شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٣

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لا تدخل على مبتدأ خبره مفرد طلبي (١) فلذلك خصصتها بالإحالة عليها هنا فقلت : وما لا تدخل عليه دام لا تدخل عليه هذه الأحرف فعلم بهذا أن هذه الأحرف لا تدخل على ما خبره جملة طلبية نحو : زيد هل قام وعمرو أكرمه وخالد لا تهنه (٢).

ثم نبهت على ما شذ من دخول «إنّ» على ما خبره نهي كقول الشاعر :

٩١٦ ـ إنّ الّذين قتلتم أمس سيّدهم

لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما (٣)

ثم أشرت إلى أنّ للجزأين من الأحوال والأقسام بعد دخول هذه الأحرف ما كان لها قبل دخولهن فكما انقسم المبتدأ إلى اسم عين وإلى اسم معنى ؛ كذلك ينقسم اسم «إنّ وأخواتها» نحو : إنّ العالم فاضل وإنّ العلم فضل ، وكما انقسم الخبر في باب الابتداء إلى الأقسام المتقدم ذكرها ثم كذلك ينقسم إليها في هذا الباب ، وكما استصحبت الأقسام تستصحب الأحوال والشروط ، ومن الشروط عود ضمير من الجملة المخبر بها ومن الأحوال حذف الضمير لدليل كقول الشاعر :

٩١٧ ـ وإنّ الّذي بيني وبينك لا يفي

بأرض أبا عمرو لك الدّهر شاكر (٤)

أراد لا يفي به أو من أجله وقد تقدم بيان موجب تقديم منصوب هذا الباب وتأخير مرفوعه فلا يجوز الإخلال بمقتضاه فإن كان الخبر ظرفا أو جارّا ومجرورا جاز تقديمه [٢ / ٩٧] لأنه في الحقيقة معمول الخبر (٥) وكان حقه أن لا يتقدم على الاسم ـ

__________________

(١) انظر ذلك في شرح التسهيل للمصنف (١ / ٣٣٥) باب كان وأخواتها.

(٢) ينظر الهمع (١ / ١٣٥) ، وحاشية الخضري (١ / ١٢٩) ، والمطالع السعيدة (ص ٢٢١).

(٣) البيت لأبي مكتع من البسيط ، وهو في شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٢٨) ، والتذييل (٢ / ٦٣٣) وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٢) ، وتعليق الفرائد (١٠٧٩) ، والأمالي الشجرية (١ / ٣٣٢) ، والمغني (٢ / ٥٨٥) ، وشرح شواهده (٢ / ٩١٤) ، والخزانة (٤ / ٢٩٦) عرضا ، والمفضليات (ص ٤) ، والتصريح (١ / ٢٩٨) ، والأشموني (١ / ٢٦٩) ، والهمع (١ / ١٣٣٥) ، والدرر (١ / ١١٣) ، والشواهد في النحو العربي (٢٩٩).

والشاهد قوله : (إن الذين قتلتم ... لا تحسبوا) حيث جاءت جملة النهي خبرا لإن.

(٤) البيت لقائل مجهول وهو في شرح التسهيل (٢ / ١٢) ، والتذييل (٢ / ٦٣٤).

والشاهد قوله : (وإن الذي بيني وبينك لا يفي) حيث حذف الضمير العائد من جملة الخبر على اسم «إن» جوازا وذلك لدلالة الكلام عليه. والتقدير : لا يفي به أو من أجله.

(٥) ينظر الإيضاح للفارسي (١١٦) ، والمقدمة المحسبة لابن بابشاذ (ص ٢٥) ، والمطالع السعيدة (ص ٢٢١).

٢٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

كما لا يتقدم على الخبر ، إلا أن الظرف والجار والمجرور يتوسع فيهما بما لا يتوسع في غيرهما (١) ولذلك تفصل بهما بين المضاف والمضاف إليه ، وبين «كان» واسمها وخبرها ، وبين الاستفهام والقول الجاري مجرى الظن ، نحو : أغدا تقول زيدا قائما ولم يبطل عمل «ما» تقديمها على اسمها نحو : ما غدا زيد راحلا ، واغتفر تقديمها على العامل المعنوي نحو : أكل يوم لك درهم؟ وعلى المنفي بما نحو قول بعض الصحابة رضي‌الله‌عنهم (٢) :

٩١٨ ـ ونحن عن فضلك ما استغنينا (٣)

ولو عومل غيرهما معاملتها في شيء من ذلك لم يجز ، والأصل في الظرف الذي يلي «إنّ» أو إحدى أخواتها أن يكون ملغى أي : غير قائم مقام الخبر ، نحو : إنّ عندك زيدا مقيم وكقول الشاعر :

٩١٩ ـ فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها

أخاك مصاب القلب جمّ بلابله (٤)

فأما القائم مقام الخبر فجدير بأن لا يليها لقيامه مقام ما لا يليها لكن اغتفر ـ

__________________

(١) علل ابن عصفور لا تساع العرب في الظروف دون غيرها. فقال : والسبب في اتساعها في الظروف من بين سائر المعمولات أن كل كلام لا بد فيه من ظرف ملفوظ به أو مقدر ، ألا ترى أنك إذا قلت : قام زيد فلا بد للقيام من ظرف زمان وظرف مكان يكون فيهما ، فلما كثر استعماله اتسعوا فيه ما لم يتسعوا في غيره. اه. شرح الجمل (١ / ٤٣٩) ط. العراق.

(٢) هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي أحد صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، استشهد في غزوة مؤتة سنة (٨ ه‍). الإصابة ت ٤٦٦٧.

(٣) رجز وهو في التذييل (٢ / ٦٣٦) ، والمغني (١ / ٩٨ ، ٢٦٩ ، ٣١٧) ، (٢ / ٥٣٩ ، ٦٩٤) ، وشرح شواهده (١ / ٢٨٦) ، والسيرة لابن هشام (٧٥٦).

والشاهد في قوله : (عن فضلك ما استغنينا) حيث تقدم الجار والمجرور على عاملهما المنفي بما.

(٤) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في الكتاب (٢ / ١٣٣) ، والمقرب (١ / ١٠٨) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٤٠) ط. العراق ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٣) ، والتذييل (٢ / ٦٣٧) ، والمغني (٢ / ٦٩٣) ، وشرح شواهده (٢ / ٩٦٩) ، والخزانة (٣ / ٥٧٢) ، والعيني (٢ / ٣٠٩) ، والأشموني (١ / ٢٧٢) ، وابن عقيل (١ / ١٣٠) ، وشرح شواهده (ص ٧١) ، والهمع (١ / ١٣٥) ، والدرر (١ / ١١٣).

اللغة : تلحني : تلمني. بلابله : وساوسه وهمومه.

والشاهد : (فإنّ بحبها أخاك مصاب القلب) حيث فصل بين «إنّ» واسمها بالجار والمجرور الملغى وهو (بحبها) لأنه من صلة الخبر.

