شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٣

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

إعمالها لعدم تغير حالها وحال مصحوبها ، وجواز إلغائها لشبهها بالمكررة مع المعرفة فلجواز الوجهين مع التكرير شرطت انتفاءه في وجوب العمل ، فقلت : إذا لم تكرر «لا» وقصد خلوص العموم باسم نكرة يليها ، فعلم بهذا أنها لا تعمل في معرفة (١) ، ولا في منفصل (٢) ، واحترزت بقولي : (غير معمول لغيرها) من نحو قوله تعالى : (لا مَرْحَباً بِهِمْ)(٣)(٤) ثم أشرت إلى أن اسمها ينقسم إلى مفرد وإلى مضاف وإلى مشبه به ، وخصصت المفرد بالتركيب والبناء فعلم بذلك أن الآخرين منصوبان نصبا صريحا ، نحو : لا صاحب برّ مذموم ، ولا راغبا في الشر محمود (٥) ، وتناول قولي : «بني على ما كان ينصب به» المبني على فتحة (٦) نحو : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) [الصافات : ٣٥] ، [وقوله تعالى] : (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ)(٧) والمبني على «ياء» مفتوح ما قبلها كقول الشاعر :

١٠٤٣ ـ تعزّ فلا إلفين بالعيش متّعا

ولكن لورّاد المنون تتابع (٨)

__________________

(١) ينظر الكتاب (٢ / ٢٧٥ ، ٢٨٦) ، وقد حمل فيه سيبويه عمل «لا» على «ربّ» ، ورب لا تعمل إلا في نكرة ، وينظر أيضا الكتاب (١ / ٤٢٧) ، ورصف المباني (ص ٢٦١) ، وشرح الرضي على الكافية (١ / ٢٥٥).

(٢) ينظر الكتاب (٢ / ٢٩٨) ، والمقرب (١ / ١٩٠) ، ففيهما أن «لا» : إذا فصل بينها وبين ما تعمل فيه بطل عملها وقد جاء في التصريح أن أبا عثمان المازني يخالف اجماع النحاة في هذه المسألة. يقول صاحبه :(وأن تكون النكرة متصلة بها) خلافا لأبي عثمان ، فإنه أجاز أن تعمل مع فصلها ، ولكنه لا يبنى وقد جاء في السعة : لا منها بدّ بالبناء مع الفصل وليس مما يعول عليه. اه. شرح التصريح (١ / ٢٣٦).

(٣) سورة ص : ٥٩.

(٤) احترز المصنف بهذه الآية ، لأن قوله (مرحبا) معمول لغير «لا» ، فهو إما منصوب على المصدرية أو على أنه مفعول به. يقول أبو البقاء في إملاء ما منّ به الرحمن (٢ / ٢١٢): «لا مرحبا ، فمرحبا منصوب على المصدر أو على المفعول به ، أي لا يسمعون مرحبا». اه. وينظر أيضا الكشاف (٢ / ٢٨٨) ، وروح المعاني للألوسي (٧ / ٣٦٨) ، والمقرب (١ / ١٩٠ ـ ١٩١).

(٥) ينظر مغني اللبيب (١ / ٢٣٧) ، والهمع (١ / ١٤٥) ، والمطالع السعيدة (٢٣٥).

(٦) أي المفرد الدال على واحد.

(٧) سورة التوبة : ١٢.

(٨) البيت من الطويل مجهول القائل ، وهو في التذييل (٢ / ٨٤٤) ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ٧١) ، وشرح شذور الذهب (ص ١١٨) ، والهمع (١ / ١٤٦) ، والدرر (١ / ١٢٦) ، والأشموني (٢ / ٧) ، والتصريح (١ / ٢٣٩) ، والعيني (٢ / ٣٣٣) ، وأوضح المسالك (١ / ١٠٤) ، والشاهد قوله : (فلا إلفين) حيث بنى اسم «لا» على ما كان به وهو الياء لأنه مثنى.

٣٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

والمبني على ياء مكسور ما قبلها كقول الشاعر :

١٠٤٤ ـ يحشر النّاس لا بنين ولا آ

باء إلّا وقد عنتهم شؤون (١)

والمبني على كسرة كقول سلامة بن جندل :

١٠٤٥ ـ إنّ الشّباب الّذي مجد عواقبه

فيه نلذّ ولا لذّات للشّيب (٢)

يروى بكسر التاء وفتحها ، والفتح أشهر وبالوجهين أنشد قول الآخر :

١٠٤٦ ـ لا سابغات ولا جأواء باسلة

تقي المنون لدى استيفاء آجال (٣)

وزعم أبو الحسن بن عصفور أن الفتح في مثل هذا لازم (٤). والصحيح جواز الفتح والكسر ثم أشرت إلى أنه لا خلاف في كون الخبر مرفوعا «بلا» إذا لم يركب الاسم معها (٥) ، ثم قلت : هو كذا مع التركيب على الأصح (٦) ، فنبهت ـ

__________________

(١) البيت من بحر الخفيف لقائل مجهول. وهو في التذييل (٢ / ٨٤٤) ، وشرح لابن الناظم (ص ٧١) ، وشذور الذهب (ص ١١٩) ، والتصريح (١ / ٢٣٩) ، والهمع (١ / ١٤٦) ، والدرر (١ / ١٢٦) ، والأشموني (٢ / ٧) ، والعيني (٢ / ٣٣٤) ، وأوضح المسالك (١ / ١٠٥) ، والشاهد قوله : (لا بنين) حيث بنى اسم «لا» النافية للجنس على ما كان ينصب به وهو الياء.

(٢) البيت من البسيط ، وهو التذييل (٢ / ٨٤٤) ، وشرح الألفية للمرادي (١ / ٣٦٤) ، وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (١ / ١٤٣) ، وشرح شواهده للجرجاوي (ص ٨١) ، وفتح الجليل بشرح شواهد ابن عقيل بهامش شرح الشواهد (ص ٨١) ، وشذور الذهب (ص ١٢٠) ، والتصريح (١ / ٣٢٨) ، والهمع (١ / ١٤٦) ، والدرر (١ / ٢٦) ، والأشموني (٢ / ٨) ، والمفضليات (ص ١٢٠) ، وديوانه (ص ٧) والخزانة (٢ / ٨٥) ، برواية (أودى الشباب) ، والعيني (٢ / ٣٢٦) ، والشاهد قوله :(ولا لذات) حيث روي بالفتح والكسر ، فدل ذلك على جواز بنائه على كل منهما.

(٣) البيت من البسيط لقائل مجهول. وهو في التذييل (٢ / ٨٥٤) ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ٧١) ، وقطر الندى (١ / ١٨٣) ، والهمع (١ / ١٤٦) ، والدرر (١ / ١١٧) ، والأشموني (٢ / ٩) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ١٥٦).

اللغة : جأواء : يقال كتيبة جأواء إذا كان يعلوها السواد لكثرة الدروع.

والشاهد قوله : (لا سابغات) حيث روي بالفتح والكسر ، وهذا يدل على أن اسم «لا» إذا كان مؤنثا سالما يجوز فيه البناء على الكسر والبناء على الفتح.

(٤) ينظر المقرب (١ / ١٩٠) ، يقول ابن عصفور : فإن كان مفردا أو جمع تكسير أو جمع سلامة بالألف والتاء بني معها على الفتح. اه.

(٥) في المطالع السعيدة (ص ٢٣٥) ، والإجماع أن «لا» هي الرافعة للخبر عند عدم التركيب. اه.

(٦) رفع الخبر بلا مع التركيب مذهب الأخفش والمازني والسيرافي. ينظر الهمع (١ / ١٤٦).

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بذلك على ما ذهب إليه سيبويه من أن الخبر مع التركيب مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخول «لا» (١) ، لأن شبهها «بإنّ» ضعف حين ركبت وصارت كجزء كلمة وجزء الكلمة لا يعمل ، ومقتضى هذا أن يبطل عملها في الاسم والخبر ، لكن أبقي عملها في أقرب المعمولين ، وجعلت هي ومعمولها بمنزلة مبتدأ والخبر بعدهما على ما كان عليه مع التجرد ، وغير ما ذهب إليه سيبويه أولى (٢) ، لأن كل ما استحقت «لا» به العمل من المناسبات السابق ذكرها باق ، فليبق ما ثبت بسببه ، ولا يضر التركيب ، كما لم يضر «إنّ» صيرورتها بفتح الهمزة مع معمولها كشيء واحد ، ولو كان جعل «لا» مع اسمها كشيء واحد مانعا من العمل في [٢ / ١٤٠] الخبر لمنعها من العمل في الاسم ، لأن أحد جزأي كلمة «لا» يعمل في الآخر ، ولا خلاف في أن التركيب لم يمنع عملها في الاسم (٣) ، فلا يمنع عملها في الخبر.

