شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٢

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠

[أنواع أل]

قال ابن مالك : (فإن عهد مدلول مصحوبها بحضور حسيّ أو علميّ ، فهي عهدية وإلّا فجنسية).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : قال المصنف (١) : أشرت بالحضور الحسي إلى حضور ما ذكر كقوله تعالى [١ / ٢٨٧] : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)(٢) ، وإلى حضور ما أبصر كقولك لمن سدد سهما : القرطاس والله ، وبالحضور العلمي إلى نحو قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)(٣) ، و (إِذْ هُما فِي الْغارِ)(٤) ، و (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً)(٥) ، و (إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)(٦).

ثم قلت : وإلا فجنسيّة أي : إلا يكن المدلول عليه بمصحوب الأداة معهودا بأحد الحضورين المبينين بالأداة فهي جنسية. انتهى (٧).

وعرف من كلامه أن أل قسمان : عهدية وجنسية ، وأن المعهود قسمان : معهود حسا إما بالذكر أو بالأبصار. أو معهود علما والمراد به ما بينك وبين المخاطب عهد فيه.

وهذا الذي ذكره المصنف من أن أل قسمان : عهدية وجنسية هو كلام أكثر النحاة ، وهو مستفاد جار على ألسنة المعربين والمفسرين.

وذهب أبو الحجاج يوسف بن معزوز (٨) إلى أن أل عهدية لا غير. كذا نقل الشيخ ذلك عنه (٩). قلت : ولا يبعد عن الصواب. ـ

__________________

ولا معنى كلاميّا ، وإنما ذلك هوس وتضييع ورق ومداد ووقت تسطر فيه ذلك والخلاف إذا لم يفد اختلافا في كيفيّة تركيب أو معنى يعود إلى أقسام الكلام ينبغي ألّا يتشاغل به».

(التذييل والتكميل : ٣ / ٢٣٠).

(١) شرح التسهيل (١ / ٢٥٧).

(٢) سورةالمزمل : ١٥ ، ١٦.

(٣) سورةالمائدة : ٣.

(٤) سورةالتوبة : ٤٠.

(٥) سورةالنازعات : ١٦.

(٦) سورةالفتح : ١٨.

(٧) شرح التسهيل : (١ / ٢٥٨).

(٨) هو أبو الحجاج يوسف بن معزوز القيسي المرسي ، عالم بالعربية من أهل الجزيرة الخضراء بالأندلس ، انتقل أخيرا إلى مرسية وأقرأ بها وتوفي بها أيضا سنة (٦٢٥ ه‍). له : شرح الإيضاح للفارسي ، والتنبيه على أغلاط الزمخشري في المفصل وما خالف فيه سيبويه. (انظر ترجمته في الأعلام : ٩ / ٣٣٤).

(٩) التذييل والتكميل (٣ / ٢٢١).

٢٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد ذكر السكاكي (١) في كتابه الموسوم بالمفتاح : أن دلالة أل بالوضع إنما هي العهد لا غير وإن استفيد من الكلام غير ذلك كالاستغراق مثلا ، فإنما ذلك من قرائن خارجية. وبحث ذلك وقرره أحسن تقرير ، وعلى الناظر تطلبه إن رام ذلك (٢).

ثم القائلون بأنها عهدية وجنسية قالوا : يعرض للعهدية الغلبة ولمح الصفة (٣).

ويعرض للجنسية الحضور قالوا : والحضور يكون في أربعة مواضع :

بعد إذا الفجائية نحو : خرجت فإذا الأسد ، وبعد أسماء الإشارة نحو : مررت بهذا الرجل ، وفي النداء نحو : يا أيها الرجل ، وفي الزمان الحاضر نحو : الآن والساعة وما في معناهما ، هكذا ذكروا.

ولا يخفى أن أل لا مدخل لها في إفادة الغلبة ، والذي حصلت له الغلبة إنما هو الاسم بتمامه الذي كان معرفا تعريف العهد ، وكان صادقا على كل من اتصف بذلك العهد ، ثم عرض له الاختصاص بأحد المدلولات من جهة الاستعمال ، وإذا ـ

__________________

(١) هو يوسف بن أبي بكر بن محمد أبو يعقوب السكاكي ، من أهل خوارزم ، إمام في العربية والمعاني والبيان والأدب والعروض والشعر ، متكلم ثقة وهو أحد أفاضل العصر الذين سارت بذكرهم الركبان ، ولد سنة (٥٥٤ ه‍) ، وقد صنف مفتاح العلوم في اثني عشر علما أحسن فيه كل الإحسان ، قال السيوطي فيه : من رأى مصنفه علم تبحره ونبله وفضله. مات بخوارزم سنة (٦٢٦ ه‍).

انظر ترجمته في : بغية الوعاة (٢ / ٣٦٤) معجم الأدباء (٢٠ / ٥٩).

(٢) قال السكاكي في معرض تعريف المسند إليه : وأما الحالة التي تقتضي التعريف باللام فهي متى أريد بالمسند إليه نفس الحقيقة كقوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ)[الأنبياء : ٣٠] وكقولك :

الرجل أفضل من المرأة ، وكقول الشاعر (من الكامل) :

ولقد أمر على اللّئيم يسبّني

فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني

فعرف اللئيم ، والمعنى : ولقد أمر على لئيم من اللئام ، ولذلك تقدر يسبني وصفا لا حالا ، أو يقصد بتعريفه العموم والاستغراق قوله عزوجل : (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)[العصر : ١ ـ ٣] وقوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)[المائدة : ٣٨] وقوله : (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى)[طه : ٦٩] أو كان للمسند إليه حصة معهودة من الحقيقة ، كقوله تعالى : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)[المزمل : ١٥ ، ١٦].

انظر : مفتاح العلوم للإمام أبي يعقوب السكاكي ، طبعة مصطفى البابي الحلبي (ص ٨٠).

(٣) مثال أل العهدية التي عرضت لها الغلبة أل التي في «البيت» المقصود به الكعبة ، والتي في «النّجم» المقصود به الثريّا ، و «المدينة» لطيبة ، ومثال أل العهدية التي عرض لها لمح الصفة قولك : العبّاس ، الضّحّاك ، الحارث.

٢٤٢

[حكم أل التي للجنس]

قال ابن مالك : (فإن خلفها كلّ دون تجوّز فهي للشّمول مطلقا ، ويستثنى من مصحوبها ، وإذا أفرد فاعتبار لفظه فيما له من نعت وغيره أولى ؛ فإن خلفها تجوّزا فهي [١ / ٢٨٨] لشمول خصائص الجنس على سبيل المبالغة).

______________________________________________________

كان كذلك فلم يعرض للعهدية غلبة.

وأما أن أل لها مدخل في لمح الصفة ، فأبعد لأنها لم تفد لمح صفة ، والذي لمح الصفة إنما هو المتكلم لمح ما كان عليه الاسم قبل نقله إلى العلمية ، وهي حالة التنكير فأدخل أل عليه بعد العلمية لا لإفادة تعريف ولا غيره ، بل شبه حاله بعد العلمية بحاله قبلها ، فأجاز فيه بعد ما كان يجوز قبل ، هكذا أفهم معنى قولهم : لمح الصفة.

وقال الشيخ (١) : وعن بعضهم أنها مع كونها للمح الصفة للعهد ، وفيه نظر (٢).

