موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

شرائط الطّواف

الطّواف هو الواجب الثاني في عمرة التمتّع ويفسد الحج بتركه عمداً ، سواء أكان عالماً بالحكم أم كان جاهلاً به أو بالموضوع (١)

______________________________________________________

(١) لا شبهة في أنّ الطّواف من أجزاء الحج والعمرة ، بل هو ركن فيهما إجماعاً وضرورة ، ولم يختلف فيه أحد من المسلمين ، ويدلُّ عليه مضافاً إلى ما ذكر الآية الشريفة (وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً) إلى قوله تعالى ـ (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (١).

وأمّا الروايات فكثيرة جدّاً منها : الروايات الواردة في كيفية الحج (٢).

ومنها : النصوص الدالّة على لزوم الإعادة إذا شكّ في عدد الأشواط (٣) أو أحدث في الأثناء (٤) ، أو حاضت المرأة في الأثناء (٥) وغير ذلك من الروايات.

ومن تركه عامداً بطل حجّه أو عمرته ، لأنّه لم يأت بالمأمور به وبما وجب عليه وهذا أمر واضح لا يحتاج إلى دليل خاص ، بل نفس الجزئية تقتضي البطلان إذا لم

__________________

(١) الحجّ ٢٢ : ٢٧ ـ ٢٩.

(٢) الوسائل ١١ : ٢١٢ / أبواب أقسام الحج ب ٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٥٩ / أبواب الطّواف ب ٣٣.

(٤) الوسائل ١٣ : ٣٧٨ / أبواب الطّواف ب ٤٠.

(٥) الوسائل ١٣ : ٤٥٣ / أبواب الطّواف ب ٨٥.

١

ويتحقّق الترك بالتأخير إلى زمان لا يمكنه إدراك الرّكن من الوقوف بعرفات (١).

______________________________________________________

يؤت به ، من دون فرق بين كونه عالماً أو جاهلاً بالحكم أو بالموضوع كما إذا طاف في مكان آخر بتخيل أنّه البيت لأنّ العمل ناقص وهو غير مأمور به وإجزاء الناقص عن التام يحتاج إلى دليل بالخصوص ، فان لم يكن دليل على الاجزاء فالحكم بالبطلان على القاعدة ، لعدم الإتيان بالمأمور به ، إذ المركب ينتفي بانتفاء جزئه ولا حاجة إلى الدليل على البطلان.

مضافاً إلى ذلك يدلّنا على البطلان في فرض الجهل صحيح علي بن يقطين «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة ، قال : إن كان على وجه جهالة في الحج أعاد وعليه بدنة» (١)

ومن المعلوم أولوية العالم من الجاهل بالإعادة والفساد.

ويؤيّده خبر علي بن أبي حمزة «عن رجل جهل أن يطوف بالبيت حتّى يرجع إلى أهله ، قال : إن كان على وجه الجهالة أعاد الحج وعليه بدنة» (٢).

ولكن موردهما الحج ولا يشمل العمرتين ، إلّا أنّ الّذي يسهل الأمر أنّ الحكم بالبطلان على القاعدة بعد القطع بجزئية الطّواف في الحج والعمرة ، فلا نحتاج إلى دليل خاص للحكم بالبطلان ، من دون فرق بين ما لو تركه عالماً أو جاهلا.

وأمّا الناسي فسيأتي حكمه.

(١) ويتحقق ترك الطّواف بعدم إدراك الوقوف بعرفات ولو آناً ما ، على الخلاف المتقدم في حدّ الضيق لمن ضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحج (٣).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٠٤ / أبواب الطّواف ب ٥٦ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٠٤ / أبواب الطّواف ب ٥٦ ح ٢.

(٣) راجع شرح العروة ٢٧ : ٢٢٨ المسألة [٣٢١٠].

٢

ثمّ إنّه إذا بطلت العمرة بطل إحرامه أيضاً على الأظهر (١) والأحوط الأولى حينئذ العدول إلى حج الافراد ، وعلى التقديرين تجب إعادة الحج في العام القابل.

______________________________________________________

(١) فحينئذ لا حاجة إلى المحلل بعد فساد النسك بتعمد ترك الطّواف ، ضرورة بطلان الإحرام الّذي هو جزء من العمرة ببطلان الطّواف وفساده ، فانّ الإحرام إنّما يكون جزءاً للنسك إذا لحقه بقية الأجزاء ، فالإحرام الملحوق بسائر الأعمال والأجزاء جزء للنسك ، فلو انقطع ولم يأت ببقية الأعمال على وجهها ينكشف عن أنّ الجزء الأوّل لم يكن بواجب وبمأمور به أصلاً كما هو الحال في تكبيرة الإحرام ، فإنّ التكبيرة إنّما تكون جزءاً للصلاة إذا أتى المصلي ببقية الأجزاء اللّاحقة ، فجزئية التكبيرة مشروطة بإتيان الأجزاء اللّاحقة على نحو الشرط المتأخر ، وكذلك المقام ، إذ ليس مجرد قوله : لبيك يكون إحراماً ما لم يأت ببقية الأعمال ، فاذا لبى ولم يطف ولم يذهب إلى عرفات فلم يأت بالمأمور به من الأوّل ويكشف عن أنّ الإحرام الصادر منه ملغى لا يترتّب عليه أيّ أثر ، من دون فرق بين العلم والجهل ، لعدم إتيانه بالمأمور به ، وما أتى به مجرّداً عن الأجزاء اللّاحقة غير مأمور به.

وبما ذكرنا ظهر فساد ما نسب إلى المحقق الكركي من بقائه على إحرامه ومحرماته إلى أن يأتي بالفعل الفائت في محله وهو السنة الآتية (١).

