شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٢

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠

.................................................................................................

______________________________________________________

قال الشيخ (١) : «وعلى ما قدّره سيبويه لا يصح أن تكون خمستهم خبرا سواء كان بمعنى كلّهم أو بمعنى وحدهم على مذهب سيبويه في وحدهم من جهة أنه لا يصحّ أن تقول : زيد وحده ، والقوم خمستهم بالرفع يعني في خمستهم. وقد نقلوا أن العرب قالت : زيد وحده والقوم خمستهم بالرّفع والنّصب ، فوجب قبوله وإن خالف رأي سيبويه أو غيره».

الثالثة :

لا يجوز : زيد [١ / ٣٧٧] دونك بالرفع عند سيبويه وأنت تريد المكان وأجازه غيره.

قال ابن إصبع (٢) : وقال الفرّاء : سواك ومكانك وبدلك ونحوك ودونك لا تجعل أسماء مرفوعة ، فإذا قالوا : قاموا سواك وبدلك ومكانك ونحوك ودونك نصبوا ولم يرفعوا على اختيار وربّما رفعوا (٣)».

وقال سيبويه (٤) : «أما دونك فلا يرفع أبدا ؛ لأنّه مثل ، وإن قيل : هو دونك في السّنّ والنّسب ؛ لأن هذا مثل كما أن قولهم : هذا مكان هذا في البدل ذكر مثلا».

الرابعة :

لا يجوز : زيد مثل عمرو بالنصب عند أحد من البصريين ، وأجازه الكوفيون (٥) ، وذلك أن مثلك عندهم من القسم الثاني من قسمة الحال ، وهو قرنك وسنّك وشبهك ولدتك ومثلك إذا وقع طلبا أو نعتا جاز أن يعرب إعراب الأسماء ، وجاز أن ينصب ، تقول : زيد سنّك وسنّك ، ومررت برجل مثلك ومثلك ؛ فإذا وقع فاعلا رفع ولم ينصب نحو : قام مثلك وسنك ؛ ولتجويزهم أن مثلك يكون محلّا أجازوا أن يقع صلة لموصول ، ولا ينصب شيء من ذلك عند البصريين إلا إذا كان تابعا لمنصوب أو معمولا لناصب ، وليس نصبه نصب الظرف. ـ

__________________

(١) التذييل والتكميل (٤ / ٧٩).

(٢) هو أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى بن محمد بن أصبغ القرطبي الأزدي المعروف بابن المناصف شيخ العربية وواحد زمانه بإفريقية ، ولي قضاء دانية وغيرها ، روى عنه القاضي أبو القاسم بن ربيع. قال السيوطي : أملى علي قول سيبويه «هذا باب علم ما الكلم من العربية» عشرين كراسة. توفي سنة (٦٢٧ ه‍) وقيل : سنة (٦٢١ ه‍) (ترجمته في بغية الوعاة : ١ / ٤٢١).

(٣) التذييل والتكميل (٤ / ٨٠) ولم أجد هذا النص المنسوب للفراء في معاني القرآن له.

(٤) الكتاب (١ / ٤٠٩) وهو بنصه تقريبا.

(٥) التذييل والتكميل (٤ / ٨٠).

٤٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

والخامسة :

الظرف المقتطع نحو قبل وبعد لا يخبر به ، ولا يوصف به ، ولا يوصل به ، ولا يكون حالا ، ولم يعتلوا لذلك إلّا بضعفها (١) حسب ، وشبهها سيبويه بالأصوات (٢).

قال ابن الدهان (٣) : والصّحيح عندي أنّهم لم يجمعوا عليها حذف العامل فيها ومعمولها وجعلها معتمد الفائدة.

فأما قول القائل :

٦٤٨ ـ فأمست زهير في السّنين الّتي خلت

وما بعد لا يدعون إلّا الأشائما (٤)

فما زائدة وبعد منصوب الموضع عطفا على موضع الجار والمجرور.

قال الشيخ (٥) : «ووهم الزّمخشري في جعل (ما فَرَّطْتُمْ)(٦) مبتدأ وما مصدرية ، و (من قبل) في موضع الخبر تقديره : ومن قبل تفريطكم في يوسف (٧).

__________________

(١) المرجع السابق ، وحسب هنا بمعنى فقط.

(٢) في التذييل والتكميل (٤ / ٨١) : وشبهها سيبويه والفارسي بالأصوات.

وانظر كتاب سيبويه : (٣ / ٢٨٥) يقول سيبويه : «هذا باب الظّروف المبهمة غير المتمكنة ، وذلك لأنّها لا تضاف ولا تتصرّف تصرف غيرها ، ولا تكون نكرة ، وذاك أين ومتى وكيف وحيث وإذ وإذا وقبل وبعد ، فهذه الحروف وأشباهها لمّا كانت مبهمة غير متمكنة شبّهت بالأصوات وبما ليس باسم ولا ظرف».

(٣) لم أجد هذا النص في شرح اللمع لابن الدهان (مخطوط تحت رقم : ١٧١ بدار الكتب نحو تيمور) والموجود منه الجزء الثاني فقط ، وانظره في التذييل والتكميل (٢ / ٢٣١).

(٤) البيت من بحر الطويل وهو في شرح ديوان الحماسة للتبريزي : (٢ / ٢٩) ، وقد نسب لشاعر يدعى كفلان بن مروان بن الحكم بن زنباع.

اللغة : الأشائم : في القاموس (شأم) : الشؤم ضد اليمين ، ورحل مشؤوم ومشوم ، والأشائم ضد الأيامن.

والشاهد في البيت قوله : وما بعد : حيث جاء بعد مبنيّا على الضم ؛ لأنه ظرف مقتطع لا يقع صلة أو غيرها ، وهو في محل نصب عطفا على موضع الجار والمجرور قبله وهو قوله : في السنين.

والبيت في التذييل والتكميل : (٤ / ٨١) وليس في معجم الشواهد.

(٥) التذييل والتكميل : (٤ / ٨٢).

(٦) سورةيوسف : ٨٠ ، وأولها قوله تعالى : (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ.)

(٧) في تفسير الزمخشري المسمى بالكشاف : (٢ / ٣٣٧) خرج الزمخشري الآية على عدة أوجه :

منها : الوجه الذي رواه عنه أبو حيان ، قال الزمخشري : ومعناه : ووقع من قبل تفريطكم في يوسف.

ومنها : أن تكون ما صلة أي ، ومن قبل هذا قصرتم في شأن يوسف ، ولم تحفظوا عهد أبيكم.

٤٤٢

[جواز رفع المصدر الواقع خبرا ونصبه]

قال ابن مالك : (ويغني عن خبر اسم عين باطّراد مصدر يؤكّده مكرّرا ، أو محصورا ، وقد يرفع خبرا ، وقد يغني عن الخبر غير ما ذكر من مصدر أو مفعول به أو حال).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : الاستغناء عن خبر اسم عين بمصدر مكرر نحو قولهم : زيد سيرا سيرا ، وبمصدر محصور كقولهم : إنّما أنت سيرا ، والأصل زيد يسير سيرا ، فحذف الفعل واستغني عنه بمصدره ، وجعل تكريره بدلا من اللفظ بالفعل ، فامتنع إظهاره لئلا يجتمع عوض ومعوض عنه ، وكذلك الأصل إنما أنت تسير سيرا ، فحذف الفعل واستغني عنه بمصدره ، وقام الحصر مقام التكرار في سببية التزام الإضمار. وقد يجعل هذا النوع من المصادر خبرا قصدا للمبالغة فيرفع نحو :

٦٤٩ ـ ترتع ما رتعت حتّى إذا ادّكرت

فإنّما هي إقبال وإدبار (١)

هذا كلام المصنف (٢).

