موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

كتاب النِّكاح

١
٢

كتاب النِّكاح

النكاح مستحب في حدّ نفسه بالإجماع ، والكتاب ، والسنّة المستفيضة بل المتواترة.

قال الله تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (١).

وفي النبوي المروي بين الفريقين : «النكاح سنّتي فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» (٢).

وعن الصادق (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : «تزوَّجوا فإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال : من أحبَّ أن يتبع سنّتي فإنّ من سنّتي التزويج» (٣).

وفي النبوي : «ما بني بناء أحب إلى الله تعالى من التزويج» (٤).

وعن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «من تزوّج أحرز نصف دينه فليتَّق الله في النصف الآخر» (٥).

بل يستفاد من جملة من الأخبار استحباب حبّ النساء ، ففي الخبر عن الصادق (عليه السلام) : «من أخلاق الأنبياء حبّ النساء» (٦).

__________________

(١) سورة النور ٢٤ : ٣٢.

(٢) المستدرك ، ج ١٤ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١ ح ١٥.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١ ح ١٤.

(٤) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١ ح ٤.

(٥) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١ ح ١٢.

(٦) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، ب ٣ ح ٢.

٣

وفي آخر عنه (عليه السلام) : «ما أظنّ رجلاً يزداد في هذا الأمر خيراً إلّا ازداد حبّا للنساء» (١).

والمستفاد من الآية وبعض الأخبار أنّه موجب لسعة الرزق ، ففي خبر إسحاق ابن عمّار ، قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الحديث الذي يرويه الناس حق أنّ رجلاً أتى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فشكا إليه الحاجة ، فأمره بالتزويج حتى أمره ثلاث مرات ، قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «نعم هو حق» ثم قال (عليه السلام) : «الرزق مع النساء والعيال» (٢).

ويستفاد من بعض الأخبار كراهة العزوبة ، فعن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «رذّال موتاكم العزّاب» (٣).

[٣٦٣٣] مسألة ١ : لا فرق على الأقوى في استحباب النكاح بين من اشتاقت نفسه ومن لم تشتق ، لإطلاق الأخبار ، ولأن فائدته لا تنحصر في كسر الشهوة بل له فوائد ، منها زيادة النسل وكثرة قائل لا إله إلّا الله ، فعن الباقر (عليه السلام) : «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : ما يمنع المؤمن أن يتّخذ أهلاً لعلّ الله أن يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلّا الله» (٤).

[٣٦٣٤] مسألة ٢ : الاستحباب لا يزول بالواحدة بل التعدد مستحب أيضاً ، قال الله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (٥). والظاهر عدم اختصاص الاستحباب بالنكاح الدائم أو المنقطع ، بل المستحب أعمّ منهما ومن التسري بالإماء.

[٣٦٣٥] مسألة ٣ : المستحب هو الطبيعة أعمّ من أن يقصد به القربة أو لا. نعم ، عباديّته وترتّب الثواب عليه موقوفة على قصد القربة.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٣ ح ٣.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١١ ح ٤.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٢ ح ٣.

(٤) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ١ ح ٣.

(٥) سورة النساء ٤ : ٣.

٤

[٣٦٣٦] مسألة ٤ : استحباب النكاح إنّما هو بالنظر إلى نفسه وطبيعته. وأما بالطوارئ فينقسم بانقسام الأحكام الخمسة (١) : فقد يجب بالنذر ، أو العهد ، أو الحلف ، وفيما إذا كان مقدمة لواجب مطلق ، أو كان في تركه مظنة الضرر أو الوقوع في الزنا ، أو محرم آخر. وقد يحرم كما إذا أفضى إلى الإخلال بواجب من تحصيل علم واجب ، أو ترك حق من الحقوق الواجبة ، وكالزيادة على الأربع. وقد يكره كما إذا كان فعله موجباً للوقوع في مكروه. وقد يكون مباحاً كما إذا كان في تركه مصلحة معارضة لمصلحة فعله مساوية لها.

وبالنسبة إلى المنكوحة أيضاً ينقسم إلى الأقسام الخمسة : فالواجب كمن يقع في

______________________________________________________

(١) وتفصيل ذلك : أنّ النكاح ينقسم إلى محرّم وغير محرّم.

والمحرم تارة يكون محرّماً بالذات وأُخرى يكون محرّماً بالعرض ، والأخير قد يقبل الزوال وقد لا يقبله فتكون الحرمة دائمية ، فمن الأوّل حرمة نكاح العناوين السبعة أعني : الأُم والبنت والأُخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأُخت ومن الثاني أُخت الزوجة والخامسة والمطلقة ثلاثاً ، ومن الثالث أُم الزوجة وبنت الزوجة المدخول بها والمطلقة تسعاً.

وغير المحرّم ينقسم إلى مكروه ومستحب وواجب ومباح.

أما المكروه فيأتي فيه جميع الأقسام المذكورة في الحرام ، إذ قد تكون الكراهة ذاتية كالتزوج من الزنجية والتي نشأت في منبت سوء ، وقد تكون عرضية قابلة للزوال كنكاح المجنونة والمرأة التي لا تطيع زوجها ، وقد لا تكون قابلة للزوال كنكاح العقيم.

