شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٢

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠

.................................................................................................

______________________________________________________

لا القيام ، والقائم هو زيد أو أنا لا الضرب؟ فلما كان خلاف المبتدأ انتصب على الحال ، لأن الخلاف عندهم يوجب النصب.

وأما ابن كيسان (١) فقال : إنما أغنت الحال عن الخبر لشبهها بالظرف ، والذين قالوا بتقدير خبر اختلفوا في كيفية تقديره ومكانه ، فذهب البصريون في المشهور عنهم والأخفش إلى تقديره مثل قائم ، واختلفوا في كيفيته : فقال البصريون :

تقديره إذ كان إن أردت الماضي. وإذا كان إن أردت المستقبل. هذا إن جعلت ضمير كان عائدا على زيد ، وقائما حال منه ، وإن جعلت الضمير عائدا إلى ياء المتكلم وقائما حالا منه ـ كان تقديره : إذ كنت قائما إن أردت الماضي ، وإذا كنت قائما إن أردت المستقبل.

وقال الأخفش : ضربي زيدا ضربه قائما. وقال بعض الناس : تقديره بعد قائما والتقدير : ضربي زيدا قائما ثابت أو موجود أو ما أشبه ذلك ، وقائم عندهم حال من زيد ، والعامل فيها ضربي ، وحكى أبو محمد بن السيد (٢) أن هذا مذهب الكوفيين (٣) ، وكذلك حكاه شيخنا جمال الدين بن عمرون (٤) عنهم.

قلت : وهذا المذهب هو الذي ذكره المصنف رحمه‌الله إلزاما لأبي علي الفارسي ولم ينسبه لأحد. فهذه ستة مذاهب : ثلاثة والخبر محذوف واثنان وهو مبتدأ والخبر محذوف ، وواحد وهو مرتفع بفعل.

أما من قال : هو مرتفع بفعل فيرد عليه [١ / ٣١٤] أنه تقدير ما لا دليل على تعينه ؛ لأنه كما يجوز تقدير ثبت يجوز تقدير قل أو عدم ، وما لا يتعين تقديره لا سبيل إلى إضماره مع أنه إذا دار الأمر بين الحذف من أول الكلام وآخره كان الحذف من آخره أولى ؛ فإن أول الكلام موضع استجمام وراحة وآخره موضع تعب وطلب استراحة فبان فساد ذلك الوجه.

وأما الوجه الثاني : وهو عدم احتياجه إلى الخبر لوقوعه موقع الفعل فظاهر الفساد ؛ لأنه لو وقع موقع الفعل لصح الاقتصار عليه مع فاعله ، كما صح ذلك في : أقائم الزيدان ، وحيث لم يصح أن يقال ضربي ويقتصر بطل ما ذكروه. ـ

__________________

(١) انظر المرجعين السابقين.

(٢) سبقت ترجمته.

(٣) التذييل والتكميل (٣ / ٣٠١).

(٤) سبقت ترجمته.

٣٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما قول الكسائي وهشام (١) : فيبطله أن العامل الواحد لا يعمل في معمولين ظاهرين ليس أحدهما تابعا للآخر رفعا ، فكذلك لا يعمل في مضمرين (٢).

وما ذهبا إليه من أن قولنا : زيد حيث عمرو حيث فيه رافعة لزيد وعمرو ؛ لأن معناه زيد في مكان فيه عمرو. فقد نابت حيث مناب ظرفين هما في مكان وفيه في المعنى ، فرفعت الاسمين اللذين كانا يرتفعان بهما ـ لا وجه له (٣) ؛ لأن هذا شيء لا نظير له في كلام العرب. ولأنه يلزم أن يكون كذلك إذا قلت : زيد حيث جلس عمرو ؛ إذ المعنى : زيد في مكان جلس فيه عمرو ، ولو كان كذلك وجب أن تكون مرفوعة منصوبة ؛ لأنها نابت مناب ظرفين أحدهما مرفوع والآخر منصوب ، فتكون عمدة من جهة الرفع وفضلة من جهة النصب ، وفي هذا ما فيه.

والصحيح أن الاسم بعد حيث مرفوع بالابتداء وخبره محذوف بدليل ظهوره إذا قلت : زيد حيث عمرو جالس ؛ فلو رفعت حيث عمرو لبقي جالس لا إعراب له ، ولأن حيث يلزم الإضافة إلى الجمل إلا ما جاء شاذّا من قول الشاعر :

٥٥٠ ـ [ونطعنهم تحت الحبى بعد ضربهم

ببيض المواضي] حيث ليّ العمائم (٤)

وقوله : ـ

__________________

(١) وهو أن الحال نفسها هي الخبر وقد سدت مسده. وانظر في نقد رأيهما : التذييل والتكميل : (٣ / ٣٠٢) والهمع : (١ / ١٠٦).

(٢) إنما قال : لا يعمل في مضمرين لأنهما قالا : إن الحال لا يتحمل ضميرين الأول لصاحب الحال والثاني للمبتدأ.

(٣) قوله : لا وجه له خبر المبتدأ في قوله : وما ذهبا إليه.

(٤) البيت من بحر الطويل ، وهو في الفخر نسبه صاحب معجم الشواهد إلى عملس بن عقيل ، ونسبه السيوطي في شرح شواهد المغني : (١ / ٣٨٩) إلى الفرزدق ، وبحثت عنه في ديوانه فلم أجده.

اللغة : الحبى : بضم الحاء وكسرها جمع حبوة وهي أواسط ظهر الإنسان. بيض المواضي : السيوف البواتر. حيث ليّ العمائم : كناية عن الرءوس.

والمعنى : نضربهم فوق رؤوسهم ونطعنهم في ظهورهم.

واستشهد بالبيت على : إضافة حيث للمفرد ، وذلك شاذ لأن حيث من الظروف الواجب إضافتها إلى الجمل ، وهي في البيت ظرف مكان مبني.

والبيت لم يأت في شرح التسهيل لابن مالك في هذا الموضع ، ولا في شرح أبي حيان وهو في معجم الشواهد (ص ٣٦٣).

٣٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

٥٥١ ـ أما ترى حيث سهيل طالعا

[نجما يضيء كالشّهاب لامعا (١)]

فلو ارتفع الاسم بعد حيث بها لزم عروها عن الإضافة ، وهذا أمر لا عهد لأحد بمثله في كلام العرب ، وإذا انتفى أن يرفع الحال ضميرين انتفى كونها خبرا.

ومما يبطل أيضا كون الحال رافعة ضميرين أننا لو ثنينا فقلنا : ضربي أخويك قائمين لم يمكن أن يكون في قائمين هنا ضميران ؛ لأنه لو كان لكان أحدهما مثنّى والآخر مفردا ، وتثنية اسم الفاعل وإفراده إنما هو بحسب ما يرفع من الضمير ، فكان يلزم أن يكون اسم الفاعل مفردا مثنّى في حال واحدة ، هذا ما لا يمكن بوجه ، فبان بطلان ما ذهب إليه الكسائي وهشام.

وأما قولهما بجواز تأكيد الضميرين ، فشيء ذكروه قياسا لا سماع يعضده أصلا.

وأما قول الفراء (٢) رحمه‌الله تعالى : إن الحال لم تتحمل ضمير المبتدأ للزومها مذهب الشرط فالجواب عنه أن الشرط ـ بمفرده من غير جواب لا يصلح للخبرية ؛ لأنه لا يفيد. وإذا كان كذلك تعين أن جواب الشرط محذوف فيكون الضمير محذوفا مع الجواب مع أن جميع ما ذكروه ادعاء ، ولا دليل على شيء منها ، فكيف يصار إليها؟

وأما تشبيه ابن كيسان (٣) رحمه‌الله تعالى الحال بالظرف فكأنه قال : ضربي زيدا في حال قيام ـ فليس بشيء ؛ لأنه لو جاز ذلك [١ / ٣١٥] بهذا التقدير لجاز مع الجثة أن تقول : زيد قائما ؛ لأنه بمعنى زيد في حال قيام ، وحيث لم يجز ذلك دل على فساد ما ذكروه.

