شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٣

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنهم من قال (١) : «إنما نصب ضرورة لئلا يختلط المدح بالذم لأنك إذا قلت ما مثلك أحد فنفيت عنه الأحدية احتمل أن يكون مدحا وذمّا ، فإذا نصبت مثلك ورفعت أحدا كان الكلام مدحا ، فلذلك نصب مثلهم في البيت وهذا باطل لأن ما قبله وما بعده يدل على أنه قصد المدح».

ومنهم من قال (٢) : «هو منصوب على الحال والخبر محذوف وهو العامل في الحال تقديره وإذ ما مثلهم بشر في الوجود وهو باطل لأن معاني الأفعال لا تعمل مضمرة».

ومنهم من جعله ظرفا بمنزلة بدل (٣) وهم أهل الكوفة واستدلوا على صحة مذهبهم بقول المهلب بن أبي صفرة : «ما يسرّني أن يكون لي ألف فارس مثل بيهس» (٤).

فقالوا : «محال ألا يسره أن يكون له ألف فارس كل واحد منهم مثل بيهس وإنما المعنى أنه لا يسره أن يكون له ألف فارس بدل بيهس لشجاعته وإقدامه على الحروب».

وهذا الذي قالوه لا حجة فيه لأن العرب إذا قالت : مررت برجال مثلك ، كان لهم في ذلك وجهان [٢ / ٥٧] :

أحدهما : أن يكون المعنى مررت برجال كل واحد منهم مثلك.

والآخر : أن يكون المعنى مررت برجال كلهم إذا اجتمعوا مثلك.

فعلى هذا يكون : ما يسرني أن يكون لي ألف فارس مثل بيهس وحده لأن ـ

__________________

(١) التخريج الثالث للبيت ونسبه أبو حيان للأعلم (التذييل والتكميل : ٤ / ٢٧٨).

(٢) التخريج الرابع للبيت ونسبه أبو حيان للمازني والمبرد (التذييل والتكميل : ٤ / ٢٧٧).

(٣) التخريج الخامس للبيت.

(٤) هو بيهس الملقب بنعامة وهو رجل من بني فزارة بن ذبيان وكان سابع سبعة أخوة أغار عليهم ناس من أشجع كانت بينهم عداوة فقتلوا إخوته جميعا ولم يقتلوه لصغره فلما عاد إلى أمه عنفته وطالبته بأن يأخذ بثأر إخوته ففعل فكان شجاعا ومما قيل في ذلك قول المتلمس (من الطويل) :

ومن طلب الأوتار ما حزّ أنفه

قصير وخاض الموت بالسّيف بيهس

نعامة لما صرّع القوم رهطه

تبيّن في أثوابه كيف يلبس

انظر ذلك كله في مجمع الأمثال (١ / ٢٦٨) (طبعة عيسى البابي الحلبي).

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

شجاعة ألف فارس إذا كانت مجتمعة في فارس كان أولى من افتراقها في أشخاص كثيرة لأنه متى حضر كان بمنزلة ألف فارس وألف فارس إذا تفرقوا قد يكون ذلك سببا لضعفهم.

ومنهم من قال (١) : «مثل منصوب على الظرفية فكأنه في الأصل صفة لظرف تقديره قبل الحذف : وإذ ما مكانا مثل مكانهم بشر ثم حذف الموصوف وقامت الصفة مقامه فأعربت بإعرابه فصار إذ ما مثل مكانهم بشر في الوجود وهذا باطل لأن الموصوف لا يحذف إلا إذا كانت الصفة خاصة ، ومثل ليس من الصفات الخاصة.

وأن يتقدم ما يدل على المحذوف ، ولم يتقدم هنا ما يدل على المحذوف» (٢).

ومنهم من قال (٣) : «إن ما هنا لم تعمل شيئا ولا شذوذ في البيت وذلك أن مثلا أضيفت إلى مبني (فبنيت على الفتح) (٤) فصارت بمنزلة قولك : يومئذ وحينئذ وهو الصحيح». هذا آخر كلام ابن عصفور (٥).

وعلم منه أنه لم يوافق المصنف في جواز تقديم خبرها على اسمها لكنه إنما يمنع ذلك حيث يكون الخبر اسما صريحا ويجيز التقديم إذا كان ظرفا أو مجرورا (٦). ـ

__________________

(١) هذا هو التخريج السادس للبيت كما خرجه ابن عصفور.

(٢) قوله : ولم يتقدم هنا ... إلخ ساقطة من شرح الجمل.

(٣) هذا هو التخريج السابع والأخير للبيت قال أبو حيان : وصححه ابن عصفور.

(٤) ما بين القوسين من شرح الجمل لابن عصفور.

(٥) انظر شرح الجمل له (٢ / ٥٧) وهو رسالة دكتوراه في مجلدين كبيرين بجامعة القاهرة. تحقيق د.

صاحب جعفر أبو جناح. وتوجد منه نسخة بجامعة عين شمس.

وقال ابن عصفور في المقرب (١ / ١٠٢) في حديث عن ما : وإنما لم يعملها الحجازيون إلا بشروط ثلاثة :

أحدها : أن يكون الخبر غير موجب والثاني : أن لا يتقدم الخبر على اسمها وليس بظرف ولا مجرور.

والثالث : ألا يفصل بينهما وبين الاسم بإن الزائدة فإن فقد شيء من ذلك رجعوا إلى اللغة التميمية فأما قول الفرزدق :

فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم

إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر

فمثلهم مرفوع إلا أنه مبني على الفتح لإضافته إلى مبني نحو قول الآخر (من الرمل) :

فتداعى منخراها بدم

مثل ما أثمر حمّاض الجبل

(٦) قال ابن عصفور : لا يجوز تقديم خبر ما عليها إذا كان اسما صريحا وغيره يجوز (شرح الجمل : ٢ / ٥٤).

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد نقل المصنف عنه هذه المسألة في شرح الكافية (١).

وقد ذكر هو (٢) أن في التقديم إذا كان الخبر ظرفا أو مجرورا خلافا : قال : «منهم من أجاز ، ومنهم من منع ، والذين أجازوا هم البصريون قياسا على أن التي يقدم خبرها على اسمها إذا كان ظرفا أو مجرورا.

والذي منع هو أبو الحسن الأخفش ومنع القياس على إنّ لأنها أقوى من ما وذلك لأنها اختصت بما دخلت عليه وما ليست كذلك (٣).

والصحيح أن ذلك يجوز بدليل قوله تعالى : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ)(٤) فحاجزين خبر ما وهو منصوب فثبت أنها حجازية وقد فصل بينهما وبين اسمها بالمجرور الذي هو منكم.

فإذا فصل بين ما واسمها بمجرور ليس في موضع خبرها الذي لا يجوز في إن إلا قليلا كقول الشاعر :

٨٠٢ ـ فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها

أخاك مصاب القلب جمّ بلابله (٥)

فبالأحرى أن يجوز بالمجرور الذي هو في موضع الخبر الجائز في إن في فصيح العرب ـ

__________________

(١) قال ابن مالك في الشرح المذكور (١ / ٤٣٢) :الشرط الثالث من شروط إلحاق ما بليس : تأخر الخبر فلا عمل غالبا عند تقدمه كقولك : ما قائم زيد ثم قال : ومن النحويين من يرى بقاء عمل ما إذا تقدم خبرها وكان ظرفا أو جارا ومجرورا وهو اختيار أبي الحسن بن عصفور.

(٢) الضمير يعود على ابن عصفور وانظر ما ذكره في شرح الجمل (٢ / ٥٧).

(٣) انظر التذييل والتكميل (٤ / ٢٦٩).

(٤) سورة الحاقة : ٤٧.