وأيضا فإن عمل «لا» في الخبر أولى من عملها في الاسم. لأن تأثيرها في معناه أشد من تأثيرها في معنى الاسم ، والإعراب إنما جيء به في الأصل للدلالة على المعنى الحادث بالعامل ، وإنما لم يكن خلافا في ارتفاع الخبر «بلا» غير المركبة لأن مانع التركيب هو كون الاسم مضافا أو شبيها به ، وكلاهما صالح للابتداء به مجردا عن «لا» كما أن اسم «لا» صالح للابتداء به مجردا عن «إنّ» وليس كذلك مصحوب «لا» المركب ، فإنّ تجرده من «لا» يبطل الابتداء به لأنه نكرة لا مسوغ معها ، وإذا اقترنت «بلا» كانت بمنزلة نكرة ابتدئ بها لاعتمادها على نفي. ثم أشرت إلى حذف الخبر وهو على ثلاثة أقسام : ممتنع ، وجائز ، وواجب.

فالمتنع حذفه في موضع لا دليل فيه من لفظ ولا معنى ، كقولك مبتدئا مقتصرا :«لا رجل» ، فمثل هذا لا يعد كلاما عند أحد من العرب ، لأن المخاطب لا يستفيد ـ

__________________

(١) في الكتاب (٢ / ٢٧٥): «واعلم أن لا وما عملت فيه في موضع ابتداء كما أنك إذا قلت : هل من رجل ؛ فالكلام بمنزلة اسم مرفوع مبتدأ. اه.

(٢) ينظر شرح الألفية للمرادي (١ / ٣٦٣) ، والتوطئة (ص ٣٢٤ ـ ٣٢٥) ، والمغني (١ / ٢٣٩).

(٣) ذكر السيوطي أن بعضهم ذهب إلى «لا» لم تعمل في الاسم شيئا حالة التركيب ، واستدل لهذا المذهب بما استدل به المصنف لعمل لا في الخبر حالة التركيب. يقول السيوطي : وذهب بعضهم إلى أنها تعمل في الاسم أيضا شيئا حالة التركيب لأنها صارت منه بمنزلة الجزء ، وجزء الكلمة لا يعمل فيها. اه.

الهمع (١ / ١٤٦).

٣٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

منه شيئا ، وأما الجائز والواجب فحذف ما دل عليه دليل ، كقولك : «لا رجل» لمن قال : هل في الدار رجل؟ وكقولك للشاكي : «لا بأس» تحذف «فيها» من الأول ، «وعليك» من الآخر ، فمثل هذا يجوز فيه الحذف والإثبات عند الحجازيين ، ولا يلفظ به التميميون ولا الطائيون أصلا ، بل الحذف عندهم واجب بشرط ظهور المعنى (١) ، ومن نسب إليهم التزام الحذف مطلقا أو بشرط كونه ظرفا ، فليس بمصيب.

وإن رزق من الشهرة أوفر نصيب (٢). وأكثر ما يحذفه الحجازيون مع «إلا» نحو : «لا إله إلّا الله» (٣) ومن حذفه دون «إلا» قوله تعالى : (قالُوا لا ضَيْرَ)(٤).

وقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ)(٥) ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا ضرر ولا ضرار» (٦) ، «ولا عدوى ولا طيرة» (٧). ومن استعمال الخبر منطوقا به في لغة غير الحجازيين قول حاتم (٨) :

١٠٤٧ ـ وردّ جازرهم حرفا مضرّبة

ولا كريم من الولدان مصبوح (٩)

فمصبوح خبر لا صفة لعدم الحاجة إلى تقدير ، وربما حذف الاسم للعلم به ، ـ

__________________

(١) ينظر الكتاب (٢ / ٢٧٩) ، وشرح الألفية للناظم (ص ٧٣) ، وشرح الألفية للمرادي (١ / ٣٧٣) ، والتذييل (٢ / ٨٥٤ ـ ٨٥٦) ، وتعليق الفرائد (١١٧١ ـ ١١٧٢).

(٢) في البهجة المرضية للسيوطي (ص ٤٢): «وزعم الزمخشري وغيره أن بني تميم يحذفون خبر لا مطلقا على سبيل اللزوم ، وليس بصحيح ، لأن حذف خبر لا دليل عليه يلزم منه عدم الفائدة والعرب مجمعون على ترك التكلم بما لا فائدة فيه. اه. وينظر الهمع (١ / ١٤٧) ، وابن يعيش (١ / ١٠٥).

(٣) ينظر الإيضاح للفارسي (١ / ٢٣٩) ، والتذييل (٢ / ٨٥٨).

(٤) سورة الشعراء : ٥٠.

(٥) سورة سبأ : ٥١.

(٦) حديث شريف أخرجه ابن ماجه في سننه (٢ / ٧٨٤).

(٧) حديث شريف أخرجه البخاري في باب الطب ، وابن ماجه في سننه في كتاب الطب ، وفي سنن أبي داود في باب الطب أيضا.

(٨) نسب البيت إلى أبي ذؤيب الهذلي أيضا ، ونسبه الأعلم إلى النبيتي ، ينظر العيني (٢ / ٣٦٨ ـ ٣٦٩) ، ومعجم الشواهد (١ / ٨٥).

(٩) البيت من البسيط وهو في الكتاب (٢ / ٢٩٩) ، والمقتضب (٤ / ٣٧) ، وأمالي الشجرى (٢ / ٢١٢) وابن يعيش (١ / ١٠٤ ، ١٠٧) ، والعيني (٢ / ٣٦٨) ، والأشموني (٢ / ١٧) ، وديوان حاتم (١٢٣) ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ٧٣) ، وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (١ / ١٤٧) ، وشرح شواهده (ص ٨٦) ، ورصف المباني (ص ٢٦٧) ، والتذييل (٢ / ٤٩٧ ، ٨٥٤).

والشاهد قوله : (ولا كريم من الولدان مصبوح) حيث صرح بالخبر ، لأنه لم يدل عليه دليل.

٣٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وبقي الخبر ، كقولهم : «لا عليك» أي لا بأس عليك ، وخالف المبرد سيبويه في اسم «لا» المثنى نحو : لا رجلين فيها ، فزعم أنه معرب ، واحتج له بأمرين ، أحدهما : أنه بزيادة الياء والنون أشبه المطول المستحق للنصب نحو : لا خيرا من زيد هنا. (١) والثاني : أن العرب تقول : أعجبني يوما زرتني ، فتفتح ، وأعجبني يوما زرتني فتعرب ، وكلا الحجتين ضعيفة : أما الأولى : فمعارضة بأن شبه لا رجلين بيا رجلان أقوى من شبهه بـ «لا خيرا من زيد» وقد سوى بين «يا رجلان» و «يا رجل» فليسوّ بين «لا رجلين» و «لا رجل» (٢).

وأما الثانية : فضعفها بيّن أيضا وذلك أن بناء يوم ، وشبهه حين أضيف إلى الجملة ، فإنما (٣) كان لشبهه «بإذ» لفظا ومعنى ، فلما بني خالفه ، بلحاق علامة التثنية ، [٢ / ١٤١] ويكون اليوم إذا ثني مؤقتا ، والحمل على «إذ» لا يكون مؤقتا ، وإنما يكون يكون مبهما أي صالحا لنهار وليلة ، وللقليل والكثير ، واليوم المفرد بهذه المنزلة كقوله تعالى : (وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُ)(٤) وكقوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)(٥). المعنى : وحين يقول كن فيكون قوله الحق وكل حين هو في شأن.