وأما قولهم : إنه منصوب على الخلاف : ففاسد أيضا ؛ لأن الخلاف لو كان عاملا ـ

__________________

(١) البيتان من الرجز المشطور ، وهما في المدح وقائلهما مجهول ، والشهاب هو النجم اللامع.

وشاهده كالذي قبله. وقال صاحب الدرر : (١ / ١٨٠) ولا يخفى أن إعراب هذا الشعر مشكل ، والذي أراه أن الرؤية بصرية ، وأن حيث مفعول به لترى ، وسهيل مجرور بإضافة حيث إليه ، وطالعا حال من سهيل ، ومجيء الحال من المضاف إليه وإن كان قليلا فقد ورد كثير منه في الشعر ، قال تأبط شرّا :

سلبت سلاحي بائسا وشتمتني

فيا خير مسلوب ويا شرّ سالب

والبيت كالذي قبله لم يرد إلا في معجم الشواهد (ص ٤٩٧).

(٢) انظر في نقد رأي الفراء : التذييل والتكميل (٣ / ٣٠٣) والهمع : (١ / ١٠٦).

(٣) انظر في نقد رأي ابن كيسان المرجعين السابقين.

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لعمل حيث وجد ، ونحن نرى العرب تقول : ليس زيد قائما لكن قاعد وبل قاعد برفع قاعد على الجواز ، وما زيد قائما لكن قاعد وبل قاعد على الوجوب مع كونه مخالفا لما قبله ، فبان فساد ما ذكروه. وفساد النصب على الخلاف مذكور في موضعه من النحو بأحسن بيان ، فلا حاجة إلى الإطالة فيه (١).

وأما المذهب المروي عن الكوفيين آخرا ، وهو أن الخبر محذوف تقديره ثابت أو موجود ـ ففاسد أيضا (٢) ؛ لأنه تقدير ما ليس في اللفظ دليل عليه كما تقدم ؛ فإنه كما يقدر ثابت جاز أن يقدر أيضا منفي ومعدوم وما أشبه ذلك ، ولأنه إذ ذاك يكون حذف الخبر جائزا لا واجبا ؛ لأن قائما حينئذ يكون حالا من زيد ، والعامل فيه المصدر ، فلا تكون الحال سادة مسد الخبر ، فلا يلزم حذفه ، وإنما يجب حذف الخبر في مثل هذا إذا سدت الحال مسده ؛ لأن الحال إذ ذاك عوض من الخبر بدليل أن العرب لا تجمع بينهما ، ولا يحذف خبر هذه المصادر إلا مع وجود الأحوال للمناسبة التي بين الحال والخبر ؛ لأن أصل الخبر التنكير كالحال ، ولأن الحال هي صاحبها كما أن الخبر المفرد هو المبتدأ ، والحال مقيدة كما أن الخبر كذلك ، ففهم من عدم اجتماعهما قصر العوضية ، ولا يتصور العوضية إلا على قول من قدم الخبر قبل الحال.

ولأنك إذا قدرت الخبر : ثابت أو موجود ، وجعلت قائما حالا من زيد ـ فلا ـ

__________________

(١) النصب على الخلاف مذهب مشهور في كتب النحو قال به الكوفيون وخرجوا عليه كثيرا من الأسماء المنصوبة. من ذلك الظرف الواقع خبرا مثل : زيد أمامك ، ومن ذلك المفعول معه مثل : سرت والنيل ، ومن ذلك أفعل في التعجب لما قالوا باسميته.

وما قالوه من مذهب النصب على الخلاف فاسد لأنه ـ في باب المبتدأ ـ لو كان الموجب لنصب الظرف كونه مخالفا للمبتدأ لكان المبتدأ أيضا يجب أن يكون منصوبا ؛ لأن المبتدأ مخالف للظرف ، كما أن الظرف مخالف للمبتدأ ؛ لأن الخلاف لا يكون من واحد بل من اثنين فصاعدا ، وعليه كان ينبغي أن يقال : زيد أمامك ، وهو لا يجوز. وفي باب المفعول معه يقال : إن ما بعد لكن وبل ولا يكون مخالفا لما قبلها ويأتي مرفوعا ومجرورا تقول : قام زيد لا عمرو ، ومررت بزيد لا عمرو. فإذا كان الخلاف ليس موجبا للنصب مع هذه الأحرف وما بعدها مخالف ـ فلأن لا يكون موجبا للنصب مع الواو التي لا يجب أن يكون ما بعدها مخالفا أولى. وأما أفعل في التعجب فهو فعل للزومه نون الوقاية مع ياء المتكلم ، وأما تصغيره فشاذ. ثم إن الخلاف معنى من المعاني ولم يثبت النصب بالمعاني. انظر فساد النصب على الخلاف كتاب الإنصاف : (١ / ٢٤٧ ، ٢٥٠) وحاشية الصبان على الأشموني : (٢ / ١٣٦) ، (٣ / ١٨).

(٢) التذييل والتكميل (٣ / ٣٠٣).

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يخلو إذ ذاك من أن يخبر المخاطب عن ضرب قد عهد منك إيقاعه بزيد في حال قيامه ، أو عن ضرب لم يعهده منك في تلك الحال ؛ فإذا أردت الأول لم يكن لإخبارك عنه بثابت أو مستقر فائدة ؛ لأنه معلوم عند المخاطب وإن كان الثاني لم يكن في الكلام دليل على ذلك المحذوف ؛ لجواز أن يكون التقدير : ضربي زيدا قائما غير ثابت.

ولأن في جعل قائما معمول ضربي حذف الخبر برمته كما ذكروا ، وفي جعل قائما معمول الخبر حذف بعض الخبر. وحذف بعض الخبر أولى من حذف جميعه ، فظهر فساد ما ذكروه.

وأما مذهب الأخفش (١) رحمه‌الله تعالى : فإنه إن جعل المصدر الثاني وهو ضربه مضافا إلى المفعول ، وفاعله ضمير المتكلم محذوفا على ما تقرر ـ فإن المصدر يحذف فاعله إذا كان ضميرا ، ولا يكون مستترا فيصير كأنه قال : ضربي زيدا أضربه قائما ، فأما أن يفهم من نفس الخبر عين المفهوم من المبتدأ فلا يصح ، وإما أن يفهم منه أن ضربه المطلق مثل ضربه قائما ، وهو غير المعنى المفهوم ، وإن جعل المصدر مضافا إلى فاعله صار المفهوم منه غير المطلوب من الكلام على ما سيبين معنى الكلام حين يبين في توجيه كلام سيبويه رحمه‌الله تعالى ، فظهر أن الصحيح ما ذهب إليه سيبويه رحمه‌الله تعالى دون غيره (٢) ، وذلك لما ذكرنا من أن اعتقاد الحال معمولة للخبر يجعل المحذوف [١ / ٣١٦] بعض الخبر ، وهو أولى من حذف جميع الخبر.

وهنا نكتة لطيفة : وهو أن الاسم العامل ومعموله ينزل منزلة المضاف والمضاف إليه في باب النداء وباب لا ، فكما يحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه كذلك يحذف العامل ويبقى معموله ، إلا أنه لما كان الأكثر إذا حذف المضاف يعرب المضاف إليه بإعرابه ولا كذلك العامل والمعمول كثر حذف المضاف وقل حذف العامل ، وهذا ـ

__________________

(١) انظر في رد رأي الأخفش : التذييل والتكميل : (٣ / ٢٩٠) والهمع : (١ / ١٠٦).