(٥) البيت من بحر الطويل وهو من الخمسين المجهولة القائل في كتاب سيبويه (٢ / ١٣٣).

اللغة : تلحني : يقال لحاه يلحاه ويلحوه لحيا ولحوّا إذا لامه وعزله. وأصله من لحوت العود إذا قشرت لحاءه. جمّ : كثير. بلابله : جمع بلبال وهو الحزن وشغل البال.

المعنى : يرجو الشاعر صاحبه ألا يلومه في حبه أو يأمره بالبعد عن محبوبته فذلك لن يكون فقد ابتلي قلبه بحبها وانشغل به.

والشاهد فيه قوله : «فإنّ بحبها أخاك ... إلخ» حيث قدم معمول خبر إن على اسمها وظل عمل إن باقيا ، فمن باب أولى إذا فصل بين ما واسمهما بجار ومجرور هو معمول الخبر أو غيره فيبقى عمل ما ، وأولى من ذلك كله إذا كان الجار والمجرور هو الخبر نفسه.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٢٨٨) وليس في شروح التسهيل.

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

نحو إن في الدار زيدا» انتهى (١).

وأما العمل مع نقض النفي يعني إذا أوجب الخبر بإلا فقال المصنف : «روي عن يونس من غير طريق سيبويه إعمال ما في الخبر الموجب بإلا (٢) واستشهد على ذلك بعض النحويين بقول الشاعر :

٨٠٣ ـ وما الدّهر إلّا منجنونا بأهله

وما صاحب الحاجات إلّا معذّبا (٣)

[٢ / ٥٨] وتكلف في توجيه هذا البيت بأن قيل :منجنونا منصوب نصب المصدر الذي يستغنى به الدهر عن الخبر المبتدأ المقصود حصر خبره فكأنه قال : وما الدهر إلا يدور دوران منجنون أي دولاب ثم حذف الفعل على حد حذف تسير إذا قيل : ما أنت إلا سير البريد ثم حذف المصدر وهو دوران وأقيم المضاف إليه مقامه وهو منجنون.

وأما إلا معذبا فمثل إلا تعذيبا مفعل من فعل بمنزلة تفعيل ومنه قوله تعالى :(وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ)(٤) ، وهذا عندي (٥) تكلف ؛ فالأولى أن تجعل منجنونا ـ

__________________

(١) شرح الجمل لابن عصفور (١ / ٥٨).

(٢) انظر الهمع (١ / ١٢٣) والتذييل والتكميل (٤ / ٢٧٣) وانظر كتاب (يونس البصري : حياته وآثاره وآراؤه ص ٢١٩) قال مؤلفه دكتور / أحمد مكي الأنصاري : ونقل عن يونس أنه يجوز إعمالها مع انتقاض نفيها بإلا وأنشد في ذلك :

وما الدّهر إلّا منجنونا بأهله

وما صاحب الحاجات إلّا معذّبا

(٣) البيت من بحر الطويل وهو من الحكم والمواعظ لشاعر مجهول.

والمنجنون : الدولاب التي يستقى عليها والميم والنون في أوله أصل وجمعه مناجين.

ومعنى البيت : أن الدهر كالدولاب دائم الدوران على الناس فمرة لهذا ومرة لذلك ولا شيء دائم والإنسان الذي يعيش فيه له حاجة يسعى إليها أبدا ويتعذب في سبيلها.

والشاهد فيه : في الشطرين حيث أعملت ما عمل ليس مع انتقاض النفي بإلا وأجازه ابن مالك تابعا ليونس والشلوبين ، وقد رده الجمهور وأولوه بما هو مذكور في الشرح.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٧٤) والتذييل والتكميل (٤ / ٢٧٣) ومعجم الشواهد (ص ٢٨).

(٤) سورة سبأ : ١٩.

وقال ابن عصفور بعد أن أنشد البيت : وما الدهر ... إلخ : «يتخرج على أن يكون معذب مصدر كممزق وكذلك منجنون التقدير : وما الدهر إلا دوران منجنون ، وما صاحب الحاجات إلا تعذيبا فيكون من باب ما أنت إلا سيرا». (المقرب : ١ / ١٠٣).

(٥) الكلام لابن مالك في شرح التسهيل.

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ومعذبا خبرين لما منصوبين بها إلحاقا لها بليس في نقض النفي كما ألحقت بها في عدم النقض.

وأقوى من الاستشهاد بهذا البيت الاستشهاد بقول مغلس (١) :

٨٠٤ ـ وما حقّ الّذي يعثو نهارا

ويسرف ليله إلّا نكالا (٢)

وما اخترت من حمل منجنونا وإلا نكالا على ظاهرهما من النصب بما هو مذهب الشلوبين (٣) ذكر ذلك في تنكيته على المفصل» انتهى (٤).

وأقول : أما كون مذهب يونس إعمال ما في الخبر الموجب بإلا فمسلم لكن يلزم القائل به إقامة الدليل على مذهبه ولا دليل في هذين البيتين : أما البيت الأول فقد ذكر تخريجه ، وأما البيت الثاني فيوجه بما وجه به الأول من أن نكالا منصوب نصب المصدر بفعل مقدر هو الخبر ، والتقدير : إلا ينكل نكالا والتوجيه في البيتين توجيه سهل لا تكلف فيه مقبول لجريانه على القواعد ، ومع الاحتمال المذكور يسقط الاستدلال.

وأما قول المصنف «إنّ ذلك يكون في ما إلحاقا لها بليس في نقض النّفي كما ألحقت بها في عدم النقض» فليس بمرضي منه لأن ما إنما ألحقت بليس لشبهها بها في إفادة النفي فلم يكن عملها لذاتها بل لحملها على ليس من أجل الشبه المذكور ، ولا شك أنه إذا انتقض النفي زال الشبه فيزول ما كان من أجله وهو العمل. ـ

__________________

(١) هو المغلس بن لقيط من شعراء الجاهلية. سبقت ترجمته من هذا التحقيق.

(٢) البيت من بحر الوافر قائله المغلس بن لقيط ـ كما في الشرح ـ وهو في النصح والإرشاد.

اللغة : يعثو : بالثاء المثلثة : يفسد وروي : يعتو بالتاء المثناة ومعناه يستكبر وهما متقاربان. النّكال :العذاب الشديد.

ومعنى البيت : أن الذي يعيش لاهيا مفسدا ولا يعمل حسابا لوقته ودهره يصيبه الخسران والهلاك في حياته وبعد موته.

وشاهده قوله : «وما حق الذي يعثو ... إلا نكالا» حيث أعمل ما في الخبر الموجب وقد أجازه ابن مالك تابعا مذهب يونس والأستاذ أبي علي الشلوبين. وقد رده ناظر الجيش على ما ذكره في الشرح.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٧٤) وفي التذييل والتكميل (٤ / ٢٧٣) وفي معجم الشواهد (ص ٢٧٠).

(٣) نص عليه صاحب الهمع (السيوطي) (١ / ١٢٣) وصاحب التذييل والتكميل (أبو حيان) (٤ / ٢٧٣).

(٤) انظر شرح التسهيل (١ / ٣٧٤) وما اخترت إلى آخره ساقط من شرح التسهيل.

١٤٥

[حكم المعطوف على خبر ما]

قال ابن مالك : (والمعطوف على خبرها ببل ولكن موجب فيتعيّن رفعه).

______________________________________________________

فإن قيل : كما أن عمل ليس لا يبطل بإيجاب الخبر فينبغي ألا يبطل عمل ما بالإيجاب أيضا حملا لها على ليس.

أجيب بأن عمل ليس لذاتها لكونها فعلا فهي تستحق العمل من أصل الفعلية استمر معنى النفي أو انتقض. وأما عمل ما فبالحمل على ليس لمشاركتها في إفادة النفي فإذا زال ما به المشاركة زال ما كان من أجلها.