على أنّه يسأل المحقق المذكور أن هذا الشخص يحج في السنة الآتية بالإحرام الأوّل ومن دون تجديده ، فهذا ينافي ما ذكروه من اعتبار وقوع العمرة والحج في سنة واحدة ، وإن التزم بإحرام آخر فلا معنى لبقائه على إحرامه الأوّل ، فإن تجديد الإحرام يكشف عن بطلان الإحرام الأوّل ، ولكن مع ذلك الأحوط استحباباً أن يعدل إلى الإفراد ، لعدّة من الروايات المتقدمة في تلك المسألة (٢) ، ولكن موردها عدم الإدراك اضطراراً والترك عن غير اختيار ، ولا تشمل مورد الترك الاختياري العمدي

__________________

(١) لاحظ جامع المقاصد ٣ : ٢٠١.

(٢) راجع شرح العروة ٢٧ : ٢٢٩ ذيل المسألة [٣٢١٠].

٣

ويعتبر في الطّواف أُمور :

الأوّل : النيّة ، فيبطل الطّواف إذا لم يقترن بقصد القربة (١).

______________________________________________________

ولا وجه للتعدي ، ولكن الاحتياط حسن ولو لمجرد الاحتمال وإن كان ضعيفاً ، وعلى التقديرين لا يجزئ عن حجه الواجب عليه لفساده وبقائه في ذمّته ، فتجب عليه إعادة الحج في العام القابل.

(١) النيّة المعتبرة تارة يراد بها قصد العمل وصدور الفعل عن اختيار ، فلا ريب في اعتبار ذلك ، لأنّ الفعل الصادر عن غير قصد ولا اختيار لم يتعلق به التكليف ، فلو صدر منه الفعل من غير قصد ولا اختيار لم يأت بالمأمور به ، وهذا من دون فرق بين كون الواجب تعبّدياً أو توصّلياً إلّا فيما إذا علم بحصول الغرض بالفعل غير الاختياري فيجتزئ به ، لا لإتيان المأمور به بل لسقوط الأمر بحصول الغرض كغسل الثوب فإنّه يجتزى به ولو كان بسبب إطارة الريح ونحو ذلك ، وقد ذكرنا تحقيق ذلك في بحث التعبدي والتوصلي من علم الأُصول (١).

وأُخرى : يراد بها قصد القربة ، وهذا أيضاً ممّا لا ريب في اعتبارها فلو طاف لغرض آخر غير التقرب كالتمشي لا يكون مجزئاً.

ويدلُّ على ذلك مضافاً إلى الضرورة والارتكاز ، الآية الشريفة (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) (٢) فانّ المستفاد منها أنّ الحج لله تعالى وأنّه أمر إلهي ولا بدّ من الانتساب إليه تعالى وإضافته إليه سبحانه ، وكذلك يستفاد عباديته من السنّة كالروايات الدالّة على أنّ الإسلام بُني على خمس : الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية (٣) ، فان ما بُني عليه الإسلام يكون أمراً إلهياً قربياً منتسباً إليه.

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٣٩.

(٢) آل عمران ٣ : ٩٧.

(٣) الوسائل ١ : ١٣ / أبواب مقدمة العبادات ب ١.

٤

الثاني : الطّهارة من الحدثين الأكبر والأصغر ، فلو طاف المحدث عمداً أو جهلاً أو نسياناً لم يصح طوافه (١)

______________________________________________________

(١) لا إشكال ولا خلاف في اعتبار الطهارة من الحدثين في الطّواف الواجب ويدلُّ عليه روايات معتبرة :

منها صحيحة محمّد بن مسلم «عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهور ، قال يتوضأ ويعيد طوافه» (١).

ومنها صحيح علي بن جعفر «عن رجل طاف بالبيت وهو جنب فذكر وهو في الطّواف ، قال : يقطع الطّواف ولا يعتد بشي‌ء مما طاف. وسألته عن رجل طاف ثمّ ذكر أنّه على غير وضوء ، قال : يقطع طوافه ولا يعتد به» (٢).

وفي جملة من روايات الباب أنّ الحكم باعتبار الطهارة خاص بالطواف الواجب وأمّا الطّواف المندوب فلا يعتبر فيه الطهارة وإنّما يتوضأ لصلاته.

وهنا رواية رواها الشيخ بإسناده

عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل طاف بالبيت على غير وضوء ، قال : لا بأس» (٣)

وإطلاقها يشمل الطّواف الواجب والمندوب ، ولكن لا بدّ من رفع اليد عن إطلاقها وحملها على المندوب وتقييدها به ، لصحيح محمّد بن مسلم وغيره.

مضافاً إلى ضعف الرواية سنداً ، لأن في طريق الشيخ إلى زيد الشحام أبا جميلة وهو ضعيف.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٧٤ / أبواب الطّواف ب ٣٨ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٧٥ / أبواب الطّواف ب ٣٨ ح ٤.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٧٧ / أبواب الطّواف ب ٣٨ ح ١٠.

٥

مسألة ٢٨٥ : إذا أحدث المحرم أثناء طوافه فللمسألة صور :

الاولى : أن يكون ذلك قبل بلوغه النصف ففي هذه الصورة يبطل طوافه وتلزمه إعادته بعد الطهارة (١).

______________________________________________________

(١) لو أحدث أثناء الطّواف فهل يبطل طوافه أو يتوضأ ويأتي بالباقي أو فيه تفصيل؟

المعروف بين الأصحاب بل لا خلاف بينهم في أنّه لو أحدث في طوافه قبل بلوغ النصف بطل طوافه ، وإن كان بعده توضأ وأتى بالباقي.

وعن المدارك أن هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل ادعى عليه الإجماع (١).

وعن الفقيه : أنّ الحائض تبنى مطلقاً لصحيح ابن مسلم «عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل ثمّ رأت دماً ، قال : تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت واعتدت بما مضى» (٢).

