ذكر أبو حيان ذلك ردّا على ابن كيسان الذي منع جواز الرفع.

(٢) التذييل : (٢ / ١٠١١ ـ ١٠١٢) وينظر شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٨٨).

(٣) ينظر الإيضاح للفارسي (١٧٥) والمقتصد في شرح الإيضاح للجرجاني (ص ٥٦٦ ـ ٥٦٧).

(٤) شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٩١).

(٥) جاء في هامش «أ» : الظاهر أن هذا الضمير يرجع إلى أرأيت لا إلى أخبرني. وقد أثبتت هذه

٤٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الضمير يرجع إلى أرأيت لا إلى أخبرني) وهو الفعل الذي لا يستغنى السكوت على مفعوله الأول فدخول هذا المعنى فيه لم يجعله بمنزلة أخبرني في الاستغناء فعلى هذا أجرى وصار الاستفهام في موضع المفعول الثاني (١).

هذا كلام سيبويه. وقد علم منه أن الجملة الاستفهامية الواقعة بعد المنصوب في موضع المفعول الثاني وليس الفعل الذي هو أرأيتك معلقا عنها لأنه قد ثبت أن هذا الفعل أعني أرأيتك الذي ضمن معنى أخبرني لا يعلق بالجملة المذكورة كالجملة التي ليست استفهامية في نحو : ظننت زيدا أبوه قائم (٢) قال الشيخ : وقد انتقد كثير من النحاة على سيبويه واعترضوا عليه وقالوا : كثيرا ما يعلق أرأيت والدليل على ذلك السماع ، قال الله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ)(٣) ، (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ)(٤) ، (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ)(٥)(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ)(٦)(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ)(٧) ، (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ)(٨) ، (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ)(٩) ، (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى)(١٠) فهذه مواضع من القرآن العزيز تدل على تعليق «أرأيت» وهو خلاف قول سيبويه ، «لو قلت : أرأيت أبو من أنت وأ رأيت أزيد ثم أم فلان لم يحسن» ولا يجوز كون هذه الجمل الاستفهامية جوابا ـ

__________________

العبارة في النسخة (ب) في صلب الكلام من قوله : لأن فيه معنى أخبرني عن زيد ، وأعتقد أن ناسخ العبارة في هامش (أ) قد ذكرها للتوضيح فظن كاتب النسخة (ب) أنها من صلب الكلام فأثبتها.

وأقول ذلك لأن عبارة سيبويه في كتابه لم يرد فيها شيء من ذلك.

(١) الكتاب : (١ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠).

(٢) ينظر الهمع : ١ / ١٥٥.

(٣) سورة الأنعام : ٤٠.

(٤) سورة الأنعام : ٤٦.

(٥) سورة الأنعام : ٤٧.

(٦) سورة يونس : ، ٥٠.

(٧) سورة القصص : ٧١.

(٨) سورة القصص : ٧٢.

(٩) سورة الشعراء : ٢٠٥ ـ ٢٠٧.

(١٠) سورة العلق : ١٣ ، ١٤.

٤٦٠