وقد علم من هذا الذي ذكر أولا وآخرا أن ما لم يثبت لها عمل مع توسط الخبر بينها وبين اسمها ولا مع إيجاب الخبر بإلا.

قال ناظر الجيش : قال المصنف : «إذا عطف على خبر ما المنصوب ببل أو لكن لم يجز في المعطوف إلا الرفع كقولك : ما زيد قائما بل قاعد وما خالد مقيما لكن ظاعن ، وإنما لم يجز في المعطوف إلا الرفع لأنه بمنزلة الموجب بإلا ، وقياس مذهب يونس (١) ألا يمتنع نصب المعطوف ببل ولكن» انتهى (٢) [٢ / ٥٩].

وستعرف في باب العطف إن شاء الله تعالى : «أن بل إذا تقدّمها نفي أو نهي فهي لتقرير حكم ما قبلها وجعل ضدّه لما بعدها» (٣) وعلى هذا وجب أن يرفع الواقع بعدها في نحو ما زيد قائما بل قاعد لأنه موجب لا منفي لكن المبرد مع اعترافه بذلك أجاز كون بل ناقلة حكم النفي والنهي إلى ما بعدها وتقرير قوله (٤) :إن بل يكون بعد النفي على حسبها بعد الإيجاب وهي بعد الإيجاب لزوال ـ

__________________

(١) القائل بجواز إعمال ما في الخبر الموجب بإلا.

(٢) شرح التسهيل (١ / ٣٧٤).

(٣) قال ابن مالك (تسهيل الفوائد ص ١٧٧) : والمعطوف ببل مقرّر بعد تقرير نهي أو نفي صريح أو مؤوّل لمذكور موطّأ به أو مردود أو مرجوع عنه ... ولكن قبل المفرد بعد نهي أو نفي كبل».

(٤) قال المبرد (المقتضب : ١ / ١٢) : هذا باب حروف العطف ومعانيها : ومنها بل : ومعناها الإضراب عن الأول والإثبات للثاني نحو قولك : ضربت زيدا بل عمرا وجاءني عبد الله بل أخوه وما جاءني رجل بل امرأة». وقال في (٤ / ٢٩٧): «بل ولا من حروف الإشراك».

وكرر الكلام في كتابه كثيرا وانظر : (١ / ١٥٠) ، (٣ / ٣٠٥).

١٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الغلط والنسيان لأنك إذا قلت قام زيد بن عمرو أي عمرو هو الذي قام.

قالوا : «ويجري هذا مجرى بدل الغلط ؛ فلذلك تقول : ما قام زيد بل عمرو كأنك أردت أن تقول : ما قام عمرو فغلطت فعلقت النفي بزيد ثم أضربت فقلت :بل عمرو أي عمرو هو الذي قام».

قالوا : ويجري هذا مجرى قولك : ما قام زيد عمرو.

وعلى هذا يجوز أن يقال : ما زيد قائما بل قاعدا كأنه أراد أن يقول : ما زيد قاعدا ، فغلط أو نسي ؛ فقال : ما زيد قائما ثم أضرب فقال : بل قاعدا أي ما هو قاعدا فالقعود منفي غير موجب فلا يمتنع نصبه. لكن أكثر النحاة على خلاف قول المبرد في هذه المسألة (١).

واعلم أنهم نصّوا على أن لكن وبل لا يعطف بهما إلا المفردات ولا يعطف بهما الجمل وإذا كان كذلك فالمرفوع الواقع بعدهما في نحو ما زيد قائما بل قاعد أو لكن قاعد لم يعطف على ما قبله لأن ما قبله منصوب فهو حينئذ خبر مبتدأ محذوف التقدير لكن هو قاعد وبل هو قاعد ، وإذا كان كذلك فلا عطف والحالة هذه وإنما لكن لمجرد الاستدراك وبل لمجرد الإضراب ، ومن ثم ناقش الشيخ المصنف في قوله :«والمعطوف على خبرها ، بيل ولكن».

قال (٢) : «لأنّه لا يسمّى ما بعدهما معطوفا على خبر ما إذ ليسا حينئذ حرفي عطف بل هما حرفا ابتداء لمجيء الجملة بعدهما».

__________________

(١) قال ابن عصفور (المقرب : ١ / ١٠٢).

«وإذا أثبت بعد حرف العطف فإن كان حرف العطف يقتضي الإيجاب رفعت ليس إلا نحو قولك ما زيد قائما لكن قاعد وبل قاعد ، وإن كان لا يقتضيه وعطفته على الخبر كان المعطوف على حسبه إن كان مرفوعا أو منصوبا وإن كان مخفوضا جاز فيه الحمل على الموضع فترفع إن قدرتها تميمة وتنصب إن قدرتها حجازية والحمل على اللفظ فتنخفض».

وقال السيوطي (الهمع : ٢ / ٤٨٥) :«إذا عطفت على خبر ما بلكن أو بل تعيّن في المعطوف الرفع نحو زيد قائما لكن قاعد على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو ولا يجوز النصب لأن المعطوف بهما موجب وما لا تعمل إلا في المنفي.

أما المعطوف بغيرهما فيجوز فيه الأمران والنصب أجود».

(٢) التذييل والتكميل (٤ / ٢٧٤).

١٤٧

[بقية الحروف العاملة عمل ليس]

قال ابن مالك : (وتلحق بها «إن» النّافية قليلا و «لا» كثيرا ورفعها معرفة نادر وتكسع بالتاء فتختصّ بالحين أو مرادفه مقتصرا على منصوبها بكثرة وعلى مرفوعها بقلّة وقد يضاف إليها حين لفظا أو تقديرا وربما استغني مع التّقدير عن لا بالتّاء وتهمل لات على الأصحّ إن وليها هنّا).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : قال المصنف (١) : «مقتضي النظر أن يكون إلحاق إن النافية بليس راجحا على إلحاق لا لمشابهتها لها في الدخول على المعرفة وعلى الظرف والجار والمجرور وعلى المخبر عنه بمحصور فيقال إن زيد فيها ، وإن زيد إلّا فيها ، (إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ)(٢) ، (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ)(٣) ، كما يقال بما ، ولو استعملت [٢ / ٦٠] لا هذا الاستعمال لم يجز ومقتضى الدليل أن يكون إلحاق لات بليس راجحا على إلحاق ما وإن ولا لأن اتصال التاء بها جعلها مختصة بالاسم وشبيهة بليس في اللفظ إذ صارت بها على ثلاثة أحرف أوسطها ساكن كليس إلا أن الاستعمال اقتضى تقليل الإلحاق في إن وكثرته في لا مجردة وقصره في لات مكسوعة بالتاء على الحين أو مرادفه.

وذكر السيرافي أن المرفوع بعد لات في مذهب الأخفش مرفوع بالابتداء ، والمنصوب بعدها منصوب بإضمار فعل (٤). وكلام الأخفش في كتابه المترجم بمعاني القرآن موافق لكلام سيبويه في أن لات تعمل عمل ليس على الوجه ـ

__________________

(١) شرح التسهيل (١ / ٣٧٥).

(٢) سورة يونس ٦٨.

(٣) سورة فاطر : ٢٣. والآية ليست في شرح التسهيل ولعلها سقطت منه سهوا.

(٤) قال السيرافي في شرحه لكتاب سيبويه (٢ / ٣٦٥) رسالة دكتوراه بكلية اللغة تحقيق د / دردير أبو السعود : «قال الأخفش : لات لا تعمل شيئا في القياس لأنها ليست بفعل وإذا كان ما بعدها مرفوعا فهو على الابتداء وإن كان منصوبا فبإضمار فعل كما قال جرير (وهو في لا): «فلا حسبا فخرت به» أي فلا ذكرت حسبا وقال في الآية : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) أي رأى حين مناص. وقال الرضي في شرحه على الكافية (١ / ٢٧١).