٢٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

إيلاؤه إيّاها التفاتا إلى الأصل ، وقد عاملوا الحال معاملة الظرف فأولوها كأنّ ، ومنه قول الشاعر :

٩٢٠ ـ كأنّ وقد أتى حول جديد

أثافيها حمامات مثول (١)

ويجوز حذف الاسم إذا فهم معناه ولا يخص ذلك بالشعر بل وقوعه فيه أكثر وحذفه وهو ضمير الشأن أكثر من حذفه وهو غيره ومن وقوع ذلك في غير الشعر قول بعضهم : إنّ بك زيد مأخوذ. حكاه سيبويه والخليل ، يريد : إنه بك زيد مأخوذ (٢) وعليه يحمل قوله (عليه الصلاة والسّلام) : «إنّ من أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون» (٣) هكذا رواه الثقاة بالرفع ، وحمله الكسائي على زيادة «من» وجعل : أشد الناس اسما والمصورون خبرا (٤) ، والصحيح أن الاسم ضمير الشأن وقد حذف كما حذف في إنّ بك زيد مأخوذ لأنّ زيادة «من» مع اسم «إنّ» غير معروفة ، وحكى الأخفش : إنّ بك مأخوذا أخواك» (٥) وتقديره إنّك بك مأخوذ أخواك ، فحذف الاسم وهو ضمير المخاطب وجعل مأخوذ خبرا مرتفعا به أخواك كما كان يرتفع بيؤخذ ولا يجوز أن يكون التقدير : إنه بك مأخوذ أخواك ، لأن الصفة المرتفع بها ظاهر بمنزلة الصفة المرتفع بها مضمرة في أنها لا تسد مسد جملة ، ولا يكون مفسر ضمير الشأن إلا جملة محضة مصرحا بجزأيها. ومن ـ

__________________

(١) البيت لأبي الغول الطهوي من الوافر ، وهو في شرح التسهيل لابن مالك (٢ / ١٣) ، والتذييل (٢ / ٦٣٨) ، ونوادر أبي زيد (٤٣٢ ، ٤٩٨) ، والخصائص (١ / ٣٣٧) ، والمقتضب (٢ / ١٨٥) ، (٣ / ٨٢) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٤٠) ، والمغني (٢ / ٣٩٢) ، وشرح شواهده (٢ / ٨١٨) وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٤) ، والهمع (١ / ٢٤٨) ، والدرر (١ / ٢٠٦).

والشاهد فيه : مجيء الجملة المعترضة بين «كأنّ» واسمها ، وهذه الجملة حالية ، وقد جوز بعضهم معاملتها كالظرف في جواز التوسط.

(٢) ينظر الكتاب (٢ / ١٣٤) ، «قد منع المالقي حذفه إلا إذا كان ضمير الشأن» ينظر رصف المباني (١١٩).

(٣) أخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة (٩٨) ، وابن حنبل (١ / ٣٧٥ ، ٤٢٦) ، (٢ / ٢٦) ، والبخاري (٧ / ١٤٣).

(٤) ينظر التذييل (٢ / ٦٤٨) ، والأزهرية (٢٢٩ ـ ٢٣٠) ، وشرح الرضي (٢ / ٣٦٢).

(٥) ينظر الهمع (١ / ١٣٦).

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

حذف الاسم في الشعر قول الشاعر :

٩٢١ ـ فلو كنت ضبّيّا عرفت قرابتي

ولكنّ زنجيّ عظيم المشافر (١)

رواه سيبويه برفع «زنجي» ونصبه ، وجعل تقديره في الرفع : ولكنك زنجي وتقديره في النصب ولكن زنجيّا عظيم المشافر لا يعرف قرابتي (٢).

ومن حذف الاسم قول الشاعر :

٩٢٢ ـ فليت دفعت الهمّ عنّي ساعة

فبتنا على ما خيّلت ناعمي بال (٣)

فيحتمل هذا أن يكون تقديره [٢ / ٩٨] فليتك ، ويحتمل أن يكون تقديره : فليته وكذلك قول الآخر :

٩٢٣ ـ فلا تخذل المولى وإن كان ظالما

فإنّ به تثأى الأمور وتراب (٤)

تقديره : فإنه به تثأى الأمور وترأب والهاء إما للمولى وإما ضمير الشأن.

ومما لا يكون المحذوف إلا ضمير الشأن قول الشاعر : ـ

__________________

(١) البيت للفرزدق من الطويل ، وهو في الكتاب (٢ / ١٣٦) ، ومجالس ثعلب (١ / ١٠٥) ، والمحتسب (٢ / ١٨٢) ، والمصنف (٣ / ١٢٩) ، وأسرار البلاغة (٤١) ، والإنصاف (١ / ١٨٢) ، وابن يعيش (٨ / ٨١ ، ٨٢) ، والمقرب (١ / ١٠٨) ، والأغاني (١٩ / ٢٤) ، ووصف المباني (٢٧٩) ، وأمالي السهيلي (١١٦) ، والتذييل (٢ / ٦٤٠) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٤) ، وتعليق الفرائد (١٠٨١) ، والخزانة (٤ / ٣٣٨) ، والمغني (١ / ٢٩١) ، وشرح شواهده (٢ / ٧٠١) ، والهمع (١ / ١٣٦) ، والدرر (١ / ١١٤) ، وديوانه (٤٨١) ، والإفصاح للفارقي (٢١٢) واللسان (شفر).

والشاهد قوله : (ولكن زنجي) حيث حذف اسم «لكن» وأبقى الخبر لدلالة الكلام على الاسم.

(٢) الكتاب (٢ / ١٣٦).

(٣) البيت لعدي بن زيد كما في نوارد أبي زيد ، من الطويل ، وهو في نوادر أبي زيد (١٩٦) ، والأمالي الشجرية (١ / ١٨٢ ، ٢٩٥) ، والإنصاف (١ / ١٨٣) ، والتذييل (٢ / ٦٤٠) ، وشواهد التوضيح (١٦٧) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٤) ، والعمدة لابن رشيق (٢ / ٢٧١) ، والإفصاح للفارقي (١٦٧ ، ٢١٤ ، ٣٤٧) ، والمغني (٢ / ٣٨٩) ، وشرح شواهده (٢ / ٦٩٧) ، والهمع (١ / ١٣٦ ، ١٤٣) ، والدرر (١٢٣) ، وديوان عدي بن زيد (١٦٢).

والشاهد قوله : (فليت دفعت) حيث حذف اسم «ليت».

(٤) البيت لقراد بن عباد في التذييل (٢ / ٦٤٢) ، والخزانة (٤ / ٣٨٠) ، والحماسة (١ / ٣٨٧).

اللغة : ترأب : تصلح.

والشاهد قوله : (فإنّ به تثأى الأمور) حيث حذف اسم إنّ.

٢٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

٩٢٤ ـ ولكنّ من لا يلق أمرا ينوبه

بعدّته ينزل به وهو أعزل (١)

ومثله قول الآخر :

٩٢٥ ـ فلو أنّ حقّ اليوم منكم إقامة

وإن كان شرخ قد مضى فتسرّعا (٢)

ومثله :

٩٢٦ ـ إنّ من لام في بني بنت حسّا

ن ألمّه وأعصه في الخطوب (٣)

وذكر سيبويه : إن إياك رأيت ، وإن أفضلهم لقيت ، قال : أفضلهم منتصب بلقيت وهو قول الخليل ، وهو في هذا ضعيف لأنه يريد إنه إياك رأيت ؛ فترك الهاء. وهذا تصريح بالجواز دون ضرورة (٤) وحذف الخبر للعلم به أكثر من حذف الاسم. ونبهت بقولي : جاز حذفه مطلقا ـ على أن ذلك لا يتقيد بكون الاسم نكرة أو معرفة ، ولا ـ

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو في الكتاب (٣ / ٧٣) والأمالي الشجرية (١ / ٢٩٥) ، والإنصاف (١ / ١٨١) ، والمغني (١ / ٢٩٢) ، وشرح شواهده (٢ / ٧٠٢) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٤) ، وشرح التسهيل للمصنف (٢ / ١٤) ، والتذييل (٢ / ٦٤٢) ، والعمدة (٢ / ٢٧٣) ، وما يجوز للشاعر (١٨١) ، والخزانة (٤ / ٣٨٠) ، والشواهد في النحو العربي (٢٨٢).

اللغة : ينوبه : ينزل به. الأعزل : الذي لا سلاح معه.

والشاهد قوله : (ولكن من لا يلق) حيث حذف اسم «لكن» وهو ضمير الشأن.

(٢) البيت للراعي النميري من الطويل وهو في الكتاب (٣ / ٧٣) ، والإنصاف (١ / ١٨٠) ، وشرح السيرافي لأبيات الكتاب (٢ / ٣٤) ، والتذييل (٢ / ٦٤٢) ، والخزانة (٤ / ٣٨١) ، والضرائر للألوسي (١٧٩) ، وما يجوز للشاعر (١٨١).

والشاهد قوله : (فلو أن حق اليوم) حيث حذف اسم «إن» وهو ضمير الشأن.

