شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٢

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠

.................................................................................................

______________________________________________________

نفس ، والعائد من الجملة محذوف وهو الضّمير المنصوب؛ إذ التقدير: المغنيه، والمعنى غنيّ النّفس العفاف يغنيه». انتهى.

وإنما حكم في الوجه الأول بأن المغني وصف جرى على غير من هو له ؛ لأن أل فيه موصولة ومدلولها الذي يغنيه العفاف ، فمدلولها المغني بالعفاف والواقع صلة له وهو مغني هو العفاف نفسه ، فاختلفا.

ومثال المجرور بحرف تبعيض قولهم : السّمن منوان بدرهم أي منوان منه ، فمنوان مبتدأ ثان ، وسوغ الابتداء به هذا الوصف المحذوف وهو منه ، وبدرهم خبره ، والجملة خبر عن السمن ، والعائد هو منه المحذوف ، وهو ضمير مجرور بمن وهو حرف تبعيض.

ومثال الظرفية قول الشاعر :

٦٣٢ ـ فيوم علينا ويوم لنا

ويوم نساء ويوم نسرّ (١)

أي : نساء فيه ونسر فيه.

ومثال ما جر بمسبوق مماثل لفظا ومعمولا قول الشاعر :

٦٣٣ ـ أصخ فالّذي توصي به أنت مفلح

فلا تك إلّا في الفلاح منافسا (٢)

أراد : أنت مفلح به ، فحذف به لأنه مسبوق بمماثل لفظا ومعمولا ، وهو نظير قوله تعالى : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ)(٣). ـ

__________________

(١) البيت من بحر المتقارب من قصيدة للنمر بن تولب العكلي ، وقد سبق الاستشهاد به في مواضع الابتداء بالنكرة ، وهو في شرح التسهيل (١ / ٣١٢).

وأما شاهده هنا فقوله : ويوم نساء ويوم نسر ، حيث حذف رابط الجملة المخبر بها ، وهو ضمير مجرور بحرف.

والتقدير : نساء فيه ونسر فيه.

(٢) البيت من بحر الطويل وقائله مجهول.

اللغة : أصخ : أمر من أصاخ إليه أي استمع وأنصت. منافسا : متسابقا.

المعنى : يقول الشاعر : لا تأمر إلا بخير ، ولا توص إلا بشيء فيه صلاح وفلاح للناس ، ولا تتنافس إلا بما فيه ذلك أيضا.

الإعراب : أصخ : فعل أمر. الّذي توصي به : مبتدأ وجملة الصلة.

أنت مفلح : جملة من مبتدأ ثان وخبره وهي خبر الأول ، والرابط بينهما الضمير المجرور المحذوف ؛ لأنه مسبوق بمثله لفظا ومعمولا والتقدير : أنت مفلح به.

والبيت في : التذييل والتكميل (٤ / ٣٩). وليس في معجم الشواهد.

(٣) سورةالمؤمنون : ٥٥ ، ٥٦.

٤٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

أي نسارع لهم به.

ومثال ما جر بإضافة اسم فاعل قول الشاعر :

٦٣٤ ـ سبل المعالي بنو الأعلين سالكة

والإرث أجدر من يحظى به الولد (١)

أي سالكتها وأنت سالكه ، وكان القياس سالكون ؛ لأن بني مؤنث نحو قالت بنو عامر.

ثم إن المصنف أشار بقوله : وقد يحذف بإجماع إن كان مفعولا به والمبتدأ كلّ ـ إلى قراءة ابن عامر وكل وعد الله الحسنى (٢) أي وعده (٣).

وعلى ذلك قول أبي النجم :

٦٣٥ ـ قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي

عليّ ذنبا كلّه لم أصنع (٤)

أي لم أصنعه. ـ

__________________

(١) البيت من بحر البسيط ولم ينص على قائله.

ومعناه : أن سبل المعالي والشرف والمجد لا يسلكها إلا الشرفاء وبنوهم ؛ لأن الولد يجب أن يتبع أباه.

الإعراب : سبل المعالي : مبتدأ ومضاف إليه. بنو الأعلين : مبتدأ ثان ومضاف إليه أيضا. سالكة : خبر الثاني ، وذكر سبب تأنيثه في الشرح ، والجملة خبر الأول ، والرابط بينهما الضمير المجرور بهذا الوصف أي سالكها وهو موضع الشاهد. والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣١٢) وفي التذييل والتكميل (٤ / ٣٩) وليس في معجم الشواهد.

(٢) سورةالحديد : ١٠.

(٣) قال مكي بن أبي طالب القيسي (٣٥٥ ـ ٤٣٧ ه‍): «قرأ ابن عامر : وكلّ ـ بالرفع ، وقرأ الباقون بالنّصب ، وحجة من رفع أنه لما تقدّم الاسم على الفعل رفع بالابتداء ، وقدر مع الفعل هاء محذوفة اشتغل الفعل بها وتعدّى إليها ، والتقدير : وكل وعده الله الحسنى.

وحجة من نصبه أنّه عدّى الفعل وهو وعد إلى كلّ فنصبه به كما تقول : زيدا وعدت خيرا (الكشف عن وجوه القراءات لمكي ٢ / ٣٠٧) ، وانظر أيضا الحجة في القراءات السبع لابن خالويه (ص ٣٤١).

(٤) البيتان من الرجز المشطور وهما مطلع قصيدة لأبي النجم العجلي أثبتها السيوطي في شرحه.

(شواهد المغني : ٢ / ٥٤٥).

والبيت والقصيدة كلها في عتاب زوجته التي لامته على أنه قد شاب وصار شيخا كبيرا ، وهو معنى الذنب الذي ذكره في بيت الشاهد.

الشاهد فيه قوله : كله لم أصنع ، حيث حذف الرابط بين المبتدأ وجملة الخبر ، وهو الضمير المنصوب بالفعل أصنع ، والتقدير : لم أصنعه.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣١٢) وفي التذييل والتكميل (٤ / ٤٠). وفي معجم الشواهد (ص ٤٤٩).

٤٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأشار بقوله : أو شبهه في العموم والافتقار يعني إلى متمم إلى نحو : أيّهم يسألني على جعل أي موصولة ، وإلى نحو آمر بخير ولو كان صبيّا أطيع.

وأشار بقوله : ويضعف إن كان غير ذلك إلى أن المبتدأ إذا كان غير كل وغير ما يشبهه في العموم والافتقار يضعف حذف عائده ، فأفاد قوله أولا : وقد يحذف إلى أن الحذف قليل ، وأفاد قوله هنا : بإجماع ، ويضعف ، أن القليل منه ما هو قوي وهو ما كان المبتدأ فيه كلّا ، ومنه ما هو ضعيف ، وهو ما كان المبتدأ فيه غير كل ، فهذا الكلام الثاني تفصيل لما أجمل أوّلا.

ثم قال : ولا يخصّ جوازه بالشّعر خلافا للكوفيّين أي جواز الحذف ، بل يجوز في الكلام على مثله كما تقدم.

قال المصنف (١) : فلو كان المبتدأ غير كل والضمير مفعول به لم يجز عند الكوفيين حذفه مع بقاء الرفع إلا في الاضطرار ، والبصريون يجيزون ذلك في الاختيار ويرونه ضعيفا ، ومنه قراءة السلمي (أفحكم الجاهلية يبغون) (٢) ومثل هذه القراءة قول الشاعر :

٦٣٦ ـ وخالد يحمد أصحابه

بالحقّ لا يحمد بالباطل (٣)

[١ / ٣٥٨] هكذا رواه ابن الأنباري برفع خالد وأصحابه. انتهى (٤). ـ

__________________

(١) شرح التسهيل (١ / ٣١٢).