وأما ما ذكروه من أن الجنسية يعرض لها الحضور فلم أتحققه ، والذي يظهر أن أل للعهد والحضور مستفاد من الحضور ، أعني من حضور من دخلت على اسمه أل بمجلس المتكلم إمّا حسّا كما في : فإذا الأسد ، وبهذا الرجل ، ويا أيها الرجل ، وإمّا معنى كما في الآن والساعة. وكما أن العهد يتعلق بمعهود سابق هكذا يتعلق بمعهود حاضر ، بمعنى أنه بسبب حضوره صار معهودا ؛ لأن المراد بالمعهود تقدم شعور الذهن به قبل ذكره ، ولا شك أن الحاضر حال حضوره يستشعر به الذهن ، فيصير حكمه حكم من تقدم الشعور به دون حضور قبل ذكره.

قال ناظر الجيش : اعلم أن أصحاب أهل المعاني (٣) ذكروا أن أل إما أن يراد بها العهد كما في قوله تعالى : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)(٤) ، وإما أن يراد بها نفس الحقيقة كقولك : الرجل خير من المرأة ، والدينار خير من الدرهم ، وإما أن يراد بها الاستغراق ، كقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ)(٥).

قالوا : وقد تأتي لتعريف شيء باعتبار عهديته في الذهن لمطابقته الحقيقة ، ـ

__________________

(١) التذييل والتكميل (٣ / ٢٣٢).

(٢) النظر المذكور هو أن أل التي للعهد معرفة ، وأل التي للمح الصفة زائدة.

(٣) انظر مفتاح العلوم للسكاكي (ص ٨٠).

(٤) سورةالمزمل : ١٥ ، ١٦.

(٥) سورةالعصر : ٢.

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

كقولك : أدخل السوق ، وليس بينك وبين مخاطبك معهود في الخارج.

والحاصل : أن المراد باسم الجنس المعرف باللام إما نفس الحقيقة لا ما يصدق عليه من الأفراد وتسمى اللام فيه لام الجنس ولام الحقيقة (١).

قالوا : ونحوه : علم الجنس نحو أسامة ، وإما فرد معين واللام فيه للعهد الخارجي (٢) ، ونحوه : العلم الخاص كزيد ، وإما فرد غير معين واللام فيه للعهد الذهني (٣) ، ونحوه : النكرة كرجل ، وإما كل الأفراد وهو الاستغراق (٤). ونحوه : لفظ كل مضافا إلى النكرة ، كقولنا : كل رجل. هذا كلامهم وهو أقرب إلى التحرير والضبط من الذي ذكره النحويون في هذا الفصل (٥).

وقد عرفت مختار السكاكي في المسألة ، ولا شك أنه أورد ذلك في كتابه وأطال البحث فيه ، والذي تلخص منه أن اللام إنما هي للعهد لا غيره. ثم العهد عنده قسمان : تحقيقي وحكمي ، فالتحقيقي : نحو قوله تعالى : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)(٦).

ونحو أن تقول : انطلق الرجل والمنطلق ذو جد. والحكمي : هو الذي تنزل منزلة الحقيقي بأحد طرق أشار إليها في كلامه. والتعريف الحقيقي عنده أحد قسمي تعريف العهد. والاستغراق إنما هو مستفاد من المقام إذا كان المقام خطابيّا على أن كلامه محتمل للبحث وبعض أدلته مخدوشة (٧). ـ

__________________

(١) وذلك كقوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ)[الأنبياء : ٣٠].

(٢) وذلك كقوله تعالى : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)[المزمل : ١٥ ، ١٦].

(٣) كقوله تعالى : (إِذْ هُما فِي الْغارِ)[التوبة : ٤٠].

(٤) وذلك كقول الله تعالى : (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ)[العصر : ١ ، ٢].

(٥) انظر أيضا من أنواع أل المعرفة ما ذكره في باب العلم عند شرح هذا المتن. ومثله ما قارنت الأداة نقله أو ارتجاله وفي المنقول من مجرد صالح لها ملموح به الأصل وجهان.

وقال أبو حيان : وقسم بعض أصحابنا أل ستة أقسام : ١ ـ أن تكون لتعريف العهد في شخص أو جنس.

٢ ـ أن تكون لتعريف الحضور. ٣ ـ أن تكون للغلبة. ٤ ـ أن تكون للمح الصفة.

٥ ـ أن تكون بمعنى الذي والتي. ٦ ـ أن تكون زائدة. (التذييل والتكميل : ٣ / ٢٣٥).

(٦) سورةالمزمل : ١٥ ، ١٦.

(٧) قال السكاكي : «واعلم أن القول بتعريف الحقيقة باللام واستغراقها مشكل ، فإذا قلنا : المراد بتعريف الحقيقة القصد إليها وتمييزها من حيث هي هي لزم أن يكون أسماء الأجناس معارف ، وهو قول لم يقل به أحد ، ولزم أن

٢٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

إذا عرفت ذلك فالمصنف قد ذكر : أن أل إما للعهد وإما للجنس ، ثم شرع الآن في ذكر أنها للاستغراق. وذكر أن الاستغراق قسمان : حقيقي : وهو الذي يخلف أل فيه كلّ حقيقة ، ومجازي : وهو الذي يخلفها فيه كل مجازا ، فإذا كان الاستغراق حقيقيّا كانت لشمول الأفراد ، ويلزم من شمول الأفراد شمول الخصائص ، وإن كان الاستغراق مجازيّا كانت أل لشمول الخصائص فقط.

فمثال التي يخلفها كل دون تجوز ، نحو قوله تعالى : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً)(١).

قال المصنف (٢) : «والمراد بكون الشمول مطلقا عموم الأفراد والخصائص بخلاف التي يخلفها كلّ على سبيل التجوز نحو : زيد الرجل ، بمعنى الكامل في الرجولية الجامع لخصائصها ؛ فإن هذا تجوز لأجل المبالغة ، ويستعملون كلّا بهذا المعنى تابعا وغير تابع ، فيقولون : زيد كلّ الرجل وزيد الرجل كل الرجل ، وحكى الفراء عن العرب أطعمنا شاة كلّ شاة ، والشمول الحقيقي هو الأصل ، ولذلك استغنى عن قرينة ولم يستغن الثاني عنها» انتهى.

وذكر المصنف : أن أل [١ / ٢٨٩] إذا كانت للشمول مطلقا تختص بحكمين وهما : الاستثناء من مصحوبها ، وأنه إذا كان مفردا جاز اعتبار لفظه وهو الأولى ، واعتبار معناه. ـ

__________________

يكون اللام في الرجل أو نحو الضرب لتأكيد تعريف الحقيقة إذا لم يقصد العهد ، وهو قول لم يقل به أحد».

«وإذا قلنا : المراد بتعريف الحقيقة القصد إليها حال حضورها أو تقدير حضورها لم يمتز عن تعريف العهد لوارد بالتحقيق أو بالتقدير ؛ لأن تعريف العهد ليس شيئا غير القصد إلى الحاضر في الذهن حقيقة أو مجازا كقولك : جاءني رجل فقال الرجل كذا. وانطلق رجل إلى موضع كذا. والمنطلق ذو جد ، وإذا قلنا : المراد بتعريف الحقيقة هو الاستغراق لزم في اللام كونها موضوعة لغير التعريف إذا تأملت ، ولزم مع ذلك أن يكون الجمع بينها وبين لفظ المفرد جمعا بين المتنافيين».

ثم قال : «والأقرب بناء على قول بعض أئمة أصول الفقه بأن اللام موضوعة لتعريف العهد لا غير هو أن يقال : المراد بتعريف الحقيقة أحد قسمي التعريف ، وهو تنزيلها منزلة المعهود بوجه من الوجوه الخطابية إما لأن ذلك الشيء محتاج إليه على طريق التحقيق ، فهو لذلك حاضر في الذهن ، فكأنه معهود ، أو على طريق التهكم ، وإما لأنه عظيم الخطر معقود به الهمم وقلما ينسى ، وإما لأنه لا يغيب عن الحس فهو حاضر ، وإما لأنه جار على الألسن كثيرا لوروده في الكلام ، وإما لأن أسبابا في شأنه متآخذة ، أو غير ذلك مما يجري مجرى هذه الاعتبارات ، فتقام الحقيقة لذلك مقام المعهود ويقصد إليها بلام التعريف». (مفتاح العلوم : ص ٩٣).