والحاصل : أن «يوما» لإبهامه أشبه «إذ» فحمل عليه في البناء إذ استعمل استعماله ، فإذا ثني زال إبهامه ، فلم يصح أن يحمل على «إذ» للزوم إبهامها وصلاحيتها لكل زمان ماض ، ليلا كان أو نهارا ، قليلا كان أو كثيرا. وزعم أبو إسحاق الزجاج (٦) والسيرافي أن فتحة «لا رجل» وشبهه فتحة إعراب وأن التنوين حذف منه تخفيفا ولشبهه بالمركب (٧) ، وهذا الرأي لو لم يكن في كلام العرب ما يبطله لبطل بكونه مستلزما مخالفة النظائر ، فإن الاستقراء قد أطلعنا على أن حذف التنوين من الأسماء لا يكون إلا لمنع الصرف ، أو للإضافة أو لدخول الألف واللام ، أو لكونه في علم موصوف بابن مضاف إلى علم أو لملاقاة ساكن. أو لوقف ، أو لبناء. ـ

__________________

(١) ينظر الكتاب (٢ / ١١٥ ، ٢٩٥) ، (٣ / ٢٨٩) ، والمقتضب (٤ / ١٢٩) ، وشرح الألفية لابن الناظم (ص ٧٣).

(٢) ينظر المقتضب (٤ / ٣٥٦ ـ ٣٦٦).

(٣) ينظر مغني اللبيب (١ / ٢٣٨).

(٤) سورة الأنعام : ٧٣.

(٥) سورة الرحمن : ٢٩.

(٦) ينظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج (١ / ٢٥٩ ، ٢٣٢) ، والزجاج وأثره في النحو والصرف (٢٢٩).

(٧) ينظر التذييل والتكميل (٢ / ٨٦٣) ، وشرح الرضي على الكافية (١ / ٢٥٥) ، وتعليق الفرائد (١١٧٣).

٣٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والاسم المشار إليه ليس ممنوعا من الصرف ولا مضافا ، ولا ذا ألف ولام ، ولا علما موصوفا بابن ، ولا ذا التقاء الساكين ، ولا موقوفا عليه ، فتعين كونه مبنيا ، كيف وقد روى عن العرب : (جئت بلا شيء) بالفتح وسقوط التنوين (١) ، كما قالوا : (جئت بخمسة عشر) ، والجار لا يلغى ولا يعلق فثبت البناء بذلك يقينا ، والعجب من الزجاج والسيرافي ، في زعمهما أن ما ذهب إليه من أن فتحة «لا رجل» وشبهه ، فتحه إعراب هو مذهب سيبويه ، إسنادا إلى قوله في الباب الأول من أبواب «لا» : و «لا» تعمل فيما بعدها فتنصبه بغير تنوين (٢) ، وغفلا عن قوله في الباب الثاني : وعلم أن المنفي الواحد إذا لم يل لك ، فإنما يذهب منه التنوين ، كما أذهب من خمسة عشر ، لا كما أذهب من المضاف (٣) ، فهذا نص لا احتمال فيه ، قلت : ومما يدل على أن الفتحة المشار إليها فتحه بناء ، لا فتحة إعراب ، ثبوتها في :

١٠٤٨ ـ ... ولا لذات للشيب (٤)

وتوجيه رواية الكسر على أن يكون «لذات» منصوبا لكونه مضافا ، أو مشبها بالمضاف على نحو ما يوجه به لا أبا لك ، ولا يدي لك ، وسيأتي بيان ذلك مستوفى بعون الله. وقد قال سيبويه ـ في الثاني من أبواب لا في النفي ـ : «اعلم أن التنوين يقع من المنفي في هذا الموضع ، إذا قلت : لا غلام لك ، كما يقع من المضاف إلى اسم ، وذلك إذا قلت : لا مثل زيد ، فعلم بهذا أن فتحة ميم «لا غلام لك» عنده كفتحة لام لا مثل زيد (٥) ، لأنهما عنده سيان في الإضافة ، فعلى هذا تكون كسرة «لذات» كسرة إعراب ، لكونه مضافا ، واللام مقحمة ، وهذا واضح بلا تكلف ، وندر تركيب النكرة مع «لا» الزائدة (٦) كقول الشاعر :

١٠٤٩ ـ لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها

إذن لزار ذوو أحسابها عمرا (٧)

وهذا من التشبيه الملحوظ فيه مجرد اللفظ ، وهو نظير تشبيه «ما» الموصولة ـ

__________________

(١) ينظر شرح الكافية (١ / ٢٥٧).

(٢) الكتاب (٢ / ٣٧٤).

(٣) الكتاب (٢ / ٢٨٣).

(٤) تقدم.

(٥) الكتاب (٢ / ٢٧٦).

(٦) ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (٢ / ٤) ، وشرح الرضي على الكافية (١ / ٢٧٥).

(٧) البيت من البسيط وهو في الخصائص (٢ / ٨٧) ، والأشموني (٢ / ٤) ، والهمع (١ / ١٤٧) ، والدرر (١٣٧) ، والخزانة (٢ / ٧٨) ، وديوانه (٢٨٣) ، وشرح الرضي على الكافية (١ / ٢٥٧).

٣٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بـ «ما» النافية في قول الشاعر [٢ / ١٤٢] :

١٠٥٠ ـ يرجّى المرء ما إن لا يراه

ويعرض دون أدناه الخطوب (١)

فزاد «إن» بعد «ما» الموصولة ، وإنما تزاد بعد النافية لكن سوغ ذلك كون اللفظ واحدا ، والمشهور الوارد على القياس أن يقال في اسم «لا» إذا كان أبا أو أخا : لا أب له ، ولا أخ لك ، كما قال نهار اليشكري :

١٠٥١ ـ أبي الإسلام لا أب لي سواه

إذا افتخروا بقيس أو تميم (٢)

وأن يقال فيه إذا كان مثنّى أو شبهه ، كما قال الشاعر :

١٠٥٢ ـ تأمّل فلا عينين للمرء صارفا

عنايته عن مظهر العبرات (٣)

وكما قال الآخر :

١٠٥٣ ـ أرى الرّبع لا أهلين في عرصاته

ومن قبل عن أهليه كان يضيق (٤)

وقد كثر في الكلام مع مخالفته القياس نحو لا أبا لك ، ولا أخا له ، ولا غلامي لك (٥). فمن ذلك قول الراجز (٦) : ـ

__________________

والشاهد قوله : (لا ذنوب لها) حيث عملت «لا» الزائدة عمل «لا» غير الزائدة ، وركبت مع اسمها وهو ذنوب.

(١) البيت من بحر الوافر وهو لجابر بن رألان الطائي وهو في المغني (١ / ٢٥) ، والتصريح (٢ / ٢٣٠) ، والخزانة (٣ / ٥٦٩) والجنى الداني (٢١١).

والشاهد فيه قوله : ما إن لا يراه حيث زيدت أن بعد ما الموصولة.

(٢) البيت من الوافر وهو في الكتاب (٢ / ٢٨٢) ، وابن يعيش (٢ / ١٠٤) ، والتذييل (٢ / ٨٦٨) ، والهمع (١ / ١٤٥) ، والدرر (١ / ١٢٥) ، والشعر والشعراء (ص ٥٤٤) ، والكامل (٢ / ١٣٤).

والشاهد قوله : (لا أب لي) حيث جعل الجار والمجرور وهو (لي) خبرا للا.

(٣) البيت من الطويل لقائل مجهول. وهو في التذييل (٢ / ٨٦٨) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ١٥٥) ، والهمع (١ / ١٤٥) ، والدرر (١ / ١٢٥) ، وشرح التسهيل للمصنف (١ / ٦٠).

والشاهد قوله : (فلا عينين للمرء) حيث بني اسم لا على الياء لأنه مثنى وهو القياس.

(٤) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في التذييل (٢ / ٨٦٨) ، والهمع (١ / ١٤٦) ، والدرر (١ / ١٢٦) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ١٥٦) ، وشرح التسهيل للمصنف (١ / ٦٠).

اللغة : العرصات : جمع عرصة وهي البقعة من الدور ليس فيها بناء.

والشاهد قوله : (لا أهلين) حيث بني على الياء لأنه ملتحق بجمع المذكر السالم.

(٥) ينظر الكتاب (٢ / ١٧٦) ، والمقتضب (٤ / ٣٧٣ ـ ١٧٤).