وأما النكاح في غير هذين القسمين فهو مستحب في نفسه ، إلّا أنّه قد تكون هناك خصوصية تقتضي الاستحباب زائداً على استحبابه في نفسه ، كالنكاح من البكر ، ومن المؤمنة حسنة الأخلاق ، ومن المطيعة لزوجها. كما قد تكون خصوصية تقتضي الوجوب ، كما إذا توقف حفظ نفسه من الهلاك أو الوقوع في الحرام على التزويج. وقد تفرض خصوصية في مورد تقتضي رجحان الترك بمقدار تساوي رجحان الفعل ، فيصبح التزويج مباحاً.

٥

الضرر لو لم يتزوجها ، أو يُبتلى بالزنا معها لولا تزويجها. والمحرم نكاح المحرمات عيناً ، أو جمعاً. والمستحب المستجمع للصفات المحمودة في النساء. والمكروه النكاح المستجمع للأوصاف المذمومة في النساء ، ونكاح القابلة المربية ونحوها. والمباح ما عدا ذلك.

[٣٦٣٧] مسألة ٥ : يستحب عند إرادة التزويج أُمور :

منها : الخطبة.

ومنها : صلاة ركعتين عند إرادة التزويج قبل تعيين المرأة وخطبتها والدعاء بعدها بالمأثور وهو : «اللهمّ إني أُريد أن أتزوَّج ، فقدّر لي من النساء أعفَّهنّ فرجاً ، وأحفظهنّ لي في نفسها ومالي ، وأوسعهنّ رزقاً وأعظمهنّ بركة ، وقدّر لي ولداً طيّباً تجعله خلفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي». ويستحب أيضاً أن يقول : «أقررت الذي أخذ الله إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان».

ومنها : الوليمة يوماً أو يومين لا أزيد فإنّه مكروه ، ودعاء المؤمنين ، والأولى كونهم فقراء ، ولا بأس بالأغنياء خصوصاً عشيرته وجيرانه وأهل حرفته ويستحب إجابتهم وأكلهم. ووقتها بعد العقد أو عند الزفاف ليلاً أو نهاراً ، وعن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «لا وليمة إلّا في خمس : عرس ، أو خرس ، أو عذار ، أو وكار ، أو ركاز». العرس التزويج ، والخرس النفاس ، والعذار الختان والوكار شراء الدار ، والركاز العود من مكة. (١)

ومنها : الخطبة أمام العقد بما يشتمل على الحمد والشهادتين والصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) والوصية بالتقوى والدعاء للزوجين ، والظاهر كفاية اشتمالها على الحمد والصلاة على النبي وآله (صلّى الله عليهم وسلم) ، ولا يبعد استحبابها أمام الخطبة أيضاً.

ومنها : الإشهاد في الدائم والإعلان به ، ولا يشترط في صحة العقد عندنا.

ومنها : إيقاع العقد ليلاً.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٤٠ ح ٥.

٦

[٣٦٣٨] مسألة ٦ : يكره عند التزويج أُمور :

منها : إيقاع العقد والقمر في العقرب ، أي في برجها لا المنازل المنسوبة إليها وهي القلب والإكليل والزّبانا والشولة.

ومنها : إيقاعه يوم الأربعاء.

ومنها : إيقاعه في أحد الأيام المنحوسة في الشهر ، وهي الثالث ، والخامس والثالث عشر ، والسادس عشر ، والحادي والعشرون ، والرابع والعشرون والخامس والعشرون.

ومنها : إيقاعه في محاق الشهر ، وهو الليلتان أو الثلاث من آخر الشهر.

[٣٦٣٩] مسألة ٧ : يستحب اختيار امرأة تجمع صفات بأن تكون بكراً ولوداً ، ودوداً ، عفيفة ، كريمة الأصل بأن لا تكون من زنا أو حيض أو شبهة ، أو ممّن تنال الألسن آباءها أو أُمهاتها ، أو مسهم رق أو كفر أو فسق معروف وأن تكون سمراء ، عيناء ، عجزاء ، مربوعة ، طيّبة الريح ، درمة الكعب ، جميلة ، ذات شعر ، صالحة ، تُعين زوجها على الدنيا والآخرة ، عزيزة في أهلها ، ذليلة مع بعلها متبرِّجة مع زوجها ، حصاناً مع غيره.

فعن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ خير نسائكم الولود الودود العفيفة ، العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها ، المتبرجة مع زوجها الحصان على غيره ، التي تسمع قوله وتطيع أمره ، وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها ، ولم تبذل كتبذل الرجل» (١).

ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «ألا أُخبركم بشرار نسائكم؟ الذليلة في أهلها ، العزيزة مع بعلها ، العقيم الحقود ، التي لا تتورع من قبيح ، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها ، الحصان معه إذا حضر ، لا تسمع قوله ، ولا تطيع أمره ، وإذا خلا بها بعلها تمنعت منه كما تمنع الصعبة عن ركوبها ، لا تقبل منه عذراً ، ولا تغفر له ذنباً» (٢).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٧ ح ١.