وتمثيل المصنف الحصر بإنما مشعر بأن الحذف واجب مع ما وإلا نحو : ما أنت إلّا سيرا من طريق الأولى. والمصدر المعرف فيما ذكره كالمصدر المنكر كقولك :

ما أنت إلّا الضّرب ، وما أنت إلّا ضرب النّاس ، وما أنت إلّا سيرا لزيد.

واعلم أن الفعل إنّما يجب إضماره إذا كان الإخبار عن سير متصل بزمان ـ

__________________

(١) البيت من بحر البسيط من قصيدة للخنساء ترثي بها أخاها صخرا.

وهذا البيت في وصف ناقة ذكرت في البيت الذي قبله وهو :

فما عجول على بوّ تطيف به

قد ساعدتها على التّحنان أظآر

اللغة : العجول : الناقة. البوّ : جلد يحشى تبنا تراه الناقة فتظنه ولدها فتدر اللبن. التّحنان : الحنين.

الأظآر : جمع ظئر وهي التي تعطف على ولد غيرها. ترتع : ترعى. ادّكرت : تذكرت ولدها.

والمعنى : تصف الخنساء حزنها الشديد على أخيها صخر ، فتذكر أن حزنها فاق حزن ناقة مات ولدها ، فهي لا تهنأ بطعام أو شراب حين تذكره.

وشاهده قوله : فإنما هي إقبال وإدبار ، حيث أخبر بالمصدر عن اسم العين ، وفيه توجيهات :

١ ـ المبالغة بجعل المعنى نفس العين. ٢ ـ تأويل المصدر باسم الفاعل.

٣ ـ أن هناك مضافا محذوفا أي ذات إقبال.

والبيت في : شرح التسهيل (١ / ٣٢٤) وفي معجم الشواهد (ص ١٦٤).

(٢) شرح التسهيل (١ / ٣٢٤).

٤٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الإخبار لم ينقطع [١ / ٣٧٨] وإذا أريد أنه سار ثم انقطع السير ، أو أخبر أنه يسير في المستقبل ـ فإن الفعل يظهر نحو ما أنت إلّا تسير سيرا ، ذكر ذلك سيبويه (١) وإذا كان كذلك فكلام المصنف يحتاج إلى التقييد بما ذكر.

وأشار المصنف بقوله : وقد يغني عن الخبر غير ما ذكر إلى آخره ـ إلى ثلاث مسائل :

الأولى :

ما أغنى فيه عن الخبر مصدر يعني من غير تكرير ولا حصر نحو : زيد سيرا أي يسير سيرا.

الثانية :

ما أغنى فيها عنه مفعول به كقول بعض العرب : إنّما العامريّ عمامته أي : إنما العامري يتعهد عمامته ؛ فأما من روى : إنّما العامريّ عمّته فنصب على المصدر ، التقدير : إنما العامري يتعمم عمامته ، فيكون نظير : إنما أنت سيرا ، فلا يكون من القليل بل من الكثير المطرد (٢).

قال المصنف (٣) : «ومن الاستغناء عن خبر المبتدأ بالمفعول به أن يكون الخبر قبل قول محذوف ، ويستغنى عنه بالمفعول كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى)(٤) أي يقولون : ما نعبدهم فيقولون خبر وما نعبدهم في موضع نصب به فأغنى عنه وحذف ، ومثله : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ)(٥). أي فيقال لهم : أكفرتم بعد إيمانكم؟».

ثم قال : «ومن الاستغناء عن خبر المبتدأ بالمفعول به ما رواه الكوفيون من قول العرب : حسبت العقرب أشدّ لسعة من الزّنبور فإذا هو إيّاها أي : فإذا هو يساويها ، ـ

__________________

(١) الكتاب : (١ / ٣٣٥) ، قال سيبويه : هذا باب ما ينتصب فيه المصدر كان فيه الألف واللام أو لم يكن فيه على إضمار الفعل المتروك إظهاره ؛ لأنه يصير في الإخبار والاستفهام بدلا من اللفظ بالفعل كما كان الحذر بدلا من احذر في الأمر ، وذلك قولك : ما أنت إلّا سيرا ، وما أنت إلا الضّرب الضّرب ... فكأنه قال في هذا كله : ما أنت إلا تفعل فعلا ، وما أنت إلا تفعل الفعل ، ولكنهم حذفوا الفعل لما ذكرت لك.

ثم قال بعد كلام : «واعلم أن السّير إذا كنت تخبر عنه في هذا الباب فإنما تخبر بسير متصل بعضه ببعض في أي الأحوال كان ، وأما قولك : إنّما أنت سير ، فإنما جعلته خبرا لأنت ولم تضمر فعلا».

(٢) إنما كان من الكثير المطرد للحصر الذي فيه.

(٣) شرح التسهيل (١ / ٣٢٥).

(٤) سورةالزمر : ٣.

(٥) سورةآل عمران : ١٠٦.

٤٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يجوز أن يكون إياها قد شذ وقوعها في موضع رفع كما شذّ في موضع جر قول العرب : مررت بإيّاك ، حكاها الفراء عنهم ، ثم قال : وأنشد الكسائي :

٦٥٠ ـ وأحسن وأجمل في أسيرك إنّه

ضعيف ولم يأسر كإيّاك آسر (١)

انتهى (٢).

وهذه المسألة التي ذكرها أعني : فإذا هو إياها هي المسألة التي جرت بين الكسائي والفراء وبين سيبويه بحضرة هارون الرشيد وقيل : بل بحضرة يحيى بن خالد البرمكي (٣) وتسمى المسألة الزنبورية وقضيتها عجيبة. وقد أوردها الشيخ بهاء الدين ابن النحاس في تعليقه على المقرب ، ومن وقف عليها عرف ما حصل من التحامل على سيبويه ، وأنه كيد وغبن ، نعوذ بالله من قهر الرجال (٤).

والمشهور أن سيبويه أجاب بقوله : فإذا هو هي ، وأن الكوفيين قالوا : فإذا هو إياها ، وهذا هو الظاهر وهو نقل البصريين ، ولهذا لما ذكر المصنف فإذا هو إياها أسند ذلك إلى رواية الكوفيين ، لكن قال الشيخ بعد ذكر المسألة : «وقد اختلف القول فيها فقيل : أجاب سيبويه بقوله : فإذا هو إيّاها ، وقال الكوفيون : فإذا هو هي. ـ

__________________

(١) البيت من بحر الطويل ، وهو دعوة بالإشفاق والرحمة من الآسر للمأسور إذا كان المعنى حقيقيّا ، وإذا كان مجازيّا فهو دعوة بأن يصل المحبوب حبيبه ، ويرحم المعشوق عشيقه.

والشاهد فيه قوله : ولم يأسر كإياك آسر ، حيث وقع ضمير النصب بعد حرف جر شذوذا كما يقع أحيانا في موضع الضمير المرفوع كقول العرب : فإذا هو يساويها.

انظر البيت في : شرح التسهيل (١ / ٣٢٥) والتذييل والتكميل (٤ / ٨٥) ومعجم الشواهد (ص ١٥٦).

(٢) شرح التسهيل : (١ / ٣٢٥) وفيه تقديم وتأخير ، وبالنسخة اليتيمة في دار الكتب نقص في هذا الموضع أتي به شارحنا ووضحه.