(٢) سورةالمائدة : ٥٠ ، قال ابن جني (المحتسب : ١ / ٢١٠): «إنّها قراءة يحيى وإبراهيم والسّلمي ، قال ابن مجاهد : وهو خطأ ، وقد ردّ ذلك ابن جني ، وذكر أن ذلك جائز في الشّعر. وأنشد بيت أبي النجم السّابق ثم قال : ولو نصب فقال : كلّه لم ينكسر الوزن ، فهذا يؤنسك بأنه ليس للضرورة مطلقا بل لأن له وجها من القياس».

(٣) البيت من بحر السريع نسبته مراجعه إلى الأسود بن يعفر (انظر المقرب : ١ / ٨٤) وهو في المدح.

واختلفت رواياته فروي في المقرب والمغني (٢ / ٦١١) :

وخالد يحمد ساداتنا

 ...

وفيه الشاهد أيضا.

والشاهد فيه قوله : وخالد يحمد أصحابه ، وفيه أيضا حذف الضمير المنصوب من جملة الخبر والمبتدأ غير كل ، وهو ضرورة عند الكوفيين ضعيف عند البصريين.

والبيت ليس في معجم الشواهد ، وهو في شرح التسهيل (١ / ٣١٢) وفي التذييل والتكميل (٤ / ٤٠).

(٤) شرح التسهيل (١ / ٣١٣).

٤٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وذكر أن البصريين هم الذين يجيزون الحذف في الاختيار ، وأن الكوفيين لا يجيزونه إلا في الاضطرار ، وكلام ابن عصفور يقتضي عكس ذلك.

وقد تقدم النقل عن سيبويه أنه يجيز الحذف في الشعر وفي قليل من الكلام. فالظاهر أن الذي ذكره المصنف من إجازة البصريين ذلك في الكلام هو النقل الصحيح ، وفي تقييد المصنف جواز الحذف في قوله : إن علم فالظاهر أنه أراد بذلك أن يكون على حذفه دليل ، فعلى هذا لو قيل : زيد ضربت في داره وأريد زيد ضربته في داره لم يجز ؛ إذ لا دليل يدل على الضمير لو حذف ؛ لأن الربط قد حصل بغيره فجاز ألا يكون هو موجودا في أصل التركيب ، وقد ذكر ابن عصفور ذلك في شرح المقرب (١).

ثم قد بقي الكلام في أمور :

الأول :

لما تكلم ابن أبي الربيع على حذف الضمير من جملة الخبر ، وأن ذلك قليل إن أدى إلى تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه ، قال (٢) : وعلى حسب قوة التهيؤ وضعفه يكون القبح ، فإذا كان العامل متقدّما كان التهيؤ قويّا ، فلا يجوز في الشعر ولا في غيره.

وإذا كان العامل متأخّرا كان التهيؤ ضعيفا ، فهذا يجوز في الشّعر وفي قليل من الكلام وذلك نحو : زيد ضربته ، فإنك إذا حذفت الضمير فقلت : زيد ضربت كان الفعل متهيئا للعمل في زيد لعدم اشتغاله بالضمير وجواز عمل العامل فيه مؤخرا ، فلم يجز إلّا في الشّعر وفي قليل من الكلام ، وجاز لأنه وإن كان العامل ممّا يصح أن يعمل في الاسم ، فقد ضعف عن عمله فيه بتأخّره عنه ، وإن قلت : ضربته زيد لم يجز حذف الضمير بوجه لا في الشعر ولا في غيره ؛ لأن العامل مقدم ، فالذي جاز في زيد ضربت على ضعفه معدوم في ضربت زيد ، ثم قال : ـ

__________________

(١) بحثت عن هذا الكتاب كثيرا لحاجتي إليه في شرح المقرب ، فلم أجده ، ووجدت مخطوطة له في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ، ففرحت بها ثم صورتها فوجدتها مطموسة جدّا لا يستطيع أحد قراءتها.

(٢) انظر لقطة رقم : ٣٣ من شرح الإيضاح لابن أبي الربيع (ميكروفيلم بمعهد المخطوطات رقم : ٢٢٠ نحو مصنف غير مفهرس) ويسمى بالملخص لابن أبي الربيع.

٤٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فإن قلت : زيد إن أكرمت أكرمتك تريد إن أكرمته أكرمتك كان قبحه دون قبح زيد ضربت ؛ لأنّه وإن أشبهه من جهة أن زيدا بعده فعل وفاعل هو متعلقه من جهة المعنى ، لكنه لا يصحّ أن يعمل فيه العامل الذي بعد الفعل لأجل حرف الشّرط».

الأمر الثاني :

قد عرفت قول المصنف : وقد يحذف بإجماع إن كان مفعولا به والمبتدأ كلّ أو شبهه في العموم والافتقار ، وتمثيل ذلك بقراءة ابن عامر : وكل وعد الله الحسنى (١) وبما تقدم ذكره. لكن قال ابن عصفور بعد التمثيل بهذه الآية الشريفة : وحكمه بأنّ ذلك يحفظ ولا يقاس عليه (٢).

وقوله : فإن جاء شيء منه في الشعر فضرورة ، وإنشاده : وخالد يحمد أصحابه ـ هذا مذهب البصريين. وزعم الفراء ومن أخذ بمذهبه من الكوفيين أن حذفه جائز في الكلام إذا كان المبتدأ اسم استفهام أو كلا أو كلّا ، وإن أدى حذفه إلى التهيئة والقطع ، فأجاز أن يقال : أيهم ضربت؟ برفع أي [١ / ٣٥٩] تريد : أيهم ضربته.

ومما جاء من ذلك في كلا قوله :

٦٣٧ ـ أرجزا تطلب أم قريضا

أم هكذا بينهما تعريضا

كلاهما أجد مستريضا (٣)

__________________

(١) سورةالحديد : ١٠ ، وقوله : وبما تقدم ذكره يشير إلى قول أبي النجم : قد أصبحت أم الخيار ... إلخ.

(٢) قال ابن عصفور في كتابه الضرائر الشعرية : «ومن الضرائر حذف الضمير الرابط للجملة الواقعة خبرا بالمخبر عنه إذا كان حذفه يؤدي إلى تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه نحو قول أسود بن يعفر : وخالد يحمد أصحابه .. البيت.

وأنشد ابن عصفور عدة أبيات أوضح فيها المبتدأ والخبر ، وكيف قطع الخبر عن العمل في ضمير المبتدأ. ثم قال :

فحذف الرابط في هذه الأبيات وأمثالها يحسن في الشعر ، ولا يحسن في سعة من الكلام ، بل إن جاء منه شيء يحفظ ولا يقاس عليه. ثم قال :

فمما جاء من ذلك قراءة يحيى : (أفحكم الجاهليّة يبغون). برفع حكم والتقدير : يبغونه. هذا مذهب المحققين من البصريين ، وأما الكوفيون ومن أخذ بمذهبهم فإنهم يجيزون حذفه في سعة من الكلام بشرط أن يكون المبتدأ كلّا أو اسم استفهام نحو قولك : كل الدراهم قبضت ، وأي رجل ضربت؟ والصحيح أنه لا فرق بين اسم الاستفهام وكل وبين غيرهما من الأسماء إذا أدى حذف الرابط إلى تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه.

انظر كتاب ضرائر الشعر لابن عصفور (تحقيق السيد إبراهيم محمد) (ص ١٧٦ ـ ١٧٨).