(١) سورةالنساء : ٢٨.

(٢) شرح التسهيل (١ / ٢٥٨).

٢٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فمثال الاستثناء : قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)(١) ، والاستثناء مما يستدل به على أن أل للاستغراق ؛ لأنها لو لم تقتض شمول الحقيقة والإحاطة بأفرادها لم يستثن (الَّذِينَ آمَنُوا) من المعرف بها وهو (الْإِنْسانَ.)

وأما الحكم الثاني : وهو مراعاة اللفظ تارة والمعنى أخرى ، فقد قيده بقوله : وإذا أفرد ، وإنما قيده بذلك ؛ لأن أل تدخل على المثنى وعلى المجموع. فمثال دخولها على المثنى قولهم : نعم الرّجلان الزّيدان.

قال الشيخ (٢) : فأل فيه جنسية وقد دخلت على المثنى ، ومثل الشيخ دخولها على الجمع بقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)(٣) قال : وهو كثير (٤).

ولم يظهر لي التمثيل الذي ذكره :

أما نعم الرجلان فليست أل فيه للاستغراق ، وإنما هي للجنس ، ولا يلزم من الجنس الاستغراق (٥).

وأما الآية الشريفة وهي : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) فأل الداخلة على المؤمنين موصولة ، فالعموم بالموصولية ، والذي يظهر أن المصنف إنما احترز بقوله : وإذا أفرد من الجمع خاصة لا من المثنى ، ومثال ذلك : أكرم الرجال ، فأل فيه للاستغراق والمراد به : كل فرد ، ومراعاة لفظه في نعته وغير نعته واجبة.

ومثال الإفراد وقد روعي فيه اللفظ : قوله تعالى : (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ)(٦) ، وقوله تعالى: (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى)(٧).

ومثال الإفراد وقد روعي فيه المعنى دون اللفظ : قوله تعالى : (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ

__________________

(١) سورةالعصر : ١ ـ ٣.

(٢) التذييل والتكميل (٣ / ٢٣٦).

(٣) سورةالمؤمنون : ١.

(٤) التذييل والتكميل (٣ / ٢٣٦).

(٥) انظر ما ذكره في أول الشرح لهذا الموضع من أنواع أل وأمثلته. قال : «إن المراد باسم الجنس المعرف باللام إما نفس الحقيقة لا ما يصدق عليه من الأفراد ، وتسمى اللام فيه للجنس. وإما فرد معين واللام فيه للعهد ، وإما كل الأفراد ولامه للاستغراق ، ونحو لفظ كل مضافا إلى النكرة».

(٦) سورةالنساء : ٣٦.

(٧) سورةالليل : ١٥ ـ ١٨.

٢٤٦

[أل الزائدة ومواضع الزيادة]

قال ابن مالك : (وقد تعرض زيادتها في علم وحال وتمييز ومضاف إليه تمييز ، وربما زيدت فلزمت ، والبدلية في نحو : ما يحسن بالرّجل خير منك ـ أولى من النّعت والزّيادة ، وقد تقوم في غير الصّلة مقام ضمير).

______________________________________________________

لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ)(١). وحكى الأخفش : أهلك النّاس الدّينار الحمر والدّرهم البيض ، ومنه قولهم : ما هو من الأحد ، أي من الناس ، وأنشد اللحياني (٢) :

٥١٩ ـ وليس يظلمني في وصل غانية

إلّا كعمرو وما عمرو من الأحد (٣)

قال اللحياني : «ولو قلت ما هو من الإنسان تريد من النّاس أصبت» (٤).

قال ناظر الجيش : اشتمل هذا الكلام على حكمين لأل ، وهما زيادتها وأنها تقوم مقام الضمير ، أما زيادتها فذكر أنها تزاد في أربعة مواضع :

أحدها : في العلم :

كقول الشاعر :

٥٢٠ ـ ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا

ولقد نهيتك عن بنات الأوبر (٥)

أراد : بنات أوبر ، وهو علم لضرب من الكمأة.

وكقول الآخر : ـ

__________________

(١) سورةالنور : ٣١.

(٢) سبقت ترجمته.

(٣) البيت من بحر البسيط لم ينسب فيما ورد من مراجع.

اللغة : الغانية : المرأة التي تطلب ولا تطلب ، أو الغنية بحسنها عن الزينة ، أو الشابة العفيفة ذات زوج أم لا. من الأحد : من الناس.

والمعنى : يهجو الشاعر صاحبه عمرا ؛ لأنه ينافسه في حبه ويأخذ منه فتاته. وشاهده واضح من الشرح.

البيت في معجم الشواهد (ص ١١٩) ، وشروح التسهيل لابن مالك (١ / ٢٥٩) وللمرادي (١ / ٢٦٥) ، ولأبي حيان (١ / ٧٧٧).

(٤) انظر فيما روي عن الأخفش واللحياني : شرح التسهيل (١ / ٢٩١) ، والتذييل والتكميل (٣ / ٢٣٦).

(٥) البيت من بحر الكامل سبق الاستشهاد به في أول باب المعرفة والنكرة من هذا التحقيق.

وشاهده هنا : زيادة أل في العلم في قوله : ولقد نهيتك عن بنات الأوبر. وانظر الشرح.

٢٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

٥٢١ ـ أما ودماء لا تزال مراقة

على قنّة العزّى وبالنّسر عند ما (١)

أراد : ونسرا وهو صنم ، وكقول الآخر :

٥٢٢ ـ باعد أمّ العمرو من أسيرها

حرّاس أبواب على قصورها (٢)

وكقول الآخر :

٥٢٣ ـ عوير ومن مثل العوير ورهطه

وأسعد في ليل البلابل صفوان (٣)

[١ / ٢٩٠] ثانيها : في الحال :

كقراءة بعض القراء : ليخرجن الأعز منها الأذل (٤) أي : ليخرجن الأعز منها ذليلا. وكقول بعض العرب : ادخلوا الأوّل فالأول أي : أولا فأولا ومنها قول الشاعر : ـ

__________________

(١) البيت من بحر الطويل قاله عمرو بن عبد الجن التنوخي ، كان فارسا في الجاهلية شجاعا وهو أول أبيات ثلاثة قالها مفتخرا بانتصاره ، وجواب القسم في بيت الشاهد هو قوله في البيت الثالث :

لقد هزّ منّي عامر يوم لعلع

حساما إذا ما هزّ بالكفّ صمّما

اللغة : قنّة العزّى : أعلاها ، والعزى اسم صنم مشهور كان يعبده أهل الجاهلية ، والنسر : صنم آخر. وقد جاء اسم الصنمين في القرآن. العندم : شجر يصبغ به ، وقيل : هو الدم بين الأخوين.

المعنى : يحلف عمرو بالدماء الغالية التي كانت تراق وتذبح على رءوس هذه الأصنام إنه كان شجاعا عند ما التقى هو وعامر للقتال والمبارزة.

الإعراب : ودماء : الواو للقسم ودماء مقسم به مجرور. عند ما : منصوب على الحال من الظرف قبله ، أو خبر آخر لتزال. وشاهده : زيادة أل في العلم.

البيت في معجم الشواهد (ص ٣٣٠) وشرح التسهيل (١ / ٢٥٩) والتذييل والتكميل (٣ / ٢٣٧).