«وعند الأخفش أن لات غير عامله والمنصوب بعدها بتقدير فعل فمعنى لات حين مناص أي لا أرى حين مناص والمرفوع بعدها مبتدأ محذوف الخبر وفيه ضعف لأن وجوب حذف الفعل الناصب أو خبر المبتدأ له مواضع بعينه».

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المذكور (١) وخفي ذلك على السيرافي وأبي علي الشلوبين فإنه ذكر في تنكيته على المفصل مثل ما قال السيرافي (٢).

وأكثر النحويين يزعمون أن مذهب سيبويه في إن النافية الإهمال (٣) ، وكلامه مشعر بأن مذهبه فيها الإعمال وذلك أنه قال في باب عدة ما يكون عليه الكلم (٤) : «وأمّا إن مع ما في لغة أهل الحجاز فهي بمنزلة ما مع إنّ الثقيلة تجعلها من حروف الابتداء وتمنعها أن تكون من حروف ليس».

فعلم بهذه العبارة أن في الكلام حروفا مناسبة لليس من جملتها ما ولا شيء من الحروف يصلح لمشاركة ما في هذه المناسبة إلا إن ولا فتعين كونهما مقصودين (٥).

وصرح أبو العباس المبرد بإعمال إن عمل ليس (٦) وتابعه أبو علي وأبو الفتح ابن جني (٧) ، ومن شواهد ذلك ما أنشده الكسائي من قول الشاعر : ـ

__________________

(١) قال سيبويه في حديث عن ليس (١ / ٥٧): «كما شبّهوا بها لات في بعض المواضع وذلك مع الحين خاصة لا تكون لات إلّا مع الحين تضمر فيها مرفوعا وتنصب الحين لأنه مفعول به.

وزعموا أن بعضهم قرأ : ولات حين مناص (بالرفع) وهي قليلة .. ولا يجاوز بها الحين رفعت أو نصبت ولا تتمكن في الكلام كتمكن ليس (الكتاب : ١ / ٥٨).

(٢) قوله : وخفي ذلك على السيرافي إلى قوله : مثل ما قال السيرافي ساقط من شرح التسهيل.

(٣) قال المبرد في معرض الحديث عن أنواع إن :«وتكون في معنى ما تقول : إن زيد منطلق أي ما زيد منطلق وكان سيويه لا يرى فيها إلّا رفع الخبر لأنها حرف نفي دخل على ابتداء وخبره ، كما تدخل ألف الاستفهام فلا تغيره وذلك كمذهب بني تميم في (ما) (المقتضب : ٢ / ٣٦٢).

(٤) انظر نصه في الكتاب (٤ / ٢٢١).

(٥) وقال أيضا (الكتاب : ٣ / ١٥٣) متحدثا عن معنى إن : إنها تأتي بمعنى ما ، مثل : (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ)[الملك : ٢٠] أي ما الكافرون ، وتصرف الكلام إلى الابتداء كما صرفتها ما إلى الابتداء في قولك : إنما وذلك قولك ما أن زيد ذاهب قال فروة بن مسيك (من الوافر) :

وما إن طبنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

(٦) قال المبرد في معرض الحديث عن إن النافية بعد أن قرر أن سيبويه يهملها : وغيره يجيز نصب الخبر على التشبيه بليس كما فعل ذلك في ما وهذا هو القول لأنه لا فصل بينها وبين ما في المعنى وذلك قوله عزوجل (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ)[الملك : ٢٠] وقال : (إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً)[الكهف : ٥] المقتضب (٢ / ٣٦٢).

(٧) الهمع للسيوطي (١ / ١٢٤) وانظر في رأي ابن جني المحتسب له (١ / ٢٧٠) وسيأتي نصه قريبا.

١٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

٨٠٥ ـ إن هو مستوليا على أحد

إلّا على أضعف المجانين (١)

وقال آخر :

٨٠٦ ـ إن المرء ميتا بانقضاء حياته

ولكن بأن يبغى عليه فيخذلا (٢)

وذكر ابن جني في المحتسب (٣) : أنّ سعيد بن جبير رضي‌الله‌عنه (٤) قرأ :إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم (٥) على أنّ إن نافية والذين اسمها وعبادا خبرها وأمثالكم صفته.

وقال : «معناه ما الذين تدعون من دون الله أمثالكم في الإنسانيّة وإنما هم حجارة ونحوها ممن لا حياة لها ولا عقل فضلا لكم بعبادتهم أشدّ من ضلالكم لو عبدتم أمثالكم» (٦). ـ

__________________

(١) البيت من بحر المنسرح وهو لشاعر مجهول يصف قائدا كل جنوده من المجانين وروي :

إن هو مستوليا على أحد

إلّا على حزبه المناحيس

وقد سبق الاستشهاد به في باب الضمير.

وشاهده هنا قوله : «إن هو مستوليا» حيث أعمل إن النافية عمل ليس قال صاحب الدرر ناقلا عن ابن الشجري : كما استحسن ذلك في ما واحتج بأنه لا فرق بين إن وما إذ هما لنفي ما في الحال وتقع بعدهما جملة الابتداء كما تقع بعد ليس (الدرر : ١ / ٩٦) والبيت في معجم الشواهد (ص ٤١٥) وفي شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٣٧٥) ولأبي حيان (٤ / ٢٧٩).

(٢) البيت من بحر الطويل وقائله مجهول. ومعناه : ليس المرء ميتا بانقضاء حياته ولكن الموت الحقيقي هو أن يبغي عليه باغ ولا يستطيع الدفاع عن نفسه.

وشاهده : كالذي قبله :وهو في شرح التسهيل (١ / ٣٧٦) ، وفي التذييل والتكميل (٤ / ٢٧٩) وفي معجم الشواهد (ص ٢٦٥).

(٣) انظر (١ / ٢٧٠) من الكتاب المذكور لابن جني (طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية سنة (١٣٨٦ ه‍) تحقيق علي النجدي ناصف وآخرين). (جزآن في مجلدين).

(٤) هو أبو عبد الله سعيد بن جبير الأسدي بالولاء الكوفي من أصل حبشي وهو تابعي ولد سنة (٤٥ ه‍) وأخذ العلم عن عبد الله بن عباس وابن عمر وكان أهل الكوفة يجلونه لعلمه. قبض عليه الحجاج بن يوسف في فتنة وقتله سنة (٩٥ ه‍).

ترجمته في الأعلام (٣ / ١٤٥) ، غاية النهاية (١ / ٣٠٩).

(٥) سورة الأعراف : ١٩٤.

(٦) هذا رأي ابن مالك تابعا ابن جني وأبا علي الفارسي والمبرد ، وغيرهم يرى إهمالها أو عملها في الشعر خاصة. قال ابن عصفور (المقرب : ١ / ١٠٥): «وقد أجروا إن النّافية في الشّعر مجرى ما في

١٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن عمل لا مجردة من التاء عمل ليس : قول الشاعر :

٨٠٧ ـ تعزّ فلا شيء على الأرض باقيا

ولا وزر ممّا قضى الله واقيا (١)

ومثله قول الآخر :

٨٠٨ ـ نصرتك إذ لا صاحب غير خاذل

فبوّئت حصنا بالكماة حصينا (٢)

ومثله قول الآخر وهو سواد بن قارب رضي‌الله‌عنه (٣) :

٨٠٩ ـ وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة

بمغن فتيلا عن سواد بن قارب (٤)

ومثله [٢ / ٦١] قول الآخر : ـ

__________________

نصب الخبر لشبهها بها قال :

إن هو مستوليا على أحد

إلّا على أضعف المجانين

ولا يجوز ذلك في الكلام لأنّها مختصة.