٧

ويكره اختيار العقيم ، وما تضمنه الخبر المذكور من ذات الصفات المذكورة التي يجمعها عدم كونها نجيبة ، ويكره الاقتصار على الجمال والثروة ، ويكره تزويج جملة أُخرى :

منها : القابلة وابنتها للمولود.

ومنها : تزويج ضرة كانت لُامه مع غير أبيه.

ومنها : أن يتزوج أُخت أخيه.

ومنها : المتولدة من الزنا.

ومنها : الزانية.

ومنها : المجنونة.

ومنها : المرأة الحمقاء أو العجوز.

وبالنسبة إلى الرجال يكره تزويج سيِّئ الخُلق ، والمخنّث ، والزنج ، والأكراد والخزر ، والأعرابي ، والفاسق ، وشارب الخمر.

[٣٦٤٠] مسألة ٨ : مستحبات الدخول على الزوجة أُمور :

منها : الوليمة قبله أو بعده.

ومنها : أن يكون ليلاً ، لأنه أوفق بالستر والحياء ، ولقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «زفوا عرائسكم ليلاً وأطعموا ضحى» (١) ، بل لا يبعد استحباب الستر المكاني أيضاً.

ومنها : أن يكون على وضوء.

ومنها : أن يصلي ركعتين ، والدعاء بعد الصلاة بعد الحمد والصلاة على محمد وآله بالألفة وحسن الاجتماع بينهما ، والأوْلى المأثور وهو : «اللهم ارزقني ألفتها وودَّها ورضاها بي وأرضني بها ، واجمع بيننا بأحسن اجتماع وأنفس ائتلاف ، فإنّك تحب الحلال وتكره الحرام».

ومنها : أمرها بالوضوء والصلاة أو أمر من يأمرها بهما.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٣٧ ح ٢.

٨

ومنها : أمر من كان معها بالتأمين على دعائه ودعائها.

ومنها : أن يضع يده على ناصيتها مستقبل القبلة ويقول : «اللهمّ بأمانتك أخذتها وبكلماتك استحللتها ، فإن قضيت لي منها ولداً فاجعله مباركاً تقيّاً من شيعة آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً» أو يقول : «اللهمّ على كتابك تزوَّجْتها ، وفي أمانتك أخذتها ، وبكلماتك استحللت فرجها ، فإن قضيت في رحمها شيئاً فاجعله مسلماً سوياً ولا تجعله شرك شيطان».

ويكره الدخول ليلة الأربعاء.

[٣٦٤١] مسألة ٩ : يجوز أكل ما ينثر في الأعراس مع الإذن ولو بشاهد الحال ، إن كان عامّاً فللعموم ، وإن كان خاصّاً فللمخصوصين. وكذا يجوز تملكه مع الإذن فيه ، أو بعد الإعراض عنه ، فيملك وليس لمالكه الرجوع فيه (*) وإن كان عينه موجوداً (١) ولكن الأحوط لهما مراعاة الاحتياط.

[٣٦٤٢] مسألة ١٠ : يستحب عند الجماع : الوضوء ، والاستعاذة والتسمية وطلب الولد الصالح السوي ، والدعاء المأثور وهو أن يقول : «بسم الله وبالله اللهمّ جنِّبني الشيطان ، وجنِّب الشيطان ما رزقني». أو يقول : «اللهمّ بأمانتك أخذتها ...» إلى آخر الدعاء السابق. أو يقول : «بسم الله الرّحمن الرّحيم الذي لا إله إلّا هو بديع السموات والأرض ، اللهمّ إن قضيت مني في هذه الليلة خليفة فلا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً ولا حظاً ، واجعله مؤمناً مخلصاً مصفّى من الشيطان ورجزه جل ثناؤك». وأن يكون في مكان مستور.

______________________________________________________

(١) تقدّم الكلام في عدم زوال الملك بالإعراض مفصّلاً في كتاب الإجارة ، وقد عرفت أنّ الإعراض لا يقتضي إلّا إباحة التصرف بقول مطلق في المعرض عنه. نعم لو كان التصرف متوقفاً على الملكية ثبتت له بالتصرف. وعلى هذا فللمالك حق الرجوع في العين ما دامت موجودة ، وليس للآخذ حق الامتناع.

__________________

(*) فيه إشكال ، والاحتياط لا يُترك.

٩

[٣٦٤٣] مسألة ١١ : يكره الجماع ليلة خسوف القمر ، ويوم كسوف الشمس ، وفي الليلة واليوم اللذين يكون فيهما الريح السوداء والصفراء والحمراء واليوم الذي فيه الزلزلة ، بل في كل يوم أو ليلة حدث فيه آية مخوفة.

وكذا يكره عند الزوال ، وعند غروب الشمس حتى يذهب الشفق ، وفي المحاق ، وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وفي أوّل ليلة من كل شهر إلّا في الليلة الاولى من شهر رمضان فإنّه يستحب فيها ، وفي النصف من كل شهر ، وفي السفر إذا لم يكن عنده الماء للاغتسال ، وبين الأذان والإقامة ، وفي ليلة الأضحى.