(٢) قال سيبويه : (١ / ٤٠٢): «وأمّا عبد الله أحسن ما يكون قائما ، فلا يكون فيه إلّا النّصب ؛ لأنه لا يجوز لك أن تجعل أحسن أحواله قائما على وجه من الوجوه».

وفي موضوع آخر يقول : (١ / ٤١٩): «وتقول : عهدي به قائما وعلمي به ذا مال فتنصبه على أنّه حال وليس بالعهد ولا العلم ، وليسا هنا ظرفين ، وتقول : ضربي عبد الله قائما على هذا الّذي ذكرته لك».

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن اشترك فيه مذهب سيبويه والأخفش فإن مذهب سيبويه ينفرد بما أذكره :

قال شيخنا جمال الدين (١) محمد بن عمرون رحمه‌الله تعالى : «والّذي يوضح المسألة أن معنى ضربي زيدا قائما : ما ضربت زيدا إلّا قائما ، وهذا المعنى لا يستقيم إلا على مذهب سيبويه رحمه‌الله تعالى ؛ لأنّ العامل يتقيد بمعموله ، فإذا جعلت الحال من تمام المبتدأ يكون الإخبار بأن ضربي مقيّدا بالقيام واقع وذا لا ينفي أن يقع الضرب في حال القيام ، وإذا جعل الحال من جملة الخبر يكون ضربي زيدا هذا الّذي لم يقيد بحال كائن. إذا كان قائما ؛ فلو قدر وقوع ضرب في غير حال القيام يكون مناقضا للأخبار ؛ إذ من الحال وقوع غير المقيد بالحال في زمان وتخلف شيء منه عن ذلك الزمان إذا أريد الحقيقة».

ثم قال رحمه‌الله تعالى (٢) ـ في مسألة : أكثر شربي السويق ملتوتا ـ : «وما أبطلنا به مذهب من يعتقد أنّ الحال من معمول المصدر يظهر في هذه المسألة أكثر ؛ لأن ملتوتا لو جعل من تمام الشّرب يكون الإخبار حينئذ عن أكثر شرب سويق ملتوت أنه حاصل ، وذلك لا ينفي أكثرية في غير حال اللّتّ».

والمراد من هذا الكلام أن الأكثرية تقع في حال اللت ، ولو وقعت في غير حال اللت لا يكون في الإخبار كثير فائدة. انتهى كلام الشيخ بهاء الدين في نقل المذاهب المذكورة وتقريرها.

ثم قال الشيخ بهاء الدين أيضا : وفي هذه المسألة أمور لا بد من التعرض لها (٣).

منها : لم قدر الخبر ظرفا دون غيره؟ لأنا نقدر الخبر محذوفا ، والحذف مجاز وتوسع ، والظروف أجمل لذلك من غيرها.

ومنها : لم قدر ظرف الزمان دون ظرف المكان (٤)؟ إنما نابت الحال مناب الخبر الذي هو ظرف الزمان المحذوف للمشابهة التي بين ظرف الزمان والحال لفظا ومعنى ، ـ

__________________

(١) انظر هذا النص لابن عمرون في التذييل والتكميل : (٣ / ٢٩١ ، ٢٩٢).

(٢) القائل هو ابن عمرون أيضا.

(٣) انظر التعليقة على المقرب ورقة (٣٥) والتذييل والتكميل : (٣ / ٢٩٣).

(٤) في نسخة (ب) : لم قدر ظرف الزمان دون المكان؟ وهما سواء.

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ألا ترى أن كل واحد منهما منصوب على معنى في؟ فإنك إذا قلت : جاء زيد ضاحكا ، فكأنك قلت : جاء زيد وقت ضحكه. ولذلك أكثر ما تجيء هذه الحال السادة مسد الخبر مفردة لا جملة ؛ لأنها إذ ذاك تشبه الظرف.

إلا أن الجملة لما كانت بتقدير المفرد حملت في النيابة عن خبر المبتدأ على الحال المفردة ، وذلك لأن الحال عوض منه كما ذكرنا. والحال لظرف الزمان أنسب منها لظرف المكان ؛ لأنها توقيت للفعل من جهة المعنى كما أن الزمان توقيت للفعل ، وذلك قدر سيبويه الحال بإذ في قوله تعالى : (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ)(١) فقال : «إذ طائفة في هذه الحال» (٢).

ولأن المبتدأ هنا حدث ، وظرف الزمان مختص بالإخبارية عن الحدث دون الجثة فهو أخص به من ظرف المكان (٣).

ومنها : لما قدرت إذ [١ / ٣١٧] وإذا دون غيرهما؟ قال شيخنا رحمه‌الله : ما ولي الظروف إن أردت الماضي إذ ؛ لأنها تستغرق الماضي ، وإن أردت المستقبل إذا لأنها تستغرق المستقبل أيضا (٤).

ومنها : لم قدر بعد الظرف فعل؟ ولم كان كان التامة دون غيرها؟ ولما لم يقدر نصب قائم على الخبر لكان؟

وذلك لأن الظرف لا بد له من فعل أو معناه ؛ ليكون ظرفا له ، والحال لا بد لها أيضا من عامل ، والأصل في العمل الفعل ، وقدرت كان تامة لتدل على الحدث المطلق الذي يدل الكلام عليه ، ولم يعتقد في قائم الخبرية للزومه التنكير (٥).

قال رحمه‌الله تعالى (٦) : ودخول واو الحال عليها على ما سيجيء يقوي جانب الحالية لا الخبرية ، ولا يلتفت إلى قول من يجوز دخول الواو على أخبار كان ـ

__________________

(١) سورةآل عمران : ١٥٤.

(٢) قال في الكتاب : (١ / ٩٠) : وأما قوله تعالى : (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) فإنّما وجّهوه على أنّه يغشى طائفة منكم وطائفة في هذه الحال ، كأنه قال : إذ طائفة في هذه الحال ، فإنما جعله وقتا ولم يرد أن يجعلها واو العطف ، وإنما هي واو الابتداء.

(٣) التذييل والتكميل : (٣ / ٢٩٤).

(٤) المرجع السابق.

(٥) المرجع السابق.

(٦) غير موجودة في نسخة الأصل.

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأخواتها إذا كان الخبر جملة ، والضمير في كان فاعلها وهو يعود إلى زيد.

ومنها : هل يجوز تقدم هذه الحال على المصدر؟

منع ذلك الكسائي والفراء وهشام (١) إن كانت الحال من ظاهر ، كما منعوا في نحو : جاء زيد راكبا ـ أن تقول : راكبا جاء زيد ، فتقدمها. وسبب ذلك أن مبنى الحال عندهم على الشرط ، فبطل : راكبا جاء زيد من حيث لم يجز : إن تركب جاء زيد.

فإن كانت من مضمر جاز التقديم عند الكسائي وهشام. ومن أخذ بمذهبهما فلا يجوز تقديمها إذا لم تقع خبرا ، ويجوز عندهم : مسرعا قيامك كما يجوز مسرعا قمت ؛ لأن الحال لمكنيّ ، ولا ينكر تقدم مضمر على مضمر كما ينكر تقدم مضمر على ظاهر.

وأبطل الفراء : مسرعا قيامك ومبادرا ركوبك ، وأجاز : مسرعا قمت ومبادرا ركبت ؛ لأن الحال المكني يجوز تقدمها إذا لم تكن رافعة ، فإذا رفعت منعت التقدم والتوسط ولزمت التأخر عنده ؛ لأنها عنده مبنية على الشرط ، والشرط يقع آخرا لا أولا ، فيقال : شكرتك إن أنصفت ، ولا يقال : إن أنصفت شكرتك ؛ لأن الشرط إنما يتلقى بالفاء أو إذا أو بالفعل ، ولا يتلقى بالاسم المفرد.

