شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٢

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وشهر مرعى والبيت الذي أنشده فليس في المعطوف مسوغ يصحح ابتدائيته ، بل المعطوف والمعطوف عليه سواء إلا أن يقول المصنف : مطلق العطف كاف ، فيكون مسوغا ابتدائية المعطوف عليه والمعطوف. وهو بعيد في النظر وإنما المسوغ لهذين المثالين التفصيل كما سيأتي.

السادس : كونها مقصودا بها العموم ، كقول ابن عباس رضي الله تعالى عنه :

تمرة خير من جرادة ، ومن قول بعض العرب : خبأة خير من يفعة سوء (١).

السابع : كونها مقصودا بها الإبهام ، نحو : ما أحسن زيدا.

الثامن : كونها تالية استفهام نحو : أرجل في الدّار؟

التاسع : كونها تالية نفي نحو : ما رجل في الدّار.

العاشر : كونها تالية لو لا نحو قول الشاعر :

٥٧٨ ـ لو لا اصطبار لأودى كلّ ذي مقة

حين استقلت مطاياهنّ للظّعن (٢)

الحادي عشر : كونها تالية واو الحال نحو قول الشاعر :

٥٧٩ ـ عرضنا فسلّمنا فسلّم كارها

علينا وتبريح من الوجد خانقه (٣)

__________________

(١) من أمثال العرب وأصله في مجمع الأمثال : (١ / ٤٢٩) : خبأة صدق خير من يفعة سوء والخبأة :

المرأة التي تطلع ثم تختبئ. ويقال : غلام يافع ويفعة وغلمان يفعة في الجمع ، ومعناه : جارية خفرة خير من غلام سوء. والمثل يضرب للرجل يكون خامل الذكر ، فيقال : لأن يكون كذلك خير من أن يكون مشهورا مرتفعا في الشر.

(٢) البيت من بحر البسيط مجهول القائل.

اللغة : أودى : هلك. المقة : المحبة. استقلّت : نهضت وقامت. مطاياهنّ : ركائبهن. للظّعن : للسير والرحيل.

والبيت في الغزل : يقول صاحب لو لا الصبر وتحمل العاشق لهلك عند فراق أحبابه.

وشاهده : الابتداء بالنكرة لوقوعها بعد لو لا.

وكان وقوع النكرة مسوغا للابتداء بها بعد لو لا ؛ لأنها تستدعي جوابا يكون معلقا على جملة الشرط التي يقع المبتدأ نكرة فيها ، فيكون ذلك سببا في تقليل شيوع النكرة.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٩٤) والتذييل والتكميل : (٣ / ٣٢٨) ومعجم الشواهد : (ص ٤٠١).

(٣) البيت من بحر الطويل ، وهو لعبد الله بن الدمينة الخثعمي ، وفيه يتكلم عن قيّم النساء والمحامي دونهن ، وبعده :

فسايرته مقدار ميل وليتني

بكرهي له ما دام حيّا أرافقه

انظر البيت وغيره في شرح ديوان الحماسة (٣ / ١٢٦٣) وكذلك في أمالي القالي (١ / ١٩٤).

٣٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا دليل فيه ، لأنه إن كان من الوجد في موضع الصفة ، فهو مسوغ وإن لم يكن صفة فهو متعلق بالمصدر ، فيكون المبتدأ عاملا ، وذلك من جملة المسوغات كما تقدم. وإنما يستشهد لهذه الصورة بقول الآخر [١ / ٣٣١] :

٥٨٠ ـ سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا

محيّاك أخفى ضوؤه كلّ شارق (١)

الثاني عشر : كونها تالية فاء الجزء كقول العرب في مثل : «إن ذهب عير فعير في الرّباط» (٢).

الثالث عشر : كونها تالية ظرفا مختصّا نحو : أمامك رجل وعندك مال. وقيد بالاختصاص تنبيها على أنه إن كان غير مختص لم يجز نحو أماما رجل وعند رجل مال.

الرابع عشر : كونها تالية لاحقا بالظرف المختص ، والمراد بذلك الجار والمجرور المختص نحو : لك مال (٣) ، ومثله الجملة المشتملة على فائدة نحو : قصدك غلامه رجل. ـ

__________________

والمعنى : لما لحقنا بالظعائن عرضنا لهن وسلمنا على قيمهن والمحامي دونهن فأجابنا جواب الكاره لنا والمنكر لتسليمنا وقد حنقه غيظ مبرح.

والبيت في ديوانه (ابن الدمينة) (ص ٤٤) ، وفي القصيدة شاهد آخر هو قوله :

رمتني بطرف لو كميّا رمت به

لبلّ نجيعا نحره ونبائقه

والشاهد في البيت : مجيء النكرة مبتدأ بعد واو الحال. وإنما جاز ذلك ، لأن جملة الحال وصف لصاحبه ، وهو هنا الضمير المستتر في الفعل سلم.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٩٤). والتذييل والتكميل (٣ / ٣٢٩). ومعجم الشواهد (ص ٢٤٧).

(١) البيت من بحر الطويل وهو في المدح إن كان الخطاب لمذكر وفي الغزل إن كان لأنثى وهو أفضل لرقته.

اللغة : السّرى : المشي ليلا. محيّاك : وجهك. الشّارق : النجم وكل مضيء.

ومعناه : كانت النجوم تهدينا الطريق وتنيره لنا فحين رأيناك نستطيع أن نستغني عن هذه النجوم ؛ لأن نور وجهك الجميل غطى كل نور وضوء. وشاهده كالذي قبله ومثل بيت الشاهد قول الشاعر الآخر :

تركت ضأني تودّ الذئب راعيها

وأنّها لا تراني آخر الأبد

الذّئب يطرقها فى الدّهر واحدة

وكلّ يوم تراني مدية بيدي

(ديوان الحماسة : ١٥٧).

وبيت الشاهد في التذييل والتكميل (٣ / ٣٢٩) وشرح التسهيل (١ / ٢٩٤) ومعجم الشواهد (ص ٢٥١).

(٢) مثل من أمثال العرب (مجمع الأمثال : ١ / ٤٠) والرّباط : ما تشد به الدابة.

وهو مثل يقال للصائد ومعناه : إن ذهب غير فلم يعلق في الحبالة فاقتصر على ما علق.

والمثل يضرب في الرضا بالحاضر وترك الغائب.

(٣) قال أبو حيان (التذييل والتكميل : ٣ / ٣٣٠): «وشرط السّهيليّ أن يكون المجرور معرفة».

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

قال المصنف : لأن في تقديم هذه الجملة خبرا ما في تقديم الظرف من رفع توهم الوصفية مع عدم قبوله الابتدائية (١).

الخامس عشر : كونها دعاء ، كقول الشاعر :

٥٨١ ـ لقد ألّب الواشون إلبا لبيضهم

فترب لأفواه الوشاة وجندل (٢)

ومنه : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ)(٣).

وكذا : ويل لزيد ، وأمت في الحجر لا فيك (٤) ، وخير بين يديك (٥).

السادس عشر : كونها جوابا كقولك : درهم لمن قال لك : ما عندك؟ والتقدير :

درهم عندي. قال المصنف (٦) : ولا يجوز أن يكون التقدير عندي درهم إلا على ـ

__________________

(١) قال أبو حيان : «ولا أعلم أحدا أجرى هذه الجملة مجرى الظّرف والمجرور إلّا هذا المصنف (التذييل والتكميل : ٣ / ٣٣٠).

(٢) البيت من بحر الطويل ، قال الأستاذ عبد السّلام هارون : «إنّه من الخمسين المجهولة القائل».

اللغة : ألّب ألبا : جمع. الواشي : من يفسد بين المحبين. البين : الفراق والبعد. ترب لأفواه الوشاة :

دعاء عليهم بالخيبة وعدم تحقيق الآمال.

المعنى : أن الواشين يريدون أن يفسدوا بيننا ، ولكنهم لن يبلغوا ما يريدون.