ولا يخفى أن ما ذكره الصدوق (قدس سره) حكم خاص بالحيض ، لأنّ القاعدة تقتضي البطلان بحدوث الحيض في الأثناء ، لأن أقل الحيض ثلاثة أيّام فيتحقق الفصل الطويل بين الأشواط ، وإذا دلّ دليل خاص على الصحّة وكفاية الإتيان بالباقي نقتصر على مورد النص ولا نتعدى إلى غيره. على أن مسألة حدوث الحيض أثناء الطّواف أجنبية عن المقام بالمرة ، لأنّ الكلام في مانعية الحدث في نفسه مع قطع النظر عن مانع آخر كالفصل الطويل وعدم التوالي بين الأشواط.

وكيف كان ، فقد يستدل للمشهور بما دلّ على اعتبار الطهارة في الطّواف ، فان مقتضاه بطلانه إذا صدر الحدث أثناءه لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه ، وأمّا الحكم

__________________

(١) المدارك ٨ : ١٥٦.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٤١ / ١١٥٤ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٤ / أبواب الطّواف ب ٨٥ ح ٣.

٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بالصحّة بعد التجاوز عن النصف فلأجل دليل خاص ، وإلّا فالقاعدة الأولية تقتضي البطلان مطلقاً.

ويرد عليه : ما ذكرناه في باب الصلاة (١) من أنّ المانعية شي‌ء والقاطعية شي‌ء آخر ، ولو كنّا نحن وأدلّة اعتبار الطهارة في الصلاة كقوله : «لا صلاة إلّا بطهور» (٢) فلا يستفاد منها إلّا اقتران أجزاء الصلاة بالطهارة ، وأمّا الأكوان المتخللة فلا يعتبر فيها الطهارة ، فلو صدر الحدث في الأثناء يتوضأ ويأتي بالأجزاء اللّاحقة ، فإن جميع الأجزاء تكون مقرونة بالطهارة وإن كانت الأجزاء السابقة بالطهور السابق والأجزاء اللّاحقة بالطهور اللّاحق ، ولا دليل على وقوع جميع الأجزاء عن طهور واحد ، إلّا أنّه في باب الصلاة دلّ دليل خاص على قاطعية الحدث وأنّه موجب لعدم قابلية إلحاق الأجزاء اللّاحقة بالسابقة ، ففي باب الصلاة إنّما نقول بالفساد لا لأجل اعتبار الطهارة في الصلاة ، بل لأجل أدلّة أُخرى تدل على القاطعية كالأمر بالإعادة والاستئناف.

وأمّا الطّواف الّذي هو اسم للأشواط السبعة ، فالأدلّة دلّت على اشتراط الطّواف بالطهارة ، فاللازم إيقاع الأشواط السبعة عن طهور ، وأمّا اعتبار كون الطهارة شرطاً في الأكوان المتخللة وكون الحدث قاطعاً كما في الصلاة فلا دليل عليه.

وربّما يتوهّم أنّه يدل على ذلك في باب الطّواف صحيح حمران بن أعين لقوله (عليه السلام) : «وإن كان طاف طواف النِّساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثمّ خرج فغشي فقد أفسد حجّه أي طوافه وعليه بدنة ويغتسل ، ثمّ يعود فيطوف أُسبوعاً» (٣) فإنّه يدل على الفساد وقاطعية الحدث في الأثناء ، وهو وإن كان وارداً في طواف النِّساء ولكن الحكم يجري في طواف الحج بالأولى ، لأنّه جزء للحج بخلاف طواف النِّساء فإنّه واجب مستقل.

__________________

(١) لم نجد تصريحاً بذلك في كتاب الصّلاة.

(٢) الوسائل ١ : ٣٦٥ / أبواب الوضوء ب ١ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٢٦ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١١ ح ١.

٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيه : أن مورد الصحيحة هو الجماع وله أحكام خاصّة في باب الحج ، وكيف يمكن التعدي منه لمطلق الحدث.

وممّا ذكرنا يظهر أن ما دلّ على الصحّة أو الفساد فيما إذا حدث الحيض في الأثناء خارج عن محل الكلام ، لأنّ حدوث الحيض في الأثناء يوجب الفصل الطويل ولا أقل بثلاثة أيّام ، فلا يمكن الاستدلال بذلك للحدث الصادر في الأثناء ، فلا دليل لمذهب المشهور إلّا مرسل ابن أبي عمير على ما رواه الكليني ، ومرسل جميل على ما رواه الشيخ عن أحدهما (عليهما السلام) «في الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه ، قال : يخرج ويتوضأ ، فان كان جاز النصف بنى على طوافه ، وإن كان أقل من النصف أعاد الطّواف» (١).

والمرسلة صريحة في مذهب المشهور ولكنّها ضعيفة بالإرسال ، وقد ذكرنا كثيراً أنّه لا عبرة بالمراسيل وإن كان المرسل مثل جميل أو ابن أبي عمير ، فأدلّة المشهور كلّها ضعيفة ، ولكن مع ذلك ما ذهب إليه المشهور هو الصحيح والوجه في ذلك :

أن حدوث الحيض أثناء الطّواف وإن كان نادراً جدّاً ولكن مع ذلك كثر السؤال عنه في الروايات ، وأمّا صدور الحدث خصوصاً من المريض والشيخ والضعيف كثيراً ما يتحقق في الخارج لا سيما عند الزحام ، ولا سيما أنّ الطّواف يستوعب زماناً كثيراً ومع ذلك لم ينسب القول بالصحّة إلى أحد من الأصحاب ، بل تسالموا على البطلان وأرسلوه إرسال المسلمات ، وهذا يوجب الوثوق بصدور الحكم بالبطلان من الأئمة (عليهم السلام) ولو لم يكن الحكم به صادراً منهم (عليهم السلام) لخالف بعض العلماء ولو شاذاً ، فمن تسالم الأصحاب وعدم وقوع الخلاف من أحد مع أنّ المسألة مما يكثر الابتلاء به نستكشف الحكم بالبطلان ، فما هو المعروف هو الصحيح.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٧٨ / أبواب الطّواف ب ٤٠ ح ١ ، الكافي ٤ : ٤١٤ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١١٨ / ٣٨٤.