واحتج الكسائي وهشام على جواز : مبادرا ركوبك ، بأن الحال مبنية على الوقت من حيث كانت في معناه ، والوقت يرفع متقدما ومتأخرا ، فيقال : قيامك يوم الخميس ، ويوم الخميس قيامك.

قلت : جميع ما ذكروه مبني على ما تقدم من أقوالهم ، وقد تقدم إفسادها ، ولا نقل عندي عن مذاهب البصريين في ذلك ، بل مقتضى قولهم جواز تقديم الحال إن قدر الخبر متقدما على المصدر (٢) ، ووجوب تأخيرها إن قدر الخبر مؤخرا ؛ لأن العامل عندهم في الحال كان المقدرة ، وهي مضاف إليها الظرف ، والمضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف. ـ

__________________

(١) التذييل والتكميل : (٣ / ٣٠٨) والهمع : (١ / ١٠٧).

(٢) قوله : جواز تقديم الحال خبر مقتضى ، وقوله : على المصدر ، متعلق بتقديم الحال.

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

قال ابن الدهان (١) في شرح الإيضاح : ولا يمتنع عندي في القياس : قائما ضربي زيدا ؛ لأن خبر المبتدأ في هذه المسألة يتقدم على المبتدأ (٢).

ومنها : أنه لا يجوز أن يسد الحال مسد الخبر إذا كان المبتدأ جثة ؛ لأن الخبر المقدر لا يكون إلا ظرف زمان كما تقدم ، وظروف الزمان لا تكون أخبارا للجثة.

ومنها : هل يجوز لضمير المصدر أن يسد الحال مسد خبره؟

ذهب البصريون والكسائي إلى أن ضمير المصدر يجري مجراه في ذلك [١ / ٣١٨] نحو قولك : أكلي التفاحة هو نضيجة. فأكلى مبتدأ والتفاحة مفعوله وهو مبتدأ ، و (هو) ضمير المصدر الذي هو أكلي ، ونضيجة حال سدت مسد خبر المصدر ، والضمير وخبره خبر المصدر الذي هو أكلي.

وزعم الفراء أن ضمير المصدر كالجثة نحو زيد وعمرو لا يرفعه إلا ما يرفع زيدا وعمرا عن وكأن الذي حمله على ذلك كون الحال عنده بمنزلة الشرط. والشرط إنما يخبر به المصدر لا عن ضميره ، وذلك باطل ، وقد تقدم تبيين بطلانه (٣). ـ

__________________

(١) هو سعيد بن المبارك بن علي بن عبد الله الإمام ناصح الدين بن الدهان النحوي ، ولد في رجب (٤٥٣ ه‍) ، من أولاده يحيى بن سعيد أبو زكريا ، وكان نحويّا أيضا ، ولد قبل وفاة أبيه بعامين ، ولذلك قال فيه أبوه :

قيل لي جاءك نشل

ولد شهم وسيم

قلت عزّوه بفقدي

ولد الشّيخ يتيم

وتوفي ابن الدهان الأب سنة (٥٩٦ ه‍) ، وابن الدهان الابن سنة (٦١٦ ه‍).

مصنفات ابن الدهان (الأب) : له شرح الإيضاح المذكور في الشرح ، قال السيوطي : وهو كتاب كبير في عدة مجلدات ، ولم أره ، وله أيضا شرح اللمع لابن جني المسمى بالغرة ، وهو عدة أجزاء : الأول منه مفقود ، والثاني مخطوط بدار الكتب (نحو تيمور رقم : ١٧١) والثالث ميكروفيلم بمعهد المخطوطات (رقم ٩٣ نحو) وله أيضا الدروس في النحو والفصول فيه ، وتفسير القرآن ، والأضداد ، وقد عملت فيه رسالة دكتوراه بعنوان «ابن الدّهّان وآراؤه في النّحو» بكلية اللغة.

انظر ترجمة ابن الدهان (الأب) في بغية الوعاة : (١ / ٥٨٧) وترجمة ابن الدهان (الابن) في نفس المرجع (٢ / ٣٣٤).

(٢) التذييل والتكميل (٣ / ٣٠٩).

(٣) قال : «قول الفراء : إنّ الحال لم تتحمّل ضمير المبتدأ للزومها مذهب الشّرط فالجواب عنه أنّ الشّرط بمفرده من غير جواب لا يصلح للخبرية ؛ لأنّه لا يفيد. وإذا كان كذلك تعين أنّ جواب الشّرط محذوف فيكون الضّمير محذوفا ، مع الجواب».

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

قال ابن عصفور (١) : وسواء في ذلك المصدر وغيره مما لم يكن جثّة ؛ إلّا أنّ مجيء ذلك في المصدر أكثر كما ذكرته.

ومما يدل على مجيئه في غير المصادر قول الشاعر :

٥٥٢ ـ خيال لأمّ السّلسبيل ودونه

مسيرة شهر للبريد المذبذب (٢)

فخيال مبتدأ ، ولأم السلسبيل صفة له. ولا يكون خبرا ؛ لأنه لا مسوغ للابتداء بها إلا وصفها بالمجرور ، والجملة التي هي : ودونه مسيرة شهر سادة مسد خبره ؛ وساغ ذلك لأن الخيال لا حقيقة له جسيمة ، فجرى مجرى المصادر (٣).

ومنها : أنه لا يجوز أن تسد الحال مسد خبر أن الناصبة للفعل وإن كانت بتأويل المصدر ، ووجهه أن الحال إنما تسد مسد الخبر إذا كان ظرف زمان ، وظرف الزمان لا يكون خبرا لأن والفعل ، وإلى ما ذكرنا من المنع ذهب الكسائي والفراء وهشام ، وعلّلوه بأنها لما عملت في ما بعدها أشبهت الأدوات وبعدت عن المصادر ، فلم يجز فيها ما جاز في المصادر.

وفي هذا التعليل نظر : فإن المصدر عامل في ما بعده ، فالصحيح ما ذكرناه من التعليل. انتهى كلامه رحمه‌الله تعالى.

__________________

(١) لم أجده في كتبه. وهو في التذييل والتكميل (٣ / ٣٠٤).

(٢) البيت من بحر الطويل ، وهو مطلع قصيدة قصيرة في ديوان الحماسة منسوبة للبعيث بن حريث بن جابر بن سري شاعر بن شاعر ، وبعده :

فقلت له أهلا وسهلا ومرحبا

فردّت بتأهيل وسهل ومرحب

اللغة : أم السلسبيل : عشيقته. البريد المذبذب : المسرع المتعجل.

يذكر أن خيال حبيبته زاره ليلا ، فصارت قريبة منه مع أنها بعيدة جدّا بجسمها وشخصها.

وشاهده واضح من الشرح.

قال صاحب شرح ديوان الحماسة (١ / ٣٧٧) :

«فإن قيل : لما نكّر فقال : خيال لأم السّلسبيل؟ قلت : يجوز أن يكون كأنّه يرى خيالها على هيئات مختلفة ، فاعتقد أنّه عدة خيالات ، فلذلك نكّره كأنه قصد إلى واحد منها» وهو غير ما ذكره الشارح عن ابن عصفور.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٥٤) والتذييل والتكميل (٣ / ٣٠٥).

(٣) رده أبو حيان فقال : «ولا حجّة في هذا البيت ؛ لأنه يحتمل أن يكون خيال خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذا خيال».