(٦) يزعم الأعراب أن هذا الرجز من قول الضب للحسل أيام كانت الأشياء تتكلم. ينظر معجم الشواهد (٢ / ٥١٢).

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

١٠٥٤ ـ أهدموا بيتك لا أبا لكا

وزعموا أنّك لا أخا لكا

وأنا أمشي الدّألى حوالكا (١)

ومثال لا غلامي لك قول الشاعر :

١٠٥٥ ـ لا تعبأنّ بما أسبابه عسرت

فلا يدي لامرئ إلّا بما قدرا (٢)

ولم يرد هذا الاستعمال في غير ضرورة إلا مع اللام ، وقد تحذف في الضرورة وكقول الشاعر :

١٠٥٦ ـ وقد مات شمّاخ ومات مزرد

وأيّ كريم لا أباك مخلّد (٣)

وقال آخر :

١٠٥٧ ـ أبالموت الّذي لا بدّ أنّي

ملاق لا أباك تخوّفيني (٤)

__________________

(١) الرجز في الكتاب (١ / ٣٥١) ، والتذييل (٢ / ٨٩٩) ، والحيوان للجاحظ (٦ / ٢٢٨) ، وأمالي الزجاجي (١٣٠) ، والكامل (ص ٢٤٧) ، والمخصص (١٣ / ٢٢٦) ، والهمع (١ / ٤١ ، ١٤٥) ، والدرر (١ / ١٥ ، ٢٤) ، واللسان (حول ـ دأل).

والشاهد قوله : (لا أبا لك ، لا أخا لك) ، حيث نصب اسم «لا» بالألف لأنه مضاف لما بعد اللام واللام مقحمة بينهما وذلك كثير في الكلام ولكنه ـ كما بين ابن مالك ـ مخالف للقياس وقيل إنه ليس مضافا وإنما هو مشبه بالمضاف في نزع تنوينه.

(٢) البيت من البسيط لقائل مجهول. وهو في التذييل (٢ / ٨٦٩) ، وشرح التسهيل للمصنف (١ / ٦٠) والهمع (١ / ١٤٥) ، والدرر (١ / ١٢٥) ، وحاشية محيي الدين على الشذور (ص ٣٩٨).

والشاهد قوله : (فلا يدي لامرئ) ، حيث نصب اسم «لا» بالياء لأنه مثنى مضاف إلى قوله «امرئ» ، واللام مقحمة.

(٣) البيت من الطويل لمسكين الدارمي. وهو في المقتضب (٤ / ٣٧٥) ، والكامل (٣٠٣ ، ٥٦٣) ، وابن يعيش (٢ / ١٠٥) ، والتذييل (٢ / ٨٨٦) ، والخزانة (٢ / ١١٦) ، وديوانه (ص ٣١) ، والكتاب (٢ / ٢٧٩).

والشاهد قوله (لا أباك) حيث حذف اللام المقحمة بعد (أب) للضرورة.

ويروى البيت برواية أخرى وهي «وأي كريم لا أباك يمنع».

(٤) البيت من الوافر وهو في المقتضب (٤ / ٤٧٥) ، والكامل (٣١٣) ، والخصائص (١ / ٣٤٥) ، وأمالي الشجري (١ / ٣٦٢) ، والتذييل (٢ / ٨٨٦) وابن يعيش (٢ / ١٠٥) ، والمقرب (١ / ١٩٢) ، والإيضاح للفارسي (٢٤٥) ، والألفية للمرادي (٢ / ٢٤٩) ، والخزانة (٢ / ١١٨) ، والتصريح (٢ / ٢٦) ، والهمع (١ / ١٤٥) ، والدرر (١ / ١٢٥) ، وشذور الذهب (ص ٣٩٧) ، وديوان أبي حية (ص ١٧٧).

والشاهد قوله : (لا أباك) حيث حذف اللام المقحمة بين المضاف والمضاف إليه للضرورة.

٣٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومذهب أكثر النحويين في هذا النوع أنه مضاف إلى المجرور باللام ، وأن اللام مقحمة لا اعتداد (١) بها كما لا اعتداد باللام في قول الشاعر :

١٠٥٨ ـ يا بؤس للحرب الّتي

وضعت أراهط فاستراحوا (٢)

وهذا القول ، وإن كان قول أكثر النحويين ـ لا أرتضيه ، لأن الإضافة التي ادعيت في الأمثلة المشار إليها إما محضة ، وإما غير محضة ، فإن كانت محضة لزم كون اسم «لا» معرفة ، وهو غير جائز ، ولا عذر في الانفصال باللام لأن نية الإضافة المحضة كافية في التعريف مع كون المضاف غير مهيأ للإضافة كقوله تعالى :(وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ)(٣) و (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)(٤) ، وما نحن بسبيله مهيأ للإضافة ، فهو أحق بتأثيريّة الإضافة فيه (٥).

وإن كانت الإضافة المدعاة غير محضة (٦) ؛ لزم من ذلك مخالفة النظائر ، لأن المضاف إضافة غير محضة لا بد من كونه عاملا عمل الفعل ، لشبهه به لفظا ومعنى ، نحو : هذا ضارب زيد الآن وحسن الوجه ، أو معطوفا على ما لا يكون إلا نكرة ، نحو : رب رجل وأخيه ، وكم ناقة وفصيلها (٧). والأسماء المشار إليها بخلاف ـ

__________________

(١) ينظر الكتاب (٢ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧) ، والمغني (١ / ٢١٦).

(٢) البيت من الكامل لسعد بن مالك ، وهو في المحتسب (٢ / ٩٣) ، والتذييل (٢ / ٨٧٠ ، ٨٧١) ، والأمالي الشجرية (١ / ٢٧٥) ، وابن يعيش (٢ / ١٠ ، ١٠٥) ، (٤ / ٣٦) ، (٥ / ٧٣) ، ومغني اللبيب (١ / ٢١٦) ، وشرح شواهده (٢ / ٥٨٢) ، وحاشية يس (١ / ١٩٩) ، والحلل في شرح أبيات الجمل لابن السيد (ص ٢٤٤ ، ٢٤٦) ، والكتاب (٢ / ٢٠٧) ، والخصائص (٣ / ١٠٢) ، والمقتضب (٢ / ٢٥٣) ، والتمام لابن جني (ص ١٢٠).

والشاهد قوله : (يا بؤس للحرب) ، حيث أقحمت اللام بين المضاف والمضاف إليه ولذلك ورد البيت بنصب قوله (بؤس).

(٣) سورة الفرقان : ٣٩.

(٤) سورة الروم : ٤.

(٥) يكاد يكون ابن مالك في رأيه هنا متفقا مع ابن الشجري الذي قال في أماليه (١ / ٣٦٢): «وإنما ضعف حذف هذه اللام ، لأنها في هذا الكلام معتد بها من حيث منعت الاسم لفصلها بينه وبين المجرور بها أن يعرف بإضافته إليه ، فيكون اسم لا معرفة ، وترك الاعتداد بها من حيث يثبت الألف في أب. ألا ترى أن الألف لا يثبت في هذا الاسم إلا في الإضافة نحو رأيت أباك وأبا زيد ، فلو لا أنه في تقدير الإضافة إلى الكاف في لا أبا لك لم تثبت الألف ، وكذلك حكم اللام في قولك لا غلامي لك ولا غلامي لزيد». اه.

(٦) ينظر المقرب (١ / ١٩٢).

(٧) ينظر الكتاب (٢ / ٥٤ ، ٢٧٤).

٣٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك ، فلا تكون إضافتها غير محضة (١) ، وأيضا فلو كانت مضافة وإضافتها [٢ / ١٤٣] غير محضة لم يلق بها أن تؤكد معناها بإقحام اللام ، لأن المؤكد معتنى به ، وما ليس محضا لا يعتنى به فيؤكد ، ولذلك قبح توكيد الفعل الملغى ، لأنه مذكور في حكم المسكوت عنه ، وقول من قال : «يا بؤس للحرب» ، وهو يريد : يا بؤس الحرب ، سهله كون إضافته محضة على أن لقائل أن يجعل أصله يا بؤسى للحرب ، ثم حذفت الألف للضرورة ، وهي مرادة (٢) ، فلا إضافة ولا إقحام ، وأيضا لو كانت إضافة الأسماء المشار إليها غير محضة مع «لا» لكانت كذلك مع غيرها ، إذ لا شيء مما يضافة إضافة غير محضة إلا وهو كذلك مع كل عامل ، ومعلوم أن إضافتها في غير هذا الباب محضة ، فيجب أن لا تكون في هذا الباب ، وإلا لزم عدم النظير.