٨

الثانية : أن يكون الحدث بعد إتمامه الشوط الرابع ومن دون اختياره ، ففي هذه الصورة يقطع طوافه ، ويتطهر ويتمه من حيث قطعه (١).

______________________________________________________

(١) إذا صدر الحدث بعد إتمامه الشوط الرابع ففيه صورتان :

الاولى : أن يصدر الحدث من دون اختياره ، ففي هذه الصورة يقطع طوافه ويتوضأ ويتمه من حيث قطعه ، للتسالم من الأصحاب على الصحّة ، ولمرسلة جميل المتقدمة (١) ولعدّة من الروايات الدالّة على الصحّة بطروء الحيض (٢) فانّ الحدث أولى بالصحّة.

مضافاً إلى أنّ الأصل يقتضي الصحّة ، لاقتران الأشواط بالطهارة ولا دليل على قاطعية الحدث كما تقدم.

الثانية : أن يصدر الحدث اختياراً ، فيحتمل الحكم بالصحّة لإطلاق مرسل جميل بناءً على أن إطلاقه يشمل الحدث الاختياري أيضاً ، ويحتمل البطلان لا من جهة الحدث بل من جهة الخروج من المطاف اختياراً ، فان قطع الطّواف اختياراً إلّا في موارد خاصّة منصوص عليها موجب للبطلان ، فالأحوط هو الجمع بين أن يتم طوافه من حيث قطع ثمّ يعيده ويستأنف من جديد.

على أنّ شمول إطلاق مرسل جميل للحدث الاختياري بعيد جدّاً ، لأن بعض أفراده يوجب التعزير وبعضه الآخر يوجب القتل فكيف يصدر ذلك من المحرم ، ثمّ يسأل الإمام (عليه السلام) عن حكمه ، إلّا إذا أُريد منه النوم أو مجرّد الريح.

وكيف كان فالحكم بالصحّة بعيد جدّاً ، وقد ذهب جماعة من الفقهاء إلى البطلان في هذه الصورة لاستلزامها قطع الطّواف اختياراً ، فالقول بالبطلان أرجح ولا أقل من الاحتياط.

__________________

(١) في الصفحة السابقة.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٥٣ / أبواب الطّواف ب ٨٥.

٩

الثالثة : أن يكون الحدث بعد النصف وقبل تمام الشوط الرابع ، أو يكون بعد تمامه مع صدور الحدث عنه بالاختيار. والأحوط في هذين الفرضين أن يتم طوافه بعد الطهارة من حيث قطع ثمّ يعيده ، ويجزئ عن الاحتياط المذكور أن يأتي بعد الطهارة بطواف كامل يقصد به الأعم من التمام والإتمام ، ومعنى ذلك : أن يقصد الإتيان بما تعلق في ذمّته ، سواء أكان هو مجموع الطّواف ، أم هو الجزء المتمّم للطواف الأوّل ، ويكون الزائد لغواً (١).

______________________________________________________

نعم ، يجزئ عن الاحتياط المذكور أن يأتي بعد الطهارة بطواف كامل يقصد به الأعم من التمام والإتمام ويكون الزائد لغواً في فرض ما إذا كان الباقي هو الجزء المتمّم للطواف الأوّل.

(١) أمّا إذا صدر الحدث بعد تمام الشوط الرابع مع الاختيار فقد ذكرنا حكمه في الصورة الثانية ، والكلام فعلاً فيما لو صدر الحدث بعد النصف وقبل تمام الشوط الرابع والمحتمل في هذه الصورة أمران :

أحدهما : الحكم بالصحّة ، فيبني على طوافه ويتطهر ويأتي بالباقي.

ثانيهما : الحكم بالفساد ولزوم الاستئناف.

ومنشأ الاحتمالين أنّ المراد بالنصف في المرسلين المتقدِّمين (١) وكلام الأصحاب هل هو النصف الصحيح أو النصف الكسري؟ فانّ النصف إنّما هو باعتبار الأشواط ، ومن المعلوم أنّ السبعة ليس لها نصف صحيح إلّا النصف الكسري أي ثلاثة ونصف.

فإن أُريد به النصف الصحيح فلا محالة يراد بالتجاوز عن النصف في المرسل وكلام الأصحاب بعد الشوط الرابع وإتمامه ، وإن أُريد به النصف الحقيقي الكسري أي ثلاثة ونصف فيبعّده أنّ التعبير بالوصول إلى الركن الثالث كان أسهل وأولى ، فانّ النصف الحقيقي الكسري هو الوصول إلى الركن الثالث سواء أكانت المسافة بينه وبين الكعبة

__________________

(١) في ص ٨.

١٠

مسألة ٢٨٦ : إذا شكّ في الطهارة قبل الشروع في الطّواف أو في أثنائه ، فإن علم أنّ الحالة السابقة كانت هي الطهارة وكان الشك في صدور الحدث بعدها لم يعتن بالشك وإلّا وجبت عليه الطهارة والطّواف أو استئنافه بعدها (١).

______________________________________________________

قليلة أو كثيرة ، فإنّ الطّواف حول الكعبة على نحو الدائرة والوصول إلى الركن الثالث هو النصف على كل تقدير.

فعلى الاحتمال الأوّل لا بدّ من الإعادة والاستئناف لعدم إتمام الشوط الرابع ، وعلى الاحتمال الثاني لا حاجة إلى الإعادة بل يبني على طوافه ، فمقتضى الاحتمالين وعدم ترجيح أحدهما على الآخر هو الجمع بين الأمرين بأن يتم طوافه من حيث قطع بعد الطهارة ثمّ يأتي بطواف آخر. ويجزئ عن الاحتياط المذكور أن يأتي بطواف كامل يقصد به الأعم من التمام والإتمام ، فإن كان المطلوب هو التمام فقد أتى به ولا عبرة بما تقدم منه ، وإن كان المطلوب هو الإتمام فقد حصل ويكون الزائد لغواً.