(٣) البيت للأعشى وهو من الخفيف ، وينظر في الكتاب (٣ / ٧٢) ، وشرح الأبيات للسيرافي (٢ / ٨٦) ، والإيضاح للفارسي (١٢٢) ، والأمالي الشجرية (١ / ٢٩٥) ، والإنصاف (١ / ١٨٠) ، وابن يعيش (٣ / ١١٥) ، والمحصول في شرح الفصول (٦١١) ، والمغني (٢ / ٦٠٥) ، وشرح شواهده (٢ / ٩٢٤) ، والخزانة (٢ / ٤٦٣) ، (٣ / ٦٥٤) ، والتذييل (٢ / ٦٤٣) ، والضرائر (١٧٨) ، وما يجوز للشاعر (١٨٠) ، وديوانه (٣٨) ويروى أيضا :

من يلمني على بني ابنة حسا

ن ... البيت

اللغة : بنت حسان : هي كبشة بنت حسان أبي الحارث وهي جدة قيس لأمه.

والشاهد قوله : (إن من لام .. ألمه) حيث حذف اسم «إن» وهو ضمير الشأن.

(٤) الكتاب (٢ / ٣٥٧).

٢٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

يكون الخبر ظرفا أو غير ظرف (١) ومثال حذفه وهو ظرف قول الشاعر (٢) :

٩٢٧ ـ ولو أنّ من حتفه ناجيا

لكان هو الصّدع الأعصما (٣)

أراد : ولو أن على الأرض أو في الدنيا فحذف للعلم به. وأنشد سيبويه :

٩٢٨ ـ وما كنت ضفّاطا ولكنّ طالبا

أناخ قليلا فوق ظهر سبيل (٤)

أي ولكن منيخا أنا. هذا تقدير سيبويه ، وزعم قوم أن شرط حذفه كون الاسم نكرة (٥) ، كقول الشاعر :

٩٢٩ ـ إنّ محلّا وإنّ مرتحلا

وإنّ في السّفر إذ مضوا مهلا (٦)

واشتراط ذلك غير صحيح ؛ لأن الحذف مع تعريف الاسم كثير (٧) ، فمن ذلك ـ

__________________

(١) هذا هو مذهب سيبويه ينظر الكتاب (٢ / ١٤١).

(٢) هو النمر بن تولب.

(٣) البيت من المتقارب ، وهو في التذييل (٢ / ٦٥٣) ، والخزانة (٤ / ٤٣٤) برواية (لألفيته الصدع الأعصما).

اللغة : الصدع : الوعل. الأعصم : الذي في يده بياض.

والشاهد قوله : (ولو أن من حتفه ناجيا) ، حيث حذف خبر «إن» لدلالة الكلام عليه.

(٤) البيت للأخضر بن هبيرة من الطويل. وهو في الكتاب (٣ / ١٣٦) ، وشرح أبياته للسيرافي (١ / ٥٩٩) ، والتذييل (٢ / ٦٥٢) ، والإفصاح للفارقي (٢١٣) ، واللسان (ضفط) ، ويروى أيضا (فما كنت) مكان (وما كنت) ، وينظر شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٤٣).

اللغة : الضفاط : المحدث الذي قضى حاجته من جوفه. الطالب : طالب الإبل الضالة.

والشاهد قوله : (ولكن طالبا) ، حيث حذف خبر لكنّ للعلم به.

(٥) هذا مذهب الكوفيين. ينظر الهمع (١ / ١٣٦) ، والخصائص (٢ / ٣٧٤).

(٦) البيت للأعشى من المنسرح وهو في الكتاب (٢ / ١٤١) ، والمقتضب (٤ / ١٣٠) ، والخصائص (٢ / ٧٣) ، والمحتسب (١ / ٣٤٩) ، وأمالي الشجري (١ / ٣٢٢) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٤٣) ، والمقرب (١ / ٦٠٩) ، والتذييل (٢ / ٦٥٠ ، ٦٥٣) ، وأمالي السهيلي (١١٥) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٦) ، والإفصاح للفارقي (٢١٤) ، ووصف المباني (١١٩ ، ٢٩٨) ، وابن يعيش (١ / ١٠٣) ، (٨ / ٧٤) ، وتعليق الفرائد (١٠٨٣) ، والمغني (١ / ٨٢ ، ٢٣٩) ، (٢ / ٦٠٩ ، ٦٣١) ، وشرح شواهده (١ / ١٣٨) ، (٢ / ٦١٢) ، والخزانة (٤ / ٣٨١) ، وحاشية يس (١ / ١٦٩) ، والهمع (١ / ١٣٦) ، والدرر (١ / ١١٣) ، وديوان الأعشى (٥٥) ، واللسان (حلل) والشاهد قوله : (إن محلّا وإن مرتحلا) حيث حذف خبر «إن» مع تنكير اسمها.

(٧) جعل ابن عصفور حذف الخبر إذا كان الاسم نكرة أكثر من غيره وعلل ذلك بقوله : وإنما كثر

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ)(١) ومثله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ)(٢) ومنه قول عمر بن عبد العزيز لرجل ذكره بقرابته منه : «إن ذلك» ثم ذكر له حاجته ، فقال : «لعلّ ذلك». أراد : إن ذلك حق ، ولعل حاجتك مقضية (٣) ، ومن ذلك قول الشاعر (٤) :

٩٣٠ ـ سوى أنّ حيّا من قريش تفضّلوا

على النّاس أو أنّ الأكارم نهشلا (٥)

وقد يحذف الخبر وجوبا لسد واو المصاحبة مسده ، كما كان ذلك في الابتداء ومن ذلك ما حكاه سيبويه من قول بعض العرب : إنك ما وخيرا ، يريد إنك مع خير (٦) و «ما» زائدة ، ومثله قول الشاعر (٧).

٩٣١ ـ فدع عنك ليلى إنّ ليلى وشأنها

وإن وعدتك الوعد لا يتيسّر (٨)

وحكى الكسائي «إن كل ثوب لوثمنه» بإدخال اللام على الواو ولسدها مسد ـ

__________________

حذف الخبر إذا كان الاسم نكرة لأن الخبر إذ ذاك إنما يكون ظرفا أو مجرورا مقدرا قبل الاسم ، ولو لا ذلك لم يجز الإخبار عن النكرة إذ لا مسوغ لذلك. فلما لزم أن يكون الخبر ظرفا أو مجرورا سهل حذفه لأن العرب قد اتسعت في الظروف والمجرورات ما لم تتسع في غيرها. اه. شرح الجمل (١ / ٤٤٣) طبعة العراق.

(١) سورة الحج : ٢٥.

(٢) سورة فصلت : ٤١.

(٣) ينظر شرح الكافية للرضي (٢ / ٣٦٢) ، والأمالي الشجرية (١ / ٣٢٢).

(٤) هو الأخطل.

(٥) البيت من الطويل وهو في المقتضب (٤ / ١٣١) ، والخصائص (٢ / ٣٧٤) ، والأمالي الشجرية (١ / ٣٢٢) ، وابن يعيش (١ / ١٠٤) ، والمقرب (١ / ١٠٩) ، برواية (خلا أن حيّا) ، والتذييل (٢ / ٦٥٣) ، وتعليق الفرائد (١٠٨٣) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٦) ، وشرح الكافية للرضي (٢ / ٣٦٢) ، والخزانة (٤ / ٣٨٥).

والشاهد قوله : (أو أنّ الأكارم نهشلا) حيث حذف خبر «إنّ» لدلالة ما قبله عليه.

(٦) الكتاب (١ / ٣٠١) ، (٢ / ١٠٧).

(٧) لم ينسبه أحد. وذكر محقق الجزء الثاني من التذييل أنه لبشر بن حازم وأنه في ديوانه (٨٣).

(٨) البيت من الطويل وهو في التذييل (٢ / ٦٥٦) ، وتعليق الفرائد (١٠٨٤) ، وشرح التسهيل للمصنف (٢ / ١٦) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٦) ، والتذييل (٣ / ١٨٧).