وممّا يدل على ضعف القول بكون الأسماء المشار إليها مضافة قولهم : لا أبا لي ولا أخا لي فلو كانوا قاصدين الإضافة ، لقالوا : لا أب لي ، ولا أخ لي ، فيكسرون الباء والخاء إشعارا بأنها متصلة بالياء تقديرا ، فإن اللام لا اعتداد بها على ذلك التقدير ، وإذ لم يفعلوا ذلك فلا ارتياب في كونهم لم يقصدوا الإضافة ، ولكنهم قصدوا إعطاء الأسماء المذكورة حكم المضاف إذا كانت موصوفة بلام الجر ، ومجرورها ، ولم يفصل بينهما (٣) ، وذلك أن الصفة يتكمل بها الموصوف كما يتكمل المضاف بالمضاف إليه ، فإذا انضم إلى ذلك كون الموصوف معلوم الافتقار إلى مضاف إليه ، وكون الصفة متصلة بالموصوف ، وكونها باللام التي يلازم معناها ـ

__________________

(١) روي هذا الرأى لابن مالك بعدم انحصار غير المحضة في الصفة ـ الهمع (١ / ١٤٥).

(٢) في المقتضب (٤ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣): «وكل مضاف إلى يائك ـ أي ياء المتكلم ـ في النداء يجوز فيه قلب هذه الياء ألفا ، لأنه لا لبس فيه وهو أخف ، وباب النداء باب تغيير ، ألا ترى أنهم يحذفون فيه تنوين زيد ، ويدخل فيه مثل يا تيم تيم عدي ومثل يا بؤس للحرب. اه. فالألف إذن في هذا الرأي أصلها ياء المتكلم على رأي المبرد ثم قلبت ألفا ، وانظر الكتاب (٢ / ٢١٠).

(٣) في الهمع (١ / ١٤٥) : قال السيوطي بعد أن ذكر أقوال النحاة في لا أبا لك : «الثالث» أنها مفردة جاءت على لغة القصر ، والمجرور باللام هو الخبر وعليه الفارسي وابن يعيش وابن الطراوة ، وإنما اخترته لسلامته من التأويل والزيادة والحذف ، وكلها خلاف الأصل. اه. وينظر حاشية يس على التصريح (١ / ٢٣٦) ، ففيها رأي مالك والرد عليه.

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الإضافة غالبا ، وكون المجرور صالحا ، لأن يضاف إليه الأول ، تأكّد شبه الموصوف بالمضاف ، فجاز أن يجري مجراه فيما ذكر من الحذف والإثبات ، فمن ثم لم يبالوا بفيك أن يجرى هذا المجرى كقول الشاعر (١) :

١٠٥٩ ـ وداهية من دواهي المنو

ن يرهبها النّاس لا فا لها (٢)

فنصبه بالألف كما ينصبه الإضافة ، وممّن ذهب في هذه المسألة إلى ما ذهبت إليه ابن كيسان وهشام الكوفي بشرط كون اللام ومجرورها غير خبر (٣). فإن كان هو الخبر تعين إثبات النون ، وحذف الألف بإجماع ، وكذ إن لم يل اللام ومجرورها ، أو كان موضع اللام حرف غيرها ، وأجاز يونس (٤) المعاملة المذكورة مطلقا مع فصل اللام بظرف أو جار غيرها نحو لا يدي بها لك ، ولا غلامي عندك لزيد. وأشار سيبويه إلى جواز ذلك في الضرورة (٥) ، ولا تختص هذه المعاملة بالمثنى ، وأب وأخ وأخواتهما ، بل هي جائزة في كل ما وليه لام جر معلقة بمحذوف غير خبر حتى في :«لا غلام لك» ، و «لا بني لك» ، و «لا بنات لك» ، ولا عشرى لك. وقد فهم ذلك من قولي : وقد يعامل غير المضاف معاملته في الإعراب ، ونزع التنوين والنون ، فدل ذكر الإعراب على أن فتحة لا غلام لك قد تكون [٢ / ١٤٤] إعرابا ، وأنه يقال :لا أبا لك ، ولا أخا لك ، ولا غلامي لك ولا بني لك ، ولا بنات لك ، ودل ذكر نزع التنوين والنون على أن تنوين (لا غلام لك) أزيل لما أزيل له نون (لا غلامي لك) ، وذلك كله مفهوم قول سيبويه ، فلو جعل اللام ومجرورها خبرا تعين البناء ، وتوابعه ، ولو تعلقت اللام بالاسم تعين الإعراب وتوابعه غالبا نحو : لا واهبا لك درهما ، ـ

__________________

(١) هو عامر بن الأحوص ، ونسب الشنتمري البيت إلى الخنساء ، وهو في اللسان بدون نسبة.

(٢) البيت من المتقارب ، وهو في الكتاب (١ / ٣١٦) ، والتذييل (٢ / ٨٧٣) ، وابن يعيش (١ / ١٢٢) ، واللسان (فوه) ، والبيت ليس في ديوان الخنساء. ويروى أيضا : (تحسبها) بدل (ترهبها).

اللغة : المنون : الدهر والمنية.

والشاهد قوله : (لا فالها) حيث عامل اسم «لا» الموصوف معاملة الاسم المضاف لشبه به على رأي ابن مالك.

(٣) ينظر الهمع (١ / ١٤٥) ، وأبو الحسن ابن كيسان وآراؤه في النحو واللغة (٢١٥ ـ ٢١٦) ، رسالة بجامعة عين شمس ، إعداد علي البكرى. وابن كيسان النحوي (ص ١٥٦) ، تأليف د. محمد البنا.

(٤) سبقت ترجمته.

(٥) الكتاب (٢ / ٢٧٩ ـ ٢٨١) ، والهمع (١ / ١٤٥).

٣٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

واحترزت بغالبا من قول الشاعر :

١٠٦٠ ـ أراني ولا كفران لله آية

لنفسي قد طالبت غير منيل (١)

أنشده أبو علي في التذكرة ، وقال : إن آية منصوب بكفران ، أي لا أكفر الله رحمة لنفسي ، ولا يجوز نصب آية بأوّيت مضمرا ، لئلا يلزم من ذلك اعتراض بين مفعولي أرى بجملتين. إحداهما : «لا» واسمها وخبرها.

والثانية : أوّيت ومعناه : رفعت (٢). وإلى كفران لله آية أشرت بقولي : وقد يحمل على المضاف مشابهة بالعمل ، ويمكن أن يكون من هذا قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا صمت يوم إلى اللّيل» (٣) على رفع يوم بالمصدر على تقديره بأن وفعل ما لم يسم فاعله ، ولا يستغنى عن اللام بعد ما أعطى حكم المضاف من الأسماء المذكورة إلا بعد «أب» في الضرورة ، كقول الشاعر :

١٠٦١ ـ وقد مات شمّاخ ومات مزرد

وأيّ كريم لا أباك مخلّد (٤)

وكقول الآخر :

١٠٦٢ ـ أبالموت الّذي لا بدّ أنّي

ملاق لا أباك تخوّفيني (٥)

أراد : لا أبا لك ولا أباك. كذا زعموا وهو عندي بعيد ، لأنه إن كان الأمر كذلك ، لم يخل من أن يكون «أب» مضافا إلى الكاف عاملا فيها أو يكون مقدر الانفصال باللام ، وهي العاملة في الكاف مع حذفها ، فالأول ممنوع لاستلزامه تعريف اسم «لا» أو تقدير عدم تمحّض الإضافة فيما إضافته محضة. والثاني ممنوع لاستلزامه وجود ضمير متصل ، معمول العامل غير منطوق به ، وهو شيء لا يعلم له نظير ، فوجب الإعراض ـ

__________________

(١) البيت من الطويل لكثير عزة ، وهو في الخصائص (١ / ٣٣٧) ، والتذييل (٢ / ٨٨٩ ، ٨٩١) ، والمغني (٢ / ٢٩٤) ، وشرح شواهده (٢ / ٨٢٠) ، والهمع (١ / ١٤٧) ، والدرر (١ / ١٢٧) ، واللسان (أوى) ، وشرح الكتاب لابن خروف (ص ٢٦) ، والشيرازيات (٢٣٢).

