شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٣

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ماضيا من الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر (١) ، نحو قوله تعالى : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ)(٢) ، وقوله تعالى : (إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ)(٣) وقوله : (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ)(٤) ، وذلك أنها كانت قبل التخفيف مختصة بالمبتدأ والخبر ، فلما خففت وضعف شبهها بالفعل جاز دخولهما على الفعل ، وكان الفعل من الأفعال المشاركة لها في الدخول على المبتدأ والخبر ، كيلا تفارق محلها بالكلية ولا يكون ذلك الفعل غالبا إلا بلفظ الماضي فإن كان مضارعا حفظ ولم يقس عليه (٥) ، كقوله تعالى (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ)(٦) ، وكقراءة أبي بن كعب (٧) : (وإن أخالك [يا] فرعون مثبورا) (٨) وكذا إن وليها فعل من غير الأفعال المختصة بالمبتدأ والخبر كقراءة ابن مسعود رضي‌الله‌عنه : إن لبثتم لقليلا (٩) ذكرها الأخفش في المعاني (١٠) ، وكقول امرأة : والذي يحلف به إن جاء لخاطبا (١١) ، يعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكقول بعض العرب «إن يزينك لنفسك وإن يشينك لهية (١٢) ، وكقول امرأة الزبير رضي الله تعالى عنهما :

٩٩٦ ـ ثكلتك أمّك إن قتلت لمسلما

حلّت عليك عقوبة المتعمّد (١٣)

__________________

(١) هذا مذهب البصريين ويجوز دخولها عند الكوفيين على سائر أنواع الفعل ينظر التوطئة (٢٠٦) ، وابن الناظم (٦٨) ، وشرح الرضي (٢ / ٣٥٩) ، ورصف المباني (١٠٩) ، والأشباه والنظائر (٢ / ١٥٠).

(٢) سورة البقرة : ١٤٣.

(٣) سورة الصافات : ٥٦.

(٤) سورة الأعراف : ١٠٢.

(٥) ينظر التصريح (١ / ٢٣٢) ، وابن الناظم (٦٨) ، والهمع (١ / ١٤٢).

(٦) سورة القلم : ٥١.

(٧) هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري البخاري ، أبو المنذر وأبو الطفيل ، سيد القراء ، كان من أصحاب العقبة الثانية ، وشهد بدرا والمشاهد ، ومات في خلافة عثمان سنة (٣٠ ه‍) على أرجح الأقوال. ينظر الإصابة في تمييز الصحابة (١ / ١٦) ط. السعادة.

(٨) سورة الإسراء : ١٠٢ وهي (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) وينظر قراءة أبيّ في الكشاف (١ / ٤٦٥).

(٩) سورة الإسراء : ٥٢.

(١٠) ينظر التصريح (١ / ٢٣٢) ، والهمع (١ / ١٤٢).

(١١) المرجع السابق.

(١٢) ينظر شرح عمدة الحافظ (١٣٨) ، والهمع (١ / ١٤٢) ، والتصريح (١ / ٢٣٢) ، والأشموني (١ / ٢٩٠) ، وابن عقيل (١ / ١٣٨ ـ ١٣٩) ، وابن الناظم (٦٨).

(١٣) تقدم.

٣٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

ويروى : هبلتك أمك. وأجاز الأخفش أن يقال : إن قعد لأنا وإن كان صالحا رحما لزيد ، وإن ضرب زيدا لعمرو ، وان ظننت عمرا لصالحا (١) صرح بذلك كله في كتاب المسائل ، وبقوله أقول ، لصحة الشواهد علي ذلك نثرا ونظما.

وموقع «لكنّ» بين كلامين متنافيين بوجه (٢) ما ، كقوله تعالى : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا)(٣) ، وكقوله تعالى : (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ)(٤) ولضعفها بمباينة لفظها لفظ الفعل لم يسمع من العرب إعمالها مع التخفيف ، وأجاز يونس والأخفش إعمالها قياسا على ما خفف من «إنّ» و «أنّ» و «كأنّ» (٥) ورأيهما في ذلك ضعيف.

وتتصل «ما» الزائدة «بليت» ، فيجوز حينئذ إعمالها وإهمالها بإجماع (٦).

وشاهد الوجهين قول النابغة : ـ

٩٩٧ ـ قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا ونصفه فقد (٧)

قال ابن برهان مشيرا إلى هذا البيت : الجميع رووه عن العرب بالإعمال ـ

__________________

(١) ينظر رأي الأخفش في التذييل (٢ / ٧٥٣) ، والمغني (١ / ٢٥) ، والتصريح (١ / ٢٣١).

(٢) ينظر رصف المباني (٢٧٦) ، والمغني (١ / ٢٩٠).

(٣) سورة البقرة : ١٠٢.

(٤) سورة الأنفال : ٤٣.

(٥) ذكر الشلوبين أن «لكنّ» إذا خففت لم تعمل في المشهور ، وحكى عن يونس إعمالها غير أنه قال : إلا أني لم أره في أصل الكتاب. التوطئة (٢١٤) ، وينظر شرح الألفية للمرادي (١ / ٣٦٠) ، وشذور الذهب (٣٥١) ، والبهجة المرضية (٣٩) ، والهمع (١ / ١٤٣) ، والمغني (١ / ٢٩٢) ، والأشموني (١ / ٢٤٩).

(٦) فالإعمال إبقاء لها على اختصاصها بالجملة الاسمية ، والإهمال حملا لها على بقية أخواتها. ينظر شذور الذهب (٣٤٤).

(٧) البيت من البسيط وهو في الكتاب (٢ / ١٣٧) ، والخصائص (٢ / ٤٦٠) ، وأمالي الشجري (٢ / ١٤٢ ، ٤١١) ، والإنصاف (٢ / ٤٧٩) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٣٤) ، والتوطئة (١١٩ ، ٢٠٣) ، والمقرب (١ / ١١٠) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٤٣) ، وتعليق الفرائد (١١٣٢) ، وعمدة الحافظ (١٣٥) ، والكافية الشافية (١ / ٤٨٠) ، والتذييل (٢ / ٧٥٨) ، وشرح اللمع لابن برهان (ص ٦٨) ، ومعاني الحروف للرماني (٨٩) ، ورصف المباني (٢٩٩ ، ٣١٦) ، واللسان (قدد).

والشاهد قوله : (ليتما هذا الحمام) حيث روي بنصب الحمام ورفعه ، فالنصب على إعمال «ليت» والرفع على إهمالها.

٣٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والإلغاء (١). قلت : من رفع جعل «ما» كافة «لليت» كما كفت «إن» «ما» الحجازية ، ومن نصب جعلها زائدة غير معتد بها كما لم يعتد بها بين حرف الجر والمجرور به في نحو : (عَمَّا قَلِيلٍ)(٢) ، و (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ)(٣).

وأجاز سيبويه كون «ليت» في بيت النابغة عاملة على رواية الرفع ، وذلك بأن تجعل «ما» موصولة أو نكرة موصوفة ، والتقدير : ليتما هو هذا الحمام لنا ، «فما» اسم «ليت» وهو مبتدأ محذوف وخبره هذا ، والجملة صلة «ما» أو صفتها ، فليت بهذا التوجيه عاملة في الروايتين (٤) ، وهي حقيقة بذلك لأن اتصال «ما» بها لم يزل اختصاصها [٢ / ١٢٣] بالأسماء بخلاف أخواتها ، فإن اتصال ما بها أزال اختصاصها بالأسماء ، فاستحقت «ليتما» بقاء العمل دون «إنما» و «كأنّما» و «لكنّما» و «لعلّما» ، وهذا هو مذهب سيبويه (٥).

وأجرى ابن السراج غير «ليتما» مجراها قياسا (٦) وذكر ابن برهان أن أبا الحسن الأخفش روى عن العرب : إنما زيدا قائم ، فأعمل مع زيادة «ما» وعزا مثل ذلك إلى الكسائي عن العرب (٧) ، وهذا الفعل الذي ذكره ابن برهان رحمه‌الله تعالى من إجراء عوامل هذا الباب على سنن واحد قياسا وإن لم يثبت سماع في إعمال جميعها ، وبقوله أقول في هذه المسألة. ومن أجل ذلك قلت : والقياس سائغ.