والشاهد قوله : (إن ليلى وشأنها) حيث سدت واو المصاحبة مسد خبر «إنّ».

٢٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

«مع» (١) وقد يحذف أيضا وجوبا لسد كما كان ذلك في الابتداء ، فيقال في ضربي زيدا [٢ / ٩٩] قائما وأكثر شربي السويق ملتوتا : إن ضربي زيدا قائما وإنّ أكثر شربي السويق ملتوتا. والكلام هنا على تقدير المحذوف كالكلام عليه في باب المبتدأ (٢) ، ومن سد الحال مسد خبر «إنّ» قول الشاعر :

٩٣٢ ـ إنّ اختيارك ما تبغيه ذا ثقة

بالله مستظهرا بالحزم والجلد (٣)

والتزمت العرب حذف خبر «ليت» في قولهم : «ليت شعري ..» لأنه بمعنى ليتني أشعر ولا بد بعده من استفهام يسد مسد المحذوف متصلا بشعري أو منفصلا باعتراض. ويكون ما بعد الاستفهام في موضع نصب بالمصدر الذي هو شعري معلقا من أجل الاستفهام (٤) فالمتصل كقول الشاعر :

٩٣٣ ـ ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة

بواد وحولي إذخر وجليل (٥)

والانفصال باعتراض كقول أبي طالب يرثي مسافر بن أبي عمرو :

٩٣٤ ـ ليت شعري مسافر بن أبي عمرو

وليت يقولها المحزون

__________________

(١) ينظر المطالع السعيدة (ص ٢٢٣) ، والهمع (١ / ١٣٦) ، وشرح الألفية لابن الناظم (٦٦) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٦).

(٢) ينظر شرح الكافية للرضي (٢ / ٣٦٢) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٦) ، والمقتضد شرح الإيضاح (١٨٣).

(٣) البيت مجهول القائل من البسيط ، وهو في الكافية الشافية (١ / ٤٧٧) ، وشرح التسهيل للمصنف (٢ / ١٦) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٦) ، والتذييل (٢ / ٥١ ، ٦٥٨) ، وتعليق الفرائد (١٠٨٤) ، والهمع (١ / ١٣٦) ، والدرر (١ / ٢١٤) ، والمطالع السعيدة (ص ٢٢٣) ، ويروى أيضا برواية (إن اختيارك ما نرجوه).

والشاهد قوله (مستظهرا) ، حيث حذف خبر «إن» وسدت الحال مسده.

(٤) ينظر الكتاب (١ / ٢٣٦) ، وشرح الكافية للرضي (٢ / ٣٦٢) ، وحاشية الصبان (١ / ٢٦٩).

(٥) البيت من الطويل ، وهو في شرح التسهيل للمصنف (٢ / ١٦) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٧) ، وتعليق الفرائد (١٠٨٥) ، وشواهد التوضيح (٧) ، والمسلسل في غريب لغة العرب (ص ١١٠) ، والتذييل (٢ / ٦٥٨) ، ويروى أيضا (بفجّ) مكان (بواد) وهو من الطويل.

اللغة : إذخر : حشيش طيب الرائحة. الجليل : الثمام إذا عظم وجل.

والشاهد قوله : (ليت شعري هل أبيتن) حيث سد الاستفهام مسد خبر «ليت» وهو متصل «بشعري».

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أيّ شيء دهاك أم غال مرآك

وهل أقدمت عليك المنون (١)

ويجوز هنا الإخبار عن النكرة بالنكرة والمعرفة بشرط الإفادة.

فالإخبار بالنكرة عن النكرة كقول امرئ القيس في رواية سيبويه :

٩٣٥ ـ وإنّ شفاء عبرة مهراقة

فهل عند رسم دارس من معوّل (٢)

والإخبار بالمعرفة مثل قول القائل : إنّ قريبا منك زيد ، وهو من أمثلة كتاب سيبويه (٣) ومن ذلك قول الشاعر :

٩٣٦ ـ وإنّ حراما أن أسبّ مجاشعا

بآبائي الشّمّ الكرام الخضارم (٤)

وأنشد سيبويه :

٩٣٧ ـ وما كنت ضفّاطا ولكنّ طالبا

أناخ قليلا فوق ظهر سبيل (٥)

__________________

(١) البيتان من الخفيف وينظر فيهما الكتاب (٣ / ٢٦١) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٧) ، وتعليق الفرائد (١٠٨٧) ، والأغاني (٨ / ٤٨) ، والاشتقاق (١ / ١٦٦) ، والتذييل (٢ / ٦٥٩) ، والكافية الشافية (١ / ٤٧٧) ، والخزانة (٤ / ٣٨٩) ، وديوان أبي طالب (١٦٨) ، واللسان ، والمحكم (شعر) وشرح الكافية للرضي (٢ / ٣٦٣).

والشاهد قوله : (ليت شعري ... أي شيء دهاك) ، حيث فصلت جملة الاستفهام التي سدت مسد خبر «ليت» عن قوله : ليت شعري بجملتين معترضتين هما جملة : النداء وجملة (ليت يقولها المحزون).

(٢) البيت من الطويل وهو في الكتاب (٢ / ١٤٢) ، والمقتضب (٣ / ٢٩١) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٧) ، والمصنف (٣ / ٤٠) ، والتذييل (٢ / ٦٦٢) ، والخزانة (٤ / ٦١) ، والهمع (٢ / ٧٧ ، ١٤٠) ، والدرر (٢ / ٩٢ ، ١٩٢) ، والمغني (١ / ٣٨٨) ، (٢ / ٥٣٦ ٥٣٧) ، ومقاييس اللغة والتهذيب (عبر) ، واللسان (هلل) وديوانه (٩).

اللغة : العبرة : الدمعة. مهراقة : مصبوبة.

والشاهد قوله : (وإن شفاء عبرة) حيث أخبر عن النكرة بنكرة.

(٣) الكتاب (٢ / ١٤٢).

(٤) البيت للفرزدق من الطويل وهو في المقتضب (٤ / ٧٤) ، وشرح التسهيل للمصنف (٢ / ١٧) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٨) ، والتذييل (٢ / ٦٦٣) ، والبحر المحيط (٤ / ٤٤٦) ، والارتشاف (٤٤٩) ، وشرح سقط الزند (٢٠١) ، وتهذيب إصلاح المنطق للتبريزي (٨٨) ، برواية (وليس بعدل أن أسب مجاشعا) ، والهمع (١ / ١١١) ، والدرر (١ / ٨٨) ، وديوانه (٢ / ٨٤٤).

اللغة : الخضارم : جمع خضرم بكسر الراء والخاء وهو الجواد الكثير العطاء.

والشاهد قوله : (وإن حراما أن أسب) حيث أخبر بالمصدر المؤول المضاف إلى ياء المتكلم وهو (سبّي) عن النكرة وهي (حرام).

(٥) تقدم.

٢٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أراد : ولكنّ طالبا أنا. هكذا قال سيبويه (١) وحسنه في هذا الباب شبه المنصوب بالمفعول ، وشبه المرفوع بالفاعل. وقال سيبويه : لو قلت : إن من خيارهم رجلا ثم سكتّ ؛ كان قبيحا حتى تعرفه بشيء أو تقول : إن رجلا من أمره كذا وكذا» (٢) وأجاز الأخفش والفراء جعل اسم «إنّ» صفة رافعة لظاهر مغن عن الخبر ، فيقولان : إن قائما الزيدان. وجواز هذا مبني على جواز : قائم الزيدان ونحوه دون استفهام ولا نفي (٣) وقد تقدم تنبيهي في باب المبتدأ على أن نحو هذا يستقبحه سيبويه ويستحسنه الأخفش واستشهد على جوازه بقول الشاعر :

٩٣٨ ـ خبير بنو لهب فلا تك ملغيا

مقالة لهبيّ إذا الطّير مرّت (٤)

فمن قاس على هذا في الابتداء أجاز دخول «إنّ» عليه فيقول إن خبيرا بنو لهب ، ويلزم من أجاز هذا من البصريين أن يجيز دخول «ظننت» كما فعل الكوفيون فيقول : ظننت خبيرا بنو لهب. والصحيح أن يقال : إعمال الصفة عمل الفعل فرع إعمال الفعل فلا يستباح إلا في موضع [٢ / ١٠٠] يقع فيه الفعل. فلا يلزم من تجويز : قائم الزيدان ، إنّ قائما الزيدان ، ولا ظننت قائما الزيدان ، لصحة وقوع الفعل المتجرد من «إنّ» و «ظننت» وامتناع وقوعه بعدهما (٥). واستدل الكوفيون على ظننت قائما الزيدان ونحوه بقول الشاعر :

٩٣٩ ـ أظنّ ابن طرثوث عتيبة ذاهبا

بعاديتي تكذابه وجعائله (٦)

__________________

(١) الكتاب (٢ / ١٢٦).