الشاهد قوله : (ولا كفران لله آية ... لنفسي) حيث تعلق الجار والمجرور «بكفران» فكان حقه أن ينون ولكنه نزع تنوينه تشبيها بالمضاف ، وهذا من غير الغالب.

(٢) ذكر ذلك أبو علي الفارسي أيضا في المسائل الشيرازيات (٢٣٢) ، رسالة بجامعة عين شمس ، وينظر الخصائص (١ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨).

(٣) روي الحديث في سنن أبي داود برواية : «لا يتم بعد احتلام ولا صمات يوم إلى الليل». (سنن أبي داود ٢ / ١٠٤).

(٤ ، ٥) تقدم.

(٤ ، ٥) تقدم.

٣٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

عنه والتبرؤ منه ، والوجه عندي في أباك ولا أباك ، أن يكون دعاء على المخاطب بأن لا يأباه الموت ، وهذا توجيه ليس فيه من التكلف شيء والحمد لله.

هذا آخر كلام المصنف (١) ، ويتعلق ببعضه وبمسائل الفصل مباحث :

منها :

أنه شرط في الاسم الذي تعمل فيه «لا» إذا وليها أن يكون غير معمول لغيرها احترازا من نحو قوله تعالى : (لا مَرْحَباً بِهِمْ)(٢) ، فقال الشيخ : لا يحتاج إلى احتراز من هذا ولا إلى ذكره ، لأن مرحبا لم يل «لا» ، بل هو منصوب بفعل مقدر ، فالذي ولي «لا» إنما هو ذلك الفعل المحذوف ، لا الاسم النكرة (٣). والذي قاله الشيخ ظاهر لكن قد يعتذر عن المصنف [٢ / ١٤٥] بأن (مرحبا) قد ولي «لا» لفظا ، فاحترز عنه ، لدخوله في كلامه المتقدم صورة. قال الشيخ : ولأنه أيضا قد خرج هذا بقوله : وقصد خلوص العموم باسم نكرة ، وفي «لا مرحبا» لم يقصد ذلك باسم نكرة ، فلم يندرج فيما قبله ليحترز عنه (٤).

ومنها :

أن غير المصنف زاد في الشروط شرطا آخر ، وهو أن لا يقع بين عامل ومعمول (٥) نحو قولك : جئت بلا زاد ، لأن ما ذكره المصنف من الأمور الموجبة للعمل موجود فيها ، ومع ذلك لا يعمل ، قلت : قد استغنى المصنف عن ذكر ذلك بقوله : ودخول الباء على «لا» يمنع التركيب غالبا (٦) ، بل أفاد بقوله : «غالبا» أنها ـ

__________________

(١) شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٦٤).

(٢) سورة ص : ٥٩.

(٣) التذييل (٢ / ٨٤١).

(٤) التذييل (٢ / ٨٤١).

(٥) ينظر التصريح (١ / ٢٣٦).

(٦) في الكتاب (٢ / ٣٠٢): «واعلم أن لا قد تكون في بعض المواضع بمنزلة اسم واحد هي والمضاف إليه ليس معه شيء ، وذلك نحو قولك : أخذته بلا ذنب ، وأخذته بلا شيء ، وغضبت من لا شيء ، وذهبت بلا عتاد ، والمعنى معنى ذهبت بغير عتاد ، وأخذته بغير ذنب ، إذ لم ترد أن تجعل غيرا شيئا أخذه به يعتد به عليه. اه. من هذا النص يتبين لنا أن سيبويه يجعلها في هذه الحالة ـ أي إذا دخل عيها جار ـ بمعنى «غير» مضافة لما بعدها ، وهذا مذهب الكوفيين. ينظر حاشية الخضري على شرح ابن عقيل (١ / ١٤١) ، والأزهية للهروي (ص ١٦٠).

٣٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

قد تعمل مع دخول الباء فكأن ما فعله أولى (١).

ومنها :

أن المصنف وقع في كلامه المتقدم أن «لا» لتوكيد النفي ، وإنّ لتوكيد الإثبات فقال الشيخ : إن «لا» ليست لتأكيد النفي ، بل لتأسيس النفي إذ لم تدخل على شيء منفيّ ، فأكدت ، إنما استفيد النفي منها ، بخلاف «إنّ» فإنها لتأكيد الإثبات كما قال. انتهى (٢) ، والذي قاله المصنف هو الجاري على الألسنة ، فلا تزال تسمع قولهم : «إنّ» لتوكيد الإثبات ، و «لا» لتوكيد النفي ، والذي يظهر أن «لا» هذه لما كانت تفيد عموم النفي نصّا دون غيرها تخيل فيها كأنها بعد إفادة النفي المحتمل للعموم أفادت بهذا العمل الخاص ، النفي العام صريحا ، ودفعت الاحتمال الذي كان ، فمن ثم قيل : إنها لتأكيد النفي.

ومنها :

أنهم ذكروا أن عمل «لا» عمل «إنّ» هو فرع فرع (٣) ، لأنها حملت على «إن» فهي فرع ، وإنّ حملت على ضرب زيدا عمرو ، فإن فرع ، وضرب زيدا عمرو ، فرع (ضرب عمرو زيدا) (٤).

ومنها :

أن المشهور أن الموجب لعمل «لا» شبهها (٥) بإنّ كما تقدم ، والمصنف قد ذكر ذلك ، ولكنه قدم قبله أن «لا» إنما عملت هذا العمل لأنها اختصت بالاسم ، لما قصد بها عموم النفي ، فوجب لها العمل للاختصاص ، وامتنع العمل أن يكون جرّا أو رفعا كما ذكره ، فتعين أن يكون نصبا. وعلى هذا لا يكون عملها بالحمل على «إنّ» ، ـ

__________________

(١) جعل ابن هشام عمل «لا» حينئذ شاذّا ، يقول : «وشذ جئت بلا شيء بالفتح». اه. أوضح المسالك (١ / ١٠٣) ، وينظر الأشموني (٢ / ٤).

(٢) التذييل والتكميل لأبي حيان (٢ / ٨٣٩).

(٣) ينظر الإنصاف (١ / ٣٦٧) ، وشرح الرضي على الكافية (١ / ٢٥٧).

(٤) ذكر الرضي في شرح الكافية (١ / ٢٥٧) ، أنه قد ضعف عمل «لا» بسبب هذه المشابهة بينها وبين «إن» ، يقول : وعملها مع هذه المشابهة المذكورة ضعيف لوجهين : أحدهما أن أصلها التي هي «إنّ» إنما تعمل لمشابهتها الفعل لا بالأصالة ، فهى مشبهة بالمشبهة ، والثاني : أن الظاهر أن بين «إن» ولا التبرئة تنافيا وتناقضا لا مشابهة. اه.

(٥) ينظر شرح الأشموني (٢ / ٢ ـ ٣).

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والحق أن عمل «لا» يجوز أن يعلل بكل من الأمرين على انفراده ، والمصنف قد جمع منهما ، لا على أن كلّا منهما جزء علة ، بل على أنه مستقل بالعلية.