وشاهده : قوله : فترب لأفواه الوشاة وجندل.

قال سيبويه : (١ / ٣١٤) : هذا باب ما جرى من الأسماء مجرى المصادر التي يدعى بها ، وذلك قولك : تربا وجندلا .. كأنّه قال : أطمعك الله تربا وجندلا. قال : وقد رفعه بعض العرب فجعله مبتدأ مبنيّا عليه ما بعده ، ثم أنشد بيت الشاهد ، وقال : وفيه ذلك المعنى الّذي في المنصوب كما كان ذلك في الأوّل.

وأما مجيء المبتدأ في البيت نكرة فلأنه مقصود به الدعاء.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٢٨١) وفي شرح التسهيل (١ / ٢٩٥).

وفي التذييل والتكميل : (٣ / ٣٣٠).

(٣) سورةالصافات : ١٣٠.

(٤) مثل من أمثال العرب ، انظر كتاب سيبويه : (١ / ٣٢٩) قال : وأمّا قوله : شيء ما جاء بك ؛ فإنه يحسن وإن لم يكن على فعل مضمر ، لأن فيه معنى : ما جاء بك إلا شيء ، ومثله : شر أهرّ ذا ناب وقد ابتدئ في الكلام على غير ذا المعنى ، وعلى غير ما فيه معنى المنصوب ، وليس بالأصل. قالوا في مثل :

أمت في الحجر لا فيك. والأمت : العوج ، قال تعالى : (لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً)[طه : ١٠٧] وهو مثل يضرب في الدعاء للمخاطب بالخير.

(٥) في كتاب سيبويه : (١ / ٣٣٠) هذا باب من النّكرة يجري مجرى ما فيه الألف واللّام من المصادر والأسماء ، وذلك قولك : سلام عليك ، ولبّيك ، وخير بين يديك ، وويل لك ، وويح لك ... إلخ. ثم قال : «فهذه الحروف كلها مبتدأة مبنيّ عليها ما بعدها».

(٦) شرح التسهيل (١ / ٢٩٥).

٣٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ضعف ؛ لأن الجواب ينبغي أن يسلك به سبيل السؤال ، والمقدم في السؤال هو المبتدأ فكان هو المقدم في الجواب ، ولأن الأصل تقديم المبتدأ (١) فترك في مثل : عندي درهم لأن التأخير يوهم الوصفية ، وذلك مأمون فيما هو جواب ، فلم يعدل عن الأصل بلا سبب.

السابع عشر : كونها واجبة التصدير كقولك : من عندك؟ وكم درهما لك؟ فمن وكم نكرتان ، وجاز الابتداء بهما لأنهما بمنزلة نكرة مسبوقة باستفهام لتضمنها معنى معرفة.

الثامن عشر : كونها مقدرا إيجابها بعد نفي كقولهم : شرّ أهرّ ذا ناب (٢) لأنه بمعنى ما أهر ذا ناب إلا شر ، وشيء ما جاء بك إن جعلنا ما زائدة. أما إن جعلنا صفة كقولهم : ائتني بدرهم ما ، فلا تكون المسألة مما نحن فيه ، ومنه قول الشاعر :

٥٨٢ ـ قدر أحلّك ذا المجاز وقد أرى

وأبيّ ما لك ذو المجاز بدار (٣)

وقال الآخر :

٥٨٣ ـ قضاء رمى الأشقى بسهم شقائه

وأغرى بسبل الخير كلّ سعيد (٤)

__________________

(١) في نسخة الأصل : ولأن الأصل تأخير الخبر ، وهما سواء.

(٢) انظر كتاب سيبويه : (١ / ٣٢٩) ومجمع الأمثال (١ / ٣٧٠).

(٣) البيت من بحر الكامل وهو لمؤرج السلمي شاعر إسلامي ، من شعراء الدولة الأموية ، وهو في الهجاء كما يظهر من معناه.

اللغة : قدر : قضاء الله. ذا المجاز : موضع سوق للعرب. وفي كلمة أبيّ كلام كثير (أمالي ابن الشجري : ٢ / ٣٧) أحسنه أنه جمع مذكر سالم مضاف لياء المتكلم. ما لك : أي ليس لك. بدار : أي بمكان للإقامة.

والمعنى : ما نزلت بذي المجاز إلا لقضاء الله وقدره ، ثم حلف بآبائه إن هذا المكان عظيم ، ولا يستحقه صاحبه ، ولا يجوز أن يكون دارا له.

الشاهد فيه : جواز الابتداء بالنكرة ؛ لأن النفي داخل عليها في المعنى ، وأصل الكلام : ما أحلك ذا المجاز إلا قدر.

والبيت في شرح المصنف : (٤٨) وفي التذييل والتكميل (٣ / ٣٣١) وفي معجم الشواهد (ص ١٧٩).

(٤) البيت من بحر الطويل غير معروف قائله.

والمعنى : أن القضاء المقدر من الأزل هو الذي يدفع الشقي إلى فعل الشقاء والشر ، وكذلك يدفع السعيد إلى فعل الخير والعمل الجميل.

وشاهده : كالذي قبله ، وهو الابتداء بالنكرة لتقدير إيجابها بعد نفي ، والمعنى : ما رمى الأشقى إلا قضاء.

والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٢٩٦) والتذييل والتكميل (٣ / ٣٣١).

٣٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أي : ما أحلك ذا المجاز إلا قدر ، وما رمى الأشقى إلا قضاء.

وسيبويه قدر المسألة كما قدرها المصنف ، فقال : «إنما جاز أن يبتدأ به لأنّه في معنى ما جاء بك إلّا شيء» (١).

ونقل الشيخ عن بعضهم : أنه لا يقال : شيء ما جاء بك إلا لمن جاء في وقت ما جرت العادة بأن يجيء في مثله إلا لأمر مهم ، وكذلك : شرّ أهر ذا ناب لا يقال إلا في وقت لا يهر الكلب فيه إلا لشيء جرت العادة بذلك ، وإلا فالكلب يهر لغير الشر كثيرا (٢).

وقد انتهت المسوغات التي ذكرها المصنف ، وبقي مما ذكره غيره مما لم يندرج تحت عبارة الكتاب مواضع منها : أن تفيد النكرة تعجبا نحو قول الشاعر :

٥٨٤ ـ عجب لتلك قضيّة وإقامتي

فيكم على تلك القضيّة أعجب (٣)

ولو قال المصنف بدل قوله : مقصودا به الإبهام : مقصودا به التّعجّب ـ لاندرج ذلك فيه مع حصول مقصوده الذي أتى بلفظ الإبهام لأجله ، وهي ما التعجبية.

ومنها : أن تكون في موضع تفصيل نحو : النّاس رجلان رجل أكرمته ورجل أهنته ، وكقول امرئ القيس :

٥٨٥ ـ فأقبلت زحفا على الرّكبتين

فثوب نسيت وثوب أجرّ (٤)

__________________

(١) انظر الكتاب (١ / ٣٢٩). قال : وأما قوله : شيء ما جاء بك فإنه يحسن وإن لم يكن له فعل مضمر ؛ لأن فيه معنى ما جاء بك إلا شيء ، ومثله مثل للعرب : شرّ أهرّ ذا ناب.

(٢) التذييل والتكميل (٣ / ٣٣١).

(٣) البيت من بحر الكامل ، ومع كثرة دورانه في هذا الباب فلم يستشهد به ابن مالك ولا أبو حيان ، واختلف في قائله ، وأصح الآراء ما قاله صاحب الخزانة (٢ / ٣٨) :

إنه لضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم ، وكان يبر أمه ويخدمها ، وكانت مع ذلك تؤثر عليه أخا له يقال له جندب وهو القائل :

وإذا تكون كريهة أدعى لها

وإذا يحاس الحيس يدعى جندب

وشاهده : الابتداء بالنكرة لإفادة التعجب ، وروي بنصبه على أنه مصدر نائب عن أعجب ، ونصب قضية على التمييز.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٥٠).