ويكره في السفينة ، ومستقبل القبلة ومستدبرها ، وعلى ظهر الطريق ، والجماع وهو عريان ، وعقيب الاحتلام قبل الغسل أو الوضوء ، والجماع وهو مختضب أو هي مختضبة ، وعلى الامتلاء ، والجماع قائماً ، وتحت الشجرة المثمرة ، وعلى سقوف البنيان ، وفي وجه الشمس إلّا مع الستر.

ويكره أن يجامع وعنده من ينظر إليه ولو الصبي الغير المميز ، وأن ينظر إلى فرج الامرأة حال الجماع ، والكلام عند الجماع إلّا بذكر الله تعالى ، وأن يكون معه خاتم فيه ذكر الله ، أو شي‌ء من القرآن.

ويستحب الجماع ليلة الاثنين ، والثلاثاء ، والخميس ، والجمعة ، ويوم الخميس عند الزوال ، ويوم الجمعة بعد العصر. ويستحب عند ميل الزوجة إليه.

[٣٦٤٤] مسألة ١٢ : يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلاً حتى يصبح.

[٣٦٤٥] مسألة ١٣ : يستحب السعي في التزويج والشفاعة فيه بإرضاء الطرفين.

[٣٦٤٦] مسألة ١٤ : يستحب تعجيل تزويج البنت وتحصينها بالزوج عند بلوغها ، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) : «من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته» (١).

[٣٦٤٧] مسألة ١٥ : يستحب حبس المرأة في البيت فلا تخرج إلّا لضرورة ولا يدخل عليها أحد من الرجال.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٢٣ ح ١.

١٠

[٣٦٤٨] مسألة ١٦ : يكره تزويج الصغار وقبل البلوغ.

[٣٦٤٩] مسألة ١٧ : يستحب تخفيف مؤنة التزويج وتقليل المهر.

[٣٦٥٠] مسألة ١٨ : يستحب ملاعبة الزوجة قبل المواقعة.

[٣٦٥١] مسألة ١٩ : يجوز للرجل تقبيل أي جزء من جسد زوجته ، ومس أي جزء من بدنه ببدنها.

[٣٦٥٢] مسألة ٢٠ : يستحب اللبث وترك التعجيل عند الجماع.

[٣٦٥٣] مسألة ٢١ : تكره المجامعة تحت السماء.

[٣٦٥٤] مسألة ٢٢ : يستحب إكثار الصوم وتوفير الشعر لمن لا يقدر على التزويج مع ميله وعدم طوله.

[٣٦٥٥] مسألة ٢٣ : يستحب خلع خف العروس إذا دخلت البيت وغسل رجليها ، وصبّ الماء من باب الدار إلى آخرها.

[٣٦٥٦] مسألة ٢٤ : يستحب منع العروس في أُسبوع العرس من الألبان والخل ، والكزبرة ، والتفاح الحامض.

[٣٦٥٧] مسألة ٢٥ : يكره اتحاد خرقة الزوج والزوجة عند الفراغ من الجماع.

[٣٦٥٨] مسألة ٢٦ : يجوز لمن يريد تزويج امرأة أن ينظر إلى وجهها وكفّيها وشعرها ومحاسنها (١).

______________________________________________________

(١) بلا إشكال ، وتدلّ عليه عدّة من الروايات الصحيحة :

منها : صحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة ، أينظر إليها؟ قال : «نعم ، إنما يشتريها بأغلى الثمن» (١).

فإنّها تدل بإطلاقها على جواز النظر إلى المذكورات.

ومنها : صحيحة هشام بن سالم وحماد بن عثمان وحفص بن البختري كلهم عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٣٦ ح ١.

١١

.................................................................................................

______________________________________________________

يتزوّجها» (١).

فإنّها تدلّ على جواز النظر إلى الوجه بمنطوقها وبالملازمة إلى الكفّين ، إذ من الواضح أنّ النظر إلى المعاصم يستلزم النظر إلى كفّها عادة.

ومنها : ما رواه محمد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الهيثم ابن أبي مسروق النهدي ، عن الحكم بن مسكين ، عن عبد الله بن سنان ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل يريد أن يتزوج المرأة ، أينظر إلى شعرها؟ فقال : «نعم ، إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن» (٢).

والرواية صحيحة غير أنّ المذكور في التهذيب الطبعة القديمة في سند هذه الرواية الهاشم بن أبي مسروق النهدي بدلاً عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي والظاهر أنّ المذكور في الوسائل الموافق للطبعة الحديثة من التهذيب (٣) هو الصحيح ، فإنّ الهاشم بن أبي مسروق النهدي لا وجود له في كتب الأخبار والرجال.

ومنها : صحيحة غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي (عليه السلام) في رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوجها ، قال : «لا بأس ، إنما هو مستام ، فإن يقض أمر يكن» (٤).