انتهى (٨) كلام المصنف رحمه‌الله تعالى ، وهو في غاية النظافة كعادته ، غير أن الجواب الذي ذكره عن شبهة أبي علي الفارسي لم أتحققه ، ثم لا بد من تنبيهات :

منها : أن ابن عصفور لم يوافق المصنف على ثبوت «إنّ» بمعنى «نعم» بل قال : الأولى عندي أن يقال : إن الاسم والخبر محذوفان ، لأنه قد تقرر أن «إنّ» تنصب الاسم وترفع الخبر ولم يستقر فيها أن تكون بمعنى «نعم» (٩) ونظّر حذف ـ

__________________

(١) شرح اللمع لابن برهان (٦٨).

(٢) سورة المؤمنون : ٤٠.

(٣) سورة آل عمران : ١٥٩. وفي (ب) (بما رحمة).

(٤) يقول سيبويه في الكتاب بعد أن ذكر بيت النابغة : «فرفعه على وجهين : على أن يكون بمنزلة قول من قال : (مثلا ما بعوضة). أو يكون بمنزلة قوله إنما زيد منطلق». اه. الكتاب (٢ / ١٣٨).

(٥) ينظر الكتاب (٢ / ١٣٧ ـ ١٣٨).

(٦) ينظر الأصول لابن السراج (١ / ٢٨١).

(٧) شرح اللمع لابن برهان (٦٧).

(٨) شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٣٨) ، تحقيق د / عبد الرحمن السيد ود / بدوي المختون.

(٩) شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٤٤ ـ ٤٤٥) ط. العراق.

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الاسم والخبر هنا بحذف فعلي الشرط والجواب في قوله :

٩٩٨ ـ قالت بنات العمّ يا سلمى وإن

كان فقيرا معدما قالت وإن (١)

وتبعه الشيخ على ذلك ، وخرج بيت حسان على أن الاسم محذوف «واللقاء» خبره ، التقدير : إنّه اللقاء (٢) وكذا خرج غيره ولا يخفى ما في ذلك من التكلف.

ومنها : أن الشيخ انتقد على المصنف قوله ولم يكن بعدها نفي يعني إن كان بعدها نفي فلا تجوز اللام نحو : إنّ زيدا لن يقوم ، وإن زيدا لم أو لما يقم ، أو ليس قائما أو يقوم ، قال الشيخ : وهذا الشرط غير محتاج إليه ألبته ، لأنه إذا كان الخبر منفيّا لم يدخل على المبتدأ حرف نفي ، فلا تلبس فيه «إن» التي للتوكيد المخففة من الثقيلة «بإن» النافية (٣).

ومنها : أن استدلال أبي علي الفارسي على أن اللام الواقعة بعد «إن» المخففة ليست التي بعد المشددة بأن ما بعد هذه ينتصب بما قبلها من الأفعال وما بعد تلك لا ينتصب بما قبلها (٤) استدلال قوي ، وقد قدمت أن جواب المصنف عن ذلك غير ظاهر لي ، وقد استدل الفارسي أيضا بأن هذه اللام تدخل على ما ليس مبتدأ ولا خبرا في الأصل ولا متعلقا بالخبر ، وذلك كدخولها على الفاعل نحو : إن يزينك لنفسك. وعلى المفعول نحو :

٩٩٩ ـ إن قتلت لمسلما

__________________

(١) الرجز لرؤبة. وهو في شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٤٥) ، والتذييل (٢ / ٧٤١) ، والمغني (٢ / ٦٤٩) ، وشرح شواهده (٢ / ٩٣٦) ، والعيني (٣ / ١٠٤) ، والخزانة (٣ / ٦٣٠) ، (٤ / ٤٨٧) ، والتصريح (١ / ١٩٥) ، والأشموني (١ / ٣٣) ، وملحقات ديوانه (١٨٦).

والشاهد قوله : (قالت .. وإن) حيث حذف فعلي الشرط والجواب لفهم المعنى.

(٢) ينظر التذييل (٢ / ٣٧٨ ، ٧٤١).

(٣) التذييل (٢ / ٧٤٥).

(٤) ينظر المسائل البغداديات (٧٦ ـ ٧٧) ، رسالة بكلية اللغة العربية ، والمسائل البغداديات (٥٢ ، ٧٠) ، رسالة بجامعة عين شمس (ص ١٧٨) من المسائل المشكلة تحقيق لصلاح الدين السنكاوي.

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ولام «إن» لا تدخل على شيء من ذلك (١) ، لكن كلام سيبويه يعطي خلاف ما ذهب إليه الفارسي ، فإنه قال : وإن توكيد لقولك : زيد منطلق ، فإذا خففت فهي كذلك تؤكد ما تكلم به ويثبت الكلام غير أن لام التوكيد تلزمها عوضا مما حذف منها (٢) انتهى. قال الشارحون : ولام التوكيد عنده عبارة عن لام الابتداء (٣). واعلم أنه ينبغي على القولين [٢ / ١٢٤] كونها معلقة لما قبلها عن العمل أو غير معلقة (٤). وقد جاء في الحديث : «قد علمت إن كنت لمؤمنا» (٥) ، فغير الفارسي يوجب كسر «إن» ، والفارسي يوجب الفتح لكن الصحيح الكسر لأن الصحيح أن اللام لام الابتداء.

وقد أطال الشيخ الكلام في هذه المسألة وفيما ذكرناه كفاية (٦).

ومنها : أن الشيخ انتقد على المصنف قوله : ولا يليها غالبا من الأفعال إلا ماض فقال : هذا ليس بصحيح فقد جاء المضارع في الكتاب العزيز كما جاء الماضي. قال الله تعالى : (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ)(٧) ، (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ)(٨) وقال في قوله في الشرح : «فإن كان مضارعا حفظ ولم يقس عليه. ولا أعلم أحدا من أصحابنا وافقه ، بل أجازوا ذلك مع المضارع ومع الماضي (٩) ، قال : وأطلق المصنف في قوله : ناسخ للابتداء ، وكان ينبغي أن يقيد ذلك بالمثبت غير الواقع صلة ، فلا يدخل على «ليس» ولا على «ما زال» و «ما انفك» و «ما فتئ» و «ما برح» ولا على «دام» (١٠). ـ

__________________

(١) المرجع السابق نفسه وينظر المسائل المنثورة (ص ٩٦).

(٢) الكتاب (٤ / ٢٣٣).

(٣) ينظر التذييل (٢ / ٧٤٥) ، وشرح الألفية للمرادي (١ / ٣٥١) ، والهمع (١ / ١٤١).

(٤) ينظر شرح الرضي على الكافية (٢ / ٣٥٩) ، والهمع (١ / ١٤٢).

(٥) حديث شريف أخرجه البخاري في كتاب الوضوء برواية فقد علمنا إن كنت لموقنا.

(٦) ذكر أبو حيان اختلاف العلماء في هذه اللام كسيبويه والأخفش الصغير وأبي الحسن بن الأخضر وابن عصفور والفارسي. ينظر التذييل (٢ / ٧٤٥) ، والارتشاف (٥٩٨).

(٧) سورة الشعراء : ١٨٦.

(٨) سورة القلم : ٥١ ، وزاد في (ب) (بأبصارهم).

(٩) ينظر الهمع (١ / ١٤٢).

(١٠) التذييل (٢ / ٧٥١).

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : أنا نستفيد من قول المصنف : بوجه ما في قوله : وموقع «لكن» بين متنافيين ـ أن الكلام الواقع قبل «لكن» يكون نقيضا لما بعدها نحو : ما هذا ساكن لكنّه متحرك ، ويكون ضدّا له نحو : ما هذا أسود ولكنه أبيض ويكون خلافا له نحو : ما هذا قائم لكنه شارب ، ولا يجوز أن يكون الذي قبلها موافقا لما بعدها نحو : ما زيد قائم لكن عمرا قائم ، فهذا لا يجوز إجماعا (١). وقد ذكر الشيخ أن في وقوعها بين الخلافين خلافا.