وممّا يؤيِّد أنّ العبرة في النصف بالنصف الصحيح خبر إبراهيم بن إسحاق عمن سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن امرأة طافت أربعة أشواط وهي معتمرة ثمّ طمثت ، قال : تتم طوافها وليس عليها غيره ومتعتها تامّة ، ولها أن تطوف بين الصفا والمروة ، لأنّها زادت على النصف وقد قضت متعتها ، فلتستأنف بعد الحج ، وإن هي لم تطف إلّا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج» الحديث (١) فقد جعل الثلاثة مقابل الأربعة لا الثلاثة والنصف ، فيعلم أنّ النصف لوحظ باعتبار العدد الصحيح وهو الأربعة.

(١) من شكّ في الطهارة فقد يفرض أنّه مسبوق بالطهارة فلا ريب أنّه محكوم بالطهارة لاستصحابها ، لصحيح زرارة المعروف الدال على استصحاب الطهارة (٢) سواء كان الشك في الأثناء أو بعده أو قبله ، وقد يفرض أنّه مسبوق بالحدث

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٥٥ / أبواب الطّواف ب ٨٥ ح ٤.

(٢) الوسائل ١ : ٢٤٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١ وغيره.

١١

.................................................................................................

______________________________________________________

فاستصحاب الحدث يجري على كل تقدير ، وقد يفرض أنّه من باب توارد الحالتين ويشك في السابق واللّاحق وهذا على صور :

أحدها : أن يشك بعد الفراغ من الطّواف ففي مثله يحكم بالصحّة لقاعدة الفراغ لجريانها في جميع الموارد ولا خصوصية لها بالصلاة.

ونقل في الجواهر (١) عن كاشف اللثام (٢) الحكم بالبطلان ، ولا وجه له أصلاً وهو أعرف بما قال.

ثانيها : أن يشك قبل الطّواف فحينئذ لا بدّ من الطهارة لعدم إحرازها في العمل المشترط بها ، سواء قلنا بجريان استصحابي الطهارة والحدث وتساقطهما أو قلنا بعدم جريانهما أصلاً كما عن المحقق صاحب الكفاية (٣).

ثالثها : أن يشك في الأثناء ، المعروف هو البطلان لعدم إحراز الطهارة وهو الصحيح ، واحتمل في الجواهر الصحّة بالنسبة إلى الأشواط السابقة ويتطهّر لما بقي من أشواطه نظير الشك في الطهارة بين صلاتي الظهر والعصر فإنّه يحكم بصحّة الظهر وعدم الالتفات إلى الشك ويجب الوضوء للعصر مع أنّ العصر مترتب على الظهر ، وقال (قدس سره) ولكن لم أجد من احتمله في المقام (٤).

ويرد عليه بالفرق بين صلاتي الظهر والعصر وبين الطّواف ، ولا يمكن إجراء قاعدة الفراغ في المقام ، ولا يقاس بباب الظهر والعصر ، والوجه أن صحّة العصر لا تتوقف على صحّة الظهر واقعاً فانّ الترتيب بينهما ذكرى ، فلو كان الظهر فاسداً واقعاً صحّ عصره فلا مانع من بطلان ظهره واقعاً وصحّة عصره واقعاً.

__________________

(١) الجواهر ١٩ : ٢٧٣.

(٢) كشف اللثام ٥ : ٤١١.

(٣) كفاية الأُصول : ٤٢١.

(٤) الجواهر ١٩ : ٢٧٣.

١٢

مسألة ٢٨٧ : إذا شكّ في الطهارة بعد الفراغ من الطّواف لم يعتن بالشك (١) وإن كانت الإعادة أحوط ، ولكن تجب الطهارة لصلاة الطّواف (٢).

______________________________________________________

(١) لقاعدة الفراغ ، وقد عرفت عدم اختصاصها بالصلاة ، ولكن تجب الطهارة لصلاة الطّواف لاعتبار إحراز الطهارة فيها.

(٢) قد تحصّل من مجموع ما ذكرنا : أنّه إذا شكّ في الطهارة قبل الشروع في الطّواف ، فان علم أنّ الحالة السابقة كانت هي الطهارة فهو محكوم بالطهارة لاستصحابها ، وإن علم أنّ الحالة السابقة هي الحدث فهو محكوم بالحدث لاستصحابه وتجب عليه الطهارة ، وإن كان المورد من باب توارد الحالتين ولم يعلم السابق واللّاحق تجب عليه الطهارة أيضاً ، وإن شكّ في الطهارة بعد الفراغ من الطّواف يحكم له بصحّة الطّواف على جميع التقادير لقاعدة الفراغ.

هذا كلّه بالنسبة إلى الطّواف ، وأمّا بالنسبة إلى صلاة الطّواف فلا يمكن الحكم بصحّتها بجريان قاعدة الفراغ في الطّواف ، وتفصيل ذلك : أنّه إذا كانت الحالة السابقة هي الطهارة فلا حاجة إلى طهارة جديدة بل يستصحبها ويصلّي صلاة الطّواف وإن كانت الحالة السابقة هي الحدث أو كان المورد من توارد الحالتين ولم يعلم السابق واللّاحق فلا بدّ له من الطهارة لصلاة الطّواف لاعتبار الطهارة فيها ولا بدّ من إحرازها ، وقاعدة الفراغ الجارية في الطّواف إنّما تثبت صحّة العمل السابق الّذي مضى ، وأمّا العمل اللّاحق فلا بدّ من إحراز شرائطه.

وبعبارة اخرى : قاعدة الفراغ لا تثبت أنّ الطّواف كان عن طهارة ، وإنّما تثبت صحّة الطّواف والعمل السابق ولا تتكفل صحّة العمل اللّاحق.