(٣) من رجالات الدولة العباسية كان هارون الرشيد يعظمه ويناديه بأبي ؛ لأن هارون كان تحت رعايته صغيرا ، وقد أنجب أولادا ذاع صيتهم في دولة هارون الرشيد ، وتقلدوا المناصب العظيمة منهم الفضل وجعفر ومحمد وموسى. وأبو يحيى وهو خالد كان جنديّا من جنود أبي مسلم ، وكان سببا في انتصاراته. نال يحيى وأولاده مدائح الشعراء ، وكان الشعراء يقصدونهم دون الخلفاء لكثرة أعطيتهم.

ومن كلام يحيى : ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها : الهديّة والكتاب والرّسول.

ولما نكب هارون بالبرامكة حبس يحيى وظل في سجنه حتى مات فجأة من غير علة وعمره سبعون سنة ، وكان ذلك عام (١٩٠ ه‍). ترجمته في وفيات الأعيان : (٦ / ٢١٩).

(٤) انظر المسألة بالتفصيل في أمهات كتب النحو فهي مشهورة هناك : المغني (١ / ٨٨) ، التذييل والتكميل (٤ / ٨٥). الإنصاف في مسائل الخلاف (٢ / ٧٠٢).

٤٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وقيل : أجاب سيبويه بقوله : فإذا هو هي ، وقال الكوفيون : فإذا هو إياها (١) ، وكلا الجوابين له توجيه من العربية ؛ فمن قال : فإذا هو إياها فإياها مفعول بفعل محذوف يدل عليه المعنى ، فلما حذف الفعل انفصل الضمير ، ومن قال : فإذا هو هي فليس المعنى أن الزنبور هو العقرب حقيقة ، وإنّما هو من باب : زيد زهير أي :

فإذا هو مثلها في اللسع» انتهى (٢).

و [الثالثة](٣) : أشار المصنف [١ / ٣٧٩] بقوله : أو حال إلى أنه قد يستغنى عن خبر المبتدأ بحال مغايرة لما تقدم ذكره كما روى الأخفش من قول العرب : زيد قائما ، والأصل زيد ثبت قائما (٤) والأسهل منه ما حكاه الأزهري من قول بعض العرب : حكمك مسمّطا أي حكمك لك مثبتا فحكمك مبتدأ خبره لك ومسمطا حال استغني بها وهي عارية عن الشروط المعتبرة في نحو : ضربي زيدا قائما (٥) وعلى مثل هذا يحمل على الأجود قول النابغة الجعدي :

٦٥١ ـ وحلّت سواد القلب لا أنا باغيا

سواها ولا عن حبّها متراخيا (٦)

__________________

(١) قد يكون الفيصل في مثل هذه المسألة من مسائل الخلاف بين الكوفيين والبصريين ما قاله صاحب الإنصاف (٢ / ٧٠٢).

قال أبو البركات : ذهب الكوفيّون إلى أنّه يجوز أن يقال : كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو إياها ، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز أن يقال : فإذا هو إياها ، ويجب أن يقال : فإذا هو هي.

ثم احتج لكل من الفريقين وحكى الحكاية المشهورة بين الكسائي وسيبويه في مجلس يحيى بن خالد ، وكيف انتصر العرب للكسائي ظلما. وقد رجح صاحب الإنصاف مذهب البصريين ومال إليه ، ورد مذهب الكوفيين وأبطل حججهم. وانظر أيضا : المغني (١ / ٨٨).

(٢) التذييل والتكميل (٤ / ٨٥).

(٣) ما بين المعقوفتين زيادة يقتضيها السياق.

(٤) التذييل والتكميل (٤ / ٨٧). والهمع (١ / ١٠٠).

(٥) المرجعان السابقان. والتصريح (١ / ١٨١). والمثل في : لسان العرب (٣ / ٢٠٩٤).

(٦) البيت من بحر الطويل قاله النابغة الجعدي ، وهو في الغزل الرقيق.

سواد القلب : حبته كسودائه وأسوده.

والشاهد فيه : قوله : لا أنا باغيا حيث وقعت باغيا حالا سادة مسد الخبر دون استيفاء شروط حذف الخبر وإقامة الحال مقامه.

وأصله : لا أنا أرى باغيا. وإنما فعلوا ذلك خروجا من عمل لا عمل ليس في المعارف.

انظر البيت في : شرح التسهيل (١ / ٣٢٥ ، ٣٧٧) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٨٧). ومعجم الشواهد (ص ٤٢٤).

٤٤٦

[تعدد الخبر وأنواعه]

قال ابن مالك : (وقد يكون للمبتدأ خبران فصاعدا بعطف وغير عطف ، وليس من ذلك ما تعدّد لفظا دون معنى ، ولا ما تعدّد لتعدّد صاحبه حقيقة أو حكما).

______________________________________________________

أي لا أنا أرى باغيا ، فحذف الفعل الذي هو أرى وهو خبر أنا ، وجعل باغيا دليلا عليه ، وهذا أولى من جعل لا رافعة لأنا اسما ناصبة لباغيا خبرا ، فإن إعمال لا في معرفة غير جائز بإجماع. انتهى (١).

وعن علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه و) (٢) رضي الله تعالى عنه أنه قرأ ونحن عصبة (٣) بالنصب.

قال ناظر الجيش : تعدد الخبر على ثلاثة أضرب :

أحدها : أن يتعدد لفظا ومعنى لا لتعدد المخبر عنه كقوله تعالى : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ)(٤) ومنه قول الراجز :

٦٥٢ ـ من يك ذا بتّ فهذا بتّي

مقيّظ مصيّف مشتّي (٥)

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٣٢٥).

وقوله : غير جائز بإجماع ، قال العيني في شرح شواهده على الألفية (حاشية الصبان : ١ / ٢٥٣) :

«وقد ذهب إليه أبو الفتح وابن الشّجري». وسيأتي ذكر آراء النحاة في عمل لا عمل ليس في المعرفة في هذا التحقيق.

(٢) ما بين القوسين ساقط من نسخة الأصل ، وهو من نسخة (ب).

(٣) سورةيوسف : ١٤.

وفي البحر المحيط (٥ / ٢٨٣) قال أبو حيان : «وروى النزّال بن سبرة عن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه :

وَنَحْنُ عُصْبَة بالنصب وقيل : معناه : ونحن نجمع عصبة ، فيكون الخبر محذوفا وهو عامل في عصبة وانتصب عصبة على الحال ، وهذا كقول العرب : حكمك مسمّطا حذف الخبر.

قال المبرد : وقال الفرزدق : يالهذم : حكمك مسمّطا».

(٤) سورةالبروج : ١٤ ـ ١٦.

(٥) البيتان من رجز رؤبة في مدح كساء له ، وهما من ملحقات الديوان (ص ١٨٩) وكذلك هما أيضا في معجم الأدباء (١١ / ١٥١) في ترجمة رؤبة.

اللغة : البتّ : كساء غليظ وقيل طيلسان من خز. مقيظ : بكسر الياء المشددة أي يصلح للاستعمال في

٤٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وقول الآخر :

٦٥٣ ـ ينام بإحدى مقلتيه ويتّقي

بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع (١)

وعلامة هذا النوع صحة الاقتصار على واحد من الخبرين أو الأخبار.