ومنها : أنه قد تقدم من كلام المصنف في هذه الحروف إذا وليها ما فيه غنية ، غير أن أبا الحسن بن عصفور قال :

إن فيها للنحاة ثلاثة مذاهب :

أحدها : أنه يجوز في جمعها الإلغاء والإعمال وهو مذهب الزجاجي.

الثاني : أنه يجوز : في «ليت» و «لعل» و «كأن» الإلغاء والإعمال ، ولا يجوز فيما عداها إلا الإلغاء وهو مذهب ابن السراج وأبي إسحق (٢).

الثالث : أن «ليت» وحدها يجوز فيها الأمران ، وما عداها لا يجوز فيه إلا الإلغاء وهو مذهب الأخفش وذلك أنه لم يسمع الإلغاء والإعمال إلا في «ليت (٣)».

ثم إنه نصر مذهب الأخفش بالسماع ، يعني : أنه لم يرد الإعمال إلا في ليت ، وبالقياس وذلك أن الحروف غير «ليت» يزول اختصاصها باتصال «ما» بها ، قال الله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(٤) ، (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً)(٥) ، (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ)(٦).

وأما «لكنما» فقد قال الشاعر :

__________________

(١) ينظر رصف المباني للمالقي (٢٧٦) ، والمغني (١ / ٢٩٠).

(٢) في (ب) (وأبي الحسن) والصواب ما أثبته من (أ).

(٣) شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٣٣ ـ ٤٣٤).

(٤) سورة فاطر : ٢٨.

(٥) سورة المؤمنون : ١١٥.

(٦) سورة الأنفال : ٦.

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

١٠٠٠ ـ ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل (١)

وأما «لعلما» فقد قال الآخر :

١٠٠١ ـ أعد نظرا يا عبد قيس لعلّما

أضاءت لك النّار الحمار المقيّدا (٢)

وأمّا «ليتما» فلم تولها العرب الفعل قط ، لا يحفظ من كلامهم ليتما يقوم زيد (٣) [٢ / ١٢٥] انتهى.

ونقل الشيخ مذهبا رابعا : وهو أنه لا يجوز كف «ليت» و «لعلّ» بـ «ما» ، بل يجب الإعمال. قال : وهو منسوب إلى الفراء ، قال : والسماع بالوجهين إنما ورد في ليت (٤).

ومنها : أن المغاربة يجعلون «ما» مع هذه الحروف إذا دخلت على الفعل مهيئة وموطئة لأنها هيأت الحروف للدخول على الفعل وإذا دخلت على المبتدأ والخبر جعلوها كافة ، لأنها منعتها من العمل (٥) وما ذكره حسن.

__________________

(١) صدر بيت من الطويل لامرئ القيس وعجزه :

وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي

وهو في شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٣٤) ط. العراق ، والتذييل (٢ / ٧٦٠) ، والإنصاف (١ / ٨٤) ، وابن يعيش (١ / ٧٩) ، (٨ / ٥٧) ، ورصف المباني (٣١٩) ، والمغني (١ / ٢٥٦) ، وشرح شواهده (٢ / ٦٤٢) ، والخزانة (١ / ١٥٨) ، والهمع (١ / ١٤٣) ، والدرر (١ / ١٢٢) ، وديوانه (٣٩).

والشاهد قوله : (ولكنما أسعى) حيث وليت الجملة الفعلية (لكنما) فزال اختصاصها بالجمل الاسمية وذلك لدخول «ما» عليها.

(٢) البيت من الطويل وهو الفرزدق وهو في التذييل (٢ / ٧٦٠) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٤٥) ، وابن يعيش (٨ / ٥٤ ، ٥٧) ، وأمالي الشجري (٢ / ٢٤١) ، والمغني (١ / ٢٨٧) ، وشرح شواهده (٢ / ٦٩٤) ، وشذور الذهب (٣٤٢) ، والأشموني (١ / ٢٨٤) ، والهمع (١ / ١٤٣) ، والدرر (١ / ١٢٢) ، وديوانه (٢١٣) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٣٥).

والشاهد قوله : (لعلما أضاءت لك النار) ، حيث دخلت «لعلما» على الجملة الفعلية ولحقتها «ما» فزال اختصاصها بالجمل الاسمية.

(٣) شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٣٤ ـ ٤٣٥) ط. العراق.

(٤) التذييل (٢ / ٧٥٧) ، والهمع (١ / ١٤٤) ، والتصريح (١ / ٢٢٥).

(٥) ينظر التذييل (٢ / ٧٥٨) ، والهمع (١ / ١٤٤) ، ورصف المباني (٣١٨).

٣٠٧

[تخفيف أن وكأن وأحكام ذلك ـ اللغات في لعل والجر بها]

قال ابن مالك : (فصل : لتأوّل «أنّ» ومعموليها بمصدر قد تقع اسما لعوامل هذا الباب مفصولا بالخبر ، وقد تتّصل بـ «ليت» سادّة مسدّ معموليها. ويمنع ذلك في «لعلّ» خلافا للأخفش وتخفّف «أنّ» فينوى معها اسم لا يبرز إلّا اضطرارا ، والخبر جملة اسمية مجرّدة أو مصدّرة بـ «لا» أو بأداة شرط أو بـ «ربّ» أو بفعل يقترن غالبا إن تصرّف ولم يكن دعاء بـ «قد» أو بـ «لو» أو بحرف تنفيس أو نفي ، وتخفّف «كأنّ» فتعمل في اسم كاسم أنّ المقدّر والخبر جملة اسميّة أو فعليّة مبدوءة بـ «لم» أو «قد» أو مفرد ، وقد يبرز اسمها في الشّعر ، ويقال : «أما إن جزاك الله خيرا». وربما قيل : أن جزاك الله ، والأصل أنّه ، وقد يقال في «لعلّ» : «علّ» «ولعنّ» و «عنّ» و «لأنّ» و «أنّ» و «رعنّ» و «رغنّ» و «لغنّ» و «لعلّت».

وقد يقع خبرها «أن يفعل» بعد اسم عين حملا على «عسى» والجرّ بـ «لعلّ» ثابتة الأوّل أو محذوفته مفتوحة الآخر أو مكسورته لغة عقيليّة).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : قال المصنف رحمه‌الله تعالى (١) : قد أشير في باب الابتداء أن من المبتدآت الواجب تقدم أخبارها «أنّ» وصلتها نحو : عندي أنك فاضل ، وقد تدخل عليها «إن» أو إحدى أخواتها ، فيلزم الفصل بالخبر نحو : إنّ عندي أنك فاضل (٢) ، وكأن في نفسك أني سائل. وقد تدخل ليت بلا فصل كقول الشاعر :

١٠٠٢ ـ فياليت أنّ الظّاعنين تلفّتوا

فيعلم ما بي من جوى وغرام (٣)

__________________

(١) شرح التسهيل لابن مالك : (٢ / ٣٩) تحقيق د / عبد الرحمن السيد ود / بدوي المختون.

(٢) في الكتاب (٣ / ١٢٤): «واعلم أنه ليس يحسن أن تلي «إنّ» ، «أنّ» ولا «أنّ» «إنّ». ألا ترى أنك لا تقول : إن أنك ذاهب ، في الكتاب ، ولا تقول قد عرفت أنّ إنّك منطلق في الكتاب. وإنما قبح هذا هنا كما قبح في الابتداء. اه. وفي هامش ٣ من الصفحة نفسها نقلا عن السيرافى علل ذلك ، فقال : قال كما كرهوا الجمع بين اللام وإنّ «فإن فصلت بينهما أو عطفت حسن فالفصل قولك إنّ لك أنك تحيا وتكرم والعطف قولك إن كرامتك عندي وأنك تعان. اه. وينظر في هذه المسألة أيضا المقتضب (٢ / ٣٤٢).