(٣) أبيات من الرجز نسبت في اللسان (مادة : روض) إلى حميد الأرقط ، وقيل : للأغلب العجلي.

٤٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

يريد : أجده مستريضا.

قال (١) : «وإنما جاز ذلك مع هذه الأسماء خاصة ؛ لأن اسم الاستفهام من أسماء الصّدور ، ولا يجوز أن يتقدم ما بعده عليه فأشبه بذلك الموصول ، ألا ترى أن الموصول لا تتقدم صلته عليه؟».

وكما جاز الحذف من الصلة جاز الحذف من الجملة الواقعة خبرا لاسم استفهام ، وكذلك كل وكلا إذا أخبر عنهما يدخل في الكلام معنى ما ، وما من أدوات الصدور ، فإذا قلت : كل القوم ضربته فالمعنى : ما من القوم إلا من ضربته ، وكذا كلا الرجلين ضربته المعنى : ما من الرجلين إلا من ضربته. واستدل على أن الكلام يدخله معنى ما بقول الشاعر :

٦٣٨ ـ وكلّهم حاشاك إلّا وجدته

كعين الكذوب جهدها واحتفاؤها (٢)

__________________

ومناسبتها أن عمر كتب إلى المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة أن يستنشد الشعراء عنده ما قالوه في الإسلام ، فلما سأل الأغلب قال له هذا الرجز.

اللغة : القريض : الشعر من غير الرجز. التعريض : ضد التصريح. أجد : من الوجود ، وروي في مكانه : أجيد من الإجادة وهي الإتقان. مستريضا : واسعا ممكنا. ومعناه بعد ذلك واضح.

وشاهده قوله : كلاهما أجد حيث حذف العائد وهو مفعول أجد ، والمبتدأ لفظ كلا ، وهو جائز عند الفراء والكوفيين كما ذكر في الشرح.

والبيت في التذييل والتكميل (٤ / ٤٣) وفي معجم الشواهد (ص ٤٩٢).

(١) أي للفراء ، وانظر نص ما قاله في التذييل والتكميل (٤ / ٤٣) وفي معاني القرآن للفراء (١ / ١٣٩) جاء قوله : «وممّا يشبه الاستفهام مما يرفع إذا تأخر عنه الفعل الذي يقع عليه قولهم : كلّ الناس ضربت ، وذلك أن في كل مثل معنى : هل أحد إلا ضربت ، ومثل معنى أيّ رجل لم أضرب ، وأي بلدة لم أدخل ، ألا ترى أنك إذا قلت : كل الناس ضربت كان فيها معنى ما منهم أحد إلا قد ضربت ومعنى أيهم لم أضرب؟.

وأنشد أبو ثروان (من الطويل) :

وقالوا تعرّفها المنازل من منى

وما كلّ من يغشى منى أنا عارف

رفعا ولم أسمع أحدا نصب كلّا».

(٢) البيت من بحر الطويل وهو في المدح لقائل مجهول.

وشاهده قوله : وكلهم حاشاك إلا وجدته حيث أدخل أداة الاستثناء على ما ولي لفظ كل ، فدل على أنّ معناه : ما منهم إلّا من وجدته.

والبيت ليس في معجم الشواهد ، وهو في التذييل والتكميل (٤ / ٤٤) ومعاني القرآن للفراء (١ / ١٤٠).

والخزانة (٩ / ٢٥٠) وضرائر الشعر لابن عصفور (ص ٧٥).

٤٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فإدخالهم إلّا على خبر كل دليل على أن المعنى ما منهم إلا من وجدته ، فلما دخل الكلام معنى ما ـ وهي من الأدوات التي لا يتقدم ما بعدها عليها ـ أشبهت لذلك الموصول ؛ لأن الصلة لا تتقدم على الموصول ، فساغ حذف الضمير لذلك.

ثم قال ابن عصفور : «والأصح مذهب البصريين ، وفرق بين الصلة والخبر بأن الحذف منهما لا يؤدي إلى التهيئة والقطع ؛ إذ الصلة لا تعمل في الموصول ، وليس كذلك أسماء الاستفهام وكلّ وكلا ؛ لأن ما بعد هذه الأسماء يجوز أن يعمل فيها ، وأيضا فالصلة والموصول كالشيء الواحد ، فطال بذلك الموصول بصلته ، والطول موجب للتخفيف بالحذف ، وليست هذه الأسماء مع أخبارها كذلك».

انتهى كلام ابن عصفور (١).

وقد انتقد الشيخ على المصنف دعوى الإجماع في هذه المسألة ، وقال كما قال ابن عصفور : إن هذا ليس مذهب البصريين (٢).

والعجب من الشيخ ؛ كيف وافق ابن عصفور على ما ذكر بعد ثبوت هذه القراءة المتواترة التي لا محيص عنها ولا بد من الاعتراف بها (٣) وليس بعد الحق إلا الضلال.

ودعوى المصنف الإجماع في هذه المسألة لا ينكر ؛ لأن هذه القراءة ثابتة بالإجماع ، وليس لها محمل غير ما ذكره المصنف ، فلا يمكن أن يدفع ذلك بصري ولا كوفي.

وإذا كان كذلك فقد صدق أن الضمير حذف من الجملة الواقعة خبر كل بإجماع ، يعني أن أحدا لا يسعه المخالفة في ذلك. أما كون ذلك قليلا أو غير قليل فشيء آخر لم يتعرض المصنف إليه ، وكيف يجوز أن يقال : هذا مذهب قال به طائفة مع الثبوت الذي لا محيد عنه.

الأمر الثالث :

انتقد الشيخ كلام المصنف في المتن والشرح من وجوه : أحدها : ما تقدمت ـ

__________________

(١) لم أجد هذه النقول المنسوبة لابن عصفور بنصها في كتابيه المشهورين في هذا الباب : شرح الجمل ـ المقرب ، وأقصى ما وجدته له ما نقلته عنه قريبا من كتابه : الضرائر الشعرية.

(٢) قال أبو حيان : «وأين ما ادّعى المصنف من الإجماع في كل وما أشبهه في العموم ، ولم يقل به في كل إلّا الفراء في نقل ، وإلّا الفراء والكسائي في نقل آخر». (التذييل والتكميل ٤ / ٤٥).

(٣) أي قراءة ابن عامر برفع كل في قوله تعالى : وكلا وعد الله الحسنى [الحديد : ١٠].

٤٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الإشارة إليه ، وقد عرفت ما فيه (١).

ومنها : أنه قال : «إن المنصوب قد يحذف ، قال (٢) : وذلك لا يجوز عند البصريين إلّا في الشعر». قلت : وقد تقدم أن البصريين [١ / ٣٦٠] يجيزون ذلك في الكلام ؛ لكنهم يحكمون بقلته ، وتقدم النقل عن سيبويه بأنه يجيزه في قليل من الكلام (٣).

ومنها : «أنه إذا جر العائد بحرف تبعيض فقد يحذف ، قال : وليس كما ذكر إذ لا يجوز الحذف في نحو : الرغيف أكلت منه مع أنه حرف تبعيض لما يؤدي إليه الحذف من التهيئة والقطع» (٤).

قلت : الحذف عند المصنف في نحو : زيد أكرمت ـ جائز وإن حكم بقلته ، وقد تقدم أن سيبويه يجيزه أيضا ، وتقدم قبل ذلك كلام ابن أبي الربيع وهو الصحيح.

ولا شك أن في نحو : زيد أكرمت التهيئة والقطع ، فكما جاز ذلك هنا جاز في :

الرغيف أكلت إذا دل دليل على المحذوف. أما إذا لم يدل دليل فلا يجوز لما يؤدي إليه من اللبس ، وذلك لتوهم أن يكون أصل الكلام : الرغيف أكلته ، ثم حذفت الهاء المفعولة.