وغياث بن إبراهيم هذا الذي يروي عن جعفر عن أبيه هو الذي وثّقه النجاشي (٥) وهو غير غياث بن إبراهيم البصري البتري الذي هو من أصحاب الباقر (عليه السلام) ، فإنّ حميد بن زياد وأحمد بن أبي عبد الله البرقي يرويان عن الأوّل بواسطة واحدة ، ومن الواضح أنّهما لا يمكنهما الرواية كذلك عمّن هو من أصحاب الباقر (عليه السلام) لكثرة الفصل ، ومثله رواية أحمد بن عيسى عنه بواسطة واحدة ، فلا يمكن القول باتحادهما ، وعلى فرض اتحادهما فلا يضرّ بعد توثيق النجاشي له.

وبالجملة : فالرواية معتبرة ، وقد دلّت على جواز النظر إلى محاسن المرأة التي يراد

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٣٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٣٦ ح ٧.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٣٥ / ١٧٣٤.

(٤) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٣٦ ح ٨.

(٥) رجال النجاشي : ٣٠٥ ترجمة برقم ٨٣٣.

١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

التزويج بها.

وربما استدل على ذلك برواية الحسن بن السري ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل يريد أن يتزوج المرأة ، يتأملها وينظر إلى خلفها وإلى وجهها؟ قال : «نعم ، لا بأس أن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها ، ينظر إلى خلفها وإلى وجهها» (١).

وقد عبّر عن هذه الرواية بعضهم بالصحيحة إلّا أن الأمر ليس كذلك ، فإنّ الحسن ابن السري قد ورد توثيقه عن النجاشي في كلمات ابن داود (٢) والعلّامة (٣) والميرزا الأسترآبادي (٤) ، غير أنّ السيد التفريشي قد ذكر بأنّ ذلك غير موجود في كلمات النجاشي مع أنّ لديه أربع نسخ من كتابه (قدس سره) (٥) وكذلك لم نعثر عليه عند مراجعتنا للنسخة الصحيحة.

وعلى هذا فلا تثبت وثاقة الرجل ولا يمكن العمل بروايته ، إلّا أننا في غنى عنها بعد ما ذكرناه من الروايات الصحيحة الدالة على المدّعى بالصراحة ، فيكون المتحصل هو جواز نظر الرجل إلى وجه المرأة وكفّيها وشعرها إذا أراد تزويجها.

هذا ولكن العلّامة (قدس سره) قد خالف في ذلك واقتصر في الجواز على الوجه والكفين ، حيث لم يذكر في الإرشاد غيرهما (٦) ، وأصرح من ذلك في الاقتصار كلام الشيخ الأعظم في رسالة النكاح (٧).

إلّا أنّك قد عرفت مما تقدّم أنّه لا وجه لذلك ، فإنّ الشعر مما ورد النص الصحيح

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٣٦ ح ٣.

وفيه في الموضعين : «ينظر إلى خلقها». وفي المصدر ، الكافي ٥ : ٣٦٥ ، كما في المتن.

(٢) رجال أبي داود : ٧٣ رقم ٤١٨.

(٣) رجال العلّامة : ٤٢.

(٤) منهج المقال : ٩٩.

(٥) نقد الرجال : ٩٠.

(٦) إرشاد الأذهان ٢ : ٥.

(٧) رسالة النكاح ٢٠ : ٣٩ طبع المؤتمر العالمي للذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري (قدس سره).

١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

في جواز النظر إليه ، فلا مبرر للقول بعدم الجواز.

ثمّ لا يخفى أنّ الماتن (قدس سره) قد جعل المحاسن في قبال الوجه والكفّين والشعر ، وظاهر ذلك أنّ المراد به غير المذكورات ، وهو مما لا يمكن المساعدة عليه وذلك لأنّ كلمة المحاسن قد ذكرت في روايات ثلاث :

إحداها صحيحة ، وهي رواية غياث بن إبراهيم المتقدمة ، والأُخريان ضعيفتان سنداً ، وهما :

رواية مسعدة بن اليسع الباهلي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «لا بأس أن ينظر الرجل إلى محاسن المرأة قبل أن يتزوجها ، فإنما هو مستام ، فإن يقض أمر يكن» (١).

ورواية عبد الله بن الفضل ، عن أبيه ، عن رجل ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قلت : أينظر الرجل إلى المرأة يريد تزويجها فينظر إلى شعرها ومحاسنها؟ قال : «لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذاً» (٢).

وفي جميع هذه النصوص لم تذكر كلمة المحاسن في قبال المذكورات ، إلّا في الرواية الأخيرة حيث عطفت على الشعر. وعلى هذا فيفهم أنّ المراد بالمحاسن ليس أمراً يغاير المذكورات ، وأنّ المراد بها هو ما يظهر به حسن المرأة وجمالها ، وحيث أنّ ذلك يحصل بالمذكورات فلا يبقى مجال للتعدي عنها ، ولا بدّ من تفسير المحاسن المذكورة في هذه الصحيحة بالمذكورات في باقي الصحاح.

نعم ، لا بأس بالنظر إلى الساق فإنّه من المحاسن قطعاً ، على أنّه قد ورد النص في جواز النظر إليه عند شراء الأمة (٣) فإذا جاز هناك جاز فيما نحن فيه بطريق أوْلى ، لأنه «يشتريها بأغلى الثمن». ويضاف إليه المعاصم ، وهو منصوص (٤) ، كما تضاف الرقبة لأنّها من المواضع التي يطلب فيها حسن المرأة ، فهي داخلة في المحاسن.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٣٦ ح ١٢.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٣٦ ح ٥.