(٣) لم أجد هذا البيت إلا في التذييل (٢ / ٧٦٥). وهو من بحر الطويل لقائل مجهول.

والشاهد قوله : (فيا ليت أن الظاعنين تلفتوا) حيث وقعت «أنّ» ومعمولاها بعد «ليت» وسدت مسد معموليها ولم يفصل بين «أنّ» وليت بفاصل.

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فسدت «أنّ» بصلتها مسد جزأي الإسناد بعد «ليت» كما سدت مسدهما في باب «ظن» كقوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ)(١) وكما سدت مسدهما في نحو (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا)(٢) ، فإن مذهب سيبويه في الواقعة بعد «لو» أنها مرفوعة بالابتداء سادة بصلتها مسد الجزأين (٣) ، واختصت «أنّ» بهذا بعد «لو» كما اختصت «غدوة» بالنصب بعد «لدن» (٤) ، ورأي سيبويه هذا أسهل من إضمار «ثبت» بعد «لو» رافعا «لأنّ» ، وما ذهب إليه هو الصحيح ، فإن إضمار فعل دون مفسر ولا عوض لا نظير له (٥) بخلاف جعل «أنّ» وصلتها سادة مسد جزأي الإسناد فإنه نظير سدها مسد جزأي الإسناد بعد «ليت» و «ظن» ، فلم يكن بدعا.

فإنه قيل : لم لم يكن المفسر لثبت المضمر ما يقتضيه «أنّ» من معنى الثبوت؟فالجواب أن يقال : لا نسلم اقتضاء «أنّ» للثبوت ، ولو سلمنا اقتضاءها [٢ / ١٢٦] للثبوت لم يساو اقتضاء لفظ الثبوت لمعناه ، ولو وقع لفظ الثبوت بعد «لو» لم يغن عن مفسر فعل يرفعه فأن لا يستغنى عنه «بأنّ» أحق وأولى. ونظير جعل «أنّ» بعد «لو» مبتدأ مستغنيا عن خبر ، ما حكاه سيبويه من قول بعض العرب : «لحق أنّه ذاهب» بالإضافة إلى «أنّ» ما قال سيبويه كأنه قال : «ليقين ذلك أمرك» ، فأمرك هو خبر هذا الكلام لأنه إذا أضاف لم يكن بد كقولك : «لحق من خير» (٦). هذا نص سيبويه ، وأجاز الأخفش أن تعامل «لعلّ» معاملة «ليت» في الدخول على «أنّ» بلا فصل ، فيقال : لعل أنّ الله يرحمنا (٧) ، ورأيه في المسألة ـ

__________________

(١) سورة البقرة : ٤٦.

(٢) سورة البقرة : ١٠٣.

(٣) ينظر الكتاب (٣ / ١٢١ ـ ١٣٩) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٥٩) ط. العراق.

(٤) لمراجعه هذه المسألة وهى اختصاص «غدوة» بالنصب بعد «لدن» ينظر الكتاب (١ / ٥١ ، ٥٨) ، والمغني (١ / ٢٦٩).

(٥) راجع الهمع (١ / ١٣٨) ، والمغنى (١ / ٢٧٩ ـ ٢٧٠) ، وابن يعيش (٨ / ٦٠) ، والتصريح (١ / ٢١٧) ، وإضمار «ثبت» بعد «لو» رافعا «لأنّ» هو مذهب الكوفيين والمبرد والزجاج والزمخشري وابن الحاجب وذكر السيوطى في الهمع أن هذا هو المذهب المختار لاغنائه عن تقدير الخبر وإبقاء «لو» على حالها من الاختصاص بالفعل. اه.

(٦) الكتاب (٣ / ١٥٧).

(٧) ينظر التذييل (٢ / ٧٦٧).

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ضعيف لأنّ مقتضى الدليل أن لا يكتفى «بأنّ» وصلتها إلا حيث يكتفى بمصدر صريح ، والمصدر الصريح لا يكتفى به بعد «ليت» فحق أن لا يكتفى بها بعدها ، لكن سمع ذلك فقيل مع مخالفة الأصل فلا يزاد عليه دون (١) سماع. وتخفف «أنّ» فلا تلغى كما تلغى «إن» المخففة إلا أن اسمها لا يلفظ به إلا في ضرورة كقول الشاعر (٢) :

١٠٠٣ ـ لقد علم الضّيف والمرملون

إذا اغبرّ أفق وهبّت شمالا

بأنك ربيع وغيث مريع

وأنك هناك تكون الثّمالا (٣)

ولا يكون غير الملفوظ به إلّا ضميرا ، ولا يلزم كونه ضمير الشأن كما زعم بعضهم (٤) ، بل إذا أمكن عوده على حاضر أو غائب معلوم فهو أولى ، ولذلك قال سيبويه : حين مثل بقوله تعالى : (أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا)(٥) : كأنه قال جل وعز : أنك قد صدقت الرؤيا. وذكر هذا في باب ما تكون فيه «أن» بمنزلة «أي» (٦) وقال في الباب الذي بعده : وتقول : كتبت إليه أن لا تقل ذلك وأن لا تقول ذلك ، وأن لا تقول ذلك. فأما الجزم فعلى الأمر ، عبر بالأمر على النهي. ـ

__________________

(١) ينظر تعليق الفرائد (١١٣٦) حيث ذكر الدماميني ما ضعف به رأي الأخفش في هذه المسألة ، كما ذكرا المصنف هنا.

(٢) جنوب أخت عمرو الهذلية وقيل : عمرة بنت عجلان كما في شرح شواهد المغني.

(٣) البيتان من المتقارب وهما في الكافية الشافية (١ / ٤٩٦) ، ومعاني القران للفراء (٢ / ٩٠) ، والإنصاف (١ / ٢٠٧) ، وابن يعيش (٨ / ٧٥) ، وتعليق الفرائد (١١٣٩) ، والمغني (١ / ٣١) ، وشرح شواهده (١ / ١٠٦) ، والتذييل (٢ / ٧٧١) ، والخزانة (٤ / ٣٥٥) ، والعين (٢ / ٢٨٢) ، وابن الناظم (٦٩) ، والتصريح (١ / ٢٣٢) ، واللسان (أنن). ويروى البيت الثاني برواية أخرى وهي :

بأنّك كنت الربيع المغيث

لمن يعتريك وكنت الثمالا

ولا شاهد على هذه الرواية.

اللغة : المرملون : الذين نفذت أزوادهم. مريع : خصيب.

والشاهد قوله : (بأنك ربيع .. وأنك) حيث صرح باسم «أن» المخففة في الموضعين للضرورة.

(٤) هو بعض المغاربة ـ ينظر الهمع (١ / ١٤٢) ، والمطالع السعيدة (٢٣١) ، وفي التصريح (١ / ٢٣٢) ، أنه مذهب ابن الحاجب ، وهو مذهب المالقي أيضا كما في رصف المباني (ص ١١٤) ، حيث قال : إلا أنّ الخفيفة ـ يعنى «أن» يكون اسمها أبدا ضمير أمر وشأن. اه.

(٥) سورة الصافات : ١٠٤ ، ١٠٥.

(٦) الكتاب (٣ / ١٦٣).

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما النصب فعلى «لئلا». وأما الرفع فعلى : لأنك لا تقول ذلك ، أو بأنك لا تقول ذلك تخبره بأن ذلك قد وقع من أمره (١). هذا نصه.

ولا يكون الخبر بعد الاسم المنويّ إلا جملة مصدرة بمبتدأ نحو (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٢) ، وبخبر كقول الأعشى :

١٠٠٤ ـ في فتية كسيوف الهند قد علموا

أن هالك كلّ من يحفى وينتعل (٣)

أو بحرف نفي نحو (وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(٤) ، أو بأداة شرط نحو قول الشاعر :

١٠٠٥ ـ فعلمت أن من يثقفوه فإنّه

حرز لجامعة وفرخ عقاب (٥)

أو بربّ نحو قول الآخر :

١٠٠٦ ـ تيقّنت أن ربّ امرئ خيّل خائنا

أمين وخوّان يخال أمينا (٦)

أو بفعل مباشر إن كان دعاء نحو (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها)(٧) ، أو غير منصرف نحو : (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ)(٨) ، فإن كان الفعل متصرفا ـ

__________________

(١) الكتاب (٣ / ١٦٦).