٣١٠

[رفع الحال المنصوبة على الخبرية]

قال ابن مالك : (ورفعها خبرا بعد أفعل مضافا إلى ما موصولة بكان أو يكون ـ جائز ، وفعل ذلك بعد مصدر صريح دون ضرورة ممنوع).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : أي : ورفع الحال المذكورة ، وأشار بذلك إلى ما أجازه الأخفش من رفع قائم على الخبرية من قولهم : أخطب ما يكون الأمير (١) قائما ، وليعلم قبل تقدم مذهبه أنّا إذا قلنا : أخطب ما كان أو أخطب ما يكون ، فما مصدرية ، والتقدير :

كون الأمير ، وفي إضافة أخطب إلى الكون نوع تجوز ؛ لأن أفعل التفضيل لا تضاف إلا إلى ما هو بعضه ، وليست الخطابة بعض الكون ، ثم منهم من قدر مضافا محذوفا أي : أخطب أوقات كون الأمير لا لينتفي المجاز ؛ فإن الخطابة ليست بعض الأوقات أيضا ، لكن لما كانت الخطابة لا تقع إلا في الأوقات سهل ذلك تأولها بها.

ومنهم من لم يقدر شيئا محذوفا ، وجعل أخطب كونا كما تقدم ، ويترتب على الرأيين بحث : وهو أن من قدر المضاف وجعل أخطب زمانا لإضافته إلى الأوقات المحذوفة وجوز وقوع إذا غير ظرف ـ لم يجعل إذا متعلقة بمحذوف كما في : ضربي زيدا قائما بل جعل نفس الظرف مرفوعا على الخبرية لا معمولا للخبر ، ويكون قد أخبر بزمان عن زمان.

قال الشيخ بهاء الدين رحمه‌الله : ولا يستنكر خروج إذا من الظرفية ورفعها ؛ فقد جاءت مجرورة في قول الشّاعر [١ / ٣١٩] :

٥٥٣ ـ وبعد غد يا لهف نفسي في غد

إذا راح أصحابي ولست برائح (٢)

__________________

(١) التذييل والتكميل : (٣ / ٢٩٥) والهمع (١ / ١٠٦).

(٢) البيت من بحر الطويل وهو في التوجع ورثاء النفس نسبه صاحب شرح ديوان الحماسة (٣ / ١٢٢٦) وكذلك صاحب معجم الشواهد إلى أبي الطمحان القيني ، ونسبه السيوطي في شرح شواهد المغني (١ / ٢٧٤) إلى هدبة بن خشرم في قصة له طويلة ملخصها : أن هدبة قال هذا البيت من أبيات أربعة أولها :

ألا علّلاني قبل نوح النّوائح

وقبل ارتقاء النّفس فوق الجوانح

ثم بيت الشاهد.

وقوله : إذا راح أصحابي بدل من غد ، وهو موضع الشاهد ، وجوز الأخفش وقوع إذا في موضع المجرور والمرفوع.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٨٧) والتذييل والتكميل (٢ / ٦٣).

ترجمة أبي الطمحان : هو حنظلة بن الشرقي شاعر مخضرم ، كان جيد الشعر وكان فاسقا فاجرا خبيث

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

فأبدل إذا من غد.

وأجاز المبرد (١) الرفع الصريح فيها ، وذلك إذا قلت : إذا يقوم زيد إذا يقعد عمرو ؛ فإذا الأولى مبتدأ والثانية خبر ، وعلى هذا إذا ظهر الإعراب في الظرف يرتفع فتقول : أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة ، وأما من لم يقدر مضافا محذوفا وجعل أخطب كونا ـ فإذا في موضع نصب متعلقة بمحذوف كما كان في ضربي زيدا قائما ، وعلى هذا إذا قلت : أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة نصبت اليوم.

وإذا تقرر هذا فاعلم أن الأخفش رحمه‌الله تعالى أجاز الرفع في هذه المسألة كما تقدم. قال الشيخ (٢) : «وتبعه المبرد والفارسي (٣) وهذا المصنف». انتهى.

وقال المصنف رحمه‌الله تعالى : «يلزم من ذلك ـ يعني ما أجازه الأخفش من الرّفع ـ ارتكاب مجازين :

أحدهما : إضافة أخطب مع أنه من صفات الأعيان إلى ما يكون وهو في تأويل الكون.

والثاني : الإخبار بقائم مع أنه في الأصل من صفات الأعيان عن أخطب ما يكون مع أنه في المعنى كون ؛ لأن أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه ، والحامل على ذلك قصد المبالغة وقد فتح بابها بأول الجملة (٤) ، فعضّدت بآخرها مرفوعا». انتهى (٥).

قال الشيخ بهاء الدين (٦) : «ووجّه ابن الدّهان رفع الأخفش قائما بأن جعل أخطب مضافا إلى أحوال محذوفة ، أي : أخطب أحوال كون الأمير فلا مجاز في قائم حينئذ».

وقال الشيخ أثير الدين (٧) : «قوله : فلا مجاز في قائم حينئذ ـ غير مسلم بل هو مجاز لأن قائما من صفات الأعيان لا من صفات الأحوال ، والمطابق للإخبار عن أخطب ـ

__________________

الدين. (انظر ترجمته وأخباره في الشعر والشعراء : ١ / ٣٩٥).

(١) انظر : رأيه في التذييل والتكميل (٣ / ٢٩٨) وليس في المقتضب.

(٢) التذييل والتكميل (٣ / ٢٩٥).

(٣) قال أبو علي (الإيضاح : ص ٧٨): «ومما يرتفع الاسم فيه بالابتداء قولهم : ضربي زيدا قائما ، وأكثر شربي السّويق ملتوتا ، وأخطب ما يكون الأمير قائما. فضربي وأكثر وأخطب مرتفع بالابتداء ، وقائما سدّ مسدّ خبر الابتداء ، والتقدير : ضربي زيدا إذا كان قائما وإذ كان قائما».

(٤) في النسخ : وقد فتح بابها تؤول الجملة ، ولا معنى له.

(٥) شرح التسهيل (١ / ٢٨٢).

(٦) التذييل والتكميل (٢ / ٢٩٨).

(٧) أثير الدين لقب للشيخ أبي حيان محمد بن يوسف النحوي. انظر ما قاله في التذييل والتكميل (٣ / ٢٩٦).

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أحوال الأمير أن يقال القيام كما يقال : أحسن أحوال زيد السرور ، ولا تقول السّارّ».

وقال الشيخ بهاء الدين (١) : ويجوز أن تجعل ما بمنزلة شيء ، والجملة التي هي يكون الأمير صفته والعائد محذوف خبر يكون الأمير ، ويكون ناقصة كان أصلها : أخطب أحوال يكون الأمير فيها قائما ، وتكون ما للعموم والكثرة كقوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ)(٢). ودليل وقوعها للجنس الإشارة إليها بقوله تعالى : (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ)(٣) وتكون ما حينئذ كناية عن الأحوال ، فيتوجه ما قاله الأخفش.

وقال الشيخ أثير الدين : «ويكون الإخبار بقائم أيضا مجازا ؛ إذ القائم من صفات الأعيان لا صفات الأحوال كما بيّنا» انتهى (٤).

وأشار المصنف بقوله : وفعل ذلك بعد مصدر صريح دون ضرورة ممنوع ـ إلى نحو قول القائل : ضربي زيدا قائم ، على تقدير : وهو قائم ؛ وحق هذا أن يمنع مطلقا ؛ لأنه شبيه بقولك : جاء زيد راكب ؛ لكن الضرورة أباحت حذف المبتدأ المقرون بالفاء في جواب الشرط ، وهو أصعب ، وإجازة حذف مبتدأ مقرون بواو الحال أولى.

ومثال حذف المبتدأ مقرونا بالفاء قول الشاعر :

٥٥٤ ـ بني ثعل لا تنكعوا العنز شربها

بني ثعل من ينكع العنز ظالم (٥)

أراد : فهو ظالم ، هذا كلام المصنف (٦) [١ / ٣٢٠].

قال الشيخ (٧) : «كان ينبغي أن لا يقول : دون ضرورة بل يقول : وفعل ذلك ـ

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢ ، ٣) سورةيونس : ١٨.

(٤) التذييل والتكميل (٣ / ٢٩٧).

(٥) البيت من بحر الطويل لرجل من بني أسد.