(٢) الكتاب (٢ / ١٥٣).

(٣) ينظر الهمع (١ / ١٣٦) ، وابن عقيل (١ / ٩٠) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٨).

(٤) البيت لرجل من طيئ ، من الطويل ، وهو في شرح الألفية لابن الناظم (٤١) ، وابن عقيل (١ / ٩٠) ، والتصريح (١ / ١٥٧) ، والأشموني (١ / ١٩٢) ، والعيني (١ / ١٨) ، والهمع (١ / ٩٤) ، والدرر (١ / ٧٢).

والشاهد قوله : (خبير بنو لهب) حيث ابتدأ بالوصف المكتفي بمرفوعه دون الاعتماد على نفي أو استفهام وهذا مذهب الكوفيين ومن تبعهم ومذهب الأخفش من البصريين.

(٥) ينظر الهمع (١ / ٣٦).

(٦) البيت لذي الرمة وهو في التذييل (٢ / ٦٦٧ ، ١٠٥٤) ، ومعاني القرآن للفراء (١ / ٤١٥) ، وديوان ذي الرمة (١٢٦٤) ، برواية (لعل ابن طرثوث عتيبة ذاهب) ولا شاهد في هذه الرواية.

اللغة : العادية : البئر. جعائله : ما جعله للحاكم ورشاه به.

والشاهد قوله : (أظن ابن طرثوث .. ذاهبا) حيث نصبت «ظن» الصفة «ذاهبا» واستغني بمرفوع هذه

٢٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا حجة فيه لاحتمال أن يريد قائله : أظن ابن طرثوث عتيبة شخصه ذاهبا فحذف المفعول الأول للعلم به ، وترك الثاني كقوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ)(١). والأصل : «ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله بخلهم هو خيرا لهم» فحذف المفعول الأول وترك الثاني (٢). انتهى (٣) ، ولننبه على أمور :

منها : أن المصنف إنما مذق حكم ما تدخل عليه هذه الأحرف بما تدخل عليه دام دون غيرها من أفعال الباب ؛ لأن ما خبره مفرد طلبي نحو «أين زيد» لا تدخل عليه هذه الأحرف كما أن دام لا تدخل عليه مع أن دخول «كان» وبقية أخواتها عليه جائز ، فكانت الإحالة على «دام» دون أخواتها متعينة. وقد استدرك بعض الفضلاء على المصنف هنا فقال : إن دام لا تدخل على ما خبره فعل ماض. ولا شك في جواز «إنّ» عليه (٤) وهو استدراك لطيف.

ومنها : أن ظاهر كلام المصنف أنّ جملة النهي التي هي :

٩٤٠ ـ لا تحسبوا ليلكم عن ليلهم ناما (٥)

هي الخبر عن «إنّ» ، وكذا ذكر ابن عصفور في شرح الجمل الصغير له ، أن الصحيح الجواز (٦) والذي يقتضيه كلام غيره أن الجملة الطلبية في البيت معمولة لقول محذوف ذلك المحذوف وهو الخبر (٧). قال ابن عصفور ـ في الشرح الكبير له بعد إنشاده البيت الذي أوله : ـ

__________________

الصفة عن المفعول الثاني لظن.

(١) سورة آل عمران : ١٨٠.

(٢) ينظر الكتاب (٢ / ٣٩١) ، والكشاف (١ / ١٥١).

(٣) شرح التسهيل للمصنف (٢ / ١٨).

(٤) استدرك ابن السيد على الزجاجي أيضا في هذه المسألة بما استدرك به على المصنف هنا. ينظر إصلاح الخلل (١٤٥ ، ١٦٣).

(٥) تقدم وهو في (ب) برواية (لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم).

(٦) شرح الجمل الصغير لابن عصفور (١ / ٣٠) (خ) بدار الكتب رقم ٧ حليم.

(٧) ينظر الهمع (١ / ١٣٥) ، وحاشية الصبان (١ / ٢٦٩).

٢٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

٩٤١ ـ إنّ الّذين قتلتم أمس سيّدهم (١)

وقول الآخر :

٩٤٢ ـ ولو أصابت لقالت وهي صادقة

إنّ الرّياضة لا تنصبك للشّيب (٢)

إن ذلك يحمل على إضمار القول ، كأنه قال : أقول لكم : لا تحسبوا ليلكم نام. وأقول لك : لا ينصبك للشيب (٣) ثم إن ابن عصفور علل امتناع وقول الجمل الطلبية أخبارا لهذه الأحرف بما يوقف عليه في كلامه (٤).

ومنها : أن قول المصنف : والأصل في الظرف الذي يلي «إنّ» أو إحدى أخواتها أن يكون ملغى نحو : إنّ عندك زيدا مقيم. واستشهاده بالبيت الذي أوله :

٩٤٣ ـ فلا تلحني فيها ... (٥)

يفهم منه أنه يجيز تقديم معمول الخبر في هذا الباب إذا كان المعمول ظرفا على الاسم ، لكن قال ابن عصفور : ولا يجوز تقديم الظرف والمجرور إذا [٢ / ١٠١] كانا معمولي الخبر على الاسم فلا تقول : إنّ في الدار زيدا قائم ، تريد : إنّ زيدا قائم في الدار. فإن جاء ما ظاهره ذلك فينبغي أن يجعل المجرور والظرف متعلقا بعامل مضمر ـ

__________________

(١) تقدم.

(٢) البيت للجميح الأسدي ، واسمه منقذ بن الطماح ، من البسيط وهو في شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٢٨) ، والتوطئة (٢٠١) ، والأمالي الشجرية (١ / ٣٣٢) ، والخزانة (٤ / ٢٩٥).

والشاهد قوله : (إن الرياضة لا تنصبك) حيث رفع خبر «إن» جملة طلبية. وشرط هذه الجملة أن تكون محتملة للتصديق والتكذيب ، وقد أوّل بعض النحويين كالشلوبين البيت على جعل الجملة الطلبية معمولا لقول مضمر.

(٣) شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٢٨) ط. العراق.

(٤) الذي علل به ابن عصفور امتناع وقوع الجمل الطلبية أخبارا لهذه الأحرف هو أنه قال : وإنما لم تقع الجمل غير المحتملة للصدق والكذب أخبارا لهذه الحروف لمناقضة معناها لمعاني هذه الحروف وذلك أن الجملة المحتملة للصدق والكذب مقتضاها الطلب فإذا قلت : اضرب ؛ فكأنك تطلب من المخاطب الضرب وكذلك ليت زيدا قائم ، ولعل زيدا قائم تمنيك للقيام ورجاؤك له طلب ، فالطلب في هذه الأشياء ثابت والتمني والترجي إنما يكون لما لم يثبت وأما ما قد ثبت فلا فائدة في ترجيه وتمنيه لأن الحاصل لا يطلب. اه. شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٢٨ ـ ٤٢٩) ط. العراق.

(٥) تقدم.

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

من معنى الكلام ويكون من قبيل ما فصل فيه بين الحرف واسمه بجملة اعتراض ، وذلك نحو قوله (١) : لا تلحني فيها ... البيت.