(٢) سورة يونس : ١٠.

(٣) البيت من البسيط. وهو في الكتاب (٢ / ١٣٧) ، (٣ / ٧٤ ، ٤٥٤) ، والمقتضب (٣ / ٩) ، والمحتسب (١ / ٣٠٨) ، والكافية الشافية (١ / ٤٩٧) ، وأمالي الشجرى (٢ / ٢) ، وابن يعيش (٨ / ٧٤ ، ٧٦) ، والإنصاف (١ / ١٩٩) ، وابن الناظم (٦٩) ، والتوطئة (٢٠٨) ، وتعليق الفرائد (١١٣٧) ، والخزانة (٣ / ٥٤٧) ، (٤ / ٣٥٦) ، والعينى (٣ / ٨٧) ، والهمع (١ / ١٤٢) ، والدرر (١ / ١١٩) ، وديوانه (٤٥).

والشاهد قوله : (أن هالك كلّ من يحفى وينتعل) حيث خففت «أنّ» المفتوحة وألغي عملها واسمها ضمير الشأن محذوف والخبر بعده جملة مصدرة بخبر وهو (هالك).

(٤) سورة هود : ١٤.

(٥) لم أعثر على هذا البيت إلا في التذييل (٢ / ٧٧٣) كما لم أعثر على قائله.

الشاهد فيه قوله : (أن من يثقفوه فإنه) حيث حذف اسم «أن» المخففة من الثقيلة وجاء خبرها جملة اسمية مصدرية بأداة شرط.

(٦) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في التذييل (٢ / ٧٧٣) ، والهمع (١ / ١٤٣) ، (٢ / ٢٦) ، والدرر (١ / ١١٩) ، (٢ / ١٩) ، والمطالع السعيدة (٢٣٢) ، والشاهد قوله : (أن رب امرئ) حيث جاء خبر «أن» المخففة من الثقيلة جملة اسمية مصدرة «برب» وحذف اسمها.

(٧) سورة النور : ٩.

(٨) سورة الأعراف : ١٨٥.

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولم يكن دعاء وقي مباشرة «أن» في الغالب بقد كقوله تعالى : (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا)(١) كقول الشاعر :

١٠٠٧ ـ ألم تعلمي أن قد تجشّمت في الهوى

من أجلك أمرا لم يكن يتجشّم (٢)

أو «بلو» (٣) ، كقوله تعالى : (تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ)(٤) [٢ / ١٢٧] ، أو بحرف تنفيس نحو (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى)(٥) أو بحرف نفي نحو : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً)(٦) و (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ)(٧) وقال سيبويه مشيرا إلى قول الأعشى :

١٠٠٨ ـ أن هالك كلّ من يحفى وينتعل (٨)

ومثل ذلك : أول ما أقول أن بسم الله ، كأنه قال : أنه بسم الله (٩). وقال سيبويه : واعلم أنه ضعيف في الكلام أن يقول : قد علمت أن تفعل وقد علمت أن فعل حتى تأتي بالسين أو قد ، أو ينفى لأنهم جعلوا ذلك عوضا مما حذفوا من «أنه» ، فكرهوا ترك العوض (١٠). قلت : ومن شواهد علمت أن فعل قول امرئ القيس :

١٠٠٩ ـ وحدّث بأن زالت بليل حمولهم

كنخل من الأعراض غير منيّق (١١)

__________________

(١) سورة المائدة : ١١٣.

(٢) لم أعثر على هذا البيت إلا في التذييل (٢ / ٧٧٤) ، وهو لقائل مجهول من بحر الطويل والشاهد فيه قوله : (أن قد تجشمت) حيث جاء خبر (أن) المخففة جملة فعلية فعلها ماض متصرف مقترن «بقد».

(٣) ذكر الشراح أن معظم النحويين لم يذكروا الفصل بين «أن» المخففة وبين الفعل «بلو» ، وقد وهم ابن الناظم على أبيه ـ كما ذكر شراح الألفية ـ فنسب إليه القول بقلة الفصل بين «أن» المخففة والفعل «بلو» حيث قال : وأكثر النحويين لم يذكروا الفصل بين «أن» المخففة وبين الفعل ، وإلى ذلك أشار بقوله : وقليل ذكر لو. اه. شرح الألفية لابن الناظم (ص ٦٩) ، وقد خطأ شراح الألفية ابن الناظم فيما زعم حيث قالوا : وقول ابن الناظم إن الفصل بها قليل ـ أي «لو» ـ وهم منه على أبيه أي : غلط.

ينظر أوضح المسالك (١ / ١٠٠ ـ ١٠١) ، والتصريح (١ / ٢٣٤).

(٤) سورة سبأ : ١٤ وزاد في (ب) (فلما خر) في أول الآية.

(٥) سورة المزمل : ٢٠.

(٦) سورة طه : ٨٩.

(٧) سورة القيامة : ٣.

(٨) تقدم.

(٩) الكتاب (٣ / ١٦٤ ـ ١٦٥).

(١٠) الكتاب (٣ / ١٦٧).

(١١) البيت في التذييل (٢ / ٧٧٥) ، وديوان امرئ القيس (١٦٨) ، ويروى (منبثق) مكان

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال سيبويه : وأما قولهم : (أما أن جزاك الله خيرا) ؛ فإنهم إنما أجازوه لأنه دعاء ولا يصلون هنا إلى قد وإلى السين ولو قلت : أما أن يغفر الله لك ؛ جاز لأنه دعاء ، قال : وسمعناهم يقولون : أما إن جزاك الله خيرا ، شبهوه بأنّه ، قال محمد : و «أما» قبل أن المخفف المفتوحة بمعنى حقّا هي قبل المشددة المفتوحة وهي بمعنى «ألا» قبل «إن» المكسورة (١). هذا مذهب سيبويه رحمه‌الله تعالى. ويجوز عندي أن تكون «أما» في الوجهين بمعنى «ألا» وتكون «إن» المكسورة زائدة ، كما زادها الشاعر في قوله :

١٠١٠ ـ ألا إن سرى ليلي فبتّ كئيبا

أحاذر أن تنأى النّوى بغضوبا (٢)

وفي المفتوحة على هذا وجهان :

أحدهما : أن تكون المخففة وتكون هي وصلتها من موضع رفع بالابتداء ، والخبر محذوف (٣) ، كما تقرر في «أن» الواقعة بعد «لو» على مذهب سيبويه (٤) ، ويكون التقدير : أما من دعائي أن جزاك الله خيرا ، ثم حذف الخبر للعلم به.

والوجه الثاني : من وجهي الفتح مع كون «أما» بمعنى «ألا» : أن تكون زائدة كما زيدت بعد «لما» ، وقبل «لو» ، وبعد كاف الجر في قوله (٥) : ـ

__________________

(منيق). وهو من بحر الطويل.

اللغة : حمولهم : الجمال. الأعراض : الأودية.

والشاهد قوله : (وحدث بأن زالت) حيث جاء خبر «أن» المخففة جملة فعلية فعلها منصرف ، ولم تفصل من «أن» بفاصل.

(١) الكتاب (٣ / ١٦٧ ـ ١٦٨) ، وينظر هامش ٣ / من (ص ١٦٨) ، ففيه بقية النص عن بعض النسخ من أول قوله : وأما قبل «أن» المخففة المفتوحة بمعنى حقّا.

(٢) البيت من الطويل لقائل مجهول. وهو في التذييل (٢ / ٧٨٧) ، والمغني (١ / ٢٥) ، وشرح شواهده (١ / ٨٦) ، والهمع (١ / ١٢٥) ، والدرر (١ / ٩٧).