(١) البيت من بحر الطويل لشاعر حكيم وهو في الوعظ.

ومعناه : لا تحزن الحزن الشديد على شيء فاتك فإن كل شيء إلى زوال وكل ما قضاه الله واقع ولا مفر منه.

والشاهد في البيت قوله : «فلا شيء ... باقيا ، ولا وزر ... واقيا» حيث أعمل لا عمل ليس بعد استيفاء شروطها.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٧٦) وفي التذييل والتكميل (٤ / ٢٨٢). وفي معجم الشواهد (ص ٤٢٦).

(٢) البيت من بحر الطويل قائله كسابقه مجهول.

ومعناه : يمن الشاعر على صاحبه بأن ساعده ونصره وآواه إلى الشجعان يقصد نفسه وقومه وقد فعل معه ذلك في وقت لم يجد فيه من ينصره ويحميه.

وشاهده : كسابقه : حيث عملت لا عمل ليس في قوله : لا صاحب غير خاذل.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٧٦) ، وفي التذييل والتكميل (٤ / ٢٨٢) وفي معجم الشواهد (ص ٣٨٠).

(٣) هو سواد بن قارب الأزدي ، كان كاهنا وشاعرا في الجاهلية وكان صحابيّا في الإسلام ، التقى بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما سيأتي في معنى البيت الذي قاله وقد عاش إلى خلافة عمر بن الخطاب ومات بالبصرة سنة (١٥ ه‍) تقريبا. انظر ترجمته في الأعلام (٣ / ٢١٣).

(٤) البيت من بحر الطويل وقائله كما أشار إليه في البيت سواد بن قارب. والخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان سواد كاهنا ولما بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذهب إليه سواد وأعلن إسلامه وأنشد أبياتا منها بيت الشاهد.

والفتيل : هو الخيط الأبيض الذي يكون في شق النواة.

والمعنى : اشفع لي يا محمد في يوم الحشر يوم لا ينفع مال ولا بنون.

ويستشهد بالبيت على عمل لا النافية عمل ليس المعمولين النكرتين كما استشهد بالبيت مرة أخرى على إضافة الظرف إلى الجملة المنفية وبقاء الجملة حالها من رفع الاسم ونصب الخبر (الدرر : ١ / ١٨٨) وعلى زيادة الباء في الخبر لا العاملة عمل ليس (الدرر : ١ / ٢١).

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٧٦) ، وفي التذييل والتكميل (٤ / ٢٨٢) ، وفي معجم الشواهد (ص ٥٦).

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

٨١٠ ـ من صدّ عن نيرانها

فأنا ابن قيس لا براح (١)

فحذف الخبر ومثله قول الآخر :

٨١١ ـ والله لو لا أن يحشّ الطّبّخ

بي الجحيم حين لا مستصرخ (٢)

فهذا وأمثاله مشهور ، أعني إعمال لا في نكرة عمل ليس». انتهى (٣). ـ

__________________

(١) البيت من بحر الكامل المجزوء قاله سعد بن مالك أحد سادات العرب وفرسانها المشهورين في حرب البسوس وهو الذي مدحه طرفة بقوله :

رأيت سعودا من شعوب كثيرة

فلم تر عيني مثل سعد بن مالك

وقد مضى بيت طرفة شاهدا في باب العلم.

اللغة : صدّ : أعرض ويروى في مكانه فر. نيرانها : يقصد حرب البسوس. أنا ابن قيس : أضاف نفسه إلى جده الأعلى لشهرته. ومعناه : أنا المشهور في النجدة وأنا الشجاع في الحرب.

لا براح : البراح كسحاب مصدر برح كفرح إذا زال عن مكانه. وإعرابه : خبر بعد خبر أو حال وقد ينصب ابن قيس على الاختصاص فيكون هو الخبر لا محالة وهو موضع الشاهد حيث عملت لا فيه عمل ليس وخبرها محذوف أي لا براح لي.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٧٦) وفي التذييل والتكميل (٢ / ٢٨١ ، ٢٨٣) وفي معجم الشواهد (ص ٨٧).

(٢) البيتان من الرجز المشطور قالهما العجاج في التهديد والوعيد من قصيدة له في ديوانه (ص ٤٥٩) (طبعة بيروت مكتبة دار الشروق) وهما أيضا في لسان العرب مواد : حش ، طبخ ، فتح.

اللغة : يحشّ : مضارع حش النار يحشها حشّا إذا جمع لها الحطب وأوقدها. الطبّخ : جمع طابخ والمراد به الملائكة الموكلون بعذاب الكفار. الجحيم : النار. المستصرخ : المغاث وجواب لو لا مذكور في قوله :

لعلم الأقوام أنّي مفنخ

لهامهم أرضّه وأنفخ

يقال : رجل مفنخ : بكسر الميم اذا كان يذل أعداءه ويشج رأيهم كثيرا.

والمعنى : لو لا خوف النار لقتلت الناس. والبيتان في معجم الشواهد (ص ٤٥٩) وفي شرح التسهيل (١ / ٣٧٧) وفي التذييل والتكميل (٢ / ٢٨١ ، ٢٨٢).

وشاهده قوله : «لا مستصرخ» حيث عملت لا عمل ليس وخبرها محذوف تقديره : موجودا.

(٣) شرح التسهيل (١ / ٣٧٧).

قال أبو حيان : «ولا حجة في هذه الأبيات الثلاثة إذ يحتمل أن يكون ذو شفاعة وبراح ومستصرخ مبتدآت إذ ليس فيها خبر يظهر نصبه ، إذ قوله بمغن مشغول بحرف الجر فيحتمل أن يكون في موضع رفع وبراح ومستصرخ لم يذكر لهما خبر البتة فيحتمل أن يكون المحذوف مرفوعا ، فلم يبق ما يدل على أنها تعمل عمل ليس إلا البيتان السابقان وهما من القلة بحيث لا تبنى عليه القواعد».

(التذييل والتكميل : ٢ / ٤٩٥).

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد أفهم كلام المصنف الخلاف بين النحاة في إعمال إن عمل ليس وأن الأكثرين يزعمون أن مذهب سيبويه فيها الإهمال وأكثر المغاربة على أن إن لا تعمل (١).

قال ابن عصفور : «ويعطيه كلام سيبويه لأنه لم يذكرها في نواسخ الابتداء والخبر».

قال الشيخ (٢) : «والصّحيح الإعمال ، والدليل على ذلك القياس والسّماع» :

أما القياس : فإنها شاركت ما في النّفي وفي دخولها على المعرفة والنّكرة ، وفي نفي الحال. وأما السماع : فقول العرب في نثرها وسعة كلامها : «إن ذلك نافعك ولا ضارّك» «وإن أحد خيرا من أحد إلّا بالعافية» حكى ذلك الكسائي بنصب نافعك وضارك وخيرا (٣).

ومن كلامهم : إنّ قائما أي إن أنا قائما ، فتركت الهمزة وأدغمت النون في النون (٤) وأنشد البيتين المتقدمي الذكر (٥) وذكر قراءة سعيد بن جبير إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم (٦) لكنه قال : لا يتعين تخريجها على أن إن نافية بل يحتمل أن تكون إن هي المخفّفة وتكون قد أعملت ونصب الخبر بها على حد قول من قال :

٨١٢ ـ [إذا اسودّ جنح اللّيل فلتأت ولتكن

خطاك حثاثا] إنّ حرّاسنا أسدا (٧)

__________________

(١) قال ابن عصفور : وقد أجروا إن النافية في الشعر مجرى ما في نصب الخبر لشبهها بها ، قال : إن هو مستوليا على أحد ... إلخ ثم قال : ولا يجوز ذلك في الكلام لأنها مختصة.