ومنها :

أنهم اختلفوا في علة بناء المفرد مع «لا» ، فقال قائلون : العلة في ذلك تضمن الاسم معنى «من» ، وقال قائلون : العلة فيه التركيب (١) ، وهذا ظاهر كلام المصنف فإنه قال في شرح الكافية : فإن كان مفردا بني معها على الفتح تشبيها بخمسة عشر (٢). وأما التعليل الأول ، فهو اختيار ابن عصفور (٣) ، وهو غير ظاهر ، فإن الاسم من قولنا «لا رجل» لم يتضمن «من» ، ولهذا رد ابن الضائع قول ابن عصفور ، وقال : لم يتضمن الاسم معنى [٢ / ١٤٦] «من» والذي يظهر أن معنى «من» مفهوم من مجموع الكلمتين لا من كل منهما بمفرده ، فالمتضمن لمعنى «من» إذا إنما هو «لا» مع «رجل» في قولنا : لا رجل (٤) ثم قوى ابن الضائع البناء للتركيب بشيء آخر وهو بناء الاسم مع صفته ، وجعل ابن هشام البناء للتركيب مذهب سيبويه (٥) والجماعة ، فقال : مذهبهم أن العرب ركبت «لا» مع الاسم ، وجعلتهما كلمة واحدة ، فبنوا الاسم للتركيب كخمسة عشر. ودليل ذلك أنه إذا فصل بينهما أعربوا الاسم نحو : لا في الدار رجل ولا امرأة ، وأن قوما من الحجاز يقولون : لا رجل أفضل من زيد ، في التزام التنكير ، وترك تقديم الخبر وعدم الفصل ، وأن المعنى استغراق الجنس ، وقد أعربوا ، لكنهم لم يقصدوا التركيب ، وفيها معنى (٦) «من» في هذه المواضع كلها لأنها تعطي الاستغراق.

ومنها :

أن المصنف ذكر أن الصحيح في نحو : ـ

__________________

(١) ينظر أوضح المسالك (١ / ١٠٥) ، والمغني (١ / ٢٣٨) ، والإنصاف (١ / ٣٦٧).

(٢) ينظر الكافية الشافية (١ / ٥٢٢) بتحقيق د / عبد المنعم هريدي.

(٣) واختاره الرماني في معاني الحروف (ص ٨١) ، وينظر رأي ابن عصفور في شرح الجمل له (٢ / ٢١٧) ، رسالة بجامعة القاهرة.

(٤) ينظر التذييل (٢ / ٨٤٢) ، والهمع (١ / ١٤٦) ، والتصريح (١ / ٢٤٠).

(٥) ينظر الكتاب (٢ / ٢٧٤ ـ ٢٧٦).

(٦) ينظر التصريح (١ / ٢٠٤).

٣٥٥

 ـ ١٠٦٣ ـ ...

ولا لذات للشيب (١)

جواز الفتح والكسر ، وذكر أن ابن عصفور أوجب الفتح ، والذي ذكره عنه هو الذي أورده في المقرب (٢) ، ولكنه ذكر في شرح الجمل خلاف ذلك ، فإنه قال : فإن دخلت على جمع سلامة بالألف والتاء مثل أذرعات ، ففيها خلاف ، فمن قال إن الحركة في : «لا رجل» حركة إعراب يقول في النصب هنا : لا أذرعات بالكسر أي بغير تنوين ومن قال : إنها حركة بناء يقول : لا أذرعات بالفتح ، ولا يجوز الكسر ، لأن الحركة ليست عنده لأذرعات خاصة ، وإنما هي لأذرعات و «لا» ، وهذا الذي قال باطل ، ثم قال : والكسر هو الصحيح ، وبه ورد السماع ، وأنشد البيت الذي فيه : «ولا لذات للشيب». وقال : فإنه روي بكسر التاء من «لذات» (٣).

وقد تضمن شرح الشيخ ذكر أربعة مذاهب في هذه المسألة :

أحدها : الكسر مع التنوين ، وهو مذهب ابن خروف ، وقوم من النحويين سبقوه إلى ذلك.

الثاني : الكسر بلا تنوين وهو مذهب الأكثرين.

الثالث : الفتح وهو مذهب المازني والفارسي.

الرابع : جواز الكسر والفتح من غير تنوين في الحالين. قال الشيخ : وهو الصحيح وبه ورد السماع (٤). انتهى.

فقد ثبت أن الأصح من هذه المذاهب جواز الوجهين ، وهو الذي ذكره المصنف وأنه هو الصحيح.

ومنها :

أنك قد عرفت أن المصنف خالف سيبويه ، فجعل «لا» عاملة في الخبر إذا ركب الاسم معها ، كما أنها عاملة فيه إذا لم يكن تركيب ـ قال الشيخ : ـ

__________________

(١) تقدم.

(٢) ينظر المقرب (١ / ١٩٠) ، وفيه : فإن كان مفردا أو جمع تكسير أو جمع سلامة بالألف والتاء بني معها على الفتح وحذف التنوين ، فتقول : لا رجل في الدار ، ولا غلمان لزيد ولا هندات لك. اه.

(٣) شرح الجمل لابن عصفور (٢ / ٢١٩).

(٤) التذييل (٢ / ٨٤٤ ـ ٨٤٨).

٣٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا الذي اختاره (١) يعني المصنف هو مذهب الأخفش والمازني (٢) وأبي العباس ، وجماعة ذهبوا إلى أن «لا» هي العاملة في الخبر الرفع إجراء لها مجرى «إنّ» ، وذهب غيرهم من النحويين إلى أنها لم تعمل في الخبر شيئا ، بل النكرة مع «لا» العاملة [٢ / ١٤٧] فيها في موضع رفع على الابتداء ، والاسم المرفوع بعدهما خبر للابتداء ، كما أن النكرة مع «من» في قولك : «هل من رجل قائم» في موضع رفع على الابتداء ، والاسم المرفوع بعدها خبر للمبتدأ (٣).

وهذا المذهب هو الظاهر من كلام سيبويه وهو الصحيح ، والدليل على ذلك أنه يجوز أن يحمل جميع توابعها (٤) قبل أن يأتي الخبر (٥) ، كما يجوز أن تحمل توابع النكرة المجرورة (بمن) في قولك : هل من رجل في الدار على الموضع قبل الخبر.

فتقول : (لا رجل عاقل في الدار) ، و (لا رجل وامرأة في الدار) ، كما تقول : (هل من رجل عاقل في الدار وهل من رجل وامرأة في الدار) فلو لا أنها مع «لا» محكوم لها بحكم اسم مبتدأ ، لما جاز الحمل على الموضع قبل الخبر كما لم يجز الحمل على موضع «إنّ» قبل الخبر وثمرة الخلاف تظهر في نحو : قولك : (لا رجل وامرأة قائمان) ، فعلى مذهب الأخفش ، لا يجوز ذلك ، لأنه يؤدي إلى إعمال عاملين في معمول واحد لأن لا هي العاملة في الخبر على رأيه ، فإذا قلت : (لا رجل وامرأة عاقلان) ؛ كان عاقلان قد عمل فيه «لا» من حيث هو خبر لاسمها. وتعمل فيه امرأة من حيث هو خبرها ، ولا يجوز ذلك ، وعلى المذهب الآخر يجوز لأنهما اسمان مبتدآن معطوف أحدهما على الآخر ، كما تقول زيد وعمرو قائمان.

وأما إذا كان الخبر مما يصلح أن يكون لأحدهما نحو قول الشاعر (٦) : ـ

__________________

(١) في (ب) (أجازه).

(٢) سبقت ترجمته. وانظر بغية الوعاة (١ / ٤٦٣) ، تحقيق / محمد أبو الفضل والزبيدي (ص ٩٢) ، ومعجم الأدباء (٧ / ١٠٧) ، والمدارس النحوية (ص ١١٥).

(٣) التذييل (٢ / ٨٥٠).

(٤) زاد في (ب) (على الموضع).

(٥) في التذييل (يجوز أن يحمل جميع توابعها على الموضع قبل أن تأتي بالخبر).

(٦) هو أمية بن أبي الصلت. قاله في وصف أحوال أهل الجنة ، واسمه عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي ، شاعر جاهلي حكيم دخل الإسلام ثم ارتد بعد أن قتل ابنا خال له في بدر.

ينظر الخزانة (١ / ١١٩).

٣٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

١٠٦٤ ـ فلا لغو ولا تأثيم فيها (١)

ففيها خبر عن الاسمين على ظاهر قول سيبويه ، وخبر عن أحدهما ، وخبر الآخر محذوف على قول أبي الحسن. انتهى (٢). واعلم أن الاستدلال للمذهب المنسوب إلى سيبويه بجواز حمل التوابع على الموضع قبل الخبر ، لم يظهر لي وجه صحته ، فإن حمل التابع على الموضع جائز قبل الخبر ، إذا كان اسم «لا» غير مركب معها أيضا ، ولا شك أن «لا» عاملة حينئذ في الخبر إجماعا ، فدل ذلك على أن حمل التوابع على الموضع قبل الخبر ، لا أثر له في كون لا غير عاملة في الخبر (٣) وإذا لم يتبين صحة الدليل الذي ذكره ثم الدليل الذي ذكره المصنف.