(٤) البيت من بحر المتقارب من قصيدة طويلة لامرئ القيس (الديوان : ص ١٥٣ ـ ١٥٧) وقد ذكر محقق الديوان بأن امرأ القيس قالها في حروبه ، بينما القصيدة في لهو امرئ القيس وغزله حتى بيت

٣٤٥

[إعراب قولهم : كم مالك؟ وقولهم : ما أنت وزيد؟]

قال ابن مالك : (والمعرفة خبر النّكرة عند سيبويه في نحو : كم مالك واقصد رجلا خير منه أبوه).

______________________________________________________

[١ / ٣٣٢] ومنها : أن تكون النكرة يراد بها واحد مخصوص ، نحو ما حكي أنه لما أسلم عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه قالت قريش : صبأ عمر فقال أبو جهل أو غيره : مه رجل اختار لنفسه أمرا فما تريدون؟

ونبه المصنف بقوله أولا : وحصولها يعني الفائدة ، في الغالب على أن الفائدة قد يندر حصولها في الإخبار عن نكرة خالية من جميع ما ذكر ، كقول من خرقت له العادة برؤية شجرة ساجدة أو سماع حصاة مسبحة : شجرة سجدت وحصاة سبّحت.

وقد خرج الشيخ ذلك على أن المسوغ له التعجب ، قال (١) : «لأنّ النّاطق بذلك تعجّب من هذا الفارق العظيم». وقد تقدم أن التعجب من جملة المسوغات ، وإن لم ينبه المصنف عليه.

قال ناظر الجيش : عكس سيبويه رحمه‌الله تعالى الأمر في هاتين المسألتين فجعل المبتدأ نكرة والخبر معرفة ، قال المصنف : «لأن وقوع ما بعد أسماء الاستفهام نكرة وجملة وظرفا أكثر من وقوعه معرفة ، وعند وقوعه غير معرفة لا يكون إلّا خبرا نحو : من قائم ومن قام ومن عندك. فحكم على المعرفة بالخبرية ليجري الباب على سنن واحد ، وليكون الاقل محمولا على الأكثر ـ قال : والكلام على أفعل التفضيل كالكلام على أسماء الاستفهام» انتهى (٢).

وقال الشيخ (٣) : قال بعضهم : ما أنت وزيد. ما عند سيبويه مبتدأ وأنت الخبر ـ

__________________

الشاهد. ومعنى فثوبا نسيت : أي ذهبت بفؤادي حتى نسيت ثوبي وهو كما قال :

ومثلك بيضاء العوارض طفلة

لعوب تنسّيني إذا قمت سربالي

ورواية الديوان بنصب ثوبا. قال المحقق : ولو رفعت ثوبا لأصبت تضمر الهاء (الديوان : ص ١٥٩).

وشاهده : الابتداء بالنكرة لأنها في موضع التفصيل.

والبيت في التذييل والتكميل (٣ / ٣٣٢) ومعجم الشواهد (ص ١٣٦).

(١) التذييل والتكميل (٣ / ٣٣٣).

(٢) شرح التسهيل (١ / ٢٩٦).

(٣) التذييل والتكميل (٣ / ٣٣٥).

٣٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

نص على هذا (١) ، وغيره يعكس ويقول : قدم الخبر لأجل الاستفهام ، وما ذكره سيبويه أولى ؛ لأن معنى الاستفهام كالتعريف فحسن الابتداء بالنكرة ، وإذا تقدم على المعرفة صار كالمعرفتين نحو زيد أخوك والمتقدم فيهما هو المبتدأ.

وقال أيضا : كان القياس يقتضي أن يكون أفعل التفضيل صفة للنكرة قبله ، لكن منع من ذلك أن أفعل التفضيل لا يرفع الظاهر فصيحا إلا في مسألة : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل.

ولو جعلت مكان أفعل وصفا لا للتفضيل لرفع الظاهر فكنت تقول : أقصد رجلا محسن لك أبوه ، فكان كونه صفة أحسن من كونه مرفوعا ، فلما كان محل أفعل التفضيل محل ما يرفع به ما بعده ؛ ترك مرفوعا بالابتداء ليرفع به ما بعده ، وجعل ما بعده خبرا حتى لا يخلو أفعل التفضيل من العمل فيه (٢).

قال جمال الدين بن عمرون : «قد جعل ابن جنّي المبتدأ نكرة والخبر معرفة في قول شاعر الحماسة :

٥٨٦ ـ أهابك إجلالا وما بك قدرة

عليّ ولكن ملء عين حبيبها (٣)

__________________

(١) لم ينص سيبويه على مسألة : كم مالك في كتابه وإنما الذي ذكره أن كم لا تكون إلا مبتدأة ولا تؤخر فاعلة ولا مفعولة. (الكتاب : ٢ / ١٥٨).

وفي مسألة أقصد رجلا خير منه أبوه ، ورفع خير على الابتداء حكى هذا المقال :

ما رأيت رجلا أبغض إليه الشّر كما بغض إلى زيد قال : لو رفعت أبغض إليه الشر لم يجز ، ولو قلت :

خير منه أبوه جاز.

(الكتاب : ٢ / ٣١ ، ٣٢) قال الدماميني (شرح التسهيل : ١ / ٧٦٧) : ولم أر ما يثلج به الصدر في توجيه ما ذهب إليه سيبويه من أن المعرفة خبر النكرة في هذا المثال. انظر في المسألتين الهمع (١ / ١٠٠).

(٢) التذييل والتكميل (٣ / ٣٣٦).

(٣) البيت من بحر الطويل ، وهو في الغزل الرقيق الذي اختاره أبو تمام في ديوان الحماسة (٣ / ١٣٦٣).

ونسبه إلى نصيب بن رباح وبعده :

وما هجرتك النّفس إنّك عندها

قليل ولكن قلّ منك نصيبها

انظر القصيدة في ديوان نصيب (ص ٦٨).

ومفرداته واضحة ، ومعناه : أنه يهاب حبيبته ويحترمها لا لأنها ذات صولة وقدرة عليه ، ولكن لأنه يحبها فامتلأت عينه بها ، فكانت له المهابة منها.

واستشهد النحاة بهذا البيت كثيرا لتقدم الخبر وجوبا لالتباس المبتدأ بضمير يعود على بعض الخبر.

وعليه فيكون ملء عين خبرا مقدما وحبيبها : مبتدأ مؤخر. وذهب ابن جني إلى أنه لا تقديم ولا تأخير في

٣٤٧

[بعض مسائل تقديم الخبر]

قال ابن مالك : (والأصل تأخير الخبر ، ويجوز تقديمه إن لم يوهم ابتدائيّة الخبر أو فاعلية المبتدأ أو يقرن بالفاء أو بإلّا لفظا أو معنى في الاختيار ، أو يكن لمقرون بلام الابتداء [١ / ٣٣٣] أو لضمير الشّأن أو شبهه ، أو لأداة استفهام أو شرط أو مضاف إلى إحداهما).

______________________________________________________

فقال : ملء عين مبتدأ وحبيبها خبر وجاز ذلك لمعناه (١).

قال ابن عمرون : «معناه يبنى عليه قاعدة صديقي زيد وزيد صديقي ، من أن الخبر يكون أعمّ من المبتدأ أو مساويا له وإذا جعل حبيبها الخبر لا يكون ملء العين أعمّ من الحبيب لاستحالة كون المبتدأ أعمّ من الخبر». انتهى (٢).

وسيأتي الكلام على مسألة صديقي زيد وعكسها.

قال ناظر الجيش : الأصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر وإنما كان كذلك لأنه قد تقدم الإعلام بأن المبتدأ عامل في الخبر ، وإذا كان كذلك فحقه أن يتقدم كما تتقدم سائر العوامل على معمولاتها لا سيما عامل لا يتصرف ، ومقتضى ذلك التزام تأخير الخبر ، لكن أجيز تقديمه لشبهه بالفعل في كونه مسندا ، ولشبه المبتدأ بالفاعل في كونه مسندا إليه ، وبمقتضى هذا الأصل جاز : في داره زيد. وامتنع : صاحبها في الدار كما سيأتي (٣).