(٢) التذييل والتكميل : (٤ / ٢٧٧ ، ٢٧٨).

(٣) مغني اللبيب (١ / ٢٢).

(٤) المرجع السابق.

(٥) الأول : الّذي أوله : إن هو مستوليا. والثاني : الّذي أوّله : إن المرء ميتا.

(٦) سورة الأعراف : ١٩٤.

(٧) البيت من بحر الطويل فيه روح عمر بن أبي ربيعة حيث جعل نفسه معشوقا للنساء ومحبوبا لهن ، وقد نسبته مراجعه إليه ولكنه ليس في ديوانه.

المعنى : يقول معشوقات عمر له : آتنا بعد دخول الليل وتسلل إلينا عند اشتداد الظلام ولا تدب في مشيك حتى لا يسمعك قومنا الشجعان فيقتلوك.

والشاهد فيه قوله : «إنّ حرّاسنا أسدا» حيث جاء الاسم والخبر بعد إنّ منصوبين وهو مذهب كوفي ولغة غير فصيحة لبعض العرب وعمل إن وأخواتها مشهور عند النحاة ، وخرج البيت على أن أسدا حال والتقدير : إنّ حراسنا يظهرون أسدا ... إلخ ما ذكروه.

والبيت في التذييل والتكميل (٤ / ٢٧٨) وفي معجم الشواهد (ص ٩٢).

١٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

قال (١) : «وهذا التخريج أحسن بل يتعيّن لتوافق القراءتين ، وأما تخريج أبي الفتح ففيه تنافي القراءتين ولا يناسب هذا التنافي في القرآن العزيز بل يستحيل ذلك إذ قراءة التشديد تقتضي أن يكونوا عبادا أمثالهم وقراءة التخفيف تقتضي ألّا يكونوا عبادا أمثالهم وهو محال في كلام الله تعالى».

وقد ارتكب الشيخ تعسفا كبيرا في التخريج الذي ذكره لأن إن الثقيلة لم يثبت لها نصب الجزأين فكيف يثبت للمخففة ، والحق أن إن في هذه القراءة نافية كما قال ابن جني ولا تنافي بينها وبين القراءة المشهورة ، لأن المعنى على قراءة التشديد أنهم عباد أمثالهم في العبودية فكيف يعبد العبد عبدا آخر؟ والمعنى على القراءة الشاذة ما الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم أي في الإنسانية بل هم عباد دونكم لأنهم حجارة فكيف يعبد الإنسان من هو دونه.

فالمنفي كونهم أمثالهم لا كونهم عبادا لأن نفي المقيد بقيد إنما ينصب النفي فيه على القيد ، وهذا أمر ظاهر لا منازعة فيه.

وقرئ هذا الموضع يوما على الشيخ ـ رحمه‌الله تعالى ـ وأنا حاضر فذكرت له هذا الجواب فقبله.

وقال الشيخ في الشرح (٢) : «وإذا كان ذلك يعني عمل إن عمل ما لغة لبعض العرب فلا يصح قول المصنف : إنّ إن تلحق بما قليلا».

قال : «وقول المصنّف : ولا كثيرا يريد به أنّ عمل إن قليل وعمل لا كثير».

قال (٣) : والعكس هو الصواب لأن إن قد عملت نثرا ونظما ، ولا إعمالها قليل جدّا حتى إن أبا الحسن زعم أنها ترفع ما بعدها بالابتداء ومنع النصب وتبعه أبو العباس فهي عندهما لا تعمل عمل ليس (٤) ولا براح [٢ / ٦٢] ولا مستصرخ ـ

__________________

(١) أي أبو حيان ، وانظر التذييل والتكميل له (٤ / ٢٧٨).

(٢) أي في شرح التسهيل المسمى بالتذييل والتكميل (٤ / ٢٨١).

(٣) أي أبو حيان ، وانظر المرجع السابق.

(٤) هذا ما رآه أبو حيان في مذهب المبرد في عمل لا عمل ليس وأن رأيه فيها الإلغاء وما أسنده أبو حيان إلى أبي العباس خطأ فقد أجاز أبو العباس إعمالها ، يقول :«وقد تجعل لا بمنزلة ليس لاجتماعهما في المعنى ولا تعمل إلّا في النكرة تقول : لا رجل أفضل منك.

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مبتدأ والخبر مضمر ولم يشترطوا تكريرا». انتهى (١).

والحق أن عمل لا عمل ليس ثابت وقد تقدم الاستشهاد عليه (٢).

وقال سيبويه (٣) : وإن شئت قلت : لا أحد أفضل منك في قوله من جعلها كليس. وهذا نصّ صريح منه على الإعمال.

وقال سيبويه أيضا (٤) : وزعموا أنّ بعضهم قرأ ولات حين مناص (٥) ـ بالرّفع وهي قليلة كما قال بعضهم في قول سعد بن مالك :

٨١٣ ـ من صدّ عن نيرانها

فأنا ابن قيس لا براح (٦)

فجعلها بمنزلة ليس» انتهى (٧).

قال الشيخ (٨) : «ليس في كتاب سيبويه ما يدلّ على أن إعمال لا عمل ليس مسموع من العرب لا قليلا ولا كثيرا وأما البيت الذي آخره لا براح فظاهر كلام سيبويه أنّ جعلها فيه بمنزلة ليس تأويل من ذلك البعض الذي قال عنه سيبويه : كما قال بعضهم في قول سعد بن مالك. قال : ولو كان التأويل لسيبويه لم يكن مثل هذا البيت تبنى عليه قاعدة ، ألا ترى أن سيبويه شبّه رفع الحين بعد لات برفع براح بعد لا ولا ترفع لات غير الحين فكذلك لا يرفع لا غير براح» انتهى (٩).

وحاصل الأمر : أن عمل لا عمل ليس قليل وليس بكثير وأن عمل إن عمل (ما) ـ

__________________

ولا تفصل بينها وبين ما تعمل فيه لأنها تجري رافعة مجراها ناصبة (المقتضب : ٤ / ٣٨٢).

(١) التذييل والتكميل (٤ / ٢٨١).

(٢) وهو البيت الذي أوله : تعزّ فلا شيء على الأرض باقيا.

والذي أوله : إن المرء ميتا ... وهذا باتفاق.

وقول الآخر : وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة بمغن ... على ما ذهب إليه ابن مالك.

(٣) انظر نصه في هذا الكتاب (٢ / ٣٠٠).

(٤) انظر نصه في الكتاب (١ / ٥٨).

(٥) سورة ص : ٣ وأولها : (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ ...) إلخ.

(٦) البيت من بحر الكامل المجزوء سبق الاستشهاد به. ويستشهد به سيبويه وتبعه ابن مالك وناظر الجيش على أن لا فيه عاملة عمل ليس وأن الخبر المنصوب محذوف. ورده أبو حيان وقال : لا دليل فيه على ذلك لعدم وجود الخبر المنصوب إذ يحتمل أن يكون المحذوف مرفوعا خبر المبتدأ.

(٧) كتاب سيبويه (١ / ٥٨).

(٨) التذييل والتكميل (٤ / ٢٨٤).

(٩) المرجع السابق.

١٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أكثر من عمل لا عملها كما تقدمت إشارة الشيخ إلى ذلك.

واعلم أن «إن» يبطل عملها بانتقاض النفي بإلا قال تعالى : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ)(١) ويتوسط الخبر نحو : إن منطلق زيد (٢).

وإن المنقول عن بني تميم أنهم لا يعملون لا كما لا يعملون ما (٣).