ومنها : أنه إذا كان منجرّا باسم الفاعل فإنه ذكر أنه يحذف ، قال : وذلك لا يجوز عند أصحابنا (٥). ـ

__________________

(١) أي مسألة حذف الضمير الرابط المنصوب إذا كان المبتدأ كلّا أو كلا أو اسم استفهام ، وقول المصنف : إن هذا جائز بإجماع محتجّا بقراءة : وكل وعد الله الحسنى.

قال أبو حيان : إن هذا ليس مذهب البصريين.

قال ناظر الجيش : «الإجماع في هذه المسألة لا ينكر ؛ لأن هذه القراءة ثابتة بالإجماع».

(٢) القائل الأول هو ابن مالك ، والقائل الثاني هو أبو حيان ، وانظر التذييل والتكميل (٤ / ٤٧).

(٣) قال الشارح : وقد ذكر سيبويه أن الضّمير لا يحذف من خبر المبتدأ إلا في الشّعر أو في قليل من الكلام».

وقال : قال المصنف : «فلو كان المبتدأ غير كلّ والضمير مفعول به لم يجز عند الكوفيين حذفه مع بقاء الرفع إلا في الاضطرار ، والبصريون يجيزون ذلك في الاختيار ويرونه ضعيفا ، ومنه قراءة السلمي :

(أفحكم الجاهلية يبغون) أي بالرفع على الابتداء.

(٤) التذييل والتكميل (٤ / ٤٧).

(٥) انظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٧). والعجب من الشارح ينتصر لابن مالك :

إن أبا حيان قال في المسألة : وذلك لا يجوز عند أصحابنا ، وإن جاء منه شيء فبابه الشعر.

قال الشارح : وقد استدل ابن مالك على جواز ذلك بما تقدم ذكره.

٤٠٨

[مجيء الخبر ظرفا والآراء في ذلك]

قال ابن مالك : (ويغني عن الخبر باطّراد ظرف أو حرف جرّ تامّ معمول في الأجود لاسم فاعل كون مطلق وفاقا للأخفش تصريحا ولسيبويه إيماء ، لا لفعله ولا للمبتدأ ولا للمخالفة ؛ خلافا لزاعمي ذلك ، وما يعزى للظرف من خبريّة وعمل فالأصحّ كونه لعامله ، وربّما اجتمعا لفظا).

______________________________________________________

قلت: قد استدل ابن مالك على جواز ذلك بما تقدم ذكره، ومن حفظ كلامه حجة على من لم يحفظ(١).

قال ناظر الجيش : قد عرف أن الخبر قسمان (٢) وهذا هو المعمول عليه ، وهو قول الجمهور ؛ فعلى هذا لا يعد الظرف المخبر به قسما ثالثا ، بل يحكم بأنه داخل في أحد القسمين : إما المفرد إن قدرت عامله اسما ، وإما الجملة إن قدرت عامله فعلا.

ونقل عن ابن السراج أنه يجعله قسما برأسه (٣) ليس من قبيل المفرد ، ولا من قبيل الجملة.

ولا يعلق الظرف بشيء محذوف ، واستدل على ذلك بقول المعرب : إنّ أمامك بكرا وإنّ في الدّار زيدا ، قال : فلو كان الظّرف بمنزلة مستقرّا واستقر لم يجز تقديمه على اسم إن ، كما لم يجز تقديم مستقر أو استقر عليه.

__________________

وما تقدم ذكره هو بيت من الشعر أيضا هو قوله : سبل المعالي بنو الأعلين سالكة. ولم يأت ابن مالك بشيء من النثر يدل على جواز الحذف ، ولذا فإن نقد أبي حيان لابن مالك يظل قائما ، ويبقى دفاع ناظر الجيش عن صاحبه ناقصا.

والحق أن ذلك جائز ، قال السيوطي في الهمع (١ / ٩٧) : يجوز حذف المجرور إذا كان أصله النصب بأن كان المضاف اسم فاعل نحو : زيد أنا ضارب أي ضاربه ، بخلاف غيره.

(١) انظر مسائل أخرى في هذا الموضع عابها أبو حيان على ابن مالك (التذييل والتكميل : ٤ / ٤٧).

منها : أنه ذكر أن ما أشبه كلّا في العموم والافتقار يجوز حذف الضمير من الخبر معه ، ومثل بأيهم الموصولة ، ولا أعلم له سلفا في ذلك ، بل ذلك إن وجد عند أصحابنا ففي الشعر.

ومنها : أنه ذكر أنه فصل بين زيد ضربت وبين كل ضربت ، فالرفع في كل جائز عنده بالإجماع ، والرفع في زيد ضربت ضعيف ، ولا فصل بينهما عند أصحابنا. وأرى أن أبا حيان على حق في هذين النقدين.

(٢) هما الخبر المفرد والخبر الجملة كما ذكره وسيذكره.

(٣) انظر : همع الهوامع للسيوطي (١ / ٩٩).

٤٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد رد هذا الاستدلال بأن العامل في الظرف وشبهه لا يقدر متقدما عليهما ، بل يقدر بعد الاسم. قالوا : ولذلك لم يجز في الدّار نفسه زيد ، ولا فيها أجمعون قومك (١) ؛ لأن التوكيد لا يقدم على المؤكد (٢).

وجاز إن في الدار زيدا ؛ لأن الظرف ليس هو الخبر في الحقيقة ، إنما هو متعلق الخبر ، والخبر مقدر في موضعه ، ولذلك عدل سيبويه (٣) في نحو :

٦٣٩ ـ لميّة موحشا طلل

[يلوح كأنّه خلل](٤)

__________________

(١) أي يجعل نفسه وأجمعون توكيدين للضمير المستتر في مستقر ومستقرون المحذوف الذي تعلق به الظرف.

(٢) العجيب أن ابن السراج لم يقل ما نسب إليه من جعل الظرف قسما برأسه في كتابه المشهور له ، وهو الأصول في النحو ، وإنما قال عكس ما نسب إليه تماما ، وكما يقول النحاة.

يقول : «وخبر المبتدأ الذي هو الأول في المعنى على ضربين : ضرب يظهر فيه الاسم الذي هو الخبر نحو ما ذكرنا من قولك : زيد أخوك وزيد قائم ، وضرب يحذف منه الخبر ويقوم مقامه ظرف له ، وذلك الظّرف على ضربين :

إما أن يكون من ظروف المكان ، وإمّا أن يكون من ظروف الزّمان.

أمّا الظروف من المكان فنحو قولك : زيد خلفك وعمرو في الدّار ، والمحذوف معنى الاستقرار والخلود وما أشبههما ، كأنك قلت : زيد مستقر خلفك وعمرو مستقر في الدار ، ولكن هذا المحذوف لا يظهر لدلالة الظرف عليه».

ومثل لظرف الزمان وشرحه كما سبق ، ثم قال : فإن لم ترد هذا المعنى فالكلام محال (الأصول في النحو : ١ / ٦٨).

وختم الحديث عن الخبر خاصة بقوله : «فقد بان من جميع ما ذكرنا أنه قد يقع في خبر المبتدأ أحد أربعة أشياء : الاسم أو الفعل أو الظرف أو الجملة». (الأصول في النحو لابن السراج : ١ / ٧١).

وقال ابن يعيش في شرح المفصل : (١ / ٩٠): «وقال قوم منهم ابن السراج : إن المحذوف المقدر اسم وإن الإخبار بالظّرف من قبيل المفردات ؛ إذ كان يتعلّق بمفرد ، فتقديره مستقر أو كائن أو نحوهما.