(٣) سيأتي في ص ٢٢ ه‍ ٥.

(٤) راجع ص ١١ ه‍ ٢.

١٤

بل لا يبعد (*) جواز النظر إلى سائر جسدها ما عدا عورتها (١) وإن كان الأحوط خلافه.

______________________________________________________

(١) ذهب إلى ذلك صاحب الجواهر (قدس سره) (١) وخالفه فيه الشيخ الأعظم (قدس سره) متعجباً منه ذلك بعد توقفه (قدس سره) صاحب الجواهر في النظر إلى وجه الأجنبية ، لكونه خلاف المرتكزات (٢).

واستدلّ لما اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) بعدة روايات ، عمدتها هي :

صحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يريد أن يتزوّج المرأة ، أينظر إليها؟ قال : «نعم ، إنّما يشتريها بأغلى الثمن» (٣). حيث إنّها مطلقة فتشمل بإطلاقها جميع أعضاء البدن حتى العورة ، غاية الأمر أنّنا علمنا من الخارج حرمة النظر إليها ، فيبقى الإطلاق في الباقي سليماً.

والكلام في هذه الصحيحة يقع في مقامين : الأوّل في إطلاقها ، والثاني في وجود المقيد.

أمّا المقام الأوّل : فالظاهر أنّه لا إطلاق لها في حدّ نفسها ، لكونها غير ناظرة إلى ذلك. والوجه فيه وضوح التعليل في عدم كون الحكم حكماً تعبدياً ، وإنّ منشأ الحكم إنّما هو دفع الغبن الذي لا يتدارك من جانب الزوج.

فإنّ العقد بعد وقوعه لا يقبل الفسخ إذا لم يرتض الزوج زوجته ، كما أنّ الطلاق يوقعه في ضرر دفع نصف المهر ، ومن البديهي أنّه ليس للزوج أن يزوجها من غيره كي يستردّ المهر ، ففراراً من هذا المحذور الذي لا يتأتى في سائر العقود خصص تحريم النظر إلى الأجنبية ، ورُخِّص في جواز النظر إليها. ولعلّه والله العالم أن هذا هو المقصود من قوله (عليه السلام) : «إنّما يشتريها بأغلى الثمن».

__________________

(*) بل الأظهر اختصاص جواز النظر بالوجه واليدين بما فيهما المعصم والشعر والساقين.

(١) الجواهر ٢٩ : ٦٦.

(٢) الجواهر ٢٩ : ٦٧.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٣٦ ح ١.

١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فإذا تمّ ذلك فمن الواضح أنّ الجواز إنّما يختص بما يرتفع الغبن والضرر بالنظر إليه وذلك على ما عرفته هو المحاسن بالمعنى الذي يعمّ الساق ، وعليه فلا يجوز النظر إلى ما لا دخل له في ذلك من أعضاء البدن.

ومن هنا لم يكن تجريد الأَمة حين الشراء أمراً متعارفاً في الخارج ، إذ لا دخل لغير المذكورات منها في معرفة محاسنها.

وعليه فالمتحصل : أنّه لا إطلاق لصحيحة محمد بن مسلم يشمل جميع بدن المرأة.

وأما رواية الحسن بن السري ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل يريد أن يتزوج المرأة ، يتأملها وينظر إلى خلفها وإلى وجهها؟ قال : «نعم ، لا بأس أن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها ، ينظر إلى خلفها وإلى وجهها» (١) فهي من حيث الدلالة لا إطلاق فيها يشمل جميع البدن ، إذ لا ظهور فيها في كون النظر إلى خلفها بتجريدها من ثيابها ، بل الظاهر إنّه إنما يكون من وراء الثياب لمعرفة حجمها.

ومن حيث السند فهي ضعيفة بالحسن بن السري الذي لم يثبت توثيقه (٢).

وكذلك روايته الثانية عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، أنّه سأله عن الرجل ينظر إلى المرأة قبل أن يتزوجها ، قال : «نعم ، فَلِمَ يعطي ماله» (٣). فإنّها من حيث الدلالة كصحيحة محمّد بن مسلم ، حيث لا إطلاق فيها يشمل جميع البدن ، على أنّها ضعيفة بالإرسال أيضاً.

نعم ، قد يستدل على ذلك بمعتبرة البزنطي عن يونس بن يعقوب ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل يريد أن يتزوج المرأة ، يجوز له أن ينظر إليها؟ قال : «نعم ، وترقّق له الثياب لأنّه يريد أن يشتريها بأغلى الثمن» (٤).

إلّا أنّها حتى مع غضّ النظر عن التعليل المذكور فيها لا دلالة لها على المدعى ، إذ

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٣٦ ح ٣.

وراجع ص ١٣ ه‍ ١.

(٢) راجع معجم رجال الحديث ٥ : ٣٣٠.

(٣) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٣٦ ح ٤.

(٤) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٣٦ ح ١١.