وأما قول المصنف : ورفعها معرفة نادر فقد استفيد منه أن لا إنما تعمل في النكرات (٤).

ولا شك أن من أجاز إعمال لا إعمال ليس اشترط تنكير ما عملت فيه ، وهذا بخلاف إن فإنها تعمل في المعرفة والنكرة (٥).

واشترط أيضا ألا يتقدم خبرها على اسمها وألا ينتقض النفي ، فلو قلت : لا قائم ـ

__________________

(١) سورة إبراهيم : ١٠.

(٢) إنما بطل عملها بانتقاض النفي وتوسط الخبر لأنها تعمل بالحمل على ما وما يبطل عملها بذلك.

(٣) قال أبو حيان ناقلا عن صاحب كتاب المغرب المطرزي المتوفى سنة (٦١٠ ه‍): «ما ولا بمعنى ليس ترفعان الاسم وتنصبان الخبر نحو ما زيد منطلقا ولا رجل أفضل منك وعند بني تميم لا يعملان ، قال : وفي البسيط : وأما بنو تميم فالقياس عندهم عدم الحمل على ليس وكذلك في الثاني يعني في نحو لا رجل قائم قال : لأنهم إذا امتنعوا في الحمل الموافق فالمخالف أولى. (التذييل والتكميل :٤ / ٢٨٤ ، ٢٨٥).

(٤) عللوا عمل لا بأن لا من الحروف الداخلة على الأسماء والأفعال فحكمها ألا تعمل في واحد منها غير أنها عملت في الأسماء خاصة لعلة عارضة وهو مضارعتها إن كما عملت ما عمل ليس في لغة الحجاز لمضارعتها ليس والأصل ألا تعمل (الأشباه والنظائر : ١ / ٢٤١).

كما عللوا عمل ليس في النكرات بأنها ضعيفة حيث تعمل بالحمل على ما التي تعمل بالحمل على ليس ولأن النكرة أبعد في باب المبتدأ من المعرفة والمعرفة أشد استبدادا بأول الكلام.

(المرجع السابق : ١ / ٢٤٤).

وقال الصبان : «إنما اختص عمل لا بالنكرات لأنها عند الإطلاق لنفي الجنس برجحان والوحدة بمرجوحة وكلاهما بالنكرات أنسب ، أما التي لنفي الجنس نصّا فعاملة عمل إن ، وأورد على تخصيص عمل لا بالنكرات أنه وقع في أمثلة سيبويه ما زيد ذاهبا ولا أخوه قاعدا.

وأجيب بأنه لا عمل للا بل هي زائدة والاسمان تابعان لمعمولي ما». حاشية الصبان (١ / ٢٥٣).

(٥) مثال عملها في المعرفة قوله : إن هو مستوليا على أحد وقوله : إن المرء ميتا بانقضاء حياته ، وقولهم : إن ذلك نافعك ولا ضارّك ومثاله في النكرة قولهم : إن أحد خيرا من أحد إلّا بالعافية.

١٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

رجل ولا رجل إلا زيد أفضل منك بطل عملها (١).

وكذا لا يجوز الفصل بمعمول الخبر بينها وبين ما عملت فيه (٢).

وأما عملها في المعرفة فشاذ (٣).

قال المصنف : «وشذّ [٢ / ٦٣] إعمالها في معرفة في قول النّابغة.

٨١٤ ـ بدت فعل ذي ودّ فلمّا تبعتها

تولّت وخلّت حاجتي في فؤاديا

وحلّت سواد القلب لا أنا باغيا

سواها ولا عن حبّها متراخيا (٤)

وقد حذا المتنبي حذو النابغة فقال (٥) : ـ

__________________

(١) وذلك لضعفها بالعمل لعدم اختصاصها ولأنها تعمل بالحمل على ما وما يبطل عملها بذلك.

(٢) مثاله : لا أحد زيدا ضارب ، وقولك : ما عندك أحد مقيم.

(٣) انظر بحثا طويلا ممتعا في عمل لا النافية عمل ليس وآراء النحاة في ذلك وتخصيصهم عمل لا بالنكرة فقط ، ونقض هذا الرأي في رسالة للدكتور علي فاخر : الأخطاء النحوية والصرفية في شعر المتنبي (ص ١٩٤ ـ ٢٠٢) (رسالة ماجستير بكلية اللغة). وقد ختم هذا البحث قائلا :«وإذا سئلت عن موقفي فأقول بجواز الإعمال والإهمال عند دخول لا على المعرفة مع وجوب التكرار كما جاء في القرآن الذي كان الخبر فيه جملة فعلية فلم يظهر فيه النصب وعلى ذلك فإذا رفع الشاعر خبر لا فهو جائز على الإهمال كما جاء في أشعار العرب ... وإذا نصبه فهو جائز على الإعمال كما جاء في بيت النابغة وبيت المتنبي وغيرهما ويلاحظ أنهما جاءا بالتكرار» ... إلخ.

(٤) البيتان من بحر الطويل وهما للنابغة الجعدي في الغزل ، ومعناهما واضح.

والشاهد فيهما قوله : «لا أنا باغيا» حيث عملت لا عمل ليس واسمها معرفة وشرط ذلك عند النحاة أن يكون اسمها وخبرها نكرتين ، فالبيت شاذ وخرجوه على ما ذكر في الشرح بعد وقد سبق الاستشهاد بالبيت في باب المبتدأ.

وأجاز العمل مع تعريف الاسم ابن مالك تابعا لابن جني وابن الشجري.

وحكى الأشموني رأي ابن مالك في ذلك فقال بعد أن أنشد هذا الشاهد : «وترددّ رأي النّاظم في هذا البيت فأجاز في شرح التّسهيل القياس عليه وتأوله في شرح الكافية (حاشية الصبان : ١ / ٢٣٥).

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٧٧) وفي الكافية الشافية لابن مالك أيضا (١ / ١٢٧) ، وفي التذييل والتكميل (٤ / ٢٨٦) وفي معجم الشواهد (ص ٤٢٤).

والنابغة الجعدي : عبد الله بن قيس ، صحابي سبقت ترجمته.

(٥) إنما قال : وقد حذا المتنبي حذو النابغة ولم يقل : ومنه قول المتنبي لأن المتنبي لا يستشهد بشعره إذ هو من الطبقة الرابعة الذين لا يحتج بشعرهم وهم المولدون ويقال لهم المحدثون (خزانة الأدب : ١ / ١٣).

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

٨١٥ ـ إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى

فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا (١)

والقياس على هذا سائغ عندي ، وقد أجاز ابن جنّي إعمال لا في المعرفة وذكر ذلك في كتاب التام (٢)». انتهى (٣).

ومثال بيت المتنبي قول الشاعر :

٨١٦ ـ أنكرتها بعد أعوام مضين لها

لا الدّار دارا ولا الجيران جيرانا (٤)

وقد قال المصنف ـ في شرح الكافية عند الكلام على لا (٥) ـ : ـ

__________________

(١) البيت من بحر الطويل من قصيدة قالها المتنبي مادحا كافورا وآسيا على أيامه التي كانت عند سيف الدولة ومطلعها (ديوانه : ٤ / ٢٨١) :

كفى بك داء أن ترى الموت شافيا

وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا

ومعنى بيت الشاهد : إذا لم يتخلص الجود من المن فقد ذهب مال المعطي وشكر المعطى له لأن المال ذهب بالجود والشكر ذهب بالأذى وهو مأخوذ من قول الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى)[البقرة : ٢٦٤].