والثاني : أن يتعدد لفظا ومعنى لتعدّد المخبر عنه حقيقة كقولك : بنو زيد فقيه ونحويّ وكاتب ومنه قول الشاعر :

٦٥٤ ـ يداك يد خيرها يرتجى

وأخرى لأعدائها غائظة (٢)

أو لتعدد المخبر عنه حكما كقوله تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ)(٣) ومنه قول الشاعر :

٦٥٥ ـ والمرء ساع لأمر ليس يدركه

والعيش شحّ وإشفاق وتأميل (٤)

__________________

وقت القيظ. مصيّف مشتّي : أي يصلح للاستعمال في الصيف والشتاء.

وقد استشهد بالبيت على تعدد الخبر لمبتدأ واحد لفظا ومعنى بلا عاطف.

والبيت في : شرح التسهيل (١ / ٣٢٦) وفي التذييل والتكميل (٤ / ٨٨) وفي معجم الشواهد (ص ٤٥٠).

(١) البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة لحميد بن ثور في وصف ذئب ، وهي في ديوانه (ص ١٠٥) ويوجد كثير منها في الشعر والشعراء : (١ / ٣٩٨) وقد صدرها ابن قتيبة بقوله : «ومما يستجاد لحميد قوله في وصف ذئب».

وحميد في بيت الشاهد : يصف ذئبه بالحذر والانتباه واليقظة.

والشاهد في البيت قوله : فهو يقظان نائم ، حيث أخبر عن المبتدأ الواحد بخبرين مختلفين في اللفظ والمعنى.

والبيت في : شرح التسهيل (١ / ٣٢٦) وهو كذلك في : التذييل والتكميل (٤ / ٨٨) وفي معجم الشواهد (ص ٣٤١).

(٢) البيت من بحر المتقارب ، وهو لطرفة بن العبد يصف ممدوحه بالكرم ، وقد سبق ذكره مع بيتين آخرين لشاهد آخر في باب الضمير. وهو في : شرح التسهيل (١ / ٣٢٦) وفي التذييل والتكميل (٤ / ٨٨).

أما شاهده هنا : فهو تعدد الخبر لفظا ومعنى لتعدد المخبر عنه ، وذلك في قوله :

يداك يد خيرها يرتجى

وأخرى ......

إلخ

(٣) سورةالحديد : ٢٠.

(٤) البيت من بحر البسيط قائله عبدة بن الطبيب ، وهو من الحكم ، وقد سبق الاستشهاد به عند الحديث عن تعيين المضارع للحال بدخول أدوات عليه ومنها ليس.

وشاهده هنا : مجيء الخبر متعددا ؛ الأن المخبر عنه متعدد حكما أيضا. وهو في : شرح التسهيل (١ / ٣٢٦).

٤٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والثالث : أن يتعدد لفظا دون معنى لقيامه مقام خبر واحد في اللفظ والمعنى كقولك : هذا حلو حامض ، بمعنى مزّ ، وكقولك : هو أعسر أيسر بمعنى أضبط أي عامل بكلتا يديه ، فما كان من النوع الأول صح أن يقال فيه خبران وثلاثة بحسب تعدده ، وما كان من النوع الثاني والثالث فلا يعبر عنه بغير الواحدة إلا مجازا ؛ لأن الإفادة لا تحصل فيه عند الاقتصار على بعض المجموع ، ويجوز استعمال الأول بعطف ودون عطف بخلاف الثاني ، فلا يستعمل دون عطف.

وأما الثالث : فلا يستعمل فيه العطف ؛ لأن مجموعه بمنزلة مفرد ؛ فلو استعمل فيه العطف لكان كعطف بعض كلمة على بعض.

وقد أجاز العطف أبو علي ، فعنده أن قول القائل : هذا حلو وحامض جائز (١) ، وليس كذلك لما ذكرته.

هذا كلام المصنف رحمه‌الله تعالى ، وهو [١ / ٣٨٠] في غاية النظافة (٢).

بقيت هنا الإشارة إلى أمرين :

الأول :

أن من النحاة من منع تعدد الخبر دون حرف العطف.

قال ابن عصفور في المقرب (٣) : «ولا يقتضي المبتدأ أزيد من خبر واحد من غير عطف ؛ إلّا أن يكون الخبران فصاعدا في معنى خبر واحد» (٤) ، وقال في شرحه لذلك : وإذا قلت : زيد ذاهب راكب كان الاسمان في معنى اسم واحد ، وكأنك قلت : زيد جامع بين الذّهاب والرّكوب بخلاف إذا قلت : زيد ذاهب وراكب ؛ فإنه يجوز لأنك أخبرت عن زيد بخبرين مستقلّين».

وتبعه على ذلك الشيخ ، وقال (٥) : «هذا هو اختيار من عاصرناه من الشّيوخ». ـ

__________________

(١) قال في التصريح : «ويمتنع العطف على الأصحّ ؛ لأنّ العطف يقتضي المغايرة ، فلا يقال : الرمان حلو وحامض خلافا للفارسيّ في أحد قوليه». (التصريح : ١ / ١٨٢).

(٢) شرح التسهيل : (١ / ٣٢٧) وقد لخصه أبو حيان في شرحه : (٤ / ٨٩) وما بعدها.

(٣) انظر نصه في الكتاب المذكور : (١ / ٨٦).

(٤) وبقية كلامه أن مثّل فقال : نحو قولهم : هذا حلو حامض أي مزّ ، وانظر أيضا شرح الجمل له : (١ / ٣٤٣ ، ٣٤٤) ـ بتحقيق الشغار وإميل يعقوب.

(٥) التذييل والتكميل (٤ / ٨٩).

٤٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

قال : «وقد أجاز سيبويه : هذا رجل منطلق على أنّهما خبران على الجمع ، وكذلك أجاز : هذا زيد منطلق على الجمع (١)». انتهى.

وعلى هذا إذا أخبر عن المبتدأ بأزيد من واحد ، فإن قلنا بجواز تعدد الخبر كان كل واحد من الخبرين أو الأخبار بانفراده خبرا عن المبتدأ المذكور ، وإن منعنا جواز التعدد فقد ذكروا أن في إعرابه وجهين :

أحدهما : أن يكون كل واحد منهما أو منها خبر مبتدأ محذوف ، فإذا قلت :

زيد نحوي كاتب شاعر كان التقدير : هو شاعر هو كاتب.

الثاني : أن يجعل المجموع خبرا واحدا كأنك قلت : زيد الجامع لهذه الأوصاف.

وإذا حقق الناظر نظره لا يجد على منع تعدد الخبر دون عطف لمبتدأ واحد دليلا ؛ فالحق أنه جائز كما قال المصنف.

وإذا قلنا بجواز التعدد مع كون المبتدأ واحدا جاز في المتعددين أن يتفقا في الإفراد وغيرها ، وجاز أن يختلفا ، فيكون أحدهما من قبيل المفرد والآخر من قبيل الجملة ، وهو الذي يقتضيه إطلاق النحويين ولكن أبا علي منع ذلك ، وقد يستدل على الجواز بقوله تعالى : (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ)(٢) وقوله تعالى : (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى)(٣).

الأمر الثاني :

للناس بحث في مثل : هذا حلو حامض هل فيهما ضميران ، أو الثاني هو ـ

__________________

(١) قال سيبويه : (٢ / ٨٣) «هذا باب ما يجوز فيه الرّفع ممّا ينتصب في المعرفة ، وذلك قولك : هذا عبد الله منطلق ، حدثنا بذلك يونس وأبو الخطّاب ممّن يوثق به من العرب.