وقد يجب التزام الأصل ، وقد يجب تركه ، وقد لا يجب واحد منهما ، فالأقسام ثلاثة. وقد أشار المصنف إلى الأول ، وهو التزام الأصل بقوله : ويجوز تقديمه إن لم يوهم ابتدائية الخبر إلى قوله : أو مضاف إلى إحداهما ، فذكر أنه يجب تأخير الخبر في صور (٤) : ـ

__________________

البيت ، وأن المبتدأ هو ما ذكر أولا وإن كان نكرة ، والخبر هو ما ذكر ثانيا وإن كان معرفة.

البيت في شرح التسهيل (١ / ٣٠٢) والتذييل والتكميل (٣ / ٣٥١) ومعجم الشواهد (ص ٤٥).

(١) انظر في تحقيق رأي ابن جني حاشية يس على التصريح (١ / ١٧٦).

(٢) انظر في تحقيق رأي ابن عمرون حاشية يس على التصريح (١ / ١٧٦).

(٣) علة جواز الصورة الأولى : أن الضمير فيها وإن عاد على متأخر في اللفظ ـ وهو لا يجوز ـ إلا أنه متقدم في الرتبة لأنه مبتدأ ورتبة المبتدأ التقديم وعلة امتناع الثانية أن الضمير فيها عاد على متأخر في اللفظ والرتبة وهذا لا يجوز.

(٤) شرح التسهيل (١ / ٩٦ ـ ٩٩) وقد نقل الشارح بتصرف.

٣٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الأولى :

أن يوهم تقديمه كونه مبتدأ ، وذلك إذا كان الجزآن معرفتين نحو : زيد أخوك ، أو نكرتين نحو أفضل منك أفضل مني ؛ إذ لا يتميز المبتدأ من الخبر حينئذ إلا بذكر كل منهما في مرتبته ، فإن كان ثم قرينة معنوية يحصل بها التمييز لم يجب تقديم المبتدأ ، وذلك نحو قول حسان رضي‌الله‌عنه :

٥٨٧ ـ قبيلة ألأم الأحياء أكرمها

وأغدر النّاس بالجيران وافيها (١)

ونحو قول الآخر :

٥٨٨ ـ وأغناهما أرضاهما بنصيبه

وكلّ له رزق من الله واجب (٢)

فألأم الأحياء وأغناهما خبران مقدمان ، وأكرمها وأرضاهما مبتدآن مؤخران مع التساوي في التعريف ؛ لأن المعنى إنما يصح بذلك.

ومثل ذلك قول الآخر :

٥٨٩ ـ بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهنّ أبناء الرّجال الأباعد (٣)

__________________

(١) البيت من بحر البسيط من قصيدة لحسان بن ثابت كما ذكر الشارح ، والعجيب أن صاحب معجم الشواهد لم ينسب البيت ، وهذه المقطوعة يهجو فيها حسان قبيلة هوازن. انظر ديوان حسان (ص ٢٥٦).

والشاهد في البيت : تقدم الخبر على المبتدأ في موضعين ، وهذا التقديم جائز مع تساويهما في التعريف ، وذلك لوجود القرينة المعنوية لأن المراد أن أكرم هذه القبيلة هو ألأم الأحياء ، وأن أوفاها هو أغدر الناس ، وذلك شر هجاء.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٩٦) والتذييل والتكميل (٣ / ٣٣٧) ومعجم الشواهد (ص ٤١٥).

(٢) البيت من بحر الطويل : وهو دعوة للزهد والقناعة لشاعر مجهول.

واستشهد به على : تقدم الخبر على المبتدأ جوازا مع تساويهما في التعريف ؛ لأن المراد الحكم على الراضي بالنصيب بأنه غني. هذا ما ذكره الشارح تابعا لابن مالك (شرح التسهيل : ١ / ٢٩٧) وأبي حيان : (التذييل والتكميل : ٣ / ٣٣٧).

وأرى أن كلا الاسمين يجوز الحكم بأحدهما على الآخر ولا فرق بينهما ، وإذا كان من ترجيح فيجب ترجيح الأصل ، وجعل المقدم مبتدأ والمؤخر خبرا ، وإنما لم يجز هذا في البيت الذي قبله والذي سيأتي بعده لإرادة الهجاء في الأول ، واستقامة المعنى في الثاني على ما ذكر من تقدم الخبر مع أن ابن هشام أجاز في الثاني أن يكون الأول مبتدأ عند إرادة المبالغة (المغني : ٢ / ٤٥٢) والبيت ليس في معجم الشواهد.

(٣) البيت من بحر الطويل ، وشهرته في هذا الباب واضحة ، ولم يستشهد به النحاة فقط ، وإنما استشهد به الفقهاء في باب الميراث على أن أبناء كالأبناء في العصب ، كما استشهدوا به في باب الوصية ،

٣٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فبنونا خبر مقدم ، وبنو أبنائنا مبتدأ مؤخر ؛ لأن مراد القائل الإعلام بأن بني أبنائهم كبنيهم. فالمؤخر مشبه والمقدم مشبه به. لا يستقيم المعنى إلا بهذا التأويل. وعلى هذا يجوز في : زيد زهير شعرا ، وعمرو عنترة شجاعة ، وأبو يوسف أبو حنيفة فقها ـ تقديم زهير وعنترة وأبي حنيفة وإن كانت أخبارا مشبها بها المبتدأ لوضوح المعنى.

والمسلم بأن الأعلى لا يشبه بالأدنى عند قصد الحقيقة ، وكذلك قول الشاعر :

٥٩٠ ـ جانيك من يجني عليك وقد

تعدي الصّحاح مبارك الجرب (١)

أي : كاسيك الذي تعود جنايته عليك ، فمن يجني مبتدأ لأن المعنى عليه.

ومن تقدم الخبر لوضوح المعنى مع مساواته المبتدأ في التنكير قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم: «مسكين مسكين رجل لا زوج له» (٢).

واعلم أن هذا الذي قيده المصنف فيما إذا تساوى الخبر مع المبتدأ في تعريف أو تنكير ، وكان ثم قرينة تميز أحدهما من الآخر جاز التقديم ، وإن لم يكن ثم قرينة امتنع ، ولزم ذكر كل منهما في رتبته وهو الحق.

وقد وقع في كلام غيره ما يقتضي مخالفة ما ذكر في التسهيل ، فقال بعضهم : إذا تساويا في التعريف امتنع التقديم ، وأطلق القول بذلك ، ولم يقيده بما قيده المصنف (٣).

وقال آخر : يجوز تقديم الخبر [١ / ٣٣٤] مع المساواة وإن لم يكن ثم قرينة ، وقالوا :

الفائدة تحصل للمخاطب سواء قدمت الخبر أو أخرته حتى وقع الخلاف في قول الشاعر :

٥٩١ ـ وأنت الّتي حبّبت كلّ قصيرة

إليّ وما تدري بذاك القصائر

عنيت قصيرات الحجال ولم أرد

قصار الخطا شرّ النّساء البحاتر (٤)

__________________

واستشهد به أهل البيان في التشبيه المقلوب. وشاهده واضح من الشرح ، وانظر ما قلناه في الشاهد الذي قبله.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٩٧) والتذييل والتكميل (٣ / ٣٣٧) ومعجم الشواهد (ص ١١٥).

(١) البيت من بحر الكامل ، وهو من الحكم. قالت مراجعه : إنه لذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم قبله :

ولربّ مأخوذ بذنب عشيرة

ونجا المقارف صاحب الذّنب

وشاهده كالأبيات قبله.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٩٧). والتذييل والتكميل (٣ / ٣٣٧). وليس في معجم الشواهد.

(٢) لم أجده في كتب الأحاديث التي اطلعت عليها طويلا ، ولم أستطع تخريجه.