(٢) البيتان من الرجز المشطور وهما في الغزل ، قالهما أبو النجم العجلي.

والاستشهاد : قد سبق الاستشهاد بهما في باب العلم ؛ لجواز دخول أل على العلم بعد افتراض تنكيره.

وهنا استشهد به لنفس الغرض وهو : جواز زيادة أل في العلم.

(٣) البيت من بحر الطويل قاله امرؤ القيس بن حجر الكندي يمدح عوير بن شجنة بن عطارد من بني تميم من قصيدة له في الديوان (ص ٨٣).

اللغة : عوير : اسم الممدوح. رهطه : قومه وهم بنو عوف. ليل البلابل : ليل الهموم والأفكار. صفوان :

علم على ممدوحه أيضا.

وشاهده : زيادة أل في العلم (العوير) والبيت ليس في معجم الشواهد ، وهو في التذييل والتكميل (٣ / ٢٣٧).

(٤) سورةالمنافقون : ٨. وانظر القراءة في التبيان في إعراب القرآن : (٢ / ١٢٣٤).

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

٥٢٤ ـ دمت الحميد فما تنفكّ منتصرا

على العدا في سبيل المجد والكرم (١)

ثالثها : في التمييز :

٥٢٥ ـ رأيتك لمّا أن عرفت وجوهنا

صدقت وطبت النّفس يا قيس عن عمرو (٢)

ومنه الحديث : «إنّ امرأة كانت تهراق الدّماء» (٣) والأصل : تهراق دماؤها ، فأسند الفعل إلى ضمير المرأة مبالغة ، وصار المسند إليه منصوبا على التمييز ، ثم أدخل عليه حرف التعريف زائدة.

رابعها : فيما أضيف إليه تمييز :

كقول الشاعر :

٥٢٦ ـ إلى ردح من الشّيزى ملاء

لباب البرّ يلبك بالشّهاد (٤)

__________________

(١) البيت من بحر البسيط قال في الدرر (١ / ٥٣) : ولم أعثر على قائله. وقائله يمدح رجلا بأنه يعيش حميدا منتصرا على أعدائه مجاهدا في سبيل المجد.

والشاهد فيه : زيادة أل في الحال والأصل : دمت حميدا ، قال أبو حيان : وذهب بعض النحويين إلى أن الحال تكون معرفة ونكرة ، فعلى مذهب هذا لا تكون أل زائدة في الحال».

والبيت في معجم الشواهد (ص ٣٦٨) وشروح التسهيل لابن مالك (١ / ٢٦٠) وللمرادي (١ / ٢٦٥) ، ولأبي حيان (٣ / ٢٣٨).

(٢) البيت من بحر الطويل من مقطوعة قصيرة في المفضليات للتبريزي (١ / ١٠٨٦) قالها راشد بن شهاب اليشكري يخاطب بها قيس بن مسعود اليشكري أيضا ، وكان صديقا لرجل يدعى عمرا المذكور في البيت ، وقد تركه قيس في شدة ، فلما عرف أن الشاعر وقومه هم الذين قتلوه ، فر عنه طيب النفس لأنه يعجز عن مقاومتهم ، ومطلع هذه المقطوعة قوله :

من مبلغ فتيان يشكر أنّني

أرى حقبة تبدي أماكن للصّبر

وشاهده : زيادة أل في التمييز ضرورة.

قال أبو حيان : «وهذا على مذهب البصريين. وأما الكوفيّون فيجيزون تعريف التمييز ، فلا تكون أل عندهم زائدة».

والبيت في معجم الشواهد (ص ١٧٣) وشروح التسهيل لابن مالك (١ / ٢٦٠) وللمرادي (١ / ٢٦٥).

ولأبي حيان (٣ / ٢٣٨).

(٣) الحديث بنصه في مسند الإمام أحمد بن حنبل (٦ / ٢٩٣) : وأصله : عن أم سلمة زوج النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنها استفتت رسول الله في امرأة تهراق الدماء ، فقال : «تنتظر قدر اللّيالي والأيّام الّتي كانت تحيضهن وقدرهنّ من الشّهر ، فتدع الصّلاة ، ثمّ لتغتسل ولتستثفر ثمّ تصلي».

(٤) البيت من بحر الوافر لأمية بن أبي الصلت من قصيدة يمدح فيها عبد الله بن جدعان عند ما مد للناس

٢٤٩

ـ أراد : لباب بر.

وأنشد أبو علي :

٥٢٧ ـ تولي الضّجيع إذا تنبّه موهنا

كالأقحوان من الرّشاش المستقي (١)

وزعم أن قائله أراد : من رشاش المستقي فزاد الألف واللام ولم يعتد بهما ، فلذلك أضافة إلى ما هما فيه.

قال المصنف : «وهذا الّذي ذهب إليه بعيد ، ولكن يوجه البيت على أنّ قائله أراد : كالأقحوان المستقي من الرّشاش المستقي ، فحذف من الأول وأبقى الثّاني دليلا عليه كما فعل من قال :

٥٢٨ ـ تقول ودقّت صدرها بيمينها

أبعلي هذا بالرّحى المتقاعس (٢)

أراد : بعلي هذا المتقاعس بالرّحى المتقاعس ثم حذف ، وهذا التوجيه نظائره ـ

__________________

موائد الفالوذج في الأبطح ، وقد ختمها بقوله :

وما لقيت مثلك يا ابن سعد

لمعروف وخير مستفاد

انظر القصيدة في ديوان أمية (ص ٢٧).

اللغة : ردح : جمع رداح وهي الجفنة العظيمة. الشّيزى : شجر يصنع منه القصاع والجفان. ملاء : جمع ملآنة. لباب البرّ : خياره وهو الطحين المرقق. يلبك بالشهاد : يعجن بالعسل.

والشاعر يمدح صاحبه بأنه يقدم للناس والضيوف خير الطعام.

والشاهد : في قوله : لباب البر ، فهو تمييز مضاف إلى مميزه وحقه التنكير ، فأدخل فيه أل ضرورة.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٥٣) وشروح التسهيل لابن مالك (١ / ٢٦٠) ولأبي حيان (٣ / ٢٣٩) وللمرادي (١ / ٢٦٥). وفي الأمالي (١ / ١٥٦).

(١) البيت من بحر الكامل من قصيدة رقيقة جدّا في الغزل للقطامي عمير بن شبيم.

(انظر ديوان القطامي : ص ١٠٥ ـ ١١٢). وبيت الشاهد ملفق من بيتين هما :

تعطي الضّجيع إذا تنبّه موهنا

منها وقد أمنت له من تتّقي

عذب المذاق مفلجا أطرافه

كالأقحوان من الرّشاش المستقي

اللغة : الضجيع : من يضاجعها في الفراش وهو الزوج. موهنا : نصف الليل أو حين يدبر ، مفلجا :

الأسنان المفلجة المتسع ما بينها. وشاهده واضح من الشرح.

البيت في معجم الشواهد (ص ٢٩٣) وشرح التسهيل لابن مالك (١ / ٢٦٠).

(٢) البيت من بحر الطويل سبق الاستشهاد به في آخر باب الموصول من هذا التحقيق.

وشاهده هنا : تعلق الجار والمجرور بمحذوف سابق دل عليه مذكور لاحق في قوله :

أبعلي هذا بالرحى المتقاعس.

٢٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

كثيرة ، ولا نظير لما وجّه به أبو عليّ ، فلذلك لم أقل بقوله» انتهى (١).