وزعم الخليل رحمه‌الله أن رفعه يكون على وجهين :

فوجهه أنك حين قلت : هذا عبد الله أضمرت هذا أو هو ، كأنّك قلت : هذا منطلق. أو هو منطلق والوجه الآخر أن تجعلهما جميعا خبرا لهذا كقولك : هذا حلو حامض لا تريد أن تنقض الحلاوة ، ولكنك تزعم أنه جمع الطّعمين ، وقال الله عزوجل : (كَلَّا إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى)[المعارج : ١٥ ، ١٦] وزعموا أنها في قراءة أبي عبد الله (كنية عبد الله بن مسعود): (وهذا بعلي شيخ) [هود : ٧٢] قال : سمعنا ممن يروي هذا الشعر من العرب يرفعه :

من يك ذا بتّ فهذا بتّى

مقيّظ مصيّف مشتّي»

(٢) سورةالنمل : ٤٥.

(٣) سورةطه : ٢٠.

٤٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

المتحمل للضمير دون الأول ، ونقل عن الفارسي (١) أنه ليس إلا ضمير واحد تحمله الثاني ؛ لأن الأول تنزل من الثاني منزلة الجزء منه ، وصار الخبر إنما هو بتمامها.

والذي عليه المحققون أن كل واحد منهما فيه ضمير من جهة كونه مشتقّا ؛ قالوا : ولا يلزم من تحمل المشتق ضميرا أن يكون ذلك المشتق مستقلّا ؛ لأن ضمير المشتق ليس معتدّا به كل الاعتداد ، بل هو شيء يثبت تقديرا ، ولذا ثنوا اسم الفاعل وجمعوه وإن كان فيه ضمير.

ولو روعي الضمير فيه لم يثن ولم يجمع كما لو رفع ظاهرا ، ومقتضى هذا التقرير أن العائد على المبتدأ هما الضميران معا ، والفائدة حصلت بالرافعين والمرفوعين (٢).

لكن الذي يقتضيه كلام ابن عمرون أن العائد على جهة الاستقلال هو من طريق المعنى. وكان الشيخ بهاء الدين بن النحاس أوضح كلامه ، فقال في تعليقه على المقرب : «إن العائد على جهة الاستقلال هو في طريق المعنى ضمير آخر غير الضّميرين اللّذين تحمّلهما المشتقّ من طريق المعنى ؛ لأن المعنى : هذا مزّ ، قال (٣) : ولا يكون ذلك الضمير العائد في حلو [١ / ٣٨١] على انفراده ؛ لأنه حينئذ يكون مستقلّا بالخبريّة وليس المعنى عليه ، ولا في حامض على انفراده لذلك أيضا ، ولا فيهما لأنهما حينئذ يكونان قد رفعا ذلك الضّمير ، فيلزم اجتماع العاملين على معمول واحد ، وإنّه لا يجوز» انتهى.

وقوله (٤) : ولا فيهما لأنهما حينئذ يكونان قد رفعا ذلك الضمير فيلزم ... إلى آخره ممنوع ؛ لأن كلّا منهما قد رفع الضمير الذي هو مستتر فيه ، والضميران عائدان معا إلى المبتدأ ، ويمتنع أن ثم ضميرا ثالثا يعود على المبتدأ ؛ ليلزم منه ما ذكره.

وأما إذا قلت : هذا حلو حامض طعمه فهل يكون الظاهر مرفوعا بالثاني أو بالأول فالحق أن طعمه مبتدأ مخبر عنه بما تقدم ؛ لأن التنازع في سببي مرفوع غير جائز ، ـ

__________________

(١) التذييل والتكميل (٤ / ٩٠) وانظر بحثا لطيفا في هذا الموضوع في كتاب الحجة لأبي علي الفارسي (١ / ١٩٨) وما بعدها (طبعة دمشق).

(٢) انظر شرح الرضي على الكافية : (١ / ١٠٠) قال بعد أن ذكر آية (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ :) ففي كل واحد ضمير يرجع إلى المبتدأ إن كان مشتقّا ، ولا إشكال فيه.

(٣) أي ابن النحاس في تعليقه على المقرب ، وانظر التعليقة ورقة ٣٨ ، مخطوطة مكتبة الأزهر رقم ٤٩٤٧ من رواق المغاربة.

(٤) أي ابن النحاس في تعليقه على المقرب أيضا.

٤٥١

[تعدد المبتدأ ونوعاه]

قال ابن مالك : (وإن توالت مبتدآت أخبر عن آخرها مجعولا هو وخبره خبر متلوّه ، والمتلوّ مع ما بعده خبر متلوه إلّا أن يخبر عن الأوّل بتاليه مع ما بعده ، ويضاف غير الأول إلى ضمير متلوّه ، أو يجاء بعد خبر الآخر بروابط المبتدآت أوّل لآخر وتال لمتلوّ).

______________________________________________________

كما ستعرفه في بابه إن شاء الله تعالى (١).

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٢) : «توالي المبتدآت على ضربين :

أحدهما : بتجرد. والآخر : بإضافة.

فمع التجرد يخبر عن آخرها ، ويجعل هو وخبره خبر متلوه ، والمتلو مع ما بعده خبر متلوه إلى أن يخبر عن الأول بتاليه مع ما بعده ، ويؤتى بعد خبر الآخر بروابط مجعولا أولها للأقرب وتاليه لمتلو الأقرب إلى أن يكون آخرها لأول المبتدآت نحو بنوك الزيدان هند عمرو الدراهم أعطيته بها عندهما في دارهم.

ومع الإضافة يخبر عن الآخر ، ويجعل هو وخبره خبر متلوه ، والمتلو مع ما بعده خبر متلوه ؛ إلى أن يخبر عن الأول بتاليه مع ما بعده نحو : زيد عمه خاله أخوه أبوه قائم ؛ فقائم خبر الأب ، والأب وخبره خبر الأخ ، والأخ وخبره خبر الخال ، والخال وخبره خبر العم ، والعم وخبره خبر زيد ، والمعنى أبو أخي خال عم زيد قائم» انتهى (٣). ـ

__________________

(١) قال ناظر الجيش في باب التنازع ، في الكتاب الذي بين يديك (شرح التسهيل لناظر الجيش) نقلا عن ابن مالك : «ونبهت بقولي : غير سببي مرفوع على أن نحو زيد منطلق مسرع أخوه لا يجوز فيه تنازع ؛ لأنك لو قصدت فيه التنازع لأسندت أحد العاملين إلى السببي وهو الأخ وأسندت الآخر إلى ضميره ، فيلزم عدم ارتباطه بالمبتدأ ؛ لأنه لم يرفع ضميره ولا ما التبس بضميره ، ولا سبيل إلى إجازة ذلك ؛ فإن سمع مثله حمل على أن المتأخر مبتدأ مخبر عنه بالعاملين المتقدمين عليه ، وفي كل واحد منهما ضمير مرفوع وهما وما بعدهما خبر عن الأول ، ومنه قول كثير (من الطويل) :

قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه

وعزّة ممطول معنّى غريمها

أراد : وعزة غريمها ممطول معنّى.

وفي تقييد السببي بمرفوع تنبيه على أن السببي غير المرفوع لا يمنع من التنازع. كقولك : زيد أكرم وأفضل أخاه».

(٢) شرح التسهيل (١ / ٣٢٧).

(٣) المرجع السابق.

٤٥٢

[اقتران الخبر بالفاء وجوبا وجوازا الأحكام وشروط ذلك]

قال ابن مالك : (فصل ـ تدخل الفاء على خبر المبتدأ : وجوبا بعد أمّا إلّا في ضرورة أو مقارنة قول أغنى عنه المقول. وجوازا بعد مبتدأ واقع موقع من الشّرطيّة أو ما أختها وهو أل الموصولة [١ / ٣٨٢] بمستقبل عامّ ، أو غيرها موصولا بظرف ، أو شبهه ، أو بفعل صالح للشّرطيّة ، أو نكرة عامّة موصوفة بأحد الثّلاثة ، أو مضاف إليها مشعر بمجازاة ، أو موصوف بالموصول المذكّر ، أو مضاف إليه).