١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أن ترقيقها الثياب ليس هو بمعنى كون ما تلبسه ثوباً يحكي البشرة ، فإنّ مثل هذه الثياب لا يعلم وجودها في تلك الأزمنة ، وإنّما هو بمعنى تخفيف الثياب وعدم تعدّدها بحيث لا يعرف معه حجم البدن نظير لبس الفروة وما شابهها. ولعل في استعمال صيغة الجمع حيث عبّر (عليه السلام) : «وترقّق له الثياب» إشارة إلى ذلك ، إذ لو كان المقصود هو المعنى المذكور لكان استعمال المفرد أنسب. على أن ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم آت هنا بحذافيره.

وأمّا المقام الثاني ؛ فالظاهر أنّه حتى لو فرض للروايات السابقة أو لبعضها إطلاق فإن هناك عدّة نصوص صحاح تقيّدها.

منها : صحيحة هشام بن سالم ، وحماد بن عثمان ، وحفص بن البختري ، فإنّ المذكور فيها : «لا بأس أن ينظر إلى وجهها ومعاصمها» (١).

وتقدم منّا في مباحث الأُصول أنّ القيد لما كان ظاهراً في الاحتراز ، فهو يدلّ على عدم ثبوت الحكم للطبيعة المطلقة حتى الفاقدة له ، وهذا لا يتوقف على القول بثبوت المفهوم بل يثبت ذلك حتى مع عدم القول بالمفهوم ، إذ لو كان الحكم ثابتاً للطبيعة لكان ذكر القيد لغواً محضاً ، ففراراً من محذور اللغوية لا بدّ من الالتزام بعدم ثبوت الحكم للجامع ، وإن كنّا لا نلتزم بانتفاء الحكم عند انتفاء القيد.

ومنها : موثقة يونس بن يعقوب ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) : عن الرجل يريد أن يتزوّج المرأة وأحبّ أن ينظر إليها ، قال : «تحتجز ثم لتقعد ، وليدخل فلينظر». قال : قلت : تقوم حتى ينظر إليها؟ قال : «نعم». قلت : فتمشي بين يديه؟ قال : «ما أحب أن تفعل» (٢).

وحيث أنّ الظاهر أنّه (عليه السلام) في مقام بيان الوظيفة الشرعية ، فتدل الرواية على عدم جواز النظر إلى بدنها ، إذ لو كان ذلك أمراً جائزاً لما كانت هناك حاجة إلى أمرها بالاحتجاز.

والحاصل إنّه لو فرض للأخبار المتقدمة إطلاق ، فهاتان الروايتان تقيدانه وتخصان

__________________

(١) راجع ص ١٢ ه‍ ١.

(٢) الوسائل ، ج ٢٠ كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب ٣٦ ح ١٠.

١٧

ولا يشترط أن يكون ذلك بإذنها ورضاها (١). نعم ، يشترط أنْ لا يكون بقصد التلذّذ (٢) وإنْ علم أنّه يحصل بنظرها قهراً.

ويجوز تكرار النظر (٣) إذا لم يحصل الغرض وهو الاطلاع على حالها بالنظر الأوّل.

ويشترط أيضاً أن لا يكون مسبوقاً بحالها (٤) وأن يحتمل اختيارها (٥) وإلّا فلا يجوز.

______________________________________________________

الحكم بالموارد المذكورة ، ومن هنا يتضح أن ما اختاره الماتن (قدس سره) تبعاً لصاحب الجواهر (قدس سره) (١) مشكل جدّاً على أنّه خلاف الاحتياط.

(١) بلا خلاف في ذلك ، فإنّ عمومات حرمة النظر إلى الأجنبية مخصصة فلا تشمل المورد ، وليس هو من حقوق المرأة كي يتوقف الحلّ على رضاها.

(٢) لأنّ المستفاد من الأخبار هو جواز النظر إليها مقدمة للتزوج منها. أما إذا لم يكن للنظر دخل في التزوج منها كما إذا كان ذلك بقصد التلذّذ أو غيره فلا يجوز ويدخل في ذلك ما إذا كان مطلعاً على حالها ، أو كان قاصداً التزوج منها على كل حال ، سواء كانت حسناء أم غير حسناء.

(٣) لإطلاق الأدلة ، فإنّ مقتضاها جواز النظر إليها ما دام أنّه لأجل انكشاف حالها ومعرفة محاسنها.

(٤) إذ لا يكون النظر حينئذ للاطلاع على حالها ومقدمة للزواج ، فلا يكون مشمولاً للنصوص.

(٥) واشتراطه واضح ، فإنّه مع عدم احتمال اختيارها لا يصدق عنوان إرادة التزويج بها.

ثمّ لا يخفى أنّه كان على الماتن (قدس سره) أن يذكر في جملة ما يعتبر في جواز النظر إلى المرأة جواز التزوج بها بالفعل ، إذ لا يجوز النظر إلى التي لا يجوز نكاحها فعلاً لحرمة عرضية قابلة الزوال كما لو كان تحته أربع زوجات دائمات ، أو كانت

__________________

(١) الجواهر ٢٩ : ٦٦.