ثمّ إنّه قد يفرض أنّ المكلّف كان محدثاً بالحدث الأصغر ويشك في أنّه توضأ أم لا ، ففي مثل ذلك تجري قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الطّواف ، ويجب عليه الوضوء للصلاة لاشتراطها بالطهارة.

١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد يفرض أنّ الحالة السابقة كانت هي الحدث الأكبر كالجنابة وطاف ثمّ بعد الطّواف يشك في أنّه اغتسل أوّلاً وطاف أم لم يغتسل ، ففي ذلك قد يفرض أنّه لم يحدث بالحدث الأصغر وإنّما الصادر منه الحدث الأكبر فقط ، فهنا لا شك في جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الطّواف ويغتسل لصلاة الطّواف بمقتضى استصحاب الجنابة مثلاً ، وقد عرفت أن قاعدة الفراغ لا تثبت أنّ الطّواف كان مع الغسل وإنّما تثبت صحّة الطّواف فقط.

وقد يفرض أنّه أحدث بالحدث الأصغر بعد الطّواف ، ففي مثل ذلك لا يمكن جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الطّواف ولا يمكن الحكم بصحّة طوافه ، بل لا بدّ له من إعادة الطّواف ، وكذا يجب عليه الجمع بين الوضوء والغسل لصلاة الطّواف ، والوجه في ذلك :

أنّه يعلم إجمالاً إمّا بعدم صحّة جريان الاستصحاب بالنسبة إلى الحدث الأكبر وإمّا بعدم جريان قاعدة الفراغ ، لأنّ المفروض أنّه أحدث بالحدث الأصغر فمقتضى جريان الاستصحاب أنّه بالفعل مجنب ولا بدّ له من الغسل ولا أمر له بالوضوء ، إلّا أنّ المفروض أنّه أحدث بالحدث الأصغر ، فإن كان في الواقع جنباً بالفعل فطوافه باطل لأنّه وقع حال الجنابة ، وإن لم يكن جنباً بالفعل فوظيفته الوضوء لا الغسل فليس له أن يغتسل ويصلّي صلاة الطّواف فاذا اغتسل وصلّى يعلم إجمالاً إمّا ببطلان الطّواف أو ببطلان الصلاة ، لأنّه على تقدير صحّة طوافه واقعاً فهو مأمور بالوضوء للصلاة فعلاً ، لأنّه قد أحدث بالحدث الأصغر ، فالجمع بين جريان الاستصحاب والاغتسال لصلاة الطّواف وبين الحكم بصحّة الطّواف السابق غير ممكن ، فإن أحدهما خلاف الواقع يقيناً ، يعني لو اغتسل وصلّى يعلم إمّا ببطلان الصلاة أو الطّواف ، لأنّه إذا كان مغتسلاً سابقاً فصلاته باطلة ، لأنّ وظيفته الوضوء لا الغسل ، وإن كانت الجنابة باقية ولم يكن مغتسلاً قبلاً فالطواف باطل فهو عالم جزماً ببطلان أحد العملين إمّا يجب عليه الوضوء للصلاة أو يجب عليه إعادة الطّواف لبطلانه ، فالجمع بين استصحاب بقاء الجنابة والاغتسال للصلاة وبين الحكم بصحّة الطّواف السابق ممّا لا يمكن ، فقاعدة الفراغ تسقط للمعارضة ، فإذا سقطت القاعدة تصل النوبة إلى قاعدة

١٤

مسألة ٢٨٨ : إذا لم يتمكن المكلّف من الوضوء يتيمم (١) وأتى بالطواف ، وإذا لم يتمكّن من التيمم أيضاً جرى عليه حكم من لم يتمكّن من أصل الطّواف. فاذا حصل له اليأس من التمكّن لزمته الاستنابة للطواف ، والأحوط الأولى أن يأتي هو أيضاً بالطواف من غير طهارة.

______________________________________________________

الاشتغال ، لأنّه يشك في الامتثال ، كما أنّه يجب عليه الجمع بين الوضوء والغسل لإحراز الطهارة لعدم العلم بحاله وأنّه جنب أو غير جنب ، فيعلم إجمالاً بوجوب أحد الأمرين ، ومن جهة لزوم إحراز الطهارة لا بدّ من الجمع بينهما ، فالشك بعد الفراغ محكوم بعدم الاعتناء في غير هذا المورد الّذي يكون معه علم إجمالي ببطلان العمل السابق أو اللّاحق ، فإنّه إذا فرضنا أنّ الجنب أحدث بالأصغر بعد الطّواف ليس له الاكتفاء بالغسل اعتماداً على استصحاب الجنابة ، ويأتي بصلاة الطّواف عن غسل ، لأنّه مستلزم للعلم بالمخالفة ، فتدبر فان هذه نكتة لم أر من تنبّه إليها.

(١) لأنّ التراب أحد الطهورين وهو بمنزلة الوضوء ، والمعتبر في الطّواف هو الطهارة ، والواجد للماء طهارته الوضوء والفاقد له طهارته التيمم ، وإذا لم يتمكن من التيمم أيضاً فهو فاقد الطهورين فهو في الحقيقة غير متمكن من الطّواف ، لأن عدم التمكن من الشرط موجب لعدم التمكن من المشروط فتصل النوبة إلى الاستنابة ، لما سيأتي (١) أنّ الطّواف تجب فيه المباشرة وإلّا فيستنب.

وبتعبير آخر : أنّ العمل بعهدة المكلف ولكن يقوم به تارة بالمباشرة وأُخرى بالتسبيب بحمله وإطافته ، وإن لم يتمكن من ذلك أيضاً يطاف عنه ، فهذه مراتب الطّواف كما في صحيحة معاوية بن عمار (٢) ، ولكن في المقام لا مجال للإطافة به ، لأنّ المفروض أنّه قادر على إتيان نفس العمل ولكن لا يتمكن من إتيانه مع الطهارة فينتهي الأمر إلى الاستنابة.