والشاهد فيه : كالبيت الذي قبله حيث عملت لا في المعرفة مرتين في البيت ومثل ذلك قوله أيضا :

أريك الرّضا لو أخفت النّفس خافيا

ولا أنا عن نفسي ولا عنك راضيا

(من الطويل) وقوله :

غمام علينا ممطر ليس يقشع

ولا البرق فيه خلّبا حين يلمع

(من الطويل). وبيت الشاهد في شرح التسهيل (١ / ٣٧٧) ، وفي التذييل والتكميل (٤ / ٢٨٦) ، وفي معجم الشواهد (ص ٤٢٤).

(٢) لم أقف عليه مخطوطا أو مطبوعا ولم يذكره السيوطي في مؤلفات ابن جني (بغية الوعاة : ٢ / ١٣٢) ووجدت في فهارس بعض الرسائل : كتاب التمام لابن جني تحقيق خديجة الحديثي وآخرين مطبعة العاني ببغداد.

(٣) شرح التسهيل (١ / ٣٧٧) ، وقوله : (وقد أجاز ابن جني) غير موجود بشرح التسهيل لابن مالك المطبوع.

(٤) البيت من بحر البسيط وهو لشاعر مجهول في وصف الأطلال والأحباب الراحلين ومعناه واضح.

وشاهده كالذي قبله.

وهو في التذييل والتكميل (٤ / ٢٨٧) ، وفي معجم الشواهد (ص ٣٨٢).

(٥) الشرح المذكور هو شرح الكافية الشافية لابن مالك وهو رسالة دكتوراه بكلية اللغة. تحقيق د / أحمد الرصد. وقد حققه أيضا د / عبد المنعم هريدي في خمسة أجزاء وانظر النص المنقول في (١ / ٤٤٠) من الكتاب المذكور المطبوع. وقد نظم هذا الوضع ابن مالك في قوله :

وأعلموا في النّكرات لا كما

مثاله لا معتد مسالما

ولا أنا باغيا آت عن ثقه

وفيه بحث بارع من حقّقه

١٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وذكر الشّجري (١) أنّها عملت في معرفة وأنشد بيت النّابغة (٢) ثم قال (٣) :ويمكن عندي أن يجعل أنا مرفوع فعل مضمر ناصب باغيا على الحال تقديره لا أرى باغيا فلما أضمر الفعل برز الضّمير وانفصل.

ويجوز أن يجعل أنا مبتدأ والفعل المقدر بعده خبرا ناصبا باغيا على الحال (٤).

ويكون هذا من باب الاستغناء بالمعمول عن العامل لدلالته عليه كقولهم (٥) :حكمك مسمّطا (٦) أي حكمك لك مسمّطا أي مثبتا فجعل مسمّطا وهو حال مغنيا عن عامله مع كونه غير فعل فأن يعامل باغيا بذلك وعامله فعل أحقّ وأولى». انتهى (٧).

وأما قول المصنف : وتكسع بالتّاء إلى آخره ؛ فإنه شروع منه في الكلام على لات والكسع : ضرب الرجل مؤخر الرجل بظهر قدمه ، والمراد أن التاء أتى بها في دبر لا.

ويستفاد من هذا : أن لات مركبة من لا والتاء وهو مذهب سيبويه فيها (٨) ، ـ

__________________

(١) هو أبو السعادات هبة الله بن علي المعروف بابن الشجري ، صاحب الأمالي الشجرية في النحو واللغة سبقت ترجمته.

(٢) انظر الأمالي الشجرية لابن الشجري (١ / ٤٣٢) (د / الطناحي).

وانظر هذا الرأي (عمل لا : عمل ليس في المعرفة) منسوبا لابن جني وابن الشجري في مغني اللبيب :(١ / ٢٤٠).

(٣) أي ابن مالك في شرح الكافية وقد نقله الأشموني في شرحه على الألفية (١ / ٢٥٣).

(٤) وعليه فيكون الحال قد سدت مسد الخبر وهي مسألة مشهورة سبقت في باب المبتدأ إلا أن ضابطها لا ينطبق على هذا الذي نتحدث فيه.

(٥) قال في شرح الكافية : ... لدلالته عليه ونظائره كثيرة ، منها قولهم : ...

(٦) علق عليه الصبان في حاشيته على الأشموني (١ / ٢٥٤) ، فقال :تقدم أن هذا شاذ فلا يناسب التنظير به. ووجه شذوذه ذكره في باب المبتدأ (١ / ٢٢٠) فقال :«وشذوذه من وجهين : النّصب مع صلاحيّة الحال للخبريّة وكون الحال ليست من ضمير معمول المصدر بل من ضمير المصدر المستتر في الخبر».

(٧) شرح الكافية الشافية لابن مالك (١ / ٤٤٢).

(٨) لم ينص عليه في الكتاب صراحة وهو في الهمع (١ / ١٢٦) ، وفي التذييل والتكميل (٤ / ٢٨٧) وما بعدها.

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى هذا لو سميت بها حكيت كما لو سميت بإنما.

ومذهب الأخفش قيل والجمهور أن لا تركيب وإنما هي لا زيدت عليها التاء كما زيدت على ثم فقيل ثمت (١) فكأن لا لها استعمالان :أحدهما بغير تاء والثاني بالتاء [٢ / ٦٤] كثمّ. ولا يخفى بعد هذا القول (٢).

وذهب ابن أبي الربيع إلى أن الأصل في لات ليس. قال : «فأبدل السّين تاء كما فعل ذلك في ستّ (٣) ثم قلبت الياء ألفا لأنه كان الأصل في ليس لاس لأنها فعل إلا أنهم كرهوا أن يقولوا ليت فيصير لفظها لفظ التّمنّي ، ولم يفعلوا هذا إلا مع الحين كما أن لدن لم تشبّه نونها بالتّنوين إلّا مع غدوة (٤) انتهى (٥).

ولا يخفى ما فيه من التعسف (٦).

وأما قول ابن الطراوة : «إنّ التّاء ليست للتّأنيث وإنّما هي زائدة على لفظ الحين بدليل قول القائل :

٨١٧ ـ العاطفون تحين ما من عاطف

[والمسبغون يدا إذا ما أرملوا](٧)

__________________

(١) المرجعان السابقان.

(٢) إنما كان بعيدا لأنه لم يعهد الزيادة على الحروف وكذلك لم يعهد تأنيثها والواجب أن تكون لات حرفا مستقلّا كلا.

(٣) أصله : سدس قلبوا السين الأخيرة تاء لتقرب من الدال التي قبلها فصارت سدت ثم قبلت الدال تاء لتقاربهما في المخرج ثم أدغمت التاء في التاء فصار ست (لسان العرب : سدس) طبعة دار المعارف.

(٤) معناه أن لدن تستعمل مضافة دائما فيكون ما بعدها مجرورا لفظا أو محلّا ، فالأول نحو قوله تعالى :(مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)[هود : ١] والثاني : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)[الكهف : ٦٥].

إلا إذا كان ما بعدها لفظ غدوة على التمييز وعليه فإن لدن تقطع حينئذ عن الإضافة لفظا ومعنى فكأن نونها أصبحت تنوينا في هذه الحالة.

(٥) انظر نص ما نقله الشارح عن ابن أبي الربيع في كتابه شرح الإيضاح المسمى بالملخص لابن أبي الربيع (ميكروفيلم بمعهد المخطوطات لقطة رقم : ٨٢).

(٦) قال الأشموني في شرحه على الألفية (١ / ٢٥٧): «وهو ضعيف لوجهين :

الأول : أنّ فيه جمعا بين إعلالين وهو مرفوض في كلامهم لم يجئ منه إلّا ماء وشاء.

الثاني : أن قلب الباء السّاكنة ألفا وقلب السّين تاء شاذان».

(٧) البيت من بحر الكامل وهو المدح لأبي وجزة السعدي (اللسان : ليت).

اللغة : العاطفون : جمع عاطف وهو من يعطي على شفقة وحنان.

١٦٠