في رواية من رفع مصاب فظاهره أنّ «بحبها» متعلق «بمصاب» لكن الذي ينبغي أن يتعلق بمضمر التقدير : أعني «بحبها» واعترض بالجملة بين «إنّ» واسمها ولم ينقل في المسألة خلافا ، وجعل من الاعتراض أيضا الجملة في قول الشاعر :

٩٤٤ ـ كأنّ وقد أتى حول كميل

أنا فيها حمامات مثول (٢)

وقد عرفت أن المصنف حكم على الجملة في هذا البيت بالحالية.

ومنها : أن المصنف لما تكلم على جواز حذف الاسم في هذا الباب قال : «وقلما يكون إلا ضمير الشأن وقال في الشرح : وحذفه وهو ضمير الشأن أكثر من حذفه وهو غيره» وكلام ابن عصفور يناقض هذا فإنه قال : ويجوز حذف أسماء هذه الحروف في فصيح الكلام إذا كان دليل عليه إلا أن يكون الاسم ضمير أمر وشأن فإنه لا يجوز حذفه إلا في ضرورة شعر نحو قوله :

٩٤٥ ـ إنّ من يدخل الكنيسة يوما

 ... (٣)

يريد : «إنه» ، وكذا في قول الآخر :

٩٤٦ ـ إنّ من لام في بني بنت حسّا

ن ... البيت (٤)

يريد : إنه قال : وإنما لم يجز الحذف إذا كان الاسم ضمير الشأن إلا في ضرورة لأن ـ

__________________

(١) تقدم.

(٢) شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٣٩ ـ ٤٤٠) طبعة. العراق.

(٣) صدر بيت من الخفيف وهو للأخطل ، وعجزه : يلق فيها جآذرا وظباء ، وهو في المقرب (١ / ١٠٩ ، ٢٧٧) ، وشرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٤٢) ، ط. العراق ، وتعليق الفرائد (١٠٨٠) ، والأمالي الشجرية (١ / ٥٩٥) ، وابن يعيش (٢ / ٢٩ ، ٢٨٠ ، ٣٦١ ، ٣٦٢) ، والمحصول شرح الفصول (٦١١) ، والخزانة (١ / ١٢٢ ، ١٢٣ ، ٢١٩ ، ٢٢١ ، ٢ / ٤٦٣ ، ٤ / ١٢ ، ٣٨٠) ، والمغني (١ / ٣٧) ، (٢ / ٥٨٩) ، والهمع (١ / ١٣٦) ، والدرر (١ / ١١٥).

والشاهد قوله : (إنّ من يدخل ... يلق) حيث حذف اسم إنّ وهو ضمير الشأن للضرورة.

(٤) تقدم.

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الجملة الواقعة خبرا لضمير الأمر والشأن هي مفسرة له ، فقبح حذفه وإبقاء الجملة كما يقبح حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامة إذا كانت (١) الجملة صفة ... انتهى.

ولا يخفى ضعف هذا التعليل الذي ذكره ويضعف دعوى ابن عصفور قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :«إنّ من أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون» (٢). وقد عرفت أن الكسائي خرج الحديث على أنّ «من» زائدة وذلك أن مذهبه أنه لا يجوز حذف هذا الضمير إذا أدى ذلك إلى أن يكون بعد «إنّ» وأخواتها اسم يصبح عملها فيه (٣) والحق أن الأمر في ذلك كما قال المصنف من أن الاسم ضمير الشأن المحذوف لأن «من» لو حكم بزيادتها أفاد الكلام أن المصور من أشد الناس عذابا يوم القيامة وليس كذلك إذ غيرهم أشد عذابا كالكفار ومن كان ذنبه أعظم من ذنوب المصورين ، وأما دعوى الكسائي فيبطلها قول العرب «إن بك زيد مأخوذ». فإن زيدا يقبح عمل إنّ فيه (٤).

ومنها : أن كلام المصنف علم منه أن في جواز حذف الخبر في هذا الباب مذهبين : ـ

أحدهما : الجواز مطلقا وهو مذهب سيبويه (٥).

ثانيهما : أنه لا يجوز إلا إذا كان الاسم نكرة وهو مذهب الكوفيين (٦).

وقد نقل الشيخ مذهبا ثالثا وهو مذهب الفراء : [٢ / ١٠٢] أنه لا يجوز سواء أكان الاسم معرفة أم نكرة إلا إن كان بالتكرير نحو :

٩٤٧ ـ إنّ محلّا وإنّ مرتحلا (٧)

ولا يجوز في غيره. هكذا نقل الشيخ (٨) ، إلا أن ابن عصفور قال : وزعم أهل الكوفة أن أحسن ما يكون حذف الخبر إذا كان الموضع موضع تفصيل نحو قولهم : إنّ الزّبابة ـ

__________________

(١) شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٤٢) طبعة. العراق.

(٢) تقدم تخريج الحديث.

(٣) ينظر التذييل (٢ / ٦٤٨ ـ ٦٤٩).

(٤) ينظر الكتاب (٢ / ١٣٢) ، وشرح الكافية للرضي (٢ / ٣٦٢) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٥).

(٥) ينظر الكتاب (٢ / ١٤١).

(٦) ينظر الخصائص (٢ / ٣٧٤) ، وشرح الكافية للرضي (٢ / ٣٦٢) ، والهمع (١ / ١٣٦) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٥).

(٧) تقدم.

(٨) التذييل (٢ / ٦٥٠) وينظر شرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٥).

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وإنّ الفأرة .. يرون : إنّ الزّبابة خلاف الفأرة وإنّ الفأرة خلاف الزّبابة (١). انتهى.

والصحيح من هذه المذاهب : مذهب سيبويه ، ويدل عليه الآيات الشريفة التي أوردها المصنف ، والقياس يقتضيه فإنهم أجمعوا على جواز حذف الخبر إذا عرف معناه في غير باب «إنّ» فينبغي أن يجوز ذلك في باب «إنّ» إذا دلّ الدليل (٢) ومن حذف الخبر قولهم : (إنّ غيرها إبلا وشاء). قال سيبويه : «غيرها» اسم «إنّ» وإبلا وشاء ... تمييز والخبر محذوف ، أي : إن لنا غيرها إبلا وشاء (٣). قالوا :ولا يجوز أن يكون إبلا وشاء اسم «إنّ» وغيرها حال والخبر محذوف (٤) تقديره : إن لنا إبلا وشاء ، في حال أنها غير هذه ، لأنه لا عامل إلا «لنا» ، والمعاني لا تعمل مضمرة بإجماع (٥) وكذا لا يجوز أن يكون «غيرها» اسم «إنّ» وإبلا وشاء بدل والتقدير : إن لنا غيرها إبلا ، أي إن لنا إبلا ، لأنه متى اجتمع تابع ومتبوع فالباب أن يتقدم الجامد منهما ، وقد نصّ على ذلك سيبويه في نحو : فيها قائما رجل ؛ حتى عدل إلى النصب (٦) ، ولم يجعل «رجلا» بدلا من قائم (٧).

ومنها : أن «شعري» من قولهم : «ليت شعري» مصدر حذفت منه التاء ، قالوا : شعرة ودرية بالتاء (٨). وفي الإفصاح : شعري معرفتي ، والأصل : شعرت به ولا يتعدى إلا بالباء بخلاف «دريت» ، فإنها تتعدى بنفسها وبالباء ولا تستعمل شعرة إلا بالتاء ، مع «ليت» ، فإنه يلزم معها حذف التاء. ونظير ذلك قولهم : أبو عذرها ، ـ

__________________

(١) شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٤٣ ـ ٤٤٤) ط. العراق.

(٢) ينظر شرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٥).

(٣) الكتاب (٢ / ١٤١) ، ينظر شرح الكافية للرضي (٢ / ٣٦٢).

(٤) جوز ذلك ابن يعيش في شرح المفصل (١ / ١٠٤) ، حيث قال : ويجوز أن يكون إبلا وشاء اسم إنّ وغيرها حال. اه.

(٥) عقب أبو حيان على قولهم : «والمعاني لا تعمل مضمرة بإجماع» ، فقال : إلا المبرد فإنه أجاز ذلك في : وإذ ما مثلهم بشر. اه. التذييل (٢ / ٦٥٤) ، وينظر رأي في المقتضب (٤ / ١٩١).