في اللسان (مادة : نكع): «نكعه حقّه حبسه عنه ، ونكعه الورد منعه إياه» ثم أنشد بيت الشاهد.

وشربها : حظها من الماء ، وبني ثعل : قبيلة.

ويستشهد به على : سقوط الفاء من جواب الشرط ، وما يليها أيضا من المبتدأ ، وهو ضرورة ، والتقدير :

فهو ظالم.

والبيت في شرح التسهيل (٢ / ٢٨٣) والتذييل والتكميل : (٣ / ٢٩٩) ومعجم الشواهد (ص ٣٤١).

(٦) شرح التسهيل لابن مالك (٢ / ٢٨٣).

(٧) التذييل والتكميل (٣ / ٢٩٩).

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد مصدر صريح ممنوع ؛ فإن أدّت الضّرورة إلى رفعه خبر مبتدأ محذوف ، وتكون الجملة حالا جاز ، قال : ولم يبين جهة الأصعبية ، ونقول : بل هو في الشرط أسهل ؛ لأنّ جواب الشّرط لا بد أن يكون جملة فلنا دليل على ما حذف.

وأما الحال السادة مسدّ الخبر ففيها خلاف : هل تقوم الجملة مقامها؟ كما سيأتي ، فلا دليل منها على ما يحذف» انتهى (١).

واعلم أن ابن الدهان (٢) أجاز رفع قائم في : ضربي زيدا قائما ـ على الخبرية لا على المعنى الذي تقدم ، بل على معنى أن تريد بقائم معنى ثابت دائما لا يتغير.

فيكون خبرا عن ضربي حقيقة ، كما تقول : الأمر بيننا قائم ، والحرب قائمة على ساق ، وهذا كما تقول : ضربي زيدا شديد ، ولا خلاف في جوازه (٣).

__________________

(١) المرجع المذكور في الهامش السابق وقد اختصره الشارح وحذف مهمّا في الكلام.

قال أبو حيان : أتقوم الجملة مقامهما أم لا يجوز إلا أن يكون صريح الاسم ؛ فعلى هذا لا مقتضى للجملة بخلاف جملة الشرط ؛ فإنها تطلب جملة الجواب وتقتضيه ؛ فإذا حذف منها شيء دلّ عليه الشّرط.

(٢) انظر هذا الرأي مسندا إلى ابن الدهان في التذييل والتكميل لأبي حيان (٢ / ٢٩٨).

(٣) قال ابن الدهان في كتابه شرح اللمع (٢ / ١١١) وهو المسمى بالغرة (مخطوط بدار الكتب رقم (١٧١) نحو تيمور ، والموجود منه الجزء الثاني فقط) :

فأما قولهم : ضربي زيدا قائما فتقديره : ضربي زيدا إذا كان قائما ، وإذ كان قائما ؛ فضربي مبتدأ وإذ أو إذا الخبر ، وهما ظرفان والعامل فيهما مستقر أو استقر ، وقائم حال من المضمر في كان وليس بخبر لكان ؛ لاستحالة وقوع المعرفة هنا فقائم الآن حال من مضمر مرفوع بفعل في موضع جر بإضافته إلى ظرف العامل فيها اسم فاعل محذوف أو فعل ، وذلك الظرف المحذوف كان الخبر للمبتدأ.

ولم يستجيزوا : ضربي زيدا مشيا ؛ لأن الحال هنا في موضع ضعيف فلم يتصرف فيها ، وأخطب ما يكون الأمير قائما تقديره : أخطب أوقات كون الأمير إذا كان قائما ، فلا يحتاج إلى عامل في إذا ؛ لأن أخطب وقت لإضافته إلى الوقت ، وإذا وقت فهو هو ؛ فإن لم تقدر الوقت محذوفا وجعلت أخطب مضافا إلى ما وجعلت ما عامة ؛ لأن أفعل لا تضاف إلى واحد لفظا ومعنى ، وكان تقدير ما يكون أكوانا ، فكان أن جعلت الأكوان خطيبة على الاتساع كان إذا متعلقا بمستقر أو استقر ؛ لأنه غير المصدر.

وقد وردت واقعة على العموم كقوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا)[يونس : ١٨] والوجه الأول أكثر ؛ لأن العرب كثيرا ما تتسع في الزمان ، فتجعل الفعل له. وعلى هذا قالوا : نهارك صائم ، قال الشاعر (من البسيط) :

أمّا النّهار ففي جوف وسلسلة

واللّيل في جوف منحوت من السّاج

فأما قولهم : هذا بسرا أطيب منه رطبا فتقديره هذا الشيء إذا كان بسرا أطيب منه رطبا.

٣١٤

[إعراب الاسم المرفوع بعد لو لا]

قال ابن مالك : (وليس التّالي لو لا مرفوعا بها ، ولا بفعل مضمر ؛ خلافا للكوفيّين ، ولا يغني فاعل المصدر المذكور عن تقدير الخبر إغناء المرفوع بالوصف المذكور ، ولا الواو والحال المشار إليهما ؛ خلافا لزاعمي ذلك).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : لما أنهى الكلام عن المواضع التي يجب فيها حذف الخبر ، وكان في بعض الصور المتقدمة خلاف ـ قصد الإشارة إليه هنا ، وقد تقدم الكلام على مضمون قوله : ويغني فاعل المصدر المذكور إلى آخره ، وعلى إغناء الحال عن الخبر في مسألة : ضربي زيدا قائما ، وعلى واو المصاحبة أيضا في مسألة : كل رجل وضيعته ؛ فلا حاجة لإعادته (١).

وأما المرفوع بعد لو لا (٢) فتقدم أنه مبتدأ ، وأن خبره محذوف وجوبا (٣) وذكر فيه هنا مذهبين آخرين :

أحدهما : أنه مرفوع بلولا ، وهو رأي الفراء.

والثاني : أنه مرفوع بفعل مضمر ، وهو رأي الكسائي ، ونبه على خلافهما بقوله : خلافا للكوفيين (٤).

قال المصنف (٥) : «والصحيح مذهب البصريين ؛ لأنه إذا كان مبتدأ محذوف ـ

__________________

(١) انظر مواضع حذف الخبر وجوبا.

(٢) قال أبو حيان : «المناسب ذكر قوله : «وليس التالي لو لا مرفوعا بها ، ولا بفعل مضمر ؛ خلافا للكوفيين» متصلا بقوله : «ووجوبا بعد لو لا الامتناعيّة غالبا» ، أما أن يفصل بذلك بين مسائل الحال السّادة مسدّ الخبر فغير سديد في التّصنيف».

(التذييل والتكميل : ٣ / ٣٠٠).

(٣) انظر في هذا التحقيق مواضع حذف الخبر وجوبا. الموضع الأول : خبر المبتدأ الواقع بعد لو لا الامتناعية.

(٤) انظر التذييل والتكميل (٣ / ٣٠٠) والهمع : (١ / ١٠٥) واقرأ ذلك بالتفصيل في المسألة العاشرة من مسائل الخلاف في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف : (١ / ٧٠) قال الشيخ كمال الدين الأنباري : ذهب الكوفيون إلى أنّ لو لا ترفع الاسم بعدها نحو : لو لا زيد لأكرمتك ، وذهب البصريون إلى أنه يرتفع بالابتداء ، ثم ذكر حجج كل فريق ورجح رأي الكوفيين ، قال : والصّحيح ما ذهب إليه الكوفيّون.

(٥) شرح التسهيل (٢ / ٢٨٤).