______________________________________________________

وعلم منه أن الحكم في كلا الضربين اللذين ذكرهما واحد بالنسبة إلى أن الخبر يكون عن المبتدأ الآخر ، ثم يجعل هو وخبره خبر ما قبله إلى أن يخبر عن المبتدأ الأول بتاليه مع ما بعده ، وكذا إذا أردت بيان المعنى في الضربين جعلت مكان كل ضمير الظاهر الذي يعود عليه ذلك الضمير ، فكما قلنا في نحو : زيد عمه خاله أخوه أبوه قائم ؛ لأن المعنى أبو أخي قال : عم زيد قائم ، هكذا في نحو : بنوك الزيدان هند عمرو الدراهم أعطيته بها عندها في دارهم يكون المعنى : الدراهم أعطيت عمرا بهند عند الزيدين في دار بنيك.

قال الشيخ (١) : «وهذه من المسائل الموضوعة للاختبار ، ولا يوجد لها نظير في لسان العرب».

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٢) : «نسبة خبر المبتدأ من المبتدأ كنسبة الفعل من الفاعل ، فحق الخبر ألا تدخل عليه الفاء كما لا تدخل على الفعل ؛ فإذا أدخلت فلا بد لدخولها من سبب ، والسبب على ضربين :

موجب ومجوز :

فالموجب تقدم أما كقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ)(٣). ولا يحذف بعد أما إلّا في ضرورة كقول الشاعر :

٦٥٦ ـ فأمّا القتال لا قتال لديكم

ولكنّ سيرا في عراض المواكب (٤)

__________________

(١) التذييل والتكميل (٤ / ٩٤).

(٢) شرح التسهيل (١ / ٣٢٨).

(٣) سورةالبقرة : ٢٦.

(٤) البيت من بحر الطويل قائله الحارث بن خالد المخزومي ، وقد سبق الاستشهاد به في هذا الباب أيضا

٤٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أو مع قول مخبر به مستغنى عنه بمقوله كقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ)(١) أي فيقال لهم : أكفرتم؟ والمجوز لدخول الفاء على الخبر كون المبتدأ واقعا موقع من الشرطية أو ما أختها (٢) صاول ذلك أل الموصولة بما يقصد به الاستقبال والعموم كقوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(٣).

فلو قصد به مضي أو عهد فارق أل شبه من وما ، فلم يؤت بالفاء.

ومثال غير أل موصولا بظرف قول الشاعر :

٦٥٧ ـ ما لدى الحازم اللّبيب معارا

فمصون وماله قد يضيع (٤)

ومثال الموصول بشبه الظرف قوله تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ)(٥).

ومثال الموصول بفعل صالح للشرطية قوله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما

__________________

في ذكر روابط جملة الخبر بالمبتدأ.

وأما شاهده هنا : فهو سقوط الفاء من خبر المبتدأ الواقع جوابا لأمّا ضرورة.

والبيت في : شرح التسهيل (١ / ٣٢٨). وفي معجم الشواهد (ص ٥٦).

(١) سورةآل عمران : ١٠٦.

(٢) أما حكم هذه الفاء من الزيادة وعدمها فقال المرادي الحسن بن قاسم :

«أصول أقسام الفاء ثلاثة : عاطفة وجوابيّة وزائدة».

ثم شرح الأولى والثانية وقال : «وأما الفاء الزائدة فهي الفاء الداخلة على خبر المبتدأ إذا تضمن معنى الشرط نحو : الّذي يأتيني فله درهم ؛ فهذه الفاء شبيهة بفاء جواب الشرط ؛ لأنها دخلت لتفيد التنصيص على أن الخبر مستحق بالصلة المذكور ، ولو حذفت لاحتمل كون الخبر مستحقّا بغيرها :

فإن قلت : كيف تجعلها زائدة وهي تفيد هذا المعنى؟

قلت : إنّما جعلتها زائدة ؛ لأن الخبر مستغن عن رابط يربطه بالمبتدأ ، ولكن المبتدأ لمّا شابهه اسم الشّرط دخلت الفاء في خبره تشبيها له بالجواب ، وإفادتها هذا المعنى لا تمنع تسميتها زائدة ، وبالجملة فهذه الفاء شبيهة بفاء جواب الشّرط».

(الجني الداني في حروف المعاني : ص ٧٠ ـ ١٧١).

(٣) سورةالمائدة : ٣٨.

(٤) البيت من بحر الخفيف ، وهو من الحكم والأمثال ، ومعناه أن ما يودع عند الأمين اللبيب محفوظ ومصون ، ولكن ماله الخاص قد يضيع في كرم أو غيره ، وهو مجهول القائل.

الشاهد في البيت قوله : ما لدى الحازم .. فمصون ؛ حيث اقترن خبر المبتدأ الواقع اسما موصولا غير أل وصلته ظرف بالفاء جوازا لشبه الموصول بالشرط.

والبيت في : شرح التسهيل (١ / ٣٢٩).

(٥) سورةالنحل : ٥٣ ، وبقيتها قوله : (ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ.)

٤٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)(١).

وقرأ نافع وابن عامر بما كسبت أيديكم بحذف الفاء (٢) ، فدل ذلك على أمرين :

أحدهما : أن ما هذه موصولة لا شرطية ؛ إذ لو كانت شرطية للزمت الفاء ؛ لأن بما كسبت لا يصلح أن يكون شرطا ؛ فإن الفاء لا تفارقه إلا في الضرورة.

والثاني : أن اقترن الفاء بخبر المبتدأ الذي نحن بصدده جائز لا لازم ؛ لأنها لم تلحقه إلا لشبهه بالجواب ، فلم تساوه في لزوم لحاقها ؛ ليكون للأصل على الفرع مزية.

وقد خلا الخبر المشار إليه من الفاء بإجماع القراء في قوله تعالى : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(٣).

وقيدت الصلة التي تقع بعدها الفاء بكونها فعلا صالحا للشرطية ؛ ليعلم أنها لو كانت فعلا خالص المضي لم تدخل الفاء ، وكذا لو اقترن بما لا يدخل عليه من الشرطية ولا ما أختها نحو : الّذي إن حدّث صدق مكرم ، والّذي ما يكذب أو لن يكذب مفلح.

ومثال النكرة العامة الموصوفة بأحد الثلاثة : رجل عنده حزم فسعيد ، وعهد لكريم فما يضيع ، ونفس تسعى في نجاتها فلن تخيب.

ومثال المضاف إلى النكرة العامة مشعرا بمجازاة : كلّ رجل عنده حزم فسعيد ، وكلّ غلام لكريم فما يضيع ، وكلّ نفس تسعى في نجاتها فلن تخيب.

ومثال دخول الفاء على خبر موصوف بالموصول بالمذكور قوله تعالى : (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً [١ / ٣٨٣] فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ)(٤).

ومنه قول الشاعر : ـ

__________________

(١) سورةالشورى : ٣٠.