(٣) أي بوجود القرينة التي تجوز التقديم والتأخير.

(٤) البيتان من بحر الطويل ، وهما لكثير عزة كما جاء في ديوانه.

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

فقال بعضهم : «شرّ النساء خبر مقدم ، والبحاتر مبتدأ مؤخّر ، ولا يجوز غيره ؛ لأن الشّاعر أراد أن يحكم على البحاتر أنهن شرّ النساء». وقال بعضهم : «لا يجوز ذلك لئلّا ينقلب المبتدأ خبرا والخبر مبتدأ» وجوز ابن السيد في البيت الأمرين (١).

والحق أنه إذا لم يكن قرينة تفصل المبتدأ من الخبر لزم ذكر كل منهما في رتبته ، ولو عكست انعكست النسبة. وبيان ذلك فيما إذا كانا معرفتين أن الشيء قد يكون له صفتان من صفات التعريف ، ويكون السامع عالما باتصافه بإحداهما دون الأخرى إذا أردت أن تخبر بأنه متصف بالأخرى ، فتعمد إلى اللفظ الدال على الأولى ، وتجعله مبتدأ ، وتعمد إلى اللفظ الدال على الثانية وتجعله خبرا ، فتفيد السامع ما كان يجهله من اتصافه بالثانية.

كما إذا كان للسامع أخ يسمى زيدا وهو يعرف بعينه واسمه ، ولكن لا يعرف أنه أخوه وأردت أن تعرفه أنه أخوه ، فتقول له : زيد أخوك سواء عرف أن له أخا ولم يعرف أن زيدا أخوه : أو لم يعرف أن له أخا أصلا ، وإن عرف أن له أخا في الجملة وأردت أن تعينه عنده قلت : أخوك زيد. أما إذا لم يعرف أن له أخا أصلا فلا يقال ـ

__________________

اللغة : قصيرة : قال صاحب اللسان (مادة قصر) «امرأة قصيرة ومقصورة مصونة محبوسة في البيت لا تترك أن تخرج». الحجال : جمع حجلة وهي ثياب العروس وأصله بيت يزين بالثياب والأسرة والستور.

البحاتر : قال في اللسان (مادة بحترة) «البحتر بالضّمّ القصير المجتمع الخلق والأنثى بحترة والجمع البحاتر».

وكثير يمدح فتاته بأنها مصونة محبوسة عن أعين الناس ، وذكر أن حبيبته فارعة طويلة وليست بالقصيرة ؛ لأن القصير في النساء مذموم.

وفي البيت كلام كثير في الشرح ، هل يكون قوله : شر النساء خبرا مقدما وما بعده مبتدأ مؤخرا؟ أم يكون العكس؟ والصحيح كما حكاه ابن السيد جواز الأمرين.

واستشهد النحاة : بالبيت الأول لإعادة ضمير الخطاب على الموصول.

والبيتان في التذييل والتكميل (٣ / ٩٨ ، ٣٢٤ ، ٣٣٩) ومعجم الشواهد (ص ١٥٥).

(١) انظر كتاب المسائل والأجوبة لأبي محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليموسي دراسة وتحقيق (ص ١٩٩) تحقيق المسألة الثانية عشرة.

يحكي ابن السيد أن تلميذا سأل أستاذه : ماذا يجوز في قول كثير السابق ، فيقول على لسان التلميذ :

قال بعضهم : البحاتر مبتدأ وشر النساء خبر.

وقال بعضهم : شرّ النّساء هو المبتدأ ، والبحاتر خبر.

وأنكرت أنا هذا القول وقلت : لا يجوز إلا أن يكون البحاتر هو المبتدأ وشرّ النساء هو الخبر.

يقول ابن السيد : فقلت له الّذي قلت هو الوجه المختار ، وما قاله النّحويّ الذي حكيت عنه جائز غير ممتنع.

٣٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك لامتناع الحكم بالتعيين على من لا يعرفه المخاطب أصلا ، فظهر بهذا الفرق بين قولنا : زيد أخوك ، وقولنا : أخوك زيد ، وكذا إذا عرف السامع إنسانا يسمى زيدا بعينه واسمه ، وعرف أنه كان من إنسان انطلاق ولم يعرف أنه كان من زيد أو ، غيره فأردت أن تعرفه أن زيدا هو ذاك المنطلق ، فتقول : زيد المنطلق ، وإن أردت أن تعرفه أن ذلك المنطلق هو زيد قلت : المنطلق زيد.

وقد أشار ابن الخباز إلى شيء من هذا ، فقال (١) :

زيد المنطلق يقال لمن كان عارفا بزيد وله عهد بأنّ رجلا قد انطلق ولا يعرف أن المعهود بالانطلاق زيد. فإذا قلت : زيد المنطلق فقد عرفته أنه هو المعهود ، وكذا إذا قلت : زيد أخوك ، فقد عرفته الأخوة ، وهو يعلم أن اسم الرجل زيد ، وإذا قلت :

أخوك زيد فقد عرّفته الاسم وهو يعرف الأخوة.

ثم كأنه استشكل في صورة زيد أخوك أن يكون السامع يجهل الأخوة ، قال :

فإن قلت : ما المسوغ لهذا قلت : هذا يقال في موضعين :

أحدهما : أن يكون المخاطب قد نسي فيذكر.

والثاني : أن تريد إيقاع المساءة به ، فيقال : زيد أخوك فيذكّر بالقرابة ليعفو. انتهى.

ومما يتصل بهذا مسألة : زيد صديقي وصديقي زيد ، فمع تقديم زيد لا يلزم انحصار الصداقة فيه ، ومع تقديم صديقي يلزم انحصار الصداقة فيه.

والذي ذكره النحاة أن ذلك إنما كان من حيث أن الخبر لا بد أن يكون أعم من ـ

__________________

(١) انظر تحقيق كتاب توجيه اللمع لابن الخباز (ص ٤٩) وفيه قسم ابن الخباز صور المبتدأ والخبر إلى أربعة ، وجعل الصورة الثالثة أن يكونا معرفتين ، ثم قال : «والجيد أن تخبر بالأضعف عن الأقوى تعريفا ، فإن اجتمع المضمر وغيره جعلت المبتدأ هو المضمر كقولك : أنت زيد. وإن اجتمع العلم وغيره جعلت المبتدأ هو العلم كقولك : زيد أخوك. والأمر مسوق على هذا.

قال : فإن قلت : فما الفائدة في الإخبار بالمعرفة عن المعرفة؟ قلت : هي نسبة الخبر إلى المبتدأ ، وكان ذلك مجهولا قبل الإخبار.

فإن قلت : فما الفرق بين قولنا : زيد أخوك ، وقولنا : أخوك زيد؟ قلت : الفرق بينهما من وجهين :

أحدهما : أن قولنا : زيد أخوك تعريف للقرابة ، وأخوك زيد تعريف للاسم.

الثاني : أن قولنا «زيد أخوك» لا ينفي أن يكون له أخ غير زيد ؛ لأنك أخبرت بالخاص عن العام.

انظر : كتاب توجيه اللمع لابن الخباز (ص ٤٩) رسالة دكتوراه.

٣٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المبتدأ أو مساويا له ؛ فإذا قيل : زيد صديقي كان الخبر [١ / ٣٣٥] صالحا لأن يكون أعم من المبتدأ فتجعله كذلك.

ومن ثم لم يلزم انحصار الصداقة في زيد في هذه الصورة. وإذا قيل : صديقي زيد امتنع أن يجعل الخبر الذي هو زيد أعم من المبتدأ ، فلم يبق إلا أن يجعل زيد مساويا لصديقي الذي هو المبتدأ ، وإلّا لكان الخبر أخص من المبتدأ وأنه غير جائز ، وإذا ثبت أنه مساو لزم انحصار الصداقة في زيد ضرورة أن كل من هو صديقي مساو لزيد ، فيكون قد حصر.