واعلم أن اللام في الحال وفي التمييز قد لا يعدها زائدة من أجاز تعريفهما ، ولكن مذهب من أجاز التعريف فيهما غير مأخوذ فلا يعول عليه (٢).

وأشار المصنف بقوله : وربّما زيدت فلزمت ـ إلى نحو : اليسع والآن والذي.

واعلم أن للنحاة في نحو : ما يحسن بالرجل خير منك قولين :

ـ أحدهما : أن نحو خير منك نعت لما قبله على نية الألف واللام ، وهو قول الخليل.

قال سيبويه (٣) ـ في باب مجرى نعت المعرفة عليها ـ : «ومن النّعت :

ما يحسن بالرّجل مثلك أو خير منك أن يفعل ذلك. وزعم الخليل أنّه إنّما جرّ هذا على نية الألف واللّام، ولكنّه موضع لا تدخله الألف واللّام، كما كان الجمّاء الغفير منصوبا على نيّة إلقاء الألف واللّام نحو طرّا وقاطبة».

قال المصنف: «فحكم الخليل في المقرون بالألف واللّام المتبع بمثلك وخير منك بتعريف المنعوت والنّعت».

ـ القول الثاني : أن الاسم المتبع بخير منك أو مثلك نكرة ، وأن الألف واللام فيه زائدة على نية الطرح ، وهو قول الأخفش (٤) ، قال المصنف : «وعندي أن أسهل مما ذهبا إليه الحكم بالبدليّة ، وتقرير المتبوع والتابع على ظاهرهما» انتهى (٥).

وهو تخريج حسن سهل كما قال ، وليس فيه إلا أن كون البدل مشتقّا ضعيف.

وكأن المصنف رأى أن القول به مع كون البدل في المشتقات ضعيفا أولى من القول بزيادة الألف واللام ، ومن إجراء النكرة نعتا على المعرفة.

وأما كون أل تقوم مقام الضمير : فذلك نحو : مررت برجل حسن الوجه بتنوين حسن ورفع [١ / ٢٩١] الوجه على معنى حسن وجهه ، فالألف واللام عوضا عن الضمير.

قال المصنف ـ بعد ذكر هذه الصورة ـ (٦) : «وبهذا التعويض قال الكوفيون وبعض ـ

__________________

(١) شرح التسهيل (١ / ٢٦١).

(٢) جوز يونس والبغداديون تعريف الحال نحو جاء زيد الراكب قياسا على الخبر ، وعلى ما سمع من نحو : أرسلها العراك ، وجوز الكوفيون وابن الطراوة تعريف التمييز ، واحتجوا بقول الشاعر : وطبت النّفس يا قيس عن عمرو (الهمع : ١ / ٢٥٢).

(٣) انظر نصه في : الكتاب (٢ / ١٣).

(٤) التذييل والتكميل (٣ / ٢٣٩) والهمع (١ / ٨١).

(٥ ، ٦) شرح التسهيل (١ / ٢٦١).

٢٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

البصريين ، وإن كان بعض المتأخرين قد عد هذه المسألة من مسائل الخلاف بين الكوفيين والبصريين (١). وأنكر ذلك ابن خروف ، وقال : لا ينبغي أن يجعل بينهما خلاف ؛ لأن سيبويه قد جعل الألف واللام عوضا من الضمير في قوله في باب البدل (٢) : «ضرب زيد الظّهر والبطن» وهو يريد : ظهره وبطنه ولم يقل الظهر منه ولا البطن منه.

ثم قال المصنف : «لما كان حرف التعريف مغنيا بإجماع (٣) عن الضمير في نحو : مررت برجل فأكرمت الرجل جاز أن يغني عنه في غير ذلك لاستوائهما في تعيين الأول ، ولذلك لم يختلف في جواز نحو : مررت برجل حسن وجه أبيه.

واختلف في جواز نحو : مررت برجل حسن وجه أب ؛ إذ ليس فيه ضمير ولا حرف تعريف ، والمنع به أولى ، وهو مذهب سيبويه (٤).

ومن ورود الألف واللام عوضا من الضمير قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى)(٥). ذكر ذلك الأستاذ أبو الحسن بن خروف وعزاه إلى جماعة من أئمة النحو (٦) ، وعلى ذلك يحمل قوله تعالى : (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ.)(٧).

وزعم أبو علي والزمخشري أن الأبواب بدل من ضمير مستكن في مفتحة (٨) ، ـ

__________________

(١) لم يذكر الأنباري (٥٧٧ ه‍) هذه المسألة في كتابه المشهور : الإنصاف في مسائل الخلاف.

(٢) انظر نصه في : الكتاب (١ / ١٥٨).

(٣) في نسخة (ب) : بإجماع مغنيا.

(٤) الكتاب (١ / ١٩٩).

(٥) سورةالنازعات : ٣٧ ـ ٤١.

(٦) انظر : شرح التسهيل (١ / ٢٦٢).

(٧) سورةص : ٥٠.

(٨) قال الزمخشري : «جنّات منصوبة على أنها عطف بيان لحسن مآب. ومفتّحة : حال ، والعامل فيها : ما في (للمتقين) من معنى الفعل ، وفي مفتحة ضمير الجنات.

والأبواب : بدل من الضمير تقديره : مفتحة هي الأبواب ، كقولهم : ضرب زيد اليد والرجل وهو من بدل الاشتمال ، وقرئ : (جنات عدن مفتحة) بالرفع على أن جنات عدن مبتدأ ومفتحة خبره ، أو كلاهما خبر مبتدأ محذوف ، أي هو جنات عدن هي مفتّحة لهم» (انظر الكشاف للزمخشري : (٣ / ٣٧٨) ، طبعة مصطفى البابي الحلبي سنة ١٩٧٢ م).

وقال أبو علي الفارسي : إن الفراء ذهب إلى أن الأبواب ترتفع بمفتحة والألف واللام خلف من الإضافة ، ثم قال : وتأول ارتفاعها من هذه الجهة خطأ. فإن قلت : بما ترفع؟ فإن ارتفاعها عندي من جهتين :

إحداهما أن تكون بدلا من المضمر في «مفتحة» كأنه على فتحت الجنّة أبوابها ، فأبدلت الأبواب من الجنات ؛ لأنها منها وبعضها كما تقول : ضرب زيد رأسه ، والأخرى أن يكون الأبواب مرتفعة بمفتحة

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذا تكلف يوجب أن يكون الأبواب مرتفعا بمفتحة المذكورة على القول بأن العامل في البدل والمبدل منه واحد ، أو بمثله مقدرا على القول بأن العامل في البدل غير العامل في المبدل منه. وعلى كل حال قد صح أن مفتحة صالح للعمل في الأبواب ، فلا حاجة إلى تكلف إبدال. وأيضا فالحاجة إلى الضمير في بدل البعض كالحاجة في السببي المرفوع لما جرى على ما هو من سببه ، فقد قامت الألف واللام مقام الضمير على كل تقدير.

قال ابن خروف : وحمل أبو علي وغيره من المتأخرين هذا المرفوع على البدل من ضمير في الصفة ، ولا يطرد لهم ذلك في مثل : مررت برجل كريم الأب ، وحسن وجه الأخ ، لا سبيل إلى البدل في هذا وأمثاله ؛ فإذا امتنع البدل فالباب كله على ما ذهب إليه الأئمة.

فقد تضمن كلام ابن خروف رحمه‌الله تعالى أن الحكم على المرفوع المشار إليه بغير البدل هو مذهب الأئمة. وكفى بنقله شاهدا». انتهى كلامه (١).