(٢) في كتاب الكشف عن وجوه القراءات لمكي : (٢ / ٢٥١) جاء قوله في توجيه هذه الآية : «قوله :

بما كسبت قرأه نافع وابن عامر بغير فاء ، ووجه ذلك أن تكون ما في قوله :

(وَما أَصابَكُمْ) بمعنى الّذي في موضع رفع بالابتداء ، فيكون قوله : بما كسبت في موضع خبر الابتداء ، فلا تحتاج إلى فاء. وقرأ الباقون فبما بالفاء ، ووجه القراءة بالفاء أن تكون ما في قوله : وما أصابكم للشرط ، والفاء جواب الشرط ، ويجوز في هذه القراءة أن تكون ما بمعنى الّذي ، وتدخل الفاء في خبرها لما فيها من الإبهام الّذي يشبه الشّرط». وانظر أيضا : البحر المحيط (٧ / ٥١٨).

(٣) سورةالزمر : ٣٣.

(٤) سورةالنور : ٦٠.

٤٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

٦٥٨ ـ صلوا الحزم فالخطب الّذي تحسبونه

يسيرا فقد تلفونه متعسّرا (١)

وقد دخلت على خبر الموصوف بالموصول بعد دخول إن في قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ)(٢). فدخولها عليه مع عدم إن أحق.

ومثال دخولها على غير مضاف إلى الموصول قول امرأة ترثي أخاها :

٦٥٩ ـ يسرّك مظلوما ويرضيك ظالما

وكلّ الّذي حمّلته فهو حامله (٣)

انتهى (٤).

وفي كلامه أمران :

الأول : أنه أثبت سببا موجبا لدخول الفاء على الخبر ، وهو تقدم أما ، وهذا لا يتحقق ؛ ـ

__________________

(١) البيت من بحر الطويل مجهول القائل.

اللغة : الحزم : ضبط الأمور والأخذ بالحيطة فيها. الخطب : الأمر والشأن العظيم. تلفونه : تجدونه.

والشاعر يدعو إلى اليقظة في الامور كلها ، فقد يكون الأمر يسيرا وبدون أخذ الحذر والحيطة يصبح عسيرا شديدا.

والشاهد فيه قوله : فالخطب الذي .. فقد تلفونه ، حيث اقترن بالفاء خبر المبتدأ الموصوف بموصول صلته فعل صالح للشرطية.

والبيت في : شرح التسهيل (١ / ٣٣٠) وهو كذلك في : التذييل والتكميل (٤ / ١٠٣) وليس في معجم الشواهد.

(٢) سورةالجمعة : ٨.

(٣) البيت من بحر الطويل من قصيدة عظيمة في المراثي قالتها زينب بنت الطثرية ترثي بها أخاها يزيد الشاعر المشهور ، وقد قتل سنة (١٢٦ ه‍) ، وقبل بيت الشاهد قولها :

فتى ليس لابن العمّ كالذّئب إن رأى

بصاحبه يوما دما فهو آكله

يسرك مظلوما ...

بيت الشاهد وبعده :

إذا نزل الأضياف كان عذوّرا

على الحيّ حتّى تستقلّ مراجله

تصفه بالنجدة والمروءة والكرم. والعذوّر : السيئ الخلق ، وهو هنا مع قومه ليكرموا الأضياف.

والقصيدة في شرح ديوان الخنساء ، ومراثي ستين شاعرة من العرب (ص ١٥٥) ، وهي أيضا في الأمالي لأبي عليّ القالي (٢ / ٩٦) ، وفي شرح ديوان الحماسة : (٢ / ٩٢١).

قال : «وفيها أبيات تنسب للعجير السّلولي».

والشاهد في البيت قوله : وكل الذي حملته فهو حامله ؛ حيث اقترن الخبر بالفاء ؛ إذ كان المبتدأ مضافا إلى اسم موصول بصلة هي فعل صالح للشرطية.

والبيت في : التذييل والتكميل (٤ / ١٠٤) وفي معجم الشواهد (ص ٢٨٧).

(٤) شرح التسهيل لابن مالك : (١ / ٣٣٠).

٤٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لأن الفاء لم تباشر الخبر في نحو أما زيد فقائم لكونه خبرا ، وإنما الفاء واجب دخولها بعد أما على الإطلاق خبرا كان أو غير خبر ، ولو اعتبر دخول الفاء على الخبر بعد أما لاعتبر دخولها على المبتدأ بعدها أيضا في نحو أما قائم فزيد ، فكان يقال : ويجب دخول الفاء على المبتدأ عند تقدم أما وتأخر المبتدأ عما يليها ، وذلك لا يقال بخصوصية المبتدأ.

وحاصل الأمر : أنه لا بد من الفاء داخلة على ما يلي أمّا ، مبتدأ كان أو خبرا ، أو فعل أمر ونهي ، أو غير ذلك ، وإذا كان كذلك فلم يكن لذكر دخول الفاء على الخبر عند تقدم أما مناسبة ، وحينئذ لا يكون لدخول الفاء على الخبر سبب موجب (١).

الأمر الثاني : أنه أدرج في الموصول الذي يجوز دخول الفاء في خبره أل الموصولة ، وصدر بها الباب ، ومثّل لذلك بقوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(٢) وهذا الذي ذكره هنا مخالف لما ذكره في باب الاشتغال ، فإنه ذكر هناك حكما ، ومثل له ، ثم قال : وكقوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(٣).

وهذا الذي ذكره هنا مخالف تقدير سيبويه ؛ لأن تقديره عنده : وفيما يتلى عليكم السارق والسارقة (٤). ولو لا ذلك لكان النصب مختارا ؛ لأن الفعل المشتغل إذا كان أمرا أو نهيا يترجح النصب ، فلم يجعل : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ـ جملة واحدة ، بل جعل الكلام جملتين والفاء عاطفة ، وها هنا أعني في هذا الفصل جعل الكلام جملة واحدة ، والفاء رابطة كالفاء في جواب الشرط ، والمسألة فيها خلاف بين النحاة أعني دخول الفاء في خبر اسم الفاعل إذا كان صلة أل وكان ـ

__________________

(١) فيه تحامل من ناظر الجيش على ابن مالك ، إنما ذكر الرجل ما يخصه ، وهو دخول الفاء على الخبر لسبب ما ، وهو موضع الحديث ، وترك ما لا يخصه من الأمور المذكورة.

(٢) سورةالمائدة : ٣٨.

(٣) قال ابن مالك في باب الاشتغال : (شرح التسهيل : ٢ / ١٣٦ ، ١٣٧) : وملابس الضمير هو العامل فيه بإضافة نحو : أزيدا ضربت غلامه ، أو بغير إضافة نحو : أزيدا ضربت راغبا فيه. وقيد السابق بمفتقر لما بعده ؛ ليخرج المستغني عمّا بعده كزيد من قولك : في الدّار زيد فاضربه ، وكقوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) على تقدير سيبويه ، فإن تقديره عنده وفيما يتلى عليكم السّارق والسّارقة.

ولو لا ذلك لكان النصب مختارا ؛ لأن الفعل المشتغل إذا كان أمرا أو ونهيا ترجّح النّصب».

وعليه فقد جعل ابن مالك الآية في هذا الباب مما اقترن فيها الخبر بالفاء ، وفي باب الاشتغال جعل الخبر محذوفا ، وهو نقد ناظر الجيش.

(٤) انظر نص ذلك في : كتاب سيبويه (١ / ١٤٢) وما بعدها.

٤٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

مبتدأ ؛ فذهب المبرد إلى جواز ذلك ، قيل : وهو مذهب الكوفيين (١). لأن اسم الفاعل في صلة أل في تأويل الفعل ؛ ولذلك عمل وإن كان ماضيا ، وعطف الفعل عليه في قوله تعالى : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً)(٢) وعلى ذلك حمل قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(٣) وقوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ)(٤).