(٣) انظر : الكتاب (٢ / ١٢٢) وما بعدها.

(٤) البيت كما أثبتناه من الوافر المجزوء ، وروته بعض مراجعه هكذا :

لميّة موحشا طلل قديم

عفاه كلّ أسجم مستديم

وعليه فهو من الوافر التام ، وانظر الروايتين في التصريح : (١ / ٣٧٥).

وهو كما أثبتناه في الشرح في ديوان كثير عزة (ص ٥٠٦) وهو بيت مفرد هناك. وقيل : هو لذي الرمة ، بسبب ذكر اسم مية محبوبة ذي الرمة فيه.

المفردات : الطّلل : ما شخص من آثار الديار. الخلل : بكسر الخاء جمع خلة بالكسر أيضا ، وهي : بطانة يغشى بها أجفان السيوف.

٤١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى أن جعل موحشا حالا من النكرة ، ولم يجعلها حالا من الضمير الذي في الخبر ؛ لأن الخبر مؤخر في النية وهو العامل في الحال وهو معنوي ، والحال لا يتقدم على العامل المعنوي. هكذا قرروا هذا البحث في : لمية موحشا طلل ، وهو حسن ؛ إلا أنه ينخدش بشيء : وهو أن العمل هل ينسب إلى الظرف أو إلى [١ / ٣٦١] ما يتعلق به الظرف؟.

إن قلنا : إن العمل لذلك المحذوف تم البحث المذكور ، وإن قلنا : إن العمل صار ينسب إلى الظرف نفسه ؛ فلا يتم لأن الحال لم يتقدم حينئذ على العامل المعنوي.

واعلم أن النحاة يطلقون الظرف على الجار والمجرور ؛ لأنه يجري مجرى الظرف في تعلقه بالاستقرار ، وحكم مجروره حكم الظرف إن كان مكانا جاز أن يكون الجار والمجرور خبرا عن الجثة ، وإن كان المجرور زمانا لم يقع خبرا إلا عن الحدث إلا ما استثني ، كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.

فلا جرم أننا نستغني بذكر الظرف عن الجار والمجرور.

وإذ قد تقرر هذا فأنا أورد كلام المصنف برمته في شرح هذا الموضع أولا ، ثم أتبعه بما يتعلق به من المباحث.

قال رحمه‌الله تعالى (١) : ذهب الكوفيون إلى أن الظرف من نحو : زيد خلفك منصوب بمخالفته ، حكاه ابن كيسان والسيرافيّ (٢) ، وهذا القول فاسد من أربعة أوجه : ـ

__________________

الشاهد فيه : نصب موحشا على الحال ، وكان أصله أن يكون صفة لطلل ، فلما قدم على الموصوف صار حالا ، وعلى ذلك استشهد سيبويه بالبيت (الكتاب : ٢ / ١٢٢ ، ١٢٣) والبيت في معجم الشواهد (ص ٢٩٦).

(١) انظر : شرح التسهيل (١ / ٣١٣).

(٢) انظر المسألة التاسعة والعشرين من مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين في كتاب الإنصاف (١ / ٢٤٥) (القول في عامل النصب في الظرف الواقع خبرا).

قال كمال الدين أبو البركات الأنباري : «ذهب الكوفيّون إلى أن الظرف ينتصب على الخلاف إذا وقع خبرا للمبتدأ نحو : زيد أمامك وعمرو وراءك ، وما أشبه ذلك ، وذهب أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب من الكوفيين إلى أنه ينتصب ؛ لأن الأصل في قولك : أمامك زيد حل أمامك ، فحذف الفعل وهو غير مطلوب ، واكتفي بالظرف منه فبقي منصوبا على ما كان عليه من الفعل».

«وذهب البصريون إلى أنه ينتصب بفعل مقدّر ، والتقدير فيه : زيد استقر أمامك ، وعمرو استقرّ وراءك ، وذهب بعضهم إلى أنه ينتصب بتقدير اسم فاعل ، والتقدير : زيد مستقر أمامك ، وعمرو مستقر وراءك».

٤١١

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدها : أن تخالف المتباينين في معنى نسبته إلى كل واحد منهما كنسبته إلى الآخر ، فإعماله في أحدهما ترجيح من غير مرجح.

الثاني : أن المخالفة بين الجزأين محققة في مواضع كثيرة ، ولم يعمل فيها بإجماع نحو : أبو يوسف أبو حنيفة ، وزيد زهير ، ونهارك صائم ، وأنت فطر ، و (هُمْ دَرَجاتٌ)(١) فلو صلحت المخالفة للعمل في الظرف المذكور لعملت في هذه الأخبار ونحوها ؛ لتحقق المخالفة فيها.

الثالث : أن المخالفة معنى لا تختص بالأسماء دون الأفعال ، فلا يصح أن تكون عاملة ؛ لأن العامل عملا مجمعا عليه لا يكون غير مختص. هذا إذا كان العامل لفظا مع أنه أقوى من المعنى ؛ فالمعنى إذا عدم الاختصاص أحق بعدم العمل لضعفه.

الرابع : أن المخالفة لو كانت صالحة للعمل للزم على مذهب الكوفيين ألا تعمل في الظرف عند تأخره ؛ لأن فيه عندهم عائدا هو رافع المبتدأ مع بعده بالتقدم ؛ فإعمال ذلك العائد في الظرف لقربه منه أحق ، فبان بهذه الأوجه فساد ما ذهب إليه الكوفيون.

وذهب ابن خروف (٢) إلى أن عامل النصب في الظرف المذكور المبتدأ نفسه ، وقال : هو مذهب سيبويه ، وحمله على ذلك أن سيبويه قال في باب ما ينتصب من الأماكن والوقت (٣) : «فانتصبت لأنّها موقوع فيها ، ومكون فيها ، وعمل فيها ما قبلها كما أنّ العلم إذا قلت : أنت الرّجل علما ـ عمل فيه ما قبله ، وكما عمل في الدّرهم عشرون إذا قلت : عشرون درهما».

ثم قال سيبويه : فالمكان هو خلفك. ثم أردفه بنظائر ، وقال : «فهذا كلّه انتصب على ما هو فيه وهو غيره ، وصار بمنزلة المنوّن الّذي عمل في ما بعده نحو العشرين ، وهو خير منك عملا ، فصار زيد خلفك بمنزلة ذلك ، والعامل في خلف الذي هو في موضعه ، والّذي هو في موضع خبره ، كما أنّك إذا قلت : عبد الله ـ

__________________

(١) سورةآل عمران : ١٦٣.

(٢) شرح التسهيل (١ / ٣١٤) والتذييل والتكميل (٤ / ٥٠) والهمع (١ / ٩٨).

(٣) انظر الكتاب (١ / ٤٠٣).

٤١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أخوك ، فالآخر رفع الأول وعمل فيه ، وبه استغنى الكلام وهو منفصل منه». هذا نصه (١) [١ / ٣٦٢] وهو يحتمل أربعة أوجه (٢) :

أحدها : كون الظّرف منصوبا بعامل معنوي ، وهو حصول المبتدأ فيه لقوله : فانتصبت لأنها موقوع فيها ، ومكون فيها ، ويحتمل قوله : عمل فيها ما قبلها على عمل المبتدأ في المحل ، فيكون للظرف على هذا التقدير عامل نصب في لفظه ، وهو المعنى المذكور ، وعامل رفع في محله وهو المبتدأ ، وهذا الوجه باطل إذ لا قائل به.