وفيه مناقشتان :

الأولى : للشيخ : وهي أنه قال (٢) : «هذه غفلة من المصنف يعني في قوله : إن حرف التعريف أغنى عن الضمير في نحو : مررت برجل فأكرمت الرجل ، قال : فإن أل لم تغن عن الضمير في : فأكرمت الرجل ، بل أل وما دخلت عليه هي التي أغنت عن الضمير وقامت مقامه ، وهذا بخلاف [١ / ٢٩٢] مررت برجل حسن الوجه ؛ فإن أل وحدها قامت مقام الضمير» انتهى وهذه مناقشة صحيحة.

الثانية : قوله في بحثه مع أبي علي والزمخشري : فلا حاجة إلى تكلف إبدال ؛ فإنّ لقائل أن يقول : الموجب لأبي علي والزمخشري في القول بالبدلية ـ هو أنهما لا يريان إقامة أداة التعريف مقام الضمير لا أن مفتحة لا يصح عملها في الأبواب.

وإذا كان كذلك فلا يتجه ما ذكره المصنف من أنه قد صح أن مفتحة صالح ـ

__________________

على نية ضمير راجع إلى الجنات محذوف كأنه في التقدير : «إن للمتقين جنّات عدن مفتحة لهم الأبواب فيها» ، والتأنيث على هذا في مفتحة للأبواب دون الجنات.

انظر البغداديات لأبي علي (ص ٤١). وانظر المسألة بالتفصيل أيضا في كتابه الإغفال (١ / ١١٩٥).

(١) شرح التسهيل (١ / ٢٦٣).

(٢) التذييل والتكميل (٣ / ٢٤٠).

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

للعمل في الأبواب ؛ لأنهما لا يمنعان الصلاحية ، وإنما منعا ذلك للخلو من الضمير.

ثم قال المصنف ـ بعد كلامه الذي تقدم نقله ـ : وقد منع التعويض بعض المتأخرين ، وقال : لو كان حرف التعريف عوضا عن الضمير لم يجتمعا ، إذ اجتماع العوض والمعوض عنه ممتنع. وقد اجتمعا في قول طرفة :

٥٢٩ ـ رحيب قطاب الجيب منها رقيقة

بجسّ النّدامى بضّة المتجرّد (١)

والجواب من وجهين :

أحدهما : أن نقول (٢) : لا نسلم أن حرف التعريف الذي في البيت عوض ، بل جيء به لمجرد التعريف ، فجمع بينه وبين الضمير ؛ إذ لا محذور في ذلك، ونظير هذا أن التاء في وجهة لمجرد التأنيث بخلاف تاء جهة (٣).

الثاني : أن نقول : سلمنا كون حرف التعريف الذي في البيت عوضا إلا أنه جمع بينه وبين ما هو عوض منه اضطرارا كما جمع الراجز بين ياء النداء والمعوض عنه في قوله :

٥٣٠ ـ إنّي إذا ما حدث ألمّا

أقول يا اللهمّ يا اللهمّا (٤)

__________________

(١) البيت من بحر الطويل من معلقة طرفة المشهورة ، وفيه يصف قينة كانت تغنيهم وتسقيهم الخمر ، يقول من بيت سابق :

نداماي بيض كالنّجوم وقينة

تروح علينا بين برد ومجسد

رحيب قطاب الجيب ...

الشاهد وبعده :

إذا نحن قلنا اسمعينا انبرت لنا

على رسلها مطروفة لم تشدّد

ديوان طرفة (ص ١٨١).

اللغة : البرد : ثوب موشى. المجسد : ثوب كصبوغ بالزعفران. رحيب : واسع. قطاب الجيب :

مخرج الرأس من الثوب. بضة المتجرد : ناعم ما يعرى من لحمها وبدنها.

وطرفة يصف قينته بأفحش الأوصاف على عادته وعادة أمثاله من شعراء الجاهلية.

والشاهد فيه : اجتماع العوض وهو الألف واللام في الجيب ، والمعوض عنه وهو الضمير في منها ، وهو قبيح ؛ إذ يقبح أن تقول : زيد حسن العين منه ، وقد أجيب عنه بما ذكر في الشرح.

والبيت في شرح التسهيل (١ / ٢٦٣). ومعجم الشواهد (ص ١١٣).

(٢) في نسخة (ب) : أن يقال.

(٣) أي فإنها عوض من الواو التي هي فاء الكلمة فإن أصلها وجه.

(٤) البيتان من الرجز المشطور قالهما أمية بن أبي الصلت عند موته. وكان يقولهما أبو خراش وهو يسعى

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ومما يقوي كون حرف التعريف عوضا قول الشاعر في صفة صقر :

٥٣١ ـ يأوي إلى فئة صلفاء رائشة

حجن المخالب لا يغتاله السّبع (١)

أراد : حجن مخالبه ، ولو لا ذلك لقال : أحجن المخالب كما يقال : رجل أحمر الثياب.

وأنشد الكوفيون :

٥٣٢ ـ أيا ليلة خرس الدّجاج سهرتها

ببغدان ما كادت إلى الصّبح تنجلي (٢)

أراد خرسا دجاجها ، ولو لا ذلك لقال : خرساء الدجاج كما يقال : امرأة حمراء الثياب. وإذا صح التعويض فلا يقاس عليه إلا ما سمع له نظير ولا يقدح في صحته عدم استعماله في صلة وغيرها على سبيل الاطراد ، كما لا يقدح في كون تنوين حينئذ عوضا من الإضافة امتناع ذلك في إذا وغيرها من الملازمات ، للإضافة لكن شرط التعويض المشار إليه أن يكون فيما يستقبح خلوه من الضمير ، والألف واللام ـ

__________________

فظن أنهما له ، وقد تمثل بهما النبي عليه الصلاة والسّلام ، وصارا من جملة الأحاديث. انظر ذلك في : خزانة الأدب (٢ / ٢٩٥).

اللغة : حدث : ما يحدث من أمور الدهر. ألمّا : قرب ونزل. أقول يا اللهمّ يا اللهمّا : أي : يا إلهي ارفعه واغفر لي.

وشاهده : اجتماع العوض وهو الميم المشددة والمعوض عنه وهو ياء النداء ضرورة. والبيت في معجم الشواهد (ص ٥٣١) وشرح التسهيل (١ / ٢٦٤).

(١) البيت من بحر البسيط لم أقف على قائله من مراجعه القليلة.

اللغة : صلفاء رائشة : قوية صلبة. حجن المخالب : معوجها ، وهو حال من ضمير يأوي.

وهو يصف صقرا بقوته ، وأنه يذهب إلى جماعة الصقور القوية ، ولا يخشى أذى من صائد أو حيوان آخر أقوى منه.

وشاهده : أنه عوض أل عن ضمير الصقر ، وأصله : حجن مخالبه ، ولو لا ذلك لقال : أحجن المخالب ؛ لأنه يصف صقرا واحدا. والبيت ليس في معجم الشواهد ، وهو في شرح التسهيل (١ / ٢٦٤).

(٢) البيت من بحر الطويل في لسان العرب (بغدن : ١ / ٣١٨).

أنشده الكسائي وفيه طويلة مكان سهرتها ، وعن الصبح مكان إلى الصبح.

واستشهد ابن عصفور بالبيت في المقرب (١ / ١٤٩) في موضع إيقاع الصفة للموصوف في واحد من التذكير والتأنيث ، ثم قال : وأما قوله : أيا ليلة خرس الدّجاج ، فخرس مفرد مخفف من خرس ، يقال : ليلة خرس : إذا لم يسمع فيها صوت ، وليس بجمع.

والبيت في معجم الشواهد (ص ٣٠٦) وشرح التسهيل : (١ / ٢٦٧).

والشاعر يصف ليلة طويلة صامتة ظل ساهرا فيها حتى الصباح.