١٨

ولا فرق بين أن يكون قاصداً لتزويجها بالخصوص ، أو كان قاصداً لمطلق

______________________________________________________

المرأة في العدّة فعلاً ، أو كانت أُختاً لزوجته لانصراف الروايات عنه ، إذ أن التعليل بأنه «يشتريها بأغلى الثمن» ظاهر في كون الرجل بصدد التزوّج منها فعلاً ، وإنّ جواز النظر مختص بذلك الفرض. وعليه فإذا لم يجز تزوجها لعارض ، لم يصدق عليه أنّه بصدد التزوّج منها ، فلا يجوز له النظر إليها.

ثم هل يجري هذا الحكم في بنت الزوجة غير المدخول بها إذا أراد التزوج بها أم لا؟ وهل إنّها كأُخت الزوجة أم لا؟

ذهب المشهور إلى الأوّل ، نظراً إلى حرمة التزوج بالبنت ما دامت الأُم في حبالته.

ولكن الظاهر أنّه مما لا دليل عليه ، إذ لم يرد بالنسبة إليهما دليل يدل على حرمة الجمع بينهما نظير ما ورد في الأُختين ، وإنما الذي ورد في الآية الكريمة والروايات هو حرمة التزوج بالبنت إذا كانت الام مدخولاً بها وحل ما وراء ذلك (١). ومعنى ذلك هو جواز التزوج بالبنت إذا كانت الام غير مدخول بها ، لأنها حينئذ تكون مشمولة بما وراء ذلك فتكون حلالاً. ونتيجة ذلك أنّه لو تزوج بالبنت حرمت عليه أُمها وانفسخ نكاحها ، لأنّها أصبحت أُم الزوجة ولا يجوز نكاحها.

وقد يتوهّم أنّ زوال زوجية الأُم إنما هو في مرحلة متأخرة عن ثبوت زوجية البنت لأنه معلول له ، ومن البديهي أنّ المعلول يتأخر عن علته رتبة. فعلى هذا ففي مرتبة سابقة على زوال زوجية الام وحرمتها ، تكون الام والبنت معاً زوجة له وهو أمر غير جائز قطعاً ، إذ لا يصح الجمع بينهما بلا خلاف.

إلّا أنّه يندفع بما ذكرناه في عدّة موارد من أنّ الأحكام الشرعية لا تدور مدار الرتب ، وإنما المدار فيها هو الزمان ، فإنّ السبق واللحوق الرتبي مما يناسب الفلسفة لا الفقه. والمفروض في مسألتنا هذه عدم اجتماع زوجية الام والبنت في زمان واحد ، فإنّ الزمان الذي كانت الام فيه زوجة له لم تكن البنت كذلك ، وفي الزمان الذي أصبحت البنت زوجة له انفسخ نكاح الام وخرجت عن الزوجية ، فلا يكونان معاً زوجة له

__________________

(١) إشارة إلى الآية ٢٤ من سورة النساء.

١٩

التزويج وكان بصدد تعيين الزوجة بهذا الاختبار ، وإن كان الأحوط الاقتصار على الأوّل (*) (١).

وأيضاً لا فرق بين أن يمكن المعرفة بحالها بوجه آخر من توكيل امرأة تنظر إليها وتخبره أوْ لا (٢) وإن كان الأحوط الاقتصار على الثاني.

ولا يبعد جواز نظر المرأة (**) أيضاً إلى الرجل الذي يريد تزويجها (٣) ولكن لا يترك الاحتياط بالترك.

______________________________________________________

في زمان واحد ، وعليه فلا مانع من الالتزام المذكور وإن كان ذلك خلاف المشهور جدّاً ، ومن هنا يظهر الفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة.

(١) بل هو المتعيّن ، فإنّ الظاهر من الروايات أنّ جواز النظر مترتب على إرادة التزوّج منها ، ومن هنا فلا بدّ من فرض وجود الموضوع إرادة التزوّج منها مفروغاً عنه في الخارج قبل الحكم بالجواز. وعليه فحيث إن إرادة التزوج بكل واحدة منهن غير متحققة في الخارج ، إذ لم تتعلق إرادته إلّا بالجامع ، فلا مجال للحكم بجواز النظر إليهن جميعاً.

(٢) لإطلاق الروايات من هذه الجهة ، خصوصاً بملاحظة عدم إمكان الاطلاع على أوصافها بالسماع ونحوه بمثل ما يطلع عليه بالبصر.

(٣) ذهب إليه الشيخ الأعظم (قدس سره) مستدلّاً عليه بأنّ الرجل إذا جاز له النظر إليها لأنه يبذل لها أغلى الثمن ، جاز لها النظر إليه بطريق أولى لأنها تبذل أغلى المثمن ، خصوصاً وإنّ بإمكان الرجل التخلص من المرأة بالطلاق لو لم تكن كما يريد بخلاف العكس حيث ليس لها ذلك (١).

إلّا أنّه مما لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأجل ما ذكرناه في تفسير التعليل

__________________

(*) بل الأقوى ذلك.

(**) فيه إشكال بناءً على عدم جواز نظرها إليه في نفسه.

(١) رسالة النكاح ٢٠ : ٤٢ ٤٣.

٢٠