ولأن الحصول لو عمل في الظرف الصرفي وهو الخلف وشبهه لعمل في الظرف اللغوي (٣) ، كالكيس والكوز ، فكان يقال : المال الكيس والماء الكوز بالنصب ، بل الحصول المنسوب إلى الكيس والكوز ونحوهما أولى بالعمل ؛ لأنه حصول إحاطة وإحراز ، وإذا لم يصلح للعمل وهو أقوى فغيره بعدم العمل أولى.

والوجه الثاني : كون الظرف منصوبا بالمخالفة كقول الكوفيين ، فإنه يوهمه سيبويه بقوله في الباب المذكور : فهذا كلّه انتصب على ما هو فيه وهو غيره ؛ فظاهر هذا القول شبيه بما حكاه ابن كيسان من قول الكوفيين : إن الظرف منصوب بالمخالفة ؛ لأنك إذا قلت : زيد أخوك ، فالأخ هو زيد ، وإذا قلت : زيد خلفك فالخلف ليس بزيد ، فمخالفته له عملت فيه النصب ، وقد تقدم إبطال هذا القول فسيبويه بريء ممن عول عليه وجنح إليه ؛ لأنه قال حين مثل بظروف بعد مبتدآت : وعمل فيها ما قبلها. وهذه العبارة لا يصلح أن يراد بها إلا شيء متقدم على الظرفية ، والمخالفة بخلاف ذلك ، فتيقن أن مراده غير مراد الكوفيين.

والوجه الثالث : ما ذهب إليه ابن خروف من أن عامل النصب في الظرف المذكور المبتدأ نفسه ، واحتماله أظهر من الوجهين المتقدمين ، وهو أيضا مخالف لمراد سيبويه ، وسأبين ذلك إن شاء الله تعالى (٤). ولو قصد ذلك سيبويه نصّا لم يعول عليه ؛ لأنه يبطل من سبعة أوجه (٥) : ـ

__________________

(١) كتاب سيبويه (١ / ٤٠٦).

(٢) شرح التسهيل.

(٣) في نسخة الأصل : لعمل في الظرف المعنوي ، وما أثبتناه أولى ، وهو من نسخة (ب).

(٤) أي فيما يورده من كلام الآن ومن إبطال هذا الرأي بالأوجه السبعة الآتية.

(٥) انظر : شرح التسهيل (١ / ٣١٥).

٤١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدها : أنه قول مخالف لأقوال البصريين والكوفيين مع عدم دليل فوجب اطّراحه.

الثاني : أن قائله يوافقنا على أن المبتدأ عامل رفع ، ويخالفنا بادعاء كونه عامل نصب ، وما اتفق عليه إذا أمكن أولى مما اختلف فيه ، ولا ريب في إمكان تقدير خبر مرفوع ناصب للظرف ، فلا عدول عنه.

الثالث : من مبطلات قول ابن خروف أنه يستلزم تركيب كلام تام من لفظين ناصب ومنصوب لا ثالث لهما ، ولا نظير له ، فوجب اطراحه.

الرابع : أنه قول يستلزم ارتباط متباينين دون رابط ، ولا نظير لذلك ، ومن ثم لم يكن كلام نحو : زيد قام عمرو حتى يقال إليه أو نحو ذلك.

الخامس : أن نسبة الخبر من المبتدأ كنسبة الفاعل من الفعل ، والواقع موقع الفاعل من المنصوبات لا يغني عند تقدير الفاعل ، وكذا الواقع موقع الخبر من المنصوبات لا يغني عن تقدير الخبر (١).

السادس : أن الظرف الواقع موقع الخبر من نحو : زيد خلفك ـ نظير المصدر نحو : ما أنت إلا سيرا في أنه منصوب مغن عن مرفوع ، والمصدر منصوب بغير المبتدأ ، فوجب أن يكون الظرف كذلك إلحاقا للنظير بالنظير.

السابع : أن عامل [١ / ٣٦٣] النصب في غير الظرف المذكور بإجماع من ابن خروف ومنّا لا يكون إلا فعلا أو شبهه ، أو يشبه شبهه ، والمبتدأ لا يشترط فيه ذلك ، فلا يصح انتصاب الظرف المذكور به (٢).

الوجه الرابع من محتملات كلام سيبويه ، وهو الصحيح : أنه ينتصب الظرف المذكور بمستقر أو استقر أو شبههما ، وكلام سيبويه قابل لاستنباط ذلك منه ؛ لأنه قال : قاصدا للظروف الواقعة بعد المبتدأ ، وعمل فيها ما قبلها ، كما أن العلم إذا قلت : أنت الرجل علما عمل فيه ما قبله.

فما قبلها : يحتمل أنه يريد به الذي قبلها في اللفظ وهو المبتدأ ، ويحتمل أن يريد به الذي قبلها في التقدير ، وهو مستقر أو استقر أو شبههما ؛ إلا أن الاحتمال الأول ـ

__________________

(١) في هذا الوجه اضطراب في النسخ أصلحته من التذييل والتكميل.

(٢) انظر إبطال أبي حيان لهذه الأوجه السبعة في شرحه المشهور للتسهيل (٤ / ٥١ ، ٥٢).

٤١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يفضي إلى المحذورات المتقدم ذكرها.

والاحتمال الثاني لا يفضي إليها ، فكان أولى بمراده ، ويؤيد أولويته في إرادته أنه شبه ناصب الظرف بما نصب التمييز في قوله : خير عملا ، وناصب التمييز خبر لا مبتدأ فينبغي أن يكون ناصب الظرف خبرا لا مبتدأ ؛ فإن ذلك أليق بالنظير وأوفق بالتقدير.

وكذلك قوله : فهذا كلّه انتصب على ما هو فيه وهو غيره ؛ ويحتمل أن يريد بما هو فيه المبتدأ ، ويحتمل أن يريد به ما حذف من مستقر ونحوه ، وهو الأولى لما ذكرت من أن تقديره لا يفضي إلى المحذورات السابقة.

ويؤيد ذلك أيضا قوله : وهو غيره أي ما هو عامل في الظرف غير المبتدأ ، واحتاج إلى هذه العبارة لينبه على أن بين المبتدأ والظرف مقدرا وهو خبر المبتدأ وعامل في الظرف ، وأنه غير المبتدأ ، ولا يصح أن يعاد هو إلى المبتدأ والهاء من غيره إلى الظرف ؛ لأن الإعلام بذلك إعلام بما لا يجهل ، بخلاف الإعلام بأن ثم مقدرا هو غير المبتدأ وعامل في الظرف ؛ فإن الحاجة داعية إليه ، ويتأيد ذلك أيضا بقوله : وصار بمنزلة المنوّن الّذي عمل فيما بعده نحو العشرين ، ونحو خير منك عملا ؛ فإن في صار ضميرا عائدا على ما هو فيه وهو غيره ، وقد ثبت أنه ما يقدر من مستقر ونحوه ، وجعلت نسبة هذا المقدر من الظرف كنسبة خير من عمل ، وفيه أيضا إشعار بأنه لا يريد بما المبتدأ ، بل الخبر المقدر ؛ لأن خيرا من قوله : خير عملا خبر مبتدأ محذوف تقديره : أنت أو هو خير عملا ، وجعل ما هو خبر نظير الخبر أولى من جعله نظير المبتدأ.

ثم قال : فصار زيد خلفك بمنزلة ذاك ، أي صار زيد قبل خلفك بمنزلة مستقر ؛ لأنه يدل عليه ويجعله في الذهن مشارا إليه (١).