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الخبر كان نظير المقسم به في كونه مبتدأ محذوف الخبر للعلم به ، وسد الجواب مسده ؛ بل يكون أولى بصحة حذف الخبر ؛ لأن في لو لا إشعارا بالوجود المانع من ثبوت معنى الجواب ، والوجود الذي يشعر به هو المفاد بالخبر لو نطق به ، ففي حذف الخبر بعد لو لا من العذر ما في حذف خبر المقسم به وزيادة» قال :

«وأما القولان فمردودان ؛ لأنهما مستلزمان ما لا نظير له ؛ إذ ليس في الكلام حرف يرفع ولا ينصب ولا حرف التزم بعده إضمار فعل رافع ، ولا يقبل ما يستلزم عدم النظير مع وجدان ما له نظير».

وأيضا فإذا حكم على الواقع بعد لو لا بالابتداء كان المحذوف من الجملة مؤخرا ، وإذا حكم بفاعليته كان المحذوف منها مقدما ، والأواخر بالحذف أولى من الأوائل» انتهى (١).

ومما رد به مذهب الفراء أن الحرف لا يعمل إلا إذا اختص ، ولا خصوصية للو لا بقبيل دون قبيل فإنها كما دخلت على الاسم فيما تقدم ، فقد دخلت على الفعل في قول الشاعر : [١ / ٣٢١].

٥٥٥ ـ ألا زعمت أسماء ألّا أحبّها

فقلت بلى لو لا ينازعني شغلي (٢)

وفي قوله أيضا : ـ

__________________

(١) المرجع السابق ثم قال ابن مالك بعد ذلك :

«وأيضا فإنّ المبتدأ أصل المرفوعات على ما بين في فصل إعراب الاسم ، فأي موضع وجد فيه اسم مرفوع محتمل بالابتداء وغيره فالابتداء به أولى».

(٢) البيت من بحر الطويل مطلع قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي في الغزل (ديوان أبي ذؤيب (ص ١٠) ، ديوان الهذليين ص ٣٤) وبعده وهو جواب لو لا قوله :

جزيتك ضعف الود لمّا شكيته

وما إن جزاك الضعف من أحد قبلي

وأبو ذؤيب يذكر لحبيبته أنه يحبها ، وليس كما ادعت عليه ، وأنه لو لا عمله يشغله عنها لضاعف لها الود ، وجازاها به جزاء لم تره من أحد.

ويستشهد بالبيت على : أن لو لا غير عاملة لأنها لم تختص بالدخول على معين ، وإنما كما تدخل على الاسم تدخل على الفعل ، وفيه رد على الفراء القائل : إن الاسم بعد لو لا مرفوع بها ، وقد أجيب عن هذا الرد ، وفي المسألة كلام كثير انظره في الشرح.

والبيت لم يورده ابن مالك ولا أبو حيان ، وهو في معجم الشواهد (ص ٣٠٠).

٣١٦

٥٥٦ ـ قالت أمامة لما جئت زائرها

هلّا رميت ببعض الأسهم السّود

لا درّ درّك إنّي قد رميتهم

لو لا حددت ولا عذرى لمحدود (١)

وقد أجاب الكوفيون عن ذلك بأن لو لا الامتناعية لم تدخل على الفعل ، وإنما هذه لو دخلت على لا الواقعة موقع لم ، و (لا) تقع موقع لم بدليل قوله تعالى : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى)(٢) ورد هذا الجواب بمنع أن لا واقعة موقع لم ، والأصل عدم ذلك.

والفرق بينها وبين الآية الكريمةأن مجيء لكن بعدها في الآية الشريفة (٣) دل على أن المراد بها لم ، ولا دليل هنا في البيت ، فبقي على أصله.

واعلم أن دعوى عدم خصوصية لو لا الامتناعية بالأسماء ممنوعة ، وأما كون الفعل يليها واستشهادهم بما أنشدوه. فقد قال المصنف في قول الشاعر :

٥٥٧ ـ ولو لا يحسبون الحلم عجزا

لما عدم المسيئون احتمالي (٤)

إن التقدير : ولو لا أن يحسبوا ، فحذف أن ورفع الفعل والموضع موضع المبتدأ على تقدير أن كما قالوا : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه (٥).

فكذا يكون التقدير في لو لا ينازعني : لو لا أن ينازعني شغلي. وأما هى في : لو لا ـ

__________________

(١) البيتان من بحر البسيط ، وهما في الاعتذار ووصف الحال ، قالهما الجموح الظفري كما في مراجعهما ، وقيل : هما لراشد بن عبد الله السلمي.

اللغة : أمامة : اسم زوجته. الأسهم السود : النبال المعلمة بسواد. لا درّ درّك : دعاء عليها أي لا كان فيك خير ولا أتيت بخير. حددت : بالبناء للمجهول أي : حرمت ومنعت. عذرى : المعذرة. لمحدود : لممنوع ومحبوس عن القتال.

والمعنى : تعاتبه زوجته على جبنه وانسحابه من القتال ، فقال لها : لقد قاتلت أعدائي واجتهدت في قتالهم ، ولكني حرمت النصر عليهم ، ولا يقبل عذر المحروم. وشاهده كالذي قبله.

والشاهد في معجم الشواهد (ص ١٢١) ولم يورده ابن مالك ولا أبو حيان.

(٢) سورةالقيامة : ٣١.

(٣) أي في الآية التي بعدها ، وهي قوله تعالى : (وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى)[القيامة : ٣٢].

(٤) البيت من بحر الوافر قائله مجهول ، وهو في الفخر بالحلم والشجاعة.

وشاهده : كالذي قبله وهو دخول لو لا على الجملة الفعليه وقد أولوه كما في الشرح.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٨٤) ، وليس في معجم الشواهد.

(٥) شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٢٨٤) ، وهذا آخر كلامه ، والمثل يضرب لمن مآثره وأخباره خير من منظره ومرآه (مجمع الأمثال ١ / ٢٢٧) وقد مر المثل عند ذكر علامات الاسم.

٣١٧

[الحال السادة مسد الخبر ووقوعها جملة]

قال ابن مالك : (ولا يمتنع وقوع الحال المذكورة فعلا ؛ خلافا للفرّاء ، ولا جملة اسميّة بلا واو ، وفاقا للكسائي ويجوز إتباع المصدر المذكور ، وفاقا له أيضا).

______________________________________________________

حددت ، فقد جعل المصنف أنها بمعنى لو لم ، وأن المعنى لو لم أحد ، وأنها حينئذ يلزم أن يليها الفعل.

قال : ومجيء لا بمعنى لم كثير ، ومنه قول الراجز :

٥٥٨ ـ لاهمّ إنّ الحارث بن جبلة

زنا على أبيه ثمّ قتله

وكان في جار له لا عهد له

وأيّ شيء سيّئ لا فعله (١) ، (٢)

فإذا كان كذلك فلا يثبت الرد على الفراء بعدم الخصوصية ، ومما رد به مذهب الكسائي أن ما ذكره دعوى مجردة من الدليل ، فكيف يصار إليها مع أن الأصل عدم الإضمار؟ وسيأتي الكلام على لو لا هذه ، وعلى بقية المذاهب في الاسم الواقع بعدها في أثناء الكتاب إن شاء الله تعالى.

قال ناظر الجيش : اعلم أنهم اختلفوا : هل تقع هذه الحال السادة مسد الخبر جملة أو لا؟

فأما الجملة الفعلية فأجاز وقوعها حالا أبو الحسن والكسائي وهشام (٣) ، ونقل ابن خروف عن سيبويه المنع (٤) ، واختلف في النقل عن الفراء ، فحكى ابن خروف عنه الجواز ـ

__________________

(١) الأبيات من الرجز المشطور ، قال السيوطي (شرح شواهد المغني : ٢ / ٦٢٤) : هي لابن العفيف العبدي ، أو لعبد المسيح بن عسلة ، قالها في الحارث بن أبي شمر الغساني الأعرج من بني دبيلة ، وكان إذا أعجبته امرأة من قيس أرسل إليها فاغتصبها ، حتى قيل فيه أبيات منها :

اعلم وأيقن أنّ ملكك زائل

واعلم بأنّ كما تدين تدان

اللغة : زنا على أبيه : أي ضيق عليه. ومعنى الأبيات : أنه ارتكب كثيرا من السوآت.