__________________

(١) في الصفحة ٩٧ ذيل المسألة ٣٢٦.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٩٠ / أبواب الطّواف ب ٤٧ ح ٤ ، ٦.

١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ويحتمل بعيداً سقوط الطهارة في الطّواف كما احتمل في الصلاة بأن يصلّي بلا طهور وهكذا المقام يطوف بلا طهارة. وهذا الاحتمال ساقط جدّاً ، لأن ظاهر الأدلّة هو الاشتراط على الإطلاق للقادر والعاجز.

نعم ، لا بأس بالاحتياط بأن يطوف بلا طهارة ويستنيب فيما إذا كان الحدث حدثاً أصغر.

وحكى في الجواهر عن الفخر عن والده (قدس سره) أنّه لا يرى إجزاء التيمم فيه بدلاً عن الغسل ، لعدم مشروعية التيمم للجنب من أجل الدخول في المسجدين ولا اللّبث في سائر المساجد ، ومقتضى ذلك عدم مشروعيته للطواف لاستلزامه الدخول واللّبث في المسجد (١).

ويندفع بأنّ التيمم للطواف نفسه لا للدخول في المسجد نظير التيمم للصلاة فيكون متطهراً فيجوز له الدخول في المسجد للصلاة.

هذا مضافاً إلى ما ذكرناه في باب التيمم (٢) من قيام الطهارة الترابية مقام المائية فإنّ الطهارة الترابية لها نفس الخصوصية المائية الثابتة لها فلا موجب للاستنابة ، نعم هو أحوط.

وإن لم يتمكن من التيمم يتعين عليه الاستنابة لحرمة دخول الجنب في المسجد والاحتياط بالطواف من غير طهارة غير جار في المقام.

فظهر أنّ المكلف إذا كان محدثاً بالحدث الأصغر ولم يتمكن من الوضوء يتيمم ويأتي بالطواف ، وإن لم يتمكن من التيمم أيضاً يستنيب ، والأحوط استحباباً أن يأتي هو أيضاً بالطواف من غير طهارة ، وأمّا إذا كان محدثاً بالحدث الأكبر فيتعيّن عليه الاستنابة ولا يجوز له الدخول في المسجد ولا يحتاط بالطواف بنفسه. وهكذا الحال في الحائض والنفساء إذا تعذر الاغتسال.

__________________

(١) الجواهر ١٩ : ٢٧٠.

(٢) في المسألة [١١٤٨].

١٦

مسألة ٢٨٩ : يجب على الحائض والنفساء بعد انقضاء أيّامهما وعلى المجنب الاغتسال للطواف ، ومع تعذر الاغتسال واليأس من التمكن منه يجب الطّواف مع التيمم والأحوط الأُولى حينئذ الاستنابة أيضاً ، ومع تعذر التيمم تتعين عليه الاستنابة (١).

مسألة ٢٩٠ : إذا حاضت المرأة في عمرة التمتّع حال الإحرام أو بعده وقد وسع الوقت لأداء أعمالها صبرت إلى أن تطهر فتغتسل وتأتي بأعمالها ، وإن لم يسع الوقت فللمسألة صورتان :

الاولى : أن يكون حيضها عند إحرامها أو قبل أن تحرم ففي هذه الصورة ينقلب حجها إلى الافراد ، وبعد الفراغ من الحج تجب عليها العمرة المفردة إذا تمكّنت منها.

الثانية : أن يكون حيضها بعد الإحرام ، ففي هذه الصورة تتخير بين الإتيان بحج الافراد كما في الصورة الأُولى ، وبين أن تأتي بأعمال عمرة التمتّع من دون طواف ، فتسعى وتقصّر ثمّ تحرم للحج ، وبعد ما ترجع إلى مكّة بعد الفراغ من أعمال منى تقضي طواف العمرة قبل طواف الحج ، وفيما إذا تيقنت ببقاء حيضها وعدم تمكّنها من الطّواف حتّى بعد رجوعها من منى استنابت لطوافها ثمّ أتت بالسعي بنفسها. ثمّ إنّ اليوم الّذي يجب عليها الاستظهار فيه بحكم أيّام الحيض فيجري عليها حكمها (٢).

______________________________________________________

(١) قد ذكرنا حكم هذه المسألة في ضمن بيان حكم المسألة السابقة.

(٢) يطرأ الحيض تارة قبل الطّواف وأُخرى في أثنائه وثالثة بعده.

ثمّ إنّه قد يفرض أنّها متمكّنة من إتيان الطّواف مع الاغتسال كما إذا حاضت المرأة في سعة الوقت ، وقد يفرض أنّها غير متمكّنة من الطّواف مع الطهارة كما إذا ضاق الوقت عن إتيان الطّواف متطهرة فهذه صور تذكر في ضمن مسائل.

١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الأُولى : ما إذا طرأ الحيض قبل الطّواف ، سواء حاضت حال الإحرام أو بعده وفرضنا سعة الوقت لأداء أعمالها ، فلا ريب في أنّه يجب عليها الصبر إلى أن تطهر وتغتسل وتأتي بأعمالها.

وأمّا إذا لم يسع الوقت فالمعروف والمشهور أنّها تعدل إلى حج الإفراد. وقيل بالتخيير بين العدول إلى الافراد وبين ترك الطّواف والإتيان بالسعي ، ثمّ الإتيان بأعمال الحج وقضاء طواف العمرة بعد ذلك.

وهنا أقوال أُخر ذكرناها في شرح كتاب العروة في المسألة الرابعة من فصل صورة حجّ التمتّع (١) والقول المشهور هو الصحيح في بعض الفروض فإنّ الحائض على قسمين :

أحدهما : أن يكون حيضها عند إحرامها أو قبل أن تحرم.

ثانيهما : ما إذا طرأ الحيض بعد الإحرام.

أمّا الأوّل : فوظيفتها ما ذكره المشهور من انقلاب حجّها إلى الافراد وبعد الفراغ من الحج تجب عليها العمرة المفردة.