الصورة الثانية :

من الصور التي يمتنع فيها تقديم الخبر : أن يوهم تقديمه فاعلية المبتدأ وذلك إذا كان المبتدأ مخبرا عنه بفعل فاعله ضمير مستتر ، نحو : زيد قام ، فإنه لا يجوز تقديم الخبر ؛ لأن تقديمه يوهم كون الجملة مركبة من فعل وفاعل.

وفهم من قول المصنف : إن لم يوهم فاعلية المبتدأ ـ أن فاعل الفعل الواقع خبرا لو كان بارزا جاز التقديم لعدم الإيهام كقولك في الزيدون قاموا : قاموا الزيدون ، ومثله قاما الزيدان في : الزيدان قاما ـ على أن قاموا وقاما خبران مقدمان.

قال المصنف : «ولا يمتنع احتمال كونه على لغة أكلوني البراغيث ؛ لكنّ تقديم الخبر أكثر في الكلام من تلك اللغة ، والحمل على الأكثر راجح» (١) انتهى.

وقد قال الشيخ (٢) : «إن في تقديم الخبر إذا كان فعلا رافعا لضمير بارز خلافا ، وإن منهم من يمنع ذلك إجراء لضمير التثنية والجمع مجرى الضمير المفرد ؛ لأنهما فرعه» قال : «فيجري الباب مجرى واحدا ، وإذا ورد مثل قاما الزيدان كانت الألف عند المانع إما علامة وإما ضميرا ، والاسم بعدها بدل منها».

قلت : ولا يخفى ضعف هذا القول وضعف مستنده ، وإن الحق ما ذكره المصنف.

وإذا كان مرفوع الفعل ضميرا منفصلا أو ظاهرا سببيّا فلا خلاف في جواز تقديم الخبر على الفعل الرافع لذلك الضمير ، أو الظاهر نحو : ما قام إلا هو زيد ، وقام أخوه زيد فإن كان المرفوع ظاهرا غير سببي جاز التقديم على قبح نحو ضرب أبو بكر زيد أي ـ

__________________

(١) شرح التسهيل (١ / ٢٩٨).

(٢) التذييل والتكميل : (٣ / ٣٤٠).

٣٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

زيد ضربه أبو بكر ، وقد قرئ (وسع كرسيه السماوات والأرض) (١) على معنى السموات والأرض وسعهما كرسيه ، والظاهر أن نحو ضرب أبو بكر زيد لم يقبح من جهة التقديم ؛ لأننا لو لم نقدم وقلنا : زيد ضرب أبو بكر لكان قبيحا من جهة حذف العائد ، فلما قدم استمر قبحه.

الصورة الثالثة :

أن يقرن الخبر بالفاء أو بإلا لفظا أو معنى.

أما الأول : فنحو الذي يأتيني فله درهم ، والعلة في ذلك أن سبب اقترانه بالفاء شبهه بجواب الشرط فلم يجز تقديمه كما لا يجوز تقديم جواب الشرط.

وأما الثاني : فنحو قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)(٢).

وأما الثالث (٣) : فنحو قوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ)(٤) لأنه في معنى ما أنت إلا نذير ، وعلة ذلك أن الحصر مقصود ، وإنما يستفاد بالتأخير.

وأشار بقوله : في الاختيار : إلى أن تقديم الخبر المقترن بإلا قد يرد في الشعر [١/٣٣٦] كقول الكميت :

٥٩٢ ـ فيا ربّ هل إلّا بك النّصر يرتجى

عليهم وهل إلّا عليك المعوّل (٥)

__________________

(١) سورةالبقرة : ٢٥٥ ، والقراءة في التذييل والتكميل (٣ / ٣٤٠) وقد أسندها أبو حيان إلى أبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن السكيت (توفي سنة ٢٤٤ ه‍) ولم أجدها في كتب القراءات والتفسير.

وفيها قراءات أخرى غير المشهورة ـ منها فتح الواو من وسع ، وسكون السين ، ورفع العين ؛ فيكون اسما مبتدأ ، وكرسيه بالجر مضاف إليه ، والسموات والأرض بالرفع خبره (انظر البحر المحيط ٢ / ٢٧٩ ، التبيان ١ / ٢٠٤).

(٢) سورةآل عمران : ١٤٤.

(٣) أي اقتران الخبر بإلا معنى.

(٤) سورةهود : ١٢.

(٥) البيت من بحر الطويل أسندته مراجعه للكميت كما هنا ، وهو في البيت يطلب النصر والقصاص لآل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بني أمية. والمعوّل. معناه : الملجأ والملاذ.

والشاهد فيه قوله : وهل إلا عليك المعول ؛ حيث قدم الخبر على المبتدأ مع أن المبتدأ مقصور على الخبر ، فالواجب تأخيره لكنه قدم ضرورة.

وقوله : هل إلا بك النصر يرتجى قد يكون فيه شاهد آخر بشرط أن يعرب الجار والمجرور خبرا مقدما ، وجملة يرتجى حال ، ويخرج من الشاهد إذا أعربت جملة يرتجى خبرا.

وقال قوم : ليس بشاذ وإن المبتدأ أو الخبر الواجب التأخير في القصر حين تكون الأداة إنما.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٩٨) والتذييل والتكميل (٣ / ٣٤١) ومعجم الشواهد (ص ٢٨).

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الصورة الرابعة :

أن يكون الخبر لمبتدأ بقرون بلام الابتداء ، أو لمبتدأ هو ضمير الشأن أو شبه ضمير الشأن ، أو لمبتدأ هو أداة استفهام أو شرط ، أو لمبتدأ مضاف إلى إحدى الأداتين.

أما الأول : فنحو لزيد عندك ؛ وذلك لأن اقتران اللام المذكورة به تؤكد الاهتمام بأوليته ، وتقديم خبره عليها مناف لذلك ، ولأن اللام لها الصدر ، ولاستحقاقها التصدير امتنع تأثر مصحوبها بأفعال القلوب في نحو علمت لزيد كريم (١).

قال المصنف (٢) : «فإن وقع ما يوهم تقديم غير مصحوبها حكم بزيادتها ، أو بتقدير مبتدأ بينها وبين مصحوبها الظاهر كقول الشاعر :

٥٩٣ ـ خالي لأنت ومن جرير خاله

ينل العلاء ويكرم الأخوالا (٣)

فلك أن تجعل اللام من قوله لأنت زائدة في الخبر كزيادتها في قول الراجز :

٥٩٤ ـ أمّ الحليس لعجوز شهربه

[ترضى من اللحم بعظم الرّقبه](٤)

ولك أن تجعلها لام ابتداء داخلة على مبتدأ خبره أنت كأنه قال : خالي لهو أنت ـ

__________________

(١) معناه أن دخول اللام في علمت لزيد كريم يعرب مبتدأ وخبرا ثم الجملة تسد مسد مفعولي علمت ، ولو لا هذه اللام لنصب الاسمان على المفعولية المباشرة.

(٢) انظر : شرح التسهيل (١ / ٢٩٩).

(٣) البيت من بحر الكامل وهو في المدح ، ومع شهرته وذكر علم من الشعراء فيه فهو مجهول القائل.

ومفرداته ومعناه واضحان.

الإعراب : خالي لأنت : مبتدأ وخبر دخلت لام الابتداء على الخبر شذوذا ، وكان أصلها أن تدخل على المبتدأ ، وقد خرجوه على زيادة اللام أو تقدير مبتدأ آخر بعدها ، أي : خالي لهو أنت ، وهو موضع الشاهد.

ومن جرير خاله : من اسم موصول مبتدأ والجملة بعده صلة له. ينل العلاء : فعل وفاعل ومفعول والجملة خبر. وجزم الفعل هنا بلا جازم تشبيها لاسم الموصول باسم الشرط ، ولا يصح جعل من شرطية ، لأن الجملة بعدها اسمية ، والاسمية لا تكون شرطا. ويكرم الأخوال : الفعل مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير من ، والأخوال تمييز على زيادة أل كما هو الرأي عند الكوفيين وهو أحسن الآراء.