والشاهد قوله : (ألا إن سرى ليلي) حيث زيدت «إن» بعد «ألا».

(٣) ينظر تعليق الفرائد (١١٤٧).

(٤) ينظر الكتاب (١٢١).

(٥) هو ابن صريحة اليشكري كما في الكتاب (٢ / ١٣٤) ، أو أرقم بن علياء اليشكري ، كما في شرح السيرافي لأبيات الكتاب (١ / ٥٢٥) ، أو باعث بن صريم اليشكري كما في اللسان (قسم) ، أو كعب ابن أرقم اليشكري ويقال إنه قال هذا البيت في امرأته. وينظر معجم الشواهد (١ / ٣٢٥).

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

١٠١١ ـ كأن ظبية تعطو ... (١)

على رواية الجر ، ويجوز أن تكون في قول الشاعر :

١٠١٢ ـ ألا إن سرى ليلي ...

المخففة من «إن» ويكون الأصل إنه سرى ليلي ، ثم فعل به ما فعل بأما إن جزاك الله خيرا في قول سيبويه (٢). وقد تباشر «أن» المخففة فعلا متصرفا غير مقصود به الدعاء (٣) وعليه نبهت بقولي : (غالبا) (٤) ، فإن كان ذلك بعد فعل قلبي أو معناه فهو أسهل من أن يكون بعد غير ذلك (٥) ، فالأول : كقول الشاعر :

١٠١٣ ـ علموا أن يؤمّلون فجادوا

قبل أن يسألوا بأعظم سؤل (٦)

__________________

(١) جزء بيت من الطويل والبيت بتمامه :

ويوما توافينا بوجه مقسّم

كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم

وهو في الكتاب (٢ / ١٣٤) ، وشرح السيرافي للأبيات (١ / ٥٢٥) ، والإنصاف (١ / ٢٠٢) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٤٧) ، وتعليق الفرائد (١١٤٣) ، والتذييل (٢ / ٧٨٣) ، والمصنف (٣ / ١٢٨) ، والتوطئة (٢١٥) ، والمقرب (١ / ١١١) ، (٢ / ٢٠٣) ـ وأمالي السهيلي (١١٦) ، والكافية الشافية (١ / ٤٩٦) ، وابن يعيش (٨ / ٨٣) ، وشرح عمدة الحافظ (١٤٣) ، والإفصاح للفارقي (٣٤٦) ، وابن الناظم (٧٠) ، والهمع (١ / ١٤٣) ، والدرر (١ / ١٢٠).

اللغة : السلم : شجر بالبادية. مقسم : محسن جميل. تعطو : تتناول أطراف الشجر.

والشاهد قوله : (كأن ظبية) ، حيث خففت «كأنّ» وحذف اسمها وجاء خبرها اسما مفردا. وفي (ظبية) ثلاثة أوجه :الرفع على الخبرية أي كأنها ظبية ، والنصب على أنه اسم «لأن» والخبر محذوف ، والجر على كون «أن» زائدة والكاف للتشبيه ، وهو الوجه الذي استشهد به به المصنف هنا.

(٢) لمراجعة هذه المسألة ينظر الكتاب (٣ / ١٦٧ ـ ١٦٨).

(٣) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (٦٩) ، وشرح الألفية للمرادي (١ / ٣٥٦).

(٤) جعل ابن هشام ترك الفاصل ومباشرة «أن» للفعل المتصرف الذي لم يقصد به الدعاء شاذا أو نادرا.

ينظر أوضح المسالك (١ / ١٠٠) ، والجامع الصغير (٦٥).

(٥) ينظر شرح الكافية للرضي (٢ / ٢٣٢) ، والهمع (٢ / ٢) ، والأشموني (٣ / ٢٨٢) بحاشية الصبان.

(٦) البيت من الخفيف وهو في شرح الكافية الشافية (١ / ٥٠٠) ، والتذييل (٢ / ٧٧٦) ، وتعليق الفرائد (١١٤٣) ، وشرح الألفية للمرادي (١ / ٣٥٦) ، وابن الناظم (٦٩) ، والتصريح (١ / ٢٣٣) ، والعيني (٢ / ٢٩٤) ، والهمع (١ / ١٤٣) ، والدرر (١ / ١٢٠) ، والأشموني (١ / ٢٩٢).

والشاهد : (علموا أن يؤمّلون) حيث جاء خبر «أن» المخففة جملة فعلية فعلها متصرف ولم يفصل عنها بفاصل.

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأنشد الفراء :

١٠١٤ ـ إني زعيم يا نوي

قة إن أمنت من الرّزاح

ونجوت من غرض المنو

ن من الغدوّ إلى الرّواح

أن تهبطين بلاد قو

م يرتعون من الطّلاح (١)

والثاني : كقراءة بعض القراء (٢) : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ)(٣) ، ومثله قول الشاعر [٢ / ١٢٨] :

١٠١٥ ـ يا صاحبيّ فدت نفسي نفوسكما

وحيثما كنتما لقّيتما رشدا

أن تحملا حاجة لي خفّ محملها

يستوجبا منّة عندي بها ويدا

أن تقرآن على أسماء ويحكما

منّي السّلام وأن لا تشعرا أحدا (٤)

و «أن» في هذين الموضعين وأشباههما عند البصريين هى الناصبة للمضارع ، وترك إعمالها حملا على «ما» أختها ، وهي عند الكوفيين المخففة (٥) ، وشذ ـ

__________________

(١) الأبيات لقاسم بن معن قاضي الكوفة ، وهي من مجزوء الكامل وينظر فيها معاني القرآن للفراء (١ / ١٣٦) ، والكافية الشافية (١ / ٥٠١) ، والتذييل (٢ / ٢٩٧) ، والأشموني (١ / ٢٩٢) ، وابن يعيش (٧ / ٩) ، واللسان (طلح).

اللغة : الرزاح : شدة الضعف في الإبل. الطلاح : شجر طويل يستظل به الإنسان والإبل.

والشاهد قوله : (أن تهبطين) حيث جاء خبر «أن» المخففة جملة فعلية مصدرة بمضارع متصرف غير مفصول منها بفاصل.

(٢) نسب ابن خالويه في مختصر شواذ القرآن له (ص ١٤) هذه القراءة إلى مجاهد ، وتنظر هذه القراءة أيضا في الكشاف (١ / ٩٥) وفيه : «وأن تتم الرضاعة وأن يتم الرضاعة برفع الفعل تشبيها لأن بما لتآخيهما في التأويل. اه. وانظر روح المعاني للألوسي (١ / ٤٣٧).

(٣) سورة البقرة : ٢٣٣.

(٤) الأبيات من البسيط وهي لقائل مجهول ، وينظر فيها مجالس ثعلب (١ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣) ، والمصنف (١ / ٢٧٨) ، وابن يعيش (٧ / ١٥) ، (٨ / ١٤٣) ، والإنصاف (٢ / ٥٦٣) ، والتذييل (٢ / ٧٧٧) ، والمغني (١ / ٣٠) ، (٢ / ٦٩٧) ، وشرح شواهده (١ / ١٠٠) ، والتصريح (٢ / ٢٣٢) ، والخزانة (٣ / ٥٩) ، والعيني (٤ / ٣٨٠) ، والأشموني (٣ / ٢٩٧).

والشاهد قوله : (أن تقرآن) حيث وقع بعد «أن» فعل متصرف مرفوع و «أن» عند البصريين مصدرية أهملت حملا على ما «المصدرية» ، وعند الكوفيين مخففة من الثقيلة شذ اتصالها بالفعل.

(٥) ينظر شرح الكافية للرضي (٢ / ٢٣٤) ، والمغني (١ / ٣٠).