وشاهده : قوله : وأي شيء سيئ لا فعله ؛ حيث أن لا النافية إذا دخلت على الفعل الماضي لفظا ومعنى وجب تكرارها ؛ فهي هنا شاذة ، وأجيب بأن لا بمعنى لم ، والماضي بمعنى المضارع ، ومجيء لا بمعنى لم كثير.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٨٤) ، وفي معجم الشواهد (ص ٥٢٠).

(٢) انظر شرح التسهيل (١ / ٢٨٤) وهو آخر كلامه.

(٣) التذييل والتكميل (٣ / ٣٠٥) والهمع : (١ / ١٠٦).

(٤) انظر تعليقا من الشارح وتعليقا من المحقق على هذا القول في الصفحة القادمة.

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ونقل المصنف عنه المنع ، وكذلك ابن عصفور (١) قال الشيخ : «وهو الصّحيح» (٢).

قال المصنف (٣) : «وإنما منع الفراء ذلك فرارا من كثرة مخالفة الأصل ، وذلك أن الحال إذا سدت مسد الخبر فهو على خلاف الأصل ، وإذا وقع الفعل موقع الحال فهو على خلاف الأصل ؛ فلا ينبغي أن يحكم بجوازه ؛ لأنه مخالفة بعد مخالفة ، قال :

وهذا الذي اعتبره قد دأبت العرب على أنه غير معتبر بوقوع الجملة الاسمية موقع الحال المذكورة ، فلو لم تقع الجملة الفعلية موقع الحال المذكورة ثقلا ـ لجاز وقوعها قياسا على وقوع الجملة الاسمية ، ومع ذلك فقد سمع عن العرب وقوع الجملة الفعلية موقع الحال المذكورة ، ومن ذلك قول الشاعر أنشده سيبويه رحمه‌الله تعالى (٤).

٥٥٩ ـ ورأي عينيّ الفتى أباكا

يعطي الجزيل فعليك ذاكا (٥)»

[١ / ٣٢٢] انتهى (٦).

قلت : وإنشاد سيبويه هذا البيت يدفع ما ذكره ابن خروف عنه من المنع إلا أن يكون سيبويه أتى به شاهدا لغير ذلك (٧). ـ

__________________

(١) لم يتكلم ابن عصفور في هذا الموضع طويلا (الجمل : ١ / ٣٣٦ ، المقرب : ١ / ٨٥) ولم ينسب رأيا لصاحبه ، فمن أين نقل عنه الشارح هذه النسبة؟ لعل كتبا أخرى كانت له لم نطلع عليها.

(٢) التذييل والتكميل : (٣ / ٣٠٥) أي النقل عن الفراء بمنع وقوع الجملة الفعلية حالا هو الصحيح.

(٣) شرح التسهيل (١ / ٢٨٥).

(٤) الكتاب : (١ / ١٩١). ومما رواه أيضا في ذلك مع البيت قول العرب : «سمع أذني زيدا يقول ذاك».

(٥) البيتان من الرجز المشطور وهما لرؤبة بن العجاج في المدح (ديوان رؤبة : ص ١٨١) وقبلهما :

تقول بنتي قد أنى أناكا

يا أبتا علّك أو عساكا

وفي الديوان : إياك مكان أباكا وهو خطأ.

والشاعر يقول لصاحبه : إن عيني رأت أباك ، وهو يعطي العطاء الجزيل فالزم طريقته وتشبه به ، فإن الولد سر أبيه ، ومن يشابه أبه فما ظلم ، وهو من أبرع المدح.

واستشهد به الشارح على : مجيء الحال الذي يسد مسد الخبر جملة فعلية : فرأي مصدر مبتدأ ، ويعطي جملة فعلية حال سدت مسد الخبر.

والبيتان في شرح التسهيل (١ / ٢٨٥) وفي التذييل والتكميل : (٣ / ٣٠٦) وفي معجم الشواهد (ص ٥١٣) وفي كتاب سيبويه : (١ / ١٩١).

(٦) شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٢٨٥).

(٧) نعم ، أتى به سيبويه في كتابه شاهدا لغير ذلك. أتى به في معرض الحديث عن عمل المصدر عمل الفعل المضارع ، وذكر أن المصدر يأتي على أنواع ثلاثة : منونا : كقوله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ)[البلد : ١٤ ، ١٥] ومقترن بأل كضعيف النكاية أعداءه ، ومضاف : وهو

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال ابن عصفور : «الّذي يمنعه الفراء الفعل المضارع المرفوع» (١) وعلله بأن النصب الذي في المفرد عوض من التصريح بالشرط والمستقبل المرفوع ليس في لفظه ما يكشف مذهب الشرط.

قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس : «وما ذكره ابن عصفور من التّعليل لمذهب الفرّاء يقتضي أنّ الفرّاء يمنع أيضا الجملة الاسميّة ؛ لأنها لا يظهر في لفظها النّصب أيضا. قال الشيخ بعد نقل الخلاف في هذه المسألة : «والصحيح الجواز لورود ذلك عن العرب» (٢) وأنشد البيت المتقدم ، وقول الآخر :

٥٦٠ ـ عهدي بها في الحيّ قد سربلت

بيضاء مثل المهرة الضّامر (٣)

وأما الجملة الاسمية فإما أن تكون مصحوبة بالواو أو لا.

إن صحبتها الواو فنقل ابن خروف أن مذهب سيبويه والأخفش المنع ، قال (٤) :

«مذهب سيبويه أنّ الحال لا تسدّ مسد الخبر إلّا إذا كانت منصوبة» ، وكلام المصنف في الشرح يقتضي أنه لا خلاف في جواز ذلك ، فإنه قال : «حكى ابن كيسان : مسرّتك أخاك قائما أبوه ، ثم قال : فإن قلت : مسرتك أخاك هو قائما ـ

__________________

نوعان : مضاف للمفعول ثم يرفع الفاعل ، ومثل له بقوله : عجبت من كسوة زيد أبوه ، ومضافا للفاعل ثم ينصب المفعول كالبيت المذكور شاهدا (الكتاب : ١ / ١٩١).

(١) التذييل والتكميل (٣ / ٣٠٦).

(٢) التذييل والتكميل (٣ / ٣٠٦).

(٣) البيت من بحر السريع من قصيدة طويلة للأعشى ، وهي في ديوانه (ص ٩٢) ، يهجو فيها علقمة ابن علاثة ، ويمدح عامر بن الطفيل في المنافرة التي جرت بينهما ، وكلها من الشعر القوى وإن امتلأت بالغريب ، وقد بدأها بالغزل ووصف الديار ، وفي بيت الشاهد يصف فتاته وبعده :

قد نهد الثّدي على صدرها

فى مشرق ذي صبح نائر

لو أسندت ميتا إلى نحرها

عاش ولم ينقل إلى قابر

حتّى يقول النّاس ممّا رأوا ...

يا عجبا من ميّت ناشر

وقوله : سربلت : أي لبست السربال ، ورواية الديوان : هيفاء مكان بيضاء ، وامرأة هيفاء : ضامرة البطن رقيقة الخاصرة. المهرة : أنثى المهر وهو ولد الفرس يشبهون به النساء في الرقة ، والضمور : لطافة الجسم ونحافته.

وشاهده قوله : عهدي بها في الحي قد سربلت ، حيث وقعت الجملة الفعلية حالا ، وقد سدت مسد خبر المبتدأ.

والبيت في التذييل والتكميل (٣ / ٣٠٦). وفي معجم الشواهد (ص ١٩٢).

(٤) التذييل والتكميل (٣ / ٣٠٦).

٣٢٠