وانظر البيت في شرح التسهيل (١ / ٢٩٩) والتذييل والتكميل (٣ / ٣٤١) ومعجم الشواهد (ص ٢٧١).

(٤) البيتان من الرجز المشطور ، وهما يتيمان في ديوان رؤبة بن العجاج في ملحقات الديوان (ص ١٧٠).

وشاهده كما في البيت السابق.

الشّهربة : العجوز الكبيرة ، والعامة يقلبونها فيقولون : شهبرة ، وقد يقلبون الهاء حاء. والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٩٩) والتذييل والتكميل (٣ / ٣٤١) ومعجم الشواهد (ص ٤٤٣).

٣٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وزيادتها أولى ؛ لأن مصحوب لام الابتداء مؤكد بها ، وحذف المؤكد مناف لتوكيده.

ومن زيادتها مع الخبر قول كثير :

٥٩٥ ـ أصاب الرّدى من كان يهوى لك الرّدى

وجن اللواتي قلن عزّة جنّت

فهنّ لأولى بالجنون وبالخنا

وبالسّيّئات ما حيين وحيّت (١)

ومن زيادتها مع المبتدأ (٢) قول الخنساء :

٥٩٦ ـ وبنفسي لهموم

فهي حرّى أسفه (٣)

وأما الثاني : أعني الخبر الذي هو لمبتدأ ، وذلك المبتدأ هو ضمير الشأن ، فنحو هو زيد منطلق ، وإنما امتنع تقديم الخبر عليه ؛ لأنه لو قدم لقيل : زيد منطلق هو لم يعلم كونه ضمير الشأن ، ولتوهم كونه مؤكدا للضمير المستكن في الخبر.

وأما شبه ضمير الشأن : فنحو قول القائل : كلامي : زيد منطلق ، وإنما امتنع التقديم فيه لأن سامع قولك : زيد منطلق قد علم أنه كلامك إذا قلت زيد منطلق كلامي ، ـ

__________________

(١) البيتان من بحر الطويل ، وهما مما نسب إلى كثير عزة نسبة مشكوكا فيها ، فقصيدته التائية المشهورة التي مطلعها :

خليليّ هذا ربع عزّة فاعقلا

قلوصكما ثمّ ابكيا حيث حلّت

وليس فيها إلا البيت الأول فقط وأبيات أخرى قال محقق الديوان فيها : إنها مما نسبت لكثير ، وأما البيت الثاني وهو بيت الشاهد فلم يذكر مطلقا لا في هذه القصيدة ولا في غيرها.

انظر القصيدة في ديوان كثير (ص ٩٥) والبيت الأول (ص ١٠٧).

وشاهده قوله : فهن لأولى بالجنون ، حيث زيدت اللام في الخبر.

البيت في شرح التسهيل (١ / ٢٩٩) والتذييل والتكميل (٣ / ٣٤١) وليس في معجم الشواهد.

(٢) أي مع تأخره وتقدم الخبر.

(٣) البيت من مجزوء الرمل من قصيدة للخنساء تفيض باللوعة والأسى على أخيها صخر (انظر : شرح ديوان الخنساء ص ٥٩).

وقبل بيت الشاهد قولها :

إنّ نفسي بعد صخر

بالرّدى معترفه

وبها من صخر شيء

ليس يحكى بالصّفه

وبنفسي لهموم

فهي حرّى أسفه

وبذكرى صخر نفسي

كلّ يوم كلفه

الشاهد في البيت : دخول لام الابتداء على المبتدأ ، ومع ذلك فقد تأخر والواجب تقدمه.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٩٩) والتذييل والتكميل (٣ / ٣٤١) وليس في معجم الشواهد.

٣٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فيتنزل قولك كلامي بعد ذلك منزلة قولك كلامي هو كلامي ، ولا فائدة في ذلك.

وأما المبتدأ الذي هو أداة استفهام فنحو : أيّهم أفضل؟

والذي هو أداة شرط : من يقم أقم معه.

والمضاف إلى إحداها : غلام أيهم أفضل وغلام من يقم أقم معه ، والعلة في هذه الأربعة واحدة ، وهي أن أداة الاستفهام والشرط لها صدر الكلام ، وكذا المضاف إلى كل منهما.

فهذه الصور التي ذكر المصنف أن المبتدأ واجب التقديم فيها ، وهي في الحقيقة اثنتا عشرة (١) صورة ، لكنها منظومة تحت أربع إجمالا ، فلهذا ذكرتها في العد أربعة.

وذكر ابن عصفور وغيره صورا أخرى ، وهي (٢) :

أن يكون الخبر لكم الخبرية أو لما التعجبية [١ / ٣٣٧] أو يكون المبتدأ شبيها بالخبر أو يكون المبتدأ قد استعمل خبره مؤخرا عنه في مثل أو كلام جار مجراه نحو :

الكلاب على البقر. فقد يستدرك على المصنف بذلك ولا استدراك عليه.

أما كم الخبرية: فمن المعلوم أن حكمها حكم الاستفهامية، فقد اندرجت في كلامه حيث ذكر أداة الاستفهام ، وقد نصّ المصنف في هذا الكتاب أعني التسهيل على أن كم لزمت التصدير ولم يقيدها بالاستفهامية(٣).

وأما التعجبية ، فقد علم منع تقديم خبرها عليها من قوله : إن لم يوهم فاعلية ـ

__________________

(١) وإن شئت فقل إنها ثلاث عشرة صورة وهي كالآتي (مسائل وجوب تأخير الخبر) :

١ ـ أن يكون المبتدأ والخبر معرفتين ولا تمييز لأحدهما.

٢ ـ أن يكون المبتدأ والخبر نكرتين ولا تمييز لأحدهما.

٣ ـ أن يكون الخبر جملة فعلية فاعلها ضمير مستتر.

٤ ـ أن يكون الخبر مقترنا بالفاء. ٥ ـ أن يكون الخبر مقترنا بإلا لفظا.

٦ ـ أن يكون الخبر مقترنا بإلا معنى. ٧ ـ أن يكون المبتدأ مقرونا بلام الابتداء.

٨ ـ أن يكون المبتدأ ضمير شأن. ٩ ـ أن يكون المبتدأ شبيها بضمير الشأن.

١٠ ـ أن يكون المبتدأ أداة استفهام. ١١ ـ أن يكون المبتدأ أداة شرط.

١٢ ـ أن يكون المبتدأ مضافا إلى أداة الاستفهام. ١٣ ـ أن يكون المبتدأ مضافا إلى أداة شرط.

(٢) انظر المقرب لابن عصفور (١ / ٨٥) من المطبوع ، وكذلك التذييل والتكميل (٣ / ٣٤٢) وهي بنصها.

(٣) انظر تسهيل الفوائد (ص ١٢٥). قال ابن مالك : فصل : لزمت كم التصدير ... إلخ.

٣٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المبتدأ ؛ لأن الخبر فعل رافع ضميرا مستترا.

وأما كون المبتدأ مشبها بالخبر ـ فقد تقدم في أول هذا الفصل ما يدل على أن تقديم الخبر في مثل ذلك غير ممتنع ومن ذلك قول حسان :

قبيلة ألأم الأحياء أكرمها ... لأن التقدير أكرمها ألأم الأحياء.

وكذا قول الآخر : بنونا بنو أبنائنا ... أي بنو أبنائنا بنونا.

وأما المبتدأ المستعمل خبره مؤخرا فلا يحتاج إلى التنبيه عليه ؛ لأنه قد تقرر أن المثل لا يغير ، وكذا ما هو جار مجراه.