ثم قال (٢) : والعامل في خلف الّذي هو في موضعه أي الذي خلف في موضعه ، والذي خلف في موضعه هو مستقر أو نحوه من أسماء الفاعلين ؛ فإنه الخبر في الحقيقة ، والظرف في موضعه ؛ لأنه عمدة والظرف فضلة.

ثم قال : والّذي هو في موضع خبره يعني استقر ونحوه من الأفعال الدالة على كون مطلق ؛ فإن الظرف إذا علق بفعل ، فذلك الفعل في موضع الخبر الأصلي وهو ـ

__________________

(١) انظر : شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٣١٦).

(٢) القائل ليس ابن مالك وإنما هو سيبويه ، انظر الكتاب (١ / ٤٠٦).

٤١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

اسم الفاعل ، فأشار سيبويه بهذا إلى جواز تعليق الظرف [١ / ٣٦٤] باسم فاعل وبفعل. ونبه على أن تقدير اسم الفاعل أولى بأن أضاف الموضع إلى ضميره ، ولو قال : أو الذي هو في موضع خبره لكان أبين ، لكن من كلام العرب وقوع الواو موقع أو ؛ حيث لا تصلح الجمعية كقوله تعالى : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ)(١).

ووقوع أو موقع الواو حيث تتعين الجمعية كقول الشاعر :

٦٤٠ ـ [قوم إذا سمعوا الصّريخ رأيتهم]

ما بين ملجم مهره أو سافع (٢)

ويدل على أن تقدير اسم الفاعل أولى أربعة أمور (٣) :

أحدها : أن اجتماع اسم الفاعل والظرف قد ورد كقول الشاعر :

٦٤١ ـ لك العزّ إن مولاك عزّ وإن يهن

فأنت لدى بحبوحة الهون كائن (٤)

ولم يرد اجتماع الفعل والظرف في كلام يستشهد به ، وإلى هذا البيت ونحوه (٥) أشرت بقولي : وربّما اجتمعا لفظا. ـ

__________________

(١) سورةالنساء : ٣ ، وسورةفاطر : ١.

(٢) البيت من بحر الكامل ، وهو بيت مفرد منسوب إلى حميد بن ثور الهلالي (ديوان حميد : ص ١١١).

اللغة : الصريخ : المستغيث. ملجم مهره : واضع في فمه اللجام. سافع : آخذ بناصية مهره ليلجمه.

والشاهد في البيت قوله : أو سافع حيث جاءت أو فيه بمعنى الواو ؛ لأنه لا بد من جمع النوعين المذكورين لما ذكر من لفظ بين ، وهي لا تكون إلا مع اثنين مجتمعين.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٢٣٢) وليس في شرح ابن مالك ولا أبي حيان.

(٣) انظر : شرح التسهيل (١ / ٣١٧).

(٤) البيت من بحر الطويل قائله مجهول.

اللغة : العزّ : الهناء والسعادة. يهن : من هان أي ضعف وذل. بحبوحة الهون : بضم الباءين وسطه ، وفي معناه بحبوحة الدار أي وسطها ، وبحبوحة كل شيء : وسطه واختياره. الهون : بالضم مصدر هان يهون إذا ذل وخزي.

ومعنى البيت : أنت عزيز إن كان سيدك عزيزا ، وإن هان سيدك صرت هينا.

والشاهد فيه قوله : فأنت لدى بحبوحة الهون كائن ، حيث اجتمع الظرف وعامله الواجب الحذف ، وقد ظهر العامل اسم فاعل ، فدل على أن تقديره حين يستتر اسم فاعل أولى من تقديره فعلا.

والبيت في شرح التسهيل : (١ / ٣١٧) وفي التذييل والتكميل : (٤ / ٥٨) وفي معجم الشواهد (ص ٣٩١).

(٥) يقصد بنحوه ما خرج عليه بعض النحويين هذه الآية : (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ)[النمل : ٤٠] حيث ذكر متعلق الظرف فيها.

٤١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : أن الفعل لا يغني تقديره عن تقدير اسم الفاعل ليستدل على أنه في موضع رفع ، واسم الفاعل مغن عن تقدير ، وتقدير ما يغني أولى من تقدير ما لا يغني.

الثالث : أن كل موضع يقع فيه الظرف المذكور صالح لوقوع اسم الفاعل ، وبعض مواضعه غير صالح للفعل نحو : أما عندك فزيد ، وجئت فإذا عندك زيد ؛ لأن أما وإذا المفاجئة لا يليهما فعل.

الرابع : أن الفعل المقدر جملة بإجماع ، واسم الفاعل عند المحققين ليس بجملة ، والمفرد أصل وقد أمكن ، فلا عدول عنه.

فلهذه المرجحات وافقت الأخفش بقولي في الأصل : معمولا في الأجود لاسم فاعل كون مطلق ؛ وفاقا للأخفش تصريحا ولسيبويه إيماء. وخالفت ما ذهب إليه أبو علي والزمخشري من جعل الظرف جملة (١).

ورجح بعضهم تقدير الفعل (٢) بأنه متعين في وصل الموصول ، وهذا ليس بشيء ؛ لأن الظرف الموصول به واقع موقعا لا يغني عنه المفرد ؛ بل إذا وقع فيه مفرد تؤول بجملة ، والظرف المخبر به واقع موقعا هو للمفرد بالأصالة ، وإذا وقعت الجملة فيه تؤولت بمفرد ، فلا يصلح أن يعامل أحدهما معاملة الآخر.

ونبهت بقولي : لاسم فاعل كون مطلق على أن اسم فاعل كون مقيد كمعتكف وقارئ لا يغني عنه مجرد ذكر الظرف إذا قصد البيان.

والذي اخترته من تعرية الظرف من الخبرية والعمل هو مذهب أبي الحسن بن كيسان ، والظاهر من قول السيرافي (٣). وتسميته خبرا في الحقيقة (٤) غير صحيح ، وكذا إضافة العمل إليه لا تصح إلا على سبيل المجاز ، وللكلام في هذا مواضع يأتي ـ

__________________

(١) قال الزمخشري : (المفصل ص ٢٤) : فصل :

«والخبر على نوعين : مفرد وجملة ، فالمفرد على ضربين : خال من الضّمير ومتضمّن له ، وذلك زيد غلامك وعمرو منطلق ، والجملة على أربعة أضرب : فعلية واسمية وشرطية وظرفية ، وذلك زيد ذهب أخوه ، وعمرو أبوه منطلق ، وبكر إن تعطه يشكرك ، وخالد في الدار.

(٢) قال السيوطي (الهمع : ١ / ٩٨) : ورجح ابن الحاجب تبعا للزمخشري والفارسي تقدير الفعل ؛ لأنه الأصل في العمل ولتعينه في الصلة.

(٣) التذييل والتكميل (٤ / ٥٤) والهمع (١ / ٩٩).

(٤) في شرح التسهيل : على الحقيقة.

٤١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ذكرها إن شاء الله تعالى معتضدا بعضها من بعض.

والكلام على حرف الجر المستغنى به كالكلام على الظرف.

وقيدته بالتمام تنبيها على أن الناقص لا يغني ، وهو ما لا يفهم بمجرد ذكره وذكر معمول ما يتعلق به نحو : زيد عنك وعمرو بك ، فلا بد نحو هذين من ذكر المتعلق به نحو : زيد عنك معرض ، وعمرو بك واثق ؛ فإن فهم المراد بدليل جاز الحذف نحو قولك : أما زيد فبعمرو مأخوذ ، وأما بشر فبخاله أي بخاله مأخوذ ، فحذف مأخوذ لدلالة الأول عليه.