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وقوعها موقع الناصبة كما شذ وقوع الناصبة موقع المخففة في قول جرير :

١٠١٦ ـ نرضى عن الله أنّ النّاس قد علموا

أن لا يدانينا من خلقه بشر (١)

وقول الكوفيين عندى أولى بالصواب ، فإنه لا يلزم منه إهمال ما وجب له الإعمال ومما يؤيده قول الشاعر :

١٠١٧ ـ رأيتك أحييت النّدى بعد موته

فعاش النّدى من بعد أن هو خامل (٢)

فوصل «أن» بجملة اسمية وليس قبلها فعل قلبي ولا معناه ، وكل موضع هو كذا فهو «لأن» الناصبة للفعل وأن الناصبة للفعل لا توصل بجملة اسمية ، فصح وقوع المخففة موقع الناصبة وهو المراد ، وقريب من قوله : «أن هو خامل» قول الآخر :

١٠١٨ ـ فلا تلهك الدّنيا عن الدين واعتمل

لآخرة لا بدّ عن ستصيرها (٣)

أبدل همزة «أن» عينا وحسن وقوع المخففة هنا لأنّ «لا بد» تجرى مجرى اليقين وتخفف «كأنّ» فلا تلغى ، بل تعمل إعمال «أن» المخففة ، إلا أنّ خبرها إذا قدر اسمها لا يلزم كونه جملة ، بل قد يكون مفردا ، بخلاف خبر «أن» (٤) إذا قدر اسمها وإن كان جملة جاز كونها فعلية مبدوءة «بلم» كقوله تعالى (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ ـ

__________________

(١) البيت من البسيط وهو في الأشموني (٣ / ٢٨٢) ، والهمع (٢ / ٢) ، والدرر (٢ / ٢) ، وديوان جرير (٢٦١).

والشاهد قوله : (قد علموا ... أن لا يدانينا) حيث وقعت «أن» الناصبة موقع «أن» المخففة من الثقيلة وهذا شاذ.

(٢) لم أجد هذا البيت ولم أهتد إليه إلا في حاشية الشيخ محيي الدين على الأشموني (١ / ٥١٧ ، ٥١٨). وهو من بحر الطويل لقائل مجهول.

والشاهد قوله : (بعد أن هو خامل) حيث وصلت «أن» بالجملة الاسمية وليس قبلها فعل قلبي ولا ما في معناه.

(٣) البيت من بحر الطويل وهو لقائل مجهول.

والشاهد فيه قوله : (لا بد عن ستصيرها) حيث أبدل همزة «أن» عينا وأوقع «أن» المخففة موقع الناصبة وحسن ذلك لأن قوله (لا بدّ) يجري مجرى اليقين.

(٤) ينظر المطالع السعيدة (ص ٢٣٤) ، وابن الناظم (٦٩ ـ ٧٠) ، وشرح الألفية للمرادي (١ / ٣٥٧).

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بِالْأَمْسِ)(١) ، أو «بقد» كقول الشاعر :

١٠١٩ ـ لا يهولنّك اصطلاء لظى الحر

ب فمحذورها كأن قد ألمّا (٢)

أو ابتدائية كقول الشاعر :

١٠٢٠ ـ ووجه مشرق النّحر

كأن ثدياه حقّان (٣)

أو شرطية كقول الآخر (٤).

١٠٢١ ـ وي كأن من يكن له نشب يح

بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ (٥)

ومثال إفراد الخبر مع تقدير الاسم : قول الشاعر :

١٠٢٢ ـ ويوما توافينا بوجه مقسّم

كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم (٦)

__________________

(١) سورة يونس : ٢٤.

(٢) البيت من الخفيف لقائل مجهول وهو في التذييل (٢ / ٧٨٢) ، والارتشاف (٢ / ١٥٤) ، والعيني (٢ / ٣٠٦) ، والتصريح (١ / ٢٣٥) ، والأشموني (١ / ٢٩٤) ، وشذور الذهب (٣٥٠).

والشاهد قوله : (كأن قد ألما) حيث خففت «كأن» فعملت في اسم محذوف وخبرها جملة فعلية مقترنة بقد.

(٣) البيت من الهزج ، وهو من الأبيات الخمسين المجهولة القائل ، وهو في الكتاب (٢ / ١٣٥) ، والتذييل (٢ / ٧٨١) وأمالي الشجرى (١ / ٢٣٧) ، (٢ / ٣ ، ٢٤٣) ، والمحتسب (١ / ٩) ، والمنصف (٣ / ١٢٨) ، والإنصاف (١ / ١٩٧) ، وابن يعيش (٨ / ٧٢) ، وابن الناظم (٧٠) ، والهمع (١ / ٤٣) ، والأشموني (١ / ٢٩٣) ، والعينى (٢ / ٣٠٥).

والشاهد فيه : تخفيف «كأن» مع حذف اسمها ومجيء الخبر جملة اسمية : ويروى أيضا : (وصدر) مكان (ووجه).

(٤) هو زيد بن عمرو بن فعتل وقيل : سعيد بن زيد الصحابي أحد العشرة المبشرين بالجنة كما في شرح شواهد المغني (٢ / ٧٨٧).

(٥) البيت من الخفيف. وهو في مجالس ثعلب (١ / ٣٢٢) ، ومعاني القرآن للفراء (٢ / ٣١٢) ، والكتاب (٢ / ١٥٥) ، والمحتسب (٢ / ١٥٥) ، والتذييل (٢ / ٧٨١) ، والمغني (٢ / ٣٦٩) ، وابن يعيش (٤ / ٧٩) والخزانة (٣ / ٩٥) ، والأشموني (١ / ١٩٩) ، والهمع (٢ / ١٠٦) ، والدرر (٢ / ١٣٩).

والشاهد قوله : (كأن من يكن له نشب يحبب) حيث خففت «كأن» فعملت في اسم محذوف وخبرها جملة شرطية.

(٦) تقدم. والشاهد فيه هنا : وقوع الخبر مفردا مع تقدير اسم «كأن» ، وذلك على وجه الرفع في «ظبية».

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أي كأنها ظبية. ويروى بالنصب على حذف الخبر والتقدير : كأن ظبية عاطية المذكورة ، وهذا من عكس التشبيه ، ويروى بالجر على زيادة «أن» شذوذا.

وفي «لعلّ» عشر لغات : لعلّ ، علّ ، لعنّ ، عنّ ، لأنّ ، أنّ ، رعنّ ، رغنّ ، لعنّ ، لعلّت. فالستة المتقدمة مشهورة والأربعة الباقية قليلة الاستعمال ، وأقلها استعمالا «لعلت» ذكرها أبو علي في التذكرة (١).

ومن ورود «أنّ» بمعنى «لعل» ما حكاه الخليل من قول بعض العرب : إيت السوق أنّك تشتري لنا شيئا (٢). واستشهد الأخفش على ذلك بقول الراجز (٣) :

١٠٢٣ ـ قلت لشيبان ادن من لقائه

أنّا نغذّي القوم من شوائه (٤)

ومنه قراءة غير ابن كثير وأبي عمرو : أنها إذا جاءت (٥) بالفتح (٦). وقال امرؤ القيس في «لأنّ» :

١٠٢٤ ـ عوجا على الطّلل المحيل لأنّنا

نبكي الدّيار كما بكى ابن خذام (٧)

وقال [٢ / ١٢٩] الفرزدق في لعنّ : ـ

__________________

(١) التذييل (٢ / ٧٨٩) ، وينظر شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٤٦ ـ ٤٤٧) ط. العراق ، وقد أوصل السيوطي هذه اللغات في «لعل» إلى ثلاث عشرة لغة. ينظر الهمع (١ / ١٣٤).

(٢) الكتاب (٣ / ١٢٣) ، وينظر معاني القرآن للزجاج (٢ / ٣١٠).

(٣) هو أبو النجم العجلي ، وقيل أبو ذؤيب الهذلي.

(٤) الرجز في الكتاب (٣ / ١١٦) ، ومعاني القرآن للأخفش (١ / ١٩٢) ، وشرح السيرافي الكتاب (١ / ١٠٩) ، تحقيق د. سيد شرف الدين ، والتذييل (٢ / ٧٩٢) ، والإنصاف (٢ / ٥٩١).