٢٥٥

[مدلول إعراب الاسم من رفع أو نصب أو جر]

قال ابن مالك : (فصل : مدلول إعراب الاسم ما هو به عمدة أو فضلة أو بينهما ؛ فالرّفع للعمدة وهي مبتدأ أو خبر أو فاعل أو نائبه أو شبيه به لفظا وأصلها المبتدأ أو الفاعل أو كلاهما أصل. والنّصب للفضلة وهي مفعول مطلق أو مقيد أو مستثنى أو حال أو تمييز أو مشبه بالمفعول به. والجرّ لما بين العمدة والفضلة [١ / ٢٩٣] وهو المضاف إليه. وألحق من العمد بالفضلات المنصوب في باب كان وإنّ ولا).

______________________________________________________

معا ، فلا يجعل من ذلك نحو : البرّ الكرّ بستّين (١). لأنك لو قلت كرّ بستين فأخليته من الضمير والألف واللام معا لم يستقبح بخلاف ما تقدم.

قال ناظر الجيش : لما أنهى الكلام على أقسام الكلمة وعلى الإعراب وأنواعه وعلى قسمي النكرة والمعرفة ، وبوّب على أكثر المعارف وبينها ـ قصد أن يذكر الأحكام التي تعرض في التركيب ، وقدم على الشروع في ذلك هذا الفصل لأمرين :

أحدهما : تبيين العمدة من الفضلة.

الثاني : التنبيه على ترتيب بعض أبواب الكتاب ؛ فإنه يأتي فيها على حسب ما أورده هنا ؛ ولما كان المتصف بالعمدة والفضلة إنما هو الاسم قال : مدلول إعراب الاسم ما هو أي ما الاسم به.

وقال المصنف (٢) : العمدة : عبارة عما لا يسوغ حذفه من أجزاء الكلام إلا بدليل يقوم مقام اللفظ به.

والفضلة : عبارة عما يسوغ حذفه مطلقا إلا لعارض.

ولما كان المضاف إليه في موضع يكمل العمدة نحو : جاء عبد الله ، وفي موضع يكمل الفضلة نحو : أكرمت عبد الله ، وفي موضع يقع فضلة نحو : زيد ضارب عمر ـ حكم عليه بأنه بين العمدة والفضلة. ـ

__________________

(١) من كلام العرب ، والبر : القمح. والكر : مكيال لأهل العراق ستون قفيزا. قال ابن سيده : يكون بالمصري أربعين أردبّا. والكر : واحد أكرار الطعام. (لسان العرب : كرر : ٥ / ٣٨٥).

(٢) شرح التسهيل (١ / ٢٦٥).

٢٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال الشيخ : «الحدّ الذي ذكره للعمدة مدخول ؛ لأن لنا من أجزاء الكلام ما يسوغ حذفه لدليل ولا يسمى عمدة ، ولنا من أجزاء الكلام ما لا يسوغ حذفه ، ولو كان عليه دليل ويسمى عمدة. فمثال الأول : الفعل ؛ فإنه يسوغ حذفه لدليل ولا يسمى عمدة ، ومثال الثاني : الفاعل والمفعول الذي لم يسمّ فاعله ؛ فإن كلّا منهما يسمى عمدة ، ولا يسوغ حذفه لدليل».

قال : «وكذا حدّ الفضلة يرد عليه بعض العمد الّذي يسوغ حذفه مطلقا.

فمن ذلك المبتدأ في قطع النّعت ، والخبر في نحو : لو لا زيد لأكرمتك» انتهى (١).

وفيما قاله نظر :

أما الدخل الذي ذكره على حد العمدة فلا يتجه.

أما الشق الأول : فغير لازم ؛ لأن الفعل إنما هو مقصود في مدلول إعراب الاسم.

فالعمدة المحدودة أحد أقسام الاسم فلا يرد الفعل.

وأما الشق الثاني : فلا يرد أيضا ؛ لأن كلّا من الفاعل والمفعول الذي لم يسمّ فاعله إنما امتنع حذفه لعارض ، وهو كونه يؤدي إلى بقاء حديث من غير محدّث عنه ؛ والمصنف إنما حد العمدة بالنظر إلى ذاتها لا بالنظر إلى ما يعرض لها ، وهذا شأن الحدود. وأما ما أورده على حد الفضلة فغير وارد ؛ لأن ما مثّل به (٢) إنما حذف دليل قام مقام اللفظ به ، فهو داخل في حد العمدة ولم يدخل في حد الفضلة ؛ لأنه ما ساغ حذفه مطلقا.

وإذا تقرر أن الاسم بحسب مدلول إعرابه إما عمدة أو فضلة أو بين العمدة والفضلة ، وقد علم أن أنواع إعرابه ثلاثة : رفع ونصب وجر ، فليعلم أن الرفع للعمدة والنصب للفضلة والجر لما بينهما.

وإنما كان كذلك لأن الاهتمام بالعمدة أشدّ من الاهتمام بغيره ، فجعل إعرابه الرفع ؛ لأن علامته الأصلية الضمة ، وهي أظهر الحركات ، وإنما قلنا إنها أظهر الحركات لوجهين (٣) : ـ

__________________

(١) التذييل والتكميل (٣ / ٢٤٢ ، ٢٤٣).

(٢) وهو المبتدأ عند قطع النعت والخبر بعد أسلوب لو لا. ومثال الأول : الحمد لله الحميد ، ومثال الثاني : لو لا زيد لأكرمتك.

(٣) انظر في ذلك : التذييل والتكميل (٣ / ٢٤٣).

٢٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما : أنها من الواو ، ومخرجها من الشفتين ، وهو مخرج ظاهر ؛ بخلاف الفتحة والكسرة ؛ فإنها من الألف والياء ومخرجاهما [١ / ٢٩٤] من باطن الفم.

والثاني : أن الضمة يمكن الإشارة إليها بالإشمام عند سكون ما هي فيه وقفا وإدغاما بخلاف غيرها. ولما كانت الكسرة تشبه الضمة جعلت علما للمضاف إليه ؛ لأنه قد يكمل العمدة ، ولأن الكسرة متوسطة بين الثقل والخفة ، فجعلت للمتوسط بين العمدة والفضلة ، ولما جعلت الضمة للعمدة ، والكسرة للمتوسط بين العمدة والفضلة تعينت الفتحة للفضلة.

وتبع كل واحدة من الحركات ما هو أولى بالنيابة عنها ، وقد تقدم بيان ذلك في باب الإعراب.

ثم إن المصنف حصر المرفوعات في خمسة أشياء :

وهي : المبتدأ والخبر والفاعل ونائبه والشبيه بالفاعل ، وعنى بالشبيه بالفاعل اسم كان وأخواتها وما حمل عليها ، ودخل في الخبر خبر إن وأخواتها وما حمل عليها.

وحصر المنصوبات في تسعة أشياء :

المفاعيل الخمسة والمستثنى والحال والتمييز والمشبه بالمفعول به ، وعنى بالمشبه به المنصوب في باب الصفة المشبهة باسم الفاعل.

وحصر المجرورات في :

المضاف إليه والمجرور بحرف داخل فيه ، ولهذا سمى سيبويه حروف الجر حروف الإضافة (١).

فجملة المرفوعات والمجرورات والمنصوبات خمسة عشر قسما.

وحكم التابع حكم متبوعه كما تقرر في باب التوابع ، فلا حاجة إلى ذكره (٢). ـ

__________________

(١) قال سيبويه تحت عنوان : هذا باب الجر : «والجر إنما يكون في كل اسم مضاف إليه ، واعلم أنّ المضاف إليه ينجر بثلاثة أشياء : بشيء ليس باسم ولا ظرف ، وبشيء لا يكون ظرفا ، وباسم لا يكون ظرفا. فأمّا الذي ليس باسم ولا ظرف فقولك : مررت بعبد الله ، وهذا لعبد الله ، وما أنت كزيد ...» إلخ. (الكتاب : ١ / ٤١٩).