(٦) ينظر الكتاب (١ / ٥٥ ـ ٥٦) بالمعنى.

(٧) مذهب المبرد في قولهم : فيها قائما رجل : أن «قائما» منصوب على الحال وعلل ذلك بقوله : إن النعت لا يكون قبل المنعوت لا يكون قبل المنعوت ، والحال مفعول فيها ، والمفعول يكون مقدما ومؤخرا. اه.

المقتضب (٤ / ١٩٢) ، وينظر هامش رقم «١» من (ص ١٩١) من المقتضب.

(٨) ينظر شرح الكافية للرضي (٢ / ٣٦٢).

٢٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والأصل : أبو عذرتها ولا ينطق بها إلا بالتاء إلا مع (أب) فبغير تاء ، والجملة الاستفهامية بعد «شعري» في موضع الخبر. كذا قال سيبويه (١). وتحقيقه أن شعري بمعنى : معلومي ، فالجملة نفس المبتدأ في المعنى فلا تحتاج إلى ضمير ، ومن الناس من جعل الجملة معمولة لشعري وأضمر الخبر ، أي : موجود أو ثابت. وقيل : الجملة معمولة لشعري وسدت مسد الخبر (٢). قال : ويقول العرب ليت شعري بزيد أقائم ، وليت شعري عن زيد أقائم ، قامت «عن» مقام التماسا في الشعر ، وبالشيء عن الكشف عنه ، وليت شعري زيد أقائم ، قال الكسائي : العرب تقول : ليت شعري زيدا ما صنع ، والنصب على إسقاط حرف الجر والاسم مجرورا أو منصوبا معمول لشعري ، وما صنع خبر «ليت» ، أو جملة في موضع البدل من المنصوب أو المجرور على القول بأن «شعري» يعمل في الجملة ، أو أن الجملة تكون بدلا من المفرد إذا جاز أن يسلط عليها العامل الذي يعمل في المفرد ، كما قيل ذلك في عرفت زيدا أبو من هو ، وهو [٢ / ١٠٣] قول أبي العباس (٣) .. انتهى.

ومنها : أنّ الإخبار بالمعرفة عن النكرة في هذا الباب قد استشكله بعضهم (٤).

وقد أشار ابن هشام إلى المسوغ لذلك فقال : نصب هذه الحروف للنكرات لا ينحصر ، ويخبر عنها بالمعرفة وهذا غريب لا يجوز في الابتداء ولا في كان ، وقد قدر سيبويه الخبر معرفة في (ولكنّ طالبا منيخا أنا) (٥) ، وإنما جاز هذا عندي ، وأن تكون المعرفة خبرا عن النكرة أن الأول لما كان الثاني كان المعنى واحدا ، وكان الاسم بها منصوبا ، فصار كأنه غير مسند إليه وفضلة فجاز تنكيره ، وكان الخبر معرفة لأنه لما كان مرفوعا صار كأنه مسند إليه لا مسند وكان هذا من تتميم شبهه بالفاعل (٦).

__________________

(١) ينظر الكتاب (١ / ٢٣٦ ، ٢٣٨).

(٢) ينظر التذييل (٢ / ٦٦١) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٧) ، والهمع (١ / ١٣٦) ، وحاشية الصبان (١ / ٢٦٩).

(٣) ينظر التذييل (٢ / ٦٦١) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٧).

(٤) ينظر شرح الكافية للرضي (٢ / ٣٦٣). وهم يقيسون الإخبار بالمعرفة عن النكرة في باب «إنّ» على باب كان.

(٥) ينظر الكتاب (٢ / ١٣٦).

(٦) ينظر التذييل (٢ / ٦٦٥).

٢٥٦

[مواضع كسر همزة إن ومواضع فتحها ومواضع جواز الوجهين]

قال ابن مالك : (فصل : يستدام كسر «إنّ» ما لم تؤوّل هي ومعمولها بمصدر. فإن لزم التأويل ؛ لزم الفتح. وإلّا فوجهان. فلا متناع التّأويل كسرت مبتدأة وموصولا بها وجواب قسم ومحكية بقول وواقعة موقع الحال أو موقع خبر اسم عين. أو قبل لام معلّقة. وللزوم التّأويل فتحت بعد «لو» و «لو لا» وما التّوقيتيّة. وفي موضع مجرور أو مرفوع فعل أو منصوبه غير خبر. ولإمكان الحالين أجيز الوجهان بعد أوّل قولي وإذا للمفاجأة وفاء الجواب).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : هذا الكلام في هذا الفصل يشتمل على تمييز مواقع «أنّ» المفتوحة من مواقع «إنّ» المكسورة. واعلم أن من المصنفين : من اكتفى بتعداد مواضع كل من القسمين ، ومنهم من ضبط ذلك بقاعدة ، فقال : كل موضع يتعاقب عليه الاسم والفعل فإن فيه مكسورة ، وكل موضع ينفرد بأحدهما «فإنّ» فيه مفتوحة (١) ، نحو : بلغني أنك منطلق ولو أنّ زيدا قائم قام عمرو ، لأن «لو» لا يقع بعدها إلا الفعل فنقضت هذه القاعدة «بإذا» الفجائية فإنها لا يليها إلا الاسم ، ويجوز كسر «إنّ» بعدها (٢).

وقال آخرون ـ وقيل : إنه قول سيبويه (٣) ـ : إنّ كل موضع هو للجملة فإن فيه مكسورة ، وكل موضع هو للمفرد «فإنّ» فيه مفتوحة ، فنقضت هذه القاعدة أيضا بنحو لو أن زيدا قائم قام عمرو ، وذلك بأن «أن» وقعت موقع الجملة الفعلية التي كان ينبغي لها أن تلي «لو» (٤). هذا على مذهب سيبويه ، فإنه يجعل «أنّ» مباشر لـ «لو». لفظا وتقديرا ويجعلها مع معمولها يتقدير اسم مبتدأ وسد الطول مسد الخبر (٥). ـ

__________________

(١) ممن ضبط مواضع الكسر والفتح بهذا الضابط ، ابن بابشاذ في شرح الجمل له (١ / ١٣٢) ، حيث قال : كل موضع صلح فيه الاسم والفعل كانت فيه «إن» مكسورة في الغالب ، وكل موضع اختص أحدهما دون الآخر كانت فيه مفتوحة. ا ه. وينظر شرح المفصل لابن يعيش (٨ / ٦٠).

(٢) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٥٩) ط. العراق.

(٣) وهو قول الفارسي والشلوبين وابن الناظم أيضا. ينظر التوطئة (٢٢١) ، والإيضاح (١٢٩) ، وشرح الألفية لابن الناظم (٦٢).

(٤) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٤٥٩) ط. العراق.

(٥) ينظر الكتاب (٣ / ١٢١ ، ١٤٠).

٢٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما المصنف فإنه جمع بين الأمرين ، أعني : تعداد الأماكن التي يتعين فيها الكسر والتي يتعين فيها الفتح ، والتي يجوز فيها الأمران ، والضابط لذلك بذكر قاعدة لا يتوجه عليها نقض بشيء من الصور التي نقض بها على غيره.

وحاصل الأمر : أنه أورد ذلك إيرادا لم يقع لغيره ، وأنا أورد كلامه أولا ثم أتبعه بما يحتاج إلى التنبيه عليه ، قال رحمه‌الله تعالى : «إنّ» بالكسر أصل ، لأن الكلام معها جملة غير مؤولة بمفرد وأنّ الفتح فرع لأن الكلام معها مؤول بمفرد.

وكون المنطوق به جملة من كل وجه أو مفردا من كل [٢ / ١٠٤] وجه أصل ، لكونه جملة من وجه ، مفردا من وجه. ولأن المكسورة مستغنية بمعمولها عن زيادة ، والمفتوحة لا تستغني عن زيادة ، والمجرد من الزيادة أصل للمزيد فيه ولأن المفتوحة تصير مكسورة بحذف ما تتعلق به كقولك في عرفت أنك بر : أنك بر ، ولا تصير المكسورة مفتوحة إلا بزيادة كقولك في «إنك بر» عرفت أنك بر والمرجوع إليه بحذف أصل للمتوصل إليه بزيادة (١).