ويروى أيضا : (كما تغذى القوم) مكان (أنا نغذي القوم) ولا شاهد على هذه الرواية.

والشاهد قوله : (أنا نغذي القوم) حيث استعملت «أنّ» استعمال (لعلّ) ، وهي لغة فيها. والتقدير :لعلنا نغذي القوم.

(٥) سورة الأنعام : ١٠٩.

(٦) قراءة الفتح لحفص وحمزة والكسائي. ينظر الحجة لابن خالويه (١٤٧) ، وشرح طيبة النشر (٢٨٢) ، ومعاني القرآن للزجاج (٢ / ٣١٠).

(٧) البيت من الكامل. وهو في ابن يعيش (٨ / ٧٩) ، والعمدة لابن رشيق (١ / ٥٤) ، والتوطئة (٢١٢) ، وشرح شواهد الكشاف (١٢٨) ، والخزانة (٢ / ٢٣٤) ، والهمع (١ / ١٣٤) ، والدرر (١ / ١١١) ، وديوان امرئ القيس (١١٤) ، ورصف المباني (١٢٧).

اللغة : المحيل : الذي أتى عليه الحول. ابن خذام : شاعر قديم من طيئ.

والشاهد قوله : (لأنّنا نبكي الديار) ، حيث استعملت «لأنّ» لغة في لعلّ.

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

١٠٢٥ ـ ألستم عائجين بنا لعنّا

نرى العرصات أو أثر الخيام (١)

وإذا كان الاسم في هذا الباب وغيره اسم معنى ؛ جاز كون الخبر فعلا مقرونا «بأن» كقولك : إن الصلاح أن تعصي الهوى ، فلو كان الاسم اسم عين امتنع ذلك ، كما يمنع في الابتداء ، وقد يستباح في «لعلّ» حملا على «عسى» (٢) ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لعلّك أن تخلّف فينتفع بك أقوام ويضرّ بك آخرون» (٣) وروى أبو زيد (٤) أن بني عقيل يجرون بلعل مفتوحة الآخر ومكسورته (٥) ومن شواهد ذلك قول الشاعر :

١٠٢٦ ـ لعلّ الله يمكنني عليها

جهارا من زهير أو أسيد (٦)

وروى الفراء أيضا الجر «بعلّ» وأنشد :

١٠٢٧ ـ علّ صروف الدّهر أو دولاتها

تدلينا اللّمّة من لمّاتها (٧)

__________________

(١) البيت من الوافر وهو في الإنصاف (١ / ٢٢٥) ، والتذييل (٢ / ٧٩٠) ، وشرح شواهد الشافية (٤ / ٤٦٤ ، ٤٦٦) ، والتصريح (١ / ١٩٢) ، واللسان (لعن) وديوانه (٨٣٥).

ويروى أيضا برواية : (هل أنتم عائجون) مكان (ألستم عائجين) ، كما يروى : (ألا يا صاحبي قفا لعنا) في الشطر الأول.

والشاهد قوله : (لعنّا .. نرى) حيث وردت «لعنّ» بالعين المهملة والنون ، وهي لغة في «لعل».

(٢) في الكتاب (٣ / ١٦٠) ، وقد يجوز في الشعر أيضا : لعلّي أن أفعل بمنزلة : عسيت أن أفعل. اه.

وينظر هذه المسألة في التذييل (٢ / ٧٩٣).

(٣) حديث شريف وهو في صحيح البخاري (٢ / ٧٢) ، وسنن أبي داود / كتاب الوصايا.

(٤) سبقت ترجمته.

(٥) ينظر التوطئة (٢١٩) ، والمغني (١ / ٢٨٦) ، (٢ / ٤٤٠) ، وتعليق الفرائد (١١٥٠) ، هو خالد ابن جعفر بن كلاب بن عامر بن صعصعة.

(٦) البيت من الوافر وهو في التذييل (٢ / ٧٩٤) ، والأغاني (١١ / ٩٤) ، والتوطئة (٢١٩) ، والخزانة (٤ / ٣٧٠ ، ٣٧٥) ، والتصريح (٢ / ٣).

والشاهد قوله : (لعل الله) حيث جر لفظ الجلالة «بلعلّ» مفتوحة اللام الأخيرة.

(٧) الرجز لقائل مجهول ، وهو في معاني القرآن للفراء (٣ / ٩ ، ٢٣٥) ، والخصائص (١ / ٣١٦) ، والإنصاف (١ / ٢٢٠) ، والمغني (١ / ١٥٥) ، وشرح شواهده (١ / ٤٥٤) ، والتذييل (٢ / ٧٩٥) ، ولم يستشهد الفراء بهذا البيت على الجر «بعل» كما ذكر المصنف هنا وإنما استشهد به على جواز النصب بعد الفاء في «علّ».

اللغة : يدلينا : من أداله الله أي نصره. اللمة : الشدة.

والشاهد فيه قوله : (علّ صروف الدهر) حيث جر (صروف) بعلّ كما ذكر المصنف.

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وزعم أبو علي أن «لعل» خففت وأعملت في ضمير الشأن محذوفا ، ووليها في اللفظ لام الجر مفتوحا تارة ومكسورا تارة ، والجر به. و «لعلّ» على أصلها (١) ، ولا يخفى ما في هذا من التكلف (٢). انتهى كلام المصنف (٣). ونتبعه بذكر أمور :

منها : أن صاحب البسيط نقل أن الخلاف الذي في «ظننت أن زيدا قائم» هو أيضا في ليت أن زيدا قائم ، فرأى الأخفش أن الخبر محذوف هنا كما أن المفعول الثاني محذوف هناك (٤) ورأى سيبويه : أنها سدت مسد المفعولين في «ظننت» ، فكذلك هنا (٥) وقال ابن الدهان (٦) : تكتفي ليت «بأن» مع الاسم ولا تكتفي «بأن» مع الفعل عند المحققين. كذا نص ابن السراج وهما مصدريان ، وذلك لظهور الخبر مع أن (٧). انتهى.

وهذا بخلاف الحال في باب ظن ، فإنه يكتفى فيه «بأن» مع الفعل (٨). قال الله تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا)(٩).

ومنها : أن الشيخ نقل أن الأخفش لم يقتصر على «لعلّ» في إجرائها مجرى «ليت» كما ذكر المصنف ، بل نصّ على أن «لعلّ» و «لكنّ» و «كأنّ» في هذا الحكم سواء ، فيجيز : (لكنّ أنك منطلق) ، و (كأنّ أنك منطلق) ، كما يجيز : (لعل أنكّ منطلق) قال الجرمي (١٠) : وهذا كله رديء في القياس ، لأن «أن» لا يبتدأ بها ، وقال الشيخ : وأجاز هشام : إنّ أنّ زيدا منطلق حقّ بمعنى إن إطلاق زيد حق. انتهى (١١).

ولا يخفى أن لا معول على شيء من ذلك ، إذ لا ثبوت له عن العرب : ويكفي ـ

__________________

(١) لمراجعة رأي الفارسي ينظر التذييل (٢ / ٧٩٦) ، والمغني (١ / ٢٨٦) ، والهمع (١ / ١٤٣).

(٢) رد ابن هشام رأي أبي عليّ الفارسيّ بقوله : وهذا تكلف كثير ، ولم يثبت تخفيف «لعلّ» ، ثم هو محجوج بنقل الأئمة أن الجر «بلعلّ» لغة قوم بأعيانهم. اه. المغني (١ / ٢٨٦).

(٣) شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٤٧).

(٤) ينظر تعليق الفرائد (١١٣٦).

(٥) ينظر الكتاب (١ / ١٢٥ ـ ١٢٦).

(٦) سبقت ترجمة ابن الدهان ، وتوفي سنة (٥٦٩ ه‍).

(٧) ينظر تعليق الفرائد (١١٣٦).

(٨) ينظر الهمع (١ / ١٥٢).

(٩) سورة العنكبوت : ٣.

(١٠) سبقت ترجمته.

(١١) التذييل (٢ / ٧٦٤).

٣٢٠