(٢) كان الأولى أن يقول : كما سيقرر في باب التوابع ؛ لأنه لم يذكره بعد ؛ والذي ذكره في باب التوابع هو قوله :

التابع : هو ما ليس خبرا مشاركا ما قبله في إعرابه وعامله مطلقا.

٢٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد ذكروا مرفوعين آخرين لن يتضمنهما كلام المصنف :

أحدهما : الاسم المأتي به لمجرد العدد إذا كان معطوفا على غيره ، أو معطوفا عليه غيره ولم يدخل عليه عامل في اللفظ ولا في التقدير نحو : واحد واثنان وثلاثة وأربعة ، وكأن التركيب الذي حدث فيه بالعطف قام مقام العامل في حدوث هذه الضمة قاله الأستاذ أبو الحسن ابن عصفور (١).

والثاني : زاده الأعلم ، وهو المرفوع على الإهمال من العوامل ، وجعل منه قوله تعالى : (يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ)(٢).

وقد أجيب عنهما :

أما الأول : فقال الشيخ : «الّذي ينبغي أن يذهب إليه أن هذه الحركات ليست بحركات إعراب. وإنما هي شبيهة بها ، وحدثت عند حصول هذا التركيب العطفي» (٣).

وأما الثاني : «فقيل : إن (إِبْراهِيمُ) عليه‌السلام منادى أو مفعول لـ (يُقالُ ،) وأصله النصب ؛ فلمّا بني الفعل لما لم يسم فاعله رفع وقيل فيه غير ذلك» (٤). ـ

__________________

وهو توكيد أو نعت أو عطف بيان أو عطف نسق أو بدل. ثم شرح هذا الكلام وبين أن العامل في التابع هو العامل في المتبوع نعتا كان التابع أو غيره.

(١) انظر المقرب في النحو له (١ / ٥١) قال تحت عنوان : ذكر الأماكن الّتي يدخل فيها المعرب من الأسماء والأفعال لقب من ألقاب الإعراب : أما الاسم فيرفع إذا لم يدخل عليه عامل لفظا أو تقديرا وكان مع ذلك معطوفا على غيره ، أو معطوفا غيره عليه ، نحو قولك : واحد واثنان إذا أردت مجرّد العدد لا الإخبار» ثم ذكر بقية الأماكن التي يرفع فيها الاسم.

(٢) سورةالأنبياء : ٦٠ ، وانظر في رأي الأعلم : التذييل والتكميل (٣ / ٢٤٦) والبحر المحيط (٦ / ٣٢٤) قال أبو حيان : وذهب الأعلم إلى أنّ إبراهيم ارتفع بالإهمال ؛ لأنه لم يتقدمه عامل يؤثر في لفظه ؛ إذ القول لا يؤثّر إلّا في المفرد المتضمن لمعنى الجملة فبقي مهملا. والمفرد إذا ضمّ لغيره ارتفع نحو : واحد واثنان إذا عدّوا ولم يدخلوا عاملا لا في اللّفظ ولا في التقدير ، وعطفوا بعض أسماء العدد على بعض» ثم قال : «والكلام على مذهب الأعلم وإبطاله مذكور في كتب النّحو».

(٣) انظر : التذييل والتكميل (٣ / ٢٤٥).

(٤) في البحر المحيط (٦ / ٣٢٤) قال أبو حيان : ارتفع إبراهيم على أنه مقدر بجملة تحكى بقال : إما على النداء أي : يقال له حين يدعى يا إبراهيم ، وإما على خبر مبتدأ محذوف أي هو إبراهيم ، أو على أنه مفرد مفعول لما لم يسمّ فاعله ، ويكون من الإسناد للفظ لا لمدلوله ، أي : يطلق عليه هذا اللفظ ، وهذا

٢٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وسيأتي في باب ظن (١).

وأراد المصنف بالمفعول المطلق : المصدر المؤكد والمبين للنوع أو لعدد المرات ، وبالمقيد : المفعول به والمفعول فيه والمفعول له.

واعلم أن النحاة اختلفوا في أن أصل المرفوعات ما هو على ثلاثة مذاهب :

فقيل : المبتدأ هو الأصل وما عداه فرع. وقيل الفاعل هو الأصل وما عداه فرع.

وقيل : المبتدأ والفاعل هما الأصل وما عداهما فرع عليهما ، وقد أشار إليها المصنف.

قال ابن الخباز (٢) : «والصّحيح أنّ الأصل الفاعل ؛ لأن عامله لفظيّ وهو أقوى من المبتدأ والخبر ؛ لأن عاملهما معنوي ، وعامله فعل أو شبهه ، فهو أقوى من خبر إنّ واسم ما ، وعامله فعل حقيقيّ ، فهو أقوى من اسم كان وأخواتها وعامله مبقيّ على صيغته الأصلية ، فهو أقوى من الفعل الذي لم يسم فاعله [١ / ٢٩٥] وأيضا ـ

__________________

الآخر هو اختيار الزمخشري وابن عطية ، وهو مختلف في إجازته ، فذهب الزجاج والزمخشريّ وابن خروف وابن مالك إلى تجويز نصب القول للمفرد مما لا يكون مقتطعا من جملة نحو قوله :

إذا ذقت فاها قلت طعم مدامة ......

إلخ ولا مفردا معناه معنى الجملة نحو : قلت خطبة ، ولا مصدرا نحو : قلت قولا ، ولا صفة له نحو : قلت حقّا ؛ بل لمجرد اللفظ نحو : قلت زيدا ، ومن النحويين من منع ذلك وهو الصحيح ؛ إذ لا يحفظ من لسانهم قال فلان زيدا ، ولا قال ضرب ، ولا قال ليت ، وإنما وقع القول في كلام العرب لحكاية الجمل.

(١) الذي قاله الشارح في باب ظن قال : وينصب بالقول وفروعه المفرد الذي هو جملة في المعنى : كالحديث والقصّة والشّعر والخطبة فيقال : قلت حديثا وأقول قصة وهذا قائل شعرا وخطبة ، وينصب أيضا بالقول وفروعه المفرد المراد به مجرد اللفظة ، كقولك : قلت كلمة ، ومن ذلك قوله تعالى : (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) أي : يطلق عليه هذا الاسم ، ولو كان يقال مبنيّا لفاعل لنصب إبراهيم ، فكان يقال : يقول له الناس : إبراهيم كما يقال : أطلق الناس عليه إبراهيم. قال المصنف : وممن اختار هذا الوجه صاحب الكشاف ، ورجّحه على قول من قال : التقدير : يقال له : هذا إبراهيم ، أو يقال له : يا إبراهيم (انظر باب ظن في هذا الكتاب الذي بين يديك).

(٢) هو أحمد بن الحسين بن أحمد بن معالي بن منصور بن علي الشيخ شمس الدين بن الخباز الأربلي الموصلي النحوي الضرير ، كان أستاذا بارعا علامة زمانه في النحو واللغة والفقه والعروض والفرائض.

مصنفاته : صنف شرح ألفية ابن معط ، وهو مخطوط مصور بدار الكتب تحت رقم (١٨٢٣ نحو) وله أيضا النهاية في النحو. مات بالموصل في العاشر من رجب سنة (٦٣٧ ه‍).

انظر ترجمته في : بغية الوعاة (١ / ٣٠٤).

٢٦٠