وحرف الجر التام ما يفهم ما يتعلق به بمجرد ذكره نحو : (الْحَمْدُ لِلَّهِ)(١) ، (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ)(٢) [١ / ٣٦٥] و (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ)(٣) انتهى (٤) كلام المصنف رحمه‌الله تعالى.

ويتعلق في هذا الموضع أبحاث :

الأول :

قد عرف أن الظرف الواقع خبرا معمول لشيء ، وإن العامل فيه إما المبتدأ نفسه ، وإما المخالفة ، وإما شيء مقدر هو الخبر في الحقيقة ، ثم منهم من يقول : المقدر اسم ، ومنهم من يقول : المقدر فعل. فأما القول الأول (٥) فهو لابن خروف وادعى أنه مذهب سيبويه ، وقد رد قول ابن خروف في هذه المسألة ، وأول الناس كلام سيبويه رحمه‌الله تعالى.

فأما المصنف فقد عرفت ما ذكره وما أول به كلام سيبويه. وأما غيره فقال السيرافي : لا أعلم خلافا بين البصريين أنك إذا قلت : زيد خلفك ، وكذلك سائر ما يجعل الظرف خبرا له أنه منصوب بتقدير فعل هو استقر أو وقع أو حدث أو كان أو نحو ذلك ، فوجب تأويل كلام سيبويه.

قال ابن عمرون : «والذي يدفع عن سيبويه ما توهّمه ابن خروف قول سيبويه في بعض أبواب الكتاب (٦) : وإنما ينتصب خلفك بالذي فيه ، قال : ومعلوم أن الّذي ـ

__________________

(١) سورةالفاتحة : ٢.

(٢) سورةالنمل : ٣٣.

(٣) سورةالنور : ٣٥.

(٤) شرح التسهيل (١ / ٣١٨).

(٥) أي القائل : إن العامل في الظرف هو المبتدأ نفسه.

(٦) الكتاب : (١ / ٤٠٦).

٤١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فيه هو استقر أو مستقر ثم قال : والعجب منه ـ يعني من ابن خروف ـ وهو يرفع الظّاهر بالظرف إذا كان عامل الظرف المبتدأ ، فمن أين للظرف أن يرفع ولم ينب عن عامل ، وفي هذا خرم للقاعدة ، فوجب الكفّ عنه» انتهى.

وأما القول الثاني (١) وهو قول الكوفيين ، فقد تقدم ذكر الأوجه الدالة على بطلانه.

وأما القول الثالث بأن العامل شيء مقدر ، وأن ذلك المقدر فعل ـ فقد تقدم أنه رأي أبي علي الفارسي والزمخشري.

وأما القول الرابع بأن العامل مقدر كما تقدم ، لكن المقدر اسم ـ فقد ذكر المصنف أنه مذهب الأخفش ، وأن كلام سيبويه يعطي ذلك ، ويومئ إليه وتقدم استدلال المصنف على أن تقدير اسم الفاعل أولى.

وقد ذكر ابن عمرون ما ذكره المصنف عن بعضهم من أن تقدير الفعل متعين في صلة الموصول إذا كانت ظرفا ، وأجاب بمعنى ما أجاب به المصنف من الفرق بين بابي الصلة والخبر ، ثم قال :

«هذا الفرق ملغي بوقوع الظّرف صفة ، ويصح أن يوصف بالمفرد والجملة ، والمفرد هو الأصل. وإلا لم يكن للجملة إذا كانت صفة موضع من الإعراب ، ومع ذلك قدّرنا الفعل بدليل جواز دخول الفاء إذا كان المبتدأ نكرة موصوفة بالظرف أو شبهه نحو : كل رجل عندك أو في الدّار فله درهم ، ولا يصح دخول الفاء إذا كانت الصفة مفردة على الأصح».

ثم أجاب عن ذلك بأن قال : «ما ذكرت وإن دلّ فهو معارض بصحّة وقوع الظّرف وشبهه بين أمّا وفائها نحو : أما في الدار فزيد ، ولا يفصل بينهما بجملة ، فوجب تقدير المفرد».

البحث الثاني :

قيد المصنف حرف الجر الواقع مع مجروره خبرا بكونه تامّا ، فأفهم ذلك أن الناقص لا يغني ، والناقص : ما لا يفهم بمجرد ذكره وذكر معمول ما يتعلق به نحو :

زيد عنك وعمرو بك. والتام : ما يفهم ما يتعلق به بمجرد ذكره كما تقدم ، ـ

__________________

(١) أي القائل : إن عامل النصب في الظرف هو المخالفة.

٤١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والضابط [١ / ٣٦٦] في ذلك كما ذكره ابن عصفور (١) : «وهو أن حرف الجرّ إذا كان له معنى خاصّ يغلب استعماله فيه كان تامّا ؛ لأنه بمجرّد ذكره وإدراك معناه يفهم ما تعلق به من الحدث ، وإذا كان له معنى عام صالح مع كل شيء على السواء ، وليس هو في أحد المعاني أظهر من الآخر كان ناقصا.

فالتّامّ : نحو زيد في الدار ، التقدير : زيد مستقر : في الدار ؛ لأن في للوعاء ، فمعناها موافق للاستقرار ، ومن ثم اشترط أن يكون ما تعلّق به حرف الجر المذكور كونا مطلقا كالاستقرار والحصول والكون ونحوها. فلو كان كونا خاصّا بأن تريد بقولك : زيد في الدّار ، زيد ضاحك ، أو جالس في الدّار ـ لم يجز الحذف بل لا بدّ من ذكره ؛ لأنه لا يعلم من في أنّ المحذوف ضاحك مثلا كما يعلم منها الاستقرار ، ولذلك جاز أن تقول : زيد لك إذا أردت أنه مملوك لك أو مستحق لك ؛ لأن الملك والاستحقاق مفهوم من اللام. ولو قلت : زيد لك وأردت أنه محب لك لم يجز ؛ لأنّ ذلك لا يفهم من اللّام. ولما كان كل ظرف على تقدير في لزم أن متعلق الظرف أبدا الاستقرار ، فلذلك يجوز أن تقول : زيد خلفك إذا أردت أنه يستقر خلفك ، ولو أردت أنه ضاحك أو كاتب لم يجز إلا أن تأتي بذلك الحدث».

«وأما الناقص : فنحو زيد بك ، وهذا لا يجوز أن يكون خبرا ؛ لأنه لا يعلم هل المراد زيد واثق بك ، أو مسرور بك أو غير ذلك ؛ لأن الباء معناها الإلصاق فهي صالحة مع كلّ محذوف ؛ لأنها تلصقه بالمجرور ، ومن ثم امتنع الإخبار بالزمان عن العين ، فلا يقال : زيد اليوم ؛ لأن التقدير مستقر اليوم ، وليس في الإخبار بذلك فائدة ، فإن كلّ موجود يكون اليوم زمنا له» (٢).

البحث الثالث :

قد أفاد المصنف بقوله : ويغني عن الخبر باطّراد ظرف أو حرف جرّ أن الذي تعلق به الظرف أو حرف الجر لا يجوز ذكره ، ولهذا يقول المعربون : إذا وقع الخبر ظرفا أو مجرورا تعلق بمحذوف لا يجوز ذكره. وكأن الموجب لذلك طلب الاختصار ـ

__________________

(١) انظر شرح الجمل لابن عصفور : (١ / ٣٣٠) بتحقيق فواز الشغار وإميل يعقوب.

(٢) هذا آخر كلام ابن عصفور بتلخيص يسير من الشارح.

انظر شرح الجمل له : (١ / ٣٣٠).

٤٢٠