وأمّا الثاني : فهي مخيّرة بين العدول إلى الافراد وتأتي بعمرة مفردة ، وبين أن تترك الطّواف وتبقى على عمرتها وتسعى وتقصر ثمّ تحرم للحج ، وبعد أداء المناسك تقضي طواف العمرة ثمّ تأتي بطواف الحج ، والوجه في هذا التفصيل ما ذكرناه مبسوطاً في شرح كتاب العروة (٢) وملخّصه : أنّ الروايات الواردة في المقام على أقسام :

فمنها : ما دلّ على العدول إلى الافراد من دون تفصيل بين حدوث الحيض عند الإحرام أو طروئه بعد الإحرام ، وهي صحيحة جميل «عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية ، قال : تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجّة ، ثمّ تقيم حتّى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتجعلها عمرة» (٣).

__________________

(١) شرح العروة ٢٧ : ٢٤٢ المسألة [٣٢١١].

(٢) المصدر السابق.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٩٦ / أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ٢.

١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : ما دلّ على أن وظيفتها حجّ الافراد ولكن موردها حدوث الحيض من أوّل الإحرام ، وهي صحيحة زرارة ومعاوية بن عمار الواردتان في قضية نفاس أسماء بنت عميس حين أرادت الإحرام من ذي الحليفة (١).

وهاتان الطائفتان لا معارض لهما ، فيتعيّن عليها العدول في هذا الفرض ، أي ما إذا كان الحيض قبل الإحرام.

وأمّا إذا طرأ الحيض بعد الإحرام وقبل الطّواف فالروايات مختلفة ، ففي مصححة إسحاق «عن المرأة تجي‌ء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتّى تخرج إلى عرفات قال : تصير حجّة مفردة ، قلت : عليها شي‌ء؟ قال : دم تهريقه وهي أُضحيتها» (٢).

وبإزائها روايات تدل على بقائها على عمرتها وقضاء الطّواف والصلاة بعد أداء المناسك ، منها صحيحة العلاء وعجلان (٣) فهاتان الطائفتان متنافيتان ولا بدّ من العلاج بينهما ، فان بنينا في أمثال هذه الموارد ممّا أُمر المكلّف بشيئين وعلمنا من الخارج بأنّ الواجب عليه أحدهما كالأمر بالقصر والتمام في مورد واحد على التعارض فاللّازم إعمال قواعد التعارض. وإن قلنا بعدم التعارض وأن لهما جمعاً عرفياً فلا بدّ من العمل بهما.

والظاهر إمكان الجمع بينهما وهو قاض بالتخيير ، لأن أصل الوجوب مستفاد من النص ولا يمكن رفع اليد عن وجوب كل منهما ، وأمّا وجوب كل منهما على سبيل التعيين فيستفاد من إطلاق كل من الخبرين ، فنرفع اليد عن إطلاق كل منهما بنص الآخر ، ونتيجة ذلك هي التخيير فيعمل بكل من الخبرين.

ولو قلنا بالتعارض فيسقطان معاً فيرجع إلى صحيح جميل الدال على العدول مطلقاً ، فليس لها الاكتفاء بإتيان بعض أعمال العمرة وتأخير الطّواف.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٦٢ / أبواب الطّواف ب ٩١ ح ١ والوسائل ١٢ : ٤٠١ / أبواب الإحرام ب ٤٩ ح ١.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٩٩ / أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ١٣.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٤٨ / أبواب الطّواف ب ٨٤ ح ١ ، ٢.

١٩

مسألة ٢٩١ : إذا حاضت المحرمة أثناء طوافها فالمشهور على أن طروء الحيض إذا كان قبل تمام أربعة أشواط بطل طوافها ، وإذا كان بعده صحّ ما أتت به ووجب عليها إتمامه بعد الطّهر والاغتسال ، والأحوط في كلتا الصورتين أن تأتي بطواف كامل تنوي به الأعم من التمام والإتمام. هذا فيما إذا وسع الوقت ، وإلّا سعت وقصّرت وأحرمت للحج ، ولزمها الإتيان بقضاء طوافها بعد الرجوع من منى وقبل طواف الحج على النحو الّذي ذكرناه (١).

______________________________________________________

هذا كلّه إذا تمكّنت من إتيان بقية أعمال العمرة من السعي والتقصير ، وأمّا إذا فرضنا أنّها لا تتمكّن من ذلك لعدم سعة الوقت للسعي وعدم صبر الرفقة فيفوت منها الوقوف ، فوظيفتها العدول إلى الافراد كما في صحيح مرازم (١) وغيره ، فان مقتضى الجمع بين الروايات أنّ المناط في العدول وعدمه درك الوقوف الاختياري لعرفة وعدمه ، وهذا من دون فرق بين الحائض وغيرها من ذوي الأعذار.

(١) هذه الصورة الثانية : وهي ما إذا طرأ الحيض أثناء الطّواف ، فقد ذهب المشهور إلى بطلان طوافها إذا طرأ الحيض قبل إتمام الشوط الرابع ، ويجب عليها الاستئناف. وذهب الصدوق إلى أنّها تعتد بما مضى وبعد الطّهر تأتي ببقية الأشواط (٢) وهذه الصورة لها أقسام يظهر حكمها في ضمن مسائل :

المسألة الأُولى : ما إذا حاضت المرأة قبل إتمام الشوط الرابع وتتمكن من الإتمام أو الاستئناف.

الثانية : نفس الصورة ولكن المفروض أنّها لا تتمكن من الاستئناف أو الإتمام.

الثالثة : ما إذا حاضت بعد الأربعة.

أمّا المسألة الأُولى : كما إذا فرضنا أنّها حاضت في أوّل ذي الحجة وعادتها خمسة

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٩٥ / أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ح ١٤ ، والوسائل ١١ : ٢٩٦ / أبواب أقسام الحج ب ٢١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٤١.

٢٠