ونقل الشيخ رحمه‌الله أن بعضهم (١) زاد أن الخبر لا يقدم في مثل : الحمد لله ، والويل لزيد ، ولعنة الله على الظالمين ، والخيبة لزيد وكذا ويح لزيد وويل له ، وخير بين يديك وسلام عليك ، وضابطه : أن يكون المبتدأ فيه معنى الدعاء معرفة كان أو نكرة كما مثل حتى قال هذا القائل : إن نحو لله الحمد وقول الشاعر :

٥٩٧ ـ له الويل إن أمسى ولا أمّ هاشم

قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا (٢)

خرج مخرج الخبر الثابت الذي لا يرجى ولا يطلب. قلت : وفي منع ذلك نظر (٣) ، والظاهر أن تقديم الخبر في مثل ذلك لا يمتنع.

قال : وكذا لا يقدم إذا كان جملة لا تحتمل الصدق والكذب ، نحو : زيد اضربه ، وزيد هلا ضربته.

__________________

(١) التذييل والتكميل : (٣ / ٣٤٣). وكلمة رحمه‌الله ليست في الأصل.

(٢) البيت من رائية امرئ القيس التي مطلعها :

سما لك شوق بعد ما كان أقصرا

وحلّت سليمى بطن قوّ فعرعرا

انظر الديوان (ص ٦٨) قوله : له الويل إن أمسى أتى بحرف الشرط ، وهو يقتضي الاستقبال ، وهو قد أمسى نائبا عن أم هاشم اتساعا ومجازا.

وشاهده : تقديم الخبر على المبتدأ المقصود به الدعاء ؛ لأن المراد الإثبات لا إنشاء الدعاء.

والبيت في التذييل والتكميل (٣ / ٣٤٣) وليس في معجم الشواهد.

(٣) والنظر هنا معناه أنه لا مانع من تقديم الخبر في هذه المثل قياسا والذي منع احتج أنها وردت كذلك ، فصارت كالأمثال التي لا تتغير.

قال الزمخشري : «وأما سلام عليك ، وويل لك ، وما أشبههما من الأدعية فمتروكة على حالها ؛ إذ كانت منصوبة منزلة منزلة الفعل» (المفصل : ص ٢٥).

٣٥٨

[حكم «في داره زيد» وأشباهه]

قال ابن مالك : (ويجوز نحو في داره زيد إجماعا ، وكذا في داره قيام زيد ، وفي دارها عبد هند عند الأخفش).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : قد علمت أن المبتدأ والخبر بالنسبة إلى تقديم أحدهما على الآخر وتأخيره عنه ثلاثة أقسام.

وقد ذكر القسم الذي يجب فيه تقديم المبتدأ ، وسنذكر القسم الذي يجب فيه تقديم الخبر ، ولا شك أنه إذا أتى على القسمين وجب الاكتفاء بهما عند ذكر الثالث وهو قسم الجواز ، فمن ثم لم يحتج إلى ذكره. لكن لما كان في بعض الصور منه خلاف ، وهو ما إذا اشتمل على ضمير عائد على ما أضيف إليه المبتدأ لا إلى المبتدأ نفسه أراد أن ينبه على ذلك ، وأنا أورد الكلام فيه عقب القسم الأول ؛ لأن من لا يجيز التقديم في مثل : في داره قيام زيد تكون هذه الصورة عنده واجب فيها تقديم المبتدأ فينظمها مع الصور التي يجب فيها تقديم المبتدأ ، فكأن المخالف يقول : ولا تلتحق بالصور التي ذكرت أنها يجب فيها التقديم المذكور بالصورة الفلانية ، بل تكون من صور القسم الجائز فيها التقديم والتأخير.

إذا تقرر هذا فاعلم أن المصنف إنما ذكر مسألة في داره زيد توطئة للمسألة التي فيها الخلاف من حيث أن الثانية فرع الأولى فكأنها مبنية عليها ، ولم يذكرها لأنها مقصودة في نفسها [١ / ٣٣٨]. وحاصل الأمر أن الخبر إذا اشتمل على ضمير عائد على المبتدأ نحو : في داره زيد جازت المسألة بلا خلاف ؛ إذ ليس في ذلك إلا تقديم خبر مشتمل على ضمير عائد على مبتدأ متأخر ، ولا بأس بذلك لأنه مقدم رتبة فأجمع على جوازه كما أجمع على جواز ، ضرب غلامه زيد في داره.

فإن كان الخبر مشتملا على ضمير عائد على ما أضيف إليه المبتدأ نحو : في داره قيام زيد جازت المسألة أيضا على الأصح ، وسواء في ذلك ما كان صالحا للحذف وإقامة المضاف إليه مقامه نحو المثال المذكور ، وما لا يصلح لذلك نحو : في دارها عبد هند ، هذا مذهب البصريين. والكوفيون لا يجيزون ذلك ، ولكن المصنف نسب القول بجواز هذه المسألة إلى الأخفش خاصة.

قال : وبقوله أقول ؛ لأنّ المضاف والمضاف إليه كشيء واحد ؛ فإذا كان المضاف مقدر التّقديم بوجه ما كان المضاف إليه مقدّرا معه ؛ إلا أنّ تقديم ضمير ما يصلح أن يقام مقام المضاف أسهل ، ومنه قول العرب : في أكفانه درج الميّت ، وقول الشاعر : ـ

٣٥٩

[بقية مسائل تقديم الخبر وجوبا]

قال ابن مالك : (ويجب تقديم الخبر إن كان أداة استفهام ، أو مضافا إليها ، أو مصحّحا تقديمه الابتداء بالنّكرة ، أو دالّا بالتقديم على ما لا يفهم بالتّأخير أو مسندا دون أمّا إلى أنّ وصلتها ، أو إلى مقرون بإلّا لفظا أو معنى ، أو إلى ملتبس بضمير ما التبس بالخبر ، وتقديم المفسّر إن أمكن مصحّح خلافا للكوفيين إلا هشاما ووافق الكسائي في جواز نحو : زيدا أجله محرز لا في نحو : زيدا أجله أحرز).

______________________________________________________

٥٩٨ ـ بمسعاته هلك الفتى أو نجاته

فنفسك صن عن غيّها تك ناجيا (١)

قال ناظر الجيش : هذا هو القسم الذي يجب فيه ترك الأصل ، وهو تقديم الخبر ، وذكر أنه واجب في ثماني صور :

الأولى والثانية :

إذا كان الخبر أداة استفهام أو مضافا إليها. نحو أين زيد وصبيحة أي يوم سفرك ، وذلك لأن الاستفهام ، له صدر الكلام كما تقدم.

الثالثة :

إذا كان تقديم الخبر يصحح الابتداء بالنكرة ، وقد تقدم أن من مصححات الابتداء بنكرة أن يخبر عنها بظرف مقدم مختص نحو : عندك رجل. وإنما كان تقديمه مصححا ؛ لأن تأخيره يوهم كونه نعتا وتقديمه يؤمن من ذلك ، وكذا النكرة المخبر عنها بجار ومجرور مختص نحو لك مال ، أو بجملة متضمنة لما تحصل به الفائدة نحو : قصدك غلامه رجل ؛ فلو لا الكاف من قصدك لم يفد الإخبار بالجملة ، كما أنه لو لا اختصاص الظرف والمجرور (٢) لم يفد الإخبار بهما وإلى الظرف المختص واللاحق ـ

__________________

(١) البيت من بحر الطويل ، وهو في النصح والإرشاد ، ولم يسم قائله.

وشاهده : تقديم الخبر المشتمل على ضمير يعود على المبتدأ وهذا التقدم جائز ، وفيه عود الضمير على متأخر في اللفظ متقدم في الرتبة.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٣٠٠). والتذييل والتكميل. وليس في معجم الشواهد.

(٢) اختصاص الظرف والمجرور معناه إضافتهما إلى ما يصح أن يكون مبتدأ وهو المعرفة ، فيصح في الدار رجل ؛ لأنه يجوز الدار فيها رجل ، ويصح عند محمد مال ، لأنه يجوز محمد عنده مال ، أما إذا كانا غير ذلك كما إذا قيل : في دار رجل : وعند رجل مال ، فلا يجوز هذا الكلام.

٣٦٠