ومنها :

أن المصنف قصر خلاف المبرد على المثنى حيث قال : ولا عمل للا في لفظ المثنى من نحو : لا رجلين فيها ، خلافا للمبرد ، والمبرد كما خالف في المثنى خالف في المجموع على حده (٤) ، قال ابن عصفور : فإن كان مثنّى أو مجموعا جمع سلامة لمذكر فاختلف النحويون فيه ، فمذهب سيبويه أنه مبني ومذهب أبي العباسي المبرد أنه معرب.

انتهى (٥). ومن ثم قال الشيخ : «في عبارة المصنف قصور ، لأنه قصر هذا الحكم على المثنى ، والخلاف في الجمع الذي على حد التثنية كالخلاف في التثنية» (٦). ـ

__________________

(١) صدر بيت من الوافر وعجزه :

وما فاهوا به أبدا مقيم

وينظر في شرح الألفية لابن الناظم (ص ٧٢) ، وحاشية الخضري (١ / ١٤٤) ، برواية : «ولا حين ولا فيها مليم» في الشطر الثاني.

وينظر أيضا شرح ابن عقيل بحاشية الخضري (١ / ١٤٤) ، وأوضح المسالك (١ / ١٠٧) ، والتذييل (٢ / ٨٥٢) ، وشذور الذهب (ص ١٢٣) ، والتصريح (١ / ٢٤١) ، وشرح الأشموني (٢ / ١١) ، والخزانة (٢ / ٢٨٣) ، واللسان (سهر) ، وديوان أمية (ص ٥٤) ، والعيني (٢ / ٣٤٦).

والشاهد قوله : (فلا لغو ولا تأثيم فيها) حيث وقع قوله «فيها» خبرا عن الأسبق لصلاحيته لكل منهما.

وهذا على رأي سيبويه ، أما على رأي الأخفش فهو خبر لأحدهما وخبر الآخر محذوف.

(٢) التذييل (٢ / ٨٥٠ ـ ٨٥٢).

(٣) ينظر الهمع (١ / ١٤٦).

(٤) ينظر رأي المبرد في المقتضب (٤ / ٣٦٦) ، وهو موافق لما ذكره ناظر الجيش عنه هنا.

(٥) شرح الجمل لابن عصفور (٢ / ٢١٨ ـ ٢١٩).

(٦) التذييل (٢ / ٨٥٩).

٣٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها :

أنك عرفت أن في نحو : «لا أبا لك» مذهبين للنحويين ، وقد ذكر الشيخ مذهبا ثالثا : وهو أن : (لا) (١) أبا لك ، ولا أخا لك ـ إنما جاء على لغة القصر فقولنا : لا أبا لك ، كقولنا : لا أب لك (٢). ولا يخفى ضعف هذا القول لأمرين [٢ / ١٤٨].

أحدهما : أن نحو «لا أبا لك» يتكلم به من ليس لغته قصر الأسماء المذكورة.

الثاني : قول الشاعر :

١٠٦٥ ـ فلا يدي لامرئ إلا بما قدرا (٣)

وهذا ظاهر ، فإذا لا معول على هذا المذهب ، بل لا ينبغي ذكره. واعلم بأن قول المصنف فيما تقدم والخاء إشعارا بأنها متصلة بالباء تقديرا إلى آخره فيه نظر لأنه لا يلزم كسر ما قبل ياء المتكلم إلا إذا فضل بها لفظا.

وأما قوله : (فإن اللام لا اعتداد بها) فصحيح من حيث المعنى ، وأما من حيث اللفظ فيجب أن يعتد بها ، ولا شك أن اللام هى الجارة للضمير لفظا ، وقد أوردوا هذا سؤالا فقالو : إذا كان الأب من قولهم : «لا أبا لك» مضافا لما بعده ، فكيف ساغ للعرب أن تقول : لا أبا لي بإثبات الألف ، ولا أخا لي. قال الأعشى (٤) :

١٠٦٦ ـ فأنت أبي ما لم تكن لي حاجة

وإن عرضت أيقنت أن لا أبا ليا (٥)

__________________

(١) من النسخة (ب).

(٢) التذييل (٢ / ٧٠) ، وفيه أن هذا مذهب الفارسي في أحد قوليه ، وأبي الحجاج. وينظر الإيضاح للفارسي (ص ٢٤٣ ـ ٢٤٤).

(٣) تقدم.

(٤) اختلف في نسبة هذا البيت ، فقيل إنه منسوب إلى عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب ، كما في الكامل للمبرد ، وهو في ديوانه (ص ٨٩) ، ونسب في شرح الشواهد للسيوطي إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يخاطب ابن الحسين بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. ونسب في الأغاني للأبيرد الرياحي كما نسب أيضا إلى جرير ، وهو ديوان (ص ٦٠٥).

(٥) البيت من الطويل وهو في التذييل (٢ / ٨٨١) ، والنقائض (ص ١٦٤) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٥٥٥) ، والأغاني (١٣ / ١٢٧) ، والكامل (١ / ١٢٥) ، وسمط اللآلي (٢٨٩) ، والتنبيهات (ص ١٤١). ويروى البيت برواية أخرى هي :

أأنت أخي ما لم تكن بي حاجة

فإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا

وبرواية : (فإن عرضت يوما فلست أبا ليا) ولا شاهد على هذه الرواية.

٣٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال آخر (١) :

١٠٦٧ ـ وذي أخوّة قطّعت أسباب بينهم

كما تركوني مفردا لا أخا ليا (٢)

والأب والأخ إذا أضيفا إلى ياء المتكلم لم ترد فيه اللام المحذوفة؟

والجواب : أن الذي منع من رد اللام المحذوفة إذا قلت أبي ، إنما هو ما يلزم في ذلك من نقل التضعيف (٣) في ياء المتكلم ، لأجل الإدغام ، فلما فصلت بين الألف وياء المتكلم اللام ، أمن التضعيف المستقل فأعادوا اللام المحذوفة كما يعيدوها في حال الإضافة إلى غير ياء المتكلم.

ومنها :

أن المصنف لم يفرق فيما نقله عن يونس من جواز الفصل بين الظرف الناقص والتام وفي كتاب سيبويه أن يونس يفرق بينهما. فالناقص يجيز الفصل به في فصيح الكلام ، وكأنه عنده لما لم يستقل به الكلام لم يؤثر ، والتام لا يجيز الفصل به. ورد سيبويه بأنك لم تفرق بين الناقص والتام في الفصل بين «إن» واسمها ، ولا في باب «كان». ألا ترى أنك تقول إن عندك زيدا مقيم ، وإن اليوم زيدا مسافرا ، وكان عندك زيد مقيما ، وكان اليوم زيدا مسافرا. وأجاز سيبويه الفصل بجملة الاعتراض ، نحو : لا أبا أعلم لك (٤).

ومنها :

أنك قد علمت أن المصنف قال : والوجه عندي في لا أبا لك : أن يكون دعاء على المخاطب بأن لا يأباه الموت ، يعني أن «أبى» في لا أباك فعل ماض ، وفاعله ضمير يرجع إلى الاسم الذي قبله في قوله : ـ

__________________

والشاهد قوله : (لا أبا ليا) حيث أثبتت الألف مع أن الأب مضاف إلى ياء المتكلم.

(١) هو صخر بن عمرو الحارث بن الشريد الرياحي السلمي من بني سليم بن منصور من قيس عيلان أخي الخنساء الشاعرة. ينظر جمهرة الأنساب (ص ٢٤٩).

(٢) البيت في التذييل (٢ / ٨٨٢) ، وشرح ديوان الحماسة (٣ / ١١١).

والشاهد قوله : لا أخا ليا فقد أثبتت الألف في (أخ) مع أنه مضاف إلى ياء المتكلم.

(٣) أورد هذا التساؤل وأجاب عنه بنفس هذه الإجابة أيضا الشيخ يس في حاشيته على التصريح (١ / ٢٣٦).

(٤) الكتاب (٢ / ٢٨٠ ـ ٢٨١).

٣٦٠