ولكون المكسورة أصلا قلت : يستدام كسر «إن» ما لم تؤول هي ومعمولها بمصدر فعلم بذلك أن الكسر لازم للمبدوء بها لفظا ومعنى نحو (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ)(٢) وللمبدوء بها معنى لا لفظا (٣) ، نحو : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ)(٤) والموصول بها نحو : (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ)(٥) ، والمجاب بها قسم نحو : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ)(٦) والمحكية بالقول نحو : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ)(٧) والواقعة موقع الحال نحو : (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ)(٨) ، ومنه قول الشاعر :

٩٤٨ ـ ما أعطياني ولا سألتهما

إلّا وإنّي لحاجزي كرمي (٩)

__________________

(١) ينظر شرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٨) ، والمطالع السعيدة (ص ٢٢٦ ـ ٢٢٧) ، والهمع (١ / ١٣٨).

(٢) سورة الكوثر : ١.

(٣) ينظر إصلاح الخلل (ص ١٧٧) ، والأشموني (١ / ٢٧٤).

(٤) سورة البقرة : ١٣.

(٥) سورة القصص : ٧٦.

(٦) سورة الدخان : ٣.

(٧) سورة مريم : ٣٠.

(٨) سورة الأنفال : ٥.

(٩) البيت من المنسرح وهو لكثير عزة. وهو في شرح الكافية الشافية (١٤٦) ، وشرح عمدة الحافظ (١٣٠) ، والكتاب (٣ / ١٤٥) ، والمقتضب (٢ / ٣٤٦) ، والتذييل (٢ / ٦٧٥) ، والعيني (٢ / ٣٠٨)

٢٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وقول الآخر :

٩٤٩ ـ سئلت وإنّي موسر غير باخل

فجدت بما أغنى الذي جاء سائلا (١)

والواقعة موقع خبر اسم عين نحو : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(٢) ومنه قول الشاعر :

٩٥٠ ـ أراني ولا كفران لله إنّما

أؤاخي من الأقوام كلّ بخيل (٣)

وقول الآخر (٤) :

٩٥١ ـ إنّ الخليفة إنّ الله سربله

سربال ملك به تزجى الخواتيم (٥)

وقول الآخر :

٩٥٢ ـ منّا الأناة وبعض القوم يحسبنا

إنّا بطاء وفي إبطائنا سرع (٦)

__________________

والهمع (١ / ٢٤٦) ، والدرر (١ / ٢٠٣) ، والأشموني (١ / ٢٧٥) ، وديوانه (٢٧٣) جمع وشرح إحسان عباس ، وابن عقيل (١ / ١٣٢).

والشاهد قوله : (ما أعطياني ... إلّا وإني) حيث كسرت همزة «إنّ» لوقوعها في صدر جملة الحال.

(١) لم أهتد إليه ، والشاهد فيه قوله : (سئلت وإني موسر) حيث كسرت همزة «إنّ» لوقوعها في صدر جملة الحال.

(٢) سورة الحج : ١٧.

(٣) البيت من الطويل وهو لكثير عزة وهو في الكتاب (٣ / ١٣١) ، والخصائص (١ / ٣٣٨) ، وابن يعيش (٨ / ٥٥) ، وأمالي القالي (٢ / ٦٣) ، والتذييل (٢ / ٦٧٦) ، وشرح ابن خروف (ص ٢٦) ، والهمع (١ / ٢٤٧) ، والدرر (١ / ٢٠٥) ، وديوانه (٢ / ١٨٤ ، ٢٤٨).

والشاهد قوله : (أراني .. إنما أؤاخي) حيث كسرت همزة «إنّ» لوقوعها خبرا عن اسم عين ، وذلك لأن المفعول الثاني في باب ظن وأخواتها خبر في الأصل.

(٤) هو جرير ، والبيت من قصيدة يمدح بها عمر بن عبد العزيز.

(٥) البيت من البسيط ، وهو في مجالس العلماء للزجاجي (٢٩٣) ، والتذييل (٢ / ٦٧٩) ، والخزانة (٤ / ٣٤٤) ، والشواهد في النحو العربي (٢٩٧) ، وديوانه (ص ٥٢٧).

ويروي أيضا : (يكفي الخليفة) مكان (إن الخليفة) ، ولا شاهد في هذه الرواية كما يروى (لباس) مكان سربال.

والشاهد قوله : (إن الله سربله) حيث كسرت همزة «إنّ» لوقوعها موقع خبر اسم عين.

(٦) البيت لوضاح بن إسماعيل بن عبد كلال ، شاعر فصيح من أبناء الفرس ، من البسيط وهو في شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٢٠) ، وشرح التسهيل للمرادي (١ / ٤٢٩) ، والتذييل (٢ / ٦٧٧)

٢٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والواقعة قبل لام معلقة ، نحو : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ)(١) فعدم وقوع المصدر في هذه المواضع بيّن ، فلذلك استديم فيها كسر «إنّ» ، واللام المعلقة هي المسبوقة بفعل قلبي أو جار مجراه (٢) نحو : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ)(٣) وأنشد سيبويه :

٩٥٣ ـ ألم تر إنّي وابن أسود ليلة

لنسري إلى نارين يعلو سناهما (٤)

فلو لا اللام لفتحت «إنّ» كما فتحت في (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ)(٥) ، وفي (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ)(٦) وفي (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٧) ، فلو لم يسبق اللام فعل قلبي ولا جار مجراه لم يكن فرق بين وجود اللام وعدمها ، فلذلك استحق الكسر بعد القسم مع عدمها في (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ)(٨) ، كما استحق مع وجودها في (إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ)(٩) وكذا سائر المواضع الخمسة (١٠).

وأشرت بقولي : «فإن لزم التأويل لزم الفتح» إلى لزومه في موضع المبتدأ نحو : ـ

__________________

وعمدة الحافظ (١٢٩) ، وابن الناظم (٦٢) ، والعيني (٢ / ٢١٦) ، وشرح الحماسة للتبريزي (١ / ١٨٧).

والشاهد قوله : (يحسبنا إنا بطاء) ، حيث كسرت همزة «إن» لوقولعهما موقع خبر اسم عين ، عين وهو المفعول الأول ليحسب.

(١) سورة الأنعام : ٣٣.

(٢) ينظر المفصل لابن يعيش (٨ / ٦٦) ، وشرح الألفية للمرادي (١ / ٣٣٨).

(٣) سورة المنافقون : ١.

(٤) البيت من الطويل وهو من الأبيات الخمسين مجهولة القائل ، وينظر في الكتاب (٣ / ١٤٩) ، وشرح الكافية الشافية (١ / ٤٨٤) ، والتذييل (٢ / ٢٧٨) ، والأشموني (١ / ٢٧٥) ، واللسان (سنا).

والشاهد قوله : (ألم تر إنّي .. لنرى) حيث كسرت همزة «إنّ» لوقوع اللام المعلقة في خبرها ولو لا هذه اللام لفتحت همزتها.

(٥) سورة البقرة : ١٧٨.

(٦) سورة آل عمران : ١٨.

(٧) سورة النور : ٤١.

(٨) سورة الدخان : ٣.

(٩) سورة يونس : ٥٣.

(١٠) ذكر ابن عصفور في شرح الجمل (١ / ٤٦٠) ، أن هناك خلافا بين النحاة في «إنّ» الواقعة بعد القسم من حيث كسر همزتها وفتحها ، فقال : واختلف فيها إذا وقعت بعد القسم نحو : والله إنّ زيدا قائم ، فمنهم من لم يجز إلا الفتح ومنهم من أجاز الفتح والكسر واختار الفتح ، ومنهم من أجازهما واختار الكسر ، ومنهم من لم يجز إلا الكسر ، وهو الصحيح. اه.

٢٦٠