وذهب جمهور البصريين إلى أن ذلك لا يجوز ؛ لأن المسوغ لدخول الفاء في خبر الذي والتي غير موجود فيما دخلت عليه أل بمعنى الذي والتي ، ولهذا حمل سيبويه الآيتين الشريفتين على تقدير خبر محذوف [١ / ٣٨٤] وجعل التقدير : فيما يتلى عليكم السارق والسارقة أي حكمهما ، وفيما فرض عليكم الزانية والزاني أي حكمهما. ودل على ذلك قوله تعالى قبل : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها)(٥).

وقد عرفت أن الذي يدل على أن التقدير كذلك رفع أكثر القراء لهما ، ولو لا أن التقدير كما قال سيبويه لكان المختار النصب ، والظاهر أن المصنف جنح هنا في هذه المسألة إلى قول المبرد ، ووافق سيبويه في باب الاشتغال.

والظاهر أن المختار في هذه المسألة مذهب سيبويه وعليه التعويل. وقد انتقد الشيخ على المصنف أمرين :

أحدهما (٦) : أنه قال : بعد مبتدأ ، ثم قال : وهو أل الموصولة ، قال : وليس أل هو المبتدأ ، بل هو وصلته هو المبتدأ ، ولذلك ظهر الإعراب في الصلة.

الثاني (٧) : أنه قال : بمستقبل عام ، قال : والعموم في الوصف إنما استفيد من أل وقد وصف أل بقوله : الموصولة بمستقبل عام ؛ فتوقفت معرفة أل على وصفها بما ذكر ، وتوقف معرفة وصف مستقبل بالعموم على قوله : عام ؛ فلا يعرف عموم المستقبل إلا بدخول أل ، ولا يعرف أل إلا بوصفه بالمستقبل ، وهو المستفاد عمومه من أل ، فلزم كل منهما أن تتوقف معرفته على معرفة ما يتعرف به ، وذلك لا يصح. ـ

__________________

(١) التذييل والتكميل (٤ / ٩٨) والهمع (١ / ١٠٩).

(٢) سورةالحديد : ١٨.

(٣) سورةالمائدة : ٣٨.

(٤) سورةالنور : ٢.

(٥) سورةالنور : ١.

(٦) التذييل والتكميل (٤ / ٩٧).

(٧) التذييل والتكميل (٤ / ٩٧).

٤٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

إذا عرفت هذا فنقول : الجواز دخول الفاء في خبر المبتدأ على مذهب البصريين غير المبرد شروط :

أحدها : أن يكون المبتدأ موصولا لا يراد به الخصوص أو نكرة عامة.

الثاني : أن تكون الصلة أو الصفة للموصول والموصوف المذكورين ظرفا أو جارّا ومجرورا أو فعلا.

الثالث : أن يكون الفعل الواقع صفة أو صلة غير مقرون بأداة شرط.

الرابع : أن يكون الفعل المذكور على هيئة لا تنافي أداة الشرط.

الخامس : أن يكون الخبر مستحقّا بالصلة أو الصفة ، وقد يعبر بغير ذلك فيقال :

أن تكون الصلة أو الصفة متضمنة للشرط ، ويكون الخبر متضمنا للجزاء ، والمقصود من العبارة الأولى والعبارة الثانية واحد ، وهو أن تكون الصلة أو الصفة سببا والخبر مسببا عن الصلة أو الصفة.

ومن هذا الشرط الخامس يعلم أن من شرط الفعل الواقع صلة أو صفة أن يكون مستقبل المعنى.

واعلم أن هذه الشروط تؤخذ عن كلام المصنف :

أما الموصولية والموصوفية فقد صرح بهما ، وقيد الموصوف بكونه عامّا ، وأما الموصول فهو عام بالوضع.

وأما كون الصلة أو الصفة أحد الأمور الثلاثة فقد صرح به أيضا.

وأما كون الفعل غير مقرون بأداة شرط وكونه على هيئة لا تنافي أداة الشرط فمستفاد من قوله : صالح للشّرطية ؛ لأنه إذا قرن بأداة شرط لا يكون صالحا للشرطية كما إذا كان على هيئة تنافي أداة الشرط.

وأما كون الخبر مستحقّا بالصلة أو الصفة فيستفاد من قوله : بعد مبتدأ واقع موقع من الشرطية أو ما أختها ؛ لأن من وما الشرطيتين [١ / ٣٨٥] شأنهما ذلك مما وقع من الأسماء موقع شيء منهما فحكمه حكمه.

والموجب لالتزام هذه الشروط المذكورة تحقق شبه المبتدأ لاسم الشرط وشبه صلته أو صفته بفعل الشرط ، وشبه الخبر لجواب الشرط. فإذا حصلت هذه الأشباه الثلاثة ـ

٤٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ساغ دخول الفاء في الخبر ؛ لإفادة الربط كما يحصل بالفاء ربط الجزاء بالشرط ، ومن ثم وجب كون المبتدأ عامّا ، وأن تكون صلته أو صفته فعلا ؛ لأن اسم الشرط لا يوصل بجملة اسمية. وإنما ساغ الوصل أو الوصف بالظرف وشبه الظرف ؛ لأنهما يؤولان بالفعل ، وأن يكون الخبر مستحقّا بالصلة أو الصفة بمعنى أن المتكلم لا يدخل الفاء حتى يقصد ترتب الخبر على الصلة أو الصفة كما يترتب الجزاء على الشرط.

وأما كون الفعل على هيئة لا تنافي أداة الشرط فظاهر ؛ لأن الفاء إنما تدخل لشبه هذا الفعل بفعل الشرط فكأنه شرط.

وإذا كان كذلك فلا بد من صلاحيته لأن يكون شرطا. وأما كونه غير مقرون بأداة شرط فقد علل بتعليلين:

أحدهما : أن المبتدأ إذا دخلت الفاء في خبره كان منزلا منزلة اسم الشرط ، واسم الشرط لا يجوز دخوله على أداة الشرط ، فكذلك ما كان منزلا منزلته.

الثاني : أنك إذا قلت : الذي إن يكرمني يكرمك فمحسن كان الخبر أيضا مستحقّا بالصلة وجوابا لها في المعنى ، وإن يكرمني من الصلة فيلزم أن يكون فمحسن جوابا لإن يكرمني ، وهو قد أخذ جوابه ، فيلزم من ذلك أن يكون للشرط جوابان ، وذلك غير جائز.

وقال ابن عمرون : فإن كانت الصلة شرطا فلا تدخل الفاء في الخبر ؛ لأنه قد أخذ الشرط جوابه في الصلة ، فلا حاجة إلى جزاء آخر.

وقد بقي التنبيه على أمور :

الأول (١) :

زعم هشام (٢) أن الموصول إذا وصف أو أكد لم يجز دخول الفاء في خبره مع استيفاء الشروط فلا يجوز عنده أن تقول : الذي يأتيك هو نفسه فله درهم ، قال :

لأنك لا تريد أن تخص رجلا بعينه ، وإنما تريد كل من كان منه إتيان إليك فله درهم ، فإذا قلت : نفسه ، ذهب معنى الجزاء ، وكذلك الذي يأتيك الظريف فأكرمه لا يجوز عندهم. ـ

__________________

(١) كلمات الأول والأمر الثاني والأمر الثالث والأمر الرابع ساقطة من الأصل ومكانها خال.

(٢) التذييل والتكميل (٤ / ٩٦) والهمع (١ / ١٠٩).

٤٦٠